الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  الخمیس  16 رمضان  1445 - Thers  28 Mar 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
الرئيسية   أرشيف  > حقيقة الوحي و كيفية نزوله على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله - القسم الثالث

حقيقة الوحي و كيفية نزوله على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله - القسم الثالث


______________________________________________________________
المحاضرة رقم 165

من سلسلة شرح رواية عنوان البصري

القسم الثالث

 

سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

صباح الجمعة: 15/ ربيع الأول / 1430 هـ.ق

______________________________________________________________

مواضيع المحاضرة

القسم الأول
ضرورة رياضة النفس
خطورة السعي وراء الشهرة والسمعة
كيفية نزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وآله
العبارات التي يلقيها الأولياء عميقة جداً
الذي قام بصياغة القرآن هو الله سبحانه وتعالى
 
القسم الثاني
كيفية صياغة الوحي ووضعه في قالب الألفاظ
نفس رسول الله تعكس الحقائق الواقعية بشكل تام
بعض أشكال الرشوة
مقام الأولياء الإلهيّين هو عين الطهارة التي بواسطتها يتنزّل الوحي
القسم الثالث
الواقعية تنشأ من النفس القدسية لرسول الله
النوروز ليس عيداً إسلامياً
كل ما يتسبّب في أذية الآخرين فهو حرام

 

 

الواقعية تنشأ من النفس القدسية لرسول الله
هل نترقى بالكلام أم لا؟ نترقى؟ تقولون: لا عيب في أن نترقى و مهما وصلنا إليه من نتيجة فلا إشكال، حسناً.
إنّ الحقيقة الأرقى هي: أنّ تلك الحقائق الخارجيّة متولّدة من ((نفس النبي)) ذاتها، لا أنّ تلك الوقائع جاءت ثم استقرّت في نفسه، ثمّ أشرف هو على تلك الوقائع.
لقد بيّنت سابقاً؛ أنكم عندما أتيتم من مُدنكم أو مناطقكم التي تسكنونها، جئتم إلى هنا لنيل زيارة حضرة السيّدة المعصومة سلام الله عليها. أليس كذلك؟ و عندها رأيتم بعض الأشياء؛ فقد كان خلال الطريق أشياء، حيث تقولون لي: لقد عبرنا خلال المسير الجسر الفلاني، ورأينا هناك جبلاً، و النهر الفلاني، وكان تدفّق الماء في النهر بهذا المقدار، وكان مستوى ارتفاع الماء إلى الحد الفلاني. وكنتم تشرحون ذلك كله لي. لكنّني لم أصدّقكم! وقلت: هل يمكن ذلك؟ إنّ النهر الفلاني لا يوجد فيه ماء أصلاً. عندها ماذا تفعلون؟ عندها تمسكون بيدي، وتأخذونني إلى هناك، و تقولون: أنظر بنفسك.
ماذا يعني ذلك؟ يعني: بنفس الكيفية التي رأيتم بها تلك الواقعة الخارجيّة من خلال أعينكم، عليك الآن أن تأتي و ترى؛ وعندها حينما ترى ذلك، ستصبح مثلنا تماماً؛ حيث ستكون الواقعة الخارجيّة في أنفسنا جميعاً، في القلب و في النفس، صحيح؟
ولكن! نحن لم نكن من أوجد هذا النهر، نحن لم نولّد هذا الجبل، نحن لم نوجد ونخلق هذه الفلاة و الصحراء، بينما نفس رسول الله ليست كذلك، إنّ نفس رسول الله عبارة عن تلك الحقيقة الولائيّة وواسطة الفيض في مقام الواحديّة، التي هي محل ظهور الأسماء الكليّة، وهي الحقيقة التي انتزعت تلك الأسماء و أخرجتها من مقام الأحديّة- و الأحديّة هي مقام ((الهوهوية)) ، كما يطلق على مرتبة بروز الأسماء من مقام الأحديّة: ((مقام الواحديّة)) - إنّ نفس رسول الله هي مقام الواحديّة ذاك، و عالم الوجود أجمع إنّما يبرز و يظهر إلى الخارج من تلك النافذة لنفس رسول الله، و من تلك الجنبة النورانيّة.
و من هنا، هل يمكن لنا أن نقول حينها للشخص الذي له موقعيّة كهذه الموقعيّة بأن تلك الوقائع قد تتقدّم و قد تتأخر؟ هل لهذا الكلام معنى أصلاً؟
لقد أصبح هذا الأمر ممتنعاً عقلاً؛ لأنه هو بنفسه أخرج هذه الواقعيّة بعد تلك الواقعيّة وهذه الظاهرة بعد تلك الظاهرة وهذه الحادثة بعد تلك الحادثة، وأخرج جميع الحوادث وأظهرها من نافذة نفسه، والآن هو يبيّنها بالحروف والكلمات طبقاً لتلك الحقائق. حينها كيف يمكن لتلك الحروف أن تتعارض مع هذه الحقائق؟
هذه هي المرتبة التي يقال عنها ((مقام العصمة المطلقة)) و ((مقام الطهارة المطلقة))، إذاً ليس مقام العصمة المطلقة و الطهارة المطلقة بأن تكون كلماته مطابقة لتلك الواقعيّة، بل بأن تكون نفس تلك النفس هي عين تلك الواقعيّة، نفس ذلك العلم هو عين تلك الواقعيّة، نفس ذلك الإدراك و الشعور هو عين تلك الواقعيّة، هذا هو مقام الطهارة و مقام العصمة المطلقة، هذا هو نفس مقام الوحي، هذا المقام هو مقام الوحي.
حسناً، تعالوا و انظروا الآن كيف وصل حال بعض الناس و ماذا يقولون! إنهم يقولون: كان رسول الله يشتبه! كان رسول الله يتكلّم بناء لثقافة زمانه! ففي ذلك الزمان كان الرسول في الخيمة و... .
أوّلاً: من قال إنّ الرسول كان يعيش في خيمة؟ لقد كان رسول الله يعيش في منزل، و نحن نقول لهذا الأحمق: ما هذا القصر و القصور التي ذكرت في مثل قوله تعالى: {قَصْرٍ مَّشِيدٍ} و أمثالها؟ وما هذه الآيات الموجودة والمتعلّقة بقوم شِدَاد، أو المتعلّقة بعاد، وغيرهم، فماذا تقول فيها؟ ألا يعني ذلك أنهم لم يفهموا؟
من قال بأنّهم كانوا يعيشون جميعاً في الخِيام؟ لا، إنّ أكثرهم لم يكونوا يعيشون في الخيام، بل أكثرهم كان يعيش في المنازل و القصور و الحدائق و أمثال ذلك. فمن أين جاءت هذه الأكاذيب؟
ثمّ تقولون أن هذه الآيات ترتبط بذلك الزمان؟! أما الآن فهناك ناطحات السحاب و هذه الأمور، إذن فالآن أصبح الأمر بشكل آخر؟!
فإذا ما أراد الله أن يقول: إنّ لنا في الجنة حوراً عيناً، فيفترض أن يقول: إنّ في الجنّة أبراج ((نيويورك)) أيضاً و ما أشبهها من الأمور المعاصرة؟! فهو قد وضع من نفس ناطحات السحاب تلك في الجنة، و وضع هناك حوراً عيناً...، عزيزي إنّ الحور العين التي يصل رأسها إلى السقف لا تنفعنا! بل إنّ الخيمة خير منها، على الأقل فيها مكان للتنفس! و في النتيجة حتى في البرج الذي يصنعونه، لا يعلو السقف فيه عن مترين و ثلاثين سانتيمتراً أو أربعين سانتيمتراً ، فلم كل هذه الألاعيب و التفاهات؟ كل ذلك لأجل أنهم لم يفهموا، لأنهم جاءوا و قاسوا كل شيء بالمادة و الماديّات.
أئمتنا ليس لديهم علم الغيب!
رسول الله اشتبه في الموقف الفلاني!
و يجب أن تتغيّر الأحكام! و هذه الأحكام لم تعد لهذا الزمان!
ثمّ بعد ذلك جاءوا ليقولوا: أنّه ليس لقول الأئمة حجيّة!
والبقيّة أتوا أيضاً وأضافوا: أساساً الأئمة يعصون أيضاً! ثم يتوبون أيضاً! وذلك واضح من أدعيتهم:(( إلهي أنا فعلت هذه المعصيّة وقد تبت)).
أقول لهم: إذا كان كذلك أكملوا الكلام و قولوا أنهم كانوا يرتكبون الكبائر أيضاً!
يعني: لقد وصلت حال مجتمعنا العلمي إلى هنا. و الحال أن الإمام الرضا عليه السلام يقول: عقول الكاملين منكم لا تستطيع توهّم مقامنا، أيّ: إنّ ما في عقل الكاملين منكم فيما يتعلّق بالشيء الذي عندنا هو وهم و خيال.
و بعد كل هذا يأتي هؤلاء و من خلال خزعبلاتهم هذه و تفاهاتهم تلك فيجلسون لكي يحدّثونا بهذه الأشياء.
حسناً! تبيّن لنا أن هذه الحقائق، هي تلك الحقائق الموجودة في نفس النبي و قد أظهرها على شكل كلام.
]بالعودة إلى موضوع الرياضة نقول:[ إنّ هذه الرياضة التي تتعلّق بشؤون الإنسان، هي التي بيّنها العلماء والأولياء، فهذه الرياضة المتمثّلة بما بيّناه هي التي تغطي جميع الدائرة الوجودية، سواء من الناحية الظاهرية والفيزيائية أم من الناحية الباطنية، فإنّها تغطي كل هذه المساحة، يعني: الرياضة من ناحية الشخصيّة، والرياضة من ناحية الشهرة والسمعة، والرياضة من ناحية استجلاب النفوس، والرياضة من ناحية البشاشة وإرسال البسمات، فالرياضة تشمل ذلك كلّه؛ تماماً كما هو الأمر بالنسبة إلى الشؤون المرتبطة بالبدن، أو تلك المرتبطة بالأمور الماديّة والجسمانيّة.
قبل الشروع بكلام الإمام عليه السلام الذي سنصل إليه، نريد أن نتكلّم أوّلاً حول الزواج، حيث أنّ هناك مسألتين لهما تأثير كبير وعجيب جداً على وضعيّة الإنسان، وخصوصاً وضعيّة السالك؛ المسألة الأولى: مسألة النكاح و الزواج، وتلك الجوانب المتعلقة بها والشوائب التي تعتريها، وجميع ما يرتبط بهذه القضية، وتحديد طبيعة رؤية الإسلام بالنسبة لهذا الموضوع؟ فما هي نظرة الإسلام تجاه مسألة تعدد الزوجات ومسألة النكاح الدائم والمنقطع؟ وعلى أيّ أساس يمكن للإنسان أن يُقدم على هذا الأمر؟ وعلى أيّ أساس لا يمكنه أن يُقدم؟ وفي أيّ مورد يكون مفيداً له؟ وفي أيّ مورد يكون مضراً له؟ وفي أيّ مورد عليه أن يتوقّف؟ وفي أيّ الموارد يكون موافقاً لرضا الله؟ وفي أيّ من الموارد يكون موافقاً لرضا النفس؟ خاصّة أنّ هذا الأمر لا يتعلّق بوضع الإنسان الظاهري فحسب، وإنّما له تأثيرٌ مهم جداً يرتبط بتعلّقات الإنسان وطبائعه وذوقه، وحركاته وأفكاره وتوجهاته.
كنت أريد أن نبحث اليوم بهذه المسألة بشكل إجمالي، و لكن بالتأكيد لن يتمّ هذا البحث بجلسة واحدة لوجود فروع مختلفة يجب أن يتمّ بيانها، وبشكل إجمالي يوجد نظرتين: النظرة الفقهيّة والشرعيّة، والنظرة الأخلاقيّة والسلوكيّة؛ والبحث في الاتجاهين بالغ الأهمية، أمّا من الناحية الفقهيّة، فلأنّ هذا العبد يرى أنّ هذه المسألة هي محل ابتلاء كثيراً؛ فالأسئلة والإشكالات التي تطرح، والنزاعات التي تحصل، والاختلافات الموجودة هنا هي من جميع الجهات ومن كافّة المستويات، بعضها ناشئ من عدم الاطّلاع على الموازين، وبعضها ناشئ من التقصير، والبعض الآخر ناشئ من التوقعات الزائدة والعالية، وبعضها مرتبط بالأمور الاجتماعية، ومن حيث المجموع يجب أن نتكلّم في هذه المسألة حتى يطّلع الرفقاء عليها.
ثم كما أنّه يجب بحث المسألة من وجهة النظر الفقهيّة، كذلك يجب أن نتحدث حول تحديد كيفيّة وحقيقة الأمر من الناحية السلوكيّة، ثمّ دراسة مدى انطباق الحكم الفقهي مع الحكم الأخلاقي والسلوكي: فهل ذلك الحكم منطبق مع الحكم الأخلاقي؟ أم يمكن أن يكون مختلفاً مع الحكم السلوكي؟ وهل من الممكن أن يكون في هذه القضيّة اختلاف، وما هي صورة مراحل الاختلاف هذه؟ ولأهمية هذه القضية يمكن أن نخصص عدة جلسات من جلساتنا لها، حتى نبدأ بعد ذلك ببحث المأكولات التي تكلم عنها الإمام الصادق عليه السلام. ولكن الموضوع اليوم -بشكل عام- سلك طريقا آخر، وأخذت المسألة صورة أخرى.
إن شاء الله سنبدأ بالجلسة المقبلة بهذه المسألة إذا وفقنا الله لذلك، ولأن نحضر مع الرفقاء والأصدقاء.
 

 العودة الى قائمة المواضيع

 


النوروز ليس عيداً إسلامياً
المسألة الأخرى التي يجب أن نسلّط الضوء عليها تتعلّق بواقعنا الحالي والفعلي، وهي المسألة المرتبطة بالأيام القادمة والمراسم والمسائل المتعلقة بهذه الأيام الآتية.
كما يعلم الأصدقاء فإنّ مباني السلوك ومباني الشرع مبنيّة على أساس مراعاة الأمور الواقعيّة و على أساس العقلانيّة، و هذا مشهود في أماكن متعددة من التعاليم الشرعيّة.
إنّ الأحكام و التوجيهات والبيانات التي وصلتنا من الشرع بخصوص المناسبات و كيفيّة إحيائها، سواء في ذلك الأعياد و الأفراح أو العزاء والأحزان وأمثال ذلك، جميعها مبنيّة على أساس قواعد العقل و العقلانيّة، وهذا هو الأساس الذي نعتمد عليه، وهو الذي يسوقنا إلى مباني التوحيد والمعارف الإلهيّة، لا على أساس غلبة الأحاسيس ولا على أساس أذواق العوام العاديّة والطفوليّة. بل المسألة مسألة عقليّة، والمسألة مسألة توحيد، و المسألة مسألة وصول إلى المعارف، ويجب أن تؤخذ تلك المواضيع من التوجيهات و التعاليم الشرعيّة.
نعم، بالطبع هناك أفراد لا يقبلون ذلك ولا يرتضونه، ولا يقبلون الكثير من هذه المواضيع، فهم يسلكون طريقهم الذي حددوه بأنفسهم، و نحن قد بيّنا أن الطريق مفتوح للجميع لينتخب كل فرد ما يريد، والاختيار لهم؛ و لكل شخص أن يطرح مواضيعه بدون مضايقة، ثم يعود الاختيار لكل واحد منّا في انتخاب ما يريده.
ليس هناك في الشرع شيء اسمه عيد النوروز8 ، وهذا العيد يعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، و مختصّ بـ((الزردشتيّين))، وهو من سنن الجاهلية. ومع ملاحظة الأفعال و الحوادث التي تحصل في مثل هذه الأيام، وآثارها ومصائبها التي نشاهدها بأنفسنا، يجب على الدولة أن تفكر جديّاً في هذه التصرفات التخريبيّة التي نشاهدها، فهذه التصرّفات والمشاكل باتت تزداد كل عام؛ فلا معنى لأن يقوم فرد – على سبيل المثال- بالتصرفات التي تصدر بهذه الكيفيّة و الوضعيّة ]السيّئة[ أو يقوم بتلك الأعمال الطفولية التي تؤذي الأفراد وتخلّ بأمن المجتمع والناس، ومع ذلك تجد المسؤولين يقفون للمشاهدة فقط. بل يجب على المسؤولين أن يتعاملوا بشكل جاد مع هذا الأمر؛ فإذا ما أرادت مجموعة ما أن تتخطى الأصول الإنسانيّة، يجب عندها أن يتصدّوا لهم و أن يردعوهم.
من الممكن أن يكون هناك جماعة من المجانين، أو من الأوباش لا يريدون السير وفقاً لطريق الإنسانية أو لحركة المجتمع، هنا وظيفة المسؤولين أن يمنعوهم عن فعل ذلك، أمّا مشاهدة ما يحصل هنا فهو:
 
ترحم بر پلنگ تيزدندان جفاكارى بود بر گوسفندان 9



واقعاً كم هي تلك الأفعال الوحشية والبربرية والأفعال الجنونيّة؟! وكم يرتكبون من الجنايات ويوقعون الخسائر في كلّ سنة؟! وكم هي –واقعاً- شنيعة وقبيحة ووقحة تلك الأفعال والأعمال التي نشاهدها في كلّ سنة، والتي لا تحاكي إلا غلبة الجنبة الحيوانية والبهيمية والجنون؟! إذ ليس هناك دافع وراء هذه المسائل إلا ذلك؛ فكم هي الأفعال التي أدّت إلى إسقاط الأجنّة؟! وكم آل ذلك إلى دخول العديد من الأفراد إلى المستشفى؟! وكم تُوقع هذه التصرفات من أضرار؟! لماذا؟! واقعاً لماذا كلّ ذلك؟! فهل يمكن في الواقع لشخص لديه ذرّة من الإنسانيّة أن يقترف مثل هذه الأفعال الشنيعة، فيسلب الأمان من جميع الناس؟! أو يسلب الأمن من المجتمع؟! يشعلون النيران، ويطلقون المفرقعات ويحطمون و يخرّبون، فهل نعيش في غابة أيها السيّد؟! هل القانون هنا هو شريعة الغاب؟
حسناً، ]إذا كان لك رغبة في ذلك[، فلتذهب إلى الصحراء وأشعل النار على رأسك، واقتل نفسك، عندها لا شأن لأحد بك، اذهب إلى الصحراء وأشعل نفسك بل فجّرها، واذهب إلى جهنّم، فلا أسف عليك، بل سيرتاح الناس منك ومن أفعالك، و سيشعر الجميع بالأمن والأمان بعدك.
ولكن لماذا رحت تركض في الشوارع لتقوم بهذه الأعمال في الأزقّة و بين منازل الناس، أوفي الطرقات وبين السيّارات؟! ماذا يعني ذلك؟! يعني هل يمكن أن نطلق عليك اسم حيوان؟! واقعاً أنا أتعجّب من أولئك الأفراد الذين يروّجون هذه الأفكار ويطرحونها، ثم يعتبرون أنفسهم متفتحي الفكر، بدعوى أنّهم يحيون السنن القديمة، فلتذهب إلى الجحيم هذه الأراجيز السالفة وهذه السنن البائسة التي لم تجلب للناس إلاّ المصيبة والشقاء. هل هذا هو حكم الإسلام؟
 

 العودة الى قائمة المواضيع

 

 


كل ما يتسبّب في أذية الآخرين فهو حرام
إنّ الإسلام هو الذي يقول فيه والدي لذلك المبلّغ في مدينة قم هذه، في حسينيّة المرحوم آية الله المرعشي، عندما كان ذلك الشخص المبجّل ـ وهو المرحوم آية الله حضرة الميرزا حسن الهمداني رحمه الله الذي كان صديقاً للمرحوم والدنا، و قد كان رجلاً عظيما جداً، كان رجلاً موقراً جداً، كان من أهل المعنى، كان من أهل الصدق، كان من أهل الصفاء، وكان يعمل لأجل الله، وكانت خطبه لله، والمرحوم الوالد كان يقول: إن هذه المحاضرات التي يلقيها لوجه الله، وهذه التبليغات التي يقوم بها هي لله- حيث في يوم من الأيام تشّرف بالذهاب إلى مشهد، ولم أكن آنذاك هناك، ولكن الأصدقاء الذين كانوا حاضرين نقلوا لي: أنّه كان يتكلّم حول بعض المواضيع وعن كتاب معيّن كانت مواضيعه ضدّ الولاية، فقال رحمه الله: ((لقد ذهبت و خطبت في نفس حسينية المرحوم النجفي، حيث تكلّمنا في الأيام الفاطمية العشرة، أو في أيام صفر، حول هذا الموضوع، وكان الصوت عالياً جداً، و كان الصوت جيّداً، وكان الصوت يصل إلى كل مكان...))، فكان ينقل للمرحوم الوالد ما حصل هناك، و لكن ما إنْ ذكر للوالد أنّ الكلام كان بواسطة ((مكبّر الصوت))! حتّى استوقفه المرحوم الوالد قائلاً: ((ماذا..؟؟ كان ذلك بواسطة مكبّر الصوت؟! لماذا مكبّر الصوت؟! ما الحاجة إلى مكبّر الصوت الذي يصل صوته خارجاً؟!)) ، يعني: بشكل مفاجئ تغيّر وضع العلامة، فصديقنا الذي كان ينقل الحادثة لنا قال:إنّ العلامة بشكل مفاجئ بُهِتَ وتعجّب وانقلب حاله، يعني المرحوم الوالد بقي مستمعاً إلى أن قال له: كان هناك مكبّر للصوت، وكان الصوت يصدح في الشارع وفي أرجاء المنطقة، وقد اجتمعت حشود الناس في الشارع.
فقال له الوالد: ((بأيّ مجوّز شرعيّ تم وضع المذياع ومكبّر الصوت خارجاً في الشارع؟! ألم يكن حولكم منازل؟! ألا يعيش في تلك المنازل أناس وبشر؟! فلو كان في تلك المحلّة مريضٌ، ألن ينزعج من صوتكم حينئذٍ؟!))
هل التفتّم؟! هذا هو الإسلام الذي نفتخر به! إن تحمّل صوت عالٍ من المذياع -ونحن لا نتحدّث عن تلك المفرقعات المرعبة التي تحتاج إلى صلاة الآيات!- فقط تحمّل صوت مكبّر الصوت الذي تُبثّ به المعارف الإسلامية وتبيّن به المواضيع الإلهيّة لا قيمة له في مقابل أي أذيّة، مع أنّه من الممكن أن يكون هناك العديد من الناس الذين يرغبون في الاستماع بهذه الكيفية وهم في منازلهم، إلا أنّ جميع ذلك لا يساوي شيئاً مقابل وقوع أذيّة واحدة لمريض أو طفل رضيع، أو أي شخص يريد أن يخلد للراحة في منزله، فيمنعه صوت المذياع من النوم! هذا هو الإسلام!
حسناً، هل يجري تطبيق الإسلام فيما بيننا بهذا الشكل؟!
هذا هو الإسلام، حيث ليس المسلم من يقوم بأذية جاره حتى لو كان يهوديّاً، فرفع الصوت من خلال مكبر الصوت حرام، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الجار مسيحياً أو غير ذلك، حقوق جميع الناس محترمة، فالجميع بشر يجب أن يحترموا، لا فرق في ذلك بين أن يكون يهوديّاً، أو مسيحيّاً، أو مجوسيّاً، أو شيوعيّاً، لا فرق، فلا ينبغي أذية المريض بالصوت القوي الصادر من مكبر الصوت، اجعل مكبر الصوت في منزلك وارفع الصوت إلى أن تُصمّ ! لماذا ترفع صوته للآخرين وتزعج جيرانك؟!
حينئذ، فمع امتلاكنا لمثل هذه الأحكام الإسلامية الراقية، يأتون ويقولون: تعالوا أحيوا سنن الماضين! السنن الحسنة لأسلافنا الصالحين! ماذا تقول الآيات القرآنية؟{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}10  يعني هل يجب أن يتبعوا آباءهم حتى وإن لم يكن لهم عقل؟! هل يجب أن نمشي وراء المجانين لمجرّد كونهم يقومون بفعل ذلك؟! فالأعياد الثابتة عندنا هي: عيد الأضحى، وعيد الفطر, وعيد الغدير، وعيد مولد النبي الذي سيأتي بعد يومين، وهو العيد الذي قال الله فيه: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ...}11 هذا هو العيد، العيد الذي منّ الله به على الناس من خلال رسالة النبيّ، المنّة بسبب إرسال النبيّ، كي ينجينا جميعاً، وكي يوصلنا ويبلغ بنا تلك الرتبة الأرفع والمرتبة العليا.
العيد هو عيد الغدير، عيد الولاية، هذا هو عيد الأئمّة، أمّا عيد((النوروز)) فمن أين أتى؟ ما هو عيد النيروز؟ حينما تنتهي السنة وتبدأ من جديد يكون ذلك عيداً فنفرح بذلك؟! نتّخذ من دورة الأرض عيداً! يعني نتّخذ من دوران الأرض حول الشمس عيداً ونشرع بالتصفيق! واقعاً فلنجلس ونفكّر ملياً، أصلاً فلنفرض أنّ النبيّ هو الذي قال لنا: حينما تدور الأرض حول الشمس دورة كاملة فاتخذوا من ذلك عيداً، فلو سألناه: لماذا هذا العيد؟ فبماذا سيجيب النبي؟ يعني مضت السنة، فلتمض! وما ربطي أنا بذلك؟ مضت سنة. فلماذا نجعل نقطة انقضاء السنة من النوروز؟! فليكن أول يوم من فصل الشتاء مثلاً، فلنتخّذ النوروز من أول فصل الخريف! فهو جميل جداً، حيث تكون أوراق الأشجار متّشحة بالصفار، فتتساقط وتتطاير، وهو منظر جميل جداً؛ أو في الصيف مثلاً، حيث هناك الفواكه والشمام و...، فهو أجمل وأهنأ، صحيح؟!
بناءً على ذلك، لا سبب يحتّم علينا أن نجعل مبدأ السنة هو يوم النوروز، ولا يقبل العقل ذلك أصلاً، صحيح؟ لذلك ينبغي أن نلتفت إلى هذه المسألة، وهي أنّه لا ينبغي أنْ نبني حركتنا الاجتماعية على أساس فردي وشخصي، بحيث نفرح ونتماشى ونذوب في هذه الأمور! فنشرع بالتماشي مع أجواء العيد، أو نسافر ونذهب، ونزور الأرحام. بلى! صلة الأرحام لا مشكلة فيها، والذهاب والسفر والترفيه لا إشكال فيه، فالإنسان حينما تسنح له فرصة فلا بأس أن يستغلّها، وهو عام لجميع أيام السنة دون تفاوت، ولكن لا ينبغي إبراز ذلك وإظهاره بقالب العيد! ولو تلبّست هذه الأفعال بلباس العيد بهذا الشكل حينئذ سوف تكون مخالفة ومناقضة لتعاليم الشرع، ومعاكسة لمباني أهل الشرع.
نسأل الله أن يرينا الأمور ويبصّرنا بالحقائق ويوفقنا للعمل فيما هو رضا لله إن شاء الله.
وإن شاء الله لدي الرغبة في كتابة رسالة حول هذه المسألة، وسوف أبيّن حقيقة تلك الأمور والأحاديث المجعولة والتي لا طائل منها، حيث ـ وللأسف ـ قام المرحوم الشيخ عباس ]القمي[ بذكرها في ((مفاتيح ]الجنان[)) ؛ فسنقوم بدراستها وتحليلها إن شاء الله، هذا وقد قام الحقير بمراجعة أربع وعشرين نسخة خطية من الكتب الروائية التي تعتبر مصدراً لرواية النوروز، وصار ثابتاً بالعيان أنّ هذه الرواية مجعولة وموضوعة، وسوف نبيّن ذلك بشكل مبسوط إن شاء الله، ونوضّح أنّ جميع ما ينقل عن ذلك لا سند له، أما الرواية الصحيحة فهي ما نقل عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، حينما قام المنصور الدوانيقي بدعوته لمراسم عيد النيروز في المدينة، فحينما جاء عليه السلام - حيث أنّ هذه السنن قد انتقلت من الفرس إلى تلك المناطق وذلك في زمن عبد الملك بن مروان، وهناك بيان مفصّل وموثّق عن كيفيّة مجيء بعض الإيرانيين ودخولهم في حكومة بني مروان، ممّا سبب سراية بعض ثقافات وآداب العجم إلى حكم بني مروان، وبعدهم انتقلت إلى بني العباس، حيث أنّ العديد منهم سرى على أسس الأعراف والآداب الفارسية - نعم حينما دعا المنصور الدوانيقي الإمام عليه السلام للمشاركة في المراسم الخاصة لذلك، أجابه سلام الله عليه وقال:
(( إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم أجد لهذا العيد خبراً وإنّه سنّة للفرس، ومحاها الإسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام))12.
إنّ الإمام عليه السلام لا يحتاج إلى البحث والتنقيب والتفتيش، وإنّما يريد الإمام أن يقول للمنصور الدوانيقي: ليس هناك من أثر أصلاً! فهذا العيد من سنن الفرس، والإسلام قد محا هذه السنّة، ومعاذ الله أن أحيي ما محاه الإسلام ونهى عنه، هذا هو كلام الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وقد نقله ابن شهر آشوب في كتابه المناقب. فكلّ من له أدنى خبرة وأقلّ شامّة في فقاهة روايات أهل البيت وأحاديث الشرع، يفهم أنّ هذا الحديث يجب أن يكون صادراً عن المعصوم. و أنّه ليس كذاك الحديث المجعول ـ كما سترون ـ والمضطرب والذي يحتوي على الهرطقات التي وردت...، حيث قام جاعلها بزجّ وتلفيق كلّ شيء فيها! يعني عجيبة جداً تلك الرواية!
لا أدري...
جعل اليوم الأول يوم كذا وكذا، مثلا تموت أمّه في هذا اليوم!
في اليوم الثاني تموت خالته!
في اليوم الثالث تموت زوجته! ها، اليوم الثالث جيّد,, (ضحك من الحضور)
اليوم الرابع، لا أدري يموت الزوج، طبعاً سيفرحن بالطبع،, (ضحك من الحضور)
على كل حال، كل إنسان يفسّر الأمور طبقاً لسليقته، إنّ الرواية تشتمل على أراجيز وهرطقات، وحينما تشاهدون الرواية فسوف تعلمون أنّها مجعولة، وسوف نعرف أنّ الواضع لم يوفّق في جعلها أو وضعها بشكل جيّد.

نسأل الله أن يوفّقنا جميعاً، وأن يهدينا و يوفّقنا للسير على صراط الأولياء وعلماء الدين إن شاء الله.

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم
 

 العودة الى قائمة المواضيع

 

العودة إلى القسم الأول من المحاضرة

 


[8] لا يخفى على القارئ أن يوم النوروز هو أول يوم من فصل الربيع من كل عام, وهو بداية السنة الفارسية, التي تعتمد على التقويم الميلادي الهجري.
[9] إنّ الترحم على الفهد صاحب الأسنان الحادة القاطعة، يعتبر في حدّ نفسه ظلماً للنعجة الوديعة!
[10] سورة البقرة (2) الآية 170.
[11] سورة آل عمران (3) الآية 164
[12] مناقب ابن شهر آشوب، المجلد 4 صفحة 319، وكذلك في منتهى الآمال للشيخ عباس القمي المجلد 2 باب 9 الفصل 2 وغيرهما.
 

چاپ ارسال به دوستان
 
الإستفتاء
الإسم:    
البريد الإلكترونيّ:    
التاریخ    
الموضوع:    
النص:    

أدخل الرمز أو العبارة التي تراها في هذه الصورة بدقة

اگر در دیدن این کد مشکل دارید با مدیر سایت تماس بگیرید 
عوض الرمز الجديد

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی