الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  الخمیس  16 رمضان  1445 - Thers  28 Mar 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
الرئيسية   أرشيف  > سر الفتوح: القسم الثالث

سر الفتوح: القسم الثالث


______________________________________________________

سر الفتوح: القسم الثالث

هل السير والسلوك ينتهي بمعرفة الوليّ المطلق الإمام الحجّة أرواحنا فداه, أم أنّ الهدف هو معرفة ذات الحق تعالى؟

______________________________________________________

وأما حول المدعى الثالث, الذي يقول بانتهاء السير عند معرفة الوليّ المطلق الإمام الحجّة صلوات الله عليه، فيجب القول: إنّ هذا أيضاً خطأ واشتباه كبير؛ لأنّ وجود الإمام صاحب الزمان ليس وجوداً مستقلاً، كما أنّ صفات ذلك الإمام وأسماءه ليس مستقلّة أيضاً، وإلا فلزوم الشرك واضح من هذه العبارة. بل وجود ذلك الإمام ظلّي وتبعي، أي إنّ كلّ ما لديه هو من الله، فصفات الله عز وجل وأسماؤه تجلّت في ذلك الإمام، وعليه فهذا الإمام هو مكان تجلّي الله سبحانه وتعالى، ومرآته التي تمثّل ذات الله وجماله وجلاله. وهذا المطلب من بديهيّات الإسلام وضروريّاته، وهو دين التوحيد الذي لا يعتبر لأي موجود ـ سواء كان كلّياً أم جزئيّاً صغيراً أم كبيراً ـ أي وجود مستقل، بل يرى أن جميع الموجودات هي مظاهر وتجلّيات للذات المقدّسة لواجب الوجود. وكل واحد يشير إلى الحق تعالى بحسب ضيق ماهيّاته وهويّاته وسعتها.

من هنا يعتبر القرآن الكريم أنّ جميع الموجودات الملكيّة والملكوتيّة آيات إلهيّة؛ يعني أنها مشيرة إلى الله تعالى ومظهر له؛ حيث يعتبر الليل والنهار واختلافهما، والرياح والغيوم والمطر، والبحار والسفن، واخضرار الأشجار والنباتات، والنبي عيسى وأمه مريم، وناقة صالح، وجبرائيل وسائر المخلوقات التي يذكرها.. يعتبرها كلّها آيات إلهيّة.

كما أنّ الروايات أيضاً لا تقبل مقاماً مستقلاً للأئمّة، وتعدّ هذا الكلام تفويضاً وخطأً، بل ترى أن كلّ كمال ومقام لديهم هو من عند الله ومع الله ولله، وهم أوجه ظهوره ومرآته فقط. فهم الطريق والصراط وجسر الهداية للوصول إلى مقام العزّ الشامخ للحقّ عزّ وجل.

فالمقصد والمقصود هو الله وذاته المقدّسة وأسماؤه وصفاته، والأئمّة هم واسطة الفيض في كلا قوسَي النزول والصعود.

وبناء عليه فوجود الإمام بقيّة الله أرواحنا فداه وجود مرآتي وآيتي لوجود الحق سبحانه وتعالى، وعليه فمعرفة هذا الإمام الحجّة يجب أن تكون بعنوان الآيتيّة والمرآتيّة لمعرفة ذات الله تعالى. وبتعبير علمي: وجود ذلك الإمام بالنسبة إلى وجود الله سبحانه وتعالى هو معنى حرفي بالنسبة للمعنى الإسمي.

ولذا، فإنّ الطريق إلى الله وسبيل السير نحو الله تعالى هو الإمام، ولكن المقصد والمقصود هو الله سبحانه وتعالى. وواضح أنّنا إذا جعلنا الطريق هو المقصد نكون قد أخطأنا خطأً كبيراً.

ويجب أن نجعل هدفنا ومقصدنا السير إلى الله، ولقاء الله، والوصول إلى الله، ومعرفة الله، والفناء والاندكاك في ذات الله عز وجل، غاية الأمر، بما أنه لا يمكننا الوصول إلى الهدف دون طيّ هذا الطريق، ولا نستطيع الحصول على هذا المطلب بدون العبور من هذا الطريق؛ كان علينا أن نمشي في هذا الطريق ونقطعه للوصول إلى هدفنا ومقصدنا.

وبما أنّنا لا نستطيع النظر إلى عين الشمس بدون مرآة، فعلينا أن ننظر إلى جمالها من خلال الماء أو المرآة، فالمرآة بالنسبة للشمس لها معنى حرفي، لا أنها مظهرة لنفسها بل هي مظهرة وعاكسة للشمس. ومن جهة أخرى لا نستطيع أن نترك النظر إلى الشمس وأنوارها وحرارتها ولمعانها؛ لأنّها مصدر الحياة، ولا نستطيع أيضاً النظر إلى المرآة بصفتها شي منفصل ومستقل، لأنّها في هذه الحالة لا تكون مظهرة للشمس ولا تعكس وجه الشمس فيها، بل تكون المرآة في هذه الحالة مظهرة لنفسها بما هي قطعة زجاج مصقول، وفي الحقيقة تفقد عندئذٍ عنوان المرآتيّة فيها.

أما لو نظرنا إلى الماء أو المرآة بعنوان كونها مرآة وعاكسة، فلن نراها عندئذٍ، بل ما نراه فيها هو الشمس، إذن يجب علينا ننظر في المرآة لكي نرى الشمس، وليس لدينا طريق آخر غير هذا، وبعبارة علميّة: المرآة هي ما به يُنظر لا ما فيه يُنظر.

إن الوجود المقدّس للإمام بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه هو مرآة تامّة مظهرة للحق تعالى، وعلينا أن نرى الله من خلال تلك المرآة لا أن نرى نفس المرآة؛ لأنها لا تمتلك ذاتاً، ولا يمكن بدونها أن يُرى الحق تعالى؛ لأنّ الحق تعالى لا يُرى بدونها.

إذن يجب علينا أن نرى الله سبحانه وتعالى عن طريق مرآة ذاك الولي الأعظم، وأن نسعى للوصول إليه.

إن الله تعالى هو المخاطب في الأدعية والمناجاة، عن طريق ذلك الإمام الذي هو السبيل للوصول إليه. وعليه فإذا عرضنا حاجتنا على الإمام عليه السلام وجعلناه هو المخاطب، فلا بد أن نلتفت في هذه الحالة أن لا نعتبره عنواناً مستقلاً عن الله تعالى؛ بل يجب علينا أن نخاطبه بعنوان كونه واسطة ومرآة، وأن لا يغفل ذهننا عن هذا الأمر. وفي الحقيقة أننا جعلنا المخاطب هو الله سبحانه؛ لأنّ المرآة بما تؤدّيه من وظيفة المرآتيّة لا تقبل النظرة الاستقلاليّة، بل تقبل النظرة التبعيّة، وتكون النظرة الاستقلاليّة فيها بمقدار انعكاس الصورة فيها.

وهذه المسألة من أهم مسائل باب العرفان والتوحيد؛ باعتبار أن كثرات هذا العالم لا تتنافى مع وحدة ذات الله؛ لأنّ الوحدة هي الوجود الأصلي، والكثرات هي الوجود التبعي والظلّي والمرآتي؛ وهنا تتّضح جليّاً مسألة الولاية، باعتبار أن حقيقة الولاية هي نفسها حقيقة التوحيد، وأن قدرة الإمام وعظمته وعلمه وإحاطته هي عين قدرة الحق تبارك وتعالى وعظمته وعلمه وإحاطته، لا اثنينيّة بينهما ولا فرق أبداً.

بل إن الطلب من الله بدون عنوان وساطة ومرآتيّة الإمام لا معنى له، كما أن الطلب من الإمام مستقلاً بدون عنوان الوساطة والمرآتيّة لذات الله تعالى لا معنى له أيضاً.

وفي الحقيقة، الطلب من الإمام والطلب من الله، هو شيء واحد؛ ليس فقط شيء واحد من جهة اللفظ والعبارة ومن جهة الأدب والبيان، بل هما شيء واحد من جهة الحقيقة ونص الواقع أيضاً؛ لأنه لا شيء سوى الله. {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام}[9]

وهنا اتجهت طائفتان إلى الضلال والضياع: الأولى الطائفة الوهّابية، والثانية الطائفة الشيخيّة.

أما الطائفة الوهّابية، فتعتبر أن القدرة والعظمة والعلم والإحاطة هي لذات الحق المقدّسة، ولكنهم يلغون عنوان الوساطة والمرآتيّة.

وعليه فهم واقعون في إشكال وخطأ كبير، لن يخلصوا منه أبداً حتى لو فكروا إلى يوم القيامة؛ وهذا الإشكال هو: أننا نشاهد الكثرات في هذا العالم بالوجدان والشهود، ونرى أن هذه الكثرات تمتلك قدرة وعظمة وعلماً وحياة، فإذا اعتقدنا بأن القدرة موجودة في ذات الحق الأزليّة بدون هذه الكثرات وهذه المرايا، فسيصبح هذا الكلام خطأً بالوجدان؛ إذ أن القدرة مشهودة وجداناً في الموجودات، وإذا اعتقدنا بأن هذه الموجودات تمتلك قدرة مستقلّة ـ وإن كانت بسبب إعطاء الحق إيّاها ـ فإن هذا الكلام سيوجب الشرك أيضاً وتعدّد الآلهة، فضلاً عن آلاف المشاكل الأخرى التي لا تنحل أبداً؛ لأنّ لازم هذا الكلام نشوء موجودات من ذات الحق تبارك وتعالى، وهذا الكلام هو عين التفويض، والحال أنّنا نعلم أن الله {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد}[10].

وبناء عليه، فليس لدينا أي مخرج علمي وفلسفي إلا إذا اعتقدنا أن الكثرات هي مظاهر وتجلّيات لذات الحق تعالى؛ بحيث تظهر قدرة الباري تعالى وعظمته وعلمه وسائر أسمائه وصفاته عز وجل في هذه الموجودات، كلٌّ بحسب سعة أو ضيق ماهيّته وهويّته، ولذا من الطبيعي أن تظهر وتبرز أكثر في الأرواح المجرّدة والنفوس القدسيّة للأنبياء والأئمّة عليهم السلام والإمام المهدي أرواحنا فداه؛ لأنّ السعة الوجوديّة لديهم أكبر بكثير. وعليه ففي نفس الوقت الذي تختصّ فيه القدرة والعلم بالله سبحانه وتعالى، يكون أيضاً ظهوره في هذه المرايا غير قابل للإنكار بالشهود، كما أنه أمر ٌضروريٌّ وثابتٌ بالعقل.

إن الظهور والظاهر والحضور والحاضر هما شيء واحد؛ فالمعنى الحرفي مندكٌّ في المعنى الإسمي، ولا يثبت شيئين, وعليه فطلب الحاجة من النبي الأكرم والأئمّة المعصومين هو نفس طلب الحاجة من الله، وهذه المسألة هي عين التوحيد.

لقد أثبتت الفلسفة المتعالية والحكمة الإلهيّة وجود الوحدة في الكثرة والكثرة في وحدة ذات الحق. وكما يمتلك الله اسم ((الأحديّة)) الذي هو فوق جميع الأسماء والتعيّنات، ومنزّه من كل اسم ورسم، كذلك يمتلك اسم ((الواحديّة)) أيضاً، التي بملاحظة ظهوره وطلوعه في عالم الأسماء والصفات الكليّة والجزئيّة يتم ملاحظة العوالم الأخرى؛ سواء المُلك والملكوت.

وأما الطائفة الشيخيّة، فهم لا يعتقدون بأن نهاية سير الإنسان ستكون إلى الله؛ وينكرون بصراحة وصوله إلى مقام العزّ الشامخ للحضرة الأحديّة، وفنائه واندكاكه الوجودي في ذات الله عز وجل، فبناءً على هذا ينكرون إمكان العرفان الإلهي ومعرفة الإنسان لله، ويقولون: إن نهاية السير العرفاني والكمالي للإنسان ينتهي إلى الوليّ الأعظم والذي هو الحجاب الأقرب وواسطة الفيض. وعلى أساس هذا الأصل يخالفون بشدّة الفلسفة والعرفان والذي هو المقدّمة لطريق التوحيد.

فهم يقولون: الله بريء من كل اسم ورسم، ومبرّأ من كل صفة. وعليه تكون الأسماء والصفات الحقّة ليست عين الله، بل هي موجودة في درجة أقل، وفي النتيجة يكون الله فاقداً لأي صفة واسم.

إنّ الإمام صاحب الزمان هو اسم الله، ويقع في رتبة أدنى من رتبة ذات الحق، وبما أنّ السير إلى الله خارج عن أي اسم ورسم، وهو أزلي وأبدي لا نهاية له، فهو محال؛ لذا غاية سير الإنسان نحو اسم الله الأعظم والذي هو الولي الأعظم، وهو الفاصلة والواسطة بين الله والخلق.

والإشكالات الواردة على هذه العقيدة كثيرة:

أولاً: أنه إذا اعتبرنا أن صفات الله وأسماءه منفصلة عنه، ورأينا أن الله بدون اسم ورسم، فإن نتيجة هذا القول هي أن الله فاقد للحياة والعلم والقدرة، إذن فهو جامد وميّت وجاهل، تعالى الله عن ذلك.

وثانيا:ً إن الآيات القرآنيّة والروايات كلّها تدعونا إلى ذات الحق؛ في السير وفي المعرفة، وتحدّد نهاية السير والوصول والعرفان بأنها عرفان ذات الحق الأقدس والوصول إلى الله تعالى، لا عرفان وليّه الأعظم والوصول إليه.

وثالثا:ً أنه لماذا يمكن للإمام وللولي الأعظم عرفان الذات القدسيّة لله والوصول إليها، بينما لا يستطيع سائر البشر ذلك؟ فإذا كان هذا الأمر ممكناً له، فهو ممكن للجميع، وإذا كان مستحيلاً لغيره، فكيف أصبح ممكناً له؟

يقول الشيخيّة: الولي الأعظم ليس ممكناً وليس واجباً؛ بل هو في مرتبة بين الإمكان والوجوب.

والجواب هو أننا لا نتعقّل وجود مرتبة بين الإمكان والوجوب؛ فكل الناس ممكنون، وغاية سيرهم هو الفناء والاندكاك في ذات الحق سبحانه وتعالى.

ورابعاً: إن وجود الولي الأعظم يجب أن يكون وجوداً استقلاليّاً، لا تبعيّاً وظليّاً ومرآتيّاً؛ وإلا يجب أن يكون المقصد هو ذات الله، وفي هذا الافتراض يلزم الشرك والثنويّة والتفويض والتولّد، وتعالى الله عن ذلك.

إلى غير ذلك من الإشكالات والانتقادات التي تمّ ذكرها في مكانها.

كلا هاتين الطائفتين على خطأ؛ لأننا إذا أردنا أن نرفع عن الممكنات ـ سواء الماديّة أم المجرّدة ـ عنوان المرآتيّة، أو أردنا أن نعطيهم عنواناً مستقلاً، فكلا هذين الفرضين خطأ. والصحيح لا هذا ولا ذاك، بل الموجودات تمتلك أثر الحق، وتمتلك صفات الحق، وهي مظاهر وتجلّيات الذات والأسماء الحسنى والصفات العليا للباري تعالى.

يتّجه المذهب الوهّابي نحو الجبر، بينما يتّجه مذهب الشيخيّة نحو التفويض؛ وكلاهما خطأ، بل هو أمرٌ بين الأمرين ومنزلة بين المنزلتين؛ وهو طلوع نور الذات القدسيّة لله في الكثرات المادّية والمجرّدة.

ينكر المذهب الوهّابي قدرة وعلم الحق في الموجودات، أما مذهب الشيخيّة فينكر قدرة وعلم الحق في ذات الحق نفسه، فكلٌّ من هذين المذهبين يؤدّي إلى التعطيل، وكلاهما خاطئ.

إن وجود الإمام الحجّة ابن الحسن أرواحنا فداه هو الظهور الأتمّ للحق، ومحل التجلّي الأكمل لذات الحق ذي الجلال؛ فالمقصد هو الله، والإمام هو الآية والمرآة والقائد والمرشد؛ وإذا نظرنا إليه في توسّلاتنا نظرة مستقلّة، وأردنا لقاءه ورؤيته بشكل مستقل، فلن نصل لنيل فيضه، ولن نوفّق للقاء الله وزيارة المحبوب.

أما أنّنا لا نصل إلى فيضه فلأنّ وجوده ليس مستقلاً، والحال أننا طلبنا الوجود المستقل. وأما أننا لا نوفّق للقاء الله، فلأننا لم نسعَ للوصول إلى الله، ولم نرَ أن ذاك الإمام هو الله.

لذا فإن أكثر الناس الذين يحترقون في عشق الإمام صاحب العصر والزمان ـ حتى لو وفّقوا لزيارته ـ لا يتجاوزون المقاصد البسيطة والجزئيّة والحاجات الماديّة والمعنويّة؛ لأنّهم لا يرونه كمرآة وكآية للحق. وإلا لأمكنهم أن يروا الله بمجرّد رؤيتهم للإمام، وينالوا وصال الله من خلال الوصال مع الإمام، لا أن يصبح الإمام حجاباً بينهم وبين الحق؛ وأن يطلبوا منه حاجاتهم الدنيويّة وغفران ذنوبهم وإصلاح أمورهم. وهناك الكثير من الناس الذين تشرّفوا بلقاء الإمام عجّل الله تعالى فرجه وعرفوه، ولكنّهم لم يتورّعوا عن طلب مثل هذه الحاجات، بل اقتصروا على طلب هذه الأشياء منه.

فهم في الحقيقة لم يعرفوه؛ لأنّ معرفته هي معرفة الله؛ ((من عرفكم فقد عرف الله))، ويجب على كلّ من يريد التشرّف بلقائه أن يشتغل بتزكية نفسه، وتطهير سرّه وباطنه؛ وفي هذه الحالة يصل إلى لقاء الله والتي يلزم منها لقاء الإمام. كما يصل إلى لقاء الإمام التي يلزم منها لقاء الله تعالى، حتى وإن لم يتشرّف بشرف لقاء بدن الإمام في عالم الخارج والطبيعة.

إذن فالأصل هو معرفة حقيقة الإمام لا التشرّف بلقاء بدنه المادي والطبيعي. إن التشرّف بلقاء الجسم المادي والطبيعي يستفيد منها بهذا المقدار فقط. أما التشرّف بحضور حقيقة وولاية ذلك الإمام فإنه يجلو الباطن، ويفوز بلقاء المحبوب: الله تعالى، ولمثل هذا فليعمل العاملون.

لقد طوى العلامّة بحر العلوم قدّس الله نفسه عمراً في مجاهدة النفس الأمّارة وتزكية الباطن, وتطهير النفس لأجل العرفان الإلهي, والوصول إلى مقام المعرفة والفناء, والاندكاك في ذات الحق. ورسالته في السير والسلوك تشهد له بمقامه ومراحل سيره ومنازل عرفانه، فقد كان يتشرّف بلقائه من هذا المنطلق وبهذه النظرة؛ بالنظرة الإلهيّة لا بنظرة الذات.

حق    بين  نفري بايد    تا  روي   تو را   ببيند                   چشمي كه بود خود بين كي روي تو را بيند؟[11]

يحكى عن ذلك المرحوم أنه في يوم من الأيّام عندما قرأ إذن الدخول للتشرّف إلى الحرم المبارك لسيد الشهداء عليه السلام، فما إن همّ بالدخول وقف ونظر إلى زاوية من زوايا الحرم المطهّر وظلّ كذلك لمدّة، وهو يردّد هذا البيت:

چه خوش است صوت قرآن ز تو دلربا شنيدن                   به   رخت  نظاره  كردن  سخن  خدا   شنيدن[12]

وحين سألوه لاحقاً عن سبب توقّفه، أجاب: إن الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه كان جالساً في زاوية الحرم يقرأ القرآن. هذا هو معنى الوصول وهذه هي حقيقة الآيتيّة والمرآتيّة.

يقول الشيخيّة: بما أن الإمام المهدي هو الذي يستطيع أن يتشرّف بلقاء الله فقط، ولا نستطيع نحن أن نتشرّف بلقاء الإمام المهدي بدون واسطة، فيجب أن تكون هناك واسطة تربطنا بالإمام، وتلك الواسطة هي الشيخ والأستاذ الذي يسمّونه الركن الرابع. إذاً غاية سيرنا هي الفناء في الشيخ والأستاذ، وغاية سير الشيخ هي الفناء في الإمام، وغاية سير الإمام الفناء في الحق تعالى، وهذه الأركان الأربعة لازمة. ومن هذا الكلام يتّضح لنا فساد هذه العقيدة.

وعلينا أن نكون ـ بحول الله وحسن توفيقه ـ حذرين جداً كي لا نتّبع أفكارهم وآراءهم بدون أن نشعر؛ لأنّ مخالفة السير نحو الله، ومعاداة العرفان، والنظر إلى الإمام نظرة مستقلّة، هي من صفات الشيخيّة. وإذا كنا نحمل هذه النظرة، ونمشي على هذا المنهاج، نكون قد اخترنا عقيدتهم من حيث لا نشعر.

إنّ مجالس ومحافل التوسّل بالإمام صاحب الزمان جيدة جداً، ولكن التوسّل الذي يكون المطلوب منه هو التوسّل بالحق؛ والوصول إلى الحق، ورفع الحجب الظلمانيّة والنورانيّة، ومعرفة حقيقة الولاية والتوحيد، وحصول العرفان الإلهي والفناء في ذاته القدسيّة. هذا هو المطلوب والمقبول. ولذا فالمراد من انتظار الفرج الذي يعتبر ـ حتى في زمان الأئمّة عليهم السلام ـ من أفضل وأحسن الأعمال، هو هذا الأمر. كما أن التوسّل بحقيقة وولاية ذلك الإمام لكشف حجب هذا الطريق وعوائقه، هو من أفضل الأعمال؛ لأنّ توحيد الله تعالى من أفضل الأعمال.

وانتظار ظهور الإمام الخارجي الذي يعتبر مقدّمة للظهور الباطني، وكشف ولاية هذا الإمام مفيد أيضاً. كما أن انتظار ظهور الإمام الخارجي لأجل ذلك محبوب ومرغوب به.

أمّا إذا كنّا ننتظر الظهور الخارجيّ فقط، دون أن يكون مرادنا الوصول إلى تلك الحقيقة، فعندئذٍ نكون قد بعنا الإمام بثمن بخس دون أن نشعر، وألحقنا بأنفسنا ضرراً كبيراً؛ لأنه ليس المطلوب التشرّف بالحضور الظاهري، وإلا فكثير من الناس كانوا يلتقون بالأئمّة في زمانهم ويتكلّمون معهم، ولكنّهم لم يستفيدوا من حقيقتهم. وإذا فرضنا أنّنا كنّا في مجالس التوسّل أو في الخلوات نطلب رؤية الإمام؛ ووفقنا الله لذلك، فلو لم يكن مقصودنا ومرادنا هو لقاء الله ومعرفة حقيقة الولاية، ففي هذه الحالة سوف نلتقي بالإمام بنفس الطريقة التي كان الناس على زمن الأئمّة يلتقون بهم، ومن الغبن والضرر أن نأتي بعد جدٍّ وجهد وكدٍّ وسعي كبير ولا يكون مرادنا سوى اللقاء به ورؤيته، دون أن يكون لدينا هدف أكبر من لقائه الظاهري، أو أن نستخدم الإمام لقضاء حاجاتنا الماديّة أو لرفع مشكلاتنا الشخصيّة أو العامّة. والحال أن هذا أمر كان يحصل لدى كلّ من عاصر الأئمّة عليهم السلام بدون توسّل.

ولكن الشيء القيّم حقاً هو التشرّف بمعرفة حقيقة الإمام والوصول إلى واقعه، أي أن الشوق للقاء الإمام من حيث أنه مرآة وآية لله سبحانه وتعالى هو المهم جداً، وهو من أفضل الأعمال. فمثل هذا الانتظار للفرج يحيي القلوب، ويبعث الراحة في النفوس. رزقنا الله إنشاء الله بمحمد وآله.

ما قيمة معرفة زمان الظهور الخارجي للإمام؟ ولذا نُهي عن البحث عن هكذا أمور في الروايات. افترضوا أننا علمنا بعلم الجفر والرمل الصحيح أن ظهور الإمام سيكون بعد سنة وشهرين وثلاثة أيام، ماذا سنفعل في هذه الحالة؟ ما هي وظيفتنا؟ وظيفتنا هي التهذيب والتزكية وترويض هذه النفس الأمّارة على الطاعة والفداء والإيثار. والحال أنّنا مأمورون بهذه الأمور دائماً، ويجب علينا أن نهذّب ونطهّر هذه النفس باستمرار؛ سواء كان وقت ظهور الإمام محدّداً أم لا. وإذا دأبنا على هذه الأمور فسوف نوفّق للقائه ومعرفة حقيقته. وأما إذا لم نهتم بها، فلن يؤثّر فينا كثيراً لقاء بدنه الظاهري والمادي، ولن نستفيد من هذا اللقاء. ولذا نرى الكثير من الناس قد أقاموا أربعين يوماً في مسجد السهلة أو في مسجد الكوفة أو في سائر الأماكن المباركة لكي يروا الإمام، وقد وفّقوا فعلاً بالتشرّف بزيارته؛ ولكن لم يستفيدوا من تلك الزيارة بشيء مهم.

والأهم من ذلك هو أنّ الظهور الخارجي والظاهري للإمام لم يحصل بعد، بل هو مربوط بأسباب وعلامات يجب أن تتحقّق، أما الظهور الشخصي والباطني فهو ممكن لبعض الأشخاص. وبعبارة أخرى إن طريق الوصول والتشرّف بلقاء الإمام مفتوح للجميع، غاية الأمر أنه بحاجة إلى تهذيب الأخلاق وتزكية النفس.

فكل من يسعى إلى لقاء الله في هذه الأيام، ويقوم بمجاهدة نفسه في هذا الطريق؛ سوف يحصل له ظهور الإمام بشكل شخصي وباطني؛ لأنّ لقاء الله لا يمكن أن يحصل بدون اللقاء الآيتي والمرآتي للإمام.

والنتيجة هي أنّ طريق التشرّف بمعرفة حقيقة ولاية ذلك الإمام مفتوحة هذه الأيام أيضاً، وهذا هو المهم، ولكنها تحتاج إلى مجاهدة النفس الأمّارة وتزكية الأخلاق، وتحتاج أيضاً إلى السير والسلوك في طريق عرفان الذات الأحديّة لله سبحانه وتعالى؛ سواء أحصل الظهور الخارجي والعام للإمام، أم لم يحصل. وذلك لأنّ الله ليس ظالماً، وطريق الوصول غير مسدود أمام الناس المشتاقين، بل هو مفتوح دائماً، ويلبّي دعوة المحبّين والمشتاقين والعاشقين باستمرار.

وبناء عليه، فيجب على عشّاق الجمال الإلهي ومشتاقو لقاء الله جلّ وعلا أن يتقدّموا في طريق السير والسلوك للوصول إلى عرفان الله بأقدام ثابتة وبعزم راسخ، ويقرّبوا أنفسهم إلى هدفهم عن طريق التهذيب والتزكية والمراقبة الشديدة، والاهتمام بالوظائف الإلهيّة والتكاليف الرحمانيّة، وفي هذه الحالة ـ شئنا أم أبينا ـ سوف يتمّ التشرّف بلقاء الإمام صاحب الزمان وقطب دائرة الإمكان، الذي هو وسيلة الفيض وواسطة الرحمة. كما أنه سيتم التمتّع بكل أنواع الطرق المستخدمة لتكميل النفوس، والاستفادة من كل القابليّات الإلهيّة التي لديهم للوصول إلى فعليّتها. وفقنا الله تعالى بمحمد وآله صلى الله على محمد وآله.

كُتب هذا المختصر في عصر يوم الثامن عشر من شهر شعبان المعظم سنة ألف وأربعمائة وثلاثة هجريّة قمريّة في مشهد المقدّسة؛ وأسميته سرّ الفتوح في الرد على كتاب ((پرواز روح)).

 وأنا الراجي عفو ربّه السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني.


 

[9] - الآية 78 من سورة الرحمن.

[10] - الآيات 3و 4 من سورة التوحيد.

[11] يجب أن تكون هناك عين تنظر بعين الحق كي تراك، إذ متى يمكن للعين التي لا ترى إلا نفسها أن تراك؟

[12] ما أجمل سماع صوت القرآن منك أيها المحبوب، فالاستماع إليك سماع كلام الله تعالى

چاپ ارسال به دوستان
 
الإستفتاء
الإسم:    
البريد الإلكترونيّ:    
التاریخ    
الموضوع:    
النص:    

أدخل الرمز أو العبارة التي تراها في هذه الصورة بدقة

اگر در دیدن این کد مشکل دارید با مدیر سایت تماس بگیرید 
عوض الرمز الجديد

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی