معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات العلامة الطهراني > محاضرات شهر رمضان > الصلاة و آثارها

_______________________________________________________________

هو العليم

تفسير آية

(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى‏ وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتين‏)

الصلاة وآثارها

 

أُلقيت هذه المحاضرة

يوم السادس عشر من شهر رمضان المبارك سنة 1397 هجري قمري

في مسجد القائم

  

ألقاها سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني

قدس الله نفسه الزكية

_______________________________________________________________

أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين

قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [1]
صلوا على محمد وآل محمد!
«حافظوا على صلواتكم وحافظوا على الصلاة الوسطى, وقوموا لله وانتم في حالة الخضوع والخشوع والمسكنة وعلى وجه الاختيار والطاعة.»

    

معنى المحافظة على الصلاة

المحافظة على الصلاة عبارة عن مراعاة شروطها الظاهرية والباطنية.
أما شروط الصلاة الظاهرية فهي عبارة عن: الوضوء, والغسل, والتيمم في صورة عدم توفر الماء, واستقبال القبلة, ولبس اللباس الطاهر النظيف, والمحافظة على طهارة البدن و نظافته, و رعاية شروط صحة الصلاة, واجتناب موانع وقواطع الصلاة, و الاهتمام بسائر الشرائط المستحبة والواجبة المذكورة.
وأما المحافظة على حقيقة وباطن الصلاة وهي: «رعاية حضور القلب و تحصيل الإخلاص في الصلاة», فيلزم مراعاتها أيضا.
{ وَ الَّذينَ هُمْ عَلى‏ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُون‏ } [2] في هذه الآية المباركة، يقول الله العلي الأعلى حول هؤلاء الأفراد: إن المؤمنين والمفلحين هم الأفراد الذين يحافظون على صلواتهم من جميع الجهات حتى من جهة الشرائط الباطنية.
ينبغي على الإنسان في الصلاة ألا يكون عنده قصد خداع أو احتيال, وألا تكون صلاته لأجل السمعة (فتكون رياءً), كما ينبغي له الا يعجب بنفسه في الصلاة, وان تكون صلاته خالصة لوجه الله تعالى, وعلاوة على ذلك ينبغي ان يكون حاضر القلب، و ملتفتاً إلى أنه مع من يتحدث.
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} : المعنى الاصطلاحي للقنوت هو هذا الدعاء الذي يستحب أن يقرأه الإنسان في الركعة الثانية بعد قراءة السورة؛ ولكن المعنى اللغوي للقنوت هو «الخضوع والخشوع», أي طلب شيء على وجه المسكنة والاحتياج، وهنا المراد نفس هذا المعنى اللغوي.
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} أي «راعوا صلواتكم ولاحظوا آدابها وشرائطها, وقوموا لله على وجه المسكنة والاحتياج» ونفس هذا القيام بهذا الشكل، أي {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} يبين لنا معنى المحافظة على الصلاة.

    

حقيقة الدين التوجه إلى الله و الدخول تحت ولايته

و ذلك أنّ حقيقة الدين التوجه إلى الله وعبادته وإطاعته والدخول تحت ولايته.
قام أمير المؤمنين عليه السلام خطيباً في أحد أسفاره في مكان يقال له ذي قار ؛ وقال في بداية تلك الخطبة:
(اما بعد فإنّ الله تبارك وتعالى بعث محمّدا صلى الله عليه وآله بالحقّ ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته ومن عهود عباده إلى عهوده ومن طاعة عباده إلى طاعته ومن ولاية عباده إلى ولايته بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا.) [3]
على هذا الضوء نفهم أنّ حقيقة الدين الخروج من تحت ثقل طاعة وولاية وعهد وعبودية الناس, والدخول تحت ولاية وعبادة وعهد وطاعة الله. الله يقول: لا يحقّ لأي شخص أن يطيع أحداً غيري، إلا إن كنت أنا قلت له ذلك, وحينئذ تكون تلك الطاعة لي أنا.
و بناء على هذا, فحقيقة الدين وروحه, قائمة على تقطيع سلاسل العبودية التي وضعها الناس في أعناق بعضهم, حيث صار يقوم كلّ منهم بطرح نفسه كوليّ على الآخرين, فهذه السلاسل ينبغي أن تقطّع.
وما لم يدخل الإنسان تحت الولاية والعبودية المطلقة لله, فإنه لم يشمّ رائحة التوحيد والعرفان, ولم تتجلّى فيه حقيقة عبوديّة الله وروحها, و هذا يعني أنّه ما زال عبداً للغير؛ فهو عبد لعبيد الله، الذين هم أنفسهم فقراء و محتاجون مثله. لذلك كان أفضل وأحسن شعار دينيّ هو الصلاة, التي تقطع حبائل الإنسان وعلائقه بغير الله, وتربطه بالله تعالى.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: ( إنّ صلاتنا ذكر و دعاء و قرآن ). يعني الصلاة التي نؤدّيها مركّبة من مجموعة أشياء: تلاوة للقرآن, و هو الذي يحوي الأوامر والتعليم والتربية. فالقرآن نزل ليخرج الإنسان من نير عبوديّة العبيد المماثلين له, وليدخل الإنسان في دائرة عبوديّة الله, فالقرآن كتاب للتعليم بهذا المعنى؛(و ذكر): تسبيح, وتقديس لله, ذكر وتجليل لله, وتحقير وتصغير لغير الله مهما كان شأنه.
و الجزء الآخر دعاء, فجزء من أجزاء الصلاة هو الدعاء, والدعاء يعني: الطلب من الله, حيث يقول:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} يعني كل ما تريدونه فلتطلبوه من الله, فهو المتكفّل بسدّ الحاجات وتأمينها, ولا تطلبوا من غير الله! فأولئك الذين تطلبون منهم إنما هم في عرضكم ومساوون لكم, فلماذا تحنون رقابكم بذلّ العبوديّة أمام هؤلاء الأفراد الذين هم أمثالكم؟! فليس للمؤمن والمسلم أن يعتني بغير الله و لا أن يتوجّه لسوى الله بذلّ العبوديّة! {وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقينَ لا يَعْلَمُون‏} [4] فالعزّة مختصّة بالله ورسول الله والمؤمنين, و ليس لأحد آخر من العزة نصيب.
و من هنا، فإذا قمنا بالمحافظة والاهتمام بصلاتنا, وراعينا آدابها , فإنّها ترفعنا إلى الدرجة العليا من المقامات الدنيويّة والأخروية, فالصلاة هي الدواء الأوحد الناجع في تربية الإنسان وتكامله.
فقول النبي الأكرم عن الصلاة: (إن قبلت قبل ما سواها وإنّ ردّت ردّ ما سواها) لم يكن من باب التساهل.وذلك لأنّ هذا الدواء مُكمّل لجهات النقص الكامنة في الإنسان ورافع لها, وإذا استخفّ الإنسان بالصلاة وأهملها وضيّعها, ولم يؤدّ حقّها, فإنه لو قضى كلّ عمره في أدائها و تكرارها بهذا الشكل الناقص, فلن يستفيد الفائدة المرجوّة منها؛ وسوف لن يستطيع أن يُخرج نفسه من ذلّ عبوديّة العبيد أمثاله, يدخلَ نفسه في دائرة عبوديّة الله.

    

خطورة الاستخفاف بالصلاة و آثار ذلك

يقول الإمام الصادق عليه السلام, وذلك في طبقا للرواية الواردة في الكافي:
قال أبو عبد الله عليه السلام : (والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة فأي شئ أشد من هذا والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها ، إن الله عز وجل لا يقبل إلا الحسن فكيف يقبل ما يستخف به ) [5].
أي يُرى من بعض الناس أنّهم يصلون خمسين عاماً متوالية, إلا أنّ الله لا يتقبّل منهّم, لأنّهم يؤدّون الصلاة وهم مستخفّون ومتهاونون بها, فهم يتساهلون بشأنها, ولا يعتنون بها. وما أعظم ذلك؟! وأي مصيبة أشدّ من ذلك؟ بحيث يقوم الإنسان ليصلّي لله ثمّ يستخفّ بصلاته؟! يستصغرها.. يحقّرها.. يقدّم أعماله الخاصّة عليها, و لا يؤدّي الصلاة إلا في آخر وقتها, فأعماله على رأس القائمة وفي قلب المتن.. بينما يجعل الصلاة في الحاشية..
بعد ذلك يقول:
أنتم ترون أنّ الكثير من أقربائكم وذراريكم يصلّون, بحيث لو كانوا يصلّون لكم فإنّكم لا تقبلون أمثال هذه الصلوات منهم, لأنّها إنّما صدرت منهم على وجه الاستخفاف؛ والحال أنّهم يفعلون ذلك اتجاه الله, فيصلون وهم غافلون عن الله, فيلقلقون بألسنتهم, وينقصون من ركوعهم وسجودهم, ويختمون الصلاة كلمح البصر. فلو جاءك مثل هذا الشخص وحيّاك وسلّم عليك بهذا الأسلوب, لاوياً رأسه إلى الأسفل, متمتماً ببعض العبارات التي لا تفهمها, ودون أيّ التفات ولا اعتناء بك!! و دون مراعاة الأدب اتجاهك, فهل تقبل مثل هذه التحية والسلام؟! فكيف يقبل الله ذلك إذن!!
إنّ الله لا يقبل إلا الحسن فكيف بالاستخفاف؟! فكيف يقبل الصلاة التي يأتي بها المصلي وهو مستخفّ؟! يعني يقوم بها وهو مستصغر ومستخفّ بها.

كذلك ورد في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال:( لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن تجرء عليه فأدخله في العظائم) [6].
يعني طالما أنّ المؤمن يقيم الصلاة فهو لا يرتكب الكبائر، ولكن عندما لا يراعي آداب الصلاة،فإنه سيسقط في الذنوب و المعاصي.
و من هنا نعلم أن الصلاة أحد الأسباب و العلل للابتعاد عن الذنوب، بينما ترك الصلاة أحد الأسباب و العلل الجاذبة نحو الذنوب، و ذلك طبقاً لهذه الرواية المرويّة عن الرسول الأكرم.
كما ورد في كتاب >مَن لا يحضُرُه الفقيه< إذ يروي المرحوم الصدوق عن السكوني عن حضرة الصادق عليه السّلام: سئل أبو عبد الله عليه السلام ما بال الزاني لا تسمّيه كافرا وتارك الصلاة تسمّيه كافرا ؟ وما الحجة في ذلك ؟ فقال : فأجابه الإمام:
(إن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه ، وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا بها وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ لإتيانه إياها قاصدا إليها ، وكل من ترك الصلاة قاصدا لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة ، فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف ، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر ) [7]
و كذلك روى أبو بصير و الرواية واردة في كتاب "مَن لا يحضُرُه الفقيه" كما نقلها المرحوم النوري في >مستدرك الوسائل< و أوردها المرحوم الصدوق في "عقاب الأعمال" قال أبو بصير:
دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله عليه السلام، فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينه، ثم قال: اجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة، قالت فلم نترك أحدا الا جمعناه، قال: فنظر إليهم ثم قال : (ان شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة) [8].
لقد كانت هذه الجملة هي آخر ما قاله الإمام قبل أن يرحل عن دار الدنيا.
يقول الله العليّ الأعلى في سورة مريم ـ بعد أن يعرض قصّة زكريا ويحيى عيسى وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق وهارون وموسى وإدريس ـ يقول:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [9]
لقد كان هؤلاء الأنبياء مقيمين للصلاة, وجميع هذه المقامات التي نالوها إنّما كانت من آثار حالة العبوديّة الكامنة في وجودهم, فهؤلاء أنبياء قد أتمّ الله نعمته عليهم, من ذريّة آدم, وممّن حملهم الله مع نوح ومن ذريّة الأنبياء المنحدرين من النبي إبراهيم وإسحاق وإسماعيل, ومن الأنبياء الآخرين الذين هداهم الله واجتباهم, من الذين إن سمعوا آيات الله خرّوا سجّدا وبكيّاً.
لاحظتم! كيف عنونت هذه الآية الأنبياء بأعلى عنوان ووصف, وهو كونهم في غاية الخضوع والمسكنة والعبوديّة بالنسبة لله. بعد ذلك يقول تعالى:
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [10] أي قد جاء بعد هؤلاء أفرادٌ سيّئون, أضاعوا الصلاة, ولم يقيموا حدودها, واتّبعوا الشهوات, وسقطوا في مزالق الإغواء والضياع والظلمة والضلال.
{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [11]، أي: إلا أولئك الذين تابوا وأصلحوا وتراجعوا عن تبعات أعمالهم, فبعد أن تركوا الصلاة تابوا وندموا، وآمنوا, وعملوا الأعمال الصالحة, وطلبوا العفو عن أعمالهم السيئة, فسوف نكتب هؤلاء في ديوان المصلين, وسوف ندخلهم الجنّة, نعم, هؤلاء الأفراد الذين يتوبون سوف ندخلهم الجنّة, ولن نظلمهم شيئاً.
أي جنّة تلك؟
{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} [12]
جنّات مليئة بالأشجار, تلفّها الأشجار إلى حد أنّها متلاصقة ببعضها البعض, بحيث أنّ أرض هذه الجنّة ورياحينها وورودها أصبحت مخفيّة من كثافة هذه الأشجار, والله العلي الأعلى قدّ بشّر خواصّ عباده بهذه الجنّات, ومن أصدق من الله حينما يعد أحدا؟!، بعد ذلك يقول:
{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [13]
ففي هذه الجنان لا يوجد كلام لغو وبلا فائدة, ولا يسمع أحد شيئاً من ذلك أبداً, فليس هناك إلا السلام والتحية تفاض عليهم من جانب الله تعالى, ورزقهم من الله تعالى نازل عليهم بكرة وعشيا.
{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} [14]
«لقد ادّخرنا هذه الجنّةَ لتلك الفئة من عبادنا الذين لا يتجاوزون حدود التّقوی» و يراعون الآداب و القوانين و يحافظون علی الصّلاة، و حتى إذا ما تركوها في بعض الأحيان فإنّهم يتوبون إلی ربّهم و يؤدّونها. و الله سبحانه و تعالی سيفي لهم بكلّ هذه الوعود التي قطعها لهم و يسكنهم جنّاته.

    

وصية رسول الله لابن مسعود

في أحد الأيام، وصّى الرّسولُ الأكرم صلّی اللهُ عليه و آله و سلّم عبدَ الله بن مسعود و جماعةً من الصّحابة بوصايا عديدة عُرفت و اشتهرت بوصايا رسول الله إلی ابن مسعود، يقول ابن مسعود:
في أحد الأيام، ضاقت علينا صدورُنا فذهبت أنا و بعض الأصحاب لزيارة رسول الله نشكو له سوء الحال و طوارق الأيام فتعرّض صلّی اللهُ عليه و آله و سلّم لبيان بعض الأمور.
(أنا هنا سأتلو عليكم من كتاب «مكارم الأخلاق» قسماً من الوصية يتعلّق بالصّلاة. هذا، ويعدّ كتابُ «مكارم الأخلاق» من كتب الشّيعة النّفيسة جدّاً، و قد كان العلماء العظام يصطحبونه معهم دائماً في السّفر و الحضر و يوصون تلامذتهم بذلك أيضاً و بألاّ يغفلوا عن مطالعته و العمل بمضامينه.)
يبين صلّی اللهُ عليه و آله و سلّم عدّة مسائل بالتّفصيل بصيغة: يا بن مسعود ... يا بن مسعود ... إلی أن يصل إلی قوله:
(يا بن مسعود! سَيأتي مِن بَعدِي أقوامٌ يأكلُونَ طَيبَاتِ الطَّعَامِ وَ ألوَانَهَا، وَ يركبُونَ الدَّوَاب، وَ يتَزَينُونَ بِزِينَةِ المَرأةِ لِزَوجِهَا، وَ يتَبَرَّجُونَ تَبَرُّجَ النِّسَاءِ، وَ زِيهُم مَثلَ زِيِّ المُلُوك وَ الجَبَابِرَةِ، هُم مُنَافِقُو هَذِهِ الأمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.)
يقول:
يا بن مسعود! سيأتي من بعدي أقوامٌ يأكلون أطعمةً ذات ألوانٍ متنوِّعةٍ و لذيذةٍ جدّاً و بأشكالٍ و صُوَر مختلفة؛ و في ذلك الزّمان سيسير الجميعُ راكبينَ؛ و سيتجمّل الرّجال كما تتزين المرأةُ لزوجها، و يتزينون بزينتها؛ سيرتهم و آدابهم مثل سيرة و آداب الملوك الجبابرة و الظّلمة؛ هؤلاء النّاس هم منافقو الأمّة في آخر الزّمان.
(شَاربُو القَهَوَات، لاعِبُونَ بالكعَابِ، رَاكبُونَ الشَّهَوَاتِ، تَارِكونَ الجَمَاعَاتِ، رَاقِدُونَ عَنِ العَتَمَاتِ، مُفَرِّطُونَ في الغَدَوَاتِ، يقولُ اللهُ تَعَالی: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} )[15]
يقول:
«هم أشخاصٌ يشربون الخمر و يلعبون بالنّرد و آلات القمار؛ و يركبون الشّهوات؛ ويتركون صلاة الجماعة بشكل كامل؛ ولا يحافظون علی صلاة اللّيل و العشاء و يتركون أداء صلاة العشاء (قلوبهم ساهيةٌ عند المناجاة و أداء صلاة العشاء التي تعتبر من أهمّ الصّلوات و لا يبدون بها أيّ اهتمام)؛ وعند حلول الصّبح، لا يكونون مستيقظين بين الطّلوعين، طلوع الفجر و طلوع الشّمس، فيحرمون من فرائض و سُنن ذلك الوقت كصلاة الصّبح و الآداب الأخری و يقصّرون في هذا الأمر؛ يقول اللهُ تعالی:
«هؤلاء ممن لم يتخلّق بالأخلاق اللائقة و ذلك لأنّهم ضيعوا حقَّ الصّلاة و ركضوا وراء الشّهوات فسيحيط بهم الضّلال و الظّلمات و يلفانهم بشكل كامل»
(يا بن مسعود! مثلهم مثل الدفلى, زهرتها حسنة وطعمها مرّ, كلامهم الحكمة, وأعمالهم داء لا يقبل الدواء أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)
يا ابن مسعود! هؤلاء الأفراد الذين يأتون في آخر الزمان, مثلهم مثل وردة "الدفلى" فوردتها جميلة جدا, إلا أنّ طعمها مرّ وحاد, كذلك هم الأفراد الذين يأتون في آخر الزمان, أشكالهم جميلة مزيّنة, إلا أنّ حقيقتهم مرّة وسامّة ومؤذية, فظاهرهم عمار وباطنهم خراب, وكلامهم ومحادثتهم وبحثهم مملوءة بالحكمة, إلا أنّ أعمالهم داء لا دواء له!! فما إن تلتقي بأحدهم حتّى يشرع بالحديث عن الإيمان والعدالة والصدق والاستقامة والمساعدة والعون لبني البشر, والعبودية الله... ولكن إن اطّلعت على عمله تجده فاسداً إلى الحدّ الذي لا يؤمل معه العلاج والسلامة!! ألا يتدبّرون القرآن أم أنّ قلوبهم مقفلة بحيث لا يمكن للحكمة أن ترد قلوبهم وتدخل فيها؟!
(يا بن مسعود! ما ينفع من يتنعّم في الدنيا إذا أخلد في النار؟! {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [16] يبنون الدور ويشيّدون القصور ويزخرفون المساجد, ليست همّتهم إلا الدنيا, عاكفون عليها, معتمدون فيها, آلهتهم بطونهم, قال الله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [17])
يا بن مسعود! ما الفائدة في من يرتعون في الشهوات ويتلذّذون بالنعم الدنيويّة الظاهريّة إلا أنّهم غافلون عن الآخرة!! ما الفائدة من ذلك؟! يبنون لأنفسهم الأبنية المتينة و ناطحات السحاب, ويشيّدون القصور الشامخة, ويزيّنون المساجد, وليس في قلبهم من همّ إلا الدنيا, عاكفون على الشهوات الدنيوية, اعتمدوا على الدنيا واتكئوا عليها, إلههم هو ملذاتهم وبطونهم؛ يقول الله في القرآن الكريم:
أيّها الناس, أنتم تشيّدون القصور العالية لأنّكم ترجون دوام الدنيا وخلودكم فيها لتعمروها, فهذا تصوّر خاطئ, وحينما تريدون أن أخذ شيء من أحد الناس فإنّكم تنقضّون عليه كالجبّار المتكبّر.. فلتخافوا الله ولتطيعوه!!
يقول الله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [18]
هؤلاء أفراد اتخذوا هواهم إلهاً لهم, وجعلوا هواهم كالإله يعبدونه دائماً, لذلك أضلّهم الله وأبعدهم وجعل قلبهم محجوبا مقفلاً وختم عليه.
(وما هو إلا منافق جعل دينه هواه وإلهه بطنه, كلّ ما اشتهى من الحلال والحرام لم يمتنع منه, قال الله تعالى: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [19])
فهؤلاء منافقون من أمتي يأتون في آخر الزمان, جعلوا هوى أنفسهم دينهم, واتخذوا بطونهم إله لهم؛ لا يمنعونها عما تشتهي سواء كان حلالاً أم حراماً؛ يصفهم الله في قرآنه المجيد: بأنّهم فرحون مأنوسون بهذه الحياة الدنيويّة الشهوانيّة, والحال أنّ هذه الحياة الدنيا بالنسبة إلى الحياة الأخرويّة ليست إلا متعة بسيطة جدا.
(يا بن مسعود! محاريبهم نساؤهم, وشرفهم الدراهم والدنانير, وهمّتهم بطونهم, أولئك هم شر الأشرار, الفتنة منهم وإليهم تعود)
يا ابن مسعود, إنّ محراب هؤلاء الذين يتوجّهون إليه في العبادة هم نساؤهم, فمحراب عبادتهم النساء, وميزان الشرف عندهم الدرهم والدينار, والعملة والأموال, و كلّ همّهم بطونهم, فهم أشرّ أشرار الناس, تنشأ منهم الفتنة وتعود إليهم أيضا.
(يا بن مسعود! إقرأ قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ* مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [20])
يا ابن مسعود! إقرأ هذه الآية من قول الله تعالى:
قل لهؤلاء الناس, لو أطلنا عمرهم ومتعناهم إلى أمد طويل, وأمددناهم بالمتاع المؤقت وأغدقنا عليهم بالشهوات والملذّات, ثم بعد ذلك سوف يعودون إلينا ويمثلون بين أيدينا في آخر المطاف لنحاسبهم ونجازيهم بأعمالهم السيئة, حينئذ فما هي فائدة هذا المتاع وهذه الفوائد الدنيوية؟!
(يا بن مسعود! أجسادهم لا تشبع وقلوبهم لا تخشع)يا بن مسعود! إنّ أبدان هؤلاء وأجسادهم لا تشبع ولا تقنع أبدا, فهم لا يشبعون, وقلوبهم لا تخشع ولا تنكسر وتتواضع.
(يا بن مسعود! الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريبا كما بدأ, فطوبى للغرباء!)
يا ابن مسعود! حينما بدأ الإسلام بالظهور والانتشار فقد كان غريباً, وسوف يعود ثانية إلى تلك الغربة! فالإسلام الحقيقي سوف يعود غريباً في يوم من الأيّام, فهنيئاً لأولئك الذين يلتزمون بالعمل بتعاليم الإسلام في حال الغربة, حيث ينجذب جميع الناس ويميلون إلى المنهج الباطل, ليبقى هؤلاء القلّة ثابتي القدم, فلا يرفعون أيديهم عن حقيقة إيمانهم؛ فطوبى وهنيئا لهم.
(فمن أدرك ذلك الزمان ممّن يظهر من أعقابكم فلا يسلّم عليهم في ناديهم, ولا يشيّع جنائزهم, ولا يعود مرضاهم, فإنّهم يستنون بسنّتكم ويظهرون بدعواكم ويخالفون أفعالكم, فيموتون على غير ملّتكم, أولئك ليسوا منّي ولست منهم.) [21]
يا بن مسعود! كلّ من يخلفكم من نسلكم, من أولادكم من المسلمين الذين اعتنقوا مسلك الحق, فإن يدرك أولئك الأفراد المنحرفين من أهل آخر الزمان, فلا يسلّموا عليهم! ولا يشيّعوا جنائزهم! ولا يعودوا مرضاهم! لأنّهم بدّلوا سنّتكم إلى سنن أخرى, فهم يظهرون الالتزام بدينكم والاعتناق به, إلا أنّ مرامهم ومنهجهم مخالف لمنهجكم وممشاكم, وهم يخالفون أفعالكم, فهم يموتون على غير ملّتكم ومذهبكم, فهم ليسوا منّي, وأنا لست منهم, وأنا بريء منهم, وهم كذلك ليسوا من ملّتي و ديني.
هذه بضع فقرات كانت قد وردت عقيب تلك الفقرة التي تتعلّق بموضوع الصلاة, كما أنّ هناك فقرات أخرى كثيرة بعدها أيضاً, و كذلك هناك العديد من الفقرات العجيبة قبلها.
وكم هو حسن أن يترجم كتاب "مكارم الأخلاق" ويصبح بين أيدي الإخوة المتكلمين باللغة الفارسية, كما وينبغي لطلاب العلوم الدينية أن يقتنوا نسخة من هذا الكتاب, ليبقى مصاحباً لهم بعنوان الغذاء الروحي الذي لا ينفكّ عنهم.
وخلاصة المطلب: الطريق.. طريق العبوديّة والطاعة, و كلما كان عمل الإنسان أكمل و أفضل, فإنّ نتيجته ستعود عليه, وكلّما كان العكس بحيث ينزلق وينحدر ويعصي ويتجرّأ فإن عمله ليس خافياً, فكل عمل في عالم التكوين باق ومثبّت, وسوف تقف غداً أمام العدالة الإلهية للحساب و المؤاخذة.
الليلة هي السابعة عشرة من شهر رمضان, و هاهي ليلي العبادة و التهجد قد بدأت! فأوّل ليلة يستحبّ فيها الغسل في شهر رمضان هي ليلة السابعة عشرة, ويسري الحكم بعدها إلى جميع الليالي المفردة, فالغسل مستحب في جميع هذه الليالي إلى آخر شهر رمضان؛ ليلة الواحدة والعشرين, والثالثة والعشرين, والخامسة والعشرين, والسابعة والعشرين, والتاسعة والعشرين, بل إنّ الوارد هو استحباب الغسل لجميع الليالي الأخيرة من شهر رمضان أعمّ من الليالي المفردة أم الليالي الزوجيّة.
في اليوم السابع عشر من شهر رمضان كانت قد وقعت معركة بدر, وغزوة بدر هي أول انتصار إلهيّ كان قدّ منّ الله به على المسلمين, فالغد كان يوم الفتح والنصر للمسلمين. كانت المعركة صعبة, صعبة جدّاً جدّاً, يعني كانت حربا عجيبة!! وقد وقعن في السنة الثانية بعد الهجرة.

    

فضل زيارة سيد الشهداء ليلة الجمعة

والليلة أيضاً هي ليلة الجمعة, ليلة من ليالي شهر رمضان وليلة جمعة, ومن الوارد في ليالي الجمعة زيارة خاصّة لحضرة سيّد الشهداء عليه السلام، كما يوجد لدينا رواية عامّة تفيد بأنّه: كلّ من لم يقدر على زيارة سيّد الشهداء عليه السلام من قريب في الأيام الخاصّة لزيارته, فليتوضّأ من مكانه ومن منزله ـ وإن كان يمكنه أن يغتسل فليغتسل ـ ثم ليذهب إلى مكان مرتفع كالسطح مثلا, وليتلفّت إلى الشرق وإلى الغرب, ثمّ يتّجه إلى قبر الإمام و يسلّم بهذا السلام: السلام عليك يا ابا عبد الله. فإنّ الله العليّ الأعلى سيحشره في سجلّ زائري الإمام عليه السلام.
(إنّ زائر الإمام هو الشخص الذي يقيم الصلاة، وزائر الإمام هو الشخص الذي يقتدي بأفعال الإمام ويسير على نهجه, و عمل الإمام إقامة الصلاة، (أشهد أنّكم قد أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم في الله حقّ جهاده حتى أتاكم اليقين), فنحن نزور الإمام وأصحاب الإمام بهذه الجملات.)
ولو أراد شخص أن يزيد على ذاك السلام شيئاً آخر, فلا إشكال في ذلك، كأن يقول: السلام عليك يا أبا عبد الله! السلام عليك يا بن رسول الله! السلام عليك يا بن أمير المؤمنين....
وبعد ذلك فإن أحببت أن تتكلّم بالفارسية، وتطلب حاجتك، وتبثّ ما في قلبك.. كأن تقول: السلام عليك يا أبا الفضل.. السلام عليك يا عليّ الأكبر.. فإن لم تستطع أن تقرأها بالعربية فلا مشكلة أيضاً.. اقرأها بلغتك الفارسية التي تعرفها..
و اعلموا أنّ قبور الإمام قريب! فالملائكة توصل صوت الإنسان إلى القبر وكأنّ سيّد الشهداء بجانب الإنسان المتوسّل به تماماً.
كان هناك أحد الشيعة، واسمه سليمان بن مهران, كان من الوجهاء وذوي النفوذ وصاحب شخصية بارزة في الكوفة, وكانت أهل العامّة والخاصّة يحترمونه ويجلّونه وكان يلقّب بـ (الأعمش), ومباحثاته معروفة مع أبي حنيفة, وكان السنّة يهابونه ويخافون منه كثيرا.
سليمان الأعمش ـ طبقا للرواية التي ينقلها المرحوم النوري في كتابه (النجم الثاقب) ـ يقول:
كنت في الكوفة ( وقد كان سليمان رجلاً مسنّا و محترماً من الجميع, كما كان راوياً للحديث) يقول: كان أحد جيراننا عالماً من علماء أهل السنّة, يعني كان مذهبه سنّياً, وكان يدور بيننا وبشكل دائم مباحثات حول الولاية, وكان بطبيعة الحال منحازاً لمذهب السنّة, ونحن من ناحيتنا كنّا نذكر له الأحاديث المعتبرة والمسندة والمروية عن النبيّ في ذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.وكانت بحوثنا تطول وتدوم.
ذات يوم كنت عنده وكان قد تمادى البحث وطال, فقلت في آخر البحث:
أيّها الرجل! ما هي عقيدتك بزيارة سيّد الشهداء الحسين بن علي, سبط النبيّ صلى الله عليه و آله؟
قال: هي بدعة؛ و كل بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار! يعني كلّ شخص يزور قبر ابن النبي فإنّ مآله إلى النار.
يقول سليمان: أنا غضبت جداً, و غادرت المجلس و أنا متضايق جدّاً، وذهبت إلى المنزل, و تلك الليلة أخذ رأسي يؤلمني, ولم أستطع النوم طوال الليل, بل صرت أفكّر بالأحاديث المتقنة وأجمّع الصحيح والمسند منها وأرتّبها في ذهني, كي أذهب إليه غداً أوّل الوقت وأطرحها عليه, وأحاججه بها وأقول له: ما جوابك على هذه الأحاديث الصادرة من مصادركم والتي تلتزمون بها وتقبلونها ولا يمكنكم إنكار سندها؟
كانت تلك الليلة ليلة جمعة، و مع أول وقت أذان صلاة الصبح ذهبت إلى منزله و طرقت باب المنزل، و عندما فتحوا الباب، قلت: هل فلان موجود ؟
قالوا: لا، ليس موجوداً.
قلت: إلى أين ذهب؟
قالوا: سافر.
قلت: سافر إلى أين؟
قالوا: سافر إلى كربلاء من أجل زيارة الإمام الحسين!
عندما سمعت هذا الكلام اندهشت و تعجبت كثيراً! تعجبت كثيراً جداً ! إذ كيف يسافر لزيارة الإمام الحسين و هو الذي كان بالأمس يقول: زيارة الإمام الحسين بدعة و كل بدعة ضلالة!
لم أمكث طويلاً، و توجهت من الكوفة إلى كربلاء، و عندما دخلت إلى الحرم المطهّر وجدت صاحبي قائماً يصلي، و استمر بالصلاة راكعاً ساجداً دون كلل أو ملل! فجلست بإزائه منتظراً، ثمّ بعد مدة من الزمن انتبه لوجودي بجانبه، وبعد التحية و السؤال عن الأحوال، سألته قائلا: لماذا جئت إلى هنا؟ أو لست القائل بأن زيارة الإمام الحسين بدعة، و كل بدعة ضلالة!؟ فلماذا جئت بنفسك إلى هنا إذاً ؟
فأجاب: و الله لقد كنت مخطئاً! أقسم بالله، أني أخطأت، و إنّي لأتوب إلى الله و أطلب منه العفو و المغفرة.
فقلت: ما الذي حصل؟
فأجاب: عندما تركتني و ذهبتَ ليلة البارحة (كانت ليلة جمعة) ذهبتُ لكي أنام، فرأيت في عالم الرؤيا أني كنت في صحراء واسعة! و هناك، رأيت رجلاً محترماً مهيباً جليل القدر لا هو بالطويل و لا بالقصير، عريض الكتفين حسن الوجه، بديع الجمال، و قد كان هذا الرجل يسير و حوله جماعة من الناس يسيرون برفقته.
و كان يتقدّمهم رجل راكب على حصان ، و كان ذيل الحصان مجدولاً، و كان يسير أمام الركب، و كان على رأس هذا الرجل تاج ذو أربعة أركان، و على كل ركن منها كان يوجد جوهرة لامعة، يسطع منها نور شديد كنور الشمس يضيء تلك الصحراء لمسافة ثلاثة أيّام.
ثم رأيت هودجا من نور، على ناقة من نور يتحرّك في السماء.
فسألت قائلاً: من هذا الرجل المحترم الذي يسير في الوسط و الركب من حوله؟
فأجابوا: هذا خاتم الأنبياء و المرسلين، رسول الله صلى الله عليه و آله.
فقلت: و من هذا الذي يتقدمهم راكباً حصانه؟
فقالوا: هذا سيد الوصييّن، أمير المؤمنين عليه السلام.
فقلت: ولمن ذاك الهودج الذي يطير في السماء؟
فقالوا: هو لخديجة بنت خويلد و فاطمة الزهراء عليهما السلام.
فقلت: و ذاك الرجل الذي يمشي معهم، من هو؟
فقالوا: هو الحسن بن علي عليه السلام.
فقلت: و إلى أين يذهبون؟
فقالوا: الليلة، ليلة الجمعة، و هم ذاهبون لزيارة قتيل سيف الظلم، مجري الإنصاف و العدل في العالم، مقيم الصلاة و مؤت الزكاة، و حافظ دين الله: الحسين بن علي عليه السلام.
و أنا على هذه الحال، رأيت رُقعاً و صكوكاً تنهمر من ذلك الهودج الموجود في السماء، متساقطة على الأرض، و قد كتب عليها: أمانٌ من النار لزوار الحسين ليلة الجمعة! أمان من النار!
و رأيت الناس يأتون من كل حدب و صوب، فيأخذ كل واحد منهم رقعةً من هذه الرقع و يذهب، و عندما انحنيت لألتقط واحدة منها، قالوا لي: ممنوع، أنت غير مجاز أن تأخذ منها!
فقلت: و لم ذلك؟
فقالوا: أولست القائل بأن زيارة الحسين بدعة؟ فلذا، أنت ممنوع من أخذ إحدى هذه الرقاع. و مهما حاولت أخذ واحدة منها منعوني، ثم قالوا لي: يوجد طريقة واحدة لكي تحصل على ما تريد و ذلك بأن تصلح عقيدتك، ثم تذهب بعقيدة صحيحة إلى زيارة الإمام الحسين؛ فإن فعلت ذلك أعطيناك رقعة من هذه الرقاع.
و عند ذلك استيقظت من النوم، فاغتسلت، و دعوت الله قائلاً: يا ربّ ، لقد كنت ضالّا، و لكنّ الجهل كان هو سبب ضلالي، و قد تبت عن مذهبي القديم و رجعت إلى المذهب الحقّ. ثم جئت لزيارة سيد الشهداء عليه السلام.
اعلم يا سليمان، أنّي صرت مؤمناً بولاية أهل بيت النبوّة إلى الحدّ الذي صرت لا أرى فرضاً وواجباً علي سواها، و صرت أعتبر كل شيء غير ولايتهم باطلاً.


[1] ـ الآية 238 من سورة البقرة

[2] ـ الآية 9 من سورة المؤمنون

[3] ـ الكافي، الجزء 8 ، ص 387

[4] ـ ذيل الآية 8 من سورة المنافقون

[5] ـ الكافي، الجزء 3، صفحة 269

[6] ـ الكافي، الجزء 3، صفحة 269

[7] ـ من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، الجزء 1، صفحة 206

[8] ـ ثواب الأعمال و عقابها، الشيخ الصدوق، صفحة 228

[9] ـ الآية 58 من سورة مريم

[10] ـ الآية 59 من سورة مريم

[11] ـ الآية 60 من سورة مريم

[12] ـ الآية 61 من سورة مريم

[13] ـ الآية 62 من سورة مريم

[14] ـ الآية 63 من سورة مريم

[15] ـ الآية 59 من سورة مريم

[16] ـ الآية 7 من سورة الروم

[17] ـ الآيات 129 إلى 131 من سورة الشعراء

[18] ـ صدر الآية 23 من سورة الجاثية

[19] ـ ذيل الآية 26 من سورة الرعد

[20] ـ الآيات 205 إلى 207 من سورة الشعراء

[21] ـ مكارم الأخلاق، للشيخ الطبرسي، ص 446

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->