الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  السبت  20 جمادي الاُولي  1446 - Satur  23 Nov 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
موقع المتقين > التاريخ والسيرة > آخر الأيام والساعات من حياة سيّد الكائنات (2)


_______________________________________________________________

هو العليم

آخر الأيام والساعات من حياة سيّد الكائنات
صلى الله عليه وآله

البحث الثاني

مستخرج من كتب وآثار

آية اللـه العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدّس سرّه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

بسم اللـه الرحمن الرحيم

[لقد تعرض العلاّمة الطهراني في البحث الأوّل لبيان سبب محنة رسول الله في مرضه الذي مات فيه، فبيّن أنّه يعود معظمها إلى رحمته بالمسلمين، إذ كان يرى أمّته بلا راعٍ، وكان يدرك ويفهم جيّدًا الخطط المدروسة المدبّرة لعزل أمير المؤمنين عليه السلام، وترك الأمّة بلا إمامٍ ووليٍ.
وفي هذا البحث سيتعرّض لآخر تدابير النبيّ في حفظ أمته من تجهيزه جيش أسامة، ووصيّته في حفظ الثقلين وغيرها من الأحداث التي سبقت موته صلّى الله عليه وآله]

    

تمهيد

قال ابن أبي الحديد: وممّن دخل بيت فاطمة مع عُمَر وعصابته: أُسَيْد بن حُضَيْر، وسَلَمَة بن سَلَامَة بن قُرَيش، وقيس بن شمّاس، وعبد الرحمن بن عوف، ومحمّد بن مَسْلَمة وهو الذي كسر سيفَ الزبير.[1]
وكان هؤلاء رجالًا معروفين مشهورين بارزين، خُدع عوامّ الناس بإجرائهم المذكور فساروا خلفهم كالدهماء. وتمّ التحرّك نحو الكفر والضلال والارتداد عن محور الولاية التي تمثّل روح النبوّة وحقيقتها من قبل شرذمةٍ قليلة، وسلك سائر الناس مسلكهم كالهمج الرعاع.

    

أمر رسول اللـه بخروج وجوه المهاجرين والأنصار في جيش أسامة

و[كان] النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ وهو على فراش الاحتضار ـ [قد عقد] لواء الحرب لشابٍّ يدعى أسامة، وأمره بالخروج من المدينة فورًا. وأصدر أمرًا جازمًا جادّاً يقتضـي خروج جميع الوجوه المعروفة ـ الذين ذكر أسماءهم واحدًا بعد آخر ـ تحت لواء أسامة.
وكان هدف رسول الله ـ وهو يرى دنوّ أجله ـ من ذلك التأكيد والإبرام والإصرار بعد الإصرار، ولَعْنِ المتخلّفين عن جيش أسامة بذلك التعجيل والتشديد، هو إخلاء المدينة من شرّ وجود أولئك المدّعين الأظآر[2]، وتمهيد الأرضيّة لاستقرار حكومة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليتحقّق أمر الخلافة بلا منازع ينازعه، ولا تكن هناك عقبة في طريقه.
وهل يُرتجى هدفٌ غير هذا من وراء تعبئة ذلك الجيش العظيم بقيادة شابٍّ كأسامة، وأمر المشيَخَة أن ينضووا تحت لوائه ويعملوا بأوامره والتعجيل في تحرّكه وخروجه؟![3]
قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى»: لمّا كان يوم الأربعاء في أواخر صفر من السنة العاشرة من الهجرة بُدئ برسول الله صلّى الله عليه وآله فحُمّ وصُدّع: فلمّا أصبح يوم الخميس عقد لأُسامة لواءً بيده ثمّ قال: «اغز باسم الله في سبيل الله فقاتِل من كفر بالله!».
فخرج بلوائه معقودًا وعسكر بالجُرْف. فلم يبق أحدٌ من وجوه المهاجرين والأنصار إلّا انتُدِبَ في تلك الغزوة، فيهم: أبو بكر، وعمر بن الخطّاب، وأبو عبيدة الجرّاح، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن زيد، وقُتادة بن النعمان، وسَلِمة بن أسلم بن حريش. فتكلّم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين. فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله غضبًا شديدًا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:
أمّا بعد؛ أيّها الناس! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة. ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه! زيد بن حارثة من قبله! وأيم الله إن كان للإمارة لخَليقًا وإنّ ابنه من بعده لخليقٌ للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ. وأنّهما لمُخيلان لكلّ خير. واستوصوا به خيرًا فإنّه من خياركم.[4]
قال هذا ثمّ نزل من المنبر، وذلك يوم السبت....
وثقل رسول الله فجعل يقول: أنْفِذُوا بَعْثَ أسَامَة.[5]
ذكر ابن هشام في سيرته أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله استبطأ الناس في بعث أسامة (بن زيد) وهو في وجعه. فخرج عاصِبًا رأسه حتّى جلس على المنبر. وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة: أمّر غلامًا حَدَثًا على جِلّة المهاجرين والأنصار. فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثمّ قال: أيّها الناس! انفذوا بعث أسامة! فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله. وإنّه لخليق للإمارة وإن كان أبوه لخليقاً لها.[6]
ثمّ نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وانكمش (أسرع) الناس في جهازهم.[7]

    

خطبة رسول اللـه في التمسّك بالثقلين‏

روى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخُدريّ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال:
إنِّي أُوشِكُ أن أُدْعَى فَأُجيبَ، وإنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتِي، كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. وإنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أخْبَرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تُخَلِّفُونِّي فِيهِمَا![8]
قال الشيخ المفيد في «الإرشاد»: ثمّ كان ممّا أكّد له رسول الله صلى الله عليه وآله من الفضل وتخصّصه منه بجليل رتبته ما تلا حجّة الوداع من الأمور المتجدّدة لرسول الله صلّى الله عليه وآله والأحداث التي اتّفقت بقضاء الله وقدره. وذلك أنّه تحقّق من دنوّ أجله ما كان قدّم الذكر به‏ لأُمّته. فجعل يقوم مقامًا بعد مقام في المسلمين يحذّرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكّد وصايته بالتمسّك بسنّته والإجماع عليها والوفاق، ويحثّهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين، ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد. وكان فيما ذكره من ذلك صلّى الله عليه وآله ما جاءت به الرواية على اتّفاق واجتماع من قوله:
أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي فَرُطُكُمْ وأنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ. ألَا وإنِّي سَائِلُكُمْ عَنِ الثَّقَلَيْنِ!
فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ نَبَّأنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَلْقَيَانِي. وسَألْتُ رَبِّي ذَلِكَ فَأعْطَانِيهِ. ألَا وإنِّي قَدْ تَرَكْتُهُمَا فِيكُمْ: كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، لَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَفَرَّقُوا، ولَا تَقْصُرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا، ولَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.
أيُّهَا النَّاسُ! لَا أُلْفِيَنَّكُمْ بَعْدِي تَرْجِعُونَ كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ! فَتَلْقَوْنِي في كَتِيبَةٍ كَبَحْرِ السَّيْلِ الجَرَّارِ! ألَا وإنَّ عَلِيّ بْنَ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أخِي ووَصِيِّي، يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى تَأوِيلِ القُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ.

وَكَانَ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُومُ مَجْلِساً بَعْدَ مَجْلِسٍ بِمِثْلِ هَذَا الكَلَامِ ونَحْوِهِ.
ثُمّ إنّه عقد لأُسامة بن زيد بن حارثة الإمرة، وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الأمّة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه عليه السلام على إخراج جماعة من مقدّمي المهاجرين والأنصار في معسكره، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرياسة ويطمع في التقدّم على الناس بالإمارة، ويستتبّ الأمر لمن استخلفه من بعده، ولا ينازعه في حقّه منازع. فعقد له الإمرة على ما ذكرناه، وجدّ صلّى الله‏ عليه وآله وسلّم في إخراجهم، وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، وحثّ الناس على الخروج إليه والمسير معه، وحذّرهم من التلوّم والإبطاء عنه.

    

استغفار رسول اللـه لموتى البقيع وإخباره بإقبال الفتن‏

فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفّي فيها. فلمّا أحسّ بالمرض[9] الذي عراه، أخذ بِيَدِ عليّ عليه السلام واتّبعه جماعة من الناس وتوجّه إلى البقيع. فقال للذي اتّبعه: إنّي قد أُمرت بالاستغفار لأهل البقيع، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ القُبُورِ، لِيَهْنِئْكُمْ مَا أصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ! أقْبَلَتِ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يَتْبَعُ أوَّلَهَا آخِرُهَا.
ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلًا. وأقبل على أمير المؤمنين عليه السلام‏ فقال له: إنّ جبرائيل كان يعرض عَلَيّ القرآن في كلّ سنةٍ مرّةً، وقد عرضه عَلَيّ العام مرّتين ولا أراه إلّا لحضور أجلي. ثمّ قال: يا عليّ! إنّي خُيِّرتُ بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنّة، فاخترت لقاء ربّي والجنّة. فإذا أنا مِتُّ فاغسلني واستر عورتي، فإنّه لا يراها أحد إلّا أكمه. ثمّ عاد إلى منزله، فمكث ثلاثة أيّام موعوكًا، ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمدًا على أمير المؤمنين عليه السلام بيُمنى يديه، وعلى الفضل بن العبّاس باليد الأخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه ثمّ قال:
مَعَاشِرَ النَّاسِ! قَدْ حَانَ مِنِّي خُفُوقٌ مِنْ بَيْنِ أظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيَأتِنِي أُعْطِهِ إيَّاهَا! ومَنْ كَانَ لَهُ عَلَيّ دَيْنٌ فَلْيُخْبِرْنِي بِهِ! مَعَاشِرَ النَّاسِ! لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ أحَدٍ شَي‏ءٌ يُعْطِيهِ بِهِ خَيْراً أو يَصْرِفُ عَنْهُ بِهِ شَرّاً إلَّا العَمَلُ! أيُّهَا النَّاسُ! لَا يَدَّعِي مُدَّعٍ ولَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، والذي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيّاً لَا يُنْجِي إلَّا عَمَلٌ مَعَ رَحْمَةٍ، ولَوْ عَصَيْتُ لَهَويْتُ. اللَهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟![10]

    

إمامة الرسول للصلاة حال مرضه وعدم السماح لأبي بكر وعمر بذلك

ثمّ نزل صلّى الله عليه وآله فصلّى بالناس صلاة خفيفة. ثمّ دخل بيته، وكان إذ ذاك في بيت أُمّ سلمة رضي الله عنها فأقام به يومًا أو يومين. فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولّى تعليله، وسألت أزواج النبيّ في ذلك، فأذِنَّ لها، فانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة، واستمرّ به المرض فيه أيّاماً وثقل. فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله صلّى الله عليه وآله مغمور بالمرض فنادى: الصَّلَاةُ يَرْحَمُكُمُ اللهُ. فأُوذن رسول الله بندائه فقال: يصلّي بالناس بعضُهم فإنّي مشغول بنفسي، فقالت عائشة: مُروا أبا بكر. وقالت حفصة: مروا عمر. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله حين سمع كلامهما ورأى حرص كلّ واحدةٍ منهما على التنويه بأبيها وافتتانهما بذلك ورسول الله حيٌّ! اكْفُفْنَ فَإنَّكُنَّ صُوَيْحبَاتُ يُوسُفَ!
ثمّ قام صلّى الله عليه وآله مبادرًا خوفًا من تقدّم أحد الرجلين وقد كان أمرهما بالخروج مع أسامة ولم يكن عنده أنّهما قد تخلّفا! فلمّا سمِعَ من عائشة وحفصة ما سمع علم أنّهما متأخّران عن أمره. فبدر لكفّ الفتنة وإزالة الشبهة. فقام - وإنّه لا يستقلّ على الأرض من الضعف - فأخذ بيده عليّ بن أبي طالب عليه السلام والفضل بن العبّاس فاعتمد عليهما ورِجلاه‏ تخطّان الأرض من الضعف.
فلمّا خرج إلى المسجد، وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأومأ إليه بيده أن تأخّر عنه! فتأخّر أبو بكر، وقام رسول الله مقامه فكبّر وابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأها أبو بكر ولم يبن على ما مضى من فعاله. فلمّا سلّم، انصرف إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممّن حضـر بالمسجد من المسلمين ثمّ قال: ألَمْ آمُرْكُمْ أنْ تُنْفِذُوا جَيْشَ أسَامَةَ؟! فقالوا: بلى يَا رَسُولَ اللهِ. قال: فَلِمَ تَأخَّرْتُمْ عَنْ أمْرِي؟! قال أبو بكر: إنّي خرجت ثمّ رجعتُ لأُجدّد بك عهدًا! وقال عمر: يا رسول الله! إنّي لم أخرج لأنّني لم أُحبّ أن أسأل عنك الركب!
فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: نَفِّذُوا جَيْشَ أسَامَةَ! نَفِّذُوا جَيْشَ أسَامَةَ! يكرّرها ثلاث مرّات. ثمّ أُغميَ عليه من التعب الذي لحقه والأسَف الذي ملكه[11] فمكث هُنيئة مُغميًّا عليه. وبكى المسلمون، وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضـر مِن المسلمين.

    

منع عمر جلب الكتف والدواة وقذفه النبيّ بالهجر

فأفاق رسول ‏الله صلّى ‏الله عليه وآله فنظر إليهم ثمّ قال: إئْتُونِي بِدَوَاةٍ وكَتِفٍ‏ لأكْتُبَ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً!
ثمّ أُغمي عليه. فقام بعض من حضره يلتمس دواةً وكتفًا. فقال له عمر: ارْجِعْ فَإنَّهُ يَهْجُرُ. فرجع وندم مَن حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا: إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. لقد أشفقنا من خلاف رسول الله. فلمّا أفاق صلّى الله عليه وآله قال بعضهم: ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟! فقال: أبَعْدَ الذي قُلْتُمْ؟! لَا، وَلَكِنِّي أُوصِيكُمْ بِأهْلِ بَيْتِي خَيْراً. وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا وبقي عنده العبّاس، والفضل بن العبّاس، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأهل بيته خاصّةً.
فقال له العبّاس: يا رسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقرًّا من بعدك فبشّرنا، وإن كنت تعلم أنّا نغلب عليه فاقض بنا. فقال: أنْتُمُ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ بَعْدِي. وصمت.[12]
فنهض القوم وهم يبكون قد يئسوا من النبيّ صلّى الله عليه وآله.[13]
إنّ ما أوردناه هنا نقلناه عن العالم البصير الفقيه والمتكلّم الإماميّ أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان، الشيخ المفيد المولود سنة 336 أو 338 هـ، والمتوفّى سنة 413 هـ. وهو على درجة لا توصف من العظمة والجلالة.

[ملاحظة: انتخب هذا البحث من كتاب معرفة الإمام ج 13، تأليف المرحوم العلّامة آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه، وقد تمّ توثيقه ومقارنته مع المصدر الفارسي من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق، وتجدر الإشارة إلى أنّ العبارات والهوامش التي وقعت بين معقوفتين هي من الهيئة العلمية]




[1] ـ شرح «نهج البلاغة» الجزء الثاني من الطبعة ذات الأجزاء الأربعة، ص 19.

[2] ـ جمع ظئر، وهي العاطفة على ولد غيرها، وقيل: أظئر أعطف من أمّ؟

[3] ـ ذكر السيّد هاشم البحرانيّ في ص 602 إلى 606، البابان 75 و76 من كتابه «غاية المرام» اثني عشر حديثاً عن طريق العامّة، وحديثاً عن طريق الخاصّة حول جيش أسامة. وفيها أنّ رسول الله جعل فيه أبا بكر، وعمر، وعثمان، وأبا عبيدة الجرّاح، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وغيرهم. ولَعَن من تخلّف عنه. وروى قول رسول الله: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما، في أبي بكر.

[4] ـ روى ابن سعد في الجزء الثاني من طبقاته، ص 248 إلى 250، تحت عنوان: ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه لُأسامة بن زيد رحمه الله خمسة أحاديث في تأكيد الرسول الأكرم وإصراره على تجهيز جيش أسامة ومنها هذا الحديث. وذكر حديثاً آخر بسنده عن عروة بن الزبير أنّه قال: قد بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أسامة وأمره أن يوطئ الخيل نحو البلقاء حيث قُتل أبوه وجعفر. فجعل أسامة وأصحابه يتجهّزون وقد عسكر بالجرف. فاشتكى رسول الله وهو على ذلك. ثمّ وجد في نفسه راحة فخرج عاصباً رأسه فقال: أيُّهَا النَّاسُ! أنْفِذُوا بَعْثَ أسامة- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ فَاسْتُعِزَّ بِهِ فَتُوُفِّي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ.

[5] ـ «الطبقات الكبرى» ج 2، ص 190، طبعة بيروت 1376 هـ. ق.

[6] ـ «السيرة النبويّة» ج 4، ص 299 و300، طبعة بيروت، دار إحياء التراث العربيّ؛ و«تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 431، طبعة دار الاستقامة.

[7] ـ «الطبقات الكبرى» لابن سعد، ج 2، ص 194، طبعة بيروت.

[8] ـ إنّ من الأدلّة الساطعة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعظمته هو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يؤمِّر عليه أحدًا في جيش. وإذا ما أشخص جيشًا فهو الأمير عليه. وعندما أمّر أبا بكر ثمّ عمر على الجيش الذي أنفذه لفتح خيبر، ولاذا بالفرار، لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام موجودًا فيه. بَيْدَ أنّه حينما قال: لأُعطينّ الراية غداً رجلًا يحبّه اللهُ ورسولُه ويحبّ الله ورسولَه كرّار غير فرّار. وأعطاها عليّاً عليه السلام وأمّره، جعل أبا بكر وعمر تحت قيادته. ولمّا أمر وجوه المهاجرين والأنصار وأعلامهم أن ينضووا تحت لواء أسامة بن زيد، لم يأمر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك. وكان هذا من أجل أن يبيّن للأمّة أنّ أسامة ابن السبع عشرة- أو الثماني عشـرة أو التسع عشـرة، أو العشرين، ولم ينصّ أحد على أكثر من ذلك- أهلٌ للإمارة، وغيره ليس أهلًا لها. ولله درّ ابن أبي الحديد المعتزليّ إذ يقول في قصيدته الرائيّة، وهي إحدى علويّاته السبع، ذاكراً أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام: وَلَا كَانَ في بَعْثِ ابن زِيدٍ مُؤَمَّرا                              عَلَيْهِ لِيُضْحِى لإبْنِ زَيْـدٍ مُؤَمَّرا وَ لَا كَانَ يَوْمَ الغَارِ يَهْفُوا جَنَانُهُ                              حِذَاراً ولَا يَـوْمَ العَرِيشِ تَسَتَّرَا وَ لَا كَانَ مَعْزُولًا غَدَاةَ بَرَاءَةٍ                              وَ لَا في صَلَاةٍ أمَّ فِيهَا مُؤَخّـــــَرَا فتى لَمْ يُعَرِّقْ فِيهِ تَيْمُ ابْنُ مُرَّةٍ                              وَ لَا عَبـَدَ اللَّاتَ الخَبِيثَةَ أعْصُـرَا إمَامُ هُدى بِالقُرْصِ آثَرَ فَاقْتَـضَى                              لَهُ القُـــــــرْصُ رَدَّ القُرْصِ أبْيَضَ أزْهَرَا يُزَاحِمُهُ جِبرِيلُ تَحْتَ عَـبَاءَةٍ                              لَهَا قِيلَ: كُلّ الصَّيْدِ في جَانِبِ الفَرَا (من القصيدة الثانية لابن أبي الحديد، مع شرح السيّد محمّد صاحب «المدارك» وقد طبع طباعة حجريّة في مجموعة مع المعلّقات السبع وقصيدة البردة). نجد أنّ أبا الحديد يعدّ هنا مناقب الإمام في مقابل مثالب أبي بكر ويقول: لم يكن الإمام في جيش أسامة بن زيد الذي كان رسول الله قد جعله أميراً، فيكون أسامة أميره. ولم يرتجف قلب الإمام في مبيته على فراش النبيّ إلى الصباح عندما هاجر والتحق به أبو بكر في الغار وكان قلب أبي بكر يرتجف. وعندما نشبت معركة بدر قتل أمير المؤمنين وحده خمسة وثلاثين رجلًا وقتل الملائكة وباقي المسلمين خمسة وثلاثين. أمّا أبو بكر فقد استتر في العريش الذي كان قد صُنع للنبيّ في حين لم يستتر أمير المؤمنين فيه. ولمّا أنفذ النبيّ صلّى الله عليه وآله أبا بكر ليبلِّغ سورة براءة في مكّة ثمّ عزله وكلّف أمير المؤمنين بذلك، لم يعزله كما لم يُؤَخَّر في صلاة جماعة قطّ. وعليّ هو ذلك الفتى الذي لم يُضرب فيه بتيم بن مُرّة بعِرق، لأنّه ليس من قبيلة أبي بكر، ففيه عِرق أجداد رسول الله. كما لم يسجد أمام اللات الخبيثة ولم يعبدها أزماناً طويلة وأعصاراً متوالية كما كان يفعل أبو بكر. وعليّ هو إمام الهدى الذي أعطى السائل قرصه عند إفطاره فرُدّ له قرص الشمس الأبيض الساطع. وهو الذي أخذه رسول الله يوم المباهلة مع نصارى نجران، إذ جعله وفاطمة والحسنين عليهم السلام تحت الكساء اليمانيّ فأدخل جبرائيل نفسه تحت الكساء وافتخر بصحبته. فهو جامع الفضائل والمناقب كما جاء في المثل المشهور: كلّ الصيد في جوف الفرا. أي: إذا أردت صيداً صحراويّاً لذيذاً ففتّش عنه في داخل بطن الحمار الوحشيّ، فهو ألذّ وصيده أشقّ.

[9] ـ قال العلّامة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ في «الفصول المهمّة» ص 86، الطبعة الثانية: كان اليوم الذي عبّأ فيه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله جيش أسامة وجعل فيه وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر، وعمر، وأبي عبيدة، وسعد، وأمثالهم هو أربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة للهجرة. فلمّا كان من الغد، دعا أسامة، فقال له: سر إلى موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك هذا الجيش. فلمّا كان يوم الثامن والعشرين من صفر، بدأ به صلى الله عليه وآله مرض الموت، فحُمّ وصدّع. فلمّا أصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم مثّاقلين، خرج إليهم، فحضّهم على السير وعقد صلى الله عليه وآله اللواء لأُسامة بيده الشريفة. وقال في ص 87: تباطأ جيش أسامة وامتنع عن المسير حتى يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأوّل فخرج صلى الله عليه وآله قبل وفاته بيومين وهو معصّب الرأس محموماً مألومًا. وخطب وغضب من طعنهم غضبًا شديدًا. وقال في ص 88: رجع أسامة إلى المدينة يوم 12 ربيع الأوّل ومعه عمر وأبو عُبيدة وكان النبيّ يجود بنفسه. فرجع الجيش باللواء إلى المدينة. أقول: هذا هو المشهور عند العامّة. والمأثور عند الخاصّة أنّه توفّى صلى الله عليه وآله لليلتين بقيتا من صفر.

[10] ـ روى ابن أبي الحديد هذا الحديث أيضاً في «شرح نهج البلاغة» ج 2، ص 561، شرح الخطبة 195 من «نهج البلاغة» طبعة مصـر، دار إحياء الكتب العربيّة الكبرى. وخطب الإمام تلك الخطبة لدعوة الناس إلى الجهاد وبيان منزلته الخصيصة من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكيفيّة وفاة رسول الله وهبوط الملائكة وعروجهم. وتبدأ الخطبة بقوله: ولَقَدْ عَلِمَ المُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ أنِّي لَمْ أردَّ على اللهِ وعلى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ. وروى السيّد البحرانيّ الحديث الأوّل في «غاية المرام» ص 217 و218 عن الخاصّة، عن الشيخ الصدوق بسنده المتّصل عن حذيفة بن أسَيْد قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: معاشر الناس! إنّي فَرَطُكم وأنتم واردون عَلَيّ الحوض، حوضًا ما بين بُصَري وصَنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضّةٍ، وإنّي سائلكم حتّى تردون عَلَيّ الحوضَ عن الثَّقلين، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما؟ الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بيدكم، فاستمسكوا به ولن تضلّوا ولا تبدّلوا في عترتي أهل بيتي فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنَّهما لن يَفتَرقا حتى يَردا عَلَيّ الحوضَ. معاشر أصحابي! كأنّي على الحوض أنتظر من يرد عَلَيّ منكم، وسوف تؤخّر أناسٌ دوني فأقول: يا ربّ! منّي ومن أُمّتي. فيقال: يا محمّد! هل شعرتَ بما عملوا؟ إنّهم ما رجعوا بعدك يرجعون على أعقابهم. ثمّ قال: أُوصيكم في عترتي خيراً وأهل بيتي فقام إليه سلمان فقال: يا رسول الله! منِ الأئمّة بعدك؟ أما هم من عترتك؟ فقال: هم الأئمّة من بعدي من عترتي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صُلب الحسين، أعطاهم الله علمي وفهمي، فلا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم، وأتّبعوهم فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم عليهم السلام.

[11] ـ قال آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ في «الفصول المهمّة» ص 90، الطبعة الثانية: كان أُسامة ابن سبع عشرة سنة حين أمّره رسول الله على الأظهر. وقيل: كان ابن ثمان عشرة سنة. وقيل: ابن تسع عشرة سنة. وقيل: ابن عشرين سنة. ولا قائل بأنّ عمره كان أكثر من ذلك. وإنّما أمّر عليهم أسامة ليّاً لأعنّة البعض، وردّاً لجماح أهل الجماح منهم واحتياطاً على الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمّر أحدهم كما لا يخفى، لكنّهم فطنوا إلى كلّ ما دبّر صلى الله عليه وآله فطعنوا في تأمير أُسامة، وتثاقلوا عن السير معه، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبيّ صلى الله عليه وآله بربّه. فهمّوا حينئذٍ بإلغاء البعث وحلّ اللواء تارة، وبعزل أُسامة أُخرى. ثمّ تخلّف كثير منهم عن الجيش كما سمعتَ. فهذه خمسة أُمور في هذه السريّة لم يتعبّدوا فيها بالنصوص الجليّة إيثاراً لرأيهم في الأمور السياسيّة وترجيحاً لاجتهادهم فيها على التعبّد بنصوصه صلى الله عليه وآله.

[12] ـ روى الشيخ المفيد في أماليه، طبعة جماعة المدرّسين، ص 212 بسنده عن زيد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه عليهم السلام، قال: وضع رسول الله صلّى الله عليه وآله في مرضه الذي توفّي فيه رأسه في حجر أم الفضل واغمي عليه، فقطرت قطرة من دموعها على خدّه، ففتح عينيه وقال لها: مَا لَكِ يَا أمَّ الفَضْلِ؟ قالت: نُعِيَتْ إلَيْنَا نَفْسُكَ، وأخْبَرتَنَا أنَّكَ مَيِّت. فإن يكن الأمر لنا فبشّرنا، وإن يكن في غيرنا فأوص بنا. فقال لها النبيّ صلّى الله عليه وآله: أنتم المقهورون المستضعفون من بعدي.

[13] ـ «الإرشاد» للشيخ المفيد ص 97 إلى 101، الطبعة الحجريّة، وفي الطبعة الحديثة: ص 165 إلى 171، الفصل 52.

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی