معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > وصايا و تعاليم و دستورات > وصايا حول ليالي القدر

_______________________________________________________________

هو العليم

وصايا حول ليالي القدر

 

ألقيت في ذيل شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
من الليلة الثامنة عشر من شهر رمضان الكريم سنة 1431 هـ.ق

سماحة آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني حفظه الله

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                            

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين

نستهل ليالي القدر المباركة, فتبدأ بليلة الغد وهي ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، ثم الليلتان التي تليها، أي: ليلة الواحد والعشرين وهي ليلة شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، وبعدها ليلة الثالث والعشرين.
ومن المعروف أنّ ليلة القدر عبارة عن فضاء خاص ـ ليس المقصود بالفضاء الفضاء المكاني ـ بل هي مقطع زماني وبرهة من الوقت تحتوي على حالات معنوية وروحيّة، بحيث ترد هذه البرهة الزمنيّة على النفس الملكوتيّة للإنسان, وتخضع مثال الإنسان وعالم شهادته تحت تصرّفها، وهذه الحيثيّة المعنويّة هي التي تسمّى ليلة القدر.
وبداية هذا الأمر إنّما تبدأ من أول ليلة التاسع عشر، يعني تبدأ هذه الحالة الروحيّة المكتسبة في الليلة التاسعة عشرة وتستمر إلى أن تنتهي في الليلة الثالثة والعشرين.
يتصوّر البعض أنّ ليلة التاسع عشر وليلة الواحد والعشرين منفصلتان عن ليلة القدر، وأنّهما ليستا سوى مقدّمة، أيّ إنّ حفظ الآداب، ورعاية المراقبة، ورعاية الموازين في ليلة التاسع عشرة وفي يوم التاسع عشر وكذا في ليلة الواحد والعشرين إنّما هي مقدّمة لتحضير الإنسان وتحضير النفس حتّى تقوى على نيل ليلة القدر التي هي في ليلة الثالث والعشرين.
نعم هذا رأي من الآراء، وبالطبع هذا الرأي يمكن توجيهه بنحو من الأنحاء. ولكن باعتقادي أنّ التعبير الأدقّ عن ليلة القدر هو أنّها: عبارة عن فضاء معيّن و حيثيّة خاصّة وجهة معنويّة, وحيث أنّها غير قابلة للبيان ولا تستطيع العقول العادية إدراكها وفهمها, عبّر الأولياء عنها بليلة القدر و ليلة الثالث والعشرين، أمّا الأفراد الذين يتحلّون بمقدار عالي من الدقّة، ولديهم اطلاع على هذه المواضيع بمقدار أكبر، هؤلاء فهموا حقيقة هذا الأمر رويداً رويداً وبشكل تدريجي، ففهموا الحالة التي تبدأ بالتشكل من ليلة التاسع عشرة، فتبدأ بالنضوج والنمو.. تنضج وتنضج.. تماماً مثل الرسمة التي يريد الرسّام أن يرسمها، فيبدأ أوّلاً برسم حدود الطائر ـ على سبيل الفرض ـ فيبدأ بالخطوط الرئيسيّة والبسيطة، ثمّ يقوم بملئها والتشديد على تلك الخطوط، ثمّ بعد ذلك يعمد إلى توضيحها وتعديلها، وهكذا إلى أن يصل بعد مدّة إلى وضع التفاصيل واللمسات الأخيرة، لتجدها بعد ساعتين رسمة طائر وعصفور مكتملة، أو بلبل رائع فاتن الجمال.
فصورة البلبل هذه كم استغرقت من الوقت حتّى اكتمل تصويرها وتشكيلها؟ هل استغرق ذلك آخر ثانية من الساعتين؟ أم أنّها بدأت تتشكّل من الأوّل؟ يعني: من أوّل لحظة بدأ القلم يخطّ على الورق بدأت تتشكّل رسمة هذا العصفور أو هذا البلبل، واستغرق ذلك طوال الساعتين, إلى أن رفع قلمه عن الورقة، وعليه فهذه الرسمة تشكّلت طوال ذلك الزمان الذي كان يرسم فيه.
كذلك الأمر بالنسبة لليلة القدر فهي من هذا القبيل، فتشكّل ليلة القدر يعني: تشكّل تلك الحالة المعنويّة، حيث يتكوّن ويتحقّق في تلك الحالة المعنويّة تقدير الإنسان.. وأعمال الإنسان.. الأمور التي تتعلق بالإنسان.. الأمور التي ستتحصّل للإنسان بالعرض.. أو الأمور التي ستحقّق طولياً, أي من ناحية الفيض المعنوي للإنسان... كلّ ذلك يتحقّق في الفضاء الذي ينبغي أن يتحقّق فيه، ثمّ يدخل في ليلة الثالث والعشرين, وعليه فإنّ تشكّلُ ليلة القدر إنّما يبدأ من ليلة التاسع عشر أيّها الإخوان والأصدقاء!
يعني من ليلة التاسع عشر، تبدأ تلك الخطوط البسيطة تشكّل ذلك الشكل، وفي ليلة الواحد والعشرين تصبح قويّة، وفي ليلة الثالث والعشرين تصل إلى تلك النقطة النهائيّة، لذا كانت رعاية المراقبة خاصة, والتوسّلات، واللجوء إلى الله عزّ وجلّ والأئمّة والمعصومين وخصوصاً سيّد الشهداء، وبالأخصّ بالوليّ الحيّ إمام العصر عجّل الله فرجه الشريف و أرواحنا فداه، كلّ ذلك ينبغي أن يكون في البال من ليلة التاسع عشر، وليس فقط في ليلة الثالث والعشرين, ها..!! يعني من ليلة التاسعة عشرة عليكم أن تعلموا أنّ الأمور في طور التحقّق، وأنّ هذه الحالة والتشكّل المعنويّ التي تسمّى التقدير والمشيئة والقضاء الإلهي والتي تريد أن تأخذ شكلها، تبدأ بالتشكّل من ليلة التاسع عشرة تدريجياً ورويداً رويداً، ثمّ تنضج أكثر، ثمّ تصبح أكثر دقّة، ثمّ في ليلة الثالث والعشرين يأتي إمضاء إمام الزمان عليه السلام فيختمها في أسفل صفحتها، عندها تصبح تامّة.
إنّ إمضاء الإمام يذيّل جميع ملفّاتنا.. فكلّ أمورنا وجميع مسائلنا لابدّ أن وتكون بإمضاءٍ منه، وإلاّ كانت أعمالنا سرابا... فهناك شعر مرّ ذكره في الليلة الماضية... :
بي عنايت حق وخاصان حق... من هم الخاصّون بالحق؟؟ هو إمام الزمان، هو خاصّ بالحق، ونحن لسنا من العوام.
بی عنايت حق وخاصان حق
                              گر ملك باشد سيا هستش ورق


(من دون عنايات الحقّ وخواصّ الحق *** حتّى الملاك وجوده حبر على الورق )
حتّى جبرائيل يحتاج إلى إمضاء الإمام في ليلة الثالث والعشرين، وكذا ميكائيل وعزرائيل, فأعمالهم وبرامجهم كلّها ينبغي أن يمضيها الإمام، فملف كلّ واحد منهم موضوع بيده، ملف كلّ واحد منهم بيده، لذا فنحن نجد في بعض الروايات تصرّح بأنّ ليلة القدر هي اليلة التاسع عشرة، وبعضها يذكر أنّها: ليلة الواحد والعشرين، وبعضها يذكر أنّها: ليلة الثالث والعشرين، وبعضها يذكر: الليالي الثلاث جميعاً، كلّ ذلك من أجل هذا الأمر، حيث يحصل هذا التشكّل... نعم في بعض الروايات ورد ضرورة أن نهتمّ في ليلة الثالث والعشرين أكثر، ذلك لأنّه فيها تصبح المسائل محسومة وحتميّة فتنتهي وتحسم، فيختمون أسفل الورقة بالختم. لذا قالوا: ينبغي أن تكون العناية في الليلة الثالثة والعشرين أكثر من غيرها، وإلاّ فليلة القدر تبدأ من الليلة التاسع عشرة، يعني بخصوص هذه الليالي التي نحن فيها، ولذا علينا أن نحمل صرّة الاستجداء والاستعطاء ونذهب بها إلى باب إمام الزمان، ونقول له: انظر إلى كشكولنا ليس فيه شيء.. فارغ من كلّ شيء.
لقد أرسلت أحد الأفراد والأصدقاء إلى شخص آخر، وبعد ذلك سمعت أنّه ذهب إليه، لكنّه ردّه وقال له: ليس في يدي أيّ شيء، يا عزيزي! أنا أعلم أنّه ليس في يدك شيء، فلو كان بيدك شيء لما أرسلته إليك. نعم، لقد أراد ذلك الشخص أن يتواضع...
كلّنا خالوا الوفاض، ومن كانت يده مليئة فليأتِ هنا لكي أراه، فليأتِ وليقل، كلّ من يريد فليأتِ، كلّنا خالوا الوفاض، هل يمكن لأحد أن يذهب إلى كريم من الكرماء، وأن يحمل معه الطعام؟ هل يمكن لنا أن نذهب إلى إمام الزمان، ونقول: تفضّل.. يا بن رسول الله! انظر، انظر كم لدينا من العلم! كم لدينا من النقود! كم لدينا من الفكر! كم لدينا من الشخصيّة! انظر إلينا وشاهد.
عندها ماذا سيكون جواب الإمام؟ سيقول: ما شاء الله!! بأي شيء تزهو يا سيء الحظ! أتتفاخر بعلمك؟! أتتفاخر بمالك؟! ذلك المال الذي يذهب في ليلة واحدة.
به جمالت مناز كه بيك تب بنده
                              به مالت مناز كه بيك شب بنده


( لا تفاخر بجمالك الذي يذهب بمرض واحد*** ولا تفاخر بمالك الذي يذهب بليلة واحدة )

أنت بماذا تفاخر؟ تفاخر بعلمك؟! بعلمك تتفاخر!! ذلك العلم الذي يذهب بأوّل مرض "الزهايمر" ، نسيان العلم أمره بسيط، هو ينسى حتّى نفسه وينسى حتّى أن يلبس سرواله وقميصه وثيابه!! هل تتفاخر بهذا الأمر؟! أيّها الإخوة الأمر يحصل ها!! يحصل.. وكثيراً..
"وفدت على الكريم... " ، هذا الشعر الذي كتبه أمير المؤمنين عليه السلام على قبر سلمان رضوان الله، وما كتبه كان صحيحاً.. نعم ما كتبه كان حقاً.. ما كتبه كان يعبّر عن اعتقاده، ولم يكن حينها يمزح أو يتظاهر، فأمير المؤمنين لم يكن يمزح، بل كان واقعياً.
أن يتواضع مثلاً.. يتواضع ويقول: عفواً يا إلهي مع أنّ لديّ الكثير من العلم ولكن ستأجاهله، فقد جلسنا بحضرتك... لا.. لا عزيز لم يكن الأمر كذلك، فالإمام كتب على قبر سلمان بأصبعه على التراب:
وفدت على الكريم بغير زاد
                              من الحسنات والقلب السليم

وحمل الزاد أقبح كلّ شيء
                             إذا كان الوفود على الكريم


فعندما تكون ضيفاً على رجل عظيم، هل تأخذ طعامك معك؟! أليست هذه إهانة؟! أليست إهانة؟! فسلمان الآن عندما يفد، فليس لديه أيّ زاد، لا القلب السليم ولا الحسنات، لا شيء لديه أبداً، هكذا كان اعتقادهم.. لم يكونوا يتواضعون! بل كان اعتقادهم بهذا الشكل!
ونحن الآن نذهب بكشكولنا الخاوي إلى صاحب العصر والزمان، ونقول له: انظر إليه!! إنّه خالٍ من كلّ شيءٍ إلا الهواء، مليء بالهواء، ليس فيه شيء، بل هو مليء بالهواء، وما شئت أنت أن تملأه فاملأه أنت، نترك له تقديرنا وإرادتنا ومستقبلنا، والإمام يختار لنا كلّ ما يريد، كلّ ما يرى فهو أصلح لنا، كلّ ما تقتضيه مشيئته، ونرجّح اختياره على اختيارنا، ونغلب إرادته على إرادتنا، وهذه المسألة هي المسألة التي ينبغي أن نعتني بها في هذه الليالي.
نسأله أن يقدّر لنا في هذه الليالي ـ والتي تختزن فيها خلاصة شهر رمضان ـ فنتيجة وغاية وحاصل شهر رمضان إنّما يكون في هذه الليالي، ففيها تكتب التقديرات، وبناءً على تلك التقديرات يتحرّك الإنسان، ونسأل الإمام عليه السلام أن يجعلنا من شيعته.. إنشاء الله.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->