الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  الخمیس  16 رمضان  1445 - Thers  28 Mar 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
الرئيسية   أرشيف  > حقيقة الوحي و كيفية نزوله على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله - القسم الثاني

حقيقة الوحي و كيفية نزوله على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله - القسم الثاني


______________________________________________________________
المحاضرة رقم 165

من سلسلة شرح رواية عنوان البصري

القسم الثاني

 

سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

صباح الجمعة: 15/ ربيع الأول / 1430 هـ.ق

______________________________________________________________

مواضيع المحاضرة

القسم الأول
ضرورة رياضة النفس
خطورة السعي وراء الشهرة والسمعة
كيفية نزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وآله
العبارات التي يلقيها الأولياء عميقة جداً
الذي قام بصياغة القرآن هو الله سبحانه وتعالى
 
القسم الثاني
كيفية صياغة الوحي ووضعه في قالب الألفاظ
نفس رسول الله تعكس الحقائق الواقعية بشكل تام
بعض أشكال الرشوة
مقام الأولياء الإلهيّين هو عين الطهارة التي بواسطتها يتنزّل الوحي
القسم الثالث
الواقعية تنشأ من النفس القدسية لرسول الله
النوروز ليس عيداً إسلامياً
كل ما يتسبّب في أذية الآخرين فهو حرام

 

 

كيفية صياغة الوحي ووضعه في قالب الألفاظ
التفتّوا إلى هذا الأمر! لا يمكنه أن يقول ﴿خبيراً﴾ قبل ﴿بصيراً﴾، أو أن يقول أولاً ﴿حكيم﴾ ثم يقول بعدها ﴿عليم﴾...
قد يقال: إنّه لا فرق بينهما! مثل أن نقول: اذهب إلى المطبخ وائتني بإناء الماء وإناء اللبن، حيث بمقدورنا أن نقول أيضاً: اذهب وائتني بإناء اللبن وإناء الماء، فلا فرق بين الكلامين؛ لأن المطلوب أمران: الماء واللبن، سواء كان اللبن أولاً أم الماء أولاً، ولا فرق في ذلك. لكن أحياناً أريد أن أبيّن نكتة أخرى في المقام، وهي أنّي أريد أن أقول يجب عليك أن تقوم بشيئين: أولاً عليك أن تشرب الماء، ثم تشرب بعد الماء اللبن، فإذا شربت اللبن قبل الماء سيؤدّي إلى تضرّر معدتك، وإلى زيادة (الأسيد) والحموضة في المعدة، وبالتالي إلى أذيّة المعدة بذلك، لذا عليك أن تشرب الماء أولاً؛ لكي تخلو المعدة من (الأسيد)، ثم تشرب اللبن بعدها، وعند ذلك لن تتأثّر معدتك بأي سوء أو أذى. فهل يمكننا القول هنا بإمكانيّة الشرب من أي منهما أولاً؟ كلا ليس لنا ذلك، بل لا بد من تقديم المطلوب تقديمه، بالطريقة المحددة و بشكل دقيق. وكذا الحال إذا وصف الطبيب عدّة أدوية للمريض، وأوصاه مثلاً أن يتناول هذا الدواء أولاً، ثم الثاني وبعده الدواء الثالث، فإذا فرضنا أنّ هذا المريض لم يلتزم بذلك وقال: لقد وصف الطبيب هذه الأدوية الثلاثة لي، ولا ضرر في أن أتناول في البداية ما أمرني بتناوله أخيراً! كما إذا فرضنا أنّ المرض كان في العين، ووصف له الطبيب أن يقطر من ((قطرة)) معيّنة في عينه أولاً، ثم بعد عدّة ساعات يضع من قطرة أُخرى، وكان التغيير في ذلك موجباً للضرر والخطر.
إنّ الأمر كذلك تماماً في الحقائق القرآنيّة، فتلك الحقائق الموجودة في العالم الخارجي هي عين الحقائق الموجودة في مراتب العالم الربوبي، وقد نزل القرآن على قلب النبي طبقاً لتلك المراتب، بحيث لا يمكن للرسول أن يبدّل تلك المراتب، لا من ناحية أن هذا التبديل مشكل أو حرام شرعاً، وأنّ عليه ألاّ يغيّره نظراً لوجود حكم شرعي يمنعه من ذلك، كلا! ولا من باب أنّه إذا غيّر ترتيب الآيات القرآنيّة فسيكون قد عمل ما يخالف رضا الله سبحانه، فهو لا يزيد أو ينقص كلاماً من نفسه لهذه العلّة. كلاّ! ليس الأمر بسبب ذلك؛ فهذه الأمور إنّما نحتاج إليها نحن، فهو لا يمتنع عن تغيير مكان الآيات كي لا يقع الناس في الاشتباه والهلاك مثلاً، وبالتالي فهو مجبور على الالتزام بترتيب الآيات كما نزلت كي لا يحصل هذا الانحراف بالنسبة للناس، فكل هذه الأسباب يجب علينا نحن أن نلاحظها ونطبّقها، وليست من وظيفة النبي صلى الله عليه و آله.

 

 العودة الى قائمة المواضيع

 

 

نفس رسول الله تعكس الحقائق الواقعية بشكل تام
إنّ نفس رسول الله نفسٌ مطهّرة ومعصومة، والنفس المطهّرة والمعصومة منطبقة ـ من وجهة نظر العصمة والطهارةـ على الحقائق الخارجيّة، وتلك النفس التي تأخذ الأمور الواقعية و الحقائق الخارجيّة كما هي ثم تحفظها في النفس، ولا بدّ لها في مقام بيانها من أن تبيّن تلك الحقائق الخارجيّة كما هي تماماً.
فأنا الآن أرى مقابلي ثلاثة أعمدة، وهي مختلفة فيما بينها، فما أراه هو عين الواقع الخارجيّ، وما أشاهده على هذا الحائط من اللوحات والصور والشعارات هو في الحقيقة عين الواقع الخارجي، و أنا لا أستطيع أن أغيّر فيه شيئا؛ لأنّي الآن جالس أمام هذه الصور المنصوبة على الحائط والتي يحتوي كل منها على خصوصيّات تختصّ بها، ولا أستطيع أن أوصل يدي إليها لتغييرها- نعم، عندما أنزل عن المنبر يمكنني ذلك، لكني ما دمت جالساً في مكاني لا يمكنني أن أغيّر في هذه الصور- وبناءً عليه، فما يستقرّ في ذهني من صور عبارة عن هذه الصور وهذه الساعة مثلاً، والأشياء التي أراها أمامي بالكيفيّة الموجودة تماماً في عالم الخارج، فإذا أردت أن أقدّم بياناً لهذه المسائل الخارجيّة ولهذه الوقائع، فليس لي إلاّ أن أقول: بأنّ أمامي أولاً لوحة تحتوي على صورة كل القرآن، ثم بعدها يوجد ساعة، ثم بعدها صورة، ثم بعدها مقطوعة شعريّة، ثم بعدها الآية الفلانيّة، وهكذا أقوم بتوضيح الموجود أمامي واحدة واحدة حتّى يكون كلامي منطبقاً مع تلك الواقعيّة الخارجيّة. فإذا غيّرت مكان هذه الأمور عند إخباري، سأكون خائناً، وإذا غيّرت فيها فهذا معناه أن نفسي ليست نفساً مطهّرة، بل هي نفس خائنة وماكرة ونفس منافقة، فبدلاً من أن أقول بأنّ الموجود أوّلاً هو اللوحة، أذكر أنّ الموجود أوّلاً هو الساعة، مع أن الساعة ليست هي الأولى بل اللوحة، وهذه اللوحة تحتوي على هذه الخصوصيّات، كما أنني إذا غيّرت هذه الواقعيّة الخارجيّة في إخباري وغيّرت ترتيبها، فإنّكم سوف تلتفتون إلى ذلك، لأنكم ترون الأمور على حقيقتها، فإذا كنتم ترون أني أكذب في قولي: بأنّ اللوحة أولاً ثم الساعة، ستعرفون حقيقة نفسي وأنها ليست نفساً مطهّرة، بل هي نفس ملوّثة ونفس مريضة، ونفس تعمل على تغيير الحقائق وتغيير الواقعيّات. أمّا لو فرضنا أن شخصاً لم يشاهد ذلك، فكيف له أن يعرف أنّ نفسي ملوّثة؟ فلو كان بيننا شخص أعمى، فكيف سيمكنه أن يدرك بأنّ نفسي نفس ملوّثة ومريضة؟ إذ قد يظنّ أنّ نفسي طاهرة وأنّي أنقل الواقعيّات كما هي، مع أنّ نفسي في الواقع نفس ملوّثة.
فلنرتقي من هذه الدرجة إلی درجة أعلی:
شخصٌ ليست له نفس خائنة، نفسه ليست ملوّثة و لکنّه ينظر فيقول في نفسه: حسناً، لا أحد يراني و لذا أستطيع أن أبدّل المواقع كيف أشاء، أستطيع أن أقوم بهذه الأعمال، يقول في نفسه: أفعل؟ أو لا أفعل؟،إنّ الشخص الجالس هنا شخص أعمی، فأيّ فرق عنده بين أن أقول له: إنّ الإطار هو الموجود أوّلاً ثم الساعة؟ سأقول إنّ الساعة هي الأولى ثم الإطار، و لا بأس بذلك فكلاهما موجود.
إنّ هذا الأعمى يقول: اشرح لي بالترتيب، لكنه لا يعلم ما هو الواقع! وحيث أنّه فاقد للبصر فهو لن يمسك بيدي و يفضحني، فأنا في سعةٍ من أمري ومبسوط اليد في ذلك!
و عليه سوف أقول له: سيدي الساعة موجودة أوّلاً ثم الإطار ثم الصورة.
واضح؟ بعد ذلک أحدّث نفسي: ((كلا! صحيح أنّه أعمی، و لکن الباطل باطل! وقد شرحت له الأمر علی خلاف الواقع، لماذا أقوم بهذا العمل؟! لا، هذا غير جيّد))، ثم أبيّن الأمر للرجل الأعمى كما هو واقعاً.
أنا هنا لم أرتکب خيانة، و لکن يبقی أن نفسي أيضاً ليست نفساً مطهّرةً لأن هذه النيّة السيّئة أتت أولاً إلی ذهني، ولکنّي صحّحتها لاحقاً! نيّة المعصية أتت و لکني رددتها!
و على هذا المنوال مثلاً: أريد أن أقوم بالحساب مع صديقي الذي كلّفني بمسألة ما، مثلاً قال لي: اذهب و قم بالعمل الفلاني، و حيث أنّه لا يعلم قيمة هذا العمل أو أجرته الواقعية، ولا يعلم کم سيکلّفه؟ سأقول له إنّ قيمة هذا العمل الذي أديته: مليون تومان، و الواقع أنّ قيمته الحقيقيّة: خمسون ألف تومان فقط، ولكن كونه لا يعلم بالأمر، سأقول: إنّه کلّفني مليوناً! وهو سيقوم حتماً بدفع المليون لي، بل إنّه سيعطيني ما أطلبه منه عن طيب نفس، لكن بعد ذلك أحدّث نفسي وأقول: لا، هذا العمل غير جيّد، صحيح أنّه لن ينتبه إلى الحقيقة، بل ربما لن يلتفت للأمر إلی آخر عمره، ولکن هل هذه هي الرفقة؟! هل ما قمت به من جهد يستحقّ هذا المبلغ؟! فإذا لم يكن هو مطلعاً علی هذه الأمور، فهل الله غير مطلع أيضاً؟! وهل الملائکة الجالسة في هذا الجانب و ذلك الجانب، أيضاً لا علم لها؟! ألا يعلمون بحقيقة المسألة؟!
إنّ هذا الشخص يأتي فكره تارةً إلى هذا الجانب و تارة إلى ذلك الجانب.
التفتوا! إنّ هذا الأمر هو ما يسمى بالرياضة! هذه هي الرياضة التي ذكرت بأنّها عبارة عن الحرکة و التغيير. فهذه المعالجة يُسمّونها رياضة، الرياضة هي التي تكون في الذهن، والتي تعالج النفس، وتعالج الخيالات و الخواطر و الأفكار التي تعرض للإنسان، والتي قد تأتي إحداها أمام الإنسان فتعيده إلى الخلف.
على سبيل المثال: أنا عليّ قرض بخمسمائة ألف تومان. هل في ذلك مشكلة؟!
بعد ذلك، إن لم أكن قد اتفقت مع صديقي علی أن تکون قيمة العمل الذي أدّيته له هي المبلغ الفلاني الذي يرضيه- انظروا هذه الدوافع هي التي تأتي و تجرّ النفس نحو الجهة التي تميل لها و ترغب بها- فأقول لنفسي: حسناً لو أنّي عيّنت القيمة من البداية لکان أخذ هذا المبلغ الكبير تعسّفاً وبغير حق؛ فإذا کان الاتفاق أن تكون الأجرة خمسين ألف تومان لوجب عليّ آخذ خمسين ألف تومان لا أكثر، و لذا فأنا أقوم بالعمل أولاً وأدفع تكاليفه وبعد ذلك يکون تعيين الأجر والقيمة بيدي أيضًا، وقد وافق صاحبي على ذلك وقال: حتى لو دفعت عشرة ملايين فسأکون راضياً.
بعد ذلك أراجع نفسي قائلاً: حسناً! هل هذا العمل الذي أقوم به صحيح في الواقع؟ فكوني مديون هو شأن آخر، و ما ذنب هذا الشخص؟ ما هو الذنب الذي ارتکبه حتی آخذ منه هذا المقدار من المال؟ إذا كنت مديوناً، فهل يجب أن يتضرّر صديقي من قرضي؟ أم أنّ الأمر مختلف، فالقرض له شأنه الخاص، و الاتفاق مع هذا الشخص له شأنه الخاص، ولا ارتباط له بالقرض، ويجب أن يوضع الحق في موضعه الخاص. فکل أمر يجب أن يكون في مکانه الخاص وضمن حدوده.
هكذا يصبح الأمر رياضة، حيث يقوم الإنسان بالنظر إلى المعطيات التي لديه والدوافع التي يميل إليها، وبعد ذلك يدرس الأمور ويقلّبها رأساً على عقب، و في نهاية الأمر يقرّر و يقول لصاحبه: لا يا عزيزي، نحن لا نبيع الدِين بالدنيا، تکفيني تلك الخمسون ألف تومان، يا عزيزي: قيمة جهودي هي بهذا المقدار فقط، و مقدار العمل كان بهذا المقدار لا أكثر، أعطني خمسين ألف تومان، ونسأل الله أن يبارك لنا فيها، فأنا لن آخذ أکثر من هذا، و لا يحقّ لي أکثر من هذا. فيجيبه صاحبه: أيها المحترم حتى لو طلبت عشرة ملايين فسأراضى بذلك، فيردّ قائلاً: عندما تكون راضياً أن تقدّم المبلغ من جيبك دون مقابل، فعندها لا مانع عندي أبداً، وسأقول لك سمعاً و طاعةً وسآخذها وأضعها فوق رأسي! أمّا عندما يكون حقي بـ((هذا المقدار))، عندها لن آخذ أكثر من حقي، و لا أرضى أن آخذ أكثر منه.

 العودة الى قائمة المواضيع

 


بعض أشكال الرشوة
يقول البعض: في بعض الأحيان و أثناء قيامنا بوظيفتنا نتعرّض لبعض المواقف من قبيل: أن يذهب الإنسان لشراء شيء كلّفه أحد الأشخاص بشرائه فيقول له البائع: خذ هذا المبلغ من مالي الخاص.
يا للعجب! يعني: إذا قال ذلك الإنسان المکلف بالشراء لذلك البائع أو لصاحب المعمل الذي يريد أن يشتري منه - و هذا الإعطاء يقوم به الکثير من الناس- : ((حتى لو لم تعطني فلساً واحداً فإني سآتي في المرة القادمة و أشتري منك)) ، فهل سيعطيه شيئاً في هذه الحالة أم لا؟ إذا رأى أنّه لم يعطه فسيعلم أن ذلك الكلام الذي قاله هذا البائع ابتداءاً كان خداعاً، و أما إذا قال: لا يا عزيزي أنا أعطيك هذا سواء أردت أن تشتري من عندي أم لا، فأنا وجدتك إنساناً جيّداً، و قد أعجبتني فلذا سأعطيك هذا المبلغ. فهذا حلال و ذلك الأوّل حرام، هذا حلال و ذلك حرام و رشوة، هذه هدية، وذلك المال سحت؛ لأنّه إن لم يُعطِ فلن تباع سلعته، وإن لم يُعط فلن تحلّ مشکلته، وإن لم يعط فلن يوقّع العقد.
في الواقع ما هي حقيقة کل هذه الأمور؟ حقيقتها أنّها کلّها حرام و کلها نار! نيران يبتلعها الأفراد، و يشاهد آثارها الإنسان.
لقد اتفق مع أحد معارفنا في زمن الشاه, حيث کان من أصحاب المناصب، وفي أحد الأيام ذهب إلى المرحوم الأنصاري رضوان الله عليه و قال له: يا سيدي يحصل في بعض الأحيان أنّ أحد الأشخاص أو الشرکات أو غيرها يعطوننا هبةً من تلقاء أنفسهم، فأجابه قائلاً: ((لو أنّك جلست في منزلك، هل کانت تلك الشرکة تقدّم لك تلك الهبة؟ هل يعطيك ذلك البائع هبة؟ إذا کنت جالساً في بيتك هل كانوا سيرسلونها إلى بيتك؟ أم لا ، هو إنّما يعطيك هذا المبلغ لأنك ذهبت لتشتري من عنده و هو يريدك أن تعود مرة ثانية و ثالثة. إذن هذه في الحقيقة نوع من أنواع الرشوة! و مراده منها: أن تأتي غداً إلی نفس هذا المكان وأن لا تذهب إلی مکان آخر)).
ما هذا؟ إنّه حرام.
هذا الأمر لا مزاح فيه، إنّ القضية و المسألة تکمن هنا، حيث جعلت الكثير من الحرام حلالاً.
حسناً! و في النهاية وصلت النتيجة إلى هنا.
نسأل: في هذه الحالة التي لم تقم النفس فيها بالخيانة، هل يمكن لنا القول عن هذه النفس بأنّها نفس مطهّرة؟هل يمكن أن نقول ذلك؟! بالطبع لا يمكن أن نقول ذلك.
إنّما هذه النفس هي النفس التي ما زالت في طور الإصلاح، نعم لقد قام هذا الشخص بعمل جيّد، وقد وفّقه الله إلى هذه الرتبة من السعادة وهذا المستوى من الإصلاح، و هذا سيؤدي به إلى أن يترقى درجةً ويطوي وادياً و هو سوف يشاهد هذه الحقيقة في نفسه؛ فحينما يقوم الإنسان بهذا العمل في مثل هذه الموارد، سوف يشاهد أنّ حاله قد تغيّر دفعةً واحدة، فحالته الآن تختلف عن السابق، وهذه الحالة الجديدة من آثار ذاك العمل، هذه هي الرياضة و التي بواسطتها وصل و أصبح موفّقاً.
أمّا لو صار يتعلّل ويتذرّع بكذا وكذا، ويقول: هذا لا إشكال فيه، ويضع المال في جيبه...، فسوف يحسّ بتغيّر في نفسه، ويشعر بثقل في روحه ونفسه، أليس كذلك؟!
إن شاء الله لم يحصل هذا لأحد من الإخوة حتى الآن، و إن شاء الله لا يحصل كذلك من الآن فصاعداً، لماذا؟ لأنّ جميع ذلك خسارة على النفس، وهو من سوء التوفيق وعلامات السقوط والخسران، فهي بحسب الظاهر أمور جذّابة، ولو لم تكن جذاّبة لما لهث الناس وراءها، فظاهرها جذّاب، ولكن ماذا عن باطنها؟ باطنها الكدورة، باطنها الضيق، باطنها وقوع المشاكل في الأمور، ولكن حينما يعبر الإنسان هذا الموقف ويجتازه، يرى أنّ الأمر قد تغيّر، فكم هو الانبساط؟ النفس تستطيع أن تتنفس، يحس بالصفاء، يحسّ بالانبساط، نعم لقد تقدّم خطوة إلى الأمام.
هذه هي رياضة النفس، وهذا هو العبور، و الانتقال من مرتبة إلى مرتبة أخرى، أليس كذلك؟
 

 العودة الى قائمة المواضيع


مقام الأولياء الإلهيّين هو عين الطهارة التي بواسطتها يتنزّل الوحي
حسناً أمّا الآن، ما هو المقام الأرفع والأعلى من ذلك؟
الأحسن من ذلك: هو ذاك المقام المرتبط بالأولياء الإلهيين، وهو أنّهم لا يستطيعون أصلاً ذكر ما كان خلافاً للحقّ، يعني أصلاً لا يخطر في مخيّلتهم حتّى للحظة واحدة أن يغيّروا مكان هذه الساعة و الإطار، أصلاً لا يخطر. لماذا؟ لأنّهم وصلوا إلى مقام الطهارة.
ماذا يعني الوصول إلى مقام الطهارة؟
دقّقوا كيف سأضرب لكم هذا المثل: كما أنّ هذه اللوحة معلّقة على الحائط أولاً ثم بعدها الساعة. كذلك هي في قلب ولي الله، أولاً اللوحة ثم الساعة، نفس هذه اللوحة و هذه الساعة يأتيان على لسانه، فيتبدلان إلى كلمات، إذاً هو لا يجلس فيقول في نفسه: ((ماذا أذكر أوّلاً، ثم ماذا؟)). وإنّما تتبدّل الواقعيّة الخارجيّة في نفسه إلى كلمات من دون أن يفكّر:((هل الأصلح أن أذكر هذا أولاً، أم ذاك؟)) ، ولا يخطر على باله أن يرفع الإطار وينزل الساعة، أو يزيد أو ينقص...، أو أن يتلفّظ باسم هذا قبل ذاك لاشتمال ذلك على مصلحة معيّنة! لا يخطر شيء من ذلك على باله. إنما تخطر هذه الأفكار على بالنا نحن، نحن الذين نسعى لإصلاح أنفسنا، نحن الذين نقوم بتربية أنفسنا، و هذا التفكير بالنسبة لنا أمر جيّد و صحيح، إلا أنّ ما كنّا نتحدّث عنه هو قانون وقاعدة أخرى.
إن مسألة الوحي بالنسبة للنبي ليست من قبيل التصرف بما هو زائد وخارج عن دائرة وجوده، ففي تلك الدائرة و المرتبة يوجد الطهارة، مقام الطهارة يعني: انطباق النفس مع الواقع، ومقام الطهارة يعني: انطباق النفس مع اللوح المحفوظ، وانطباق النفس مع الحقائق الخارجية، واتحادها مع الأسماء الكلية والصفات الكلية، فهناك لا يوجد تفكير أصلاً، بأي شيء يفكر؟ و لماذا يفكّر ويحلّل؟! إنّ الواقع الخارجي برمته أصبح موجوداً في نفسه المباركة، و يجب على رسول الله أن يبيّن للأشخاص الجالسين أمامه هذه الحقائق الخارجية، إنّ نفس أولئك الأفراد الجالسين أمام رسول الله هم أيضاً جزء من هذا الواقع الخارج، وكذلك أفكار هؤلاء الناس داخلة ضمن الوقائع الخارجية أيضاً، أليس كذلك؟ حتماً هي كذلك، فقد نتصور أنّ الخارج مختصّ فقط بالبدن، كلاّ، بل إنّ نفس الإنسان وجسم الإنسان هما أحد الوقائع الخارجيّة أيضاً، والأفكار التي تدور الآن في الرأس هل هي ضمن الوقائع الخارجية أيضاً أم لا؟! كذلك ما هو صالح لهذا الشخص، وواجب ذلك الشخص و تكليفه، أليس كلّ ذلك جزء من الوقائع الخارجية أم لا؟! - دققوا في هذه المسألة! فالموضوع سينتج لنا القاعدة العامة- هل الأمر الذي يجب عليه أن يقوم به جزء من الواقع الخارجي، أم لا؟ أليس العمل الذي يجب أن يقوم به غداً جزء من الواقع الخارجي، أم لا؟
حينئذٍ، هل يمكن أن يتحقّق شيء في نفس رسول الله ولا يتحقّق بعينه في أذهان الآخرين؟! هل يمكن أن يأتي شيء واحد إلى نفس رسول الله، وأمّا ما يرتبط بالمستقبل بعد خمس سنوات لا يأتي؟! أم أنّ الأمر ليس كذلك حيث يجب أن تأتي جميعها إلى نفسه؟!
حسناً، ثمّ عندما تأتي الواقعيّات كافةً ومع بعضها البعض إلى نفس الرسول، فما معنى أن يفكّر النبيّ بتقديم المسائل أو تأخيرها؟! أصلاً هل يمكن حصول ذلك؟! نحن لا نتكلم عن مسألة الإرادة والاختيار وأمثال ذلك. وإنّما هل يمكن أصلاً أن يقدّم سورة الحمد قبل سورة قل هو الله أحد في إلقائه للقرآن على الناس؟! فما جاء أوّلاً ينبغي أن يأتي أوّلاً، لماذا؟ لأنّ تنزل الحقائق الواقعية يقتضي أن تتقدّم هذه السورة على تلك، وأمّا لو افترضنا أنّه بدّل هذه مكان تلك، عندها ستتداخل كل القضايا ببعضها و تفسد، و ستزول كل الواقعيّات من الوجود. ولكنّ الواقع هو أنّ رسول الله معصوم، والمعصوم: هو الشخص الذي يمكنه القيام بنقل الواقع كما هو فعلاً، بحيث يمكنه أن يؤدّي الحقيقة الواقعية ونفس الأمر من خلال الكلمات والحروف، فهو يمتلك هذه القابلية، دون زيادة أبداً، يعني مَرتَبة تجلّي الوقائع على نفس رسول الله تقتضي أن تظهر حقيقة التجلّي بهذا الشكل.
ضمن أحد كتب المرحوم السيد العلامة، وهو الكتاب المرتبط بالمرحوم العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه (الشمس الساطعة) 7  ، رأيت الموضوع التالي؛ حيث كان السيد العلامة الطهراني يسأل المرحوم العلامة الطباطبائي في أحد الأيام: ما هو السبب في أنّه حينما كانت تنزل آية على قلب رسول الله، كان رسول الله يقرؤها بعينها تماماً كما نزلت عليه، حتى لو انقضى على نزول الآية عشر سنوات مثلاً، ولم يكن يقول: ((نسيت! لأنّ هذه الآية قد نزلت مثلاً في ذاك الزمان))، أو أنْ يبيّنها مثلاً مع شيء من التأنّي والرويّة، أو أن يشتبه في كيفيّة البيان؛ فلم يُر اشتباه أصلاً في جميع حياة النبيّ، فإذا فرضنا مثلاً أنّ إحدى الآيات نزلت على النبي منذ ثلاثة وعشرين سنة عند شروع نزول الوحي في مكة، وأراد أن يقرأها قبيل ارتحاله- وذلك في السنة العاشرة من الهجرة- فإنّنا سنجد بأنّه كان متسلّطاً عليها ومستحضراً للآيات القرآنية في تلك الأيام التي تُوفّي فيها تماماً كحاله حينما كانت تنزل عليه بلا أدنى تفاوت. فالمرحوم العلامة يسأل المرحوم العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه: ما هو السبب في ذلك؟ - بالطبع هو كان يعرف، يعني: نحن لا نريد والعياذ بالله أن نوهّن في هذه المسألة...، نعم لا ندري ما هي المناسبة التي جعلته يسأل- والجواب الذي تفضّل به العلامة الطباطبائي -وذلك حسب ذاكرتي- كان كالتالي: كانت نفس رسول الله حينما تأتي آيات الوحي، تنتقش فيها، وتثبت وتبقى، ولم يكن يطرأ عليها أيّ تبدّل أو تحوّل.
ومن الطبيعي أنّه حينما تحصل نفس الإنسان على هكذا حالة، فسوف لن تتبدّل المعلومات في نفسه مع مرور الزمان، وسوف تبقى الحقائق منتقشة في نفسه كما كانت أوّل ثبوتها، وسوف يتمكّن من بيانها كما كانت عليه في السابق.
كنت ذات مرّة أطالع وأبحث، ففكّرت بهذه المسألة، فهل الذي تفضل به العلامة الطباطبائي هو تمام المِلاك؟ أم أنّه مضافاً إلى ذلك هناك مجال للكلام في زوايا أخرى؟ الواقع أنّه يمكننا في هذا الموضع أن نقول إنّه يوجد أفراد لديهم حافظة قوية جداً، و تنطبق عليهم هذه الصفة أيضاً، فقد حدّثنا التاريخ عن أفراد امتلكوا حافظة قوية جداً جداً، وأن ذاكرتهم كانت قويّة، من قبيل ما ينقل عن أبو علي (ابن سينا) حيث كانت حافظته عجيبة و غريبة، فعندما أنهى كتابة كتاب القانون في الطب، طلب منه أحد الحكام - في إحدى الأسفار التي سافر فيها إلى المحافظات و الولايات – أن يدرّس الطب لمجموعة من الأفراد، ويقولون بأنّ الدرس كان كتابةً، فقال: ((لقد كتبت كتاب (القانون)، فأمروا بأن يحضر الكتاب)). ولكنّه وقبل أن يصل الكتاب إلى يديه شرع بتدريس ذلك (القانون)، وكان ذلك لمدة شهر تقريباً؛ فلمّا وصل الكتاب إلى يديه، رأى التلاميذ عندما طابقوا بين الدروس التي أملاها عليهم وبين الكتاب عدم وجود أيّ اختلاف، حتى بحرف (و) !
إنّ ما ينقل عن الحافظة العجيبة والغريبة لأبي علي [سينا] كانت على هذه الشاكلة، وأبو علي لم يكن عاديّاً من ناحية الخصوصيّات الظاهريّة و الخصوصيّات النفسيّة، فحتّى سمعه لم يكن عاديّاً، و كذلك عينه لم تكن عاديّةً، وكذلك حافظته لم تكن عاديّةً أيضاً، والحاصل أنه يوجد مثل هذه الأفراد، أو حتى يمكن أن يكونوا أكثر منه.
نعم، قد يكون من الممكن توجيه هذا الموضوع بهذا الشكل.
ثم بعد ذلك، خطر في ذهني أمر وقلت ربما لم تُطرح هذه المسألة حتى الآن، لقد كانت موجودة ولكن لم تُطرح، وإلا فكل هذه النكات و المواضيع قد تعلّمناها من هؤلاء العظماء.
وتلك النقطة هي: أنّ الأمر لم يكن فقط كما قيل؛ بأنّ نفس الآية عندما تستقر في قلب النبي فإنها لا تزول، لا ليس كذلك فقط. بالطّبع هذا الأمر كان موجوداً ولكن هناك أمر أرقى من ذلك، هو: إنّ تلك الحقائق التي كانت تحكي عنها الآيات، إنّما كانت مستقرّة في نفس النبي.
فهل يمكننا أصلاً أن نتصوّر حصول تبدّل لها أو ظهور تغيّر فيها؟ كلاّ.
لأنها لم تكن حروفاً؛ فلو أنّنا نظرنا إلى نفس النبي فلن نرى أيّ حرف فيها، ولن نشاهد أيّ كلمة، ولكن عندما يريد حضرة النبي أن يبيّن تلك الحقائق فإنّه يقرأ تلك الآية التي نزلت قبل ثلاث و عشرين سنة بعينها، وسوف يقول نفس تلك الآية. لماذا؟ لأنّ تلك الواقعيّة الموجودة في نفسه الآن، هي نفس تلك الحقيقة الواقعية التي كانت موجودة في نفس النبي آنذاك.

 العودة الى قائمة المواضيع

 

القسم  الثالث  من  المحاضرة

 


[7] راجع الشمس الساطعة للعلامة الطهراني، النسخة العربية، قسم محاورات التلميذ و العلاّمة، إعجاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ص 148 إلى 150- المترجم.
 

چاپ ارسال به دوستان
 
الإستفتاء
الإسم:    
البريد الإلكترونيّ:    
التاریخ    
الموضوع:    
النص:    

أدخل الرمز أو العبارة التي تراها في هذه الصورة بدقة

اگر در دیدن این کد مشکل دارید با مدیر سایت تماس بگیرید 
عوض الرمز الجديد

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی