معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 201 إلى الأخير > شرح حديث عنوان البصري - الجلسة 227:عيد الغدير فوق الشبهات

____________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة 227

عيد الغدير فوق الشبهات

ألقيت في السابع من ذي الحجة الحرام 1437 هـجري قمري

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني حفظه اللـه

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمّد
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد
وعلى أهل بيته الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين

    

عيد الأضحى يفوق عيد الفطر في الجذبات التوحيديّة

تعدّ أيام ذي الحجّة من الأيّام المباركة جدًا، وجميع الأعاظم كان لهم التفات واهتمام بهذا الشهر، وخصوصًا هذه الأيّام العشرة الأولى منه، كما أنّهم يهتمون أيضًا بما بعدها إلى محرّم، لكنّ اهتمامهم بالعشر الأوائل أكثر من غيرها. فبحسب ما في ذاكرة هذا العبد، وبحسب ما أذكر من محاضراتهم وكلماتهم، وبحسب ما رأيت من تصرّفاتهم، فإنّهم كانوا يعتنون بهذه الأيام عنايةً خاصّةً. وواضح أن عيد الأضحى عيدٌ لجميع الأفراد، ولا يقتصر على الأشخاص الموجودين في "مِنى" والذين يذبحون الأضاحي هناك، والذين يستفيدون من تلك الجذبات والنفحات والجلوات الخاصّة [بالحجّ]، نعم فلهؤلاء قصّة أخرى، ووقعًا يمكن القول: إنّ من ليس لديه اطلاع على الأحوال والمسائل العرفانيّة، فسيكون جاهلًا بتلك المسائل أيضًا!
إنّ الأفراد الذين يتشرّفون بالذهاب إلى الحجّ، ويقومون بذبح الأضاحي ورمي الجمار ويحلقون، تترتّب لهم تلك الآثار الخاصّة، إنّه عالمٌ عجيبٌ! عجيبٌ جدًا! وما لم يصل الإنسان إلى هذه المطالب والمسائل فلن يستوعب كيفيّة نزول نفحات الله عزّ وجلّ على النفوس في فضاءٍ كهذا الفضاء، وبالنظر إلى هذه الظروف.
من هنا، فإنّ حال عيد الأضحى يختلف عن حال عيد الفطر، على الرغم من أنّ الصلاة واحدة في كلا العيدين. وقد تمّ التأكيد بشدّة على أداء صلاة عيد الأضحى، وينبغي حتمًا على الرفقاء أن يؤدّوا صلاة عيد الأضحى يوم العيد، سواءً أدّوها فرادى أم جماعة. فما يلاحظ من وجود تساهل بالنسبة لأداء صلاة عيد الأضحى.. مع العلم بأنّ صلاة العيد في يوم عيد الأضحى من ناحية التأثير إذا لم يكن أثرها [على الإنسان] أكبر من أثر صلاة عيد الفطر، فليست أقل منها. وبشكلٍ عام، إنّ حال عيد الأضحى مختلفٌ عن حال عيد الفطر، فكيفيّة نزول النفحات مختلفةٌ، وهناك اختلافٌ فيها؛ فالجوانب التوحيديّة في عيد الأضحى أقوى من نفحات ورحمات الله عزّ وجلّ التي تفاض في عيد الفطر، إذ هناك جنبة الرحمة أوسع، أمّا في عيد الأضحى فالجنبة التوحيديّة أقوى.
وعلى كلّ حال، كلّ هذه الجوانب لازمةٌ لحركة الإنسان؛ هذه الجوانب وتلك الجوانب.

    

التشكيك بأصل وقوع عيد الغدير

إنّ المسألة التي كنتُ أفكّر في أن أعرضها الليلة للرفقاء، هي مسألةٌ تتعلّق بعيد الغدير، فبالنسبة لمسألة عيد الغدير، نجد أنّه من العجيب كيف أصبحت هذه الحادثة فريسةً للتشكيكات والهجمات المختلفة من كلّ حدبٍ وصوبٍ، وخصوصًا في هذه السنوات الأخيرة، حيث نجد أنّ التصويب توجّه إليها من كلّ جوانبها؛ سواءً من جهة أصل الحادثة، أم من جهة التشكيك في سندها، فنجد أنّ هناك العديد من المسائل والشبهات والمواضيع التي طرحت بهذا الشأن، ونجد أنّ كلّ واحد يعيد عرض هذه الحادثة وطرحها بحسب فكره وسليقته، حتّى رأينا من قام بإنكار وقوع هذه الحادثة من أصلها! يعني أنكروا أصل هذه الواقعة.
وهذا أمرٌ عجيبٌ جدًا، فهذا مثل ما لو أنكر شخص وقوع الحرب العالميّة الأولى والثانية، وقال بأنهما لم تقعا، ولم يكن هناك شيءٌ من هذا القبيل! من منّا عاش هناك ليؤكّد وقوعهما؟ لا أحد! إذن فهما لم يقعا.
فيقال له: يا سيدي، لقدّ ألّفت الكتب حول هاتين الواقعتين،
فيقول: كلّ ما كتب هو من وحي الخيال، ولا أساس له من الصحّة، فمن قال: إنّ الحرب العالميّة الأولى والثانية حصلتا، أنا أنكر ذلك تمامًا.
فيُقال له: ما بال الخراب الذي حلّ بالمدن وبالعالم؟ فيقول: هذا الخراب حصل من تلقاء نفسه، لقد حصل بسبب زلزال.
يعني: حينما يريد الإنسان الإنكار كيفما اتفق، عندها لا يعود هناك حدّ يقف عنده، وسينكر كلّ شيء.
حادثةٌ نقلها جميع الأفراد من الشيعة والسنّة بالتواتر وبأعلى من التواتر، واليوم نرى أنّ جماعةً تأتي وتنكر أصل الواقعة. هذا قسم من المشككين.

    

التشكيك في مضمون الغدير وأنّه بمعنى المحبّة

وفي المقابل نجد أنّ البعض عمد إلى محتوى حادثة الغدير، فألقى الشبهات والتشكيكات، وهو ما نجده أيضًا قد طُرح من قبل العديد من أهل السنّة، حيث قالوا: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، إنّما قال ما قال، فقط من باب أنّه يريد أن يبيّن كم يحبّ عليًا عليه السلام.
وهذه الفكرة [أي تفسير معنى الولاية بمعنى المحبّة] هي الأخرى مطروحةٌ منذ القديم، لأنّه لو فُسّرت الولاية بما هو أكثر من المحبّة فسوف تُنسَف أصول العديد من المسائل، وسوف تطيح بالعديد من المناهج والمدارس للكثير من الأفراد! لذا فقد فسّروا حادثة الغدير في هذه المرتبة وبهذا المعنى، ووقفوا عند هذا الحدّ، فالنبيّ إنما جمعهم ليقول: إنّ أهل بيتي هم أفرادٌ جيّدون، ومن الجيّد لكم أن تحبّوهم وتودّهم وأن تستمرّوا في معاشرتهم! فجمع كلّ تلك الجموع من أجل أن يقول هذا الكلام.
واقعًا، لو كان مراد النبيّ هو هذا فقط، فإنّنا نُشكّك في عقل نبيّ كهذا، والأمر لا يحتاج للتأمّل. يعني: هؤلاء الذين يقولون هذه المعاني والأفكار، لا يعلمون أنّهم في الواقع يطعنون في النبيّ، ويُسقطونه من دائرة الإنسان العاقل، فما معنى أن يجمع النبيّ ثلاثين ألف شخصٍ في ذلك الجوّ الحارّ جدًا، ولمدّة ثلاثة أيّام [يُرجع من تقدّم، وينتظر من تأخر]، ثمّ يصعد المنبر ليقول: إنّي أحبّ أهل بيتي فأحبوهم! إنّ هذا التصرّف لا يتصوّر صدوره من إنسانٍ عاقل!

    

التشكيك بمضمون الغدير وأنّه بمعنى الحكومة الظاهرية

قسم آخر من الناس قالوا بأنّ مسألة الغدير تنصيبٌ للحكومة الظاهريّة والخلافة الظاهريّة لعليّ، فالنبيّ صلّى الله عليه وآله حكم وتسلّم الحكومة في فترة وجوده في المدينة المنوّرة؛ لأنّه في مكّة لم يكن لديه حكومة، حيث بقي هناك ثلاثة عشر عامًا، وكان محكومًا هناك بدل أن يكون هو الحاكم؛ ثلاثة منها كان مختفيًا، والسنوات العشر التي تلتها كانت مليئةً بالأذيّة والتعذيب والحبس والحصار في شعب أبي طالب، ثمّ هاجر من مكّة إلى المدينة، فلم يكن هناك حكومة أو شيء من هذا القبيل، وفي المدينة حينما وصل إلى هناك، بدأ بتشكيل الحكومة، ثم رجع بعدها إلى مكّة وفتحها، وما إلى هنالك من أحداث.
قام هذا القسم من الناس بالتعبير عن هذه القضيّة على أنّها خلافة وحكومة. وبسبب هذه الفكرة، بدأت تشتبه الأمور عند سائر الأفراد [فيما يتعلّق بحادثة الغدير]، ففي النهاية ما هي قيمة هذه الحكومة، حتى يأتي النبيّ صلّى الله عليه وآله..
أرجو أن تدقّقوا في الأمر جيدًا، فهنا مربط الفرس، باعتقادي أنّ الذين سقطوا في هذه الشبهة، كان سقوطهم بسبب هذه المسألة.
[فهم فسروا الأمر على هذا النحو:] جاء النبيّ وجمع الناس، وقال لهم: كما أنّني كنت في الحاكم في زماني، فكذلك ينبغي أن يكون عليٌّ هو الخليفة والحاكم من بعدي. ولكن ما هي هذه الحكومة؟ وما هي قيمة هذه الحكومة؟ ما هي قيمة تسلّم زمام الأمور، بحيث يأتي شخصٌ ويصنع ما صنعه النبيّ؟ فتسلّم زمام الأمور يعني أن يأتي شخصٌ ويقول: شقّوا الطريق الفلاني وعبّدوه، واعمروا المكان الفلاني، واصرفوا المبلغ الفلاني في الموطن الفلاني. وهذا أمرٌ عادي، وليس بالأمر المهمّ بحيث يصرّ النبيّ عليه إلى هذا الحدّ، ويؤكّد عليه هذا التأكيد، كما أنّ نفس أمير المؤمنين عليه السلام ـ كما سنبيّن الآن ـ حين حكم سواء في المدينة أو في مكّة، لم يحكم كلّ الأماكن مباشرة، بل كانت حكومته منحصرةً في الكوفة، أمّا في اليمن فكان هناك شخصٌ [منصوبٌ من قبله]، وفي البصرة شخص آخر، وفي المناطق المختلفة حكام مختلفون منصوبون من قبل الإمام، أمّا نفس الإمام، فلم يكن إلّا في المدينة أو الكوفة، ولم يخرج عن دائرة الكوفة.
ثمّ هذا الحكم ما هو؟ هو أن يقوم بالفتق والرتق؛ كأن يأتي الشاكي والمدّعي أو يأتي الفقير والمحتاج، أو كأن يكون هناك سارقٌ فيعاقبه.. ويقوم بهذه الأعمال التي ينبغي أن يتولّاها أي حاكم أو أمير في دائرة مأموريتّه، فهل لهكذا نوع من الحكومة قيمة عظيمة إلى هذه الدرجة؛ بحيث أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله يجمع ثلاثين ألف شخصٍ ليقول: الحاكم بعدي هو عليّ!! أيّ قيمة لهذا الأمر؟! فالحكومات التي نراها الآن في الدنيا.. نعم بعضها أفضل من بعضها، وبعضها أقل.. ما قيمة هذه الحكومات؟!
من جهة أخرى هناك بعض الحكومات التي كان الناس راضين عنها، مثل عمر بن عبد العزيز، حيث كان الناس راضين عن حكومته، وكان يعامل الناس بالعدل، وحين تشييع جنازته كان الناس يبكون عليه، وكان الناس يحبّونه! فليس من الضروري أن تكون كلّ الحكومات كحكومة يزيد وهشام بن عبد الملك وهارون، بل كان بينهم عمر بن عبد العزيز أيضًا. فما المسألة إذن؟
إنّ هذه الفكرة هي التي أدّت إلى أن تُبدّل قيمة الحكومة بنظر هؤلاء الأفراد إلى حدّ قالوا أنّها بلا قيمة، حتّى أنّ النبيّ في حينها أصلًا لم يأتِ لينصّب أمير المؤمنين عليه السلام في الحكومة، بل جاء النبيّ ليطرح أمير المؤمنين بعنوانه مرجعًا دينيًا، بحيث يرجع الناس إلى أمير المؤمنين عليه السلام لتعلّم مسائلهم الدينيّة وأحكامهم الشرعيّة، أمّا نفس الحكومة، فليست بالأمر المهمّ حتّى يقول: عليٌّ هو الحاكم، فما الفرق بين أن يقول عليٌّ ازرعوا النخل في هذه المزرعة، وبين أن يأمر بذلك ـ مثلًا ـ قيس بن سعد بن عبادة؟! ما الفرق؟! ففي كلتا الحالتين سيزرعون نخلًا في المزرعة، فلا فرق بين الأمرين. وأيّ فرق بين أن يقول عليٌّ: لقد جاء أشخاصٌ إلى المكان الفلاني وتعدّوا على الناس، وعليكم أن تدفعوهم ولا تسمحوا لهم بذلك، أو يقول ذلك شخصٌ آخر؟ ففي نهاية المطاف على جيش الإسلام أن يدافع عن المسلمين في كلّ حالٍ، ولذا لا فرق.
نعم كانت تحصل لهم في بعض المواطن شهبةٌ ما، فكانوا يأتون ويستشيرون أمير المؤمنين عليه السلام! أوَلم يكن يأتي الخليفة الثاني إلى أمير المؤمنين ويستشيره في بعض المسائل؟ وكان الإمام يشير عليه فيما استشاره به، يجعلونه مستشارًا، فلم يكن أمير المؤمنين يستنكف عن تقديم النصح والمشورة لهم.
إنّ هذه القضيّة .. يعني ما أردت قوله: إنّ كلام هؤلاء له سببٌ وعلّة حتّى قالوا ما قالوا. فلأنّ هؤلاء لم يدركوا حادثة الغدير بنحوٍ صحيح، حملوها على مسائل أخرى.

    

هل مسألة الغدير مسألة تاريخية فقط، وحقيقة الخلاف بيننا وبين السنة في التبعية الفقهية؟

لقد حملوا مسألة الغدير على مطالب أخرى، فقالوا إن كانت المسألة عبارة عن الحكومة فالآخرون بإمكانهم إدارة الحكومة، وهي ليست أمرًا هامًا، بل يكفي أن لا يكون الحاكم فردًا ظالمًا قصيّ القلب جائرًا بعيدًا عن الله.. بأن يكون لدينا حاكم عادل صالح فاعل للخير ويساعد الضعفاء، ويقضي حوائج المحتاجين.. وبذلك يرضى الجميع عنه! ما الإشكال الذي يتوجّه في المقام؟!
لذا حُملت مسألة الغدير على القيادة الروحانية والمرجعية الدينية لا على خصوص الخلافة الظاهرية.
اتفاقًا كان يسمع من المرحوم آية الله البروجردي رحمة الله عليه مثل هذا الكلام؛ وهو أنه في مسألة التقريب بين الشيعة والسنة كان يطرح بعض المسائل التي تناسب مذاق الكثير، حيث كان يقول: خلافنا الآن مع السنة ليس على أساس خلافة أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأن خلافة أمير المؤمنين مرتبطة بأمر كان قبل ألف وأربعمائة سنة، وقد مضت هذه السنة الآن، وهي حادثة تاريخية حصلت وانتهت، فلماذا نتنازع على مسألة تاريخية؟! إذ لا يحصل تنازع على أمور تاريخية! مثلًا افترض أنه منذ عشر سنوات حصل زلزال في منطقةٍ ما، فقد حصل الأمر وانقضى، ماذا نفعل نحن الآن؟ أو مثلًا حصل منذ خمسة عشر عامًا صاعقة ومات على أثرها مائة شخص، فبماذا نتحدث الآن؟ فقد حصل الأمر، وهو أمر واقعي حصل وانتهى.
[يقولون] إن مسألة الغدير ومسألة الخلافة والأمور التي جرت في ذلك الزمان، هي أمور تعود إلى ما قبل ألف وأربعمائة سنة، وعادة لا يتم البحث في الأمور التي جرت في السابق، بل علينا أن نبحث في المطالب اليومية والجديدة التي تحصل للإنسان دائمًا. وكذا بالنسبة إلى المطالب المستقبلية، فالمطالب السابقة انتهت، فعن ماذا نتحدث؟! المطلب الذي يبقى في المقام هو أحكام الشرع؛ فنحن نقول بأنّ أحكام الشرع ينبغي أن تُؤخذ من الأئمة، بينما هم يقولون بأنّه يمكننا أن نأخذها من أيٍ كان؛ من أولئك الأربعة مثلًا، هذا هو الاختلاف الأساسي بيننا. لذا علينا أن نبحث في هذا المجال، وأن نرى جهات الترجيح التي لدينا هنا، ونقرّب المسائل إلى بعض، فنرى أنّ المسألة هي هذه بعينها، فما الفرق بينها؟!
عندما يقال بأنّ قضية الغدير مسألة تعود إلى ما قبل ألف وأربعمائة سنة ولا خلاف بيننا ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّه في مسألة الغدير كان كلام النبي يعيّن مرجعية معنوية، وعليه فلماذا لا يعترض أحد على ذلك؟ والحال أننا نرى أنّ الأمر هو كذلك من وادٍ واحد.

    

حقيقة الغدير هي الولاية وهي باقية إلى يوم القيامة

الإشكال الأساس في المسألة هو أننا لم نفهم أصل قضية الغدير بعد، لماذا؟ لقد ذكرت لكم السبب سابقًا؛ وهو أننا لم نطلع على حقيقة الولاية والعرفان والتوحيد وربط الولاية بعالم الوجود والنفوس، لذا نقول بأنّ حادثة الغدير تعود إلى ما قبل ألف وأربعمائة سنة وقد انتهت فعلًا! فلنتحدث بالأمور المرتبطة بهذه الأيام!
ما الذي انقضى؟ ماذا يعني أنها انتهت؟! فهل قضية الغدير هي انقضاء حياة الأول والثاني؟! أن يأتي ويذهب ويبقى ذكره في الكتب؟! كلا بل قضية الغدير يا عزيزي ـ يا آية الله البروجردي رحمة الله عليه ـ ابتداؤها كان منذ ألف وأربعمائة سنة، ولكن انتهاءها سيكون يوم القيامة! لماذا نقول بأنّ المسألة تعود إلى ألف وأربعمائة سنة وعلينا الآن أن نتحدّث بالأحكام ونحدّد إلى من نرجع في الأمور الدينية؛ هل نرجع إلى أهل البيت أم إلى أمثال أبي حنيفة وغيره؟! قضية الغدير هي عبارة عن قضية شُرّعت منذ ألف وأربعمائة سنة، لكن تمامها يوم القيامة! يعني الآن ليلة السبت هو يوم الغدير وغدًا السبت يوم عيد الغدير والأحد عيد الغدير والاثنين كذلك! نحن نتحرك في كلّ لحظةٍ ضمن عيد الغدير، هذا هو معنى المسألة! النبي الأكرم عندما قال بأنّ عليًا هو الخليفة من بعدي، وأنّ تلك الولاية التي لي عليكم هي لعليّ بعدي.. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ جميع أموركم الشخصية منها والعائلية والاجتماعية، وكلّ عمل تريدون أن تقوموا به ـ بل حتى الأعمال الخاصة التي تقومون بها لأنفسكم ـ ينبغي أن تأخذوا الإجازة في ذلك من عليّ! فهو أولى بالاختيار لكم من أنفسكم، هذا هو معنى "النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِم‏"[1]، فهذه الولاية التي كانت لي في هذه العشر سنوات في المدينة ـ علاوة على ما كان في مكة ـ يجب أن تبقى هذه الولاية من بعدي من خلال هذا الوجود.

    

الحكومة شأن من شؤون الولاية

نعم، من جملة الأمور المندرجة تحت هذه الولاية مسألة الخلافة والحكومة والأمر والنهي، فعندما يقول الإمام عليّ ابنِ منزلًا هناك! فهذا حكومة. وعندما يقول البس لباس الحرب واذهب إلى ذاك المكان للدفاع، فهذا معنى الحكومة! وعندما يقول عليّ انتقل من هذه المدينة إلى مدينة أخرى فهذا معنى الحكومة والخلافة!
عندما أراد عمر أن يرسل سلمان واليًا على المدائن، قال له سلمان أنا لا آخذ الأمر منك، بل من شخص آخر، فإن أجازني ذهبت. فأتى إلى أمير المؤمنين فقال له الإمام اذهب! هنا مَن يكون الحاكم؟ مهما قال الآخرون أنا الحاكم! الحاكم هو هذا، أما ذاك فهو جالس هكذا في عالمه الخاص وتخيّلاته ويقول أنا الحاكم وسلمان يتولى الأمر من قبلي! بينما سلمان يقول أنا أأتمر بأمر غيرك، فإن أجاز وإلا فلا.
هذا معنى الحكومة، وهذه الحكومة تنضوي تحت الولاية، وإلا فالحكومة بمفردها ليس لها أي قيمة أو شأن! تلك الولاية هي التي تتدخّل بالإنسان وتبيّن للإنسان ما تراه مناسبًا له، هذا الأمر نطلق عليه اسم الحكومة والخلافة. تلك الولاية متى بدأت ومتى تنتهي؟ بدأت منذ ألف وأربعمائة سنة يوم الغدير، وتنتهي في يوم القيامة.
كم هو مورد تأمّل هذا الكلام الذي يقال للسنّة بأنّ مسألة الخلافة انتهت وليس لدينا أي مشكلة في ذلك، بل علينا أن نذهب نحو الأحكام! حسنًا أنتم تصلّون هكذا ونحن نصلّي هكذا، ليست المسألة مهمة، لا إشكال! أصل القضية هي أنّ النبي أوجد مسألة الغدير حتى يوصلنا إلى مرتبة الكمال، فلو لم يكن هناك غدير لبقي الناس ناقصين ولماتوا ميتة جاهلية! ماذا تقول بالنسبة إلى هذا الكلام؟! أما مسألة الصلاة والسجود على التربة أو على السجاد فهي ليست بالمسألة الهامّة؛ بحيث تنزل السماء على الأرض إذا سجدت على السجاد أو على التربة. نعم، ينبغي على الإنسان أن يكون مطيعًا ويسجد على التربة. أو مثلًا مسألة إسبال اليدين أو وضعهما على البطن كما يفعل السنّة، ليست مسألة هامة جدًا بحيث ينزل الإنسان لأجلها السماء على الأرض، هذا هو المطلب.

    

الولاية هي إيصال الإنسان إلى الكمال المطلوب

إذًا حقيقة المسألة هي أنّه في هذه الستين سنة التي منحك الله إياها أو الخمسين سنة أو السبعين سنة.. هل استطعت أن تصل إلى المقصد في هذه المدّة أم لا؟ هذه هي التي تنزل السماء على الأرض، وهذه المسألة هي التي ينبغي أن تسعى خلفها؛ وهي أن تجد إنسانًا يوصلك خلال هذه الخمسين سنة إلى الفعلية، وأن يبدّل الاستعداد الموجود في هذه الستين سنة إلى فعلية! هذه هي المسألة، وهذا الأمر موجود فقط في عليّ، أما الآخرون ـ الثلاثة ـ وغيرهم من الأشخاص مهما كانوا لا يمكنهم أن يحقّقوا هذا الأمر، والوحيد الذي يمكنه تحقيق ذلك هو عليّ عليه السلام! لذا قال النبي ينبغي أن يكون بعدي عليّ وبعده الإمام الحسن وبعده سيد الشهداء وبعده الإمام السجاد وهكذا إلى الأخير.
هذه هي قضية الغدير؛ وهي أن يضع الإنسان نفسه تحت إرادة واختيار وليّ كامل للوصول إلى الفعليّات. وعندما تكون المسألة كذلك، فكيف لنا أن نقول بأنّ قضية الغدير تعود إلى ما قبل ألف وأربعمائة سنة؟! بل قضيّة الغدير اليوم أكثر وجوبًا علينا من أي يوم آخر، فحاجتنا الآن إلى وجود إمام والارتباط به أكثر من أي يوم آخر، غاية الأمر نحن نعتقد بأنّ الإمام الحاضر والحيّ بإشرافه على النفوس وسيطرته على القلوب يُوجِد هذا الربط، ويوجِد ذاك النور، ويحقّق تلك الحقيقة في وجود الإنسان. أما البقية فهم جاهلون بهذه المسألة، ويقبعون في حالة من الانتظار والغيبة.

    

أشعار مولانا في مدح عليّ واستمرار ولاية إلى يوم القيامة

هذه هي النقطة التي يشير إليها العظماء وبالأخص مولانا عندما يقول:
غرق نورم گرچه شد سقفم خراب
عجيب جدًا.. يقولون بأنّ مولانا من أهل السنة! لكن هذه الأشعار التي لدى مولانا والمدائح التي يبيّنها لو كانت قد صدرت من شخص شيعي، لقيل عنه بأنّه مغالٍ، أليس كذلك؟! لو أتى عالم شيعي وذكر هذه المطالب التي قالها هذا الرجل العظيم بحق أمير المؤمنين، ألم نقل عنه بأنّه رجل مغال وغير ذلك!
غرق نورم گرچه شد سقفم خراب
                             روضه گشتم گرچه هستم بوتراب‏

(أنا غريق النور حتى لو كان سقفي خرابًا (لعدم قبول الناس ولايته)، وقد غدوت روضة وجنة حتى لو كنت أبا تراب.)
يقول: وإن كان بيتي قد دمّر.. عندما يموت إنسان كبير في المنزل يقال بأن سقف المنزل قد خرب؛ كأن يموت الوالد أو الأم أو يحصل ابتلاء لهم، يقال بأن سقف هذا المنزل قد خرب. يقول: إن سقف منزلي وإن صار خرابًا، لكنني غارق في النور.
ثم يقول:
راز بگشا اى علىّ مرتضى
                             اى پس از سوء القضاء حسن القضا

(يقول: أظْهرِ الأسرار يا علي المرتضى، أيّها القضاء الحسن الذي جئت بعد سوء القضاء)
هل لدينا كلام أصرح من هذا؟ ينفي فيها بصراحة خلافة الخلفاء الثلاثة الغاصبين، ويقول عن خلافتهم بأنها سوء القضاء! كيف له أن يبيّن أوضح من ذلك، يقول بأنّ خلافة هؤلاء كانت من سوء القضاء!
يا تو واگو آنچه عقلت يافته است
هذه الأشعار وردت إلينا لكي نقول للإخوة بأن الذي أدرك حقيقة الغدير هو مولانا فقط، فهو الذي فهم ما هو الغدير
يا تو واگو آنچه عقلت يافته است
                             يا بگويم آنچه بر من تافته است

(فإمّا أن تقول أنت كلّ ما احتواه عقلك و أحاط به، و إمّا أخبرك أنا بما فهمته وما اتضح لي.)
فإن لم تقل أنت ماذا هناك، أنا أخبرك بما فهمته واتضح لي!
يا بگويم آنچه بر من تافته است‏
                             از تو بر من تافت چون دارى نهان

فلماذا تُريد أن تخفي عنّي [هذه الأنوار]؟
از تو بر من تافت چون دارى نهان
                             مى‏فشانى نور چون مه بى زبان‏

(ما وصلني فقد سطع عليّ منك أنت فلماذا تُريد أن تُخفيها عنّي، فإنّك تشعّ بها مثلما يشعّ القمر ويهدي الناس من دون بيان).
لقد لجأت إلى بيتك وقعدت فيه؛ لأنّهم حاصروك في المنزل، وطردوك، فجلست في البيت من دون أن تحتجّ على ذلك أبدًا، ومن دون أن تخرج من بيتك، أو يرتفع صوتك، لكنّك في نفس الوقت كنت تسعى لأن توصل ـ من دون بيان ـ ذلك النور للقلوب المستعدّة. فتصرّف الوليّ هو بهذا النحو! فالوليّ لا يحتاج لأن يقوم في الظاهر بهذا الفعل وذلك الفعل، بل يُنجز أعماله الخاصّة من مكانه الجالس فيه.
مى‏فشانى نور چون مه بى زبان
چون تو بابى آن مدينة علم را
                             چون شعاعى آفتاب حلم را
باز باش اى باب بر جوياى باب
                             تا رسند از تو قُشور اندر لُباب‏

(بما أنّكَ باب مدينة العلم، وبما أنّك شعاع شمس الحلم. ابقَ مفتوحًا هكذا يا باب العلم بوجه مَن يبحثون عن ذلك الباب، حتى ينفذون بواسطتك من القشور إلى اللباب‏)
فلتبق مفتوحًا أيّها الباب، لكن ليس أمام كلّ أحد، وليس أمام الذين تخلّوا عنك ومالوا إلى هذا وذاك؛ لأنّهم لا يستحقّونك، بل أمام الذين يبحثون عن ذلك الباب.
باز باش اى باب بر جوياى باب
                              تا رسند از تو قُشور اندر لُباب
باز باش اي باب رحمت تا ابد
                             بارگاه ما لَهُ كُفْوًا أحَد

(ابق مفتوحًا يا باب الرحمة إلى الأبد، فأنت حرم «لم يكن له كفوًا أحد»)
حسنًا، يقول مولانا بأنّ هذه الباب ينبغي أن تبقى مفتوحةً إلى الأبد، وينبغي أن يظلّ أمير المؤمنين إلى الأبد؛ فالمسألة لا ترتبط بألف وأربعمائة سنة، بل على تلك الباب أن تبقى مفتوحةً في نفس هذه اللحظة التي أردّد فيها هذه الأشعار، [فمولانا يقول:] أنت تشعّ على قلبي الآن، وأنا أحسّ بذلك الآن، وأنا الآن أحصل على تلك الأنفاس والأنوار، وأنا أشعر بها في نفس هذه اللحظة. وعليه، فإنّ هؤلاء هم الذين أدركوا حقيقة هذا المطلب!

    

ضرورة الاهتمام بإقامة الاحتفالات والسرور في يوم الغدير

حسنًا، أعتقد بأنّ المجال لا يسمح بالاستمرار في الحديث عن هذه المسألة؛ ولهذا سنكتفي بهذا المقدار؛ لأنّني كنت أريد التنبيه فقط على أنّ مسألة الغدير هي مسألة ترسيخ الولاية، وأمّا بالنسبة للخلافة والحكومة وأمثال ذلك، فهي تنضوي تحت هذه المسألة، ولا يُمكننا النظر إليها كقاعدة أساسيّة، من دون أن نأخذ تلك المسألة بعين الاعتبار.
ولهذا، فإنّ العظماء والأولياء كانوا ينظرون دائمًا إلى حادثة الغدير بنظرة الإعجاب؛ كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أفضل أعياد أمّتي يوم غدير خمّ أو عيد غدير خمّ ، حيث إنّ الدليل[2] على هذا الأمر واضحٌ. وكان يسعى المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه وأولياء الله تعالى بأجمعهم إلى تعظيم هذا اليوم بشكل كبير، فكانوا يقيمون الاحتفالات، ويُؤكّدون على إذاعة هذه المسألة وتبليغها؛ فليس من اللازم علينا أن ننتظر حتّى يكون هناك مجلس في مكان ما، لكي نحضره، لا.. فما المانع من أن يقوم الإنسان بدعوة بعض الأصدقاء طيلة اليوم أو عصرًا إلى منزله، ويعقد هناك مجلسًا يحضره أربعة أشخاص، ولا يلزم بالضرورة أن يُشارك في المجلس أربعون أو خمسون أو مائة شخص، بل يُمكن أن يأتي أربعة أو خمسة أو عشرة أشخاص ويحضروا، ويجلسوا في المنزل، ويُوزّعوا الحلويات، باعتبار أنّ هذه المسألة تُمثّل ثقافةً تدلّ على هويّتنا الدينيّة؛ لأنّ هويّتنا الدينيّة تكمن في الغدير، ولا تقتصر فقط على الأحكام الشرعيّة؛ فإنّ هذه الأحكام الشرعيّة مسطّرة في كتاب توضيح المسائل. وعليه فالغدير هو هويّتنا الدينيّة وحقيقتنا الدينيّة و واقعيّتنا، ولو أنّكم جرّدتم الدين عن الولاية، فإنّنا سنُصبح صفرًا صفرًا صفرًا! بينما إذا حلّت الولاية، فإنّ كلّ شيء سيحلّ معها، لكنّها إذا انعدمت، فإنّ كلّ شيء سينعدم معها أيضًا. من هنا، فإنّ اختلافنا مع إخواننا من أهل السنّة هو كالاختلاف بين النقص والكمال، والاختلاف بين الجاهليّة والإسلام، والاختلاف بين الحقيقة والمجاز، والاختلاف بين الواقع والاعتبار؛ وهذه الأمور لا تجتمع مع بعضها أبدًا؛ فأنّى للحقيقة أن تجتمع مع المجاز! وأنّى للواقع أن يجتمع [مع الاعتبار]!
فهذه المسألة تحظى بأهمّية كبيرة، والمرجوّ من الرفقاء أن يولوها اهتمامهم إن شاء الله تعالى، ويعمدوا إلى تعظيم هذا العيد؛ لأنّ البركات التي تحصل للسلاّك في مثل هذا اليوم وليلته (أي ليلة عيد الغدير) هي وفيرة جدًّا؛ بمعنى أنّ وفرتها هي من الكثرة بمكان، بحيث أنّ إثبات ذلك لا يحتاج حتّى إلى التحقيق أو التدقيق؛ فآثارها واضحة ولائحة.
نرجو من الله تعالى أن يُفيض علينا جميعًا من بركات الولاية ونِعمها، ومن المواهب الممنوحة من قِبل الوجود الولائي لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة إلى شيعتهم وخواصّهم.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.


[1] ـ سورة الأحزاب، من الآية 6.

[2] ـ [الأمالي للصدوق‏] ابْنُ السَّعِيدِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ فُرَاتٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ظَهِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ أَفْضَلُ أَعْيَادِ أُمَّتِي (بحارالأنوار، ج 37، ص 109). (المترجم)

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->