معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات العلامة الطهراني > محاضرات متعددة > الجبر‮ ‬والاختيار‮ ‬ ومنطق‮ ‬عائشة‮ ‬في‮ ‬تبريرها‮ ‬لحرب‮ ‬الجمل

_______________________________________________________________

هو العليم

الجبر والاختيار
ومنطق عائشة في تبريرها حرب الجمل

 

ألقى هذه المحاضرة في مشهد المقدّسة

سماحة العلامة
آية الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                           تحميل الملف الصوتي للمحاضرة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

    

منطق عائشة وشيوعه

قالت عائشة له: لمَ تزوّج أبوك أمّك؟
قال: نعم!
قالت: لأيّ سبب تزوّجها؟
قال: كان تقدير الله.
قالت: وكان ذلك من قدر الله.
هذا المطلب موجود في كتاب كنز العمّال, وبعد جوابها هذا لم ينطق ذلك الشخص بكلمة[1]
وموضع الشاهد في الكلام هو: منطق عائشة بعنوانه جواباً, فهو منطق احتلّ فكر الكثير من خواصّ المسلمين وعوامّهم, من خلال تبرير تصرّفاتهم على أنّها أمر واقع, وغير خارج عن التقدير الإلهيّ, فيلجؤون إلى هذا المنطق لرفع المسؤوليّة عن أنفسهم في الأمور المندرجة تحت اختيارهم وإرادتهم.
ونحن نرى هذا المنطق سارياً في كلام أبي بكر وعمر ومعاوية وجميع حكّام بني أميّة وبني مروان وبني العبّاس طوال مدّة حكومتهم, بادّعاء أنّ هذه السلطنة وهذه الحكومة, وبتبعها جميع الأعمال التي يقومون بها, كلّها على أساس التقدير الإلهي, وعلى هذا الأساس فهم لا يكتفون بمجرّد رفع المسؤوليّة, وإنّما يصحّحون أعمالهم ويستكشفون إمضاءها وصحّتها أيضاً.

    

مناقشة هذا المنطق

والآن لنا أن نسأل: هل أنّ منطق عائشة ـ وبتبعه ذاك المنطق الكليّ ـ صحيح أم لا؟ وبناء على صحّته سوف تكون حرب عائشة ضدّ أمير المؤمنين مقدّرة من الله, وحيث أنّه لا يصدر شيء في العالم بدون الإرادة والتقدير الإلهيّين, فلازم ذلك تصحيح ما يقع من الأفعال! لأنّه كان عين التقدير الإلهيّ, وهو فعل صحيح أيضاً ولا يؤاخذ عليه.
حسناً, يقول ذلك الرجل: إنّ عليّ بن أبي طالب هو أقرب الناس إلى رسول الله وأحبّهم إليه حتّى باعتراف عائشة نفسها, إذنْ لماذا خضتِ ضدّه حرباً يا عائشة؟!
فتقول عائشة: ألم يتزوّج أبوك من أمّك؟ فلماذا تزوّجا؟
يقول: هكذا تزوّجا! حدث شيء فتزوّجا, وهو تقدير الله.
فتقول: كذلك ما فعلته أنا, هو تقدير الله, تماماً كما أنّك لا تستطيع أن تستشكل على زواج أمّك من أبيك, كذلك ينبغي أن لا توردَ عليّ شيئاً أيضاً!
ونحن كذلك, هناك الكثير من الأفعال التي نقوم بها, هي من هذا القبيل, نبرّر لأنفسنا ونقول: سيّد! ما حدث هو تقدير الله.. كان مشيئة الله.. قد وقع ذلك وحدث.. وحيث أنّه فعل الله, فعل الله وتقديره, نكون قد أخرجنا أنفسنا من دائرة المؤاخذة والمسؤوليّة.
إذا كانت جميع الأعمال من الله, ففعلنا أيضاً هو من الله, ومع كون فعلنا صادراً من الله, فلماذا نفصِل إرادتنا واختيارانا ونهمّشهما؟ فلنقل: إنّ نفس إرادتنا واختيارنا من الله أيضاً, وبناءً عليه فإنّ جميع ما نواجهه من العواقب المترتّبة على هذا الاختيار وهذه الإرادة هي من فعل الله أيضاً, وهي كذلك معلولة لعملنا نحن. لماذا نجعل الله مغلوباً ومغلولاً في القضاء والقدر ونجعل أنفسنا غالبين وحاكمين على الله؟ فنحن جزء من هذه المظاهر الإلهيّة لعالم الخلقة, وقسم من هذه المنظومة الكليّة.
صحيح أنّ كلّ شيء يندرج تحت قضاء الله وقدره, ولكن هل يعقل أنْ لا يكون لاختيارنا الذي نتمتّع به أي تأثير أصلاً؟! والحال أنّ هذا الاختيار يمثّل المؤثّر الأكبر.
لو كان ذاك الشخص يقول لعائشة: سيّدة عائشة! ها أنت جالسة أمامي فلماذا سترتي وجهك واحتجبتِ عنّي؟ ماذا تقول عائشة؟ سوف تقول: هي إرادة الله.. تقدير الله.. أو تقول: هو تكليف, حيث أمرني أن أستر وجهي وأحتجب عنك, ولكن تغطيتي لوجهي لا تتنافى مع الإرادة الكليّة لله.
ولذلك فإنّ حرب الجمل مع أنّها كانت بإرادة الله, وكانت حدثاً حتميّاً وقطعيّ الوقوع, وقد أنبأ النبيّ صلّى الله عليه وآله عنه, إلا أنّ ذلك لا ينافي كونها صادرة عن إرادة أهل ذاك الزمان واختيارهم, وحتى تحديد مصير هذا الشخص وكونه من أهل الجنّة أم من أهل النار هو راجع إلى هذه الحيثيّة (الإرادة), وإنّما تتحقّق إرادة الله ومشيئته من خلال إرادة الإنسان واختياره.

    

مثال لتوضيح المسألة

فالآن أنا أرفع "وعاء السكّر" هذا بإرادتي, أليس كذلك؟! والحال أنّها عين إرادة الله أيضاً, الآن أرمي بـه على الأرض فينكسر, فهل أستطيع أن أقول: إنّها إرادة الله!! وأرفع بذلك المسؤوليّة عن نفسي كي لا أوقع نفسي تحت المؤاخذة؟! لا أبداً.. فهذا الكلام لا يقبله أحدٌ على الإطلاق؛ فالشرع أولاً، وثانياً الوجدان وثالثاً العقل, كلّها مجتمعة على أنّك أنت الضامن, فقد كسرتها وعليك أن تصلحها, ومهما صِحتُ وصرخت بأنّ الذي فعل ذلك هو الله.. فسوف لا يعتني أحدٌ بكلامي وإنّما يحملون هذا الكلام على أنّي مجنون, يعني هذا الكلام كلام جنونيّ, يعني هل يعقل أن يقوم شخص في هذه الدنيا بالقيام بجناية ثمّ يقول: هي إرادة الله؟!
نعم, لو وقع هذا العمل بدون واسطة وتسبيب ودون إرادة واختيار, كما لو سقط الكوب من على الرف وانكسر, كأن حدثت زلزلة وأسقطت الكوب وكسرته, فلا دخل لاختيارنا بهذا الفعل, كما وأنّ الله قد رفع عنّا حكم الضمان في مثل هذه الحالة, ولكن حينما يكون لاختيارنا دورٌ فإنّ الله قد رتّب حكم الضمان علينا, كما جاء في قاعدة "من أتلف" القائلة بأنّ "من أتلف مال غيره فهو له ضامن". وجميع أنواع الضمان إنّما تستفاد من هذه القاعدة, فهي قاعدة عقليّة وشرعيّة ووجدانيّة, أي هي ليست قاعدة شرعيّة فقط! وإنّما هي قاعدة تجري في جميع المذاهب, بل إنّ قاعدة "من أتلف" جارية حتّى عند أصحاب شريعة الغاب, فلو مزّق أحدٌ ـ مثلاً ـ ملابس شخص آخر من قاطني الغابات الوحشيّة, أو أتلف له متاعاً أو أخذ من يده شيئاً عنوةً, نجد أنّه يلاحقه ويطالبه ويسترجع حقّه منه وذلك على أساس قاعدة "من أتلف".
إذن بناء على هذه القاعدة الكليّة, هل يمكننا أن نُخرج أنفسنا بنحو كامل عن دائرة الحكومة الإلهيّة؟ ونحصر تلك الدائرة الإلهيّة بخصوص الموارد التي لا تنالها إرادتنا واختيارنا؟! أم لا! وإنّما كان كسر الإناء فعل الله الذي تحقّق من خلال إرادتنا وعن طريقها وبواسطتها، ونحن جزء العلّة, أو الجزء الأخير المتمّم لعلّة تحقّق هذا الفعل؟.
فلكي يتحقق هذا الفعل الذي هو كسر الإناء مثلاً لا بدّ أن تتهيّأ الآلاف من العلل والعوامل, فأولاً: ينبغي أن يخلق الله التراب, وثانياً: لا بدّ وأن تجمع تلك الموادّ من التراب, ثالثاً: تؤخذ إلى المصنع وتطبخ، رابعاً: يقومون بإعدادها وفق الشكل الذي يريدون, ثم بعد ذلك يعلّبونها في الكرتون, وبعدها يرسلونها إلى المتجر لتعرض, ثمّ يذهبون لشرائها, ويضعونها في مكانها, وهنا نحتاج إلى آلاف الآلاف من العوامل المستوجبة لحفظها, من القوى الجاذبة, والظروف الزمانيّة والمكانيّة وسائر الأجزاء والأسباب الدخيلة في تحقّق ذلك, فكلّ ذلك مهيأ الآن, ولكن حفظها يحتاج إلى شرط آخر أيضاً, وهو الشرط الأخير, وهو أن لا نختار كسرها, وإلا فلو اخترنا كسرها فإنّها ستزول وتفنى بشكل كامل رغم تحقّق تلك الخصوصيّات.
إذنْ, رغم وجود تلك السلسلة من الأسباب بكاملها, والتي تتشكّل من آلاف الآلاف من العلل, فإنّ جزء علّة انكسار هذه الآنية الآن هو إرادتنا, والتي تمثّل جزء العلّة الأقوى والأهمّ من بين سائر الأجزاء, كما تمثّل الجزء المتمّم لجميع الأجزاء؛ فإن شئنا أن تنكسر انكسرت.. وإن شئنا أن لا تنكسر لم تنكسر .. أو إن شئنا أن نصلّي صلّينا, أو لا, فلا نصلّي.. نصوم.. أو لا.. فلا نصوم.. نحجّ.. نقتل إنساناً.. أو لا نقتل.. كذلك جميع المعاصي سائر الجرائم كلّ ذلك يرجع إلى إرادتنا, والإرادة هي إرادتنا.
ولو اجتمع كلّ الناس ليسلبوا الإرادة منّا ويأخذوا اختيارنا ويرفعوا المسؤوليّة عنّا.. لا يستطيعون! فنحن قد أردنا ونوينا القيام بالعمل السيّئ والقبيح, ونحن مسؤولون وينبغي أن نعاقب ونوبّخ؛ لأنّ الإرادة هي إرادتنا.
الآن من أين جاءت هذه الإرادة؟ نحن من أين جئنا؟ وعن أيّ طريق تحقّقت هذه الإرادة؟ فلا شأن لنا بذلك! وإذا أردنا أن نكثر من الكلام حول ذلك فسوف يُقال لنا: كفّوا عن الفضول!! أتعلمون أن ما صنعتموه سيّئ أم لا؟ فنقول: نعم, نعلمُ أنّه عملٌ سيّئ, إن تحسنوا فليس الإحسان بذنب، بل تثابون عليه أيضاً, ومن يشرب الخمر ظنّاً منه أنّه ماء فليس بعاص, ولكن ذاك الذي يشرب الماء على أنّه خمر فإنّه يستحقّ التأديب ونفس عقاب العاصي بالفعل, فوفق الضوابط العامّة عقاب التجرّي هو نفس عقاب العصيان, دون أدنى تفاوت.
لذلك, فإنّ العمل السيّئ الذي نفعله إنّما هو عملنا ونقوم به باختيارنا, والجنّة والنار قائمة على هذا الأساس{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[2] والشقاء والسعادة على هذا الأساس, وإنما بعث الأنبياء لأجل ذلك, فدعوتهم واضحة, وجهاد الأنبياء ضدّ أعدائهم مرتكز على هذا الأساس, والدعوة قائمة على هذا الأساس, والدين مبنيّ على هذه القاعدة, ولولاها لما بقي شيء.
وحينما نهمّش اختيارنا وإرادتنا, فهو يعني أنّنا وصلنا إلى مرحلة لا إرادة لنا ولا اختيار, وهو ما يعني أنّنا لسنا مسؤولين وغير مكلّفين {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [3]{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا}[4] وما دام هناك اختيار فهناك جنّة ونار, وسعادة وشقاء.
ولو قلتم: إنّ الجنّة والنار هما لله أيضاً! فنقول: حسناً, فليكن ذلك, ولا اعتراض لنا على ذلك أبداً, بل هذا ما نريده نحن أيضاً, فللّه جنّة و نار, ولكن ذاك الذي يدخل الجنّة أو يرد جهنّم, إنّما يدخلها بنفسه وبقدميه وبكامل إرادته, والحال أنّ نفسه وقدميه وإرادته والجنّة والنار كلّها ملكٌ لله, ولا كلام لنا من هذه الجهة (ولا يمكن الفرار من حكومتك) فهذا كلام تامّ, وصحيح, إلا أنّه لا يرفع المسؤوليّة عنّا, وهذا محلّ كلامنا.
فأنا أرمي الآنية فتقع وتنكسر وأنا أعلم بذلك, حينئذ أكون مؤاخذاً ويقال لي: تعال واضمن! ولا يمكنني أن أقول: أنا أرفع هذا الضمان عن عهدتي, متذرّعاً بأنّ الذي فعل هو الله, بداهة أنّ الذي حكم بالضمان هو الله أيضاً, والضامن والمضمون والحكم بالضمان وكلّ شيء هو لله أيضاً.
فما الإشكال إذاً؟ هل من إشكال؟! فهل يجب أن نجعل الله فقط في المواقع الشاذّة، ونضعه في الواجهة ونحمّله مسؤوليّة عيوبنا، حتى ينال شرف تولّي زمام أمور الملك ويكون هو صاحب القرار في الحكم؟ أم أنّ النظرة التوحيديّة والتي إذا فكّرنا من خلالها ودرسنا الأمور على أساسها و حاولنا استشعارها وفق هذا الوجدان, تقتضي أن يكون كلّ العالم لله, فالحكم بالضمان هو لله أيضاً, ونفس إلزامي بوجوب دفع هذا المبلغ لذاك الشخص هو من الله, والمال أيضاً من الله, ونفس مجيئه ومطالبته بالمال على أساس ما عنده من عقل هو أيضاً لله, والعقل الذي أمر بذلك هو من الله, والشرع الحاكم بالضمان هو من الله, حينئذٍ فكيف يحقّ لي أنْ أقول: إنّ كاسر هذا الإناء هو الله, وبالتالي فأنا لست ضامناً لأنّ الله هو الذي فعل ذلك؟! كيف..؟! هل هذا صحيح!
فعائشة قادت الجيوش وقامتْ وقتلتْ مَنْ قتلتْ وهتكتْ حرمة مقام زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله, فعائشة حينما جاءت إلى النبيّ وهو على فراش الموت, وسألته أنْ يا رسول الله انصحني وأوصني!! فأجابها رسول الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[5]

    

وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله لعائشة

وهذا عجيب جدّاً! فكلّ نساء النبيّ أتين إليه يودّعنه ويقبّلن يديه وقدميه, وكلّهنّ طلبن منه النصيحة, والنبيّ بدوره أوصى كلاًّ منهنّ وصيّة خاصّة بها, وأمّا لعائشة فإنّه يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي: اقعدن في بيوتكنّ! اجلسن في زاوية المنزل! ولا تخرجن من منازلكنّ! استقررن! وقرن في بيوتكنّ!! لا تخرجن! هذه هي النصيحة التي نصح بها رسولُ الله صلى الله عليه وآله عائشة.
وبعد ذلك شرع النبيّ يبكي بحرقة, وحينما سألوه لمَ تبكي؟ قال: إنما أبكي عليها فهذه زوجتي, وهي ناموسي وعرضي!! وسوف تقوم في وجه عليّ بن أبي طالب مع تلك الأبّهة والعظمة وتركب الجمل وتمتطيه كقائدة للجيش!! فزوجة النبيّ مهمّة جدّاً.. زوجة النبي هي عرض النبيّ! زوجة النبيّ هي حريم النبيّ!! وخروجها أمام الملأ عبارة عن انهدام أصل الدين.. وكأنّ الكعبة قد هدمت.. وهو يعادل احتراق القرآن.. حيث أنّ زوجة النبيّ تخرج للدفاع!! فالمسألة من هذا القبيل, أي يبلغ الأمر أن تخرج زوجة النبيّ وتنهض للدفاع والثورة!! أيّها الناس...!
انظروا إلى حجم المكر والخداع وإلى تلك السياسة الشيطانيّة القويّة, كيف استطاعت عائشة أن تخرج معها أولئك الجاهلين الذين بلغ عددهم اثنا عشر ألفاً فلحقوا بركبها؟ وكانوا يقفون تحت أقدام جملها! ويقاتلون ويقتلون أيضاً! مع هذا الجهل والتخبّط!! هل تتصوّرون أنّ ذلك أمر في غاية البساطة؟! لا.. بل هو خطير جدّاً..

    

تبنّينا لمنطق عائشة في حياتنا لعمليّة

هذه هي سياسة عائشة وهذا هو منطق عائشة, وهو بعينه موجودٌ فينا جميعاً مع شيء من الزيادة أو النقصان, وذلك حينما نريد أن نفرّ من وطأة المسؤوليّة, ونهرب من المؤاخذة حينما نكون مدانين, فنخالف حتّى يبلغ الأمر مرحلة نصبح عرضة للمساءلة والحساب!! فنقول: هو تقدير الله! هل يمكن الفرار والخلاص من المكر الإلهي؟
اگر تيغ عالَم بجُنبد زجاى
                             نبرّد سرى تا نخواهد خداى
[6]
فنحن نطرح الجبر بشكل محكم, ونطرح هذا المنطق ونغلب الخصم به ونُسكته, نعم مضمون هذا البيت من الشعر صحيح, فمهما تحرّك السيف وجال في العالم فسوف لن تستطيع أنْ تقطع رأسَ أحدٍ إلا أن يشاء الله ويريد, وهذا صحيح ولكن كلامنا عن تحمّل المسؤوليّة وعلى عاتق من تكون؟
نقول: هل يتحمّل الشمر المسؤوليّة أم لا؟ فنحن أهل التوحيد, نرى أنّ فعل الشمر هو فعل الله, وقطعُ السيف كذلك هو فعل الله, كذلك الإمام الحسين إنّما نراه من الله, كلّ شيء.. كذلك تراب كربلاء إنّما نراه من الله, فالكلّ لله, إلا أنّه من خلال التأمّل والتفكير نجد أنّ هناك أمرين ومسألتين:
إحداهما: وجود الإمام الحسين والذي كان قد اختار هذا الاختيار, فهل هذا الاختيار خارج عن الله؟ وهل اختيار الشمر هو من غير الله؟ وهل صدر فعلهم وتحقّق في العالم الخارجيّ دون إرادتهم؟ أم لا, بحيث أنّ جميع هذه الاختيارات إنّما تحقّقت وصدرت بواسطتهم ومنهم, وحينئذ لنا أنْ نقول: إنّه مستوجبٌ للسعادة ورضوان الله أو للشقاء وجهنّم، أو أنّه لا يستوجب ذلك.
فإن قلنا: لا يستوجب ذلك فهو كلام خاطئ, وهو أمرٌ مسلّم! مسلّم عند جميع المدارس, وليس الإنسان وحده هو الذي يعتقد بمسؤوليّة المختار (على اختلاف مدارسه ومذاهبه، وكل إنسان عاقل), بل حتّى المتوحّشون يحكمون بكون الإنسان المختار مسؤولاً, بل إنّ هذه الغريزة موجودة أيضاً لدى الحيوانات, فلو آذى أحد الحيوانات حيواناً آخر دون أيّ سبب, كأن تنقر دجاجة رأس دجاجة أخرى, فهي من حيث أنّها مختارة مسؤولة عن هذا الفعل, وقد ورد في رواية أنّها تعاقب يوم القيامة.
وعليه فنحن لا يمكننا أن ننكر الاختيار فينا, فما دام هناك اختيار هناك مثوبة، هناك جنّة ونار, وبعد ذلك نأتي ونقتل إنساناً, ثمّ إذا سئلنا: لماذا قتلت إنساناً؟ نقرأ أيضاً هذا الشعر:
اگر تيغ عالَم بجُنبد زجاى
                             نبرّد سرى تا نخواهد خداى
[7]
فإن نجب بذلك نكن مغالطين حينئذ!!
ما معنى المغالطة؟ تعني أنّنا لم نأت بمقدّمات برهانيّة في طرحنا الجواب للطرف الآخر, وإنّما نكون قد استفدنا من بعض المقدّمات الشعريّة وسبكناها بصورة برهان, وذاك المسكين لا يعرف كيف تمّت الأمور, ولكنّ الله لا يقع في المغالطة أبداً!!


[1] ـ كنز العمّال ـ المتّقي الهندي الجزء 11 صفحة 334, وقد ورد نصّ الحوار بينهما هكذا: عن عروة قال: قلت لعائشة: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: عليّ بن أبي طالب؛ قلت: أيّ شيء كان سبب خروجك عليه؟ قالت: لمَ تزوّج أبوك أمّك؟ قلت: ذلك من قدر الله, قالت: وكان ذلك من قدر الله.

[2] ـ سورة الشورى (42) ذيل الآية 7.

[3] ـ سورة البقرة (2) صدر الآية 286.

[4] ـ سورة الطلاق (65) مقطع من الآية 7.

[5] ـ سورة الأحزاب (33) صدر الآية 33.

[6] ـ مهما تحرّك السيف وجال في هذا العالم, فلن يقدر على قطع رأس إلا بالمشيئة والإرادة الإلهيّة.

[7] ـ مهما تحرّك السيف وجال في هذا العالم, فلن يقدر على قطع رأس إلا بالمشيئة والإرادة الإلهيّة.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->