الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  الثلاثاء  11 ربيع الآخر  1446 - Tues  15 Oct 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
موقع المتقين > التاريخ والسيرة > خصوصية حادثة عاشوراء و ما يميّزها عن جميع الحوادث الأخرى


_______________________________________________________________

هو العليم

خصوصية حادثة عاشوراء
و ما يميّزها عن جميع الحوادث الأخرى

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين

    

واقعة كربلاء هي إحدى ظهورات الإمام الحسين عليه السلام

إنّ سيّد الشهداء لا يُحدّد ولا يُعرّف بخصوص حادثة كربلاء، فحادثة كربلاء واحدة من آلاف الآلاف من ظهوراته وانعكاساته، وواقعة كربلاء مع جميع أبعادها الواسعة وعظمتها ومستوياتها الكامنة فيها والتي لا يرقى إليها الخيال ولا التصوّر، إلاّ أنّها بالنسبة لمنصب الإمامة والولاية،وبالقياس إلى شؤون واحدٍ من الأئمّة المعصومين عليه السلام ومهامه لهي يمٌّ من محيط، وقطرة من بحار رحمة الإمام عليه السلام وفيوضاته.
فلو كان لدى الإمام الحسين عليه السلام أفكارٌ تشابه أفكارنا، وأسلوبٌ نظير أساليبنا وممشانا، لعمد إلى البقاء في مكّة المعظّمة حينما سمع أنّ يزيد قد بعث إليه بعدّة أفراد ليغتالوه ويقتلوه[1]، ولظلّ في مكّة، ولحوّل استشهاده إلى ملحمة يهدر فيها دمه في الحرم الإلهيّ، وداخل بيت الله الحرام، حتّى يكون ذلك مدعاة لإبراز قباحة شخصيّة يزيد الآثم ووقاحته، بشكل أوضح وصوت أعلى، ولكي تدوّي صرخته وتملأ كلّ العالم معلناً للملأ: أنّ هذا السفّاك والمجرم المحترف! قد بلغ من الوقاحة والسفالة أنْ أقدم على سفك دم ابن رسول الله حتّى وإنْ كلّف ذلك هتك الحرم الإلهيّ الآمن وتدنيس مهبط الوحي، دون أن يتورّع عن شيء من العدوان والجور.
ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ سيّد الشهداء ـ قبل كلّ شيء ـ هو إمام، فهو أحد الأئمّة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فحفظ بيت الله الحرام واحترامه، وقداسة حريم الكعبة المعظّمة وحرمها أهمّ من هذه الغاية وأثمن، فهو في كلّ موقف أو ردّة فعل يرى الله أوّلاً ويرى الله آخراً، على عكسنا نحن حيث إنّنا نتوجّه إلى أنفسنا أوّلاً، ونراعي مآربنا وشخصيّتنا، ثمّ بعد ذلك نُلبسُ أفعالنا وأعمالنا ورغباتنا بثوب إلهيّ، ونجعل الله عنواناً وملاذاً لنيل أغراضنا وشؤوننا الشخصيّة. فانظر وتأمّل كم يتفاوت هذا الممشى مع ذاك!
وكذلك حضرة الإمام المجتبى عليه السلام، الذي أوصى أخاه سيّدَ الشهداء عليه السلام: أنْ لا يريق قطرة دم في تشييعه[2]، وهنا يتجلّى الفرق بين الإمام عليه السلام وغيره من سائر الأفراد.
وعلى هذا الأساس، سوف ترتدي حادثة كربلاء ثوباً آخر وتبدو من خلال بعدها الأعمق، لتمتاز بذلك عن سائر الوقائع المشابهة وتتفاضل عليها، فهي حادثة لها خصوصيّاتها المقترنة بها دون غيرها، فالذي قادها وتزعمّها هو أحد الأئمّة المعصومين عليه السلام؛ إمامٌ يمثّل الظهور التامّ للأسماء الإلهيّة الكلّية، سواء في أنفاسه أم كلامه أم سلوكه أم أيّة خطوة يخطوها، وهو في جميع مظاهره مجلىً لظهور الذات السرمديّة للحقّ تعالى، ويجب أنْ يُتّخذ قدوة وأسوة إلى أبد الآبدين، لأنّه تجسيمٌ للربوبيّة، وتجسيد لها، وعلى العبد أنْ يطيع الله وينقاد إليه، ولذا فحادثة عاشوراء أسوة وقدوة ولكن لا في خصوص المواجهة والثورة والحرب فقط، بل في كلّ شيء وكل لحظاتها وكلّ دقائقها، وفي جميع أطوارها وأحداثها.
يجب أنْ نشاهد ونتأمّل حياة سيّد الشهداء في كلّ أطوارها؛ من زمن طفولته، وفي مرحلة الشباب والفتوّة، والمرحلة التي كان فيها مع أخيه الأكبر حضرة الإمام الحسن عليه السلام في المدينة، وفي عهد حكومة معاوية الجائرة، وبعد ذلك حتّى لحظة استشهاده، فيجب دراسة كلّ ذلك، ولا بد من التأمّل فيه والتدقيق به على نسقٍ واحد وأنّه سياق واحد تماماً.
ولذا نرى أنّ جميع المعصومين عليهم السلام قد تكلّموا عن واقعة عاشوراء، وأوصوا الشيعة وأكّدوا عليهم وبشكل بليغ أنْ يحيوا هذه الواقعة العظيمة، والتي لا ثاني لها تاريخيّاً ولا مثيل، والحال أنّه منذ الصدر الأوّل للإسلام حتّى ذاك الزمان وما بعده، قد اتّفق وقوع العديد من الحوادث المشابهة لها من ناحية مقارعة الكفّار والمشركين، أو معارضة الحكّام ومواجهة خلفاء الجور، قام بها العديد من الأفراد، حتّى نالوا الشهادة في هذا الطريق، إلاّ أنّه لا يزال هناك تفاوت وتمايز بين ما ورد في حقّ أنصار هذه الواقعة وغيرهم.

    

إنّ مواجهة سيّد الشهداء ليزيد مقدّمة لإحياء السنن ومعرفة الله

فالذي ينبغي أنْ يُلتفت إليه في هذه الثورة ـ وحسبما يبدو من تلك الرؤيتين السابقتين أنّهما قامتا بإهماله وبالغفلة عنه ـ هو السبب الكامن وراء هذه الثورة وعلّة هذه النهضة؛ فالرؤية الثانية قد سلّطت الأضواء ـ أكثر من كلّ شيء بحيث أدرجت جميع المسائل الأخرى والمباني الفكريّة والاعتقاديّة تحت هذا المنطلق ـ على جانب المبارزة والمواجهة مع الظلم والجور الناشئين من الحكومة الجائرة لبني أميّة، وبالتالي رفض خلافة يزيد؛ وجعلت ذلك أصلاً لهذه الثورة وهدفاً وملاكاً لها. وأمّا بناءً على وجهة النظر المحقّة والتفسير الصحيح لهذه الثورة، فإنّ مسألة المعارضة مع خلافة بني أميّة الجائرة ومواجهتها، لهي مقدّمة ومعبر للوصول إلى إقامة شعائر الدين وإحياء السنن، وإعلاء راية التوحيد والمعرفة.
فغرض الإمام عليه السلام الأصليّ وهدفه، هو إحياء الأحكام المنسيّة والقوانين المهملة من سنّة جدّه وأبيه، دون أيّ شيء آخر! وليس لأيّ سبب آخر.
إن غرض الحكومات الجائرة والغاصبة والمتلبّسة بظاهر الإسلام - مثل الخلفاء الثلاثة وبني أميّة وبني مروان وبني العبّاس - وهمّها وأقصى هدفها التوسعة وإحكام النفوذ في البلاد، والفتوحات والاستيلاء على أموال الرعايا وأرواحهم وأعراضهم واستلاب أموالهم وغنائمهم.
ففي جميع الحكومات الإسلاميّة، حتّى وإن كان الشعار هو شعار تبليغ الإسلام ونشره، إلاّ أنّ الخلفيّة الكامنة في دائرة وعي الزعماء، وما يجول في داخل الراعين لها هو ما ذكر، ولم يكن هناك هدف وغاية من باطنهم وسرّهم غير ذلك. وما نلهجُ به ونصرّح به هو من هذا القبيل أيضاً، حيث إنّنا نقول: يجب على الشيعة أنْ ينظروا إلى عاشوراء دون غيرها، ولا بدّ من نصب عاشوراء كنموذج حياتيّ في جميع حركاتنا وسكناتنا، وصلحنا ومواجهاتنا، وتهوّرنا أو خمولنا، ومبادراتنا وحذرنا. وكذلك الذين يفرّقون بين الإمامين المجتبى وسيّد الشهداء عليهما السلام، وينظرون إلى حضرتيهما بمنظارين مختلفين وبعين الأحول، هؤلاء قد وقعوا في اشتباه فاحش، وسقطوا في الضلالة، وساروا في طريق التعدّي والظلم في حقّ هذين العظيمين.

    

شعار ثورة سيّد الشهداء إحياء السنّة وإماتة البدع

فالإمام نفسه يصرّح ضمن وصيّته لمحمّد بن الحنفيّة، حين خروجه من المدينة فيقول:
إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسدا ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله؛ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام [3].
أي: لم أخرج لأجل التنزّه، ولا لأجل التكبّر وإبراز الذّات والتميّز، ولا لأجل الفساد والتخريب، ولا للظلم والجور والتعدّي، وإنّما خرجت للإصلاح في أمّة جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله؛ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأعمل بسيرة جدّي، وأسير على نهج وممشى أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

    

الهدف من الخلقة معرفة الله ومعرفة الإمام

ومن البديهي أنّه في ظلّ هذه الشرائط التي ذكرها الإمام كخلفيّة وهدفٍ لخروجه، سوف تكون الغاية القصوى والهدف الأعلى من الخلقة وكذا التربية، هي الوصول إلى معرفة حضرة الحقّ تعالى، وبزوغ شمس الولاية على نفوس وقلوب العباد، وهذا هو السبب في حركة سيّد الشهداء في واقعة كربلاء؛ كما أنّه قد صرّح بنفسه بذلك وقال:
أيّها الناس! إنّ الله ما خلقَ خلقَ الله إلاّ ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، واستغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه.
فقال رجل: يا بن رسول الله! ما معرفة الله عزّ وجلّ؟
فقال: معرفة أهل كلّ زمان إمامه الذي يجب عليهم طاعته
[4].
وهذه السمة الخاصّة هي التي أوجبتْ أنْ يحفظ الشيعة شعيرة العزاء وإحياء مجالس ذكر أبي عبد الله عليه السلام
بشكلٍ دائم، وهو الذي جعل المعصومين يؤكّدون عليهم إحياء ذلك.
فمع كون إحياء مجالس ذكر أهل البيت عليهم السلام ذا مكانةٍ بالغة ـ سواء ذكرى تولّدهم أم شهاداتهم ـ وذلك بعنوانه أحد السنن والمعالم الثابتة في التراث الشيعيّ، إلاّ أنّ إقامة مجالس العزاء لأمير الشهداء وسيّدهم حضرة أبي عبد الله عليه السلام، قد حظيت بمكانة خاصّة ومميّزة من قِبل أهل البيت، وكلّ المعصومين عليهم السلام بدون استثناء، قد أمروا الشيعة وكلّفوهم بإقامة مجالس العزاء لحضرة أبي عبد الله عليه السلام.
يروي أبو محمّد هارون بن موسى التعلكبري، بسنده المتّصل إلى صفوان بن مهران، أنّ الإمام الصّادق عليه السلام قال له في زيارة الأربعين:
تزور عند ارتفاع النهار فتقول: السلام على وليّ الله وحبيبه.. [5].

    

السماء بكتْ دماً على الإمام الحسين عليه السلام أربعين يوماً

وكذلك في كتاب كامل الزيارات يروي جعفر بن محمّد ابن قولويه بسنده المتّصل إلى زرارة، عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال:
يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإنّ الجبال تقطّعت وانتثرت، وإنّ البحار تفجّرت، وإنّ الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام، وما اختضبت منّا امرأة ولا ادّهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد.. [6].
وكذلك يروي بسنده عن جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:
ما بكت السماء على أحدٍ بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن عليّ عليهماالسلام فإنّها بكت عليه أربعين يوماً[7].
وكذلك يروي في كامل الزيارات بسند متّصل عن عبدالخالق، عن الإمام الصّادق عليه السلام، أنّه قال في تفسير الآية الشريفة الحاكية قصّة يحيى عليه السلام من
قوله تعالى {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً}[8] أي: لم نسمّي أحداً بهذا الاسم قبله، فيقول:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} الحسين بن عليّ، لم يكن له من قبل سمياً، ويحيى بن زكريا عليه السلام لم يكن له من قبل سميّاً، ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحاً[9] ...
وهناك روايات أكثر من ذلك، وقد صرفنا النظر عن ذكرها لعدم الرغبة في التطويل.

[ملاحظة: إن هذا المقال و المقال السابق له الذي يحمل عنوان (مظلومية سيد الشهداء عليه السلام ) هما عبارة عن بحثين منتخبين من كتاب  (الأربعين في التراث الشيعي) لمؤلّفه سماحة آية الله الحاج السيد محمد محسن الحسيني الطهراني يحفظه الله فننصح  من أراد الازدياد بقراءة  الكتاب المذكور ]


[1] ـ نفس المهموم ، ص163؛ وكذلك مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم، ص165.

[2] ـ حيث جاء في وصيّة الإمام الحسن لأخيه الإمام الحسين عليهماالسلام: « وبالله أقسم عليك أنْ لا تهريق في أمري محجمة من دم»، الإرشاد للشيخ المفيد، ج2، ص17؛ وكذلك مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج3، ص202 وغيرهما.

[3] ـ لمعات الحسين عليه السلام، ص13.

[4] ـ م. ن، ص11.

[5] ـ إقبال الأعمال ، ج3، ص101؛ وكذلك في وسائل الشيعة ، ج14، ص478.

[6] ـ كامل الزيارات ، ص80، ح6.

[7] ـ كامل الزيارات، ص90، ح9.

[8] ـ سورة مريم (19) ذيل الآية 7.

[9] ـ كامل الزيارات ، ص90، ح8؛ وكذلك بحار الأنوار ، ج45، ص211، ح22.

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی