الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  الجمعه  17 رمضان  1445 - Fri  29 Mar 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
الرئيسية   أرشيف  > ثورة سيد الشهداء عليه السلام أكثر الأمور حيوية لتمييز الحق عن الباطل

ثورة سيد الشهداء عليه السلام أكثر الأمور حيوية لتمييز الحق عن الباطل


ثورة سيّد الشهداء عليه السلام أكثر الأمور حيويّة لتمييز الحقّ عن الباطل

فقضية ثورة سيّد الشهداء عليه السلام, وشهادة هذا الرجل العظيم, قد أقيمت في الثقافة الشيعيّة بعنوانها الشعار الأبرز والأكثر حيويّة لفرز الحقّ عن الباطل وتمييزهما, وذلك في جميع المراتب والمراحل التكامليّة للإنسان, ولا مناص لأيّ شخص من الانقياد بهذا الإمام واتّباع حركته في جميع مستوياتها وأنحائها, سواء قبل عاشوراء أم بعدها, لأنّ هذه الواقعة مع خصوصيّاتها وظروفها المحيطة بها, لهي حدثٌ استثنائيّ على امتداد تاريخ البشريّة, حيث صدرت وتحقّقت بواسطة أحد الأئمّة المعصومين عليه السلام, لا على يد أحد الأفراد العاديّين أو العلماء العاديّين.

فوجهة نظر الثقافة الشيعيّة بالنسبة إلى عاشوراء, تختلف عن جميع الرؤى الأخرى اختلافاً ماهويّاً وأساسيّاً, وعلى حدّ قول مولانا:

هر كسى از ظنّ خود شد يار من

وز درون من نجست اسرار من([2])

فمن منطلق الثقافة الشيعيّة, ليست مظلوميّة سيّد الشهداء عليه السلام كامنة في أنّ جماعة ممّن لا يمتّون إلى الله بصلة, أغاروا على عدّة من ذراري النبيّ وأولاده, وقضوا عليهم بحدّ السيف؛ كبارهم وصغارهم, وحتّى الطفل الرضيع لم يتركوه, ثمّ بعد استشهادهم أخذوا أهل بيت رسول الله وهم في حالة فجيعة ومخزية, وطافوا بهم البلاد والشوارع أمام الملأ العامّ, وهم أسارى مكبّلون بالأغلال والزناجير, وفعلوا ما أخجل صفحات التاريخ أنْ تذكره!

بل إنّ مظلوميّة سيّد الشهداء في أنّه لم يطّلع أحدٌ على حقيقة هذه الحادثة وروحها وقلبها, فالجاهل العامّي أو العالم الخبير - جميعهم ودون استثناء - إنّما درسوا هذه الحادثة من خلال نفس معكّرة وروح غير صافية, وبيّنوها بواسطة أفكارهم الطفوليّة؛ فالعاميّ ينظر إلى هذه الحادثة على أنّها تقرح القلب وتفتّته, فيلطم على رأسه وصدره, ويقيم مأتم الأسى ويذرف الدمع لأجل هذه المصيبة. وبشكلّ عامّ, تراه يثير النكات العاطفيّة والإحساسيّة لهذه الحادثة, ويستجلب عينه وأذنه وحواسّه نحوها, إلى الحدّ الذي لا يعود هناك مجالٌ آخر للتأمّل والتفكّر في الجهة الحيويّة والأساسيّة لهذه الواقعة, وعلى هذا الأساس لا يبقى أيّ مجال لتبلور هويّة واقعة كربلاء, وبروز أهدافها التي كانت من أجلها.

إنّ تحليل تاريخ عاشوراء ودراسته بعنوان أنّه حقبة تاريخية تحاكي واقعة عاطفيّة محزنة, ومؤلمة ألماً ظاهريّاً, بحيث يكون في هذا الجانب ابن رسول الله مع أهله وعياله الغرباء, وقليل من أصحابه وأنصاره المخلصين, ومن الجانب الآخر هناك يزيد الخبيث وجيشه المتكاثرون.. عبيد الدنيا.. الغادرون الآثمون, ولم يكتفوا بمحو دين رسول الله وإطفاء مدرسة الولاية فحسب, وإنّما جاءوا لقتل شخص الإمام وأهل بيته وسلبهم ظلماً وعدواناً, دون أيّ مسامحة ولا صفح اتجاه ذاك المعتدى عليه البريء, والمنزّه عن اقتراف أيّ ذنب في كلّ وجوده.

فمهما كانت واقعة عاشوراء فظيعة, ومهما بلغت جنايتها ووقاحتها؛ فقد مضت وانصرمتْ على كلّ حال, وأيّة فائدة وأيّ نفع في إقامة المآتم والبكاء على أمرٍ قد مضى على زمن وقوعه مئات السنين, وأيّ حاجة تُبتغى جرّاء هذه المآتم؟ وهل كانت جميع هذه التأكيدات المتواترة والأوامر الكثيرة, الصادرة من الأئمّة المعصومين عليهم السلام في إقامة مجالس العزاء وذكر مصيبة سيّد الشهداء وأميرهم, والبكاء عليه وعلى أهل بيته المظلومين, هل كان كلّ ذلك لمجرّد البكاء على أمرٍ مضى؟! أو أنّ المقصود هو شيء آخر؟

مجالس عزاء سيّد الشهداء قد انحرفت عن مسارها الأصيل

ولذا ومع كامل الأسف, نشاهد كيف جرتْ عليه العادة في هذه الأيّام من الرثاء والعزاء, وذكر مصيبة أبي عبد الله الحسين أرواحنا له الفداء, حيث أنّها خرجت عن صورتها المنطقيّة والعباديّة, وانحرفت صوبَ الأغراض الاعتباريّة والوهميّة الدنيويّة. فهدف القرّاء والنادبين وغايتهم متمركزة حول إيجاد المؤثّرات والإثارة, وإحداث البريق وجلب التوجّه الظاهريّين لهذه المصائب, وتهييج عواطف الناس وخاصّة طبقة الشباب, بأيّ وسيلة وبأيّ تعبير, وبأيّ نحو من أنحاء لفت النظر واستجلاب الطرف الآخر, وكلّما كان القارئ موفّقاً في ذلك بشكل أكبر كان مرغوباً به أكثر! ولو نتجرّأ قليلاً على أنفسنا, ونقايس بين هذه المجالس وسائر المجالس العاديّة, فينبغي أنْ نقول: إنّها أشبه بالأعمال المسرحيّة والفنونيّة! ولا تليقُ بمجالس معقودةٍ لبيان منزلة إمامٍ معصومٍ عليه السلام, ولا تتناسب مع شأنه, فالهدف من هذه الأمور مجرّد البكاء بشكلٍ أكثر واللّطم على الرأس والصراخ والعويل بشكل أزيد.. وبسّ!

وكأنّ صاحب العزاء والمصيبة محتاج إلى بكائنا وعويلنا بهذا الشكل وبهذه الكيفيّة! وكأنّنا بذلك نخرجه من غربته, ونضفي على قامته لباس العزّ والاقتدار! ونمحو مظلوميّته ونجلوها, ونعلن له أنْ: يا حسين! إنْ كنت وحيداً في كربلاء دون ناصر ولا معين يدافع عنك وعن حرمك أمام ذئاب الفلوات, فتعالَ وانظر إلى هذا الجمع من العشّاق والوالهين كيف يصرخون في عزائك ويلطمون على رؤوسهم ويذرفون الدموع وقولوبهم تحترق عزاءً لك!

أبعاد ثورة سيّد الشهداء عليه السلام لا تنحصر بخصوص مقارعة الظلم

فسيّد الشهداء عليه السلام بناء على هذه الرؤية, هو شخصٌ مظلومٌ ومغلوب عليه, لأنّ جيش يزيد واجهه بقسوة وشدّة, ولو قابله جيش يزيد بنحو آخر مثلاً: (كأنْ لم يمنعوه من شرب الماء العذب, ولم يرموا طفله الرضيع بالسهم ظلماً ولم يقتلوه, أو أنّه بعد شهادته لم يغيروا على حريمه وخيامه ولم يحرقوها بالنار, أو أنّهم لم يكبّلوا أهل بيته بالأغلال والزناجير, ولم يسوقوهم في الصحاري بتلك الصورة الفجيعة و...) فلم يكن هناك أيّ مسوّغ أو سبب لهكذا نحوٍ من العزاء والرزيّة؛ تماماً كما أنّه لا يقام هكذا عزاء لأجل بقية أئمّة الهدى عليهم السلام كالإمام الحسن المجتبى وحضرة السجّاد وغيرهما, حيث ينتهي المجلس في مناسباتهم بشكل عاديّ ولا يتعدّى التعزية العاديّة. لأجل ذلك يتّضح جليّاً أنْ كلّ هذا الحماسة والعواطف, وإبراز الغمّ والحداد على سيّد الشهداء عليه السلام إنّما هو لأجل ملاحظة كيفيّةٍ استثنائيّةٍ ترجع إلى طبيعة شهادته, دن ملاحظة أصل مراتب الإمامة, والظلم الواقع على الإمام عليه السلام من حيثيّة نفس إمامته وولايته, كسائر أئمّتنا عليهم السلام.

نعم بالطّبع, لا يمكننا تحميل هذه الحقيقة على العوامّ ومواجهتهم بها, لأنّهم غير محصّنين بالمعارف والأصول الاعتقاديّة للإسلام بشكل عميق, ومن الطبيعي أنّهم يواجهون هذه المسائل وهذه الحوادث التاريخيّة من خلال أحاسيسهم وعواطفهم المنسجمة مع رؤيتهم.

وفي مقابل النظرة العامّية, هناك الرؤية التنويريّة (حسب الاصطلاح الشائع والخاطئ) بالنسبة لأبي عبد الله عليه السلام. فهي وجهة النظر التي تحصر جميع استعداد الإمام عليه السلام وقابليّته وشخصيّته, وحالاته ومراتبه الكماليّة, وفعليّاته في خصوص المبارزة مع الظلم ومقارعة الجور لدى البلاط الملكيّ والإمبراطوريّ لبني أميّة, وبالخصوص يزيد الآثم؛ وعلى هذه الرؤية تتوجّه الأنظار إلى خصوص شخصيّة الإمام عليه السلام وحاله فحسب. ولو أردنا أن نقيّم هذه النظرة من جهة ملاحظة ساير جوانب الإمام عليه السلام وكمالاته, فيجب أنْ نعطي لجميع أبعاده الوجوديّة عشرة بالمائة فقط, ونترك لحيثية مبارزة الإمام ومواجهته للحكومة الأمويّة الجائرة التسعين بالمائة, وعلينا أن نتعامل مع شخصيّة هذا الإمام على أنّه شخصٌ مناضل ومكافح, ومعارض للظلم والفساد, تماماً كسائر الأفراد الذين جاءوا وجاهدوا طوال التاريخ, مثل: كاوه آهنكر و يعقوب ليث و جاندارك و إقبال و غاندي وغيرهم, ممّن غلب عليهم صفة الكفاح ضدّ الفساد, والنضال لقلع ظلم الحكّام واقتلاع جبابرة زمانهم.

ومن وجهة نظر هؤلاء, سوف يكون الإمام عليه السلام ـ سواء سيّد الشهداء أم أيّ إمام آخر ـ مجرّد مجاهد ضدّ النظم الجائرة لا أكثر, وعليهم أنْ يستقرئوا ويتتبّعوا مواقفه الجهاديّةنضالنضاليّة, لمعرفة مواقف الإمام المشرقة, وإذا ما قصّرت صفحات التاريخ في سردها لهذا الجانب أثناء تأريخ حياة الإمام, أو أنّه لم يُصر إلى إبرازها بشكل جليّ وواضح, فسيتمحّلون لصقلها وصياغتها, ويُتعبون أنفسهم ليثبتوا للعوامّ أنّ شخصيّة الإمام شخصيّة ثوروية, وذلك كي لا يتأتّى الإشكال ولا يتوجّه الإيراد ـ لا قدّر الله ـ على أصل إمامته وولايته وزعامته فيما لو خلتْ من حيثيّة المبارزة!

بناءً على هذه النظرة, سوف يكون هناك فارقٌ شاسع بين الأئمّة عليهم السلام من هذه الجهة شدّة وضعفاً, وستختلف شخصيّة سيّد الشهداء عليه السلام مع أخيه الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام اختلافاً ملحوظاً, ونعوذ بالله, بناء على هذا سوف يتوجّه النقص إلى سبط رسول الله الأكبر, بل من الممكن أنْ تقع إمامته تحت السؤال والاستفهام!!

وهذه النظرة كانت موجودة حتّى في زمان نفس الإمام المجتبى عليه السلام, وقد تعرّض إلى سهام الاعتراض والتعابير القبيحة والمدهشة بعد صلحه مع معاوية, وذلك من أقرب أصحابه.

الاعتراض على الإمام المجتبى عليه السلام بسبب عدم قيامه ناشئ من الجهل

لاحظوا مظلوميّة هذا الإمام! كيف أنّه كان مضطرّاً للدفاع عن هدفه ومنهجه إلى الاستعانة بالحديث النبويّ القائل: الحسن والحسين إمامان, قاما أو قعدا! ليردّ عن نفسه, ويخلّصها من رميهم بسهام التهمة, وليبعد نفسه عن دائرة السبّ والتشنيع, وهو ما قد صدر من أصحابه وأتباعه القريبين.([3])

ولو تجاوزنا عن كلّ ذلك, فحيث أنّ هذه المسألة جارية ومنطبقه على آخر قائدٍ وإمام لنا, بقيّة الله الأعظم أرواحنا فداه, ومندرجة عليه طوال ما يزيد على الألف سنة من عدم المواجهة والمبارزة, فيجب أن يدّعى بأنّ الإشكال والاعتراض متوجّه عليه أكثر من باقي الأئمّة؛ وينبغي أنْ يقال: إنّه لم يقم ـ نعوذ بالله ـ بمهام الإمامة والقيادة طوال هذه القرون المتمادية والعصور المترامية!

هذه الرؤية.. نظير الرؤية الأولى.. ناشئة من الجهل وعدم معرفة حقيقة الإمامة, فهم ينظرون إلى أمرٍ هامّ بهذه الخطورة بالعين الحولى والعليلة, وكأنّ الإمام شخصٌ عاديّ, فهم يقيسون الإمام على أنفسهم, وينزّلون مشاعر الإمام ومدركاته على حدّ مدركاتهم الشخصيّة ومشاعرهم... نعوذ بالله من الجهل والضلالة والبُعد والغواية.

 


 

([2]) هو الشاعر الجليل مولانا جلال الدين الرومي , والمعنى:

 كلّ شخص صار ناصراً لي ولكن حسب تخيّله وظنّه وعلى أساس مستوى تفكيره الشخصي, والحال أنّه ليس هناك أحد استطاع أن يدخل إلى باطني ويعرف الأسرار الموجودة في قلبي.

([3]) من جملة المعترضين على الإمام عليه السلام: سليمان بن صُرد الخزاعيّ و حجر ابن عديّ و سفيان بن أبي ليلى و أبي سعيد عقيصا, وقد ذكر ذلك في بحار الأنوار 4: 29 وكذلك مناقب آل أبي طالب 4: 35 وكذلك الإمامة والسياسة و الأخبار الطوال و مقاتل الطالبين و رجال الكشّي.

وفي علل الشرائع 1: 211 يقول:

... عن أبي سعيد عقيصا قال قلت للحسن بن عليّ بن أبي طالب: يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحقّ لك دونه وأنّ معاوية ضالّ باغ؟ فقال: يا أبا سعيد ألستُ حجّة الله تعالى ذكره على خلقه وإماما عليهم بعد أبي عليه السلام؟ قلت: بلى, قال: ألست الذي قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت: بلى قال: فأنا إذن إمام لو قمت, وأنا إمام إذ لو قعدت، يا أبا سعيد علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبيّة, أولئك كفّار بالتنزيل, ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل [أي بولاية المعصومين وإمامتهم عليهم السلام] يا أبا سعيد إذا كنتُ إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفّه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة, وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا [سواء تعلّق رأيي بالمصالحة والمهادنة أم الحرب والمكافحة مع أهل الباطل والضلال] ألا ترى الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السلام فعله, لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره, فرضي, هكذا أنا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.

وكذلك في تاريخ الخلفاء صفحة 74 حيث يذكر:

وكان أصحابه يقولون له يا عار المؤمنين فيقول: العار خير من النار.

 

چاپ ارسال به دوستان
 
الإستفتاء
الإسم:    
البريد الإلكترونيّ:    
التاریخ    
الموضوع:    
النص:    

أدخل الرمز أو العبارة التي تراها في هذه الصورة بدقة

اگر در دیدن این کد مشکل دارید با مدیر سایت تماس بگیرید 
عوض الرمز الجديد

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی