لو أدخلتم في بداية و نهاية العبارة المتوخاة علامة " gutaion" ستحصلون علي المواضيع التي تتوفر فيها نفس هذه الكلمة أو العبارة و فيها سوي ذلك ستعبرون علي مواضيع تتوفر فيها إجدي هذه العبارات
*الكلمة المتوخاة: هي ما تبحثون عنه في مستطيل البحث.
إن أوّل ما يلزم للسالك أن يقوم به هو الفحص والبحث في الأديان والمذاهب، وبذل ما يمكنه من السعي حتّى يصل إلى مقام توحيد الله المتعال ويدرك حقيقة هدايته، وإن كان ذلك بصرف الظنّ ومجرّد الترجيح. فبعد التصديق العلميّ أو الظنّيّ يخرج من الكفر ليدخل في الإسلام والإيمان الأصغرين، والإجماع قائم في هذه المرحلة على أنَّ الاستدلال واجب على كلّ مكلّف. وإذا لم يحصل للمكلّف بعد السعي والبحث أي ترجيح، فعليه أن يشمّر عن ساعد الهمّة، ومتابعة الإصرار بذرف الدموع والتضرّع والأنين والإبتهال حتّى يفتح له الباب، كما هو مأثور عن حالات النبيّ إدريس ومريديه على نبيّنا وآله وعليه السلام. و المراد من الابتهال والتضرّع أن يلتفت الإنسان إلى عجزه ومسكنته، ويطلب الهداية من صميم قلبه. ومن البديهيّ أنَّ الله سبحانه لا يترك عبده المسكين الطالب للحقّ والعاشق للحقيقة دون أن يهديه طريق الخلاص: والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.[1]
نبيّ الله إدريس عليه السلام يتحدّث مع العلّامة الطباطبائيّ في المنام
و أذكُر[2] حينما كنت في النجف الأشرف أنهل من التربية الأخلاقيّة والعرفانيّة على يد المرحوم الحاجّ الميرزا عليّ القاضيّ رضوان الله عليه، كنت جالساً حين السحر على سجّادة الصلاة، فاستولى علَيّ النعاس وشاهدت رَجُلينِ جالسينِ مقابلي، كان أحدهما النبيّ إدريس عليه السلام، والآخر أخي العزيز الحاجّ السيّد محمّد حسن الطباطبائيّ الذي يعيش حاليّاً في تبريز، وفي ذلك الموقف كان النبيّ إدريس عليهالسلام منشغلًا بالتحدّث معي، ورغم أنه كان المتكلم إلّا أنّني كنت أسمع كلامه بواسطة صوت أخي السيّد الطباطبائيّ. وقال لي: «لقد وقعت في حياتي العديد من الأحداث المهولة، وبالحسابات العادّية كان تفسيرها محالًا بل ممتنعاً، ولكنّها كانت تحلّ أمامي فجأة، فاتّضح لي أنَّ ذلك بواسطة يد فوق الأسباب والمسبّبات العادّية من عالم الغيب، وكان هذا أوّل انتقال لي ربط عالم الطبيعة بعالم ماوراء الطبيعة وخيط ارتباطنا يبدأ من هنا». ففي ذلك الوقت خطر ببالي أنَّ المراد من ابتلاءات النبيّ إدريس عليه السلام هي تلك الصدمات والمشاكل في أيّام الطفولة، والمقصود أنه إذا توسّل الإنسان بصدق في مسألة الهداية واستعان بربّه، سوف يُعينه ويساعده جزماً، وفي تلك الحال يكون الاستمداد من الآيات القرآنيّة موافقاً لواقع العبد ومؤثّراً فيه ونافعاً له، قال الله تبارك وتعالى: ألَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.[3] و يكون أيضاً للأوراد المعروفة مثل: يَا فَتَّاحُ، يَا دَلِيلَ المتَحَيِّرِينَ، وأمثالها تأثير عظيم، ولا يحصل هذا إلّا بأدائها بالقلب الولهان والحضور والتوجّه الكافيين.
قصّة الشابّ المريد قلبيّاً للهداية
نقل لي أحد أصدقائي بأنه تشرّف ذات مرّة بزيارة العتبات المقدّسة في كربلاء، وقال: «انطلقت بنا السيّارة من إيران، وإلى جانبي كان يجلس شابّ حليق الذقن تبدو عليه السمنة، ولهذا لم يجر بيننا أي حديث. وأثناء الطريق إذا بصوته يرتفع فجأة بالبكاء والنحيب، ممّا أثار دهشتي، فسألته عن سبب بكائه، فقال لي: إنني إذا لم أخبرْك فلمن أقول؟! أنا مهندس مدنيّ، وقد رُبّيت منذ الطفولة تربية غير دينيّة، فلم أكن أعتقد بالمبدأ والمعاد، وإنَّما كنت أشعر أنَّ في قلبي ميلًا ومحبّة للمتديّنين فقط، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيّين أو يهوداً. و في يوم كنت في إحدى السهرات الليليّة التي كان يحضرها أكثر رفقائي البهائيّين[4]، حيث رقصنا ولعبنا ساعات وساعات، فجأة شعرت في أعماق نفسي بالخجل، وتضايقت من أفعالي، واضطررت أن أخرج من الغرفة وصعدت إلى الطابق العلويّ وهناك أجهشت بالبكاء، ورحت أردّد في نفسي وأقول: يا ذا الذي إن كان هناك إله فهو أنت! أدركني. ثمّ نزلت إلى الحفل الذي كان منتهياً. وفي اليوم التالي كنت عازماً على السفر في مهمّة فنيّة بصحبة رئيس القطار وبعض الشخصيّات، وفجأة رأيت سيّداً نورانيّاً يقترب منّي، فسلم علَيّ وقال: أريد أن ألتقيَ بك. فوعدته بأن أراه غداً بعد الظهر. وبعد ذهابه أخبرني أحد أصدقائي بأنَّ هذا الرجل من السادة الكبار، فلماذا سلمت عليه بلا مبالاة؟! فقلت: لقد ظننت أنه أتى وسلّم علَيّ لحاجة له عندي! وبعدها أمرني رئيس القطار بالسفر في اليوم التالي، وبالتحديد في الموعد الذي أبرمته مع السيّد وكلّفني بعدّة أمور وأعمال. فقلت في نفسي: لن أستطيع بعد هذا أن ألتقي بالسيّد غداً. في اليوم التالي ـ عندما اقترب موعد العمل ـ أحسستُ بالضعف شيئاً فشيئاً، واعترتني حمّى شديدة ألزمتني الفراش وأحضروا لي الطبيب، ممّا أدّى إلى إعفائي من المهمّة التي كلّفت بها في ذلك اليوم. وما إن خرج الرجل الذي أرسله رئيس القطار إلَيّ، وتأكّد من مرضي، إذا بالحمّى تزول عنّي، وعادت حالتي إلى طبيعتها، وأحسست بالراحة مجدّداً. حينها أدركت أنه لا بدّ من وجود سرّ في ذلك. فنهضت ثمّ ذهبت إلى منزل ذلك السيّد، وما إن جلست عنده بدأ يلقي علَيّ دورة من الأصول الاعتقاديّة بالأدلّة والبراهين، بحيث أصبحت مؤمناً. ثمّ كلّفني بعدّة أمور، وأمرني بالمجيء إليه في اليوم التالي. ترددتُ عليه عدّة أيّام، وكنت ـ كلّما جئت إليه ـ أسمع منه أخباري والحوادث التي وقعت في أيّامي الماضية دون زيادة أو نقيصة، ولم يكن مطّلعاً عليها أحد غيري، وحتّى نيّاتي التي عزمت عليها ولم أخبر بها أحداً. و مرّت الأيّام فاضطررت ذات ليلة أن أشترك في سهرة للأصدقاء، جرّتني إلى طاولة القمار. في اليوم التالي، عندما دخلت عليه، قال لي على الفور: ألم تستح وتخجل من ارتكاب هذه المعصية الكبيرة، فبدأت دموع الندم تنهمر من عينيّ، وقلت له: لقد أخطأتُ، وأنا أتوب الآن. فقال: ينبغي أن تغتسل غسل التوبة ولا تعد إلى تلك المعصية. فحدّد لي عدّة تكاليف. وباختصار، غيّرتُ سيرتي وبرنامج حياتي. ولأنَّ هذه القضيّة حدثت في زنجان، فعندما أردت الانتقال إلى طهران، أمرني بزيارة بعض العلماء هناك، وفي النهاية أمِرتُ أن أزور العتبات المقدّسة. وهذا السفر كان بأمر السيّد الجليل». قال صاحبي: وعندما اقتربنا من الحدود العراقيّة، سمعت صوته قد علا بالبكاء ثانية، فسألته عن السبب. فقال: «و نحن ندخل أرض العراق ـ الآن ـ رأيت أبا عبدالله عليه السلام يقول لي: مرحباً بكم». ومرادي أنه إذا سار الإنسان في طريق الصدق والصفاء، وطلب الهداية من ربّه من صميم قلبه، سوف يوفّق لها، وإن كان لديه شكّ في التوحيد.[5] ملاحظة: تمّ انتخاب هذا البحث من كتاب: رسالة لبّ اللباب في سير وسلوك أولي الألباب لسماحة آية الله العلامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه، والذي اعتمد فيه على تقرير دروس العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه، وقد قامت الهيئة العلميّة بمراجعة النصّ ومقابلته مع أصله عند الضرورة، وجعلت الإضافات البيانيّة والتحقيقيّة بين معكوفتين.