_______________________________________________________________
الأعمال الواردة في يوم الغدير وثوابها العظيم
_______________________________________________________________
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم بسم اللـه الرحمن الرحيم وصلى اللـه على أشرف المرسلين محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين
عظمة يوم الغدير، و ثواب الصيام في ذلك العيد
روى الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» عن داود بن كثير الرِّقّي، عن أبي هارون: عمّار بن حَريز العبديّ أنّه قال: دخلت على أبي عبد اللـه عليه السلام في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة فوجدته صائماً، فقال لي: «هَذَا يَوْمٌ عَظيمٌ، عَظَّمَ اللـهُ حُرْمَتَهُ على المُؤْمِنِينَ وأكْمَلَ لَهُمْ فِيهِ الدِّينَ، وتمَّمَ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ، وجَدَّدَ لَهُمْ مَا أخَذَ عَلَيْهِمْ مِنَ العَهْدِ وَالمِيثَاقِ». فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟! قال: «إنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وفَرَحٍ وسُرُورٍ، ويَوْمُ صَوْمٍ شُكْراً للـهِ. و إنّ صومه يعدل ستّين شهراً من أشهر الحُرُم. و من صلّى فيه ركعتين أيّ وقت شاء، و أفضله قرب الزوال، و هي الساعة التي أقيم فيها أمير المؤمنين عليه السلام بغدير خُمّ عَلَماً للناس، و ذلك أنّهُم كانوا قربوا من المنزل في ذلك الوقت. فمن صلّى في ذلك الوقت ركعتين ثمّ سجد و قال: شُكْراً للـهِ مائة مرّة، و دعا بعقب الصلاة بالدعاء الذي سيأتي [1] و رفع رأسه من السجود، ثمّ سجد و حمد اللـه و شكره مائة مرّة، و هو ساجد، كان كمن حضر يوم الغدير وبايع رسول اللـه على ولاية أمير المؤمنين. و كانت درجته مع درجة الصادقين الذين صدقوا اللـه ورسوله في موالاة مولاهم ذلك اليوم، و كان كمن استشهد مع رسول اللـه صلّى اللـه عليه وآله، ومع أمير المؤمنين صلّى اللـه عليه، ومع الحسن والحسين عليهما السلام. و كان كمن يكون تحت راية القائم عليه السلام في فسطاطه من النجباء والنقباء». [2] و روى الشيخ الصدوق بسنده عن الحسن بن راشد، عن المفَضَّل بن عُمَر قال: قلتُ لأبي عبد اللـه عليه السلام: كم للمسلمين من عيد؟! قال: «أربعة أعياد». قال: قلتُ: قد عرفت العيدين (الفطر و الأضحى) والجمعة. فقال لي: «أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو اليوم الذي أقام فيه رسول اللـه صلّى اللـه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه للناس عَلَماً». قال: قلتُ: ما يجب علينا في ذلك اليوم؟ قال: «يجب عليكم صيامه شُكْراً للـهِ وحَمْداً لَهُ ومَع أنّه أهل أن يشكر كلّ ساعة». و كذلك أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصيّ و يتّخذونه عيداً. و من صامه، فهو أفضل من عمل ستّين سنة». [3]
رواية الحِميَريّ في عظمة عيد الغدير، و الصلاة الواردة فيه
و قال السيّد في «الإقبال» عن محمّد بن عليّ الطرازيّ في كتابه بإسناده إلى عبد اللـه بن جعفر الحميريّ، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن أبي الحسن الليثيّ، عن أبي عبد اللـه جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنّه قال لمن حضره من مواليه و شيعته: «أتعرفون يوماً شيّد اللـه به الإسلام، و أظهر به منار الدين، و جعله عيداً لنا و لموالينا و شيعتنا؟!» فقالوا: اللـه و رسوله و ابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟! قال: «لا». قالوا: أفيوم الأضحى؟! قال: «لا! وهذان يومان جليلان شريفان. ويوم أمناء الدين أشرف منهما. وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة. وإنّ رسول اللـه لما انصرف من حجّة الوداع، وصار بغدير خمّ، أمر اللـه عزّ و جلّ جبرائيل أن يهبط على النبيّ صلّى اللـه عليه وآله وقت قيام الظهر من ذلك اليوم. و أمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وأن ينصبه عَلَماً للناس بعده، وأن يستخلفه في أمّته. فهبط إليه جبرائيل و قال له: يا حبيبي! إنّ اللـه يقرئك السلام، و يقول لك: قم في هذا اليوم بولاية عليّ عليه السلام ليكون عَلَماً لأمّتك بعدك يرجعون إليه و يكون لهم كأنت. فقال النبيّ صلّى اللـه عليه و آله: يا حبيبي جبرئيل! إنِّي أخاف تغيّر أصحابي لما قد وتروه، و أن يبدوا ما يضمرون فيه! فعرج جبرائيل، و ما لبث أن هبط بأمر اللـه، فقال: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس}[4]! فقام النبيّ صلّى اللـه عليه وآله ذَعِراً مرعوباً خائفاً من شدّة الرمضاء، و قدماه تشويان، وأمر بأن ينظّف الموضع، ويُقَمَّ ما تحت الدوح من الشوك. ففعل ذلك. ثمّ نادى: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فاجتمع المسلمون، وفيهم أبوبكر، وعمر، وعثمان، وسائر المهاجرين والأنصار، ثمّ قام خطيباً، وذكر بعد الولاية، فألزمها المسلمين جميعاً، فأعلمهم أمر اللـه بذلك. فقال قوم ما قالوا، وتناجوا، بما أسرّوا.
الدعاء والصيام و زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في عيد الغدير
فإذا كان صبيحة يوم عيد الغدير، وجب الغسل في صدر نهاره، و أن يلبس المؤمن أنظف ثيابه و أفخرها، و يتطيّب، و يرفع يده بالدعاء و يقول: «اللـهُمَّ إنَّ هَذَا اليَوْمَ الذي شَرَّفْتَنَا فِيهِ بِوَلَايَةِ وَلِيِّكَ عَلِيّ صَلَواتُ اللـه عَلَيْهِ وجَعَلْتَهُ أمير المؤمنين وأمَرْتَنَا بِمُوالاتِهِ وطَاعَتِهِ وأنْ نَتَمَسَّكَ بِمَا يُقَرِّبُنَا إلَيْكَ ويُزْلِفُنَا لَدَيْكَ أمْرُهُ ونَهْيُهُ! اللـهُمَّ قَدْ قَبِلْنَا أمْرَكَ ونَهْيَكَ وأطَعْنَا لِنَبِيِّكَ وسَلَّمْنَا ورَضِينَا فَنَحْنُ مَوَالِى عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وأوْلِيَائِهِ كَمَا أمَرْتَ نُوَاليه، ونُعَادِي مَنْ يُعَادِيهِ، ونَبْرَا مِمَّنْ يَبْرَا مِنْهُ ونُبْغِضُ مَنْ أبْغَضَهُ، ونُحِبُّ مَنْ أحَبَّهُ، وعَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَوْلَانَا كَمَا قُلْتَ وإمَامُنَا بَعْدَ نَبِيِّنَا صلّى اللـه عَلَيْهِ وآلِهِ كَمَا أمَرْتَ». فإذا كان وقت الزوال، أخذتَ مجلسك بهدوء و سكون و وقار و هيبة و إخبات، و تقول: «الحَمْدُ للـهِ رَبِّ العَالَمِينَ كَمَا فَضَّلَنَا في دِينِهِ على مَنْ جَحَدَ وعَنَدَ وفي نَعِيمِ الدُّنْيَا على كَثِيرٍ مِمَّنْ عَمَدَ. و هَدَانَا بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صلّى اللـه عَلَيْهِ وآلِهِ وشَرَّفَنَا بِوَصِيِّهِ وخَلِيفَتِهِ في حَيَاتِهِ وبَعْدَ مَمَاتِهِ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ. اللـهُمَّ إنَّ محَمَّداً صلّى اللـه عَلَيْهِ وآلِهِ نَبِيُّنَا كَمَا أمَرْتَ وعَلِيَّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ مَوْلَانَا كَمَا أقَمْتَ، ونَحْنُ مَوَاليه وأوْلِيَاؤُهُ». ثمّ تقوم و تصلي شكراً للـه تعالى ركعتين و تقرأ في الأولى الحمد و القدر، و في الثانية الحمد و التوحيد، و تقنت، و تركع، و تتمّ الصلاة، و تسلم، و تخرّ ساجداً و تقول في سجودك: «اللـهُمَّ إنَّا إلَيْكَ نُوَجِّهُ وُجُوهَنَا في يَوْمِ عِيدِنَا الذي شَرَّفْتَنَا فِيهِ بِوَلَايَةِ مَوْلَانَا أمير المؤمنين عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ صلّى اللـه عَلَيْهِ؛ عَلَيْكَ نَتَوَكَّلُ، وبِكَ نَسْتَعِينُ في أمورنا. اللهُمَّ لَكَ سَجَدَتْ وُجوهُنَا، وأشْعَارُنَا، وأبْشَارُهَا، وجُلُودُنَا، وعُرُوقُنَا، وأعْظُمُنَا، وأعْصَابُنَا، ولُحُومُنَا، ودِمَاؤُنَا. اللهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، ولَكَ نَخْضَعُ، ولَكَ نَسْجُدُ على مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ ودِينِ محَمَّد، ووَلَايَةِ عَلِيّ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ، حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ، ومَا نَحْنُ مِنَ المُشْرِكِينَ ولَا مِنَ الجَاحِدِينَ. اللهُمَّ العَنِ الجَاحِدِينَ المُعَانِدِينَ المُخَالِفِينَ لأمْرِكَ وأمْرِ رَسُولِكَ صلّى اللـه عَلَيْهِ وآلِهِ. اللهُمَّ العَنِ المُبْغِضِينَ لَهُمْ لَعْنَاً كَثِيرَاً لَا يَنْقَطِعُ أوَّ لُهُ ولَا يَنْفَدُ آخِرُهُ. اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّد وآلِهِ، وثَبِّتْنَا على مُوَالاتِكَ، ومُوَالاةِ رَسُولِكَ وآلِ رَسُولِكَ ومُوَالاةِ أمير المؤمنين صَلَواتُ اللـهِ عَلَيْهِم. اللهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وأحْسِنْ مُنْقَلَبَنَا يَا سَيِّدِنَا ومَوْلَانَا». ثمّ كُلْ و اشرب، و أظهر السرور، و أطعم إخوانك، و أكثر برّهم! و اقض حوائج إخوانك إعظاماً ليومك! و خلافاً على من أظهر فيه الاغتمام و الحزن، ضَاعَفَ اللـه حُزْنَهُمْ وغَمَّهَمْ. و الحق بإخوانك، واسع في قضاء حوائجهم![5] و ذكر العلّامة الأميني بإسناد الكليني، عن الحسين بن الحسن الحسيني، عن محمّد بن موسى الهَمْداني، عن عليّ بن حسّان الواسِطيّ، عن عليّ بن الحسين العَبْديّ قال: سمعت أبا عبد اللـه عليه السلام يقول: «صِيَامُ يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ يَعْدِلُ عِنْدَ اللـهِ في كُلِّ عَامٍ مِائَةَ حِجَّةٍ ومائِة عُمْرَةٍ مَبْرُورَاتٍ مُتَقَبَّلَاتٍ، و هُوَ عِيدُ اللـهِ الأكْبَرُ الحديث».[6] و في «مختصر بصائر الدرجات» بإسناده عن محمّد بن العَلاء الهَمْداني الواسِطيّ، و يحيى بن جريح البغداديّ، قالا في حديث: قصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمّيّ، صاحب الإمام أبي محمّد العَسْكَريّ، المتوفى بمدينة قم سنة 260، و قرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا من داره صبيّة عراقيّة فسألناها عنه! فقالت: هو مشغول بعيده، فإنّه يوم عيد! فتعجّبنا و قلنا: سُبْحَانَ اللـهِ! أعياد الشيعة أربعة: الأضحى، و الفطر، و الغدير، و الجمعة الحديث.[7] و جاء عن كتاب «النَّشْر و الطيّ»، عن الرضا عليه السلام، في حديث طويل: يوم الغدير يوم التهنئة، و إذا لقي المؤمن أخاه يقول: «الحَمْدُ للـهِ الذي جَعَلَنَا مِنَ المُتَمَسِّكِينَ بِوِلَايَةِ أمير المؤمنين والأئِمَّة عَلَيْهِمُ السَّلَامُ». [8] و ورد في كتاب محمّد بن عليّ الطرازيّ، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث: إذا لقيت أخاك المؤمن، فقل: «الحَمْدُ للـهِ الذي أكْرَمَنَا بِهَذَا اليَوْمِ، وجَعَلَنَا مِنَ المُؤْمِنِينَ وجَعَلَنَا مِنَ المُوفِينَ بِعَهْدِهِ الذي عَهِدَهُ إلَيْنَا ومِيثَاقِهِ الذي وَاثَقَنَا بِهِ مِنْ وِلَايَةِ وُلَاةِ أمْرِهِ والقُوَّامِ بِقِسْطِهِ ولَمْ يَجْعَلْنَا مِنَ الجَاحِدِينَ والمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ».[9]
[الأدعية والزيارات الواردة في يوم الغدير]
ووردت في يوم الغدير أدعية مختصرة ومطوَّلة. ونقل المرحوم السيّد ابن طاووس أعلى اللـه تعالى درجته أدعية مطوّلة عن الإمام الصادق، وعن بعض الكتب القديمة، ورواية الشيخ المفيد. [10] و وردت في ذلك اليوم زيارة مخصوصة لمولى الموالى أمير المؤمنين عليه السلام يزار بها من قريب أو بعيد. وثمّة زيارة أُثرت عن الإمام الصادق عليه السلام نقلها ابن طاووس عن عدّة من مشايخ الشيعة، عن أبي عبد اللـه محمّد بن أحمد الصفواني في كتابه بإسناده إلى الإمام، قال: إذا كنت في يوم الغدير في مشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فادن من قبره بعد الصلاة و الدعاء! و إن كنت في بُعد، فأومِ إليه بعد الصلاة! و اقرأ هذا الدعاء، «اللهُمَّ صَلِّ على وَلِيِّكَ وأخِي نَبِيِّكَ ووَزِيرِهِ وحَبِيبِهِ وخَلِيلِهِ ومَوْضِعِ سِرِّهِ وخِيَرَتِهِ مِنْ أسرته ووَصِيِّهِ إلى آخره». [11] و من الزيارات، زيارة أمين اللـه المعروفة، ذكرها ابن طاووس في زيارة الغدير. قال السيّد: فصْلٌ فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا عليّ عليه السلام في يوم الغدير. اعلم أنّنا ذكرنا في كتاب «مِصْبَاحِ الزَّائرِ وجَنَاحَ المُسَافِر» عدّة روايات مطوّلات يضيق عن مثلها مثل هذا الميقات، لأنّ يوم الغدير يختصّ بيومه زيارات في كتاب المَسَرَّة من كتاب «المَزَار» لابن أبي قُرَّة. و هي زيارات يوم الغدير رويناها عن جماعة إلى ابن أبي قرّة: منها، قال ابن أبي قُرَّة: أخبرنا محمّد بن عبد اللـه، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا الحسن بن يوسف بن عميرة، عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجُعْفي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، قال: كان أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام قد اتّخذ منزله من بعد مقتل أبيه الحسين بن عليّ عليهما السلام بيتاً من شعر، و أقام بالبادية، فلبث بها عدّة سنين، كراهيةً لمخالطته الناس و ملابستهم. و كان دأبه أنّه يسير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائراً لأبيه وجدّه عليهما السلام، و لا يشعر بذلك أحداً. قال مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ: فخرج أبي سلام اللـه عليه متوجّهاً إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام، و أنا معه، و ليس معنا ذو روح إلّا الناقتين. فلما انتهى إلى النجف من بلاد الكوفة، و صار إلى مكانه منه، فبكى حتّى اخضلّت لحيته بدموعه، ثمّ قال: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمير المؤمنين! ورَحْمَةُ اللـهِ وبَرَكَاتُهُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمِينَ اللـهِ في أرْضِهِ وحُجَّتَهُ على عِبَادِهِ، إلى أن بلغ قوله: مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيَا بِحَمْدِكَ وثَنَائِكَ. ثمّ وضع خدّه على القبر، وقال: «اللهُمَّ إنَّ قُلُوبَ المُخْبِتِينَ إلَيْكَ وَالِهَةٌ، إلى أن قال: وغَايَةُ رَجَائِي، في مُنْقَلَبِي ومَثْوَايَ». قال جابر الجعفي: قال لي الباقر عليه السلام: «ما قال هذا الكلام، و لا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام، أو عند قبر أحد من الأئمّة عليهم السلام إلّا وقّع دعاؤه في دَرَج من نور، بطابع محمّد صلّياللـه عليه و آله، [و كان محفوظاً كذلك] حتّى يسلّم إلى قائم آل محمّد صلوات اللـه عليه، فيتلقى صاحبه بالبشرى و التحيّة و الكرامة، إن شاء اللـه». [12] قال جابر: حدّثت بهذا الحديث أبا عبد اللـه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، فقال: زد فيه: إذا ودّعت أحد الأئمّة، فقل: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أيُّهَا الإمَامُ ورَحْمَةُ اللـهِ وبَرَكَاتُهُ! أسْتَوْدِعُكَ اللـهَ وعَلَيْكَ السَّلَامُ ورَحْمَةُ اللـهِ! آمَنَّا بِالرَّسُولِ وبِمَا جِئتُمْ بِهِ وبِمَا دَعَوْتُمْ إلَيْهِ! اللهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ زِيَارَتِي وَلِيَّكَ، اللهُمَّ لَا تَحْرِمْني ثَوَابَ مَزَارِهِ الَّذِي أوْجَبْتَ لَهُ ويَسِّرْ لَنَا العَوْدَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللـه!» و قال السيّد ابن طاووس بعد نقل هذه الزيارة المعتبرة عن كتاب «المزار» لابن أبي قُرّة: أقول: وقد زار مولانا الصادق عليه السلام قبر أمير المؤمنين عليه السلام بنحو هذه الألفاظ من الزيارة، تركنا ذكرها خوف الإطالة. و روى جدّي أبو جعفر الطوسيّ [13] هذه الزيارة ليوم الغدير عن جابر الجُعفي، عن الإمام الباقر عليه السلام أنّ مولانا عليّ بن الحسين عليهما السلام زار أمير المؤمنين بهذه الزيارة في يوم الغدير، و في ألفاظها خلاف، و لم يذكر فيها وداع. [14] و من الأعمال في عيد الغدير: الصيام إذ مرّت في تضاعيف هذا البحث كثير من روايات الخاصّة والعامّة في فضيلة صوم هذا اليوم. و ذكر أ نّ ثوابه يعدل ثواب صيام ستّين شهراً، و ثمانين شهراً، و ستّين سنة، و ستّين شهراً في الأشهر الحرم. و ننقل فيما يأتي رواية عن ابن طاووس، عن كتاب محمّد بن عليّ الطرازيّ، عن أبي الحسن عبد القاهر بوّاب الإمام موسى بن جعفر، و أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد عليهما السلام، قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن حَسَّان الواسطيّ بواسط في سنة ثلاثمائة، قال: حدّثني عليّ بن الحسن بن عليّ العبديّ، قال: سمعت أبَا عبد اللـه جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ الصَّادِق عليه و على آبائه وأبنائه السلام يقول: «صَوْمُ يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ يَعْدِلُ صِيَامُ الدُّنْيَا لَوْ عَاشَ إنْسَانٌ عُمْرَ الدُّنْيَا ثمَّ لَوْ صَامَ مَا عُمِّرَتِ الدُّنْيَا لَكَانَ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ. وصِيَامُهُ يَعْدِلُ عِنْدَ اللـهِ عَزَّ وجَلَّ مِائَةَ حِجَّةٍ ومِائَةَ عُمْرَةٍ وهُوَ عِيدُ اللـهِ الأكْبَرُ. وَ مَا بَعَثَ اللـه عَزَّ وجَلَّ نَبِيَّاً إلَّا وتَعَيَّدَ في هَذَا اليَوْمِ، وعَرَفَ حُرْمَتَهُ. وَ اسْمُهُ في السَّمَاءِ يَوْمُ العَهْدِ المَعْهُودِ، وفي الأرْضِ يَوْمُ المِيثَاقِ المأخُوذِ والجَمْعِ المَشْهُودِ الحديث».[15]
[ثواب تفطير المؤمن في يوم عيد الغدير]
و من المَثُوبات و القُرُبات في يوم الغدير تفطير المؤمنين الذي تمّ التأكيد عليه في ذلك اليوم. و ذكر السيّد ابن طاووس رواية مفصلّة في فضيلة يوم الغدير عن كتاب «النَّشر و الطَّيّ»، يقول الإمام الرضا عليه السلام في فقرات منها: «ويَوْمُ تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ، فَمَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمَاً مُؤْمِنَاً كَانَ كَمَنْ أطْعَمَ فِئَامَاً [16] وفِئامَاً إلى أنْ عَدَّ عَشْرَاً، ثمَّ قَالَ: أوَ تَدْرِي مَا الفِئام؟! قَالَ: لَا! قَالَ: مِائَةُ أ لْفٍ، وهُوَ يَوْمُ التَّهْنِئَةِ يُهَنِّيءُ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً». [17]
[ما هو السرّ في كثرة الثواب على الأعمال الواردة في عيد الغدير؟]
و في ضوء ما ذكرنا في كتابنا «معرفة المعاد» [18]، أنّ ثواب العمل يرتكز على حقيقة العمل و باطنه، و على النيّة و درجة الخلوص و ارتباط العمل باللـه، و أنّه يرفع الحجاب، و يولّد التقرّب الحقيقيّ من اللـه، يستبين لنا كيف تترتّب هذه المثوبات العظيمة و الجزاءات الوافية على أعمال يوم الغدير، لأنّ العمل لا قيمة له ما لم ينبع من الإخلاص، و لم تَشُبْهُ شائبة الرياء و السمعة و سائر الأغراض، فحقيقة صحّة الأعمال منوطةٌ بعدم إنكار اللـه، و نبيّه، و الولاية، و إذا انتهجت النهج الإلهيّ في صراط القرب المستقيم، فإنّها تُقْبَل. و كلما تشرّب العمل بطعم المحبّة، و الخلوص، و الصفاء، و الوفاء، و الحقيقة، زادت قيمته. إن يوم الغدير الذي هو يوم تمييز الحقّ من الباطل، و يوم إعداد الصفوف من جنود اللـه قبالة تشكيل جنود الشيطان، هو يوم الامتحان و البلاء العظيم، و يوم افتراق الظاهر و الصورة عن الحقيقة و الواقع والمعنى و الباطن. إن يوم الغدير هو يوم محاربة الشيطان للـه، و يوم تجلي الولاية، و كلّ من كان في صفّ المؤمنين، و أقرّ بأمر رسول اللـه، و قبل الآيات النازلة في القرآن، و تقلّد ولاية عليّ طوعاً و رغبة بلا إكراه و إجبار، و فتح صدره و فرش قلبه للطاعة و التبعيّة، فإنّه يتبيّن عظم قدره و قيمته. و لذلك فإنّ يوم الغدير هو يوم الامتحان النهائيّ، و هو يوم النجاح و الرسوب. و الكلّ يعلمون أنّ جهود سنة، أو مرحلة، أو عمر، يبذلها الطالب تتجلّى يوم الامتحان. فكلّ ساعة من يوم الامتحان تعدل ساعات من غيره. و لو غاب طالب المدرسة في الأوقات العاديّة أسبوعاً أو أكثر، فإنّ غيابه يمكن تداركه و تلافيه، أمّا لو غاب ساعة من يوم الامتحان، فإنّ غيابه يساوي إهدار جميع أتعابه و مساعيه، و تحمّله المشاكل المختلفة طيلة سنة كاملة. و إذا احترم أحد يوم الغدير، فإنّه احترم كلام اللـه و رسوله و خليفته. فيوم الغدير يعادل عمر الدهر، و ساعة من ساعاته تعدل الأيّام و الشهور، و دقيقة من دقائقه و لحظة من لحظاته تساوي الأيّام الأخرى، و هَلُمَّ جَرَّا. و على هذا إذا صام امرؤ في يوم الغدير طائعاً راغباً، حبّاً لعليّ و الولاية، و استجابةً لنداء الحقّ، فإنّ كلّ لحظة من عطشه وجوعه مساوقة للأيّام و الشهور الأخرى. و لذا لا عجب، بل طبقاً للموازين العقليّة و النظريّة، أنّ الجزاء العظيم للعاملين في يوم عيد الغدير، إذا نتج عن قبول الولاية و ربطها بالأمام بلا شكّ، صحيح و ثابت. و هذه هي مدرسة الشيعة، و هذا هو الانفتاح و الحقيقة و ذروة المحبّة و المودّة و الإيثار و الحقيقة التي تتدفّق منها كالنافورة. أمّا مدرسة العامّة الخائبة المسكينة فهي جامدة جافّة جوفاء، إذ إنّ أتباعها عندما يصلون إلى رواية صحيحة مأثورة عن رسول اللـه على أنّ الصوم في يوم الغدير يعدل صوم ستّين شهراً، ينسون أنفسهم، و يقولون: كيف يمكن أن يكون صوم يوم واحد مستحبّ معادلًا لصوم ستّين شهراً؟[19]
[ملاحظة: انتخب هذا البحث من الجزء التاسع من كتاب «معرفة الإمام» ، تأليف المرحوم العلاّمة آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه، وقد تمّ توثيقه ومقارنته مع المصدر الفارسي من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق، و تجدر الإشارة إلى أنّ العبارات و الهوامش التي وقعت بين معقوفتين هي من الهيئة العلميّة]
[1] ـ الرواية إلى هنا مذكورة في «مصباح المتهجّد» ص 513.
[2] ـ هذه التتمّة في «الإقبال» ص 473 و 474.
[3] ـ «الخصال» ص 264، باب الأربعة، طبعة مطبعة الحيدريّ.
[4] ـ [صدر الآية 67 من سورة المائدة]
[5] ـ «الإقبال» ص 474 و 475.
[6] ـ «الغدير» ج 1، ص 286 و 287.
[7] ـ «الغدير» ج 1، ص 286 و 287.
[10] ـ «الإقبال» ص 476 إلى 493.
[11] ـ «الإقبال» ص 493 و 494.
[12] ـ روى الشيخ الطوسيّ هذه الزيارة إلى هنا في «مصباح المتهجّد» ص 514 و 515 مرسلةً عن جابر الجعفي.
[13] ـ علىّ بن طاووس من جهة الأب من أولاد طاووس، و طاووس من أولاد الإمام الحسن المجتبى، بهذه السلالة: عليّ بن موسى بن جعفر بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد الطاووسيّ بن إسحاق بن الحسن بن محمّد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الإمام المجتبى الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام. ( «الكنى و الألقاب» ج 3، ص 299؛ و «تنقيح المقال» ج 2، ص 311). و من جهة الامّ حفيد ابن إدريس، و ابن إدريس ابن حفيد الشيخ الطوسيّ. و أخوه لُامّه و أبيه السيّد أحمد بن طاووس ( «ريحانة الأدب» ج 8، ص 76).
[14] ـ «الإقبال» ص 470 و 471.
[15] ـ «الإقبال» ص 476؛ و «بحار الأنوار» ج 20، ص 314، طبعة الكمباني.
[16] ـ الفئام في اللغة الجماعة من الناس. و يقول الإمام هنا بخاصّة: المقصود من هذه الجماعة التي لها ثواب الصيام مائة ألف شخص.
[18] ـ في المجلس التاسع و العاشر من الجزء الأ وّل، وفي المجلس الثالث والستّين من الجزء التاسع.
[19] ـ [عقد العلامة الطهراني رضوان الله عليه بعد هذا الكلام بحثاً مفصلاً نقل فيه كلام علماء السنة الذين أنكروا الروايات الواردة في فضيلة صيام يوم الغدير و بيّن الأخطاء العلمية التي وقعوا فيها. و قد قامت الهيئة العلمية بتقديم هذا البحث القيم في موضوع منفصل تحت عنوان: ردّ العلامة الطهراني على منكري ثواب الأعمال الواردة في يوم الغدير]
|