الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  الجمعه  17 رمضان  1445 - Fri  29 Mar 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
الرئيسية   أرشيف  > واقعة كربلاء هي إحدى ظهورات الإمام الحسين عليه السلام

واقعة كربلاء هي إحدى ظهورات الإمام الحسين عليه السلام


واقعة كربلاء هي إحدى ظهورات الإمام الحسين عليه السلام

فسيّد الشهداء لا يُحدّد ولا يُعرّف بخصوص حادثة كربلاء, فحادثة كربلاء واحدة من آلاف الآلاف من ظهوراته وانعكاساته, و واقعة كربلاء مع جميع أبعادها الواسعة وعظمتها ومستوياتها الكامنة فيها (والتي لا يرقى إليها الخيال ولا التصوّر) إلاّ أنّها بالنسبة لمنصب الإمامة والولاية, وبالقياس إلى شؤون واحدٍ من الأئمّة المعصومين عليه السلام ومهامه لهي يمٌّ من محيط, وقطرة من بحار رحمة الإمام عليه السلام وفيوضاته.

فلو كان لدى الإمام الحسين عليه السلام أفكارٌ تشابه أفكارنا, وأسلوباً نظير أساليبنا وممشانا, لعمد إلى البقاء في مكّة المعظّمة حينما سمع أنّ يزيد قد بعث إليه بعدّة أفراد ليغتالوه ويقتلوه([7]), ولظلّ في مكّة, ولحوّل استشهاده إلى ملحمة يهدر فيها دمه في الحرم الإلهيّ, وداخل بيت الله الحرام, حتّى يكون في ذلك مدعاة لإبراز قباحة شخصيّة يزيد الآثم ووقاحته, بشكل أفصح وصوت أعلى, ولكي تدوّي صرخته وتملأ كلّ العالم معلناً للملأ: أنّ هذا السفّاك والمجرم المحترف! قد بلغ من الوقاحة والسفالة أنْ أقدم على سفك دم ابن رسول الله حتّى وإنْ كلّف ذلك هتك الحرم الإلهيّ الآمن وتدنيس مهبط الوحي, دون أن يتورّع عن شيء من العدوان والجور.

ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ سيّد الشهداء ـ قبل كلّ شيء ـ هو إمام, فهو أحد الأئمّة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فحفظ بيت الله الحرام واحترامه, وقداسة حريم الكعبة المعظّمة وحرمها أهمّ من هذه الغاية وأثمن, فهو في كلّ موقف أو ردّة فعل يرى الله أوّلاً ويرى الله آخراً, على العكس منّا حيث إنّنا نتوجّه إلى أنفسنا أوّلاً, ونراعي مآربنا وشخصيّتنا, ثمّ بعد ذلك نُلبسُ أفعالنا وأعمالنا ورغباتنا بثوب إلهيّ, ونجعل الله عنواناً وملاذاً لنيل أغراضنا وشؤوناتنا الشخصيّة. فانظر وتأمّل كم يتفاوت هذا الممشى مع ذاك!

وكذلك حضرة الإمام المجتبى عليه السلام, الذي أوصى أخاه سيّدَ الشهداء عليه السلام: أنْ لا يريق قطرة دم في تشييعه([8]), وهنا يتجلّى الفرق بين الإمام عليه السلام وغيره من سائر الأفراد.

وعلى هذا الأساس, سوف ترتديّ حادثة كربلاء ثوباً آخر وتبدو من خلال بعدها الأعمق, لتمتاز بذلك عن سائر الوقائع المشابهة وتتفاضل عليها, فهي حادثة لها خصوصيّاتها المقترنة بها دون غيرها, فالذي قادها وتزعمّها هو أحد الأئمّة المعصومين عليه السلام؛ إمامٌ يمثّل الظهور التامّ للأسماء الإلهيّة الكلّية, سواء في أنفاسه أو كلامه أو سلوكه, أو أيّ خطوة يخطوها, وهو في جميع مظاهره مجلىً لظهور الذات السرمديّة للحقّ تعالى, ويجب أنْ يُتّخذ قدوة وأسوة إلى أبد الآبدين, لأنّه تجسيمٌ للربوبيّة, وتجسيد لها, وعلى العبد أنْ يطيع الله وينقاد إليه, ولذا فحادثة عاشوراء أسوة وقدوة ولكن لا في خصوص المواجهة والثورة والحرب فقط, بل في كلّ شيء وكل لحظاتها وكلّ دقائقها, وفي جميع أطوارها وأحداثها.

يجب أنْ نشاهد ونتأمّل حياة سيّد الشهداء في كلّ أطوارها: من زمن طفوليّته, وفي مرحلة الشباب والفتوّة, والمرحلة التي كان فيها مع أخيه الأكبر حضرة الإمام الحسن عليه السلام في المدينة, وفي عهد حكومة معاوية الجائرة, وبعد ذلك حتّى لحظة استشهاده, فيجب دراسة كلّ ذلك, ولا بد من التأمّل فيه والتدقيق به على نسقٍ واحد وأنّه سياق واحد, تماماً وتماماً.

ولذا نرى أنّ جميع المعصومين عليهم السلام قد تكلّموا عن واقعة عاشوراء, وأوصوا الشيعة وأكّدوا عليهم وبشكل بليغ أنْ يحيوا هذه الواقعة العظيمة, والتي لا ثاني لها تاريخيّاً ولا مثيل, والحال أنّه من زمن الصدر الأوّل في الإسلام حتّى ذاك الزمان وما بعده, قد اتّفق العديد من الوقائع والحوادث المشابهة لها من ناحية مقارعة الكفّار والمشركين, أو معارضة الحكّام ومواجهة خلفاء الجور, قام بها العديد من الأفراد, حتّى نالوا الشهادة في هذا الطريق, إلاّ أنّه لا يزال هناك تفاوت وتمايز بين ما ورد في حقّ أنصار هذه الواقعة وغيرهم.

إنّ مواجهة سيّد الشهداء ليزيد مقدّمة لإحياء السنن ومعرفة الله

فالذي ينبغي أنْ يُلتفت إليه في هذه الثورة ـ وحسبما يبدو من تلك الرؤيتين السابقتين أنّهما قامتا بإهماله وبالغفلة عنه ـ هو السبب الكامن وراء هذه الثورة وعلّة هذه النهضة؛ فالرؤية الثانية قد سلّطت الأضواء ـ أكثر من كلّ شيء بحيث أدرجت جميع المسائل الأخرى والمباني الفكريّة والاعتقاديّة تحت هذا المنطلق ـ على جانب المبارزة والمواجهة مع الظلم والجور الناشئين من الحكومة الجائرة لنبي أميّة, وبالتالي رفض خلافة يزيد؛ وجعلت ذلك أصلاً لهذه الثورة وهدفاً وملاكاً لها. وأمّا بناءً على وجهة النظر المحقّة والتفسير الصحيح لهذه الثورة, فإنّ مسألة المعارضة مع خلافة بني أميّة الجائرة ومواجهتها, لهي مقدّمة ومعبر للوصول إلى إقامة شعائر الدين وإحياء السنن, وإعلاء راية التوحيد والمعرفة.

فغرض الإمام عليه السلام الأصليّ وهدفه, هو إحياء الأحكام المنسيّة والقوانين المهملة من سنّة جدّه وأبيه و بسّ, دون أيّ شيء آخر! وليس سبب آخر أن غرض الحكومات الجائرة والغاصبة والمتلبّسة بظاهر الإسلام - مثل الخلفاء الثلاثة وبني أميّة وبني مروان وبني العبّاس - وهمّهم وأقصى هدفهم التوسعة وإحكام النفوذ في البلاد, والفتوحات والاستيلاء على أموال الرعايا وأرواحهم وأعراضهم واستلاب أموالهم وغنائمهم.

ففي جميع الحكومات الإسلاميّة, حتّى وإن كان الشعار هو شعار تبليغ الإسلام ونشره, إلاّ أنّ الخلفيّة الكامنة في دائرة وعي الزعماء, وما يجول في داخل الراعين لها هو ما ذكر, ولم يكن هناك هدف وغاية من باطنهم وسرّهم غير ذلك. وما نلهجُ به ونصرّح به هو من هذا القبيل أيضاً, حيث إنّنا نقول: يجب على الشيعة أنْ ينظروا إلى عاشوراء دون غيرها, ولا بدّ من نصب عاشوراء كنموذج حياتيّ في جميع حركاتنا وسكناتنا, وصلحنا ومواجهاتنا, وتهوّرنا أو خمولنا, ومبادراتنا وحذرنا. وكذلك الذين يفرّقون بين الإمامين المجتبى وسيّد الشهداء عليهما السلام, وينظرون إلى حضرتيهما بمنظارين مختلفين وبعين الأحول, هؤلاء قد وقعوا في اشتباه فاحش, وسقطوا في الضلالة, وساروا في طريق التعدّي والظلم في حقّ هذين العظيمين.

شعار ثورة سيّد الشهداء إحياء السنّة وإماتة البدع

فالإمام نفسه يصرّح ضمن وصيّته لمحمّد بن الحنفيّة, حين خروجه من المدينة فيقول:

إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسدا ولا ظالماً, وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله؛ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر, وأسير بسيرة جدّي وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام.([9])

+أي: لم أخرج لأجل التفريح والتنزّه, ولا لأجل التكبّر وإبراز الذّات والتميّز, ولا لأجل الفساد والتخريب, ولا للظلم والجور والتعدّي, وإنّما خرجت للإصلاح في أمّة جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله.

أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأعمل بسيرة جدّي, وأسير على نهج وممشى أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام=.

ومن البديهي أنّه في ظلّ هذه الشرائط التي ذكرها الإمام كخلفيّة وهدفٍ لخروجه, سوف تكون الغاية القصوى والهدف الأعلى من الخلقة وكذا التربية, هي الوصول إلى معرفة حضرة الحقّ تعالى, وبزوغ شمس الولاية على النفوس وقلوب العباد, وهذا هو السبب في حركة سيّد الشهداء في واقعة كربلاء؛ كما أنّه قد صرّح بنفسه بذلك وقال:

الهدف من الخلقة معرفة الله ومعرفة الإمام

أيّها الناس! إنّ الله ما خلقَ خلقَ الله إلاّ ليعرفوه, فإذا عرفوه عبدوه, واستغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه.

فقال رجل: يا بن رسول الله! ما معرفة الله عزّو جلّ؟

فقال: معرفة أهل كلّ زمان إمامه الذي يجب عليهم طاعته.([10])

+أيّها الناس! لم يخلق الله خلقه إلاّ ليعرفوه ويتعرّفوا عليه, وبعد أنْ يعرفوه يمكنهم أن يبلغوا مقام إطاعته وعبوديّته, وبواسطة عبادته سوف يستغنون عن عبادة كلّ ما سواه.

فجاء رجل وسأل الإمام: يا بن رسول الله! ما هي معرفة الله؟

فأجابه الإمام: معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الواجب عليهم طاعته وتبعيّته=.

والس السمة الخاصّة هي التي أوجبتْ أنْ يحفظ الشيعة شعيرة العزاء وإحياء مجالس ذكر أبي عبد الله عليه السلام بشكلٍ دائم, وهو الذي جعل المعصومين يؤكّدون عليهم إحياء ذلك.

فمع كون إحياء مجالس ذكر أهل البيت عليهم السلام ذا مكانةٍ بالغة ـ سواء ذكرى تولّدهم أم شهاداتهم ـ وذلك بعنوانه أحد السنن والمعالم الثابتة في التراث الشيعيّ, إلاّ أنّ إقامة مجالس العزاء لأمير الشهداء وسيّدهم حضرة أبي عبد الله عليه السلام, قد حظيت بمكانة خاصّة ومميّزة من قِبل أهل البيت, وكلّ المعصومين عليهم السلام بدون استثناء, قد أمروا الشيعة وكلّفوهم بإقامة مجالس العزاء لحضرة أبي عبد الله.

يروي أبو محمّد هارون بن موسى التعلكبري, بسنده المتّصل إلى صفوان بن مهران, أنّ الإمام الصّادق عليه السلام قال له في زيارة الأربعين:

تزور عند ارتفاع النهار فتقول: السلام على وليّ الله وحبيبه... ([11])

وكذلك في كتاب كامل الزيارات يروي جعفر بن محمّد بن قولويه بسنده المتّصل إلى زرارة, عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال:

يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإنّ الجبال تقطّعت وانتثرت وإنّ البحار تفجّرت وإنّ الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام, وما اختضبت منّا امرأة ولا ادّهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد...([12])

السماء بكتْ دماً على الإمام الحسين عليه السلام أربعين يوماً

وكذلك يروي بسنده عن جابر, عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:

ما بكت السماء على أحدٍ بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن عليّ عليهما السلام فإنّها بكت عليه أربعين يوماً.([13])

وكذلك يروي في كامل الزيارات بسند متّصل عن عبد الخالق, عن الإمام الصّادق عليه السلام, أنّه قال في تفسير الآية الشريفة الحاكية قصّة يحيى عليه السلام من قوله تعالى)لَمْ نجَْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) ([14]) +أي لم نسمّي أحداً بهذا الاسم قبله= فيقول:

سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول )لَمْ نجَْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) الحسين بن عليّ, لم يكن له من قبل سمياً, ويحيى بن زكريا عليه السلام لم يكن له من قبل سميّاً, ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحاً...([15])

وهناك روايات أكثر من ذلك, والذي صرفنا عن ذكرها هو عدم الرغبة في التطويل.


([7]) نفس المهموم صفحة 163 وكذلك مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم صفحة 165.

([8]) حيث جاء في وصيّة الإمام الحسن لأخيه الإمام الحسين عليهما السلام: "وبالله أقسم عليك أنْ لا تهريق في أمري محجمة من دم", الإرشاد للشيخ المفيد 2: 17وكذلك مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3: 202 وغيرهما.

([9]) لمعات الحسين صفحة 11.

([10]) م ـ س.

([11]) إقبال الأعمال 3: 101 وكذلك في وسائل الشيعة 14: 478.

([12]) كامل الزيارات صفحة 80 حديث 6.

[13]) ) م ـ س. صفحة 90 ـ حديث 9.

([14]) سورة مريم (19) ذيل الآية 7.

([15]) كامل الزيارات صفحة 90 ـ الحديث 8 وكذلك بحار الأنوار 45: 211 ـ الحديث 22.

چاپ ارسال به دوستان
 
الإستفتاء
الإسم:    
البريد الإلكترونيّ:    
التاریخ    
الموضوع:    
النص:    

أدخل الرمز أو العبارة التي تراها في هذه الصورة بدقة

اگر در دیدن این کد مشکل دارید با مدیر سایت تماس بگیرید 
عوض الرمز الجديد

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی