معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > وصايا و تعاليم و دستورات > توصيات شهر رجب > توصيات سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني بخصوص شهر رجب و ليلة الرغائب

_______________________________________________________________

هو العليم

توصيات سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني بخصوص شهر رجب و ليلة الرغائب

مقطع من المحاضرة الحادية و الأربعين من سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري

سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين

تم انتخاب النص التالي من المحاضرة الحادية و الأربعين من سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري، و يتحدث هذا المقطع عن خصوصيات شهر رجب و أعماله بالإضافة إلى أعمال ليلة الرغائب، و لأهميّة هذا الموضوع فقد قمنا بانتخاب هذا القسم من المحاضرة و عرضه للأخوة المؤمنين:

    

شهر رجب أهم للسالك حتى من شهر رمضان

لقد اقتربت أيّام شهر رجب، و قد كان دأب المرحوم الوالد (العلامة الطهراني) – رضوان الله عليه – أن يتحدث في مثل هذه الأيام عن شهر رجب، فقد كان يجمع رفقاءه و يبيّن لهم أهمية شهر رجب و يوصيهم بالاهتمام به.
و الذي رأيناه حتى بدون الالتفات إلى الروايات و الأحاديث الواردة في فضيلة شهر رجب من خلال تجربتنا الشخصيّة و من خلال ما تفضل به المرحوم الوالد – رضوان الله عليه – و جميع العلماء العظام ، أنّهم كانوا يهتمّون بشهر رجب أكثر من بقيّة أيّام السنة كلّها، حتّى أنّ هؤلاء العظماء كانوا يهتمّون بشهر رجب أكثر من شهر رمضان المبارك و كانوا يقولون أنّ شهر رمضان لعامّة الناس أنفع، أمّا شهر رجب ففائدته لسالكي طريق الله بالخصوص أكبر و التأثيرات التي يتركها في نفس السالك أعمق و آثاره أساسيّة أكثر من تأثيرات أيّام الله الأخرى من شعبان و رمضان و كذلك ذو القعدة و العشرة الأولى من ذي الحجة ، مع كلّ ما في هذه العشرة الأولى من ذي الحجة من الجذبات و التجلّيات العظيمة، مع كلّ هذا فشهر رجب أهمّ منها جميعاً.

     

العلامة الطهراني كان يوصي بتشديد المراقبة في شهر رجب

و قد كان ملحوظاً أنّ نفس العلامة –رضوان الله عليه كان يتغيّر في هذا الشهر بشكل واضح سواء في نمط حياته أو أعماله الخاصة، و كان يوصي رفقاءه و أصدقاءه بزيادة المراقبة في هذا الشهر و كان يقول: شهر رجب شهر إلهي، و في شهر الله يجب ألّا يسمح الإنسان لغير الله بالدخول، ويجب على الإنسان في هذا الشهر أن يزيد مراقبته، و يجب أن يضبط لسانه في الكلام فلا يتحدّث بأيّ شيء، و لا يتكلّم بكلّ موضوع، إذ في هذا الشهر حتّى الكلام في المسائل العاديّة، حتّى الكلام العادي مضر، و كلّما زاد سكوت الإنسان و سكونه في هذا الشهر كلّما زادت وارداته، فالملائكة لا تدخل إلى المكان المليء بالاضطراب و التشويش، بل تأتي إلى المحل الساكن الهادئ، أمّا المكان المليء بالتخيُّل و الأوهام و جولان الفكر فلا ... (فلان قال كذا ... و ذاك قال كذا، و فلان قال لي كذا ، و لماذا يقول عني هذا الكلام ؟ و أنا رددت عليه بكذا .. و سأقول له كذا ..) مثل هذا الكلام لا ينفع في شهر رجب، و إذا دخل الإنسان إلى شهر رجب بهذه التصورات و الأوهام فلن يكون له أي نصيب منه.
و لذا فأوّل شرط كان يذكره المرحوم السيّد الوالد هو أن يطهّر الإنسان قلبه من كلّ ما فيه، و بغير هذا فلا فائدة ترجى، و مهما قام بالأذكار فلن يستفيد، و مهما توجّه فلن ينتفع، لماذا؟ لأن هذا التوجّه و الذكر ليس إلا توجّهاً و ذكراً صوريا لا عمق له، عمقه و باطنه خراب و تشويش، باطنه الأهواء النفسيّة و التوغّل في الكثرات، و لذا فلا فائدة فيه، إنّ مثل هذا العمل يظهر بصورة و ينتهي عند هذه الصورة لا أكثر.
و تبعا لذلك فأوّل ما يجب على السالك أن يفعله هو أن يتصوّر نفسه أنّه قد وُلد لتوّه في شهر رجب، هل لدى الطفل حديث الولادة أعداء؟ أصلاً هو لم يقترف شيئاً في هذه الدنيا كي يعادي أحداً. هل انتقد أحدٌ هذا الرضيع ؟ هل اغتابه أحد؟ لا طبعاً، فهو قد ولد لتوّه و لم يجد الفرصة أصلاً ليكوّن أصدقاء و لا أعداء، لم يضرب أحداً و لم يقلل من احترام أحد، و لم يقلل أحد من احترامه، فهو أصلاً لم يبنِ أيَّ علاقة بأحد. و هكذا على الإنسان أن يتصوّر أنّه قد ولد في شهر رجب و كما أن قلب الطفل خالٍ من كل شيء فهو كذلك عليه أن يفرّغ قلبه من كل شيء.
الطفل لا يفهم شيئاً إلّا أنّه عندما يجوع فإنه يبكي حتى يشرب الحليب، و غير هذا فلا يفهم شيئا ولا حتّى أمّه، بلى، هو عنده إحساس خاص بها ، و لكن غير هذا فلا ... فهو ليس عنده حقد و لا بغض و لا حسد ، ليس عنده حسابات و لا أي شيء. و لهذا كان المرحوم العلّامة يقول أنّ الرضيع فانٍ حتّى يمضي من عمره بضعة أشهر، فليس عنده أيّ تعلّق بالكثرات، فإذا أردتم أن تنظروا إلى الفناء فانظروا إلى الطفل الرضيع. هل ترون عنده حقداً؟ أبداً، على من يحقد؟! هل يبغض أحداً؟ كلّا، أبدا ً، هو فقط كلّما جاع يبكي، و هل الإنسان الفاني غير هذا؟ لا يوجد في قلبه حقد و لا حسد، لا يوجد في قلبه تعلّق بالدنيا و لا بالماديّات و الكثرات، لا يتعلّق بهذا الشخص و لا بذاك، و ليس شخصا نفعيّاً.
افرضوا أنّنا قلنا لطفل رضيع: يا سيّد! لقد وقع زلزال في المنطقة الفلانيّة، و قد حصل فيها دمار كبير؛ فإنّه أصلاً لن يفهم و سيجيب: عزيزي، ماذا تقول؟ أنا جائع، أريد حليباً، لأرضع و أنام. فإذا قيل له: يا سيّد الشخص الفلاني صار نائباً، و فلان صار كذا ..، فإنه سيجيب: يا عزيزي، أعطني حليبي لأرضع، فهذه الأمور تخصكم أنتم، بارك الله لكم فيها.
إنّ حاجته للتعلّق بالمبدأ هي فقط المحفوظة و الباقية و كلّ شيء سواها لا شيء بالنسبة له، و هكذا الإنسان الفاني ليس عنده إلّا التعلّق بالمبدأ و لا يوجد شيء في نفسه سوى ذلك. و الفرق بين الرضيع و بين الفاني أن الرضيع عندما يأتي إلى هذا العالم فإنّ الكثرات ستُقبل عليه من كلّ جانب و ستزداد تعلّقاته بها يوماً بعد يوم، أمّا الفاني فعندما يصل إلى مرحلة البقاء بعد الفناء فإنّه سيكون قد تخلّى عن كلّ شيء و لن يبقى عنده أيّ تعلّق بالكثرات. هذا هو الفرق، و نحن يجب علينا أن نرجع إلى هنا، أي إلى ذلك المكان الذي جئنا منه.

    

معنى الحديث (رجب شهر الله ..)

شهر رجب هو شهر الفناء في الله، هو شهر الله. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (رجَبُ شَهرُ اللهِ و شَعبَانُ شَهرِي و رَمَضَانُ شَهرُ أمّتِي)، رجب شهر الله، شعبان شهري و المقصود من ذلك الولایة و رمضان شهر أمتي، شهر عموم أمّتي. أي یتحقّق في شهر رمضان ارتباط خاص بین النفوس و بین الله تعالی بحیث یصدق علیه أنّه شهر الأمّة. لكن رجب هو شهر الله، و أن یكون رجب شهر الله یعني حصول حالة خاصة فیه بحیث لا یستفید منها إلّا أهل الله، لا غیرهم؛ استفادة الآخرین ضعیفة، أهل الله هم الذین یُمكنهم فهم و إدراك هذا الشهر؛ یعني أنّ جذبات المقام الربوبي و التوحیدي و بوارق التوحید التي یتقلّب فیها السالك فتقطع تعلّقه بحمیع الأشیاء و توجّه نظره نحو حقیقة التوحید فقط و تخلّصه من جمیع تلك المفرِّقات و الفروع و التشعّبات و التعلّقات و الارتباطات، كلّها تحصل في شهر رجب. و حتّی شهر رمضان لا یقوم بهذا العمل؛ شهر رمضان هو شهر الرحمة، شهر البركة، شهر الانشراح، شهر الغفران، و الله تعالی یغفر فیه كلّ شيء. أمّا ذلك العمل البنیوي و الأساسي فهو لشهر رجب. السالك لا یهمّه غفران الذنوب، فغفران الذنوب هو أوّل شيء نتوقعه من الأئمة و الشفعاء و ذلك بأن یأتوا و یشفعوا لنا. ما ینفع السالك لیست هي حالة الانبساط و ما شابهها، لیست هي حالة البهجة، و هذا لا یعني أنّها أمور سیّئة، بل هي جیّدة كما أنّها لیست في متناول كلّ أحد، لا تتوهموا ذلك، لكن ما یهمّ السالك الحقیقي الذكي الذي یرید أن يتخلّى عن كل شيء في سبیل الله و أن یغضّ الطرف عن كل شيء و یأتي إلی حرمه أشعثَ أغبر عاري الرأس و حافي القدمین؛ فلا یكون هناك معنی لمغفرة الذنوب و الانشراح و البهجة و غیرها، إنّ ما یطلبه هو نار تشعل وجوده و تحیله إلی رماد، هذا هو الأمر الذي یهمّ السالك و هو متحقّق في شهر رجب، و لهذا یُسمّی رجب بشهر الله.

     

تأثير العلاقات الاجتماعية في نفس السالك

إنّ أوّل شيء كان یأمر به السيّد العلّامة رضوان الله عليه لكي یستعدّ الإنسان لشهر رجب هو تشديد المراقبة، فعلی السالك أن یزید في مراقبته، یزید في سكوته، ویكتفي في ارتباطه بالنّاس بالحدّ الأقلّ من التواصل و المعاشرة، فلا یتحدّث مع كلّ شخص كیفما كان ، فنفوس العُصَاة تترك أثرها علی الإنسان عند الارتباط بها، كلّ شيء یترك أثره الخاص سواء رغبت في ذلك أم لم ترغب. فالذهاب إلی كلّ مكان و الالتقاء بكل شخص كیفما اتفق أمرٌ غیر صحیح. و علی العكس من ذلك، فإنّ زیارة المرضی و عیادتهم و قضاء حوائجهم تسرّع من سیر الإنسان، صلة الرحم تسرّع ذلك، إذا أصلح الإنسان النزاع الموجود بین شخصین فإنّ لذلك أثرٌ عجیب جداً. كان رضوان الله عليه یقول ولمرّات عدیدة : إنّ السعي في إصلاح ذات البین؛ یمكن أن يفتح بعض الأبواب الموصدة في وجه الإنسان. إنّ لإصلاح ذات البین أثراً عجیباً جداً، إصلاح ذات البین یعني: أن یطرد الإنسان الشیطان الموجود بین شخصین ویُحلّ الله تعالی محله، هذا هو معنی إصلاح ذات البین.

    

الروايات الواردة في فضيلة شهر رجب

لقد كان المرحوم الوالد یؤكّد كثیراً علی مسألة المراقبة في شهر رجب، و الروایات الموجودة في هذا الإطار كثیرة نورد منها هنا واحدة أو اثنتین لیستفید منها الأصدقاء، فقد روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله أنّه قال: (إنّ اللهَ تَعَالَی نَصَبَ فِي السمَاءِ السابِعَةِ مَلكاً یُقالُ لَهُ الداعِي ...) نصب الله تعالی في السماء السابعة – أمر هذه السماء السابعة عجیب، فهو لم یقل في السماء الأولی أو الثانیة أو الثالثة أو الرابعة بل قال في السماء السابعة التي تمثّل مقام التجلّیات الذاتیّة – نصب تعالی هناك ملكاً یقال له (الداعي) أي الذي یدعو، یدعو الناس و ینادي علیهم، (... فَإذَا دَخَلَ شَهرُ رَجَبٍ یُنادِي ذَلِك المَلك كلّ لَیلَةٍ مِنهُ إلی الصّبَاحِ طُوبَی لِلذاكرِینَ، طُوبَی لِلطائِعِینَ یَقُولُ اللهُ تَعَالَی: ...) هذا ما یقوله الملك، التفتّم، إن هذا مختص بشهر رجب – ( ... أنَا جَلِیسُ مَن جَالَسَنِي و مُطِیعُ مَن أطَاعَنِي...) لاحظتم! الله تعالی یقول أنا مطیع، (.. وَ غَافِرُ مَن استَغفَرَنِي، الشهرُ شَهرِي وَ العَبدُ عَبدِي) هؤلاء العباد كلّهم عبادي، (..و الرحمةُ رَحمَتِي فَمَن دَعَانِي فِي هَذَا الشهرِ أجبتُهُ وَ مَن سَألَنِي أعطَیتُهُ وَ مَن استَهدَانِي هَدَیتُهُ ...) التفتوا كثیراً إلی هذه العبارة «من طلب مني الهدایة في هذا الشهر هدیته» إنّ جمیع العبارات الواردة في هذه الرواية في جانب و هذه الفقرة في جانب آخر. یجب علینا أن نطلب في هذا الشهر الهدایة من الله تعالی، الهدایة تعني رفعَ الموانع عن الطریق، استقامة الطریق و الوقایة من الأخطار و الآفات. (... وَ جَعَلتُ هَذَا الشهرَ حَبلاً بَینِي وَ بَینَ عِبَادِي فَمَن اعتَصَمَ بِي وَصَلَ إلَيَّ) كانت هذه إحدى الروايات.
الروایة الأخرى التي تُنقل عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله في هذا المجال مفادُها أنّ: جمیع ملائكة السماء و الأرض یجتمعون في اللیلة الأولی من رجب عند الكعبة و يطوفون هناك؛ و لهذا تمّ التأكید كثیراً علی الذهاب إلی مكة و القیام بالعمرة الرجبیة و أنّ ثوابها یعدل ثواب الحج، كما أنّ السيّد العلّامة رضوان الله عليه ذكر في كتابه الروح المجرد[1] أنّ ثواب زیارة علي بن موسی الرضا سلام الله عليه في شهر رجب یعدل ثواب الحج، و هذا یطابق ما جاء في الروایات المتعلّقة بزیارة الإمام الرضا عليه السلام و هي روایات عجیبة جداً، و من العجیب أیضاً ألّا توجد مثل هذه الروایات في حق سیّد الشهداء مع كل الخصوصیّات التي یمتلكها سلام الله عليه و الروایات القاطعة التي یوصي فیها جمیع الأئمة أیضاً بزیارة الإمام الحسین عليه السلام، و العجیب أنّ الروایة المتعلقة بزیارة علي بن موسی الرضا شيء مختلف تماماً خصوصاً في شهر رجب، فالتوفیق الإلهي هو حلیف كلّ من استطاع أن یزور الإمام الرضا عليه السلام في هذا الشهر و أن یطلب منه ما يريد، یجب ألا یغادر المرء بسهولة؛ يعني يزور و یقول: أستودعكم الله و...، لا، یجب أن یلتصق (بالضریح) و یقول إمّا أن تعطیني أو لن أذهب من هنا حتّي تعطیني، فیقول له الإمام الرضا من أجل أن یریح نفسه (منه): جید جداً، سنعطیك، و نفتح لك الطریق.
لقد تذكّرت إحدى الحوادث، كان أحدهم قد ذهب إلى زيارة الإمام الرضا عليه السلام – وواقعاً هذه القصص مليئة بالعِبَر، كان ذلك الرجل أيضاً في أواخر عمره، والقصة التي أنقلها عنه قد وقعت بعد أن تردّت حاله إلى درجة أنّه كان إذا أراد الخروج اتكأ على عصاً وجرّ قدميه على الطريق جراً، وكان قد صار منحني الظهر، وكما يقال:"على حافة قبره"، وواقعاً كان من أولئك الذين يصدق عليهم أنّهم: "على حافة القبر" و على الرغم من حاله تلك ذهب إلى زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام طالباً منه "الكيمياء" [2]! إن كنت تريدها لنفسك فها أنت راحل! وإن كنت تريدها للآخرين فللآخرين ربّ نعم جاء إلى الإمام الرضا عيه السلام يطلب منه الكيمياء، وبعبارات غلاظ شداد: أنْ يا علي بن موسى الرضا! أقسم عليك بأمّك فاطمة الزهراء إلّا أعطيتني الكيمياء، إلّا أعطيتني الذهب... إلّا أعطيتني كذا وكذا... فالكيمياء ليست سوى الذهب، نعم نفس هذا الذهب ثم جاء الإمام إلى أحد الناس في عالم الرؤيا وقال له: اذهب وأرحنا من هذا، وقل له: إنّك ميت بعد أربعة أشهر؛ فما شأنك والكيمياء؟ فمضى إليه ذلك الرجل فصادفه في الطريق وقال له: أأنت طلبت من الإمام الرضا عليه السلام الكيمياء؟ فانفرجت أسارير الرجل وقال في نفسه: حتماً هذا الرجل سيعطيني الكيمياء من جانب الإمام عليه السلام؛ فليس لأحد أيّ اطلاع على الأمر. قال له الرجل: لقد جاءني الإمام ليلة أمس في عالم الرؤيا وقال: اذهب وأرحنا من شر هذا؛ إنّه يقسم علينا بأمّنا فاطمة، ويصرّ و....، يا فلان إنّك ميّت بعد أربعة أشهر، وبالفعل فقد توفي بعد أربعة أشهر؛ لقد كان الإمام يريد بذلك تنبيهه إلى خطئه.
انظروا! الإمام الرضا عليه السلام يجلس على بحر لا حدّ له ما المحيط أمامه؟! المحيط الكبير قطرة من ذلك البحر، واقعاً قطرة! وحتّى أقلّ من قطرة، فلا يصحّ أن نطلق عليه أيّ اسم يقول: مهما طلبتم أعطيتكم. ثمّ بعد ذلك نأتيه بأيّ أنواع من الأدعية وبأيّ أنواع من الطلبات وبأي حاجات؟! هو يقول: نحن نعطي، هو يقول ذلك. وبعد أن قال ذلك فعلى الناس أن تقف عند قدميه، وعلينا نحن أن نذهب أيضاً ونطلب منه أن لا ينظر إلى ما عندنا من استكبار وأنانيّة، عاملنا بما آتاك الله من الكرامة والعناية التي لا حدّ لها، بما آتاك الله من رحمته الواسعة ولطفه العميم؛ يقول أمير المؤمنين عليه السلام: )اللهم آخذنا بعفوك ولا تؤاخذنا بعدلك(.
يأتي أولئك الملائكة إلى الكعبة ويطوفون حولها، فيخاطبهم الله: يا ملائكتي! اطلبوا مني ما شئتم فإني مجيبكم. الملائكة قوم ذوو مروءة...!! يقولون: على السالك أن يكون مخلصاً لإخوانه، أن يكون وفيّاً وملتفتاً؛ فلا ينفرد بالخيرات ولا يفكّر في نفسه وينسى سواها، لا بدّ من التفكير في الآخرين... هؤلاء الملائكة كلّهم من سلاك "الدرجة الأولى"!!؛ فلا يدعون لأنفسهم بل يقولون: ربّنا إنّ طلبَنا منك هو أن تقضي حوائج الصائمين في رجب. هذا هو مطلب الملائكة في الليلة الأولى من رجب، والله يقول: قُضيت حاجتكم. هذه نبذة ممّا يجري في هذا الشهر. لاحظوا أن الرواية عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و مثله لا يتكلم عبثاً و بدون حساب لأنهم يعلمون أن ما يقولونه سيُدوَّن في صحائفهم.
إنّ الدنيا دنيا معاملة و أخذ و عطاء، فالملائكة يدعون الله أن يا رب، أصلح أمر هؤلاء المؤمنين، و الله سبحانه يستجيب دعاءهم، و بالمقابل كما يقول المرحوم سماحة الحاج الميرزا جواد آقا الملكي التبريزي أعلى الله مقامه في كتابه الشريف (المراقبات) : إنّ رعاية الأدب و الشكر للملائكة تكون من خلال أن يقرأ الإنسان السلام عليهم في شهر رجب حيث أنهم في هذا الشهر يدعون الله سلطان السلاطين من أجلنا طالبين منه أن يقضي حاجاتنا، و لذا يجمل من الإنسان أن يكون شاكراً لهذا الإحسان و مؤدّياً لحقه.

   

أعمال شهر رجب و ليلة الرغائب

إنّ استحباب الصيام في شهر رجب مؤكدٌ جداً و المرحوم الوالد كان يصوم شهر رجب كله أو بعضه عندما كانت حالته مؤاتية. و الأذكار الواردة في شهر رجب أذكار مهمّة جداً و قد كان رحمة الله عليه يؤكّد على قراءة الأدعية الرجبية خصوصاً ذاك الدعاء الذي خرج من الناحية المقدسة: (اللهم إني أسألك بجميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون على سرك) ، هذا الدعاء يقرأ كل يوم من أيام رجب و أفضل وقت له بين صلاة الظهر و العصر و كذلك بين الطلوعين، و على المرء ألّا يغفل عن جميع الأدعية الرجبية التي ذكرها المرحوم صاحب المفاتيح، و حتّى بالنسبة للصيام، إذا لم يتمكن المرء أن يصوم فيمكنه أن يقرأ هذا الدعاء مائة مرة و الله سبحانه يتقبله من الشخص المعذور بدلا من الصوم و هو (سبحان الإله الجليل، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان الأعز الأكرم سبحان من لبس العزّ و هو له أهل).
لقد كان المرحوم الوالد يذكر أمراً آخر و ذلك بخصوص أوّل ليلة جمعة من شهر رجب و تسمى (ليلة الرغائب)، رغائب جمع رغيبة و هو الأجر العظيم، و هذه الليلة ليلة عظيمة كان كل العلماء العظام يؤكدون على أداء أعمالها بين صلاتي المغرب و العشاء و طريقتها موجودة في المفاتيح، هذا و قد روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنه من دخل عليه شهر رجب و قد صام يوم الخميس و قام بهذه الأعمال في ليلة الجمعة ... و كل أعمالها لا تحتاج أكثر من نصف ساعة، فهي صلاة يقرأ فيها بعد الحمد (إنا أنزلناه) ثلاث مرات و عددا من المرات (قل هو الله أحد) ثم يسجد و يقول (سبوح قدوس رب الملائكة و الروح) ثم يجلس ثم يسجد ثانية ثم يستغفر و يطلب حاجته ، و تفصيلها مذكور في المفاتيح. [3]
و على كل حال، فهذا الشهر شهر مهمٌ جداً و كذلك شهرا شعبان و رمضان، و تعد هذه الأشهر المتتالية من النعم الإلهية التي أنعم الله بها على عباده، و البرنامج الخاص لهذه الأشهر الذي كان يعطيه المرحوم الوالد هو نفس البرنامج الذي كان المرحوم القاضي يعطيه لطلابه في هذه الأشهر، و يمكن للرفقاء أن يحضروه و يقوموا بكل الأعمال الواردة فيه. [4]
نسأل الله العلي القدير أن يوفّقنا أن نستفيد من فيوضات و بركات هذه الأشهر الشريفة بأقصى حدّ ممكن إن شاء الله.
اللهم صلّ على محمد و آل محمد

  


[1] ـ يمكن الوصول إلى الكتاب المذكور من خلال هذا الرابط

[2] ـ الكيمياء في العلوم القديمة يشير إلى العلوم الغريبة التي يمكن من خلالها تبديل المعادن إلى ذهب، وما شابه ذلك.

[3] ـ هذا نص ما ورد في مفاتيح الجنان في أعمال شهر رجب في صفة هذه الصلاة: أن يصوم أوّل خميس من رجب ثمّ يصلّي بين صلاتي المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة يفصل بين كلّ ركعتين بتسليمة يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة وَ (انّا أَنْزَلْناهُ) ثلاث مرّات و (قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ) اثنتي عشرة مرّة، فاذا فرغ من صَلاته قال سبعين مرّة: اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد النَّبِيِّ الاُْمِّيِّ وَعَلى آلِهِ، ثمّ يسجد ويقول في سجوده سبعين مرّة: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ ثمّ يسأل حاجته فانّها تقضى ان شاء الله .

[4] ـ قام موقع المتقين بنشر هذا البرنامج، و يمكن الوصول إليه بالضغط على هذا الرابط

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->