الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  الخمیس  16 رمضان  1445 - Thers  28 Mar 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
موقع المتقين > البحوث الاجتماعية > فلسفة العيد في الإسلام ـ النوروز في الميزان


_______________________________________________________________

فلسفة العيد في الإسلام
النوروز في الميزان

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف

بسم الله الرحمن الرحيم

    

معنى العيد في اللغة

إنّ كلمة العيد من عَوَدَ بمعنى عاد. و قال في «أقرب الموارد»: العيد: الموسم، و كلّ يوم فيه جمع أو تِذكار لذي فضل، و قيل: حادثة مهمّة. و قال ابن الأعرابي: لأنّه يعود كلّ سنة بفرح مجدّد.
و كان أصل كلمة عِيْد، عِوْد. قلبت الواو ياءً لسكونها بعد كسرة، فصارت عيداً، و الجمع أعْياد، و التصغير عُيَيْد، و قد بنوه من معتلّ، إمّا لأنّ واحدهُ عيد، أو لوجود الفرق بينه، و بين العُود بمعنى الخشب، و جمعه أعوَاد و تصغيره عُوَيْد. و قال في أصل المادّة: عَادَ إلى كَذَا يَعُودُ عَوْداً وَ عَوْدَةً وَ معاداً، و قيل: عاد بعد الإعراض و الانصراف.
و ورد هذا الكلام أيضاً في «صحاح اللُّغَة» و «المِصْباح المنير».
و أضاف في «المصباح» قوله: عَيّدتُ تَعييداً، أي: شهدت العيد.

    

معنى العيد عند الناس

و بعد أن علِمْنا معنى العيد في اللغة، ننتقل إلى معناه المصطلَح عليه عند الناس والطوائف والمِلَل و النِّحَل. فبأيّ معنى يستعمل هؤلاء كلمة العيد؟ و نقول توضيحاً لهذا المطلب: إنّ هناك شيئاً خاصّاً له أهمّيّته عند كلّ طائفة و جماعة، و كلّ شعب، و مذهب مثل الذكرى السنويّة لواقعةو حادثة ما إذ تتجدّد في كلّ سنة من أجل تكريمها و الإشادة بروحها و معناها، و يعيشون الفرح والسرور في الاحتفال بتلك الواقعة. و على الرغم من أنّ الواقعة المذكورة قد مضت، بَيدَ أنّهم يقتربون إليها بأرواحهم من خلال تخليدها وإحياء ذكرياتها العالقة في الأذهان، و يمتّعون بذلك أنفسهم.

    

أمثلة على الفلسفات المختلفة للأعياد بين مختلف طبقات البشر

    

فلسفة العيد عند الملوك

و لما كان طلاّب الدنيا لا يبتغون إلاّ الوصول إلى المنافع الدنيويّة لا غير، لذلك يعيّدون عند ظهور ظاهرة دنيويّة، فالملوك يعيّدون و يبتهجون بعد تسيير الجيوش و إراقة الدماء و التمكّن من الخصم، و التسلّط على الشعوب التي خطّطوا للسيطرة عليها، و يشيّدون أقواس النصر، و يجدّدون ذكرى ذلك الانتصار في كلّ عام.

    

فلسفة عيد النوروز عند الفرس القدماء

و كان الفُرس القدماء يتّخذون النوروز عيداً لاعششاب الأرض، و اخضرار الأشجار، و حلول فصلٍ تضحك فيه الأرض بعد انقضاء فصل الخريف و الشتاء فإذا هي أنضر يوماً بعد آخر.
و هذا منطق يتشدقّ به من لا شغل له بالمعنويّات و الروحانيّات، إذ يرى القيم الإنسانيّة في المادّة والخضرة فحسب. و في الحقيقة ما هو الفرق بين هذا العيد و عيد البهائم التي تبتهج و تنتعش في فصل الربيع، و ترعى في الحقول و المروج و المراتع، بعد أن كانت كئيبة و متعبة في فصل الشتاء؟! فهي على ذلك النمط، و الإنسان على هذا النمط. و الحقيقة واحدة، لكنّها للبهائم بذلك الشكل، و للإنسان بهذا الشكل.

    

فلسفة العيد وقت البلوغ برأي السيّد ابن طاووس رضوان الله عليه

نقرأ في كتاب «كشف المحجّة» للسيّد ابن طاووس أنّه لم يعيّد و لم يحتفل في يوم ميلاد ولده، بل كان يعيّد و يحتفل في يوم بلوغه و تشرّفه بشرف التكليف، إذ تأهّل لخطاب الله، و جرى عليه قلم التكليف.
قال في الفصل الثالث و المائة:
فإذا وصلت إلى الوقت الذي يشرّفك الله جلّ جلاله يا ولدي محمّد بكمال العقل، و هو جلّ جلاله أهل من استصلحك لمجالسته و مشافهته و دخول مقدّس حضرته لطاعته، فليكن ذلك الوقت عندك مؤرّخاً محفوظاً من أفضل أوقات الأعياد، و كلما أوصلك عمرك المبارك إليه في سنة من السنين فجدّد شكراً و صدقات و خدمات لواهب العقل الدالّ لك على شرف الدنيا و المعاد. و أعلم أني أحضرت أختك (شرف الأشراف) قبل بلوغها بقليل، و شرحت لها ما أحتمله من حالها من تشريف الله جلّ جلاله لها بالإذن لها في خدمته جلّ جلاله بالكثير و القليل و قد ذكرت الحال في كتاب «البَهْجَةَ لِثَمَرَةِ المُهْجَة».
الفصل الرابع و المائة:
و إن بقيتُ حيّاً على ما عوّدني الله جلّ جلاله من رحمته و عنايته، فإنّني أجعل يوم تشريفك بالتكليف عيداً أتصدّق فيه بمائة و خمسين ديناراً، عن كلّ سنة بعشرة دنانير، إن كان بلوغك بالسنين، و أشتغل بذلك في خدمته. و إنّما هو ماله جلّ جلاله و أنا مملوك و أنت عبده! فتحمل إليه من ماله ما يريد أن تحمله لجلاله.[1]

    

فلسفة الأعياد الإسلاميّة المختلفة

بَيدَ أنّ الأديان السماويّة وضعت الأعياد لأتباعها على أساس القيم الإنسانيّة، و بلوغ الأهداف الإيمانيّة، و الخروج من ربقة الشرك، و التحرّر من كُبول المتجبرين و الطغاة الذين سخّروا الناس لتنفيذ مآربهم و استغلّوهم لمصالحهم الاستكباريّة.

    

فلسفة عيد الفطر

وفي الدين الإسلاميّ المقدّس عيدان هما الفطر والأضحى. أمّا عيد الفطر فقد شُرِّع بسبب إعراض الناس عن الإفراط في الشهوات خلال شهر واحد هو شهر رمضان، إذ صاموا أيّامه، و قاموا لياليه، و ارتقت الحالة الروحانيّة و المعنويّة فيهم من خلال ما عملوه من الصالحات أكثر من سائر الأيّام كالإنفاق في سبيل الله، و تلاوة القرآن الكريم أكثر، و العزوف عن المحرّمات و المكروهات، و تطهير النفس الأمّارة و تزكيتها، و تيسّر لهم التخفّف و التجرّد و إمكان العروج إلى عوالم القدس، لأنّ الطعام، و الشهوة، و الغضب مفاتيح جهنّم و مقاليد سلطة الشيطان. وفي هذا الشهر، جعل الله الجوع و العطش مائدته السماويّة لضيوفه، و يستبين أنّها أفضل تحفة من ربّ الأرباب.
اندرون از طعام خالى دار
                             تا در آن نور معرفت بيني[2]


و ينبغي أن نتّخذ ذلك اليوم عيداً، و نستلم عيديّتنا من الله الكريم الرحيم في هذا الوقت الذي هو وقت الحصول على النتيجة و الأجر. بَيدَ أنّ الاحتفال بالعيد لايعني العزف و الضرب على الطبول، و لا يعني تناول الحلويّات و ارتداء الملابس الملوّنة، و لا التنزّه البهيمي، بل يعني درجة عليا من التزكيةو التطهير، و صقل أفضل للنفس كي تستعدّ للبركات و نزول‏الموائد السماويّة.
و يستحبّ في ليلة عيد الفطر غسلان: أحدهما في أوّل الليل، و الثاني في آخره. وتلك الليلة هي ليلة الإحياء، أي: الانشغال بالعبادة و القيام و الذكر، ذكر المحبوب والمعشوق الأزلي و الحبيب السرمديّ. و يستحبّ الغسل في يوم العيد أيضاً.
و نشهد في يوم العيد الذهاب إلى صلاة العيد، و إقامتها في الصحراء مع جميع الناس، وأدائها بكيفيّة خاصّة، في ركعتين و تسعة قنوتات، و إطلاق اللسان بذكر التهليلات: اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لا إله الاّ اللهُ وَ اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، وَ لِلَّهِ الحَمْدُ، وَ الحَمْدُ لِلَّهِ على مَا هَدَانَا وَ لَهُ الشُّكْرُ على مَا أولانَا.

    

فلسفة عيد الأضحى

وأمّا عيد الأضحى، فقد شُرّع بسبب ترك الناس بيوتهم و أوطانهم و مكاسبهم وأعمالهم وصيتهم وجاههم وجميع ما يتعلّقون به عشقاً للقاء وجه الله. و يتوجّهون شطر المسجد الحرام من كلّ فجّ عميق، و يؤدّون المناسك من طواف وسعي ووقوف في عرفات خارج الحرم، ثمّ الدخول في الحرم و المشعر، ويستريحون في المزدلفة ليلاً بإذن الدخول الذي حصلوا عليه من الله، ثمّ يأتون إلى مِنى، و يرجمون الشيطان سبعاً، وينحرون، ويحلقون، وهم حفاة حاسروا الرؤوس في هذه المدّة، يبحثون عن الحبيب ويتحرّون.
ومن المناسب أن يعيّدوا و يبتهجوا عند خروجهم من الإحرام شكراً للّه على قبول هذه الأعمال الشاقّة. و المُلذّة في آنٍ واحد. ثمّ يحمدوا الله و يتهيّأوا لمراسم العيد التي تمثّل ذكراً للّه وتطهيراً أكثر، و يؤدّوا صلاة العيد، و يطلقوا ألسنتهم بالتقديس والتمجيد الإلهيّ، و بيان جمال الله و جلاله، و النطق بمحاسنه و مواطن جماله، و إعلان الوحدة، و توحيد الذات‏ والأسماء والصفات والأفعال في العالم، و القول: اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لا إله الاَّ اللهُ وَ اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ وَ لِلَّهِ الحَمْدُ، اللهُ أكْبَرُ على مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهيمَةِ الأنْعَامِ، الحَمْدُ لِلَّهِ على مَا أبلانَا.
و ليس الحجّاج فحسب، بل إنّ كافّة المسلمين في شتّى بقاع العالم ينبغي أن يبتهجوا بهذه الموهبة العظمى التي حازها إخوانهم في تلك المواقف الكريمة، وينحروا بعد الأعمال التي قاموا بها في ذي‏القعدة والأيّام العشرة الأُولى من ذي الحجّة، و يقيموا صلاة العيد، ويذهبوا إلى الصحراء حفاة مع الإمام من أجل الجماعة.

    

فلسفة عيد يوم الجمعة

إن يوم الجُمْعَة عيد أيضاً لأ نّه يوم اجتماع الناس لصلاة الجمعة، و سماع الخطبتين، والتطهير. ولذلك سمّاه الله بهذا الاسم: الجُمْعَة، أي: يوم اجتماع الأُمّة الإسلاميّة و تلاحمها. و كان يقال له قبل الإسلام: يَوْمُ العُرُوبَةِ. وأوجب الإسلام صلاة الجمعة وجوباً عينيّاً تعينيّاً في كلّ زمان إلى يوم القيامة، و لعن تاركها. و لكن شرط صحّتها، الجماعة وإشراف وإمامة الإمام العادل أو المنصوب من قبله. فالإمام هو الذي يقيمها عند حضوره.
و في زمن الغيبة، يقيمها الفقيه العادل الجامع للشرائط القائم بمهامّ الإمام بأدلّة النيابة العامّة.
إن صلاة الجمعة واجبة وجوباً مطلقاً لا وجوباً مشروطاً كالحجّ المشروط وجوبه عند الاستطاعة، بل هي كصلاة الظهر من حيث الطهارة و الغسل و الوضوء. لذلك فإنّ الإمام وحاكم الشرع هو شرط الانعقاد والصحّة و الشرط الواجب لاشرط الوجوب. فلهذا إذا كان الإمام في الغيبة، و لم تكن للفقيه الجامع الشرائط قدرة على الحكومة، إذ يعيش في التقيّة، فإنّ الناس جميعهم آثمون لترك صلاة الجمعة، لأ نّهم يتركون صلاة عينيّة تعيينيّة لها أهمّيّتها الفائقة.
و يجب على اولئك كلّهم النهوض وتأسيس الحكومة الإسلاميّة ليظهر الإمام النائب، أو يصبح الفقيه مبسوط اليد بعد أن كان مقبوضها، ويتمكّن من إجراء الحدود، و الذبّ عن ثغور الإسلام. و من واجبات الحاكم إقامة صلاة الجمعة في نطاق حكومته.
إنّ الأشخاص الذين لا يقيمون صلاة الجمعة في زمن الحكومة الجائرة يعذّبون لعدم تأسيسهم حكومة إسلاميّة تُقام صلاة الجمعة في ظلها. و إذا لم يتوفّر الحاكم المطلوب، فإنّ صلاتهم غيرصحيحة، و مرفوضة.
من هذا المنطلق، فإنّ يوم الجمعة هو يوم العيد والاجتماع، و يطهُرُ الناس فيه، و يخرجون من الأخطاء و الذنوب التي ارتكبوها طيلة الاسبوع، و يستجاب الدعاء في ذلك اليوم. و تحظى ليلة الجمعة أيضاً بأهمّيّة و خصوصيّة للتهيّؤ و الاستعداد للقيام بواجبات نهارها. و تتميّز هذه الليلة عن سائر الليالى.

    

فلسفة عيد الغدير الذي هو أفضل الأعياد

أمّا عيد الغدير فهو من أشرف الأعياد و أفضلها بسبب ربط الأُمَّة بالإمام، واتّحاد قلوبهم بالولاية، والورود في سلك السالكين، والسائرين على طريق المودّة والمحبّة والإيثار والإنفاق، والعقل والشعور، واتّساع النور الربّاني، والنفحات القدسيّة السبحانيّة، وارتباط الملك بالملكوت.
إن عيد الغدير هو يوم العبوديّة و التسليم أمام الحقّ، و الخروج من فرعونيّة النفس الأمّارة، و إلقاء حبل ذلّ الرقِّيَّة للّه، و الإقرار و الاعتراف بمفردة خاصّة من مفردات عظمته، و وضع القدم في صراط الإيقان المستقيم، و الخطو خطوة راسخة على طريق ترك الرسميّات، و التحلي بالحقّ و الحقيقة و الموضوعيّة خالصاً و تاركاً للرسميّات و الخروج من زمرة البهائم، و الالتحاق بصفّ البشر.
إن عيد الغدير هو إستجابة النبي الأكرم لنداء القدّوس السبّوح‏بحصر الولاية في القرآن الكريم في قوله: {يَأ يُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ}، و الإقرار القلبيّ بكلام نبيّه الأعظم: مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيّ مَولاهُ، و التفيّؤ بأفياء دعائه: اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، و الفرار من دعائه المدمِّر: وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، و استقبال قوله: وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، و استدبار كلامه: وَاخْذلْ مَنْ خَذَلَهُ.
إن عيد الغدير هو النظر إلى الجمال الملكوتيّ لمولى الموالي أميرالمؤمنين عليه السلام و هو على يدي النبيّ المعظّم بعد أن ارتقى المنبر المؤلّف من أحداج الإبل، تحت شجيرات السَّمَرات في وادي الجُحْفَة في غدير خمّ، و هو عَرْضُ الولاية على كافّة الناس، و نزول الملكوت، و الجبروت في عالم الملك هذا منادياً: يا أعداء عليّ! و يا خصوم أهل البيت الذين طالما آذيتم رسول الله بشكاواكم من عليّ! اعلموا: أنّ عليَّاً لا يليق بشأنه أن يُؤذَى و يُشْكَى.
هو والى الولاية، و هو الطير الوحيد المحلّق في سماء العرفان، و الملاك المقرّب في قصر العرفان. و هو أقرب منكم إلى نفوسكم، و أولى بها منكم. و هو سيّدكم و أميركم و رئيسكم و قائدكم تكويناً و تشريعاً![3]

    

عيد النوروز في الميزان

    

ما هي حقيقة ما ورد عن تأييد الإسلام للنوروز؟

وأمّا ما تناقلته الألسن ولاكته الأفواه عن عيد النوروز، وأنّ الإسلام أيّده، و رغّب في الغسل والصلاة والدعاء عند تحويل الشمس في برج الحمل، فهو كلام عار عن الصحّة ومجرّد من الحقيقة.
فلم يرغّب الإسلام في هذا المجال قطّ، بل رفضه واعتبر الاحتفال بهذا العيد كتقليد قوميّ بدعة من البدع. و الرواية الواردة في هذا الباب عن‏المُعلى بْنِ خُنَيْس ضعيفة السند. و الروايات والأحاديث الاُخرى على هذا المنوال.

    

هل تصلح أدلّة التسامح في السنن لتصحيح عيد النوروز ومستحبّاته؟

وأمّا الغسل والدعاء أيضاً على أساس أدلّة التسامح في السنن في ضوء روايات: «مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ على شَيْ‏ءٍ فَأتَى بِهِ الْتِمَاسَ ذَلِكَ الثَّوَابِ أُوتِيَهُ وَ إن لَمْ يَكُنْ كَمَا بَلَغَ»، فلا هو مشرّع للحكم، و لا هو أساس للتمّسك بتلك الروايات في هذا المجال.[4]
و توضيح ذلك: نقل صاحب «وسائل الشيعة» تسع روايات في هذا الباب. أوّلها: «مَنْ بَلَغَهُ شَي‏ء من الثواب على شي‏ء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك، وإن كان رسول الله صلى الله عليه و آله لم يَقُلْهُ»ـ الحديث.
وعمل العلماء الأعلام بهذه الروايات، لأنّ أصل صدورها من المعصوم ثابت مقطوع به. بعضها صحيحة، و بعضها موثّقة، و بعضها ضعيفة. ولمّا كان صدورها ثابتاً فلا نمتري فيها. بَيدَ أنّ الإشكال يرد على دلالتها: كم تتّسع؟ وكم مساحة شمولها؟ وهل تشمل كلّ عمل مستحب رواه راوٍ ضعيف مجهول لا يوثق به حتى لو كان يزيد بن معاوية؟! ومن ثمّ يسوقنا إلى ما يريد بوضعه رواية على أساس التسامح في أدلّة السنن، و تؤدّي هذه الرواية إلى انتشار البدع، و قلب السُّنن الإسلاميّة، كما يلاحظ هذا اليوم، إذ نقلوا رواية ضعيفة عن المعلّى بن خُنيس من أجل أن يضفوا طابعاً رسميّاً على عيد النوروز فظنّوا استحباب الغسل والدعاء فيه. وبلغ هذا التسامح مبلغاً انهارت فيه الأعمدة العظيمة للسنن المحقّقة.
أو أنّ مصبّ هذه الروايات و دلالتها و شمولها موضع آخر. ومفاد هذه الروايات مفاد بحث أُصوليّ يتكافأ فيه الانقياد مع الطاعة كما يتكافأ التجرّؤ مع المعصية. لذلك إذا أثيب أحدٌ على عمل من وحي الحجج الشرعيّة، و هو عمل حسب ما يقتضيه، ثمّ تبيّن خلافه فأجره محفوظ لعامله ولا يحرمه الله ثوابه. وورد في ألفاظ الرواية لفظ مَن بَلَغَهُ. و يصدق البلوغ إذا تحقّق الوصول التعبّديّ كالوصول الخارجيّ في عالم الاعتبار وتُؤتَي الحجّيّة بالعمل. كالبلوغ في قوله تعالى: {يا أيّها الرَّسولُ بلِّغ ما انزِلَ إلَيْكَ مِن ربِّك}. و قوله تعالى: {هَذا بَلاغٌ لِلنَّاس}. و يشمل فقط الحالات التي يتمّ فيها الموضوع من حيث الاعتبار، إلاّ أنّ سهواً قد حصل في السند ولم يطابق الواقع اتّفاقاً.
إذن، لا تشمل أدلَّة التسامح الروايات المرسلة والمقطوعة والضعيفة السند بخاصّة في الأدعية التي تمثّل أهمّ أركان ربط المخلوق بالخالق. وفي الموضوع تفصيل ليس موضعه هنا.[5]
ففي نيّتنا تأليف رسالة شاملة وكاملة حول عيد النوروز وعدم جواز التمسّك بأدلّة التسامح في السنن في هذا المجال بحول الله و قوّته، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.[6]
[وقد ذكر نجله سماحة السيد محمد محسن الحسيني الطهراني في محاضرة له:]
وإن شاء الله لدي الرغبة في كتابة رسالة حول هذه المسألة، وسوف أبيّن حقيقة تلك الأمور والأحاديث المجعولة والتي لا طائل منها، حيث ـ وللأسف ـ قام المرحوم الشيخ عباس [القمي] بذكرها في «مفاتيح [الجنان]»؛ فسنقوم بدراستها وتحليلها إن شاء الله. هذا وقد قام الحقير بمراجعة أربع وعشرين نسخة خطيّة من الكتب الروائية التي تعتبر مصدراً لرواية النوروز، وصار ثابتاً بالعيان أنّ هذه الرواية مجعولة وموضوعة، وسوف نبيّن ذلك بشكل مبسوط إن شاء الله، ونوضّح أنّ جميع ما ينقل عن ذلك لا سند له، أما الرواية الصحيحة فهي ما نقل عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، حينما قام المنصور الدوانيقي بدعوته لمراسم عيد النيروز في المدينة، فحينما جاء عليه السلام ـ حيث أنّ هذه السنن قد انتقلت من الفرس إلى تلك المناطق وذلك في زمن عبد الملك بن مروان، وهناك بيان مفصّل وموثّق عن كيفيّة مجي‏ء بعض الإيرانيين ودخولهم في حكومة بني مروان، ممّا سبب سراية بعض ثقافات وآداب العجم إلى حكم بني مروان، وبعدهم انتقلت إلى بني العباس، حيث أنّ العديد منهم سرى على أسس الأعراف والآداب الفارسية ـ نعم حينما دعا المنصور الدوانيقي الإمام عليه السلام للمشاركة في المراسم الخاصة لذلك، أجابه سلام الله عليه وقال:
«إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم أجد لهذا العيد خبراً وإنّه سنّة للفرس، ومحاها الإسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام»[7].

 

[ملاحظة: تمّ انتخاب هذا البحث من كتاب معرفة الإمام، الأجزاء:6 و 9 و 15، تأليف المرحوم العلامة آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه، مضافاً لمقتطف من المحاضرة رقم 165 من سلسلة محاضرات شرح رواية عنوان البصري لسماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني حفظه الله، وقد تمّت مقابلة المتن مع الأصل الفارسي من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق].


[1] ـ ص 124 و 125، الفصلان 103 و 104 من الطبعة الحجريّة. و سمّى السيّد ابن طاووس كتابه «كَشْفُ المحجّة لِثَمَرَةِ المُهْجَة»، أو «إسْعَادُ ثَمَرَةِ الفُؤادِ على سَعَادَةِ الدُّنيا وَ المَعَادِ»، أو «كَشْفُ المحجَّة بِأكُفِّ الحُجَّةِّ»، كما قال ذلك في الفصل الثالث عشر من هذا الكتاب. و كذلك قال في الفصل التاسع منه إنّ عمره دخل سنة 649 ه، و لما دخل يوم النصف من محرّمها قبيل الظهر، يكون ابتداء دخوله في سنة إحدى و ستّين من عمره لأنّه ولد قبل ظهر يوم الخميس نصف محرّم سنة 589 في بلدة الحلّة السيفيّة، و كان ولده محمّد قد أكمل ستّ سنوات من عمره، و دخل في السنة السابعة منه. و أتمّ ولده عليّ سنتين من عمره و دخل في الثالثة. و اتّخذ هذا الكتاب طابع الوصيّة لولديه محمّد و عليّ و من عساه ينتفع به من جماعته و ذوي مودّته، مع أنّ الخطاب فيه معنون إلى ولده محمّد: يا ولدي محمّد! فلهذا يحترم الشيعة هذا الكتاب و يقدّرونه تقديراً تامّاً، و يحتفظ به العلماء العاملون و الطلّاب الأفاضل في جيوبهم، و يحملونه معهم في حلّهم و ترحالهم. و أوصاني خال والدي المرحوم آية الله الميرزا محمّد الطهراني أن أحمل هذا الكتاب في جيبي دائماً.

[2] ـ يقول: «أخْلِ جوفك من الطعام، لترى فيه نور المعرفة».

[3] ـ راجع كتاب: معرفة الإمام ج 9 ، ص176 إلى 183. (المحقٌق)

[4] ـ راجع كتاب معرفة الإمام ، ج6 ، ص 212-213 . (المحقٌق)

[5] ـ راجع كتاب معرفة الإمام، ج15، ص 56، الحاشية.

[6] ـ نلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ العلامة رضوان الله عليه كان ينوي تأليف رسالة بعنوان «النيروز بدعَةٌ و ضلالةٌ»، كما صرّح بذلك في أكثر من موطن، إلاّ أنّ رسالته هذه وللأسف الشديد لم تبصر النور.

[7] ـ مناقب ابن شهر آشوب، المجلد 4 صفحة 319، وكذلك في منتهى الآمال للشيخ عباس القمي المجلد 2 باب 9 الفصل 2 وغيرهما.

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی