_______________________________________________________________
هو العليم
معاناة و محن سيّد الشهداء و علي الأكبر يوم عاشوراء
_______________________________________________________________
أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين
نرى من الضروريّ هنا أن نذكّر أنّ بعض السفهاء يظنّون أنّ وقائع عاشوراء كانت هيّنةً عاديّة علی سيّد الشهداء عليه السلام. وأنّ المعاناة والمشقّة والعطش والجرح والقتل والأسر كلّها أُمور سهلة يسيرة، إذ إنّ الإمام عليه السلام ذا الروح الملكوتيّة لا يؤثّر عليه العطش والجوع والجرح والشمس والسيف البتّار. فهو يواجه هذه الأشياء كلّها بوجوده النورانيّ والتجرّديّ وكأنّها حلوى لذيذة الطعم. ثمّ يتعجّبون من عليّ الأكبر كيف قال لأبيه: العطش قتلني، وثقل الحديد أجهدني؟! ويجيبون أنّ أباه روّاه بوضع لسانه أو خاتمه في فيه. والمراد من ثقل الحديد ليس ثقل الدرع، بل هو كناية عن عظمة الجيش المتدرّع بالحديد الحامل للسيوف إذ يحول دون حملته. [1] وهذا فهم غير سديد. فقد كان سيّد الشهداء عليه السلام بشراً له جسم طبيعيّ. وكان يُدرك العطش جيّداً، ويشعر بالجرح جيّداً، ويحسّ بعويل النساء وصيحات الأطفال: العطش العطش. بل كان أكثر منّا في ذلك بكثير لأنّه كان إنساناً كاملاً. ويستلزم الكمال في الإنسانيّة ظهور المحبّة والمودّة للمخلوقات الإلهيّة، وإدراك اللوازم البدنيّة والطبيعيّة التي تعدّ شرطاً لمقام جمع الجمع بنحو أعمق في نفسه. أجل، إنّ عشقه للّه، وتفانيه في القرآن والسنّة النبويّة، ومنهاج الولاية العلويّة، وبصيرته وعمق وعيه لانحراف التأريخ والتفسير والحديث وغصب الحكّام الغرباء عن الدين ومعارفه، الذين وصل بهم الدور إلی يزيد الفاسق الفاجر، كلّ ذلك قد ضيّق عليه الدنيا فلم يجد دواءً مفيداً لتنبيه الناس إلاّ الشهادة والجراح والأسر. ولذا سنّ هذا المنهاج بعشق، وتحرّك للقضاء علی الحكومة الأمويّة المتفرعنة، تلك الحركة التي لا تتوقّف ولا رجعة فيها، وإن كانت واقعة الطفّ قد حدثت في منتصف الطريق فَسَلاَمٌ عَلَيهِ ثُمَّ سَلاَمٌ عَلَيهِ ثُمَّ سَلاَمٌ عَلَيهِ. وَاللَّعْنُ عَلَی عَدُوِّهِ، ثُمَّ اللَّعْنُ عَلَی عَدُوِّهِ، ثُمَّ اللَّعْنُ عَلَی عَدُوِّهِ. أَرأيتم كيف أثّر عليه استشهاد فِلْذَتَي كَبدهِ: عليّ الأكبر وطفله الرضيع، فسوّد الدنيا في عينيه؟ بَيدَ أ نّه تلقّي ذلك بعشق لأنّه كان لِلَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَهِ وَإلی اللَهِ.
استشهاد الطفل الرضيع يوم الطفّ
الطفل الرضيع أُمّه الرباب[2] ابنة امرئ القيس بن عديّ، وأُمّها هند الهنود. قال السيّد ابن طاووس رحمه الله: ولمّا رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبّته، عزم علی لقاء القوم بمهجته ونادى: هَلْ مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ؟! هَلْ مِنْ مُوَحِّدٍ يَخَافُ اللَهُ فِينَا؟! هَلْ مِنْ مُغِيثٍ يَرْجُو اللَهَ بِإغاثَتِنَا؟! هَلْ مِنْ مُعينٍ يَرْجُو مَا عِنْدَ اللَهِ فِي إعانَتِنَا؟! فارتفعت أصوات النساء بالعويل. فتقدّم إلی باب الخيمة وقال لزينب: نَاوِلِينِي وَلَدِيَ الصَّغِيرَ حَتَّى أُوَدِّعَهُ. فَأَخَذَهُ وَأَوْمَأَ إلَيهِ لِيُقَبِّلَهُ، فَرَمَاهُ حَرْمَلَةُ بْنُ كَاهِلِ الأسَدِيِّ لَعَنَهُ اللَهُ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ فَذَبَحَهُ.
در كــمان بنهـــاد تيري حــــرمـــله او فتــاد انــدر مــلايك غـــلغله رســت چون تير از كمان شــوم او پر زنان بنشست بر حلقوم او چـــون دريد آن حلق، تير جانگداز سر ز باروي يــد الله كرد بـــاز تـــــا كــمان زه خورده چرخ پيــــر را كس نديده دو نشان يك تير را شه كشيد آن تير و گفت اي داورم داوري خـــواه از گـــروه كــافرم نيـــــسـت ايــــن نو بــاوة پيغمبرت از فصيل ناقهاي كـم در برت[3]
وما أجمل قول الشاعر وهو يصوّر هذا المنظر!
وَمُنْعَطِفٍ أَهْوَي لِتَقْبيلِ طِفْلِهِ فَقَبَّلَ مِنْهُ قَبْلَهُ السَّهْمُ مَنْحَرا
فقال عليه السلام لزينب: خُذِيهِ، ثُمَّ تَلَقَّي الدَّمَ بِكَفَّيْهِ فَلَمَّا امْتَلاَتَا رَمَي بِالدَّمِ نَحْوَ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: هَوَّنَ عَلَی مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللَهِ! وفي "الاحتجاج" : أ نّه لمّا بقي فرداً ليس معه أحد إلاّ ابنه علیّ بن الحسين، وابنٌ آخر في الرضاع اسمه عبد الله، أخذ الطفل ليودّعه، فإذا بسهم قد أقبل حتّى وقع في لبّة الصبيّ فقتله. فنزل عن فرسه وحفر للصبيّ بجفن سيفه ورمّله بدمه ودفنه.[4] هذا الطفل الرضيع الذبيح وسكينة من أُمّ واحدة، وهي الرباب ابنة امرئ القيس، المارّ ذكرها. وكان سيّد الشهداء عليه السلام شديد الحبّ لسكينة والرباب، وهما أيضاً كانتا تحبّانه إلی درجة أنّ ابن الأثير ذكر في أحوال الرباب زوجة الحسين عليه السلام أنّها بقيت بعده سنة لميظلّها سقف بيت حتّى بليت وماتت كَمَداً. وقيل: إنّها أقامت علی قبره سنةً وعادت إلی المدينة فماتت أسفاً عليه. أمّا حبّ الحسين عليه السلام لسكينة فقد بلغ مبلغاً أنّه خاطبها بقوله: لا تحرقي قلبي بدمعك حسرةً! لاحظوا مدى مقام مودّته في عالم الكثرات علی أساس محبّة عالم الوحدة كم كان رفيعاً عالياً صحيحاً، إذ إنّ قطرات من دموع ابنته العزيزة تحرق قلبه حسرةً. هذه كلّها نكات وحِكَم. ذكر المرحوم المحدِّث القمّيّ والمرحوم آية الله الشعرانيّ أ نّه رُوي في بعض المقاتل أنّ الحسين عليه السلام لمّا نظر إلی اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعي التفت إلی الخيمة ونادى: يَا سُكَيْنَةُ! يَا فَاطِمَةُ! يَا زَيْنَبُ! يَا أُمَّ كُلْثُومَ! عَلَيكُنَّ مِنِّي السَّلاَمُ[5] ! فنادته سكينةُ: يَا أَبَه! أَستَسْلَمْتَ لِلمَوْتِ؟! فَقَالَ: كَيْفَ لاَ يَسْتَسْلِمُ لِلمَوْتِ مَن لاَ نَاصِرَ لَهُ وَلاَ مُعِينَ؟! ... فَأَقْبَلَتْ سُكَيْنَةُ وَهِيَ صَارِخَةٌ وَكَانَ يُحِبُّهَا حُبَّاً شَدِيداً . فَضَمَّها إلی صدره ومسح دموعها وقال:
سَيَطُولُ بَعْدِي يَا سُكَيْنَةُ فَاعْلَمِي مِنْكِ البُكَاءُ إذَا الحِمَامُ دَهَانِي لاَ تُحْــرِقِي قَلْبِي بِدَمْعِكِ حَســْرَةً مَادَامَ مِنِّي الرُّوحُ فِي جُثْمَانِي فَإذَا قُتِلْــتُ فَأَنْــــتِ أَوْلَي بِالَّــــذِي تَبْكِينَهُ يَا خَيْـــرة النِّسْــــوَانِ[6]
أجل، لم أجد في المقاتل أنّ اسم الطفل الرضيع، الذي استُشهد وأُمّه الرباب، عليّ أو عليّ الأصغر. وذكر البعض أنّ اسمه عبد الله. بَيدَ أنّ الثابت عندي هو أنّ هذا الطفل اختار الشهادة بإرادته واختياره ولبّى نداء أبيه. وهذا سرّ من أسرار عالم الخلقة، إذ يمتلك الأطفال إدراكاً واختياراً وقوّة معنويّة للجذب والتنفير. فلهذا ضحّى هذا الطفل الرضيع بنفسه علی منهاج أبيه. وَالسَّلاَمُ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ صَارَ عَطْشَاناً وَيَوْمَ ذُبِحَ فِي يَدَيْ أَبِيهِ قَبْلَ أَنْ يُقَبِّلَهُ وَيُوَدِّعَهُ.
فضائل عليّ الأكبر عليه السلام واستشهاده
وَأَمَّا استشهاد عليّ الأكبر روح سيّد الشهداء عليهما السلام، فالثابت أنّه كان أكبر ولد الإمام عليه السلام، وكان له من العمر خمس وعشرون سنةً وله زوجة وولد. [7] وكان أشبه الناس بجدّه الرسول الأكرم صلّيالله عليه وآله وسلّم خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً. في « إرشاد » المفيد: أُمّه ليلي ابنة أبي مُرَّة بن عُروة بن مسعود الثقفيّ من بني ثقيف. جدّه عروة بن مسعود هو أحد السادة الأربعة فيالإسلام، وأحد رجلين عظيمين في قوله تعالی حكاية عن كفّار قريش: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَـذَا الْقُرْءَانُ عَلَی' رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}. [8] وهو الذي أرسلته قريش إلی النبيّ صلّي الله عليه وآله يوم الحديبيّة فعقد معه الصُّلح وهو كافر. ثمّ أسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفي من الطائف، واستأذن النبيّ صلّي الله عليه وآله في الرجوع لأهله. فرجع ودعا قومه إلیالإسلام. فرماه واحد منهم بسهمٍ وهو يؤذّن للصلاة فمات. فقال رسول الله صلّي الله عليه وآله لمّا بلغه ذلك: مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه إلی الله فقتلوه. ( كذا في « شرح الشمائل المحمّديّة » في شرح قوله صلّي الله عليه وآله: ورأيتُ عيسي ابن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيتُ به شبهاً بعروةبن مسعود ) . روي الجَزَريّ في « أُسد الغابة » عن ابن عبّاس أنّه قال: قال رسولالله صلّيالله عليه وآله: أربعة سـادة فيالإسلام: بِشـر بن هلال العبـديّ، وعديّ بن حاتم الطـائيّ، وسُـراقة بن مالـك المُدلَجيّ، وعُروة بن مسـعود الثقفيّ. وقال في « الملهوف »: مِنْ أصْبَحِ النَّاسِ وَجْهاً وَأَحْسَنِهِمْ خُلْقاً، فَاسْتَأْذَنَ أَبَاهُ فِي القِتَالِ، فَأَذِنَ لَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إلَيهِ نَظَرَ آيِسٍ مِنْهُ وَأَرْخَي عَلَيهِ السَّلاَمُ عَيْنَهُ وَبَكَي. وروى محمّد بن أبي طالب في مقتله: إنَّهُ عَلَيهِ السَّلاَمُ رَفَعَ شَيْبَتَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ عَلَی هَؤلاَءِ القَوْمِ فَقَدْ بَرَزَ إلَيهِمْ غُلاَمٌ أَشْبَهُ النَّاسِ خَلْقاً وَخُلْقاً وَمَنْطِقاً بِرَسُولِكَ. كُنَّا إذَا اشْتَقْنَا إلَی نَبِيِّكَ نَظَرْنَا إلَی وَجْهِهِ. اللَهُمَّ امْنَعْهُمْ بَرَكَاتِ الأرْضِ، وَفَرِّقْهُمْ تَفْرِيقاً، وَمَزِّقْهُمْ تَمْزِيقاً، وَاجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَداً، وَلاَ تُرْضِ الوُلاَةَ عَنْهُمْ أَبَداً! فَإنَّهُمْ دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا ثُمَّ عَدَوْا عَلَينَا يُقَاتِلُونَنَا. ثمّ صاح بعمر بن سعد: مَالَكَ؟ قَطَعَ اللَهُ رَحِمَكَ،[9] وَلاَ بَارَكَ اللَهُ لَكَ فِي أَمْرِكَ، وَسَلَّطَ عَلَيكَ مَنْ يَذْبَحُكَ بَعْدِي عَلَی فِرَاشِكَ كَمَا قَطَعْتَ رَحِمِي وَلَمْ تَحْفَظْ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ. ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ وَتَلاَ: { إِنَّ اللَهَ اصْطَفَي'´ ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إبْرَ'هِيمَ وَءَالَ عِمْرَ'نَ عَلَی الْعَـ'لَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَهُ سَمِيعٌ عليمٌ}. [10] وعن « أمالی » الصدوق، و « روضة الواعظين » لابن فتّال: وبرز من بعده ( أي: بعد عبد الله بن مسلم بن عقيل ) عليُ بن الحسين عليه السلام. فلمّا برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال: اللَهُمَّ كُنْ أَنْتَ الشَّهِيدَ عَلَيهِمْ فَقَد بَرَزَ إلَيهِمْ ابْنُ رَسُولِكَ وَأَشْبَهُ النَّاسِ وَجْهاً وَسَمْتاً بِهِ! وقال محمّد بن أبي طالب: رفع الحسين عليه السلام سبّابته نحو السماء (وفي نسخة: قبض علی لحيته ) كما قال الشاعر:
شـــه عشـــّاق، خــــلاّق محاسن به كف بگرفـــت آن نيــــكو محــــاسن بــــه آه و ناله گفــــت: أي داور من ســـوي ميدان كيـــن شــــد أكبر من به خَلق و خُلق آن رفتــــار و كردار بُد اين نورسته همچون شاه مختار[11]
وأخذ عليّ الأكبر عليه السلام يرتجز ويقول:
أَنَا عليّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ علي نَحْنُ وَبَيْتِ اللَهِ أَوْلَى بِالنَّبِي مِنْ شَبَثٍ وَشَمِرٍ[12]ذَاكَ الدَّنِي أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَنْثَنِي ضـــَرْبَ غُـــلاَمٍ هَاشِميٍّ عَلَوِي وَلاَ أَزَالُ اليوْمَ أَحْمِي عَنْ أَبِي تَاللَهِ لاَ يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي
وشدّ علی الناس مراراً ـ وقال في « روضة الصفا »: ـ اثنتي عشرة مرّةـ وقتل منهم جمعاً كثيراً حتّى ضجّ الناس من كثرة مَن قُتِلَ منهم. وروي أ نّه قتل علی عطشه مائة وعشرين رجلاً. وفي « المناقب »: أ نّه قتل سبعين مبارزاً. ثمّ رجع إلی أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال: يَا أَبَة! العَطَشُ قَدْ قَتَلَنِي وَثِقْلُ الحَدِيدِ أَجْهَدَنِي، فَهَلْ إلَی شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ سَبِيل أَتَقَوَّى بِهَا عَلَی الأعْدَاءِ؟[13] فَبَكَي الحُسَيْنُ عَلَيهِ السَّلاَمُ وَقَالَ: وَاغَوْثَاهُ! يَا بُنَيَّ قَاتِلْ قَلِيلاً! فَمَا أَسْرَعَ مَا تَلْقَي جَدَّكَ مُحَمَّداً صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ فَيَسْقِيكَ بِكَأْسِهِ الأوْفَى شَرْبَةً لاَ تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَداً! [14] فرجع إلی القتال وهو يقول:
الحَرْبُ قَدْ بَانَــتْ لَهَا الحَقَائِقُ وَ ظَهَرَتْ مِنْ بَعْدِهَا مَصَادِقُ وَاللـــَهِ رَبِّ العـــَرْشِ لاَ نُفَارِقُ جُمُوعَكُمْ أَوْ تُغْمَدَ البَــوَارِقُ
فلم يزل يقاتل حتّى قتل إتمام المائتين، وكان أهل الكوفة يتّقون قتله. فبصر به مُرّة بن مُنقِذ بن النُّعمان العَبْديّ الليْثيّ فقال: عليّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه! فمرّ يشدّ علی الناس بسيفه فاعترضه مُرّة بن منقذ فطعنه فصُرع. في « الإرشاد »، و « تاريخ الطبريّ »: اعترضه مُرّة، وطعنه، فصرعه. واحتواه الناس فَقَطَّعُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ إرباً إرباً. وقال أبو الفرج: وجعل يكرّ كرّة بعد كرّة حتّى رُميَ بسهمٍ فوقع في حلقه فخرقه. وأقبل ينقلب في دمه، ثمّ نادي: يَا أَبَتَاهُ عَلَیكَ السَّلاَمُ! هذا جدّي رسول الله صلّي الله عليه وآله يقرئك السلام ويقول: عَجّل القدومَ إلينا. وَشَهِقَ شَهْقَةً فَارَقَ الدُّنْيَا. وفي بعض المقاتل: ثمّ ضربه منقذ بن مُرّة العبديّ لعنه الله علی مفرق رأسه ضربةً صرعته وضربه الناس بأسيافهم. ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلی عسكر الأعداء فَقَطَّعُوهُ بِسِيُوفِهِمْ إرْباً إرْباً. فَلَمَّا بَلَغَتِ الرُّوحُ التَرَاقِي قَالَ رَافِعاً صَوْتَهُ: يَا أَبَتَاهُ! هَذَا جَدِّي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ قَدْ سَـقَانِي بِكَأْسِـهِ الأوْفَى شَرْبَةً لاَ أَظْـمَأُ بَعْـدَهَا أَبَـداً وَهُوَ يَقُـولُ: العَجَلَ! فَإنَّ لَكَ كَأْسَـاً مَذْخُـورَةً حَتَّى تَشْـرَبَهَا السَّاعَةَ!
سوي لشكر گه دشمن شدي تفت نـــدانم كه كـــرا برد و كــــجا رفــــت هـــمي دانـــم كه جسم جان جانان مقطَّع گشـــت چـــون آيات قــــرآن چو رفت از دست شاه عشق دلبند دوان شد از پي گـــم گـشته فرزند صــف دشمن دريدي از چپ وراست نواي الحذر از نينوا خاســـــت[15] عُــــقابي ديــــد نـــاگه پر شكـــسته علی افتاده زين از هم گـــسسته ســري بي افســــر و فـــرقي دريـده به جانان بسته جان، از خود بريده فــــرود آمـــد ز زيـــن آن بــا جـــلالت چو پيــــغمـــبر ز مـــــعراج رســالت بگفـــت با آن چــكيده جان عشقش پس از تو خاك بر دنيا و عيشش[16]
قال حميد بن مسلم: سماع أُذني يومئذٍ من الحسين عليه السلام يقول: قَتَلَ اللَهُ قَوْماً قَتَلُوكَ يَا بُنَيَّ! مَا أَجْرَأَهُمو عَلَی الرَّحْمَنِ وَعَلَی انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرَّسُولِ. وَانْهَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ ثُمَّ قَالَ: عَلَی الدُّنْيَا بَعْدَكَ العَفَا! [17]
چو رفت از دست شاه عشق پيوند روان شد از پي گم گشته فرزند توانائي شدش از تن، ز سر هوش گرفت آن پيكر خونين در آغوش[18] چـــو آوردنــــد تـــمـــثـــال پــيمــبــــر برون از خيــــمه آمد دخت حيدر روان شد سوي نعـــش بـــرگـــــزيده بـــه دنبـــالـــش زنــــان داغديده چنان زد صيحه ليلاي[19]جگر خون كه عقل ما سِوي گرديد مجنون[20] * * * ســــر نهــادش بـــر ســر زانـــوي ناز گــــفت كــاي بإليده سرو سـرفراز اي درخــــشان اختــــر بـــرج شـــرف چون شدي سهم حوادث را هدف اي بــــه طــرف ديـده خالی جاي تو خيـــز تا بيـــنــم قد رعنـــاي تـــو[21] بيــش از ايـــن بابا دلم را خون مكن زادة ليـــلــي مرا مجـنـــون مـكـن اي نـگارين آهــــوي مشگــــين مــن بـا تو روشن چشم عالم بين من رفتـــي و بـــردي ز چــشــم باب تاب أكـــبرا بـي تــو جـهان بـادا خـراب تـــو ســــــفر كــــردي و آودي ز غـــم مـــن در ايـــن وادي گـــرفتـار الم[22] * * * يَـا كَــوْكـباً مَـا كَانَ أقْصَرَ عُمْرَهُ وَ كَذَا تَكُونُ كَـــوَاكِبُ الأسـْحَارِ عَجِلَ الخُسُوفُ إلَيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَغـــَشَاهُ قَبــْلَ مَظَنَّةِ الإبْـــدَارِ[23] إنَّ الكَوَاكِبَ فِــي مَحَلِّ عُلُوِّهَا لَتُرَي صِـــغَاراً وَهِـيَ غَيْرُ صِغَارِ أَبْــــكِيهِ ثُــمَّ أَقُـــولُ مُعْتَــذِراً لَهُ رَفَقـْتَ حِيـــنَ تَرَكْـــتَ أَلاْمَ دَارِ فَإذَا نَطَقْتُ فَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْطِقِي وَإذَا سَكَتُّ فَأَنْتَ فِي مِزْمَارِي[24]
قال المحدِّث القمّيّ نقلاً عن الطبريّ، وأبي الفرج، وابن طاووس، عن الشيخ المفيد رحمه الله: وَخَرَجَتْ زَيْنَبُ أُخْتُ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلاَمُ مُسْرِعَةٌ تُنَادِي: يَا أُخَيَّاهْ وَابْنَ أُخَيَّاهْ! وَجَاءَتْ حَتَّى أَكَبَّتْ عَلَيهِ. فَأَخَذَ الحُسَيْنُ عَلَيهِ السَّلاَمُ بِرَأْسِهَا فَرَدَّهَا إلَی الفُسْـطَاطِ وَأَمَـرَ فِتْـيَانَهُ فَقَالَ: احْمِلُوا أَخَاكُـمْ (وفـي ط و ح) فَحَمَلُوهُ مِنْ مَصْرَعِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَي الفُسْطَاطِ الَّذِي كَانُوا يُقَاتِلُونَ أَمَامَهُ. أنشد جدّ آية الله الشعرانيّ رحمهما الله في ذلك قائلاً:
چو آفتاب برآمد ز خيمه خورشيدي كه آفــتاب نــميديــد هيـــچگه رويــش ز داغ سرو قدي موكَنان ومويه كُنان بسان فاخته هر سو خروش كوكويش[25]
قال الطريحيّ: روي أ نّه لمّا قُتل عليُ بن الحسين عليه السلام في طفّ كربلاء، أقبل عليه الحسين عليه السلام وعليه جبّة دكناء وعمامة مورّدة وقد أرخي لها غرزتين، فقال مخاطباً له: أَمَّا أَنْـتَ يَا بُنَيَّ فَقَدِ اسْتَرَحْـتَ مِنْ كَرْبِ الدُّنْـيَا وَغَمِّهَا وَمَا أَسْـرَعَ اللُّحُوقَ بِكَ! وقال المرحوم المحدِّث القمّيّ رحمه الله بعد بحثٍ دار حول عليّ الأكبر عليه السلام في أنّه أوّل شهيد من أهل بيت سيّد الشهداء عليه السلام ذاكراً الدليل ممّا اختاره الطبريّ، والجزريّ، والإصفهانيّ، والدينوريّ، والشيخ المفيد، والسيّد ابن طاووس، وغيرهم: ويؤيّد ذلك الزيارة المشتملة علی أسامي الشهداء: السَّلاَمُ عَلَيكَ يَا أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ نَسْلٍ خَيْرِ سَلِيلٍ. [26] وقال أيضاً: واختلفوا أيضاً في سنّه الشريف اختلافاً عظيماً... فيكون هو الأكبر، وهذا هو الأصح والأشهر. قال فحل الفقهاء الشيخ الأجل محمّد بن إدريس الحلّيّ في « السرائر » في خاتمة كتاب الحجّ: فإذا كانت الزيارة لأبي عبد الله الحسين عليه السلام يزار ولده عليّ الأكبر، وأُمّه ليلي ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ، وهو أوّل قتيل في الوقعة يوم الطفّ من آل أبي طالب عليه السلام. وولد علیّبن الحسين هذا في إمارة عثمان. وقد روى عن جدّه عليّ ابن أبي طالب عليه السلام. وقد مدحه الشعراء. وروي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر أنّ هذه الأبيات قيلت في عليُ بن الحسين الأكبر المقتول بكربلاء قدّسالله روحه:
لَـــمْ تَــرَ عَــيْــنٌ نَـــظَرَتْ مِثــْلَهُ مِنْ مُحْتَفٍ يَمْشِي وَلاَ نَاعِــــــلِ يُغْـــِي بِنَــي[27]ِّ اللَّـحْمِ حَتَّى إذَا أُنْضــِجَ لَــمْ يَغــْلِ عَلَـــی الآكِــلِ كَــــانَ إذَا شـَبـــَّتْ لَـــهُ نَـــارُهُ يُــوقِـــــدُهَا بِالشــــَّرَفِ الكَـــامِلِ كَيْـــمَا يَـــرَاهَا بَـــائِـــسٌ مُـــرْمِــلٌ أَوْ فَـــرْدُ حَـــيٍّ لَيـــْسَ بِــالآهـِلِ أَعْنِي ابْنَ لَيْلَي ذَا السَّدَي وَالنَّدَي أَعْنِي ابْنَ بِنْتِ الحَسَبِ الفَاضِلِ لاَ يُـــؤْثِرُ الـــدُّنْيـــَا عَلـــَی دِينـــِهِ وَلاَ يَبِيــــعُ الحــــَقَّ بِالبَـــاطــــِلِ
عليّ الأكبر عليه السلام من منظار معاوية
إلی أن قال المحدِّث القمّيّ: ويؤيّد ذلك مضمون الأبيات الواردة في مدحه عليه السلام، وما رواه أبو الفرج عن المغيرة قال: قال معاوية: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأمْرِ؟ قَالُوا: أَنْتَ! قَالَ: لاَ! أَوْلَي النَّاسِ بِهَذَا الأمْرِ عليّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنُ عليّ عليهمُ السَّلاَمُ، جَدُّهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، وَفِيهِ شَجَاعَةُ بَنِي هَاشِمٍ، وَسَخَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَزَهْوَ ثَقِيفٍ. هذا الكلام، وتلك الأبيات المذكورة في علوّ الصفات، وقول معاوية الجدير بالثناء: إنّه أولي الناس بخلافة رسول الله، كلّ ذلك يدلّ علی أ نّه لميكن ابن ثماني عشرة سنةً، لأنّ صبيّاً مثله لا يقال فيه هذا الكلام. ذكر أبو جعفر الطبريّ في منتخب « ذيل المُذَيَّل » في تأريخ الصحابة والتابعين: أنّ أُمّ عليّ هي آمنة ابنة أبي مُرَّة بن عروة بن مسعود، وأُمّها ابنة أبي سفيان. وقال حسّان بن ثابت في مدح عليّ الأكبر:
طَافَتْ بِنَا شَمْسُ النَّهَارِ وَمَنْ رَأَى مِنَ النَّاسِ شَمْساً بِالعِشَاءِ تَطُوفُ؟ أَبُو أُمِّهـــــَا أَوْفَــي قُرَيْــشٍ بِذِمَّـــةٍ وَأَعْمــــَامُهـــَا إمَّـــا ســَأَلْتَ ثَقــِيـــفُ
ومنهم من ينسب هذين البيتين إلی عمر بن أبي ربيعة، ويروي « شمس العشاء » مكان « شمس النهار » . [28] وعلی هذا فمعاوية عليه الهاوية خال ليلي أُمّ عليّ الأكبر عليه السلام، ويزيد عليه اللعنة بما لا مزيد ابن خال ليلي، وابن خال أُمّ عليّ الأكبر عليه السلام. من هنا كان معاوية يراه أهلاً للخلافة لانتسابه الثلاثيّ. أمّا سخاء بني أُميّة الذي عدّه من فضائلهم فهو كذب محض. فالسخاء كلّه سخاء بني هاشم. والأموال التي كان يبذّرها معاوية من بيت مال المسلمين بلا حساب من أجل حكومته وإمارته الشيطانيّة، لا ينبغي أن نحسبها سخاءً. وجملة القول: استبان ممّا جاء في هذا البحث أنّ علي الأكبر عليه السلام لميكن ذلك القويّ الذي لا تؤثّر فيه ضربات الأسلحة من سيف ورمح وغيرهما. كما لم يكن مضطرّاً في تحرّكه واستشهاده، فيأخذ سيفه ويقتل به الكفّار تلقائيّاً. وهو نفسه قال: أَبَه! العطش قتلني وثقل الحديد أجهدني. ولم يكن عند أبيه ماء فيُعطيه. ولم يرد أن يعمل خلاف سنّة الجهاد، والقتل في سبيل الله، والتضحية في سبيل الدين، فيقوم بمعجزة أو كرامة، وإلاّ فإنّه كان قادراً علی ذلك بسهولة، وحينئذٍ لم تكن كربلاء بهذا الشكل الذي نعهده. عندما قال رسول الله للحسين عليهما الصلاة والسلام: وَإنَّ لَكَ فِي الجِنَانِ لَدَرَجَاتٍ لَنْ تَنَالَهَا إلاَّ بِالشَّهَادَةِ[29]! فهذا يعني أنّ عليك أن تذهب في سفرك خطوة خطوة بإرادتك واختيارك متحمّلاً المشاقّ والمصائب، وصابراً في سبيل الله، ومضحّياً بنفسك وبابنك عليّ الأكبر، بتلك الكيفيّة المعهودة، حتّى تبلغ مقصودك! وهذا السيّد الأمير الحرّ الذي هو مثال النبيّ يجب أن يكون رفيقك في هذا الطريق بنحوٍ يتحقّق فيه هُو الهُويَّة الحقيقيّة من نفسيكما الروحانيّتين لجميع أهل العالم، وتُروي جذور شجرةالإسلام التي يبست، وتنقرض حكومة بني أُميّة: معاوية ويزيد وبني مروان، ولا يبقي لهم أثر. ويتّضح لكافّة أهل هذا العالم وذلك العالم الملكوتيّ أنّ الحقّ غير الباطل. كان عليّ الأكبر أمل قلب أبيه. فرع من شجرة، ووشيجة من ساق. وهو كأبيه في أُسلوب تفكيره ومرامه ومقصده. وينطبق عليه ما قيل:كَأَنَّهُ هُوَ، بَلْ إنَّهُ هُوَ. لذا عاد إلی ميدان القتال، وقاتل بجسمه الجريح ولَبانه الذاوي وفمه الجافّ وكبده الحرّان في شدّة حرارة الصيف، إذ كان يوم عاشوراء الخامس والعشرين من السرطان علی أساس المحاسبة النجوميّة. أجل، قاتل قتالاً أدهش الصديق والعدوّ، وهو يقول: أَحْمِي عَنْ أَبِي . لهذا له في يوم القيامة مقام لا يناله الشهداء والصدِّيقون.
حوار عليّ الأكبر معالإمام الحسين عليهما السلام حول الشهادة
نقل المحدِّث القمّيّ عن كتاب « الإرشاد » للشيخ المفيد فقال: ولمّا كان في آخر الليل أمر الحسين عليه السلام بالاستقاء من الماء. ثمّ أمر بالرحيل، فارتحل من قصر بني مقاتل. فقال عقبة بن سمعان: سرنا معه ساعة، فخفق عليه السلام وهو علی ظهر فرسه خفقة، ثمّ انتبه وهو يقول: إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ . ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً. فأقبل إليه ابنه عليُ بن الحسين عليه السلام علی فرس فقال: لِمَ حَمِدتَ اللَهَ واسترجعتَ؟! فقال: يَا بُنَيَّ! إنِّي خَفَقْتُ خَفْقَةً فَعَنَّ ـ أَي: ظَهَرَ ـ لِي فَارِسٌ عَلَی فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: القَوْمُ يَسْيرُونَ وَالمَنَايَا تَسِيرُ إلَيهِمْ، فَعَلِمْتُ أَ نَّهَا أَنْفُسُنَا نُعِيَتْ إلَينَا! فقال له ابنه: يَا أَبَهَ! لاَ أَرَاكَ اللَهُ سُوءاً! أَلَسْنَا عَلَی الحَقِّ؟! قال: بَلَى وَالَّذِي إلَيهِ مَرْجِعُ العِبَادِ! قال: فَإنَّنَا إذاً لاَ نُبالي أَنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ! فقال له الحسين عليه السلام: جَزَاكَ اللَهُ مِنْ وَلَدٍ خَيْرَ مَا جَزَي وَلَداً عَنْ وَالِدِهِ! [30]
[ملاحظة: إن هذا المقال هو عبارة عن بحث منتخب من كتاب (معرفة الإمام – ج 15- ص272) لمؤلّفه سماحة العلامة آية الله الحاج السيّد محمد الحسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه، فننصح من أراد الازدياد الرجوع إلى الكتاب المذكور ]
[1] ـ ذكر المرحوم المحدِّث القمّيّ في «نفثة المصدور في تجديد أحزان يوم العاشور»، ص 25، قضيّة توجيه الحديد بالجيش.
[2] ـ «دمع السجوم» ص 186 .
[3] ـ يقول: «وضع حرملةُ السهم في القوس فأحدث ضجيجاً بين الملائكة.
عندما انطلق السهمُ من قوسه المشؤوم استقرّ في نحر الطفل مرفرفاً.
لمّا مزّق السهمُ الأليم نحره فإنّه انتهك يد الله (سلالة الإمامة الطاهرة).
منذ وتّرت السماء قوسها (نزل بلاؤها) لم ير أحد سهماً ضرب هدفين.
أخرج الإمام السهم وقال: اللهمّ احكم بيني وبين هؤلاء الكافرين.
هل هذا البرعم الغضّ من براعم نبيّك أهون علیك من فصيل ناقة ثمود؟».
[4] ـ «نفس المهموم» ص 216 و 217؛«دمع السجوم» ص 186 و 187 .
وروى المحدِّث القمّيّ في >نفس المهموم» ص 216 و 217، وآية الله الشعرانيّ في «دمع السجوم» ص 186 و 187، عن الشيخ المفيد في ذكر مقتل الطفل الرضيع: ثمّ جلس الحسين عليه السلام أمام الفسـطاط فأُتي بابنه عبد الله بن الحسـين، وهو طـفل، فأجلسـه في حجره. فرماه رجل من بني أسـد بسـهم فذبحه. قال أبو مخنف: قال عقبة بن بشـير الأسديّ: قال لي أبو جعفر محمّد بن عليُ بن الحسين علیهم السلام: إنّ لنا فيكم يا بني أسد دماً. قال: قلتُ: فما ذنبي أنا في ذلك رحمك الله يا أبا جعفر، وما ذلك؟! قال: أُتي الحسين عليه السلام بصبيٍّ له فهو في حجره إذ رماه أحدكم يا بني أسد بسهمٍ فذبحه. فتلقّي الحسين صلواتالله عليه دمه، فلمّا ملا كفّيه صبّه في الأرض، ثمّ قال: ربِّ إنّك حبستَ عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين. وحكي السبط في «التذكرة» عن هشامبن محمّد الكلبيّ قال: لمّا رآهم الحسين عليه السلام مصرّين علی قتله أخذ المصحف ونشره وجعله علی رأسه ونادي: بيني وبينكم كتاب الله وجدّي محمّد رسولالله! يا قوم بم تستحلّون دمي؟! فساق الكلام إلی أن قال: فالتفت الحسين عليه السلام فإذا بطفلٍ له يبكي عطشاً. فأخذه علی يده وقال: يا قوم إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل. فرماه رجل منهم بسهمٍ فذبحه، فجعل الحسين عليه السلام يبكي ويقول: اللهمّ احكم بيننا وبين قومٍ دعونا لينصرونا فقتلونا. فنودي من السماء: دعه يا حسين فإنّ له مرضعاً في الجنّة. ثمّ قال: ورماه حصين بن تميم بسهمٍ فوقع في شفتيه، فجعل الدم يسيل من شفتيه وهو يبكي ويقول: اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يُفعل بي وبإخوتي وولدي وأهلي. وقال ابن نما: ثمّ حمله فوضعه مع قتلي أهل بيته. وقال محمّد بن طلحة في «مطالب السئول» نقلاً عن صاحب كتاب «الفتوح» أ نّه عليه السلام كان له ولد صغير، فجاءه سهم فقتله فرمله وحفر له بسيفه وصلّي عليه ودفنه، وقال هذه الأبيات: * كَفَرَ القَوْمُ وَقِدْماً رَغَبُوا *
[5] ـ «نفثةالمصدور في تجديد أحزان يوم العاشور» ص 38 و 39، الطبعة الحجريّة. قال المرحوم المحدِّث القمّيّ هنا: وقُبض الحسن المثنّي بن الحسن وله خمس وثلاثون سنة. وضربت زوجته فاطمة ابنة الحسين عليه السلام علی قبره فسطاطاً، وكانت تصوم النهار وتقوم الليل إلی سنة. نقل ذلك الشيخ المفيد وكثير من علماء الشيعة والسُّنّة. وكان هذا شائعاً بين النساء المحترمات الحانيات.
[6] ـ «نفس المهموم» ص 214؛و«دمع السجوم» ص 184 . قال آية الله الشعرانيّ بعد هذه الابيات: أيّاً كان قائل هذه الابيات، الإمام عليه السلام أو شخص آخر أنشدها علی لسانه، فلها مصداق، إذ إنّ سكينة عمّرت طويلاً وكانت خيرة نساء عصرها . ولمتكن امرأة مثلها في كمال الشرف والادب والعظمة . وكانت دارها مجمعاً للاُدباء والشعراء، والجميع ينتظرون منها الإكرام والعطاء، ويقصدون زيارتها من مدن بعيدة.
[7] ـ «نفس المهموم» ص 192 و 193؛و«دمع السجوم» ص 164 و 165 . ومن الادلّة علی أنّ له زوجة وولداً رواية الشيخ الكلينيّ عن عليُ بن إبراهيم القمّيّ، عن أبيه، عن أحمدبن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ رضي الله عنه، عن الإمام الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة ويتزوّج أُمّ ولد أبيها. فقال: لا بأس بذلك. فقلتُ له: بلغنا عن أبيك أنّ عليُ بن الحسين علیهما السلام تزوّج ابنة الحسن بن عليُ وأُمّ ولد الحسن عليه السلام، وذلك أنّ رجلاً من أصحابنا سألني أن أسألك عنها. فقال عليه السلام: ليس هكذا، إنّما تزوّج علیّبن الحسين عليه السلام ابنة الحسن عليه السلام وأُمّ ولد لعليُ بن الحسين المقتول عندكم!
ورواه الحميريّ بسند صحيح مثله. وفي الزيارة الطويلة المرويّة عن الثمإلیّ، عن الصادق عليه السلام قال في زيارة عليُ بن الحسين المقتول بالطفّ: صَلَّي اللَهُ علیكَ وَعلی عِتْرَتِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ وَآبَائِكَ وَأَبْنَائِكَ!
[8] ـ الآية 31، من السورة 43: الزخرف.
[9] ـ قال آية الله الشعرانيّ في الهامش ( 2 ) من ص 160 من «دمع السجوم»: كان عمر بن سعد بن أبي وقّاص من قريش من بني زهرة بن كِلاب، والإمام عليه السلام من أولاد عبد مناف بن قصيّ بن كِلاب. فابن سعد كان من قرابة الإمام عليه السلام لكنّه لميرع حقّ القُربى، وقطع الرحم.
[10] ـ الآيتان 33 و 34، من السورة 3: آل عمران.
[11] ـ «نفس المهموم» ص 189؛و«دمع السجوم» ص 160 .
يقول: «أخذ ملك العاشقين وخلاّق المحاسن لحيته الشريفة بيده.
قال متأوّهاً متحسّراً: اللهمّ أنت تري قد بزر ولدي علی الاكبر إلی الميدان.
وهذا الفتي يشبه المصطفي المختار خَلقاً وخُلقاً وسمتاً».
[12] ـ علی وزن كَتِف للضرورة الشعريّة.
[13] ـ قال آية الله الشعرانيّ في الهامش الأول من ص 161، من «دمع السجوم»: نقل المؤلِّف (يعني المحدِّث القمّيّ) في «نفس المهموم» هامش ص 189، حديثاً عن «مدينة المعاجز» للسيّد البحرانيّ، عن أبي جعفر الطبريّ، عن عبيد الله بن الحرّ قال: شهدتُ الحسينبن عليُ عليهما السلام وقد اشتهى عليه ابنه عليُ الأكبر عنباً في غير أوانه. فضرب بيده إلی سارية المسجد فأخرج له عنباً وموزاً فقال: ما عند الله لأوليائه أكثر. وكلام المحدِّث القمّيّ لدفع التعجّب من طلب عليُ الأكبر ماءً وهو يعلم بعدم وجودهـ انتهي.
أقول: هذا الموضوع دليل واضح علی كلامنا وهو أنّ أولياء الله يصبرون ويتحمّلون الشدائد والعطش مختارين ابتغاء مرضاة الله مع إمكان الكرامة والمعجزة، فيصبح هذا سبباً في علوّ مقامهم.
[14] ـ وقال محمّد بن أبي طالب في مقتله: وقيل: إنّه عليه السلام قال: يَا بُنَيَّ هات لسانكَ فأخذ بلسانه فمصّه ودفع إلیه خاتمه وقال: أمسكه في فيك وارجع إلی قتال عدوّك فإنّي أرجو أنّك لا تُمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً . («نفس المهموم» ص 189؛و«دمع السجوم» ص 161 ).
[15] ـ يقول: «مضي إلی عسكر العدوّ مسرعاً ولا أدري مَن ذا الذي أخذه وأين ذهب. ا
لذي أعلمه أنّ بدن روح الأرواح قد تقطّع إرباً كآيات القرآن.
لمّا مضي نجل ملك العشق إلی الميدان تبعه أبوه مسرعاً خلفه.
كان يمزّق ميمنة العدوّ وميسرته فعلا النداء (الحذر) من نينوي».
[16] ـ يقول: «رأي الإمام الحسين جواد عليُ الأكبر مهيضاً وإذا عليُ مجدّل ووقع سرج فرسه.
رأس بلا تاج وفرق مشقوق . فاضت روحه إلی بارئها وقطع منه الامل.
نزل من سرجه بهيبة وجلالة كنزول النبيّ من معراج الرسالة.
خاطب عصارة روحه العاشقة فقال: علی الدنيا بعدك العفا».
[17] ـ «نفس المهموم» ص 189 و 191؛و«دمع السجوم» ص 161 إلی 163 .
[18] ـ يقول: «لمّا مضي نجل ملك العشق إلی الميدان تبعه أبوه مسرعاً خلفه.
فقد قدرته وأُغمي عليه ثمّ احتضن جثمانه الدامي».
[19] ـ لم أجد في أيٍّ من المقاتل حضور ليلي في كربلاء. وقال المحدِّث القمّيّ أيضاً في«نفس المهموم» ص 193: وأمّا أُمّه عليه السلام هل كانت في كربلاء أم لا؟ لم أظفر بشيءٍ من ذلك.
[20] ـ يقول: «لمّا أتوا بشبيه النبيّ خرجت ابنة حيدر من خيمتها. و
خرجت النساء المفجوعات خلف نعشه الطاهر.
وصاحت ليلي الثكلى صيحةً أدهشت بها العقول».
[21] ـ يقول: «وضعت رأسها علی ركبتها وقالت: أيّها الممشوق القامة.
أيّها الكوكب المتألّق في برج الشرف، كيف صرتَ هدفاً لسهم الحوادث؟
يا من أري مكانه خالياً في عيني، قم كي أري قدّك الممشوق».
[22] ـ يقول: «لا تجرح قلبي أكثر من هذا يا بنيّ، ولا تُدهش عقلي يا بن ليلي.
أيّها الظبي الجميل المعطّر، اعلم أنّ قرّة عيني بوجودك.
رحلتَ وأخذتَ منّي الصبر فالدنيا بغيرك خراب أيّها الأكبر.
سافرتَ فاسترحتَ من الغموم وتركتني حليف الآلام في هذه الدنيا».
[23] ـ الإبدار: طلع عليه البَدْرُ.
[24] ـ هذه القصيدة لعليُ بن محمّد بن الحسن بن عبد العزيز الكاتب التِّهاميّ الذي اتّخذ الشام وجبل عامل مسكناً له بعد تهامة. وهو من الإماميّة. وننقل فيما يأتي ترجمته اعتماداً علی كتاب «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» لآية الله السيّد حسن الصدر، ص 215 و 216 قال: قال الشيخ الحرّ في «أمل الآمل في علماء جبل عامل»: كان فاضلاً، عالماً، شاعراً، أديباً، منشـئاً، بليغاً. له ديـوان شعر حسـن. قال أبو الحسـن الباخـرزيّ في «دمية القصر» عند ذكره: هو أ نّه توّج هامة تهامة بالانتساب إلیها، وطرّز أكمّ الصناعة بالاشتمال علیها. فإنّ مقامه لميزل بالشام، حتّى انتقل من جوار بيتها الاجلّة الكرام، إلی جوار الله ذي الجلال والإكرام، وله شعر أدقّ من دين الفاسق، وأرقّ من دمع العاشق. وكانت له همّة في معالی الاُمور، فسوّل له خلافة الجمهور، وقصد مصر واستولي علی أموالها، وملك أزمّة عمّالها. ثمّ غدره بعض أصحابه، حتّى أ نّه صار سبباً للظفر به، وأُودع السجن حتّى مضي لسبيله.
قال المرحوم الصدر: وله مدائح حسنة في أهل البيت تدلّ علی حسن عقيدته. وذكره ابن خلّكان وأثني عليه. وذكر طرفاً من شعره، وقال: وله ديوان شعر أكثره نُخب. وقال ابن بسّام في «الذخيرة»: كان مشتهراً بالإحسان، ذرب اللسان، مخلي بينه وبين ضروب البيان. يدلّ شعره علی وري القدح دلالة برد النسيم علی الصُّبح، ويُعرب عن مكانة من العلوم إعراب الدمع بسرّ الهوي المكتوم. وذكره ضياء الدين في «نسمة السَّحَر في ذكر من تشيّع وشعر»، وأجاد في الثناء عليه في ترجمته، وذكر قصيدته في رثاء ولده الصغير، المشهورة، أوّلها:
حُكــْمُ المَنِــيَّةِ فِي البَــرِيَّةِ جَارِي
مــَا هـــَذِهِ الدُّنْــيَــا بِــدَارِ قَـــرَارِ
وَمُــكَلــِّفُ الايَّــمِ ضــِدَّ طـــِبَاعِــهَا
مُتَطَلـــِّبٌ فِــي المَــاءِ جَــذْوَةَ نَارِ
طــُبِعَتْ علــی كَــدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا
صَــفــْواً مـــِنَ الاَقــْذَارِ وَالاَكْــدَارِ
وَإذَا رَجَـــوْتَ المُـــسْتَــحِيلَ فَإنَّمَا
تَبْــنِي الرَّجــَاءَ علــی شَفِيرٍ هَارِ
إنِّـــي لاَرْحَـــمُ حَاسِدِيَّ لِحــَرِّ ما
ضَــمــِنَتْ صــُدُورُهُــمْ مِنَ الاَوْغَارِ
نَظـَرُوا صَـنِيعَ اللــَهِ بِــي فَعُيُونُهُمْ
فِي جَنـــَّةٍ وَقُـــلُوبُهــُمْ فِــي نَارِ
يَـــا كَوْكَبــــاً مَا كَانَ أَقْصَرَ عُمْرَهُ
وَكَـــذَاكَ عُمْرُ كَوَاكِــبِ الاَسْحَارِ
جــــَاوَرْتُ أَعْـــدَائِي وَجَـــاوَرَ رَبَّهُ
شَتـــَّانَ بَيــْنَ جِـــوَارِهِ وَجِـــوَارِي
وَتَلَـــهُّبُ الاَحْــشَاءِ شَيَّبَ مَفْرَقِي
هَذَا الشـــُّوَاظُ دُخـــَانُ تِلْكَ النَّارِ
آخر كلام السيّد حسن الصدر في «تأسيس الشيعة». وكما نقل فقد ذكر القاضي ابن خلّكان ترجمته مفصّلاً في تأريخه «وفيّات الأعيان وإنباء أبناء الزمان» وأورد نخباً من أشعاره البديعة والمليحة في ج 2، ص 53 إلی 55، طبعة بولاق، الطبعة الاُولى؛ وفي طبعة دار صادر بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس: ج 3، ص 378 إلی 381، رقم 471 .
[25] ـ يقول: «طلعت من الخيمة كطلوع الشمس وكانت لم تر الشمس وجهها.
ولحرّ المصيبة كانت تنتف شعرها وتُعول كالفاختة التي ترفع صوتها في كلّ مكان».
[26] ـ في «أقرب الموارد»: السليل: الولد.
[27] ـ الباء حرف جرّ، ونَيّ في الاصل نَيِّي وعلی وزن سيّد بمعني اللحم الذي لمينضج، وقد أُسقطت الهمزة للتخفيف.
[28] ـ مجموع المطالب المنقولة عن المحدِّث القمّيّ، منتخبات من «نفس المهموم» ص 191 إلی 193، ومن «دمع السجوم» ص 163 إلی 165 .
[29] ـ «نفس المهموم» ص 24، عن المجلسيّ في «بحار الانوار» عن محمّد بن أبي طالب الموسويّ ضمن بيان رؤياهُ رسولَ الله صلّي الله عليه وآله وسلّم.
[30] ـ «نفس المهموم» ص 122 و 123 .
|