معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > اعتقادات > معرفة‌ المعاد > معرفة المعاد( المجلد الرابع)
کتاب معرفة المعاد / المجلد الرابع / القسم الاول: علامات ظهور القیامة، شکوی علی علیه السلام من اصحابه

 

بسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

الحمد للَّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلي‌ّ العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علی محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

(مطالب‌ أُلقيت‌ في‌ اليوم‌ العشرين‌ من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌)

 

علامات‌ القيامة‌ وحضور الإنسان‌ فيها

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن‌ تَأْتِيَهُم‌ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنـَّي‌' لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَیـ'هُمْ. [1]

 للّه‌ الحمد والمنّة‌ فقد أنهينا بحث‌ المعاد الذي‌ شرعنا به‌ في‌ مقدّمات‌ حياة‌ الإنسان‌ في‌ الدنيا وخصائص‌ حال‌ الاحتضار وسكرات‌ الموت‌ وعالم‌ القبر والبرزخ‌، وعلينا الآن‌ أن‌ نبدأ بالبحث‌ في‌ مقدّمات‌ عالم‌ القيامة‌ الكبري‌ وحضور الإنسان‌ في‌ ساحة‌ الله‌ تعالي‌، وفي‌ بيان‌ العوالم‌ التي‌ يطويها الإنسان‌ في‌ هذه‌ الدورة‌ من‌ الحياة‌ الاُخرويّة‌.

 والسياق‌ في‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ سياق‌ المؤاخذة‌ والتهكّم‌، لكأنّ الكفّار في‌ موقف‌ يتوجّب‌ عليهم‌ فيه‌ إمّا متابعة‌ الحقّ لتكون‌ عاقبتهم‌ مقرونة‌ بالخير والسعادة‌، أو انتظار حلول‌ ساعة‌ القيامة‌ ليتذكّروا ويؤمنوا ويتّبعوا الحقّ بمشاهدة‌ تحقّق‌ الوقوع‌ والإشراف‌ الذي‌ يكون‌ لهم‌ عليها والخصائص‌ التي‌ يرونها منها. بَيدَ أنـّهم‌ لم‌ يتّبعوا الحقّ اليومَ، فلم‌ يبقَ أمامهم‌ إذاً إلاّ احتمال‌ واحد، وهو مجي‌ء القيامة‌ نفسها.

 وبديهي‌ّ أنّ علامات‌ القيامة‌ الموجودة‌ اليوم‌، من‌ انقسام‌ البشر إلی أفراد صالحين‌ وطالحين‌، وهو أمر يستتبع‌ ويستلزم‌ وجود القيامة‌ والحساب‌، ومن‌ ظهور الموت‌ وهو العبور للوصول‌ إليها، ومن‌ ظهور نبي‌ّ آخر الزمان‌ وانشقاق‌ القمر ونزول‌ القرآن‌ آخر الكتب‌ السماويّة‌ لم‌تكن‌ ذات‌ فائدةٍ ما لهؤلاء، ناهيك‌ عن‌ أنـّهم‌ لم‌ يذعنوا للحقّ من‌ خلال‌ المواعظ‌ البليغة‌ والبيّنات‌ والحجج‌ الواضحة‌ البيّنة‌ والعِبَر المتوالية‌، ولم‌ يتّجهوا إلی الإيمان‌ بالله‌ والعمل‌ الصالح‌، فلم‌ يبقَ أي‌ّ طريق‌ آخر لاتّعاظهم‌ وهدايتهم‌ إلاّ وقوع‌ نفس‌ القيامة‌. لكنّ الإيمان‌ لن‌ ينفعهم‌ شيئاً آنذاك‌، لانّ الامر سيكون‌ قد حُسِم‌، وعالم‌ العمل‌ قد أُغلق‌، وعالم‌ الجزاء والحساب‌ قد حان‌ حينه‌ وآن‌ أوانه‌. يَوْمَئِذٍ  يَتَذَكَّرُ الإنْسَـ'نُ وَأَنـَّي‌' لَهُ الذِّكْرَي‌' * يَقُولُ يَـ'لَيْتَنِي‌ قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي‌.[2]

 والآيات‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌ العائدة‌ إلی القيامة‌ متّفقة‌ بأجمعها علی أنّ هذه‌ الارض‌ ستزول‌ يوم‌ القيامة‌، وأنّ النجوم‌ ستنهار، وأنّ الشمس‌ والقمر سيُكسفان‌ ويُطمسان‌، وأنّ هذا العالم‌ سيندكّ ويتلاشي‌ بأجمعه‌. ثمّ إنّ الله‌ تعالي‌، بعد فناء هذا العالم‌، سيُحضِر الارواح‌ في‌ القيامة‌ للحساب‌ والجزاء، سواء الارواح‌ التي‌ رحلت‌ عن‌ الدنيا فهي‌ في‌ البرزخ‌ تنتظر حلول‌ القيامة‌، أو الارواح‌ التي‌ ستترك‌ الدنيا بواسطة‌ صَعقة‌ الموت‌، فتحضر فجأة‌ في‌ القيامة‌.

 وهناك‌ نفختان‌ في‌ الصور، إحداهما، نفخة‌ الإماتة‌ التي‌ يموت‌ الجميع‌ علی إثرها، والاُخري‌ نفخة‌ الإحياء التي‌ سيُبعث‌ بها الجميع‌ بعد موتهم‌ ويُنشرون‌ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ. [3]

 وقد وردت‌ مطالب‌ كثيرة‌ في‌ أخبار أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ في‌ علامات‌ القيامة‌ وبالإضافة‌ لهذه‌ العلامات‌ فهناك‌ أساساً مرحلتان‌ تسبقان‌ القيامة‌ ينبغي‌ طيّهما قبلها كمقدّمات‌ لها، إحداهما ظهور قائم‌ آل‌محمّد عليهم‌ السلام‌ الإمام‌ المهدي‌ّ محمّد بن‌ الحسن‌ العسكري‌ّ عجّل‌ الله‌ تعالي‌ فرجه‌ الشريف‌، والاُخري‌ رجعة‌ آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌. وليس‌ من‌ شكّ أو ريب‌ في‌ تحقّق‌ هذين‌ الموضوعين‌، فموضوع‌ ظهور الإمام‌ المهدي‌ّ أرواحنا فداه‌ متّفق‌ عليه‌ لدي‌ جميع‌ طوائف‌ المسلمين‌ ومذاهبهم‌، كما أنّ رجعة‌ آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌ من‌ مسلّمات‌ الشيعة‌، وكان‌ القول‌ بـ «الإمامة‌» و «الرجعة‌» الوجه‌ المميّز للشيعة‌ عن‌ غيرهم‌ منذ قديم‌ الايّام‌، وهناك‌ في‌ هذا الخصوص‌ مطالب‌ كثيرة‌ في‌ التواريخ‌ والسير والاخبار.

 وبصورة‌ عامّة‌ فإنّ هناك‌ مراحل‌ ثلاثاً متعاقبة‌ ومتوالية‌ ينبغي‌ طيّها للوصول‌ إلی تكامل‌ عالم‌ البشريّة‌.

 الاُولي‌: ظهور الإمام‌ المهدي‌ّ أرواحنا فداه‌، حيث‌ تطوي‌ البشريّة‌ طريقها إلی الكمال‌ بسرعة‌.

 الثانية‌: الرجعة‌ ـ بوجود ظهورات‌ وأنوار الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ ورجوعهم‌ إلی الدنيا ـ حيث‌ ستصل‌ إلی الفعليّة‌ والتحقّق‌ جميع‌ مراحل‌ القابليّات‌ البشريّة‌ التي‌ لم‌ تصل‌ زمن‌ أُولئك‌ الاجلاّء إلی مرحلة‌ الفعليّة‌.

 الثالثة‌: القيامة‌ التي‌ توجب‌ تكامل‌ المرحلتين‌ السابقتين‌ وفقدان‌ الإنّيّات‌ وطلوع‌ صفة‌ جلال‌ الحضرة‌ الكبريائيّة‌ واندكاك‌ الهويّات‌ والشخصيّات‌ بظهور الحقيقة‌ في‌ العوالم‌.

 وهذه‌ المراحل‌ الثلاث‌ مترتّبة‌ علی بعضها، ومالم‌ تطوَ المرحلة‌ الاُولي‌ فإنّ المرحلة‌ الثانية‌ لن‌ تأتي‌، ومالم‌ تتحقّق‌ الثانية‌ فإنّ الثالثة‌ لن‌تتحقّق‌ بدورها.

 وقد وردت‌ في‌ علامات‌ الظهور وعلامات‌ الرجعة‌ والقيامة‌ أخبارٌ كثيرة‌ دوّنها الاعلام‌ في‌ الكتب‌، وبالرغم‌ من‌ عدم‌ وجود الاطمئنان‌ من‌ صحّتها جميعاً، ومع‌ وجود أخبار ضعيفة‌ كثيرة‌ بينها، إلاّ أنـّه‌ يُستفاد من‌ مجموعها ـإجمالاًـ أنّ كلاّ من‌ هذه‌ المراحل‌ الثلاث‌، من‌ الظهور والرجعة‌ والقيامة‌، له‌ مشخّصات‌ وعلامات‌ وآثار مختصّة‌ به‌، إضافةً إلی أنّ لبعضها سنداً صحيحاً، وأنّ ذلك‌ البعض‌ يمكن‌ قبوله‌ وفق‌ القواعد الاُصوليّة‌، سواء الروايات‌ الصادرة‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ أو عن‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ سلام‌الله‌ عليهم‌ أجمعين‌.

حديث‌ سلمان‌ في‌ علامات‌ القيامة‌

 فعلي‌ّ بن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ ـ مثلاً ـ الذي‌ كان‌ يعيش‌ قبل‌ أكثر من‌ ألف‌ سنة‌، والذي‌ له‌ تفسير في‌ غاية‌ الإتقان‌ والاعتبار تدارسه‌ العلماء الاعلام‌ ورجعوا إليه‌ طوال‌ هذه‌ المدّة‌ المديدة‌، حيث‌ يُعدّ من‌ مصادر كتب‌ الشيعة‌، ينقل‌ عن‌ سلمان‌ الفارسي‌ّ رواية‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بينما كان‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ واقفاً في‌ المسجد الحرام‌ خلال‌ «حجّة‌ الوداع‌» آخذاً بحلقة‌ باب‌ الكعبة‌.

 وهذه‌ الرواية‌ علی نحوٍ لا يطرأ معه‌ أي‌ّ احتمال‌ للدسّ والخدش‌ في‌ مضمونها، لانـّها تذكر مطالب‌ تتعلّق‌ بآخر الزمان‌ لم‌ يكن‌ لاي‌ّ منها أثر في‌ ذلك‌ الزمان‌، حتّي‌ أنّ الارضيّة‌ لم‌ تكن‌ موجودة‌ ومهيّئة‌ لحدوث‌ مثل‌ هذه‌ الوقائع‌، ليمكن‌ احتمال‌ حصولها فيما بعد، وليمكن‌ ـ من‌ ثَمَّ ـ جعل‌ مثل‌ هذا الحديث‌.

 فعليه‌ يمكن‌ حصول‌ الاعتماد والاطمئنان‌ بهذه‌ الرواية‌ وأمثالها في‌ كتب‌ الحديث‌ والتفسير المتقنة‌، وعدّها من‌ الروايات‌ الدالّة‌ علی الظهور وعلامات‌ القيامة‌.

 هذا وقد أورد هذه‌ الرواية‌ ذيل‌ الآية‌ التي‌ تصدّرت‌ البحث‌، وعدّها من‌ شواهد أشراط‌ الساعة‌، والاشراط‌ جمع‌ الشرط‌ بمعني‌ العلامة‌، والرواية‌ كالتالي‌:

 يقول‌ علی بن‌ إبراهيم‌: حدّثني‌ أبي‌ (إبراهيم‌ بن‌ هاشم‌) عن‌سليمان‌ ابن‌ مسلم‌ الخشّاب‌، عن‌ عبد الله‌ بن‌ جريح‌ المكّي‌ّ، عن‌ عطاء بن‌ أبي‌ رياح‌ عن‌ عبدالله‌بن‌ عبّاس‌، قال‌:

 حَججنا مَعَ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ حجّةَ الوداع‌، فأخَذ بحلقةِ بابِ الكعبةِ ثمّ أقبلَ علينا بوجههِ، فقالَ:

 أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَكَانَ أَدْنَي‌ النَّاسِ يَوْمَئذٍ مِنهُ سَلْمَانُ رَحْمَةُ اللَهِ عَلَيْهِ.

 فَقَالَ: بَلَي‌ يَا رَسُولَ اللَهِ!

 فَقَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ الْقِيَامَةِ، إِضَاعَةَ الصَّلاَةِ وَاتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ، وَالْمَيْلَ مَعَ الاْهْوَاءِ، وتَعْظِيمَ أَصْحَابِ الْمَالِ، وَبَيْعَ الدِّينِ بِالدُّنْيَا، فَعِنْدَهَا يَذُوبُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فِي‌ جَوْفِهِ كَمَا يُذَابُ الْمِلْحُ فِي‌ الْمَاءِ، مِمَّا يَرَي‌ مِنَ الْمُنْكَرِ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ.

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! إِنَّ عِنْدَهَا يَلِيهِمْ أُمَرَاءُ جَوَرَةٌ، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ، وَعُرَفَاءُ ظَلَمَةٌ، وَأُمَنَاءُ خَوَنَةٌ.

 فَقَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! إِنَّ عِنْدَهَا يَكُونُ الْمُنْكَرُ مَعْرُوفاً، وَالْمَعْرُوفُ مُنْكَراً، وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ الاْمِينُ، وَيُصَدَّقُ الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ.

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! فَعِنْدَهَا إِمَارَةُ النِّسَاءِ، وَمُشَاوَرَةُ الإمَاءِ، [4] وَقُعُودُ الصِّبْيَانِ [5] علی الْمَنَابِرِ، وَيَكُونُ الْكِذْبُ طُرَفاً، وَالزَّكَاُ مَغْرَماً، وَالْفَي‌ْءُ مَغْنَماً، وَيَجْفُو الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، وَيَبِرُّ صَدِيقَهُ، وَيَطْلُعُ الْكَوْكَبُ الْمُذَنَّبُ.

 فَقَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! وَعِنْدَهَا تُشَارِكُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي‌ التِّجَارَةِ، وَيَكُونُ الْمَطَرُ قَيْظاً، وَيُغَيَّظُ الْكِرَامُ غَيْظاً، وَيُحْتَقَرُ الرَّجُلُ الْمُعْسِرُ؛ فَعِنْدَهَا تُقَارِب‌ الاْسْوَاق‌، [6] إِذَا قَالَ هَذَا: لَمْ أَبِعْ شَيئاً، وَقَالَ هَذَا: لَمْ أَرْبَحْ شَيئاً، فَلاَتَرَي‌ إِلاَّ ذَامَّاً لِلَّهِ.

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولُ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! فَعِنْدَهَا يَلِيهِمْ أَقْوَامٌ إِنْ تَكَلَّمُوا قَتَلُوهُمْ، وَإِنْ سَكَتُوا اسْتَبَاحُوا حَقَّهَمْ، لِيَسْتَأْثِرُوا بِفِيْئِهِمْ، وَلِيَطَؤُنَّ حُرْمَتَهُمْ، وَلِيَسْفِكُنَّ دِمَاءَهُمْ، وَلِيَمْلَؤُنَّ قُلُوبَهُمْ دَغَلاً وَرُعْباً، فَلاَ تَرَاهُمْ إِلاَّ وَجِلِينَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ مَرْهُوبِينَ.

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! إِنَّ عِنْدَهَا يُؤْتَي‌ بِشَي‌ْءٍ مِنَ الْمَشْرِقِ وَشَي‌ْءٍ مِنَ الْمَغْرِبِ، يَلُونَ أُمَّتِي‌، فَالْوَيْلُ لِضُعَفَاءِ أُمَّتِي‌ مِنْهُمْ؛ وَالْوَيْلُ لَهُمْ مِنَ اللَهِ؛ لاَيَرْحَمُونَ صَغِيراً؛ وَلاَ يُوَقِّرُونَ كَبِيراً؛ وَلاَ يَتَجَاوَزُونَ عَنْ مُسِي‌ءٍ، أَخْبَارُهُمْ خَنَاءٌ، جُثَّتُهُمْ جُثَّةُ الآدَمِيّينَ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ.

 قَالَ سَلْمَانْ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! وَعِنْدَهَا يَكْتَفِي‌ الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَيُغَارُ علی الْغِلْمَانِ كَمَا يُغَارُ علی الْجَارِيةِ فِي‌ بَيْتِ أَهْلِهَا؛ وَتَشَبُّهُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ بِالرِّجَالِ، وَيَرْكَبْنَ ذَوَاتُ الْفُرُوجِ [7] السُّرُوجَ، فَعَلَيْهِنَّ مِنْ أُمَّتِي‌ لَعْنَةُ اللَهِ!

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولُ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيه‌ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! إِنَّ عِنْدَهَا تُزَخْرَفُ الْمَسَاجِدُ كَمَا تُزَخْرَفُ الْبِيَعُ وَالكَنَائسُ؛ وَتُحَلَّي‌ الْمَصَاحِفُ؛ وَتُطَوَّلُ الْمَنَارَاتُ؛ وَتَكْثُرُ الصُّفُوفُ بِقُلُوبٍ مُتَبَاغِضَةٍ، وَأَلْسُنٍ مُخْتَلِفَةٍ.

 فَقَال‌ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! وَعِنْدَهَا تُحَلَّي‌ ذُكُورُ أُمَّتِي‌ بِالذَّهَبِ، وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيْرَ وَالدِّيبَاجَ وَيَتَّخِذُونَ جُلُودَ النَّمُورِ صَفَاقاً!

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! وَعِنْدَهَا يَظْهَرُ الرِّبَا؛ وَيَتَعامَلُونَ بَالْغَيْبَةِ [8] وَالرُّشَي‌؛ وَيُوضَعُ الدِّينُ؛ وَيُرْفَعُ الدُّنْيَا.

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! وَعِنْدَهَا يَكْثُرُ الطَّلاَقُ، فَلاَ يُقَامُ لِلَهِ حَدٌّ، وَلَنْ يَضُرَّ اللَهَ شَيئاً.

 فَقَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! وَعِنْدَهَا تَظْهَرُ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَيَلْيِهِمْ أَشْرَارُ أُمَّتِي‌.

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! وَعِنْدَهَا يَحَجُّ أَغْنِيَاءُ أُمَّتِي‌ لِلنُّزْهَةِ، وَيَحَجُّ أَوْسَاطُهَا لِلتِّجَارَةِ، وَيَحَجُّ فُقَرَاؤُهُمْ لِلرِّئَاءِ وَالسُّمْعَةِ؛ فَعِنْدَهَا يَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ لِغَيْرِ اللَهِ، وَيَتَّخِذُونَهُ مَزَامِيرَ؛ وَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِاللَهِ، وَيَكْثُرُ أَوْلاَدُ الزِّنَاءِ وَيَتَغَنَّونَ بِالْقُرآنِ؛ وَيَتَهَافَتُونَ بِالدُّنْيَا.

 قَالَ: سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! ذَاكَ إِذَا انْتُهِكَتِ الْمَحَارِمُ، وَاكْتُسِبَت‌ الْمَآثِمُ، وَسُلِّطَ الاْشْرَارُ علی الاْخْيَارِ، وَيَفْشُوَ الْكِذْبُ، وَتَظْهَرُ اللَّجَاجَةُ، وَتَفْشُوَ الْفَاقَةُ، وَيَتَبَاهَوْنَ فِي‌ اللِبَاسِ، وَيُمْطَرُونِ فِي‌ غَيْرِ أَوانِ الْمَطَرِ، وَيَسْتَحْسِنُونَ الْكُوبَةَ [9] وَالْمَعَازِفَ وَيُنْكِرُونَ الاْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي‌َ عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّي‌ يَكُونَ الْمُؤمِنُ فِي‌ ذَلِكَ الزَّمَانِ أَذَلَّ مَنْ فِي‌ الاْمَّةِ، وَيُظْهِرُ قُرَّاؤُهُمْ وَعُبَّادُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ التَّلاَوُمَ؛ فَأُولَئِكَ يُدْعَوْنَ فِي‌ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: الاْرْجَاسَ وَالاْنْجَاسَ.

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! فَعِنْدَهَا لاَ يَخْشَي‌ الْغَنِي‌ُّ إِلاَّ الْفَقْرَ حَتَّي‌ أَنَّ السَّائِلَ لَيَسْأَلُ فِيمَا بَيْنَ الْجُمْعَتَيْنِ، لاَ يُصِيبُ أَحَداً يَضَعُ فِي‌ يَدِهِ شَيئاً.

 قَالَ سَلْمَانُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: إِي‌ وَالَّذي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ!

 يَا سَلْمَانُ! عِنْدَهَا يَتَكَلَّمُ الرُّوَيْبَضَةُ.

 فَقَالَ: وَمَا الرُّوَيْبَضَةُ يَا رَسُولَ اللَهِ فِدَاكَ أَبِي‌ وَأُمّي‌؟

 قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: يَتَكَلَّمُ فِي‌ أَمْرِ الْعَامَّةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّمْ؛ [10] فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ قَلَيلاً حَتَّي‌ تَخُورُ الاْرْضُ خَوْرَةً، فَلاَ يَظُنُّ كُلُّ قَوْمٍ إِلاَّ أَنـَّهَا خَارَتْ فِي‌ نَاحِيَتِهِمْ، فَيَمْكُثُونَ مَاشَاءَ اللَهُ ثُمَّ يُنْكَثُونَ فِي‌ مَكْثِهِمْ، فَتُلْقِي‌ لَهُمُ الاْرْضُ أَفْلاَذَكَبِدِهَا.

 قَالَ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إلی الاْسَاطِينِ فَقَالَ: مِثْلُ هَذَا. فَيَوْمَئذٍ لاَ يَنْفَعُ ذَهَبٌ وَلاَ فِضَّةٌ، فَهَذَا مَعْنَي‌ قَوْلِهِ: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا. [11]

 وقد ورد في‌ بعض‌ الآيات‌ تعبير: وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ. [12]

 أي‌ أنـّكم‌ ستُقلبون‌ للحضور في‌ القيامة‌ في‌ ساحة‌ الحضرة‌ الإلهيّة‌؛ وباعتبار أنّ ذلك‌ العالم‌ عالم‌ الصحو المحض‌ وعالم‌ الصدق‌ والواقعيّة‌، فيتّضح‌ أنّ الناس‌ يعيشون‌ في‌ هذه‌ الدنيا ـ وهي‌ عالم‌ الاعتبار ـ علی أساس‌ الغفلة‌ والنوم‌، وعلي‌ أساس‌ الكذب‌ والاُمور الاعتباريّة‌ الموهومة‌، ليكون‌ قلبها وعكسها صحواً وصدقاً وحقيقة‌.

 نعوذ بالله‌ من‌ النفس‌ الامّارة‌ بالسوء التي‌ تُلحق‌ بالإنسان‌ جميع‌ المصائب‌ والتعاسات‌. وحقّاً إذا وُكل‌ الإنسان‌ إلی نفسه‌ فإنّه‌ لن‌ يقف‌ في‌ تمرّده‌ وجموحه‌ عند حدّ، وسينحدر متسارعاً في‌ منحدر الشقاء والتعاسة‌، ولن‌يكون‌ من‌ علاجٍ له‌ آنذاك‌ إلاّ جهنّم‌ المستعرة‌.

 لقد كان‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يقود الاُمّة‌ علی محور العزّة‌ والشرف‌، فحارب‌ الناكثين‌ والقاسطين‌ والمارقين‌ وفقاً لما أخبره‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، وكان‌ أهل‌ الكوفة‌ يسبّبون‌ له‌ الاذي‌ كثيراً ويتمرّدون‌ عن‌ طاعته‌، ويتقاعسون‌ في‌ تجهيز الجيش‌ وفي‌ الحضور في‌ ساحة‌ القتال‌، ويقدّمون‌ استراحتهم‌ في‌ بيوتهم‌ مع‌ أهليهم‌ علی الجهاد في‌ سبيل‌الله‌، وكانوا يعترضون‌ عليه‌ بآلاف‌ الاعتراضات‌ والانتقادات‌، كلاّ وفق‌ رأيه‌ وذوقه‌ اللذين‌ اختارهما وانتهجهما، ويُبرزون‌ أنانيّتهم‌ وشخصيّتهم‌ مقابل‌ أوامره‌ عليه‌ السلام‌، ممّا كان‌ يرهق‌ كاهل‌ الإمام‌ القائم‌ بالحقّ والحاكم‌ بالعدل‌، المخلص‌ للرعيّة‌ والداعي‌ إلی الله‌ ويُتعبه‌ ويزهّده‌ في‌ الحياة‌.

مخالفة‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌

 يروي‌ الثقفي‌ّ في‌ كتاب‌ «الغارات‌» بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ الودّاك‌ أنّ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ لمّا فرغ‌ من‌ حرب‌ الخوارج‌ قام‌ في‌ النهروان‌ خطيباً فحمد الله‌ وأثني‌ عليه‌ بما هو أهله‌، ثمّ قال‌:

 أَمَّا بَعْدُ، فانَّ اللَهَ قَدْ أَحْسَنَ بِكُمْ وَأَعَزَّ نَصْرَكُمْ فَتَوَجَّهُوا مِنْ فَوْرِكُمْ هَذَا إلی عَدُوِّكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.

 فقاموا إليه‌، فقالوا:

 يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! نَفِدَتْ نِبَالُنَا، وَكَلَّتْ سُيُوفُنَا، وَنَصَلَتْ أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا وَعَادَ أَكْثَرُهَا قَصْداً.

 ارْجِعْ بِنَا إلی مِصْرِنَا نَسْتَعِدُّ بِأَحْسَنِ عُدَّتِنَا، وَلَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ فِي‌ عِدَّتِنَا عَدَدَ مَنْ هَلَكَ مِنَّا، فَإِنَّهُ أَقْوَي‌ لَنَا علی عَدُوِّنَا؛ وَكَانَ الَّذِي‌ وَلِي‌َ كَلاَمَ النَّاسِ يَوْمَئذٍ الاْشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ. [13]

 أورده‌ الطبري‌ّ كذلك‌ ضمن‌ بيان‌ وقائع‌ سنة‌ سبع‌ وثلاثين‌.

 كما روي‌ في‌ «الغارات‌» بسنده‌ عن‌ المستظلّ بن‌ حصين‌ أنّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قال‌ في‌ خطبة‌ له‌:

 يا أَهْلَ الْكُوفَةِ! وَاللَهِ لَتَجِدُّنَّ فِي‌ اللَهِ، وَلَتُقَاتِلُنَّ علی طَاعَتِهِ، أَوْ لَيَسُوسَنَّكُمْ قَوْمٌ أَنْتُمْ أَقْرَبُ إلی الْحَقِّ مِنْهُمْ، فَلَيُعَذِّبَنَّكُمْ وَلَيُعَذِّبَنْهُمُ اللَهُ. [14]

اعتراض‌ البعض‌ علی أمير المؤمنين‌ في‌ قبول‌ التحكيم‌ وخطبته‌ في‌...

 وروي‌ كذلك‌ في‌ «الغارات‌» بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ عمير العبيسي‌ّ، قال‌: مَرَّ علی عَلَيهِ السَّلاَمُ علی الشَّفَارِ مِنْ هَمْدَانِ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: أَقَتَلْتَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ جُرْمٍ، وَدَاهَنْتَ فِي‌ أَمْرِاللَهِ، وَطَلَبْتَ الْمُلْكَ وَحَكَّمْتَ الرِّجَالَ فِي‌ دِينِ اللَهِ؟! لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَهِ.

 فَقَالَ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ: حُكْمُ اللَهِ فِي‌ رِقَابِكُمْ، مَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا أَنْ يَخْضِبَهَا مِنْ فَوْقِهَا بِدَمٍ؛ إِنِّي‌ مَيِّتٌ أَوْ مَقْتُولٌ بَلْ قَتْلاً، ثُمَّ جَاءَ حَتَّي‌ دَخَلَ الْقَصْرَ. [15]

 وجاء في‌ «نهج‌ البلاغة‌» أنّ شخصاً من‌ أصحاب‌ الإمام‌ قام‌ فقال‌:

 نَهَيْتَنَا عَنِ الْحُكُومَةِ ثُمَّ أَمَرْتَنَا بِهَا! فَمَا نَدْرِي‌ أَي‌ّ الاْمْرَيْنِ أَرْشَدُ؟ فَصَفَّقَ عَلَيهِ السَّلاَمُ إِحْدَي‌ يَدَيْهِ علی الاْخْرَي‌ وَقَالَ:

 هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ.[16]

 أَما وَاللَهِ إِنِّي‌ لَوْ حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِمَا أَمَرتُكُمْ بِهِ حَمَلْتُكُمْ علی الْمَكْرُوهِ الَّذِي‌ يَجْعَل‌ اللَهُ فِيهِ خَيْراً؛ فَإِن‌ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ، وَإِنْ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ، لَكَانَتْ الْوُثْقَي‌، وَلَكِنْ بِمَنْ وَإِلَي‌ مَنْ؟

 أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِي‌ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائِي‌؛ كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضلْعَهَا مَعَهَا. [17]

 اللَهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هَذَا الدَّاءِ الدَّوِيِّ، وَكَلَّتْ النَّزَعَةُ بِأَشْطَانِ الرَّكِي‌ّ. [18]

 لقد رفع‌ معاوية‌ المصاحف‌ علی رؤوس‌ الرماح‌ حيلةً ومكراً، وعدّ نفسه‌ تابعاً للقرآن‌، وحكّم‌ كتاب‌ الله‌، وأناط‌ أمر الحرب‌ إلی التحكيم‌، فقام‌ أميرالمؤمنين‌ بتحذير الناس‌ كراراً بخطبه‌ وكلامه‌ من‌ نوايا معاوية‌ السيّئة‌، وأخبرهم‌ أنّ الامر لا يعدو كونه‌ خدعة‌ ليس‌ إلاّ، وأنّ أُولئكم‌ يريدون‌ إيقاف‌ الحرب‌ باسم‌ القرآن‌ فراراً من‌ الهزيمة‌ الحتميّة‌ أوّلاً، ولإيجاد إشكال‌ وخدش‌ ـ عمليّاً ـ في‌ حكومة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ خلال‌ إرجاع‌ الامر إلی التحكيم‌ ثانياً. وعلي‌ كلّ تقدير فإنّهم‌ كانوا يريدون‌ استغلال‌ الفرصة‌ علی نحوٍ سيّي‌ لصالحهم‌.

 ومن‌ هنا فقد كان‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ينهي‌ الناس‌ بشدّة‌ عن‌ قبول‌ التحكيم‌ وعن‌ الخضوع‌ له‌، ولكنّ الضجّة‌ التي‌ قام‌ بها الناس‌ مطالبين‌ بالتحكيم‌، والفتنة‌ والتفرقة‌ التي‌ حصلت‌ في‌ جيش‌ الإمام‌ (حيث‌ أحاط‌ به‌ القوم‌ بعشرة‌ آلاف‌ سيف‌ مُشهر وهدّدوه‌ أن‌ يقطّعوه‌ إرباً إرباً إن‌ امتنع‌ عن‌ قبول‌ التحكيم‌) جعلت‌ الإمام‌ لا يجد مناصاً ومفرّاً من‌ قبول‌ التحكيم‌، وإلاّ خالفه‌ جميع‌ جيشه‌ وعسكره‌ ولانتهي‌ الامر لصالح‌ معاوية‌ بشكل‌ حتمي‌ّ.

 لذا فقد قبل‌ عليه‌ السلام‌ بالتحكيم‌. ثمّ مكر الحكمان‌ واحتالا فخدع‌ عمروبن‌ العاص‌ أبا موسي‌ الاشعري‌ّ وانتهي‌ أمرهما إلی الانحراف‌، فصمّم‌ الإمام‌ علی مواصلة‌ حرب‌ صفّين‌ ليُنهي‌ أمر معاوية‌ الماكر الخدّاع‌ ويحسمه‌ إلی الابد.

 إلاّ أنّ طائفة‌ الخوارج‌ خرجوا علی الإمام‌ وكفّروه‌ لقبوله‌ التحكيم‌، فتصدّي‌ عليه‌ السلام‌ لإخماد هذه‌ الفتنة‌ الداخليّة‌ وأفهم‌ الخوارج‌ بصواب‌ عمله‌، فتاب‌ غالبيّتهم‌ واعتذروا عمّا فعلوا، أمّا الباقون‌ فلجّوا في‌ غيّهم‌ وعنادهم‌ وتمرّدهم‌، وقاموا بالإغارة‌ علی أموال‌ المسلمين‌، وانهمكوا بإثارة‌ الفتنة‌، فقُتلوا في‌ حرب‌ النهروان‌ وتبدّدوا واستؤصلت‌ هذه‌ الفتنة‌ الخطيرة‌ من‌ جذورها.

 وكان‌ الإمام‌ في‌ صدد إعداد جيش‌ مجهّز لمهاجمة‌ أهل‌ الشام‌ ومعاوية‌ عليه‌ الهاوية‌، حين‌ غاله‌ السيف‌ الآثم‌ لابن‌ ملجم‌ المرادي‌ّ فقضي‌ عليه‌ شهيداً.

 يروي‌ في‌ «الغارات‌» بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أَبي‌ عَوْن‌ الثَّقَفِي‌ّ بنِ عُبيداللَهِ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي‌ عَبسَ وَعَلِي‌ٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ علی الْمِنْبَرِ.

 فَقَالَت‌: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! ثَلاَثٌ بَلْبَلْنَ الْقُلوُبَ.

 قَالَ: وَمَا هُنَّ؟

 قَالَتْ: رِضَاكَ بِالْقَضِيَّةِ، وأَخْذُكَ بِالدَّنِيَّةِ، وَجَزَعُكَ عِنْدَ الْبَلِيَّةِ.

 قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَيْحَكِ! إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ. انْطَلِقِي‌ فَاجْلِسِي‌ علی ذَيْلِكِ.

 قَالَتْ: لاَ وَاللَهِ؛ مَا مِنْ جُلُوسٍ إِلاَّ فِي‌ ظِلاَلِ السُّيُوفِ.

خطبة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ حثّ الناس‌ علی الجهاد

 ويروي‌ في‌ «الغارات‌» بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ زيد بن‌ وهب‌ أنّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قال‌ في‌ أوّل‌ خطبة‌ له‌ بعد فراغه‌ من‌ النهروان‌ وأمر الخوارج‌، فقال‌:

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اسْتَعِدُّوا إلی عَدُوٍّ فِي‌ جِهَادِهِمْ الْقُرْبَةُ مِنَ اللَهِ وَطَلَبُ الْوَسِيلَةِ.[19]

 إنّ أعداءكم‌ خالي‌ الوفاض‌ من‌ الحقّ يعيشون‌ حياري‌ تائهين‌، لابصيرة‌ لهم‌ في‌ الحقّ أبداً تعشوا أعينهم‌ عن‌ مشاهدته‌، أنِسُوا بالظلم‌ والجور فخالط‌ قلوبهم‌ فهم‌ عنه‌ لا يعدلون‌. بعيدون‌ عن‌ كتاب‌ الله‌ جاهلون‌ به‌، تنكّبوا عن‌ الصراط‌ الاقوم‌ وانشغلوا بالغي‌ّ والانحراف‌، ورسخوا في‌ وادي‌ الطغيان‌ والتمرّد والاعتداء فهم‌ فيه‌ مغمورون‌، وابتلوا بجهلهم‌ وعماهم‌ فهم‌ في‌ مستنقع‌ الضلال‌ وغمرات‌ الغي‌ّ، فأعدّوا لهم‌ ما استطعتم‌ من‌ قوّة‌ ومن‌ رباط‌ الخيل‌، وتوكّلوا علی الله‌ فإنّه‌ يكفي‌ من‌ توكّل‌ عليه‌ واستنصره‌ واستعانه‌.

شكوي‌ أمير المؤمنين‌ من‌ الناس‌

 قال‌: فلم‌ ينفروا بهذه‌ الخطبة‌ ولم‌ ينشروا ولم‌ يبرحوا بيوتهم‌ ومنازلهم‌، فتركهم‌ الإمام‌ أيّاماً حتّي‌ أيس‌ من‌ أن‌ يفعلوا، فدعا رؤوسهم‌ ووجوهم‌ فسألهم‌ عن‌ رأيهم‌ وما الذي‌ ثبّطهم‌، فمنهم‌ المعتلّ ومنهم‌ المُنكِر وأقلّهم‌ النشيط‌، فقام‌ عليه‌ السلام‌ فيهم‌ ثانيةً، فقال‌:

 عِبَادَ اللَهِ! مَا لَكُمْ إِذَا أَمَرتُكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا اثَّاقَلْتُمْ إلی الاْرْضِ، أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ ثَوَاباً؟ وَبِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً؟

 أَو كُلَّمَا نَادَيْتُكُمْ إلی الْجِهَادِ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي‌ سَكْرَةٍ، يَرْتَجُّ فَتَبْكُمُونَ؛ فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ [20] فَأَنْتُمْ لاَ تَعْقِلُونَ؛ وَكَأَنَّ أَبْصَارَكُمْ كُمْهٌ فَأَنْتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ!

 لِلَّهِ أَنْتُمْ! [21] مَا أَنْتُمْ إِلاَّ أُسُودُ الشَّرَي‌ فِي‌ الدَّعَةِ، وَثَعَالِبُ رَوَّاغَةٌ حِينَ تُدْعَوْنَ. مَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُصَال‌ بِهِ، وَلاَ ذَوَافِر عِزٍّ يُعْتَصَمُ إِلَيْهَا. لَعَمْرُاللَهِ لَبِئْسَ حُشَاشُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ. إِنَّكُمْ تُكَادُونَ وَلاَ تَكِيدُونَ، وَتَنْتَقِصُ أَطْرَافُكُمُ وَلاَتَتَحَاشُونَ، وَلاَ يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي‌ غَفْلَةٍ سَاهُونَ.

 إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْيَقْظَانُ، أَوْدَي‌ مَنْ غَفَلَ، وَيَأتِي‌ الذُّلُّ مِنْ وَادِعٍ؛ غُلِبَ الْمُتَخَاذِلُونَ، وَالْمَغْلُوبُ مَقْهُورٌ وَمَسْلُوبٌ. [22] و[23]

 وقد أورد السيّد الرضي‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ هذه‌ الخطبة‌ في‌ «نهج‌ البلاغة‌» إلاّ أنـّه‌ أبدل‌ جملة‌ «مَا أَنْتُمْ إِلاَّ أُسُودُ الشَّرَي‌ فِي‌ الدَّعَةِ» بجملة‌: «مَا أَنْتُمْ إِلاَّ كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا، فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ»، كما أضاف‌ هذه‌ الجملات‌:

 وَأَيْمُ اللَهِ؛ إِنِّي‌ لاَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِي‌ الْوَغَي‌ وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأسِ؛ [24] وَاللَهِ إِنَّ امْرِءاً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، يُعْرِقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَفْرِي‌ جِلْدَهُ، لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ، ضَعِيفٌ مَا ضَمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ [25] أَنْتَ، فُكْنَ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ، [26] فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرِفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ، وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالاْقْدَامُ، وَيَفْعَلُ اللَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ.[27] و[28]

 أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ لِي‌ عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ علی حَقٌ، فَأَمَّا حَقِّي‌ عَلَيكُمْ فَالوَفَاءُ بِالبيعَةِ وَالنُّصحُ لِي‌ فِي‌ المَشْهَدِ وَالمَغِيبِ، والإجَابَةُ حِينَ أَدعُوكُمْ وَالطَّاعَةُ حينَ آمركُم‌، وَإِنَّ حَقَّكُمْ علی النصيحةُ لَكُم‌ مَا صَحبْتُكُمْ، والتَوفيرُ عَلَيْكُمْ، وَتَعليمُكُمْ كَيلاَ تَجْهَلوا، وَتَأدِيبُكُمْ كَي‌ تَعْلَمُوا، فَإِنْ يُرِدِ اللَهُ بِكُمْ خَيْراً تَنْزَعُوا عَمَّا أَكْرَهُ وَتَرْجعُوا إلی مَا أُحِبُّ، تَنَالُونَ مَا تُحِبُّونَ وَتُدْرِكُونَ مَا تَأْملونَ. [29]

شكوي‌ أمير المؤمنين‌ من‌ أصحابه‌

 كما جاء في‌ «نهج‌ البلاغة‌» أنـّه‌ عليه‌ السلام‌ قال‌ في‌ ذمّ أصحابه‌:

 كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَي‌ الْبِكَارُ الْعَمِدَةٌ [30] وَالثِّيَابُ الْمُتَدَعِيَةُ، كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ.

 أَكُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ [31] مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي‌ جُحْرِهَا وَالضَّبُغِ فِي‌ وِجَارِهَا.

 الذَّلِيلُ وَاللَهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ، وَمَنْ رُمِي‌ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ [32]وَإِنَّكُمْ وَاللَهِ لَكَثِيرٌ فِي‌ الْبَاحَاتِ [33] قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ. ] باعتباركم‌ من‌ أهل‌ الاُنس‌ ونشدان‌ اللذّات‌ [ وَإِنِّي‌ لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوْدَكُمْ، وَلَكِنّي‌ لاَ أَرَي‌ إِصْلاَحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي‌. أَضْرَعَ اللَهُ خُدُودَكُمْ، وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ،[34] لاَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ، وَلاَ تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ. [35]

 كما جاء في‌ «نهج‌ البلاغة‌»:

 أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَي‌ وَدِرْعُ اللَهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ. فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمْلَةَ الْبَلاَءِ، وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالقَمَاءَةِ، [36] وضُرِبَ علی قَلْبِهِ بِالاسْهَابِ، [37] وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ، وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ.

 أَلاَ وَإِنِّي‌ قَدْ دَعَوْتُكُمْ إلی قِتَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهاراً وَسرّاً وَإِعْلاَناً، وَقُلْتُ لَكُم‌ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللَهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي‌ عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا. فَتَواكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّي‌ شُنَّتْ عَلَيْكُمْ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الاَوطَانُ. وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الاْنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَبْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا.

 وَلَقَدْ بَلَغَنِي‌ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ علی الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالاُخْرَي‌ الْمَعَاهِدَةِ [38] فَيَنْتَزِعُ حُجُلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلاَئِدَهَا وَرُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالإسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلاَأُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ. فَلَوْ أَنَّ امْرِءاً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي‌ جَدِيراً.

 فَيَا عَجَباً وَاللَهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ اجْتِمَاعُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ علی بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، فَقُبْحَاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَي‌، يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَونَ وَلاَ تَغْزُونَ، وَيُعْصَي‌ اللَهَ وَتَرْضَوْنَ.

 فَإِذاَ أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي‌ أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَّارَةُ الْقَيْظِ. أَمْهِلْنَا يُسَبَّخ‌ [39] عَنَّا الْحَرُّ. وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي‌ الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَّارَةُ [40] القُرِّ. أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخُ عَنَّا الْبَرْدُ؛ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالقُرِّ. فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.

 يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ، حُلُومُ الاْطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ! [41]

 لَوَدِدْتُ أَنـِّي‌ لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ؛ مَعْرِفَةٌ وَاللَهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً.

 قَاتَلَكُمُ اللَهُ! لَقَدْ مَلاَتُمْ قَلْبِي‌ قَيْحاً، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي‌ غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِي‌ نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً، [42] وَأَفْسَدْتُمْ علی رَأيِي‌ بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلاَنِ، حَتَّي‌ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لاَعِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ. لِلَهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مَرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي‌؟ لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ علی السِّتِينَ، وَلَكِنْ لاَ رَأَيَ لِمَنْ لاَ يُطَاعُ. [43]

شكواه‌ عليه‌ السلام‌ من‌ أصحابه‌

 كما جاء في‌ «نهج‌ البلاغة‌» أنـّه‌ عليه‌ السلام‌ قال‌ في‌ مقام‌ الشكوي‌ من‌ أصحابه‌:

 أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، كَلاَمُكُمْ يُوهِي‌ الصُّمَّ الصِّلاَبَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الاْعْدَاءَ. تَقُولُونَ فِي‌ الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي‌ حِيَادِ. [44]

 مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ، [45] دِفَاعِ ذِي‌ الدَّيْنِ الْمَطُولِ، [46] لاَ يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ، وَلاَيُدْرِكُ الْحَقُّ إِلاَّ بِالْجِدِّ.

 أَي‌َّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ! وَمَعَ أَي‌ّ إِمَامٍ بَعْدِي‌ تُقَاتِلُونَ؟!

 الْمَغْرُورُ وَاللَهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَهِ بِالسَّهْمِ الاْخْيَبِ، وَمَنْ رَمَي‌ بِكُمْ فَقَدْ رَمَي‌ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ.

 أَصْبَحْتُ وَاللَهِ لاَ أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي‌ نَصْرِكُمْ، وَلاَأُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ. مَا بَالُكُمْ؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ أَقَوْلاً بِغَيْرِعَمَلٍ، وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ، وَطَمَعاً فِي‌ غَيْرِ حَقٍّ؟ [47]

 ويقول‌ في‌ خطبة‌ أُخري‌:

 وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الاْمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي‌.

 إلی أن‌ يقول‌:

 أَيُّهَا الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عُقُولُهُمْ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، الْمُبْتَلَي‌ بِهِمْ أَمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللَهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي‌اللَهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ.

 لَودَدْتُ وَاللَهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي‌ بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي‌ عَشْرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي‌ رَجُلاً مِنْهُمْ.[48]

 ولقد كان‌ أمير المؤمنين‌ يسعي‌ بهذه‌ الخطب‌ والكلمات‌ البليغة‌ العميقة‌ إلی التحدّث‌ مع‌ أرواحهم‌، وإلي‌ إحياء إحساسهم‌ الباطني‌ّ ووجدانهم‌، وإلي‌ إفهامهم‌ حقيقة‌ الامر بطرق‌ مختلفة‌، بهذه‌ اللطائف‌ من‌ الإشارات‌ والكنايات‌ والاستعارات‌.

 وقد أورد عليه‌ السلام‌ في‌ خطبة‌ له‌ في‌ بداية‌ حرب‌ صفّين‌ حين‌ منع‌ معاويةُ جيشَ الإمام‌ من‌ الماء:

 فَالْمَوْتُ فِي‌ حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ، وَالْحَيَاةُ فِي‌ مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ. [49]

 وهو في‌ الحقيقة‌ عالمٌ من‌ دروس‌ الادب‌ والاخلاق‌ والعزّة‌ والشرف‌ لودُوّنت‌ في‌ شرحه‌ وتفسيره‌ الكتب‌ لكان‌ ذلك‌ جديراً.

 ولقد أتعبوا وأبرموا الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بتساهلهم‌ وتقاعسهم‌، بحيث‌ كان‌ ينتظر الموت‌ ويترقّبه‌ حقّاً، حتّي‌ إذا هوت‌ ضربة‌ ابن‌ ملجم‌ المرادي‌ّ علی يافوخه‌،[50] نادي‌: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!

 وكان‌ يضع‌ من‌ تراب‌ المحراب‌ علی رأسه‌ ويقول‌:

 مِنْهَا خَلَقْنَـ'كُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَي‌'. [51]

 صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيكَ وَصَلَوَاتُ مَلاَئكَتِهِ المُقَرَّبَينَ وَأَنبِيَائِهِ المُرسَلِينَ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ يِا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ.

 

 

بسْـمِ  اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

الحمد للَّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلي‌ّ العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علی محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

(مطالب‌ أُلقيت‌ في‌ اليوم‌ الحادي‌ والعشرين‌ من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌)

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن‌ تَأْتِيَهُم‌ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا. [52]

 دار كلامنا في‌ مقدّمات‌ الشروع‌ والورود في‌ عالم‌ القيامة‌، وذكرنا أنّ هناك‌ إجمالاً تواتراً معنويّاً للاخبار علی أنّ الناس‌ يُقلبون‌ ويفقدون‌ حالتهم‌ الإنسانيّة‌ حين‌ يقترب‌ قيام‌ القيامة‌، فيزداد الفسق‌ والفجور والفساد في‌ الارض‌، وتُفتقد الرحمة‌ والإنصاف‌ والمروءة‌، ويُستهان‌ بأعراض‌ الناس‌، ولاتُمدّ يد المعونة‌ للضعفاء والمسحوقين‌، ولا يُبجّل‌ الكبار، ولايحكم‌ قانون‌ العدل‌ بين‌ الناس‌.

 وقد جري‌ في‌ المجلس‌ السابق‌ نقل‌ رواية‌ شريفة‌ عن‌ تفسير علي‌ّبن‌ إبراهيم‌ رواها بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ عبد الله‌ بن‌ عبّاس‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، حدّثها في‌ حجّة‌ الوداع‌ [53] لسلمان‌ الفارسي‌ّ، وكان‌ أقرب‌ الناس‌ إليه‌، بينما كان‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ ممسكاً بيده‌ حلقة‌ باب‌ الكعبة‌، وقد احتوت‌ مضموناً رفيعاً حقّاً.

 حديث‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ المنصور في‌ مسيرهما

 ونذكر الآن‌ رواية‌ أُخري‌ نقلها محمّد بن‌ يعقوب‌ الكليني‌ّ في‌ كتابه‌ الشريف‌ «روضة‌ الكافي‌» بسنده‌ عن‌ حمران‌ بن‌ أعين‌ (وهو أخو زُرارة‌ وعبدالملك‌ وبَكر بن‌ أعين‌، وجميعهم‌ من‌ الرواة‌).

 حديث‌ الإمام‌ الصادق‌ في‌ موكب‌ المنصور:

 يقول‌ حمران‌: قال‌ أبو عبد الله‌ (الصادق‌) عليه‌ السلام‌ وذُكر هؤلاء عنده‌ وسوء حال‌ الشيعة‌ عندهم‌ فقال‌: إنّي‌ سرتُ مع‌ أبي‌ جعفر المنصور (الدوانيقي‌ّ) وهو في‌ موكبه‌، وهو علی فرسٍ وبين‌ يديه‌ خيلٌ ومن‌ خلفه‌ خيلٌ، وأنا علی حمارٍ إلی جانبه‌، فقال‌ لي‌: يا أبا عبد الله‌؛ قد كان‌ ينبغي‌ لك‌ أن‌ تفرحَ بما أعطانا اللهُ من‌ القوّةِ وفتح‌ لنا من‌ العزِّ، ولا تُخبر الناسَ أنـّكَ أحقٌ بهذا الامرِ منّا وأهل‌ بيتك‌، فتُغْرينا بكَ وبهم‌.

 قال‌: فقلتُ: ومَن‌ رَفَعَ هذا إليكَ عنّي‌ فقد كذب‌.

 فقال‌ لي‌: أتحلف‌ علی من‌ تقول‌؟

 قال‌: فقلت‌: إنّ الناسَ سحرة‌، يعني‌ يحبّون‌ أن‌ يفسدوا قلبك‌ علی فلاتمكّنهم‌ من‌ سمعكَ فإنّا إليك‌ أحوج‌ منك‌ إلينا.

 فقال‌ لي‌: تذكر يوم‌ سألتُك‌ هلْ لنا مُلكٌ؟ فقلتَ: نعم‌؛ طويلٌ عريضٌ شديدٌ، فلا تزالون‌ في‌ مُهلةٍ من‌ أمركم‌ وفسحةٍ من‌ دنياكم‌ حتّي‌ تُصيبوا منّا دماً حراماً في‌ شهرٍ حرامٍ في‌ بلدٍ حرامٍ. فعرفتُ أنـّه‌ قد حفظ‌ الحديثَ، فقلتُ: لعلّ الله‌ عزّ وجلّ أن‌ يكفيك‌، فإنّي‌ لم‌ أخصّك‌ بهذا، وإنّما هو حديث‌ رويتُه‌، ثمّ لعلّ غيرك‌ من‌ أهل‌ بيتك‌ يتولّي‌ ذلك‌. فسكتَ عنّي‌، فلمّا رجعتُ إلی منزلي‌ أتاني‌ بعضُ موالينا فقال‌: جُعِلْتُ فِداك‌! واللهِ لقد رأيتُك‌ في‌ موكبِ أبي‌ جعفر وأنتَ علی حمار وهوَ علی فرسٍ، وقد أشرفَ عليك‌ يكلّمك‌ كأنـّك‌ تحته‌، فقلتُ بيني‌ وبين‌ نفسي‌: هذا حجّة‌ الله‌ علی الخلقِ، وصاحبُ هذا الامر الذي‌ يُقتدي‌ به‌، وهذا الآخر يعمل‌ بالجور ويقتلُ أولادَ الانبياءِ ويسفك‌ الدماءَ في‌ الارضِ بما لا يحبّ اللهُ، وهو في‌ موكبه‌ وأنت‌ علی حمارٍ، فدخلني‌ من‌ ذلك‌ شكُّ حتّي‌ خِفْتُ علی ديني‌ ونفسي‌.

 قال‌ (الإمام‌): فقلتُ: لو رأيتَ مَنْ كان‌ حولي‌ وبين‌ يدي‌ ومن‌ خلفي‌ وعن‌ يميني‌ وعن‌ شمالي‌ من‌ الملائكة‌ لاحتقرتَه‌ واحتقرتَ ما هو فيه‌.

 فقال‌: الآن‌ سكنَ قلبي‌. ثمّ قال‌: إلی متي‌ هؤلاء يملكون‌ أو متي‌ الراحة‌ منهم‌؟

 فقلتُ: أليس‌ تعلم‌ أنّ لكلِّ شي‌ءٍ مُدّة‌؟

 قال‌: بلي‌!

 فقلتُ: هل‌ ينفعك‌ علمُك‌ أنّ هذا الامرَ إذا جاءَ (أي‌ الظهور والقيام‌) كان‌ أسرعَ من‌ طرفة‌ العين‌؟ إنّك‌ لو تعلم‌ حالهم‌ عند اللهِ عزّ وجل‌ وكيف‌ هي‌ كنت‌ لهم‌ أشدَّ بُغْضاً، ولو جهدتَ وجهد أهلُ الارض‌ أن‌ يدخلوهم‌ في‌ أشدِّ ما هم‌ فيه‌ من‌ الإثم‌ لم‌ يقدروا!

 فَلاَ يَسْتَفِزَّنـَّكَ الشَّيْطَـ'نُ [54] فَإِّنَّ الْعِزَّةَ لِلَهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـ'كِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ. [55]

 ألا تعلم‌ أنّ من‌ انتظر أمرنا وصبر علی ما يري‌ من‌ الاذي‌ والخوف‌ هو غداً في‌ زمرتنا.

 ثمّ يبدأ الإمام‌ مفصّلاً ببيان‌ العلامات‌ التي‌ يجب‌ أن‌ تقع‌ في‌ آخر الزمان‌ لظهور الإمام‌ ولي‌ّ العصر كمقدّمة‌ للرجعة‌ والقيامة‌، فيذكر جميع‌ تفاصيل‌ أخلاق‌ الناس‌ وسيرتهم‌، وتعاستهم‌ وشقاءهم‌، والظلم‌ الذي‌ يلحق‌ بهم‌، والمعاصي‌ التي‌ يبتلون‌ بارتكابها، الواحد بعد الآخر، بحيث‌ يزيد ذلك‌ علی أربع‌ صفحات‌ للكتاب‌ من‌ الحجم‌ العادي‌. ثمّ يعزّيه‌ الإمام‌ ويطيّب‌ خاطره‌ بأنّ الله‌ معنا دوماً، وعسي‌ الله‌ أن‌ يُعجّل‌ فرجنا:

 وَاعْلَمْ: إِنَّ اللَهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، [56] و: إِنَّ رَحْمَتَ اللَهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ. [57] و [58]

 

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 47: محمّد.

[2] ـ الآيتان‌ 23 و 24، من‌ السورة‌ 89: الفجر.

[3] ـ الآية 68، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[4] ـ أي‌ تُشاور الاءماء اللواتي‌ في‌ البيوت‌ في‌ الاُمور السياسيّة‌.

[5] ـ كناية‌ عن‌ الافراد الذين‌ لا معرفة‌ لهم‌ ولا بصيرة‌، الذين‌ يعتلون‌ المنابر ويخطبون‌ في‌ الناس‌، وعن‌ إمساك‌ هؤلاء الافراد ذوي‌ الخبرة‌ والمهارة‌ القليلتين‌ بزمام‌ أُمور الاءعلام‌ العامّ.

[6] ـ يقول‌ في‌ «المنجد»: المقارب‌ من‌ المتاع‌: الرخيص‌. لذا يمكن‌ أن‌ يكون‌ معناه‌ اقتراب‌ الاسواق‌ من‌ بعضها أو هبوط‌ الاسعار.

[7] ـ المراد به‌: النساء.

[8] ـ ورد في‌ حاشية‌ «تفسير علی بن‌ إبراهيم‌»: العينة‌ بالكسر: السلف‌ (ق‌)، إلاّ أنـّها نوع‌ خاصّ من‌ السلف‌. وفي‌ كتاب‌ الحديث‌ باب‌ يتعلّق‌ به‌، ومع‌ أنـّه‌ من‌ طرق‌ تحاشي‌ الربا، إلاّ أنـّه‌ قد ذُمّ في‌ هذا الحديث‌ الشريف‌ باعتبار أنّ لصحّته‌ شروطاً معيّنة‌ إن‌ لم‌ تُراع‌ صار ربا. وعلي‌ كلّ فالظاهر أنّ كلمة‌ «الغيبة‌» خطأ ولا مناسبة‌ لها مع‌ الكلام‌.

[9] ـ في‌ «لسان‌ العرب‌»: الكُوبة‌: الشِّطْرنجة‌. والكوبة‌: الطبل‌ والنَّرد.(م‌)

[10] ـ أي‌ يمسك‌ زمام‌ الاُمور ويتكلّم‌ في‌ الاُمور الاجتماعيّة‌ والاوضاع‌ العامّة‌ من‌ لاحقّ له‌ في‌ إرشاد وهداية‌ الناس‌ ولا ولاية‌ له‌ عليهم‌.

[11] ـ «تفسير علی بن‌ إبراهيم‌» ص‌ 627 إلی 629؛ ونقله‌ عنه‌ في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 5، ص‌ 432 إلی 435.

[12] ـ الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[13] ـ «الغارات‌» ج‌ 1، ص‌ 23 إلی 25. ويقول‌ في‌ الهامش‌: في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد بلفظ‌ انصلتت‌، ولعلّها تصحيف‌ من‌ انتصلت‌. من‌ قولهم‌: انتصل‌ السهم‌، أي‌ خرج‌ نصله‌.

[14] ـ «الغارات‌» ج‌ 1، ص‌ 23؛ وذكره‌ المجلسي‌ّ في‌ «بحار الانوار» الطبعة‌ الكمباني‌، ج‌ 8، ص‌ 679، في‌ الفتن‌.

[15] ـ «الغارات‌» ج‌ 1، ص‌ 30؛ وأورده‌ المجلسي‌ّ في‌ «بحار الانوار» الطبعة‌ الكمباني‌، ج‌ 8، ص‌ 678.

[16] ـ أي‌ أنّ قولك‌ هذا جزاء من‌ ترك‌ الرأي‌ الوثيق‌ والعزم‌ في‌ قتال‌ معاوية‌ بواسطة‌ قول‌ جهلة‌ قومه‌. ثمّ أوضح‌ عليه‌ السلام‌ له‌ أنّ الرجوع‌ عن‌ العزم‌ علی القتال‌ والاخذ بقول‌ الجهلة‌ إنّما يستند إلی قصور فهم‌ الناس‌ وإدراكهم‌ الذين‌ أصرّوا علی هذا الامر، وإلاّ فإنّ النهج‌ ï ïالمنزّه‌ عن‌ الخطأ لذلك‌ الإمام‌ الهُمام‌ وتوقّعاته‌ المنطقيّة‌ لم‌ تتزلزل‌ أو تتزعزع‌.

[17] ـ أي‌ كيف‌ يمكنني‌ معالجة‌ ألمي‌ بكم‌ حين‌ يكون‌ ألمي‌ منكم‌؟ وكيف‌ يمكنني‌ إقامة‌ بعضكم‌ وإصلاحه‌ ببعضكم‌ الآخر الشبيه‌ له‌ في‌ النزعة‌؟

[18] ـ الخطبة‌ 119 من‌ «نهج‌ البلاغة‌» محمّد عبده‌، مصر، ص‌ 233 و 234.

[19] ـ «الغارات‌» ج‌ 1، ص‌ 38 و 39. ويقول‌ في‌ الهامش‌: وقد نقل‌ هذا الحديث‌ المجلسي‌ّ في‌ المجلّد الثامن‌ من‌ «بحار الانوار» باب‌ ماجري‌ من‌ الفتن‌، ص‌ 679، سطر 14 ونقله‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ولم‌ ينسبه‌ وذلك‌ بهذه‌ العبارة‌: روي‌ الحافظ‌ أبونعيم‌ قال‌: حدّثنا أبو عاصم‌ الثقفي‌ّ قال‌: جاءت‌ امرأة‌... إلی آخر الحديث‌. (يراجع‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 1، ص‌ 179، السطر 31).

[20] ـ ألِسَ فلان‌ ألساً: اختلط‌ عقله‌. فهو مألوس‌. (م‌)

[21] ـ علی وجه‌ الاسـتهزاء والتهكّم‌، شـبيه‌ بـ «للّه‌ درّكم‌». أي‌ أنـّكم‌ من‌ فرط‌ جودتكم‌ فأنتم‌ للّه‌.

[22] ـ أي‌ أنّ عدوّه‌ سيقهره‌ ويسطو به‌، وأنّ نفسه‌ وماله‌ وعرضه‌ ستكون‌ في‌ معرض‌ الاعتداء.

[23] ـ «الغارات‌» ج‌ 1، ص‌ 33 إلی 37.

[24] ـ فلا تلتئمون‌ ولا تجتمعون‌ كالرأس‌ الذي‌ يعزل‌ عن‌ البدن‌ فلا يلتحق‌ به‌ ثانية‌، أو كما ينفلق‌ الرأس‌ فلقتين‌ فلا يلتئم‌.

[25] ـ كناية‌ عن‌ القلب‌.

[26] ـ جاء في‌ «الاءرشاد» للمفيد، ص‌ 87 أنّ أمير المؤمنين‌ لمّا وصل‌ في‌ خطبته‌ إلی قوله‌: «قد انفرجتم‌ عن‌ ابن‌ أبي‌ طالب‌» قام‌ إليه‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌ فقال‌: فهلاّ فعلتَ كما فعلَ ابن‌ عفّان‌؟! فقال‌ عليه‌ السلام‌: يا عرف‌ النار! ويلك‌، إنّ فعل‌ ابن‌ عفّان‌ لمخزاة‌ علی من‌ لادين‌ له‌ ولاحجّة‌ معه‌، فكيف‌ وأنا علی بيّنة‌ من‌ ربّي‌، والحقّ في‌ يدي‌. ثمّ قال‌: أنت‌ فكن‌ ذاك‌ إن‌ شئت‌، أمّا أنا... الحديث‌. وجاء في‌ «الغارات‌» ج‌ 2، ص‌ 495: «أنت‌ فكن‌ ذات‌ إن‌ شئت‌ وأمّا أنا...الحديث‌» في‌ جواب‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌. ويقول‌ في‌ الهامش‌: قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ «شرح‌ النهج‌» ج‌ 1، ص‌ 178، السطر 21: فأمّا قوله‌ عليه‌ السلام‌ «أنت‌ فكن‌ ذاك‌» فإنّه‌ إنّما خاطب‌ بذلك‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌، فإنّه‌ إنّما خاطب‌ من‌ يمكن‌ عدوّه‌ من‌ نفسه‌ كائناً من‌ كان‌ غيرمعيّن‌ ولا مخصّص‌.

[27] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 34، طبعة‌ محمّد عبده‌، مصر، ص‌ 82 إلی 84.

[28] ـ أورد الطبري‌ في‌ تأريخه‌ أغلب‌ فقرات‌ هذه‌ الخطبة‌ ضمن‌ بيان‌ وقائع‌ سنة‌ سبع‌ وثلاثين‌، المجلّد الخامس‌، ص‌ 90، الطبعة‌ الثانية‌، تحقيق‌ محمّد أبي‌ الفضل‌ إبراهيم‌؛ والمفيد في‌ مجالسه‌، ضمن‌ المجلس‌ 18، طبعة‌ النجف‌، ص‌ 87؛ كما أوردها ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 2، ص‌ 179 ضمن‌ شرح‌ هذه‌ الخطبة‌.

[29] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 2، ص‌ 179 ضمن‌ شرح‌ هذه‌ الخطبة‌.

[30] ـ البِكار جمع‌ بكر، وهي‌ الاءبل‌ الفتيّة‌، والعمدة‌: التي‌ قد انشدخت‌ أسنمتُها من‌ داخل‌ لكثرة‌ ركوبها، بينما ظاهرها صحيح‌. (م‌)

[31] ـ المنسر: القطعة‌ من‌ الجيش‌. (م‌)

[32] ـ الافوق‌: المكسور الفوق‌، و هو موضع‌ الوتر من‌ السهم‌؛ و الناصل‌ المنزوع‌ النصل‌.(م‌)

[33] ـ الباحات‌ جمع‌ باحة‌ وهي‌ ساحة‌ الدار. (م‌)

[34] ـ أضرع‌ الله‌ خدودكم‌: أذلّ وجوهكم‌؛ و أتعس‌ جدودكم‌ أي‌ أحال‌ حظوظكم‌ وأهلكها.(م‌)

[35] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 67، طبعة‌ عبده‌، مصر، ص‌ 17 و 18.

[36] ـ ديث‌ أي‌ ذُلّل‌، ومنه‌ الديّوث‌ الذي‌ لاغيرة‌ له‌؛ والصغار: الذلّ؛ القماءة‌ من‌ قمؤ الرجل‌ قماء وقماءة‌ أي‌ صار قمياء وهو الصغير الذليل‌. (م‌)

[37] ـ الاسهاب‌: ذهاب‌ العقل‌، وهو لفظ‌ «شرح‌ النهج‌»، أمّا في‌ «نهج‌ البلاغة‌» طبعة‌ محمّد عبده‌ فقد ورد بلفظ‌ الاسداد أي‌ الحُجب‌. (م‌)

[38] ـ المعاهدة‌: الذميّة‌.

[39] ـ يسبخ‌ عنّا الحرّ: أي‌ يخفّ. (م‌)

[40] ـ صبّارة‌ القرّ: شدّة‌ البرد. (م‌)

[41] ـ ربّات‌ الحجال‌: النساء؛ والحجال‌ جمع‌ حجلة‌ وهي‌ بيت‌ يزيّن‌ بالستور والثياب‌.(م‌)

[42] ـ النغب‌ جمع‌ النغبة‌ وهي‌ الجُرعة‌. والتَهام‌ بفتح‌ التاء: الهمّ؛ وأنفاساً: أي‌ جُرعة‌ بعد جُرعة‌.(م‌)

[43] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 27، طبعة‌ محمّد عبده‌ ـ مصر، ص‌ 67 إلی 70.

[44] ـ حيدي‌ حياد كلمة‌ يقولها الهارب‌ الفارّ، من‌ حاد عن‌ الشي‌ء أي‌ انحرف‌.(م‌)

[45] ـ أي‌ يتعلّلون‌ بالاضاليل‌ التي‌ لا جدوي‌ لها. (م‌)

[46] ـ المطل‌ في‌ الدين‌: تأخيره‌ ودفعه‌ كرّةً بعد أُخري‌. (م‌)

[47] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 29، طبعة‌ محمّد عبده‌ ـ مصر، ص‌ 73 إلی 75.

[48] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 95، طبعة‌ محمّد عبده‌ ـ مصر، ص‌ 187 و 188.

[49] ـ الخطبة‌ 51، ص‌ 100.

[50] ـ اليافوخ‌ ملتقي‌ عظم‌ مقدّم‌ الرأس‌ ومؤخّره‌؛ ويُستفاد من‌ هذه‌ العبارة‌ أنّ سيف‌ ابن‌ملجم‌ لم‌ يمرّ من‌ عند جبين‌ الإمام‌، بل‌ جاء في‌ عرض‌ رأسه‌ الشريف‌ بين‌ أُذنيه‌ وهوي‌ علی يافوخه‌ ومخّه‌.

[51] ـ الآية‌ 55، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[52] ـ الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 47: محمّد.

[53] ـ يأتي‌ وزن‌ فَعلة‌ بالفتح‌ لبيان‌ المرّة‌ الواحدة‌، مثل‌ ضربته‌ ضَربة‌؛ وأمّا وزن‌ فِعلة‌ بالكسر فيأتي‌ للهيئة‌ والكيفيّة‌، مثل‌ جلستُ جِلسة‌ العبد.

 ويُستفاد منه‌ أنّ حِجّة‌ الوداع‌ صحيحة‌ بالكسر لا بالفتح‌، أي‌ تلك‌ الكيفيّة‌ الخاصّة‌ من‌ الحجّ الذي‌ له‌ صفة‌ الوداع‌.

[54] ـ اقتباس‌ من‌ الآية‌ 64، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم‌ بِصَوْتِكَ.

[55] ـ اقتباس‌ من‌ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 63: المنافقون‌: وَلِلَّهِ الْعِزَّةَ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـ'كِنَّ الْمُنَـ'فِقِينَ لاَ يُعْلَمُونَ.

[56] ـ وردت‌ هذه‌ الآية‌ بهذا اللفظ‌ في‌ ثلاثة‌ مواضع‌ من‌ القرآن‌: الاوّل‌: الآية‌ 120، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌. إِنَّ اللَهَ لاَ يُضِيعَ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. الثاني‌: الآية‌ 115، من‌ السورة‌ 11: هود؛ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. والثالث‌: الآية‌ 90، من‌ السورة‌ 12 يوسف‌. إِنَّهُ و مَن‌ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

[57] ـ الآية‌ 56، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[58] ـ «روضة‌ الكافي‌» طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌، ص‌ 36 إلی 42.

      
  
الفهرس
  المجلس‌ العشرون‌:علامات‌ ظهور القيامة‌
  علامات‌ القيامة‌ وحضور الإنسان‌ فيها
  >>حديث‌ سلمان‌ في‌ علامات‌ القيامة‌
  مخالفة‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  اعتراض‌ البعض‌ علی أمير المؤمنين‌ في‌ قبول‌ التحكيم‌ وخطبته‌ في‌...
  خطبة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ حثّ الناس‌ علی الجهاد
  شكوي‌ أمير المؤمنين‌ من‌ الناس‌
  شكوي‌ أمير المؤمنين‌ من‌ أصحابه‌
  شكواه‌ عليه‌ السلام‌ من‌ أصحابه‌
  الدرس‌ الحادي‌ والعشرون‌:علامات‌ القيامة‌
  حديث‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ المنصور في‌ مسيرهما
  ظهور عشرة‌ أحداث‌ من‌ علامات‌ القيامة‌
  استدلال‌ علامات‌ القيامة‌ من‌ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌
  قصّة‌ ذي‌ القرنين‌ وسدّ يأجوج‌ ومأجوج‌
  بيان‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ في‌ شأن‌ ذي‌ القرنين‌
  نظريّة‌ العلاّمة‌ الشهرستاني‌ّ في‌ شأن‌ ذي‌ القرنين‌
  نظريّة‌ السير أحمد خان‌ الهندي‌ّ وأبي‌ الكلام‌ آزاد في‌ شأن‌...
  رؤيا النبي‌ّ دانيال‌ في‌ شأن‌ ذي‌ القرنين‌
  بحث‌ حول‌ طائفة‌ يأجوج‌ ومأجوج‌
  ذو القرنين‌ وسدّ يأجوج‌ ومأجوج‌
  معني‌ تحطّم‌ سدّ ذي‌ القرنين‌
  أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ذو قرني‌ الاُمّة‌
  من‌ علامات‌ القيامة‌ ظهور الدخان‌ في‌ السماء وخروج‌ دابّة‌ الارض‌
  أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ هو المراد بدابّة‌ الارض‌
  علوّ مقام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  الدرس‌ الثاني‌ والعشرون‌:نفخ‌ الصور وإحياء الموتي‌
  وقوع‌ الصيحة‌ السماويّة‌ وخمود الناس‌
  معني‌ الصور والنفخ‌ فيه‌
  موجودات‌ عالم‌ البرزخ‌ والقيامة‌ لا تشبه‌ موجودات‌ عالم‌ المادّة‌
  في‌ أنّ الانبياء قد خاطبوا الناس‌ علی قدر عقولهم‌
  التعبير عن‌ النفخ‌ في‌ الصور بنداء المنادي‌
  العلّة‌ في‌ عدم‌ التعبير عن‌ النفخ‌ في‌ الصور بالموت‌
  قبض‌ روح‌ جميع‌ الملائكة‌ وبقاء ذات‌ الله‌ عزّ وجل‌ وحدها
  موعظة‌ الإمام‌ أمير المؤمنين‌ بعد إصابته‌
  خطبة‌ الإمام‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌ بعد شهادة‌ أبيه‌
  العلّة‌ التي‌ لا يمكن‌ لاحد بسببها أن‌ يقتل‌ قاتله‌
  رغبة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ العفو عن‌ قاتله‌
  العلّة‌ في‌ عدم‌ عفو الإمام‌ المجتبي‌ عن‌ قاتل‌ أمير المؤمنين‌
  الدرس‌ الثالث‌ والعشرون‌:المراد بالمبعوثين‌ بنفخ‌ الصور، والافراد المستثنون‌
  نفخ‌ الصور الاوّل‌ لاهل‌ البرزخ‌
  الصيحة‌ لاهل‌ الدنيا؛ ونفخ‌ الصور لاهل‌ البرزخ‌
  المراد بـ «إِلاَّ مَن‌ شَآءَ اللَهُ» في‌ آية‌ الفزع‌
  المراد بالمستثنين‌ في‌ آية‌ الفزع‌ هم‌ أصحاب‌ الولاية‌
  المراد بـ «إلاَّ مَن‌ شَآءَ اللَهُ» في‌ آية‌ الصعق‌
  لحوق‌ المتابعين‌ بالمستثنين‌ في‌ دخول‌ الجنّة‌
  سرور معاوية‌ بشهادة‌ الإمام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  بكاء الجمادات‌ دماً عند قتل‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  بكاء الحيوانات‌ عند شهادة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  الدرس الرابع و العشرون:المخلَصون‌ هم‌ الذين‌ لا يموتون‌ بنفخ‌ الصور
  المراد بالافراد المستثنين‌ من‌ الموت‌ عند النفخ‌ في‌ الصور
  عباد الله‌ المخلصون‌ هم‌ وجه‌ الله‌
  المواهب‌ الإلهيّة‌ للمخلَصين‌
  الحديث‌ القدسي‌ّ: عبدي‌ أطعني‌ أجعلك‌ مثلي‌
  أحوال‌ المخلَصين‌ ومقامهم‌
  صرف‌ العذاب‌ عن‌ المذنبين‌ ببركة‌ أولياء الله‌
  علم‌ أولياء الله‌ وقدرتهم‌ هما علم‌ الله‌ وقدرته‌
  وصية‌ الإمام‌ أمير المؤمنين‌ إلی الإمام‌ الحسن‌ عليهما السلام‌
  الدرس‌ الخامس‌ والعشرون‌:الانبياء والائمّة‌ متحقّقون‌ بأسماء الله‌ الحسني‌
  المقرّبون‌ والمخلصون‌ هم‌ وجه‌ الله‌ وأسماؤه‌ الحسني‌
  لولا الإمام‌ لساخت‌ الارض‌ بأهلها
  منزلة‌ إبراهيم‌ الخليل‌ عليه‌ السلام‌ وأسماء الله‌ تعالي‌
  موت‌ النبي‌ّ إرميا وبَعثه‌
  إحياء إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌ الطيورَ المذبوحة‌
  قصّة‌ إحياء حمامة‌ ميّتة‌ علی يد ولي‌ّ للّه‌
  علو مقامات‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  لعن‌ الملائكة‌ لقتلة‌ أمير المؤمنين‌ وقتلة‌ سيّد الشهداء عليهما السلام‌
  الدرس‌ السادس‌ والعشرون‌:في‌ معني‌ وجه‌ الله‌ ووجه‌ المخلوقات‌
  في‌ حقيقة‌ وجه‌ الله‌
  الائمّة‌ والمخلَصون‌ هم‌ وجه‌ الله‌ وموجودون‌ مع‌ جميع‌ الموجودات‌
  في‌ معيّة‌ وجه‌ الله‌ لجميع‌ عوالم‌ الخلق‌
  الآيات‌ الدالّة‌ علی انقراض‌ الدنيا ورجوع‌ الإنسان‌ إلی الله‌
  في‌ كيفيّة‌ تخطّي‌ أولياء الله‌ للمراحل‌ والعقبات‌ بعد الموت‌
  الإحاطة‌ الكلّيّة‌ للائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ بعوالم‌ البرزخ‌ والقيامة‌
  ولاءغير المتّقين‌ لبعضهم‌ سيتبدّل‌ يوم‌ القيامة‌ إلی عداء وخصومة‌
  طلب‌ ابن‌ ملجم‌ من‌ أمير المؤمنين‌ أن‌ يحمله‌ علی فرس‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->