گالری تصاویر آرشیو بانک صوت کتابخانه پرسش و پاسخ ارتباط با ما صفحه اصلی
 
اعتقادات اخلاق حکمت عرفان علمی اجتماعی تاریخ قرآن و تفسیر جنگ
کتابخانه > مباحث علمی و اجتماعی > تعلیقه بر رساله وجوب نماز جمعه
الدّليل الرابع علي القول المختار

الدّليل الرابع علي القول المختار: سائر الإطلاقات الواردة فى المقام

الرابع من الأدلّة: سائر الإطلاقات الواردة فى المقام:

منها صحيحة أبى بصير و محمّد بن مسلم عن أبى عبدالله عليه السّلام قال:

«إنّ الله عزّ و جلّ فرض فى كلّ سبعة أيّام خمساً و ثلاثين صلاة منها صلاة واجبة علی كلّ مسلم أن يشهدها إلاّ خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبىّ[44]».

و لا يخفی دلالتها علی العموم لأنّها دلّت علی أنّ فى كلّ اُسبوع إلی يوم القيامة أوجب الله تعالی خمساً و ثلاثين صلاة علی المكلّفین و كان منها صلاة الجمعة، فإنّه لو لم یجب فى يوم الجمعة صلاة الجمعة بل وجب أربع ركعات لزم أن يزيد مقدار الفرائض عن هذا المقدار و حُمِل الفرض فى يوم الجمعة علی الجامع بين أربع ركعات و بين ركعتين مع الخطبتين، كى لا تزيد الفرائض علی القدر المذكور[45].

يدفعه أوّلاً: خلاف السّياق من الروایة، لأنّها فى مقام بيان الفرائض التعیينيّة كما أنّ الأمر كذلك فى سائر الصلوات.

و ثانياً: خلاف صريح الرّواية بأنّ المراد من صلاة يوم الجمعة الّتى هى إحدی من الخمسة و الثلاثين صلاة‌ هو خُصوص الصلاة الّتى يجب الإتيان بها جماعة و هى الركعتان مع الخطبة لأنّها هى الساقطة عن الخمسة دون الجامع بين الفرضَين.

و الحاصل أنّ ظهور الرّواية‌ فى الوجوب التعيينىّ من جهة تعداد الفرائض أوّلاً، و من جهة إطلاق الوجوب ثانياً، و من أجل اقترانها مع الواجبات التعيینيّة ثالثاً، و من أجل استثناء الخمسة المعلوم أنّه من الوجوب التعيينى لا مطلق الوجوب رابعاً ممّا لا يكاد يخفی.

و منها صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام

«قال: فرض الله علی الناس من الجمعة إلی الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة منها صلاة واحدةٌٌ فرضها الله عزّ و جلّ فى جماعةٍ و هى الجمعة، و وضعها عن تسعةٍ، عن: الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمی و مَن كان علی رأس فرسخين[46]».

و الظاهر أنّ المقصود الأصلىّ من هاتين الروايتين هو بيان حُكم الجمعة بقرينة ذكر الاُسبوع فى الاُولی، و من الجمعة إلی الجمعة فى الثانية، لأنّ تعداد الصَّلَوات و وجوبها كان أمراً مفروغاً عنه من زمن النبّىّ صلّي الله عليه و آله و سلّم بل يعدّ من الضروريّات فلا يحتاج إلی عدّها خصوصاً لمثل زرارة و محمّد بن مسلم و أبى بصير، بل كما ذكره بعض المعاصرين: لو كان المراد منه بيان تعداد الصلوات لما كان وجه لبيان تعداد صلوات الاُسبوع، بل كان الأنسب أن يبيّن تعداد الصلوات اليوميّة بأن يقول: فرض الله علی الناس فى كلّ يوم و ليلة خمس صلاة، بل كان عدّها تمهيداً لبيان اشتراك صلاة الجمعة مع باقى الصلوات اليوميّة فى كونها فريضةً مثلها و امتيازها عن غيرها بكون تشريعها علی وجه الجماعة و وضعها عن التسعة دون غيرها من الصلوات[47].

و منها صحيحة منصور بن حازم عن أبى عبدالله عليه السّلام

«قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة نَفَر فما زاد، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبةٌ علی كلّ أحدٍ لا يعذر الناس فيها إلاّ خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبىّ[48]».

و هذه الرواية فى دلالتها علی العموم لا تقصر عن الروايتين السابقتين إن لم تكن أقوی بملاحظة ذيلها و هو قوله عليه السّلام «لا يعذر الناس» نعم، لابدّ من رفع اليد عن ظهور صدرها فى الوجوب لتصريح رواياتٍ اُخر علی عدم وجوبها لما دون سبعة نفرات.

و منها صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام

«قال: صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها مع الإمام فريضة، فمن ترك ثلاث جُمَع ترك ثلاث فرائض، و لا يترك ثلاث فرائض من غير عذر و لا علّة إلاّ منافق»[49].

و منها صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام:

«إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا فى جماعة و ليلبس الرّداء‌ و العمامة و ليتوكّأ علی قوسٍ أو عَصاً و ليقعد بين الخطبتين و يجهر بالقراءة و يقنت فى الركعة الاُولی منها قبل الركوع»[50].

و منها كلام مولانا أميرالمؤمنين عليه السّلام فى خطبة:

«و الجمعة واجبة علی كلّ مؤمن إلاّ علی الصبّى»[51]، الخ.

و منها النبوىّ:

«الجمعة حقّ واجب علی كلّ مسلم إلاّ أربعة»[52].

و منها رواية حفص بن غياث عن بعض الموالى:

«إنّ الله عزّ و جلّ فرض [الجمعة] علی جميع المؤمنين و المؤمنات و رخّص العبد و المرأة و المسافر لا يأتوها»[53].

إلی غير ذلك من الروايات المتقدّمة فى صدر البحث و الآتية عند استدلال القائلين بالوجوب التخييرىّ علی كثرتها حتّی بلغت حدّ الاستفاضة، بل لا يبعد ادّعاء تواترها المعنوى علی وجوبها لكلّ مسلم، حتّی أنَّ الشيخ الأجلّ الشيخ حسين بن عبدالصمد والد شيخنا البهائى قدّس سرّه قال فى رسالة الجمعة علی ما حُكى عنه: إنّ مجموع الروايات الدالّة علی وجوب صلاة الجمعة لكلّ أحد نصّاً و ظهوراً و تحريصاً تزيد علی مِائَتَى حديثٍ، و من الغرائب دعوي صاحب «الجواهر» تبعاً لاُستاذه كاشف الغطاء من أنّ هذه الرّوايات تدلّ علی وجوبها علی وجه الإجمال لأنّها فى مقام بيان أصل التشريع، و هذا ممّا لا ينكره أحد، بل هو من ضروريّات المذهب و يدلّ عليه عدم إمكان التمسّك بها فى كلّ ما يُشكّ مدخليَّته فى صحّتها من عدالة الإمام و سائر الأجزاء و الشرائط، و تبعه علی ذلك المحقّق الهمدانى فى «مصباح الفقيه» حيث قال:

أمّا عدم إطلاق وجوبها فى مثل قوله «الجمعة واجبة علی كلّ مسلم» و نحوه واضح إذ المقصود بها الجمعة الجامعة لشرائط الصّحّة، فلو شكّ فى صحّة إمامة الفاسق أو ولد الزّنا أو ذو العاهة، لا يصحّ التمسّك لمثل هذه الأخبار.

و أمّا ما ورد فى صحيحة منصور بن حازم من قوله عليه السّلام «يجمع القوم إذا كانوا خمسة فما زاد» لكان فى مقام بيان العدد الّذى ينعقد به الجمعة و هكذا الأمر فى سائر الروايات. [54]

أقول: غير خفىّ أنَّ المدّعى للإطلاق فى هذه الرّوايات لا يدّعى إطلاقَها من أجل شرائط الواجب و هو صحّة الصلاة، بل الكلام فى شرائط الوجوب، و أىّ إطلاق فى جميع الفقه أظهر من هذه الإطلاقات فى كونه بصدد البيان، بل كان وجوب صلاة الجمعة فى بعض هذه الرّوايات مستفاداً من العموم الوضعىّ لا الإطلاق.

تقیید هذه الإطلاقات بصورة إقامة الإمام أو المنصوب من قبله مستهجن

و بالجملة أنّ دلالة هذه المطلقات علی وجوبها لا يكاد يخفی بحيث يكون تقييدها بصورة إقامة الإمام أو المنصوب من قبله يعدّ من المستهجن و خروج الكلام عن درجة البلاغة إلی حدّ الرّكاكة، و هل يقبل الذوق السليم و الطبع المستقيم أن يتفوّه بإمكان تقييد قوله عليه السّلام فى صحيحة زرارة بأنّهم إذا لم يخافوا أمّهم بعضهم بما إذا كان هذا البعض هو الإمام كلاّ؟! مضافاً إلی أنّه يمكن أن يقال بإباء هذه المطلقات عن التقييد و لو علی فرض وجود دليل ظاهر فى التّقييد من وجهين آخرین:

الوجه الأوّل: أنّه لا يخفی فى المقام أنّ هذه المطلقات البالغة حدّ المِائَتَين أو أزيد كلّها صادرة من الصّادقَينِ إلاّ القليل، فلو كان المراد منها اختصاص حكم الجمعة‌ بالمعصومين أو المنصوب من قِبَلِهم فما فائدة إيراد هذه الأخبار؟! لأنّ المراد من حضور الإمام لو كان سلطنته عليه السّلام و قيامه بهذا الأمر فلا إشكال فى أنّ هذا كان مختصّاً بالنّبىّ و أميرالمؤمنين عليهما الصلاة و السلام و زمان قيام الحجّة القائم عجّل الله فَرجه الشريف مع أن خلافة أميرالمؤمنين كانت مدَّةً يسيرةً آخر عمره الشريف، و أمّا زمان الخلفاء الثلاثة فهو عليه السّلام كان يحضر جمعتهم تقيّةً، هكذا الأمر فى زمان الأئمّة عليهم السّلام مطلقاً من زمان الحسن عليه السّلام إلی زمان صاحب العصر عجّل الله فرجه الشریف، كان الأئمّة مهجورين مغلوبين تحت أيادي الأشرار فيصير مفاد هذه الأخبار بناءً علي هذا هو الإخبار عن وجوب القيام بهذه الوظيفة للموجودين فى زمان النّبىّ أو مَن وُجِدَ بعده فى زمان ظهور قائم آل محمّد روحى و أرواح العالمين فداه و لا تترتّب ثمرةٌ عمليّة لهذه المطلقات لِعَدم كون المكلّفين فى غير هذين العصرين موضوعاً لهذا الحكم، بل تصير فائدة هذه الرّوايات مجرّد الإخبار و الحكاية عن أحكام غيرهم، و هو كما تری مع ما فى هذه الروايات من بيان الحثّ و الترغيب بما هو غير خفىّ علی النّاظر إليها، و إن كان المراد من الحضور مجرَّدَ وجوده عليه السّلام بين الناس، و إن لم يتمكّن لإقامة الجمعة فلا وجه لتخصيص المذكور إذ لا فرق بين حضوره مع التقيّة و الخوف و بين غيبته و عدم تمكنّه من الصلاة بنفسه و تعيين نائب من قِبَلِه الّذى هو المناط فى الوجوب التعيينىّ عند مَن أنكره فى زمان الغيبة.

الوجه الثّانى: يتّضح بعد تمهيد مقدمتين، الاُولی: أنّ المناط فى تقديم دليل المقيَّد علی دليل المطلق و حمل المطلق علی المقيّد إنّما هو من جهة فهم العُرف حيث يُقدَّم الأظهر علی الظاهر فهو تابع لإمكان الجمع العرفىّ الدّلالىّ بعد عدم إمكان الجمع بين الدليلَين و الأخذ بكِلا المفادَين لاتّحاد الحُکم، فلابدّ حينئذٍ إمّا مِن رَفْع اليد عن الإطلاق و حمله علی المقيّد، و إمّا مِن رَفْع اليد عن ظهور المقيّد و حمله علی كونه من أحد مصاديق المطلق، و حيث كان ظهور المقيّد فى التقييد أجلي من ظهور المطلق فى الإطلاق نرفع اليد عن الثّانى فنحكّم ظهور المقيّد عليه لأنّه بمنزلة القرينة الصارفة عن ظهور ذى القرينة.

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ المناط فى تقديم المقيّد علی المطلق هو أظهريّة ظهوره منه و هو المدار فى تشخيص القرينة عن ذى القرينة، و أمّا ما ربّما يظهر من المحقِّق النائينى و تبعه بعض أساتذتنا بأنّه يجب تقديم القرينة علی ذى القرينة و إن كانت أخفي ظهوراً منه، فهو كلام لا يرجع إلی محصّلٍ، إذ لا ملاك للقرينيّة إلاّ الأظهريّة، و تمام الكلام فى محلّه.

فعلي هذا إذا ورد مطلق و مقيّد فلابدّ من النّظر إليهما بما هما محفوفان بالقرائن الحاليّة و المقاليّة السابقة و المقارنة و اللاّحقه، فإذا كان ظهور القيد أجلي من ظهور الإطلاق فنحمله عليه، و إلاّ فلو كان ظهور المطلق فى الإطلاق أجلي من ظهور المقيّد فى التقييد لكون المتكلِّم فى مقام البيان فى المطلق فلا مجال لحمله عليه بل نحمل المقيّد علی أحد الوجوه المذكورة فى محلّه من كون المتكلِّم فى بيان أحد المصاديق أو أفضل الأفراد و غير ذلك.

المقدِّمة الثانية: أنّ الأصل فى كلّ حاكم بل كلّ متكلّم أن يبيّن حكمه أو كلامه بجميع ما له من الخصوصيّات و الشرائط فلذا كان الأخذ بالإطلاق أمراً ثابتاً عند العُرف و كان عليه بناء العقلاء فى دعاويهم و محاوراتهم فى باب الاحتجاجات و غيرها و مع ذلك يرفعون اليد عن الإطلاق إذا أورد المتكلِّم دليلاً مقيّداً بالبيان المنفصل فيما إذا لم يكن عدم بيان القيد حين إيراد الإطلاق مستلزماً لمحذورٍ أو استهجانٍ فى الكلام كما إذا كان القيد موجوداً فلا يحتاج إلی ذكره حینئذٍ. أو كان وقت العمل متأخّراً عن زمان بيان الحكم فيؤخّر بيان القيد إلی زمان اقتضي بيانه لمصالح فى تأخير البيان أو لمفاسد فى تقديمه و إلاّ كانوا يأخذون بالإطلاق كما إذا لم يرد المتكلِّم دليل المقيّد من رأس.

إذا عرفت هاتين المقدمّتين فنقول: إنّ هذه المطلقات الكثيرة صدرت من الصّادقَين عليهما السّلام و إنّهما كانا مهجورَين غير باسِطَى اليد فى تمام مدّة حياتهما حتّی أنّا لم نظفر بروايةٍ أو نقل تاريخٍ علی أنّهما أقاما جمعةً واحدةً، فلا يمكن أن يكون مصلحة عدم ذكر القيد وجوده فعلاً، و من المعلوم[55] أيضاً أنّ وقت العمل بهذه الروايات لم يكن زمان حضور الحجّة حتّی تكون الإطلاقات لمجرّد بيان الحكم إجمالاً، فحينئذٍ نقول: بأىّ داعٍ من الدّواعى لم يقيّد الإمام عليه السّلام وجوب هذه الفريضة بإقامة المعصوم أو المنصوب من قِبَلِه و أهمل هذا القيد فى جميعها مع كونه بصدد بيان جميع شرائط الوجوب كما هو غير خفىّ علی مَن تأمّل فيها؟ فإيراد هذه المطلقات الكثيرة فى طول زمان يسع حياتهما يدلّ علی أنّ اشتراط الجمعة بوجود من يخطب فى الرّوايات الآتية، غالب الحصول غير محتاج إلی التقييد و إلاّ فلو كان التقييد غير غالب الحصول كما إذا كان المراد بمن يخطب خصوص الإمام أو المنصوب من قِبَلِه فلا ريب فى أنّ إيراد مِائَتَى حديث فى الوجوب بنحو الإطلاق لعدّ من المستهجن[56].

هذا كلّه إذا سلّمنا وجود دليل ظاهر فى التّقييد، و ستعرف عدم نهوض دليل ظاهر فيه.

الإشکالات الواردة من جانب المخالفين علي الأخذ بالإطلاق و جوابها

الإشكال الثّانى: أنّ الأخذ بالإطلاق إنّما هو بعد إجراء مقدّمات الحكمة، و هى إنّما تجرى إذا لم يكن فى البين ما يوجب انصراف المطلق إلی بعض أفراده، و أمّا معه فلا مجال للأخذ بالإطلاق، و معلوم أنّ السيرة المستمرّة من زمن النّبىّ صلّي الله عليه و آله و سلّم و كذا الخلفاء من بعده هى النصب لإقامة الجمعة بحيث كان اشتراط الجمعة بوجود المنصوب أمراً مرتكزاً فى أذهانهم، و أمّا نصب خلفاء الجور الإمام للجمعة و إن كان أمراً شنيعاً عند الشيعة كسائر تصرّفاتهم فى ما هو حقّ للإمام، لكنّ بشاعة هذا النصب لم يكن إلاّ لعدم اهليّتهم للنصب لا لأجل أنّ النّصب من بدعهم الاقتراحيّة من عند أنفسهم، و هذا الأمر المفروغ عنه عند الشيعة يوجب انصراف هذه المطلقات بما إذا أمّ الإمام بنفسه للجمعة أو نصّب أحداً من قِبَله، و هذا عمدة ما اعتمد عليه السيّد الاُستاذ العلاّمة ـ آية الله العلامة البروجردى مدّ ظلّه ـ فى مجلس الدرس فمال إلی حرمة صلاة الجمعة فى زمن الغيبة بعد أن قوّي دلالة روايات مَن يخطب و إخواتها فى التقييد.

و فيه أوّلاً: أنّا سنبيّن إن شاء الله تعالی أنّ تنصیب النّبىّ أئمّة الجمعة لم يكن لأجل اشتراط الجمعة بوجود المنصوب، بل لأجل نظام الإجتماع و عدم إيجاد الاغتشاش.

و ثانياً: أنّه علی فرض التّسليم لا تكون هذه المفروغيّة بمثابة القرينة العقليّة الحافّة بالكلام حتّي تمنع عن انعقاد الظهور فى الإطلاق رأساً، بل كانت بمنزلة الدليل المنفصل فى أنّ العرف يری التّنافى بينه و بين الإطلاق، فإذَن لا إشكال فى أنّ هذه الإطلاقات صالحة للرّدع عن ما تخيّلوا من اشتراط الوجوب بالنصب[57].

و ثالثاً: أنّا ذكرنا أنّ غالب هذه الروايات كان الوجوب المستفاد منها بنحو العموم مثل قوله: «في كلّ اُسبوع و علی كلّ مسلم إلی يوم القيامة»[58] و غيرها فلا ريب فى أنّ أصالة العموم محكّمة فى كلّ ما شكّ فى التّخصيص فالإشكال غير وجيه من رأسه[59].

و ربّما يقرّب هذا الإشكال بوجه آخر و هو أنّ الأخذ بالإطلاق إنّما هو علی تقدير عدم إيراد المتكلِّم بما يكون صالحاً للتقييد و بما أنّه يمكن فى المقام أن يعتمد الإمام علی بيان التقييد بمثل هذه السيرة فلا تتمّ معه مقدّمات الإطلاق، لكنّ ضعفه يتّضح ممّا مرّ.

الإشكال الثالث: أنّه يجب رفع اليد عن الإطلاق بالإجماع المحصّل و المنقول علی اشتراط الجمعة بوجود الإمام أو المنصوب من قبله.

المانع الأساسى فى ذهاب المشهور إلی عدم وجوبها التعيينى

و لا يخفی أنّ هذا هو المانع الأساسى فى ذهاب المشهور إلی عدم وجوبها التعيينى فى زمان الغيبة مع اعترافهم بدلالة المطلقات علی وجوبها كذلك لو خلّيتها و طبعها كما يتّضح هذا من التّتبّع فى كلماتهم. قال المجلسى ـ رحمه الله ـ فى البحار: الأخبار واضحة الدلالة علی وجوبها العينى إلاّ أنّ المخالِف خالف لشبهة الإجماع، و قال السيّد صاحب المدارك فى حاشيته علی ألفيّة الشهيد ما هذا لفظه:

«و بالجملة فالمستفاد من الكتاب العزيز و السنّة المستفيضة بل المتواترة هو الوجوب العينى فإن تمّ الإجماع علی خلافه وجب المصير إلی التخييرىّ و إلاّ تعيّن المصير إليه».

الجواب عن الإجماع المحصَّل المدّعَي

و الجواب أمّا عن الإجماع المحصّل[60] من وجهين:

الوجه الأوّل: أنّ حجّيّة الإجماع عندنا ليس بما هو الحجّة عند العامّة من كونه دليلاً مستقلاً مقابلاً للكتاب و السنّة، بل حجّيّته إنّما هو بمناط كشفه عن قول المعصوم عليه السّلام فحّجيّته تنحصر فى موردين:

الأوّل: حصول العلم بوجود قول المعصوم فى جملة أقوال المُجمعين، و هذا مختصّ بزمان الحضور.

الثّانى: کشفه عن ظفر المُجمعين بدليل معتبر قطعى مفقود عندنا، و هذا إنّما هو إذا لم يکن فى البين ما يكون موجباً لاحتمال اعتماد المجمعين عليه فى فتواهم، و أمّا لو كان الأمر كذلك لكان الإجماع مدركيّاً لا مجال لحّجيّته، و هذا أيضاً مفقود لأنّ الاُمور التى تحتمل أن تكون موجبةً لحصول الشبهة عند المجمعين فى المقام كثيرة، من ترك الأصحاب الجمعة و من بعض الروايات التى سيأتى ذكرها. و معها كيف يقطع بأنّ مدركهم كان مفقوداً لنا، و أمّا سائر الوجوه المذكورة فى بيان حجّيّة الإجماع علی كثرتها من قاعدة اللطف و الملازمة بين اتّفاق المرؤوسين مع رضا رئيسهم و غيرهما فقد بيّن ضعفها فى الاُصول.

الوجه الثّانى: أنّ ادّعاء الإجماع المحصّل فى المقام مكابرة لأنّ المخالفين من القدماء و المتأخّرین كثيرة جدّاً.

وجود المخالفين من القدماء و المتأخِّرين ناقضٌ لإجماع المحصَّل و المنقول فى المقام

الأوّل: شيخنا المفيد فى «المقنعة» علی ما حكاه عنه فى «الحدائق» تماماً و فى «مفتاح الكرامة» و «الجواهر» بعضاً من كلامه قال ما هذا لفظه:

«و اعلم أنّ الرواية جاءت عن الصادقين عليهما السّلام: إنّ الله جلّ جلاله فرض علی عباده من الجمعة إلی الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة لم يفرض فيها الاجتماع إلاّ فى صلاة الجمعة خاصّة فقال جلّ من قائل:( يَأَيهَُّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلىَ‏ ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُواْ الْبَيْعَ  ذَالِكُمْ خَيرٌْ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون)[61] و قال الصادق عليه السّلام: مَن ترك الجمعة ثلاثاً من غير علّة طبع الله علی قلبه، ففرضها وفّقك الله الاجتماع علی ما قدّمناه إلاّ أنّه بشريطة حضور إمام مأمون علی صفات يتقدّم الجماعة و يخطبهم خطبتين يسقط بهما، و بالاجتماع عن المجتمعين من الأربع ركعات ركعتان، و إذا حضر الإمام وجبت الجمعة علی سائر المكلّفين إلاّ من عذّره الله تعالي منهم و إن لم يحضر إمام سقط فرض الاجتماع و إن حضر إمام يخلّ شرائطه بشريطة من يتقدّم فيصلح به الاجتماع، فحكم حضوره حكم عدم الإمام.

و الشرائط التى تجب فى من يجب معه الاجتماع أن يكون: حرّاً بالغاً طاهراً فى ولادته، صحيحاً من الأمراض، الجذام و البرص خاصّة فى خلقته، مسلماً مؤمناً معتقداً للحقّ فى ديانته، مصلّياً للفرض فى ساعته، فإذا كان كذلك و اجتمع معه أربعة نفر وجب الاجتماع، و من صلّی خلف إمام بهذه الصفات وجب عليه الإنصات عند القراءة و القنوت فى الاُولی من الركعتين فى فريضته، و من صلّی خلف إمامٍ بخلاف ما وصفناهُ رَتَّب الفرض علی المشروع فى ما قدّمناه، و يجب حضور جمعة مع من وصفناه من الأئمّة فرضاً، و يستحبّ مع من خالفهم تقيّةً. إلی أن قال: فإذا اجتمعت هذه الثمانية عشر خصلة وجب الاجتماع فى ظهر يوم الجمعة علی ما ذكرناه و كان فرضها علی النصف من فرض الظهر للحاضر فى سائر الأيّام. انتهی[62].

و أنت خبير بأنّ هذه العبارة نصّ فى عدم اشتراط الإمام أو المنصوب من قِبَله، و من الغريب ما عن «كشف اللثام» و فى «مفتاح الكرامة» و «الجواهر» من حملها علی بيان صفات المنصوب، و هو كما تری و يظهر من الشيخ قدّس سرّه موافقته فى الوجوب التعيينىّ فى «التهذيب» لأنّه بعد ما نقل عنه هذه العبارة استدلّ علی وجوبها بجملة من الأخبار و لم يذكر فى الاشتراط شیئاً، و ظاهره الموافقة كما لا يخفی

و قال فى كتاب «الأشراف» علی ما حكي كلاماً كان بهذه المثابة فى الصّراحة فى عدم الاشتراط حيث إنّه عدّ من صفات إمام الجمعة ثمانية عشر خصلة و لم يعدّ منها كونه إماماً أو منصوباً من قِبَله، و من العجب ما فى «مفتاح الكرامة» و «الجواهر» من تأويل هذه العبارة أيضاً كعبارة «المقنعة» بأنّها فى مقام بيان صفات المنصوب، و قالا: و الّذى يدلّك علی ذلك أنّه قدّس سرّه لم يعدّ العدالة من جملة الخصال، قال فى «مفتاح الكرامة»: فلو ثبت منه الخلاف بمجرّد عدم ذكر السلطان العادل لزم أن تكون عدالة إمام الجمعة أيضاً خلافيّة، و أنت كما تری أنّ خلافه باشتراط السلطان لا يكون مستلزماً لخلافه فى العدالة، بل تَرْك عدّه العدالة من جملة الخصال لمكان معلوميّتها دونه. و قال فى «الجواهر»:

إنّه ترك اشتراط النّيابة لمعلوميّته، كما أنّه ترك ذكر العدالة فى أوصافه لذلك، و هذا أيضاً كما تری[63].

ثمّ إنّ هذين العَلَمَين ذكرا عبارته فى «الإرشاد» و استدلا بها علی أنّه قائل بالاشتراط، قال فى «الإرشاد» فى باب ذكر طَرْفٍ من الدلائل علی إمامة القائم بالحقّ محمّد بن الحسن عليه السّلام:

من الدلائل علی ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح من وجود إمامٍ معصومٍ كاملٍ غنىٍّ عن رعاياه فى الأحكام و العلوم فى كلّ زمان، لاستحالة خلوّ المكلّفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلی الصلاح و أبعد عن الفساد، و حاجة الكلّ من ذوى النقصان إلی مؤدّبٍ للجُناة مقوّمٍ للعُصاة ... إلی أن قال: مقيم للحدود حامٍ عن بيضة الإسلام جامعٍ للناس فى الجمعات و الأعياد. انتهی[64].

وجه الاستشهاد: أنّه قدّس سرّه جعل الجمع فى الجمعات من منصب الإمام و خواصّه كالعصمة و الكمال و الغِنَی عن الرّعايا.

و فيه[65] ما لا يخفی، لأنّ الجمع فى هذا الكلام لا يكون متعيّناً فى كونه إمام الجمعة، بل المراد منه هو المراد من الجمع الوارد فى دعاء النُّدبة «أين جامع الكلمة علی التقوی» و فى قوله تعالی (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ )[66] فالمعني أنّه هو السّبب لاجتماع الناس فى يوم الجمعة فى بلاد مختلفة، و هذا التعبير يكون بمنزلة التعبير الوارد فى زيارة الوارث «أشهد أنّك قد أقمت الصلاة» أى أنّك السبب لإقامة الصلاة[67].

هذا و اعلم: أنّ صاحب «الجواهر» قدّس سرّه استشهد بعبارتين اُخریَين فى «المقنعة» علی أنّ مراده قدّس سرّه هو الاشتراط، إحديهما: فى باب صلاة العِيدَين و هى قوله ـ قدّس سرّه ـ: و هذه الصلاة فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة علی شرط حضور الإمام، سنّة علی الانفراد عند عدم حضور الإمام.

ثانيهما: فى باب الأمر بالمعروف بعد أن ذكر أنّ إقامة الحدود إلی سلطان الإسلام المنصوب من قِبَل الله تعالی و هم أئمّة الهدی من آل محمّدٍ و مَن نصّبوه لذلك من الأُمراء و الحكّام، و قد فرضوا النَّظر إلی فقهاء شيعتهم مع الإمكان، قال و للفقهاء من شيعة آل محمّد أن يَجمعوا بإخوانهم فى الصلاة الخمس و صلاة الأعياد و الاستسقاء و الخوف و الكسوف إذا تمكّنوا من ذلك.

و فى استشهاده قدّس سرّه بهما ما لا يخفی.

أمّا الأوّل: فالعبارة صريحة فى أنّ صلاة العيد فَرض بشرط حضور الإمام لمن يجب عليه الجمعة، و هو غير التّسعة المذكورة فى الأخبار، و سنّة عند عدم حضوره انفراداً، و أين هذا من الدّلالة علی الاشتراط فى صلاة الجمعة؟! فكأنّه (قدّه) تخيّل أنّ الظرف فى قوله (علی شرط حضور الإمام) متعلّق بقوله (لزمته) فاستفاد منها المفهوم و هو: عدم لزومها عند عدم حضوره. و فيه ما لا يخفی.

أما الثّانى: فلأنّ المفيد ـ قدّس سرّه ـ لم يتعرّض لذكر الجمعة أصلاً، بل ذَكَر جواز إقامة الفقهاء لهذه الصَّلوات لا من أجل المنصبيّة، لضرورة الفقه بعدم المنصبيّة فى هذه الصلوات، و ما أدري ما وجه الاستشهاد بهذه العبارة؟! و لعلّه لأجل شمول صلاة الأعياد لصلاة الجمعة بناءً علی أنّ الجمعة عيد، و فيه ما لا يخفی.

و بالجملة لا ريب فى أنّ المفيد قدّس سرّه قائل بالوجوب التعيينى[68]، فما ذهب إلیه هؤلاء الأعاظم فى توجيه كلماته علی ما يوافق مذهبهم غير وجيه.

الثّانى: الشيخ محمّد بن يعقوب الكلينى لأنّه أورد فى كتابه «الكافى» جملةً من الأخبار، و لم يأت بكلام يدلّ علی الاشتراط، و ظاهره عدمه لأنّه ذكر فى صدر كتابه بأنّ الأخبار الواردة فى هذا الكتاب كلّها صحيحة.

الثالث: الشيخ الصدوق فى «الفقيه» حيث إنّه ذَكَر بعض الأخبار الدّالة بعمومها علی وجوب صلاة الجمعة علی الإطلاق و لم يأت بكلام يدلّ علی الاشتراط مع أنّه ذكر فى صدر كتابه أنّه ما أورد فى هذا الكتاب إلاّ الروايات الصحاح الّتى أ‏فتی هو ـ قدّس سرّه ـ علی طبق مضمونها، و قال فى «الأمالى» فى وصف دين الإماميّة:

و الجماعة يوم الجمعة فريضةٌ واجبةٌ و فى سائر الأيّام سنّة، فمن تركها رغبة عنها و عن جماعة المسلمين من غير علّة فلا صلاة له، و وضعت الجمعة عن تسعةٍ. ثمّ عدّ هؤلاء[69].[70]

و قال فى المقنع:

و إن صلّيتَ الظهرَ مع إمام الجمعة بخطبةٍ صلّيت ركعتين، و إن صلّيت بغير خطبة صلّيتها أربعاً بتسليمة واحدة[71].

و قد فرض الله سبحانه من الجمعة إلی الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة، واحدةٌ فرضها الله تعالی فى جماعةٍ و هى الجمعة، و وضعها عن تسعة، عن: الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد والمرأة و المريض و الأعمی و مَن كان علی رأس فرسخَين. و لم يذكر شیئاً من الشرائط، نعم قال فى «الهداية»:

إذا اجتمع يوم الجمعة سبعةٌ و لم يَخافوا أمَّهم بعضهم و خطبهم، ثمّ قال: و السبعة الّذين ذكرناهم هم: الإمام و المؤذِّن و القاضى و المدّعى حقّاً و المدّعي عليه و الشاهدان[72].[73]

و لا يخفی أنّه قابل للتّوجيه و هو لزوم كون الأفراد التى تنعقد بها الجمعة بقدر أفراد هذه السّبعة و إلاّ فلو يُؤخَذ بظاهره كان مخالفاً للإجماع القطعى و السنّة المتواترة، بل الضّرورة من المذهب من عدم دخالة هؤلاء الستّة الباقين.

الرابع: الشيخ أبوالصلاح التقى الحلبى فى كتابه «الكافى» علی ما حُكى عنه قال:

لا تنعقد الجمعة إلاّ بإمام الملّة أو المنصوب بمن قبله أو مَن تكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذّر الأمرين[74].

و هذه العبارة صريحةٌ واضحةٌ فى أنّ تقديم الإمام يكون من باب الاُولويّة لا من باب الاشتراط كما ذكرنا سابقاً و سنبيّن إن شاء الله تعالی[75].

و هكذا المَحكىّ عنه فى قوله فى باب الجماعة من هذا الكتاب حيث قال:

و أولی الناس بها إمام الملّة أو من نَصبه، فإن تعذّر الأمران لم تنعقد إلاّ بإمام عدل[76].

و من الغرائب أنّه قد نقل عن «الإيضاح» و «غاية المراد» و «المهذّب البارع» و «المقاصد العليّة» و «الروض» و «المقتصر» و «الجواهر المضيئة» نسبة استحباب الاجتماع فى زمن الغيبة إلی أبى الصلاح، و نقل عن الفاضل بن العميدى فى «تخليص التلخيص» و الشهيد فى «البيان» و الفاضل المقداد فى «التنقيح» نسبة المنع من إقامتها إليه فى زمن الغيبة كإبن إدريس.

الخامس: الشيخ أبوالفتح الكراجكى فى كتاب «تهذيب المسترشدين» علی ما حُكى عنه حيث قال:

و إذا حضرت العدّة التى يصحّ أن ينعقد بحضورها الجماعة يوم الجمعة و كان إمامهم مرضيّاً متمكّناً من إقامته الصلاة فى وقتها و إبراز الخطبة علی وجهها و كانوا حاضرين آمنين ذكوراً بالغين كاملى العقل أصحّاء‌ وجبت عليهم فريضة الجمعة[77].[78]

السادس: الشيخ عماد الدّين الطبرسى فى كتابه المسمّی ب‍ «نهج العرفان» علی ما حُكى عنه أنّه بعد نقل الخلاف بين المسلمين فى شروط الجمعة قال:

إنّ الإماميّة أكثر إيجاباً للجمعة من الجمهور و مع ذلك يُشنِّعون عليهم بتركها حيث إنّهم لم يجوّزوا الائتمام بالفاسق و مرتكب الكبائر و المخالف فى العقيدة الصّحيحة[79].

و هذه العبارة كما تری دلّت علی عدم اشتراط الجمعة بالإمام أو منصوبه عند الشيعة، و إلاّ فلو فرض أنّهم كانوا يعتقدون ذلك كيف يمکن أن يكونوا أكثر ايجاباً؟! مضافاً بأنّ قوله حيث إنّهم لم يجوّزوا... الخ صريح فى أنّ المعتبر عندهم عدالة الإمام لا غير، كما فى سائر الصَّلَوات الخمس.

السابع: الشيخ حسين بن عبدالصمد ـ والد شيخنا البهائى ـ فى رسالته المعروفة ب‍ «العقد الطهماسبى».

الثامن: الشيخ محمّد باقر المجلسى صاحب «بحار الأنوار».

التاسع: والده الشيخ محمّد تقى المجلسى قدّس سرّه.

العاشر: الشيخ أحمد بن شيخ محمّد الحظى تلميذ المجلسى علي ما حُكى عنه فى رسالته.

الحادى عشر: الشيخ الجليل فخرالدين بن طريح النجفى.

الثّانى عشر: الشيخ زين الدّين الشهيد الثّانى فى «خصائص الجمعة».

الثالث عشر: ولده المحقّق الشيخ حسن صاحب «المعالم» فى رسالته الاثني عشريّة.

الرابع عشر: الشيخ محمّد ولد صاحب «المعالم».

الخامس عشر: السيّد صاحب «المدارك».

السادس عشر: المحقّق السبزوارى فى «الذّخيره».

السابع عشر: الشيخ الجليل العلاّمة الجامع لجميع العلوم المُحدِّث الكاشانى فى «المفاتيح» و «الوافى» و رسالته المعروفة ب‍ «الشهاب الثاقب».

الثامن عشر: المحقّق الدّاماد علی ما حُكى عنه فى «الحدائق».

التاسع عشر: مولانا الشيخ الحرّ العاملى فى «الوسائل».

العشرون: محمّد بن يوسف البحرانى علی ما حُكى عنه فى «الحدائق».

الحادى و العشرون: السيّد الماجد البحرانى.

الثّانى و العشرون: الشيخ سليمان فى رسالته.

الثالث و العشرون: الشيخ أحمد الجزائرى فى «الشافية».

الرابع و العشرون: السيّد علی الصائغ.

الخامس و العشرون: الشيخ نجيب الدين.

السادس و العشرون: المولي الخراسانى.

السابع و العشرون: السيّد عبدالعظيم بن السيّد عبّاس الإسترابادى علی ما حُكى عن هؤلاء السّتّة الأخيرة فى «مفتاح الكرامة».

الثامن و العشرون: الشيخ يوسف البحرانى صاحب «الحدائق».

إلی غير ذلك من العلماء الأعلام الذين لم يصنّفوا فى وجوبها التعیينى تصنيفاً و لا رسالةً من المتقدّمين و المتأخِّرین و من معاصرينا و ممّن قرب عصرنا فى البلاد المختلفة هذا.

واعلم: أنّ الغرض من عدّ هؤلاء الأساطين إنّما هو مجرّد التّنبيه علی أنّ الإجماع المدّعي الّذى أصرّ عليه بعض الأعلام ك‍ «كاشف اللثام» و صاحَبى «مفتاح الكرامة» و «الجواهر» إنّما هو صرف ادّعاء ناشئ عن اعتمادهم علی الإجماعات المنقولة، مع أنّك تعرف أنّ الإجماع المنقول مع الظّفر بالمخالف عياناً خصوصاً مع كثرة المخالفين بحدٍّ لو لم يكونوا بحسب العدد أزيد من القائلين بالوجوب التخیيرىّ لا يكونون أقلّ منهم حتماً ممّا لا يمكن أن يقرّر له محلٌّ إلاّ فرط حبّ هؤلاء بما ذهبوا إليه من إنكار الوجوب التعیينىّ، و فى «المدارك» أنّ كلام أكثر المتقدّمين خالٍ عن ذِكْر هذا الشرط، و فى «الذخيرة» عبارات كثيرة واضحة الدلالة علی خلاف هذا الشرط. هذا كلّه فى الجواب عن الإجماع المحصّل.

الجواب عن الإجماع المنقول المدّعي

أمّا الإجماع المنقول، فالجواب عنه أيضاً‌ بوجوهٍ.

الأوّل: أنّه علی فرض حجّيّته إنّما هو إذا لم نظفر بخطأ ناقله فى وصوله بفتاوي العلماء و تتبّع موارد خلافهم و إلاّ فهو مطروح بلا ريب، و قد عرفت آنفاً أنّ ادّعاء الإجماع مكابرةٌ محضةٌ مع ذهاب هؤلاء الأساطين من المتقدّمين و المتأخِّرین و متأخِّرى المتأخِّرین إلی وجوبها التّعیينىّ.

الثّانى: أنّه فى نفسه غير حجّة إلاّ كونه مشمولاً لأدلّةِ‌ حجّيّة الخبر الواحد، و معلوم أنّها لا تشمل الأخبار الحدسيّة، فاتّفاق الكلّ إن كان موجباً للقطع بقول المعصوم فكان ادّعاء الإجماع بمنزلة الخبر الحسّى و إلاّ فهو حدسىّ لا دليل علی حجّيّته.

الثالث: أنّا نعلم علماً يقينيّاً بأنّ جلّ الإجماعات المنقولة إن لم يكن كلّها كما يظهر من تتبّع أقوالهم و التفحّص فى كلماتهم ناشئٍ عن مجرّد ظنّهم بالاتّفاق أو بالشّهرة، أو بمجرّد مطالعة كتابٍ أو كتابين إذا ذكر فيه الإجماع، أو كانوا يدّعون الإجماع علی المسألة الفرعيّة بمجرّد الظفر بخبرٍ واحدٍ، أو بقاعدةٍ اتّكالاً علی أنّ العمل بالخبر الواحد كان مجمعاً عليه عند الأصحاب، و لذلك نجد فى كثير من المسائل ادّعاء بعضهم الإجماع عليه مع وجود الخلاف فيه، بل من المدّعي نفسه فى كتابٍ آخر سابقٍ عليه أو لاحقٍ عنه، و كذلك نجد أنّ كثيراً منهم يدّعون الإجماع علی حُكم و یدّعى الآخرون الإجماع علی خلافه، حتّي قد اتّفق كثيراً ما أنّ واحداً منهم ادّعي الإجماع علی حُكمٍ ثمّ هو بنفسه ادّعي الإجماع فى كتاب آخر علی خلاف هذا الحُكم. و حسبك فى هذا الباب ما وقع للمرتضي و الشيخ فى «الانتصار» و «الخلاف» من الإجماعات المدّعاة المتناقضة كثيراً مع كونهما إمامَى الطائفة و مقتدَيها. و من ذلك ادّعي السيّد الإجماع علی عدم حجّيّة الخبر الواحد، و ادّعي الشيخ الإجماع علی حجّيّته، و ما ذهب بعضهم إلی توجيه ذلك بأنّ إجماع السيّد فى ذلك علی الخبر الواحد الغير الموثوق به و إجماع الشيخ علی الخبر الواحد الموثوق به غير وجيه، كما يظهر من ملاحظة قولاهما فى ذلك الباب، كيف؟ و هل يعقل أن لا يفهم الشيخ معقد إجماع السيّد و مراده منه مع أنّه كان من تلامذته مدّة ثلاث و عشرين سنة، و لم يدرِ ماذا أراد بإجماعه حتّي لم يَدَّعِ الإجماع علی خلافه و لم يردّه فى كلامه؟؟!

و فى «الحدائق» قال:

و قد وقفتُ علی رسالةٍ لشيخنا الشهيد الثّانى رحمه الله قد عدّ فيها الإجماعات الّتى ناقض الشيخ فيها نفسه فى مسألة واحدة انتهی عددها إلی نیّف و سبعين مسألة، قال قدّس سرّه: أفردناها للتّنبيه علی أن لا يغترّ الفقيه بدعوي الإجماع [المنقول][80].

و عدّ جملة من المسائل فرداً فرداً.

أقول: و إذا كان ادّعاء الإجماع فى كلام أساطين المذهب بهذه المثابة، فكيف نعتبرهم فى دعاويهم؟!

قال الشهيد الثّانى فى درايته:

إنّ أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه فى الفتاوي تقليداً له لكثرة اعتقادهم به و حسن ظنّهم به فلمّا جاء المتأخّرون وجدوا أحكاماً مشهورة قد عمل بها الشيخ و متابعوه فحسبوها مشهورة بين العلماء و ما دَرَوا أنّ مرجعها إلی الشيخ [وحده] و أنّ الشهرة إنّما حصلت بمتابعته[81].

لا قيمة للإجماع بمقدار فَلسٍ فى المقام

و من هذا كلّه تعرف أنّ ادّعاء الإجماع لا قيمة له بمقدار فلَسٍ فى المقام[82] و لا يمكن الاستدلال بها و إن بلغت الإجماعات المنقولة غايتها فى الكثرة، و فرض أنّها بلغت حدّ الثلاثين كما عن «حاشية المدارك»، أو أكثر من الأربعين كما عن شرح «مصابيح الظّلام» أو أكثر من حدّ التواتر كما عن «كشف الغطاء»، أو أكثر بضميمة الإجماعات المنقولة فى صلاة العيدين من السبعين كما فى «الجواهر».

قال المجلسى فى «البحار» فى باب صلاة الجمعة:

إنّ الأخبار واضحة الدّلالة علی وجوبها العينىّ إلاّ أنّ المخالف خالف بشبهة الإجماع... إلی أن قال ما معناه: و حجّيّة الإجماع إنّما هو لدخول المعصوم علیه السّلام، و أين هذا من المقام... إلی أن قال ما لفظه:

ثمّ إنّهم قدّس الله أرواحهم لمّا رجعوا إلی الفروع کأنّهم نسوا ما أسّسوا فى الاُصول فادّعوا الإجماع فى أكثر المسائل سواء ظهر الاختلاف فيها أم لا، وافق الرّوايات المنقولة أم لا... إلی أن قال: فيغلب علی الظنّ أنّ مصطلحهم فى الفروع غير ما جَروا عليه فى الاُصول بأن یسمّوا الشّهرة عند جماعةٍ من الأصحاب إجماعاً كما نبّه عليه الشّهيد فى «الذكری» و هذا بمعزلٍ عن الحجّيّة و لعلّه إنّما احتجّوا به فى مقابلة المخالفين ردّاً عليهم و تقويةً لغيره من الدّلائل التى ظهرت لهم[83]. انتهی موضع الحاجة.

أقول: و إن شئت مزيد اطّلاع لوهن الاجماعات المنقولة فراجع رسالة «كشف القناع» للمحقّق الشيخ أسد الله التُّسترى صاحب «المقابيس» قدّس سرّه.

الثالث من أدلّة القائلين بالوجوب التعيينى: الإجماع

الثالث: أنّ جملةً من القائلين بالوجوب التعيينىّ ادّعوا الإجماع عليه أيضاً و قد حُكى عن «المفاتيح» و «الماحوزيّة» أنّ ادّعاء الإجماع علی اشتراطه مقلوبٌ علی مدّعيه، و ادّعي أيضاً والد شيخنا البهائى علی ما حُكى عنه الإجماع علی الوجوب التّعيينى، ثمّ قال: إنّ خلاف السّلاّر و ابن إدريس و الشيخ بل العشرة و العشرين غير مضرّ لما تقرّر فى مذهبنا عدم الاعتداد بالمخالف المعلوم النَّسَب، و قال المحدِّث الكاشانى فى «الشهاب الثّاقب»:

و إنّه ممّا اتّفق عليه علماء الإسلام فى جميع الأعصار و سائر الأمصار و الأقطار كما صرّح به جمٌّ غفير من الأخبار [الأخیار]، و إنّ جميع علماء الإسلام طبقة بعد طبقة قاطعون بأنّ النبىّ صلّي الله عليه وآله استمرّ بفعلها علی الوجوب العينىّ طولَ حياته المقدّسة، و إنّ النسخ لا يكون بعده، و لم يذهب إلی اشتراط وجوبها بشرط يوجب سقوطها فى بعض الأزمان إلاّ رجل أو رجلان من متأخّری فُقهائنا الّذين هم أصحاب الرأى و الاجتهاد دون الأخباريّين من القدماء الّذين هم لا يتجاوزون مدلول ألفاظ الكتاب و السنّة و أخبار أهل البيت عليهم السّلام، فإنّه لا خلاف بينهم فى وجوبها العينى الحتمىّ و عدم سقوطها أصلاً إلاّ لتقيّةٍ... إلی أن قال: مرادنا من الرّجلَين هما ابن إدريس و سلاّر.

وجه ترديدنا لإمكان تأويل كلام سلاّر بما يرجع إلی الحقّ... إلی أن قال: و ذهب شِرذمةٌ من أكابر الفقهاء إلی الوجوب التخييرى و بعضهم إلی اشتراط وجوبها بوجود الفقيه، و كلّ ذلك لشبهةٍ حَصَلَت لهم من ترك الأئمّة و أصحابهم، مع أنّه لا مورد له إلاّ التّقيّة. انتهی ملخّصاً.[84]

أقول: هذا كلّه مضافاً إلی التّصريح فى كلام بعض الأصحاب أنّ موضع الإجماع المدّعی إنّما هو حال حضور الإمام و تمكّنه، و الشرط المذكور إنّما هو مع إمكانه لا مطلقاً، و الدّليل علی ذلك أنّهم يطلقون القول باشتراطه فى الوجوب و يدّعون الإجماع عليه أوّلاً ثمّ يذكرون حال الغيبة و ينقلون الخلاف فيه[85].[86]

الأضبط تفريق الرّوايات و تقسيمها إلي وجوه قبل النظر فى المسألة (ت)

هذا تمام الكلام فى أدلّة القول المنصور من الوجوب التّعيينى و ذبّ بعض الإشكالات الواردة عليه، و سيأتى ذبُّ بقيّة الإشكالات عند التعرّض لأدلّة سائر الأقوال فنقول:

قد اشترك القائلون بالوجوب التّخييرى فى زمن الغيبة علی الإطلاق، أو مع وجود الفقيه مع القائلين بالحرمة فى استدلالهم بجملة من الأدلّة، ثمّ تفرّد كلّ من هذه الطوائف الثلاثة فى الاستدلال بما يختصّ لمذهبه، و نحن نبحث أوّلاً فى أدلّتهم المشتركة ثمّ فيما تفرّدوا به من الأدلّة.

 

 پاورقي


[44]ـ المصدر السابق، باب 1، ص 5، ح 14.

[45]ـ لم نفهم كيفيّة الاستدلال و أىّ فرق بين وجوب صلاة‌ الجمعة و صلاة الظهر بأربع ركعات فى ضمن العدد خمس و ثلاثين، لأنّ المراد ليس عدد رکعات صلاة الظهر أ كانت أربعاً أو اثنتين بل نفس الصلاة ملحوظة هيهنا. (منه عُفى عن جرائمه)

[46]ـ وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 1، ج 5، ص 2، ح 1.

[47]ـ هذه الرواية تدلّ بإطلاقها علي وجوب صلاة الجمعة فى أىّ زمان سواء زمان حضور الإمام عليه السّلام أو غيبته و فى زمن تشكّل الحكومة العادلة أو غيرها، لأنّ الرواية فى زمن الإمام الصادق عليه السّلام و هو عليه السّلام كان يعيش فى زمن الحكّام المغتصبين و المعتدين، و فى هذه الرواية‌ أدلّ دلالة علي عدم اشتراط الصّحّة بوجود الإمام عليه السّلام أو وجود الحكومة الشرعيّة، فتنبّه. (منه عُفى عن جرائمه)

[48]ـ وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 2، ص 8، ح 7، و باب 1، ص 5، ح 16.

[49]ـ مصباح الفقيه، ج 2، ص 439؛ و وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 2، ج 5، ص 4، ح 8 و 12، مع اختلاف قليل.

[50]ـ وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 6، ج 5، ص 15، ح 5.

[51]ـ المصدر السابق، باب 1، ص 3، ح 6.

[52]ـ المصدر السابق، ص 6، ح 24.

[53]ـ المصدر السابق، باب 18، ص 34، ح1.

[54]ـ مصباح الفقيه، ج 2، ص 440.

[55]ـ و لَعَمري إنّ هذا البيان منه ـ رضوان الله عليه ـ فى عدم اشتراط وجوب الصلاة لحضور الإمام عليه السّلام هو أدلّ دليل علي عدم اشتراط الصّحّة لحضور الإمام عليه السّلام أو انعقاد الحكومة الإسلاميّة بنفس البيان و التّوضيح، فلا أدرى بأىّ دليل حَكَم قدّس الله سرّه باشتراط الصّحّة‌ و براءة الذّمّة بانعقاد الحكومة الشّرعيّة؟! (منه عُفى عن جرائمه)

[56]ـ إنّ هذه الإطلاقات تدلّ علی وجوب الجمعة مطلقاً فى كلّ زمان و مكان، و المراد بمن يخطب هو الآمر الحاكم الشرعىّ* الّذى له رياسة إلهيّة أو المنصوب من قِبَله، لكن كما أشرنا آنفاً أنّ هذه الرّوايات الّتى دلّت علی لزوم من يخطب دلّت علی اشتراط صحّة الجمعة و وجودها به لا علی اشتراط وجوبها به، ففى إطلاقات الوجوب ترغيبٌ للناس و تحريص لهم فى إقامتها الّتى لا تكاد تصحّ إلاّ مع من يخطب، فإيجاد شرط الصّحّة ـ و هو تمكّن الإمام من الإقامة ـ إنّما هو بِيَدِ المكلّفين ـ و هو نهوضهم و قيامهم للعدل ـ كما أنّ سائر الصلوات بالنسبة إلی شرط الطّهارة ` ` بهذه المثابة، و صلاة الظهر واجبةٌ مطلقاً لا مقيّداً بالطّهارة لكنّ الطّهارة شرطٌ لصحّتها، فلابدّ و أن يوجدها المكلّف كى يتمكّن من امتثال الواجب ـ و هو الصلاة ـ متطهّراً، و أمّا من ذهب إلی شرطيّة من يخطب بالنّسبة إلی وجوب صلاة الجمعة فقد توهّم أنّها بمنزلة الحجّ بالنسبة إلی الاستطاعة التى هى شرط للوجوب، لكن لا تساعده الأدلّة (منه عُفى عنه).** 19 / ج 1 / 1399

*ـ كيف حَكَم قدّس الله سرّه بإرادة الحاكم الشّرعى من هذا التعبير مع كونه مطلقاً؟! و نحن نعترض عليه بنفس الاعتراض الّذى حَمَله علي اشتراط الحضور أو النّيابة بالأخذ بالإطلاق طابق النّعل بالنّعل فلا تغفل. (منه عُفى عن جرائمه)

**ـ إن شاء ‌الله بتوفيق منه سنشرح بالتّفصيل كيفيّة‌ دلالة الرّوايات علي وجوب صلاة الجمعة ‌بدون أىّ شرط لا فى الوجوب و لا فى الواجب بحولٍ منه و قوّته فانتظر. (منه عُفى عن جرائمه)

[57]ـ و الإنصاف لو سلّمنا لمفروغيّة النّصب فلا مناص من الالتزام بتنجيز هذه القرينة و إن كانت منفصلة و حمل المطلق عليها. (منه عُفى عن جرائمه)

[58]ـ لا يخفي الإشكال الجدّى و المبيد للشّكّ علي كلام المرحوم البروجردى (ره) و أمثاله و هو أنّ الإمام عليه السّلام حَكَم بوجوب صلاة الجمعة علي خمسة أفراد أو سبعة، فمن البديهي أشدّ البداهة أنّ هذا حُكم جارٍ و سارٍ فى كلّ بلد و قريةٍ من البلدان و القري فى العالم الإسلامى إلي يوم القيامة ‌فهل يعقل أنّ الإمام عليه السّلام يقيّد هذا الوجوب بنصب الخطيب من قِبله مع عدم إمكان هذا المطلب عقلاً و عادةً فى جميع البلدان و القري؟! إنّ هذا شىء عُجابٌ، فلا يبقي مجالٌ أساساً إلاّ بالالتزام بالإطلاق من الرّوايات بالنسبة إلي الخطيب لا فى زمان الحضور و لا فى زمان الغيبة. فتأمّل فإنّه يليق بالتّأمّل. (منه عُفى عن جرائمه)

[59]ـ إنّ السّيرة المستمرّة المدّعاة كافلةٌ لإثبات لزوم الإمام أو نائبه فى الصّحّة لا فى الوجوب، فإذَن الاجتماع للجمعة مع غير الإمام أو نائبه خصوصاً أو عموماً و بدون أمره و إذْنه أو إذن نائبه حرامٌ و تصرّف للمقام الخاصّ به، و باطل لعدم الإتيان بشرط الصّحّة، و لكنّ الوجوبَ باقٍ بحاله، فيجب علی المسلمين دفع الغير من الحكّام الجائرة و نوّابهم و أن يُحقّقوا شرائط بسط يد الإمام و تمكّنه من تنفيذ الأحكام مقدّمةً لإمكان انعقاد الجمعة فما لم يحقّقوا ذلك بطلت صلواتهم سواءٌ صلّوا أربع ركعات لعدم وجوبها فى ظهر الجمعة أو صلّوا ركعتين مع الخطبة، لعدم تحقّق شرط صحّتها و إن كانت واجبةً، فالمسلمون عاصون بترك الجمعة الصّحيحة دائماً عند عدم اقتدار الإمام أو نائبه لعقدها لترك الواجب المطلق الإلهى بترك مقدّمته (منه عُفى عنه).* 19 / ج 1 / 1399

* ـ لا يخفي أنّ السّيرة المستمرّة لنصب أئمّة الجمعة لم تكن لأجل اشتراط الانعقاد به كما زعم، بل لمصلحة تقتضيها الحكومات سواء كانت عادلة‌ أم جائرة‌ كما هو واضح لا يحتاج إلي دليل و برهان، فكيف تسمح حكومة‌ٌ أن تعقد صلاة ‌بهذه الخصوصيّة‌ الموجودة فى صلاة‌ الجمعة‌ من الاجتماع و البحث حول المسائل الاجتماعيّة‌ و السّياسيّة‌ و منافع و مصالح الاُمّة من غير إذْن منها و إجازة ‌من قِبَلها؟! فهي لا تسمح لجماعة‌ عاديّة فى تشکيل أىّ اجتماع، فكيف بصلاة‌ الجمعة؟!‌ بل لا تسمح لأىّ تشكّل و اجتماع أن ينعقد أمام المصالح و المنافع الحكوميّة و لو لم تكن لها علاقة بالسّياسة و أعمال السّياسيّين. فالحكومات تكون علي حذر شديد من تشكّل أىّ اجتماع و فرقةٍ إلاّ إذا كان موافقاً لمسيرها‌ و مثبتاً لمنهجها ممضٍ لتقاريرها. و لهذه العلّة كانت السّيرة فى الحكومات الجائرة بعد زمن النّبىّ صلّي الله عليه و آله و سلّم بتنصیب الحكّام و الأئمّة‌ فى الجمعة‌، لأنّ شأن صلاة الجمعة‌ شأن سياسيىٌ و اجتماعىٌّ، و أمّا بالنّسبة إلي الأئمّة كأمير المؤمنين عليه السّلام فقد كان اللازم عليه تنصیب الأئمّة فى البلدان و المدن الكبيرة‌ لدفع الحرج و المرج و الاضطراب و التّشويش، و هذا أمر واضحٌ، و أمّا بالنّسبة إلي القُري و المدن الصّغيرة‌ فكيف يمكن له أن ينصّب إماماً فى البقاع و القطّاعات الكثيرة‌ فى الحكومة‌ الإسلاميّة ` ` الكبري؟! فلهذا نري أنّه عليه السّلام يقول فى الرواية‌ إنّ الإمام لصلاة‌ الجمعة‌ لازم أن ينصّب من قِبَل الإمام عليه السّلام. و أمّا الإمام الصّادق عليه السّلام حيث يصرّح للأصحاب بوجوب صلاة الجمعة ‌فهو ينادى بأعلي صوت و أبلغ كلام بعدم وجوب تنصیب الإمام من قِبَل الحاكم العدل فيقول: لأىّ علّة‌ و داعٍ لا تجتمعون لصلاة‌ الجمعة‌. و لَعَمْرى إنّ هذا حكمٌ عامٌّ شامل لجميع الشّيعة‌ فى جميع البلدان و المدن فى أقصي نقاط الحكومة الجائرة‌ و لهذا يردفه الإمام عليه السّلام بعدم الخوف و التّقيّة،‌ و هذا أوضح كلام علي عدم وجوب تنصیب الإمام من قِبَل الإمام عليه السّلام خصوصاً فى الزّمان الّذى يكون الأئمّة ‌مطرودين مشرّدين‌.

فعلي هذا فالالتزام بحرمة إقامة‌ صلاة ‌الجمعة بادّعاء‌ عدم حصول شرط الصّحّة‌ ـ و هو الإمام العادل مبسوط اليد ـ و القضاء ‌و الحُكم ببطلان الصلاة ‌هو التزام بتعطيل صلاة ‌الجمعة‌ إلي قيام الحجّة عليه السّلام عملاً و فعلاً بلا شكّ أبداً. فلا فرق فى الموضع بين الحكم بحرمة‌ الصلاة‌ علي فتوي المرحوم البروجردى و الحكم بحرمتها علي مبني المؤلّف قدّس الله سرّه فى النتيجة‌ و الغاية‌ إلاّ أنّه لم يفتِ بعصيان الاُمّة و ارتكاب الذّنب بسبب عدم القيام بها و لكنّ المؤلّف حكم بارتكاب الإثم و العصيان بأمرٍ لا اختيار للشّيعة فى تحقّقه كما حقّقناه سالفا.ً (منه عُفى عن جرائمه)

[60]ـ و الحقّ أن يقال إنّ الإجماع ينهض لإثبات اشتراط صحّة الجمعة بالإمام العادل أو المنصوب من قِبَله لا لإثبات وجوبها بهما (منه عُفى عنه).

[61] ـ سورة الجمعة (62) الآية 9.

[62]ـ الحدائق الناضرة، ج 9، ص 378 و 380؛ و فى المقنعة ص 162 إلي 164 مع اختلاف قليل.

[63]ـ جواهر الكلام، ج 11، ص 175.

[64]ـ الإرشاد، ج 2، ص 342.

[65]ـ علي أنّه أىّ منافاة بين كونه إماماً للجمعة من حيث وجوب القيام بها له عليه السّلام و بين إقامتها من قِبل سائر الأفراد المؤهّلين بذلک. (منه عُفى عن جرائمه)

[66] ـ سورة آل عمران (3) صدر الآية 9.

[67]ـ و الحقّ أنّ ظاهر قوله جامع الناس فى الجمعات هو: الإقامة بنفسه الشريفة. لکن لم يکن ظاهراً فى اشتراط وجوب الجمعة به، بل فى صحّته و انعقاده. (منه عُفى عنه).

[68]ـ و هو مطلق مع حضور الإمام أو بدون حضوره. (منه عُفى عن جرائمه)

[69]ـ الأمالى، ص 743.

[70]ـ و هذا أيضاً يدلّ علي الإطلاق و عدم الاشتراط لا بالنّسبة إلي شرط الوجوب و لا بالنّسبة‌ إلي شرط الصّحّة. (منه عُفى عن جرائمه)

[71]ـ المقنع، ص 147.

[72]ـ الهداية، ص 146.

[73]ـ الرّوايات مطلقة‌ٌ بالنّسبة إلي هذه العناوين فهو كما قاله المؤلّف قدّس سرّه عنوانٌ مشيرٌ إلي تحقّقه بهولاء الافراد و لا علاقة‌ فيه للموضوعيّة. (منه عُفى عن جرائمه)

[74]ـ الکافى فى الفقه (أبو الصلاح الحلبى) ص 151.

[75]ـ بل دالّة علی اشتراط صحّة الجمعة وانعقادها بالإمام لا وجوبها. (منه عُفى عنه).*

* ـ بل ليس فيه دلالة ‌علي اشتراط الصّحّة،‌ فمن أين يُستخرج هذا المعني من عبارته؟ (منه عُفى عن جرائمه)

[76]ـ المصدر السابق، ص 143.

[77]ـ ذخيرة المعاد، ج 2، ص 308.

[78]ـ و هذه العبارة ‌صريحة فى الإطلاق لعدم اشتراط الصّحّة‌ بحضور الإمام أو الحكومة‌ العادلة. (منه عُفى عن جرائمه)

[79]ـ المصدر السابق.

[80]ـ الحدائق الناضرة، ج 9، ص 368.

[81]ـ المصدر السابق، ص 377.

[82]ـ بل و لا أساس له أصلاً كما حقّقناه، و قد عملنا رسالة فى بطلانه و عدم اعتباره بتّاً، و هذا من المبتدعات الّتى لا أصل لها فى مدرسة التّشيّع و إنّما دخل فى الشّيعة‌ تبعاً لأهل السّنّة كما اعترف به السّيّد المرتضي و المحدِّث البحرانى و غيرهما معارضة منهم لأهل السّنّة، و هو كما أفاد المؤلّف قدّس الله سرّه لا قيمة له بمقدار فلس أو أقلّ. و من أعجب الأعاجيب أنّنا نری اهتمام الفقهاء ‌و العلماء و اعتمادهم علي هذا الأصل المُبتدَع المُختلَق بحيث يقدّمونه علي أصحّ الروايات المأثورة و الحجج القاطعة ‌و الأدلّة‌ اللاّمقة و يرفضون الرّوايات و الحجج المعتبرة ‌بهذا ` ` الأصل الموهون و يطرحون كلام الأئمّة عليهم السّلام بهذا المبني المختلَق المردود، فيا لها من مصيبة‌ قد أصابت روّادنا العظام و بليّة قد ابتلي بها فقهاؤنا الكرام، و ها نحن نذکر لك مثالاً لهذه البليّة و قد أشرنا إليها فى رسالتنا المسمّاة ب‍ (الإجماع من منظر النقد و النّظر) و هو كما حَكَي لى السّيّد الوالد العلاّمة روحى له الفداء ‌أنّه لمّا درس هذا البحث عند اُستاذه المرحوم آية ‌الله السّيّد محمود الشاهرودى تغمّده الله برحمته و وصلت نتيجة ‌البحث إلي وجوب صلاة‌ الجمعة‌ يقيناً و لم يبق مجالٌ للاُستاذ إلاّ بقبول هذا المطلب و لم يتيسّر له الجواب عن الإشكالات الواردة من قِبَل سماحة العلاّمة الوالد فى مجلس الدّرس، فآخر الكلام الّذى صدر منه و للأسف الشّديد ختم به البحث و سكّر الملفّ هو أنّه قال: الحقّ أنّ الرّوايات تدلّ علي الوجوب التّعيينىّ و العينى لهذه المسألة إلاّ أنّ الإجماع قائم علي الوجوب التّخييرى و نحن لا نقدر أن نتخطّاه و نتجاوز حدّه، فلهذا نفتي بالتّخيير لا بالتّعيين!! و هذا هو الداء الّذى قد ابتلينا به و المصيبة ‌الّتى قد أصابتنا. و علي هذا فاللازم علي الحوزات العلميّة أن تنظر و تتأمّل فى المسألة حقّ النّظر و التّأمّل و يغيّروا هذا الأساس الموهوم و الموهون و ينظروا إلي الأدلّة ‌و المبانى فى مدرسة الأئمّة عليهم السّلام بعين الإيمان و الإتقان و متابعة سنّة‌ الرّسول و أهل بيت الوحى و ينفضوا الوساوس و التّخيّلات عن أذيالهم و لا ينظروا فى دراساتهم و بحوثهم و تأليفاتهم إلي الشئونات و الشّخصيّات، بل يركزوا أفهامهم و أنظارهم إلي معدن الوحى و ينبوع الشّريعة ) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باق‏ (* (منه عُفى عن جرائمه)

* ـ سورة النحل (16) صدر الآیة 96.

[83]ـ بحار الأنوار، ج 86، ص 222.

[84] ـ الشهاب الثاقب فى وجوب صلاة الجمعة العینى، ص 8 و ص 9.

[85]ـ تحقّق الإجماع فى عقد المعصوم أو نائبه فى الصّحّة، و لكنّهم تخيّلوا و اشتبه عليهم الأمر بأنّ المعصوم شرط للوجوب، فتشوّشت أقوالهم و اضطربت كلماتهم لأجل ذلك. (منه عُفى عنه).

[86]ـ هذا و قد تلخّص من مطاوى الرّسالة مع تعليقاتنا أنّه قدّس الله سرّه قد قال بوجوب صلاة الجمعة تعييناً و اشتراط صحّته إمّا بوجود الإمام عليه السّلام، أو نائبه، أو انعقاد الحكومة‌ الشّرعيّة، و بدون هذه الظروف الثلاثة: القيام به حرامٌ، و الصلاة باطلة، ‌و الاُمّة آثمة و عاصية لعدم إقدامها علي تحقيق هذه الحكومة. و أمّا بناءً علي ما أسّسناه و بيّناه بلا مزيد بيان و إقامة ` ` برهان فإنّها واجبةٌ مطلقاً سواء فى زمن الحضور أو فى زمن الغيبة‌، و فى ظرف انعقاد الحكومة‌ العادلة أو فى غيرها، و الاُمّة آثمة‌ علي تركها بدون عذرٍ و مبرّرٍ كما اُشیر إليه من خلال بعض الرّوايات، و لكنّ المقام يقتضى توضيحاً مختصراً فى كيفيّة الجمع بين الرّوايات مع اختلاف مضامينها، و لعلّ هذا هو السّبب الأصلى لتشتّت الآراء و اختلاف الأنظار، لعلّ الله يرفع عن حقيقة المسألة نقابها و يكشف عن ظلام المعضلات و الشبهات ستارها و حجابها، إنّه خير موفّق و معين.

فاعلم أنّ الرّوايات من أهل بيت العصمة عليهم السّلام فى هذا المقام مختلفةٌ و التّعابير الواردة فيها متفاوتة، فالأضبط بالنّسبة‌ لنا تفريقها و تقسيمها إلي وجوهٍ و أقسام أوّلاً و من بعد ننظر فى المسألة و جوانبها و نستعين بالله تعالي أن يرينا ما هو الصواب و الفلاح و ليهدينا إلي ما هو الحقّ و الصلاح.

الأضبط تفريق الرّوايات و تقسيمها إلي وجوه قبل النظر فى المسألة (ت)

الأظبط تفریق الرّوایات و تقسیمها إلی وجوه قبل فی المسألة

لا يخفي أنّ أصرح الرّوايات إطلاقاً و أوضحها بياناً للمطلوب و الّتى عليها المدار لاستظهار الحُكم و الفتوي، و المحور الأصلى لتنقيح المبني هى صحيحة‌ زرارة و ما شابهتها الّتى يبلغ عددها إلي نيّف و عشرين رواية.

و لم نذكر الرّوايات هنا لسبق ذكرها فى أوّل الرسالة فلا نحتاج إلي تكرارها اختصاراً و اتّكالاً علي اهتمام القارئ الكريم و تتبّعه، و هى تدلّ بالصّراحة ‌علي وجوب صلاة‌ الجمعة ‌بدون أىّ شرط، فعلي القارئ الكريم الرّجوع إليها و تبيّن الحال منها، فعلي ما قدّمناه من استحالة ‌لحاظ حضور الإمام عليه السّلام أو الحكومة ‌العادلة‌ شرطاً فى بعض هذه المطلقات لکونه من الأمر بالمحال و ما لا يقدر المكلّف علي إتيانه و الخروج عن اختياره و إرادته بحسب الشرائط و الظروف، فهذه الرّوايات صريحةٌ فى وجوب صلاة ‌الجمعة‌ يقيناً من غير أىّ شرط لا فى الوجوب و لا فى الواجب إطلاقاً، لأنّ الإمام عليه السّلام فى حين بيان الحكم و إبلاغه إلي الرّاوى إمّا أن يقصد بالخطاب نفس الرّاوى فقط لا العموم و الشمول منه، أو إراد العموم لقاطبة‌ الشّيعة ‌من أوّل زمان البلوغ إلي النهاية فى كلّ بِقاع و قطاعٍ. و الأوّل باطل بالضرورة و الوجدان، و علي الثانى كيف يمكن أن يأمر الإمام أحداً بإقامة‌ الصلاة‌ مع عدم قدرته‌ علي القيام و الإقدام بانعقاد الحكومة‌ العادلة‌ حتّي فى زمان نفس الإمام عليه السّلام فكيف بزمان الغيبة‌ و عدم حضوره، و هل هذا إلاّ ‌اجتماع الأمر و النهى فى أمر واحد؟!

و أمّا رواية‌ الصادق عليه السّلام «ليس علي أهل القري جماعة،‌ و لا خروج فى العيدين» و ما ` ` شابهتها فالمقصود منها القرية الّتى ليس لها إمام يخطب لهم، و مقدار المسافة إلي صلاة الجمعة ‌و العيدين أكثر من فرسخين، و يدلّ علي هذا موثّقة ‌ابن بكير، قال:

«سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قوم فى قرية ‌ليس لهم من يجمع بهم أيصلّون الظهر يوم الجمعة‌ فى جماعة؟‌ قال: نعم إذا لم يخافوا».

فهذه تدلّ علي وجوب الجمعة‌ إذا كان الإمام العادل فيهم. و كذلك رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال:

«سألته عن اُناس فى قرية‌ٍ هل يصلّون الجمعة جماعة؟‌ قال: نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطّب».

و كذلك صحيحة‌ فضل بن عبد الملك قال:

«سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول: إذا كان قوم فى قرية‌ صلّوا الجمعة‌ أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كان خمسة‌ نفر، و إنّما جُعِلَتْ ركعتين لمكان الخطبتين».

و هذه الرّوايات صريحة فى أنّ رفع القلم عن أهل القري ليس لأجل ابتعادهم عن البلاد المنعقدة فيها صلاة ‌الجمعة ‌بل لأجل عدم وجود الإمام العادل غالباً فيهم و مع وجوده يجب عليهم كما وجب علي أهل البلدان، فلا فرق أبداً.

و فى قسم منها يصرّح بوجوب الصلاة عند حضور إمام عادل مجرٍ للحدود قاضٍ بين النّاس، و هى العمدة فى اختلاف الأصحاب فى مسألة ‌الوجوب، و كذلك فيما اعتمد عليه المؤلّف قدّس سرّه حيث حَكَمَ بشرطيّته فى الصّحّة و الإجزاء‌. كرواية‌ أميرالمؤمنين و روایة الصادق عليهما السّلام كما تقدّم ذكرهما، و لكنّ التأمّل فى خصوصيّة صلاة ‌الجمعة‌ مع ما فيها من اجتماع النّاس و تبيين المسائل الجارية فى المجتمع و تحسّس الحكومات فى هذه الصلاة‌ يقضى بحضور إمام عادل مجرٍ للحدود فى البلدان و المدن، و لا شكّ فى أنّه بدون هذا الشّرط لا يتحقّق أصلاً. فهذا شرط لا يحتاج إلي بيانه بل هو كالضّرورىّ، يفهمه كلّ أحدٍ كما أشرنا إليه سابقاً من أنّه كيف تسمح حكومة ‌لانعقاد هذه الصلاة مع إمام عادل مستقلّ فى الخطابة و إيراد الكلام علي ما يراه من المصلحة‌ بدون التّوجّه و الالتفات إلي مصالح الحكومة؟ فالحكومات بحسب طبعها الوضعى تقيم هذه الصلاة‌ بإمامٍ مادحٍ ممضٍ و مقرّرٍ لأعمال الحكومة‌ لا نافٍ لها و لا منتقدٍ إيّاها بل مثبتٍ لسيرة الحكومة و ` ` منهجها سواء‌ كان باطلاً أو لا. فعلي هذا الأساس يصرّح الأئمّة بوجوب الصلاة فى المدن مع الشرط. فقضيّة الجمع بين هذا القسم و القسم الأوّل المطلق فى الوجوب هو عدم جواز الصلاة فى المدن و البلدان إلاّ بإمام عادل مبسوط اليد و القضاء مجرٍ للحدود و الأحكام، و أمّا فى سائر الأماكن و البقاع إذا وُجد من ياُمّ بهم فهو واجب و إلاّ فلا. كما هو صريح الرّوايات عن المعصومين عليهم السّلام. فالنتيجة ‌المستظهرة من الجمع بين الأدلّة فى الباب هى وجوب صلاة ‌الجمعة مطلقاً بدون أىّ شرط لا فى الوجوب و لا فى الواجب، و هى علي ما فى الرّوايات تجب عند اجتماع السبعة و لكن تنعقد استحساناً لا وجوباً عند اجتماع الخمسة.‌ و من أتقن القرائن الحاليّة‌ علي وجوب صلاة ‌الجمعة بدون اشتراط فى كِلا اللحاظين ـ بل يمكن أن يعدّ دليلاً عليه ـ هو أنّ الإمام عليه السّلام من حیث إنّه کان یعیش فى زمن الحكومات الجائرة ‌(و الاقتضاء العقلى و العادى هو عَدَمُ حضور الإمام عليه السّلام أو الفقيه الجامع المجرى للحدود فى هذا المجال) فإذا كان الإمام عليه السّلام یري اشتراط الوجوب أو الواجب و مع ذلک لم يذكر شيئاً منهما بل أطلق الوجوب بهذه التعابير غير المقيّدة بهما، فلا شکّ حينئذٍ بإرادة الإطلاق من الخطاب، و هذا من أبده البديهيّات حيث يحكم به بداهةُ العقل و شهادة الوجدان، لأنّ العقل يحكم باستهجان صدور مثل هذا الخطاب عن الأشخاص العاديّين فكيف بالإمام عليه السّلام، و لذا أردفه بعدم الخوف. فعلي هذا لا نشكّ أبداً فى الوجوب من غير اشتراط، لا بشرط الوجوب و لا بشرط الصّحّة. و الحمد لله علي توفيقه و انكشاف المسألة بلطفه و عنايته و هو بكلّ شىء عليم. (منه عُفى عن جرائمه)

      
  
فهرست
10   المقدمة
  سبب منع الأئمّة علیهم السّلام إقامة الصلاة بشکل عامّ.
19   اعتقاد المصنّف قدّس سرّه بلزوم إيجاد الحكومة ‌الإسلاميّة
23   إرسال المصنِّف قدِّس سرّه رسائل إلی کثیر من العلماء و المراجع العظام
25   الکلام فى صلاة الجمعة یقع فى الجهتَین، السیاسیّة و الأخلاقیّة
26   الجهة الثانیة و هى الجهة الأخلاقیّة أهمّ من الاُولی..
28   اختصاص التصدّى لهذا المقام بخلفاء الله و أصفیائه
30   تصنیف المصنّف العلاّمة رضوان الله علیه سِفراً قیّماً فى مسألة ولایة الفقیه.
32   الأمور اللازم علي أئمة الجمعة.
33   المطالب الّتى یجب أن تکون الخطبة مشتملة علیها
36   الاُمور الّتى تجب علی خطباء الجمعة
39   إنّ الأصل فى صلاة الجمعة الوجوب العینى التعیینى..
41   الفصل الأوّل: فى الرّوایات الواردة فى صلاة الجمعة
45   الروایات الواردة فى صلاة الجمعة
57   الفصل الثّانى: أقوال الأصحاب حول مسألة صلاة الجمعة
60   إنّ ترک صلاة الجمعة مساوق لذهاب روح الإسلام و حقیقته
61   اختلاف العلماء فی هذه المسألة إلی أربعة أقوال
63   الفصل الثالث: فى أدلّة القول المختار
65   فى أدلّة القول المختار
67   الدّليل الأوّل من أدلّة القول المختار: الکتاب الشريف..
68   الإشکالات الواردة من جانب القائلين بعدم الوجوب و الجواب عنها
73   اختلاف الأصحاب فى قضيّة القيام بإيجاد الحکومة الإسلاميّة (ت)
76   الإشکالات الواردة من جانب القائلين بعدم الوجوب و الجواب عنها
83   کان رسول الله صلّي الله عليه و آله و سلّم كالمرآة‌ بالنسبة‌ إلي تلؤلؤ أنوار الشّمس (ت)
84   فكلٌّ محلٌّ لتنزيل القرآن و تلقّيه (ت)
85   وجه فساد ما ذهب إلیه المحقِّق السبزوارى..
86   وجه فساد ما ذهب إلیه صاحب الحدائق (ره)
88   الدّليل الثّانى علي القول المختار: صحيحة زرارة
90   الدّليل الثالث علي القول المختار: موثّقة ابن بکير
92   الدّليل الرابع علي القول المختار: سائر الإطلاقات الواردة فى المقام
97   تقیید هذه الإطلاقات بصورة إقامة الإمام أو المنصوب من قبله مستهجن
101   الإشکالات الواردة من جانب المخالفين علي الأخذ بالإطلاق و جوابها
  المانع الأساسى فى ذهاب المشهور إلی عدم وجوبها التعيينى..
105   الجواب عن الإجماع المحصَّل المدّعَي..
106   وجود المخالفين من القدماء و المتأخِّرين ناقضٌ لإجماع المحصَّل و المنقول فى المقام
115   الجواب عن الإجماع المنقول المدّعي..
117   لا قيمة للإجماع بمقدار فَلسٍ فى المقام
119   >>الثالث من أدلّة القائلين بالوجوب التعيينى: الإجماع
123   الأضبط تفريق الرّوايات و تقسيمها إلي وجوه قبل النظر فى المسألة (ت)
125   الفصل الرّابع: فى الأدلة المشتركة بين القائلين بعدم وجوب صلوة الجمعة تعیینا
127   الدّليل الأوّل المشترک بينهم: الأصل
132   الدّليل الثّانى المشترک بينهم: الإجماع
132   الدّليل الثالث المشترک بينهم: السيرة
137   الدّليل الرابع المشترک بينهم: الروايات
142   استدلال القائلین بالحرمة بطوائف من الرّوایات
142   الطائفة الاُولی من الرّوايات و الجواب عنها
144   الطائفة الثّانیة من الرّوايات و الجواب عنها
146   الطائفة الثّالثة من الرّوايات و الجواب عنها
148   إنّ صاحب الدعائم من أجلاّء الإماميّة
151   کتاب الجعفریّات من الکتب المعتبرة المعوّل علیها عند الأصحاب
152   إنّ صاحب الجواهر ليس من الماهرين المتبحّرين فى فنّ الرجال
153   الإشکال فى سند الصحیفة السجّادیّة إنّما ناشئ من عدم الخبرویّة بالکتب و الرّواة
155   إنّ «الصحيفة» ممّا لا ريب فيه و لا يبعد دعوي تواترها
  الطائفة الرّابعة من الرّوايات و الجواب عنها
157   الاحتمالات الأربعة فى موثّقة ابن بکیر
160   الطائفة الخامسة من الرّوايات و الجواب عنها
161   دلیل من ذهب إلی عدم حرمة صلاة الجمعة و إجزائها عن الظهر
162   لیست الصلاة محصورة علی المسائل السیاسیّة فحسب (ت)
162   معني عدم افتراق المسائل الشّرعيّة عن السّياسيّة فى الإسلام (ت)
164   هل الاجتماع مظنّة النّزاع و مثار الفتن؟
165   الفصل الخامس: فى أدلّة القائلین بالوجوب التخییرى
165   في ادلة القائلين بالوجوب التخييري
167   الدّليل الأوّل للقائلين بالوجوب التخييرى الإطلاقات الواردة و الجواب عنها
168   الدّلیل الثّانى للقائلین بالوجوب التخییرى روایة زرارة و الجواب عنها
170   کیفیّة التقیّة فى زمن الصادقَین علیهما السّلام
172   المحصّل من جميع ما ورد فى الباب (ت)
175   خاتمة: فى شرائط الجمعة
  من الشرائط: أن لا يكون هناك جمعة اُخری..
180   حکم انعقاد الجمعَتين المقارنتَین بأقلّ من ثلاثة أمیال
184   صور المسألة فى ما اتّفق تقارن الجمعَتين بأقلّ من ثلاثة أميال
187   فيمن تجب عليه الجمعة
188   کیفیّة الجمع بین الرّوایات الموجودة
190   هل العَرَج أيضاً عذرٌ مانع أم لا؟
190   قال أبوعبد الله عليه السّلام: لا بأس بأن تدع الجمعة فى المطر
192   هل توجد الملازمة بین وجوب الجمعة و بین الإتمام
193   النکتة الأساسيّة لبناء هذه الرسالة (ت)

کلیه حقوق در انحصارپرتال متقین میباشد. استفاده از مطالب با ذکر منبع بلامانع است

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی