معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > أعياد و مناسبات إسلامية > خطبة العيد لعام 1428 - حقيقة التقوى ومراتبها

_______________________________________________________________

هو العليم

خطبة عيد الفطر : حقيقة التقوى ومراتبها

 

عام 1428 هـ

سماحة آية الله

السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                            

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه الواصل الحمدَ بالنعم، والنعم بالشكر. نحمده على آلائه، كما نحمده على بلائه. ونستعينه على هذه النفوس البطاء عمّا أمرَت به، السراع إلى ما نهيَت عنه. ونستغفره ممّا أحاط به علمه وأحصاه كتابه: علم غير قاصر، وكتاب غير مغادر. ونؤمن به إيمان من عاين الغيوب ووقف على الموعود، إيماناً نفى إخلاصه الشرك ويقينه الشكّ. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله، شهادتين تصعِدان القول وترفعان العمل، لا يخفّ ميزان توضعان فيه، ولا يثقل ميزان ترفعان عنه. اُوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاد: زاد مبلّغ ومعاد منجح. دعا إليها أسمع داع ووعاها خير واع، فأسمع داعيها، وفاز واعيها. [1]

    

بسم الله الرحمن الرحيم

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ *وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
اللهمّ صلّ وسلّم وزد وبارك على رسولك وخاتم رسلك ومبلّغ رسالاتك الرسول النبيّ المكيّ المدنيّ التهاميّ القرشيّ صاحب لواء الحمد والمقام المحمود أبي القاسم محمّد الحميد المحمود. وصلّ وسلّم على أخيه ووصيّه وصهره وابن عمّه وخليفته من بعده، قائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدين، وإمام المتّقين، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وعلى الصدّيقة الطاهرة، الحوراء الإنسيّة، البتول العذراء والشفيعةِ في يوم الجزاء، وعلى الحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والحجّة المنتظر المهدي.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد حججك على عبادك واُمنائك في بلادك. اللهمّ سهّل منهجهم، وعجّل في فرجهم، واجعلنا من شيعتهم ومواليهم والذابّين عنهم.

    

حقيقة التقوى وسرّها

قال الله الحكيم في كتابه:{ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [2].
تعجيلاً لفرج صاحب العصر ورفعاً للبلاء عن شيعته صلّوا على محمّد وآل محمّد.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.
أوصى الله تعالى الناس في هذه الآية الكريمة بأعلى مراتب التقوى: { يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ} فإن كان لا بدّ أن تتّقوا فما أفضل أن تنالوا أرفع درجاتها {وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} إلاّ وأنتم حائزون على مرتبة التسليم والإسلام الحقيقيّ الواقعيّ.
ويستبطن قوله{حَقَّ تُقاتِهِ} العديد من المعاني. فلماذا يوصي الله تعالى بتحصيل أعلى مراتب التقوى؟
ويُلاحظ تأكيد على التقوى في القرآن الكريم والروايات الواردة عن الأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. و لعلّ المعنى المتبادر من التقوى عادةً هو الخوف، فيفسّرون قوله تعالى: { يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ} بالأمر بالخوف من الله. ونحو قوله تعالى: {وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[3] أي: من يخف الله تعالى الله يسّر له اُموره.
أو قوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي‏ وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَة}[4] أي: خافوا من النار التي وقودها الناس والحجارة. ففي حقيقة الأمر يكون معنى التقوى ومعنى الخوف واحداً [وفق هذا التفسير]. وعليه فالمراد من الخوف في قوله تعالى: {وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ *فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}‏[5] تقوى الله.
و السؤال الذي يطرح هنا: لماذا يُخاف من الله؟ مع أنّ الله لا يخيف لأنّه أرحم الراحمين. فلماذا يخاف الإنسان من الله، مع أنّه ورد في الحديث القدسيّ: «إني أرحم وأرأف بكم من الأب والأم» فأصل وجود الله قائم على اللطف والرحمة، ولا معنى لأن يخاف الإنسان من ذات أساسها اللطف والرحمة والعطف. وبصورة عامّة، لعلّ نظرتنا إلى تلك الذات الرحيمة الرؤوفة تبدّلت، فصارت في أعيننا ذاتاً قهّارة جبّارة ذات جبروت، وصرنا نرى الله الذي هو أرحم الراحمين الرحيم بعباده بهذه الدرجة، مع أنّه معنا وقرين لنا... بل ورد في الحديث: « لو علم عبادي العاصون اشتياقي لهم ولمناجاتهم لحلّقت أرواحهم من أبدانهم من شدّة الشوق والذوق ». وعليه فهذا الإله لا يُخاف منه، الخوف هو من العمل القبيح، و وجود الله رحمة للعباد رأفة بهم. إلى درجة أنّه يقول بأنّ حال التوبة والإنابة والرجوع إليّ بعد الذنب خيرٌ من العبادة الظاهريّة. أتدرون ماذا يعني هذا الكلام أيّها الإخوان؟! معناه أنّ ما يريده الله منّا هو توجّهنا إليه لا العمل الظاهريّ، الذي يرضاه الله هو أن نقف على بابه ولا نقصد بابَ سواه، أن يكون فكرنا وقلبنا متوجّهاً إليه، هو لا يريد كثرة العمل، ولا الإقدام على الأعمال التي يكون نفس أدائها مانعاً عن حصول هذا الحال. وهذه المسألة دقيقة جداً. نفس العمل يجعل النفس تشعر بالرضى، ويزول منها حال الخجل والحياء من الله. الأعمال تشكّل حجاباً أمام توجّه الإنسان. هو في الظاهر يتلو القرآن، في الظاهر يصلّي، في الظاهر يصلّي صلاة الليل، في الظاهر يذكر الله، في الظاهر يقوم بأعمال الخير، ولكن نفس الاشتغال بالأعمال الظاهريّة الخيّرة يؤدّي إلى حالة في النفس تجعله يقول: الحمد لله نحن موفّقون، الحمد لله أن وفقنا لأداء هذه الأفعال، الحمد لله الذي وفّقنا، الحمد لله. وهذه (الحمد لله) حمد صادر عن حال من الدلال والإحساس بالغنى، وليست حمداً صادراً عن حال من الفقر والحاجة، والله يريد منا الإحساس بالفقر والحاجة، ولا يريد منا الشعور بالغنى، إذ الشعور بالغنى مختصّ به تعالى، ولنا نحن الشعور بالفقر والفاقة. وذلك الشعور بالفقر والخجل والحياء الناشئ عن التقصير في العمل أفضل عند الله وأحمد لديه من حال العبادة التي تبعث في الإنسان الشعور بالرضى؛ فهذه الحالة لا قيمة لها. لذا يريد الله تعالى من العبد أن يتوجّه إليه، وإذا مّا قام بعمل ما فلا بدّ أن يكون وسيلة للوصول إليه، لا أن يُرضي به نفسه.
وعلى أساس ذلك فماذا سيكون معنى التقوى في قوله تعالى: { يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ}؟ ليست التقوى بمعنى الخوف وقد فسّرت به غلطاً، ولا بمعنى الرعب الناشئ عن غضب غاضب وقوّته. التقوى نوع من الاضطراب والقلق الناشئ من عدم الوصول إلى المواهب العالية والكمالات التي قدّرها الله، هذا هو معنى التقوى. يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله تعني أنّ عليكم أن تكونوا على شيء من القلق تجاه عواقبكم وتجاه فوات تلك المواهب التي قدّرها الله لكم. فالله تعالى لم يقدّر لكم مواهب صغيرة أو عطايا سخيفة. إنّ وجودكم في الدنيا كان لأهداف أخرى، فلا تقضوها بالتافه ولا تطووا أيامها بالأعمال اليوميّة، فتحرموا من تلك العطايا والمواهب.
فالتقوى إذن نوع من القلق على العواقب التي جعلها الله مقاصدَ وغاياتٍ وأهدافاً لخلقنا، وهي عبارة عن الوصول إلى معرفة الله، ولذا يكون معنى الآيات الآمرة بالتقوى هو ضرورة الاهتمام والقلق تجاه عدم الوصول إلى الفعليّات والكمالات التي أودع الله فينا استعدادها، فنبتغي الوسيلة إلى تحقيق ذلك. ومفاد قوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي‏ وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَة} هو: اجعلوا أنفسكم في مأمن ووقاية ودرع من هذه النار، اجعلوا بينكم وبينها حجاباً، اجعلوا لأنفسكم وسيلة ترفع الخوف والقلق من عدم الوصول إلى تلك المراتب. وآية {وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏}[6] تعني ضرورة أن يكون الإنسان في مقام يشكّل له زاداً للوصول إلى تلك المرتبة.
فظهر أنّ قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ} يفيد أنّ للإنسان مراتب مختلفة في امتلاك هذا الزاد وتلك الراحلة، وذلك الحجاب والدرع الحاجز عن النار، والمؤدّي إلى القلق والاهتمام بالوصول إلى تلك المراحل

    

اختلاف التكليف باختلاف الموضوع والمتعلّق

للإنسان في ذلك مراتب مختلفة من التقوى، وعلى أساس ذلك فالأحكام والتكاليف التي جعلت لنا هي أحكام مختلفة، فهناك تكاليف ظاهرة وتكاليف باطنة، والتكاليف الباطنة هي الأخرى تتفاوت من شخص لآخر. فالعوام الذين لا يتمتّعون بقسط وافر من الفهم والإدراك والشعور للمراتب الأرفع يختلف تكليفهم عن صاحب الفهم والشعور والإدراك الذي وصل في قواه المدركة إلى مطالب أخرى، ونال بواسطة سعة صدره وقوّة ذهنه والمعلومات التي اطلّع عليها مسائل اُخرى، هذا تكليفه مختلف. الأحكام من الحرام والحلال والمستحبّ والمكروه توضع على أساس الظاهر. وإذا عبر الإنسان من مرتبة الظاهر فسيكون الوجوب أدقّ عنده من الوجوب الظاهر، وستكون الحرمة عنده أهمّ من الحرمة الظاهريّة. ما في الرسائل العمليّة هو الحديث عن الحلية والحرمة الظاهريّتين، أمّا في المراتب الباطنيّة فتختلف مسائل الحرمة والوجوب والكراهة والاستحباب. فالحكم الشرعيّ لفرد من العوامّ هو وجوب الصلاة اليوميّة، ولا بدّ أن يقوم بذلك، ويحرم عليه الغيبة والتهمة والاعتداء على أموال الآخرين، ويحرم عليه إيذاء المؤمن، فهذه مصاديق للأحكام الشرعيّة الظاهريّة من الوجوب والحرمة. أمّا الإنسان الذي له ميل ما نحو الباطن فيحرم عليه الخيال والخطور المخالف والفكر المخالف، ويجب عليه الفكر الموافق، ويصير من الواجب عليه أن يراعي بعض المسائل، فلكلّ شخص أحكام وتكاليف تناسب مرتبته. فإن اهتمّ بأدائها انتقل إلى المرتبة اللاحقة وإلاّ بقي في مرتبته متوقّفا ولن يتحّرك. وربّما يثير تعجّبنا ما في بعض الروايات من أنّ عدم التوجه و أقلّ غفلة عن مشاهدة المحبوب ولو للحظة واحدة، وعدم مراعاة الأدب أمام الذات الإلهية يوجبان هبوط الإنسان من أعلى المراتب التي حصّلها.. لحظة واحدة من الغفلة ترمي به في حضيض الذلّة وتبعده عن حريم الربّ؛ لذا يوصي الأولياء العظام مؤكّدين أنّ على الإنسان أن لا يقيس نفسه إلى المرتبة الأدنى منه مهما وصل إلى مراتب من الإدراك والفهم والشعور. فلا يمكنه أن يقول: فلان لا يفعل كذا وكذا. لا يمكنه أن يقول: كثير من الناس لا يلتفتون إلى تلك المسألة. لا يمكن أن يقول: لماذا أخي لا يفعل ذلك الفعل؟! فكلّ شخص يطلب الله منه بحسب فهمه وإدراكه إلى أن يصل الإنسان بواسطة طيّ المراتب إلى تلك المرتبة المطلوبة، ويرفع كافّة الحجب ويخرج من مقام الاضطراب والترديد، ويصل إلى مقام الاطمئنان، ويصل إلى ذلك المقام الذي تبقى النفس فيه على سكون، ولا يمكن لشيء أن يؤدّي إلى تزلزلها. لماذا؟ لأنّ الكثرة قد تبدّلت لديه إلى وحدة، لقد كانت عينه حتّى الآن تنظر نحو الكثرة، كانت ترى الأهواء المختلفة. كانت رؤيته رؤية كثرة ورؤيةً نفسانيّة، وكانت تظهر في نفسه أهواء مختلفة؛ فيوماً كان يجعل همّه لجمع المال، ويوماً لتحقيق الجاه والشأن والشخصيّة، وكان يتحرّك إلى هنا وهناك من أجل جمع المؤيّدين، ومن أجل جمع المال، كلّ همّه تحصيل الأغراض الدنيويّة، ولم يكن يرعوي عن شيء في سبيل تحصيل شهواته، وعمارة الدنيا وراحة الجسد وهذا هو شأن الدنيا:
كانت لنفسي أهواء مفرّقة
                             فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي

قبل أن ترى العين جمالك كانت أهوائي كثيرة، وكانت ميولي تتّجه إلى الدنيا، وكانت آمالي متشعّبة بعدد شعب الدنيا، وفي كلّ يوم كنت أتّجه اتجاهاً، فيوم للوجاهة، ويوم للمال، ويوم لشيء آخر. لقد كنت أحبّ أن يلتفت الناس إليّ، أن يكون لي بينهم محبّة، أن أجتذب القلوب إلى ذاتي. لقد كنت أفرّ من الانتقاد، واُسَرّ من المدح والثناء. لقد كنت مبتلى بكلّ ذلك قبل أن تقع عيني على جمالك، ولكن بعد أن صرت لك جليساً وبعد أن ذقت حلاوة لقائك وتعرّفت عيني على طلعتك، انتفى كلّ ذلك، ولم أعد ألهث وراء المال، وصرت أفرّ من الناس ومن الاجتماعات. كنت حتّى الأمس أستوحش من الوحدة، واليوم صارت العلاقات مع الناس تؤذيني وتسبب لي الانزعاج بل والانزجار، وهو أعلى من الانزعاج، فلم أعد أنزعج فحسب بل صرت أفرّ، لماذا؟ لأنّ العلاقة معك لا تجتمع مع العلاقة معهم، ولا ينسجم الارتباط بهم مع الارتباط بك. كلّ هذه الأهواء والميول قبل مشاهدتك ولذّة الجلوس إليك كانت تروق لي وتعجبني وتشدّني. كنت إذا مرّ يوم أو أسبوع ولم ألقَ أحداً أتساءل في نفسي: لماذا لم يأتني فلان؟ وهل صنعت معه أمراً قبيحاً؟! كنت إذا مرّ يوم ولم أكتسب مالاً أعدّ ذلك اليوم مشؤوماً، وكان اليوم السعيد عندي ذلك اليوم الذي أكتسب فيه شيئاً أكثر من متاع الدنيا، من المال، من الأتباع، من الوجاهة بين الناس. كان ذلك لي محبوباً، أمّا الآن فقد وصلت إلى حال أتمنّى فيه أن لا يحبّني أحد، لقد تركت النظر إليهم، وبدّلت ارتباطي بهم إلى ارتباطي بالحبيب. لم يعد لي اهتمام بأموال الدنيا، فسواء ربحت مالاً اليوم أم لم أربح، لا يختلف الأمر لديّ.


    

لزوم السعي إلى نيل معالي الاُمور وترك سفاسفها

قال أحدهم للإمام الصادق عليه السلام: لقد دعوت الله أن يرزقني الصحّة والسلامة وطول العمر والراحة، فقال له الإمام الصادق عليه السلام: من أين عرفت أنّ ذلك خير لك؟ فربّما كان من الخير للمؤمن أن يموت ولده، وربّما كان خير المؤمن في بلائه، وربّما كان خير المؤمن في قطع يده. هذه هي المسألة من يريد أن يلقى الله، أن يكون جليساً له، أن يأخذ الله بيده للقائه، لا بدّ أن يبدّل ميوله، لا بدّ أن يخالف أهواءه، لا بدّ أن يهجر ما تعلّق به الناس من الرذائل والأهواء والتوهّمات والتخيّلات كي يتمكّن من إيصال استعداداته إلى فعليّتها. لا بدّ أن يترك اهتمامات الناس إلى أهلها من الأهواء والتغيّرات والتحوّلات والأحداث اليوميّة. من أراد أن يكون مصداقاً لقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ} من أراد الوصول إلى تلك المراتب الراقية، فلا بدّ أن يسير في ذلك السبيل الذي سلكه السالكون الواصلون، فلا يختلق طريقاً من نفسه، ولا بدّ أن يهجر ذلك الطريق الذي يسلكه الناس العوام في أيّ لباس تلبّسوا وتحت أيّ عنوان اندرجوا. فنتيجة ذلك الطريق هو ما نراه أمامنا، نتيجته هي ما نراه في الناس، نتيجته أنّ الإنسان بعد سبعين عاماً أو ثمانين وحين يشدّ أحزمة الرحيل تتّضح له حقيقة الأمر، ويكون الأمر بالنسبة له يقينّيا. هناك تزول الاعتبارات لديه، هناك تتبدّد الوعود وتظهر حقيقتها الخاوية، هناك تلغو جميع العلاقات، هنالك تتبدّل الآمال الطوال في البقاء إلى يأس، وهناك تفقد قيمتها الأموال التي جمعها للخلود بها، هناك لا يعود من قيمة لتلك الصحّة والسلامة التي كان يلقي بنفسه من أجلها في المشتهيات، وهناك لا يلتفت إلى تلك المكانة الاجتماعيّة التي كان يتمتّع بها وكان الناس يحيطون به كما يحيط الفراش بالشمع، فيظنّ لنفسه جرّاءها أنّ لها البقاء إلى الأبد. ينقل المرحوم الوالد عن والده رحمة الله عليهما أنّه عندما سقط مريضاً وبقي في منزله في أعالي طهران حتّى توفّاه الله لم يتجاوز عدد زائريه سبعة أشخاص إلى أن توفّي، مع ما كان عليه من المكانة المرموقة في طهران، حيث كان مسجده معروفاً فيها يقصده العلماء والناس في المناسبات المختلفة حتّى كان يمتلئ بهم، وبعد أن توفّي شيّع تشييعاً لم تشهد له طهران مثيلاً، فأيّ زمان هو هذا الذي يحوطك الناس فيه ما دمت حيّاً قويّاً معافى؟ حتّى إذا بدت عليك علامات الهرم والمرض والضعف وبدأت أفكارك تتراجع من المسير الذي كانت عليه، وميولك تتبدّل، ومشتهياتك تتغّير انفضّوا من حولك!! هناك يدرك الإنسان أنّ الحقيقة هي شيء آخر سوى كلّ تلك الارتباطات، لم تكن الحقيقة في تلك المكانة والأمر والنهي، لم تكن الحقيقة في تلك المحبّة، ولا في تلك الآمال التي كانوا يؤمّلونك بها، لا المال له قيمة ولا محبّة الناس لها قيمة. هناك لا يبقى سوى الإنسان وحده وما ادّخره لنفسه.

    

لزوم ذكر نعم الله وفضله وآلائه

وهنا ينبغي أن ندرك قيمة هذه المدرسة النورانيّة، ونشكر الله تعالى كما يقول:
{وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}‏[7].
لقد كنتم في زمان تحومون حول النار، كنتم في عصر الجاهليّة قد تخلّيتم عن كافّة القيم، وكانت كلّ مطالبكم دنيويّة، كنتم دائماً تتنازعون وتسفكون الدماء بسبب الخلافات القبليّة والدنيويّة، كنتم تئدون بناتكم، وكنتم تقضون حياتكم سعياً وراء التافه، لقد كانت حياتكم تتمحور حول هكذا أمور. علاقاتكم علاقات أنانيّة وفرعونيّة، لقد كانت خالية من الرابط الإلهيّ والتوحيدي، وكنتم تحيون معاً على أساس التفاخر، على أساس الأنانّية المادّية على أساس التكاثر في الأموال، لا على أساس الإنسانيّة ولا على أساس التوحيد ووحدة الانتساب إلى الحقّ تعالى. كانت صداقاتكم تقوم على المصالح الماديّة، كنتم عند اختيار إخوانكم تنظرون إلى ظاهر الأخ لا إلى باطنه، وكنتم في بناء حياتكم تهتمّون بالمظاهر وما يهمّ الناس، لا بالعقل وحقيقة هذه الحياة. كنتم كذلك حتى منّ الله عليكم:
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي‏ ضَلالٍ مُبينٍ}[8].
منّ الله عليكم وأرسل إليكم رسولاً من عنده ليبدّل ميولكم إلى التوحيد، ورغباتكم إلى الرغبة في التوحيد، ليبدّل مسيركم في هذه الدنيا والذي كان على أساس النظرة الماديّة إلى مسير على أساس النظرة الإلهيّة، منّ عليكم لينجيكم من هذا المأزق، ولينفخ فيكم من روح التوحيد، فيتبدّل سلوككم وعلاقاتكم ورؤيتكم، وليخرجكم عن توغّلكم في الكثرة، ويحلق بكم في سماء القداسة والطهارة.
لذا علينا أن نطبّق هذه المسألة على أنفسنا، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام وهذه الآية بحرفيّتها منطبقان علينا، فكيف كانت حالنا قبل أن نطّلع على هذه المدرسة؟ لقد كانت أفكارنا أفكاراً أخرى، ميولنا ورغباتنا كانت مختلفة، أهدافنا كانت مختلفة، كنّا نرى القيمة في أشياء أخَر، كنّا نرى صلاحنا في رفاهية البدن وعمران الدنيا. كنّا نرى القيمَ النفسيّة والروحيّة منحصرة في العلاقات الاجتماعيّة والعواطف الكاذبة، كنّا من أجل سدّ حاجاتنا النفسيّة نتوجّه إلى ما يتوسّل به الناس، وكنّا نسعى إلى تعزيز مكانتنا الاجتماعيّة، وكنّا نفخر بوصولنا إلى ذلك، وكنّا في سبيل ذلك نبحث ليل نهار عمّن يدور في فلكنا، مع علمنا بأنّ ذلك كالسمّ الهالك الذي يقتل ضميرنا ووجداننا، ويحول بيننا وبين تلك المرتبة من التقوى، ويجعلنا في كلّ آن رهناً للتغيّرات والأحداث والتقلّبات الداخليّة والاضطرابات والتردّدات. فمع كلّ حادثة تنقلب أحوالنا، ومع كلّ مدّ وجزر في ظروفنا تنقلب أحوالنا رأساً على عقب، ونفقد استقرارنا وراحتنا. كانت أعيننا دائماً على الحوادث نرقبها: ماذا سيصيبنا وماذا سيجري علينا؟ كنّا دائماً منشغلين بذلك، نطوي الأيّام على ذلك الحال، ونصل الأسابيع بعضها ببعض على ذلك، وهكذا نقضي السنة تلو السنة. كنّا كذلك حتّى هبّ علينا نسيم من أولياء الله، وورد علينا ريح الصبا من أقوال وكتابات أولياء الله، فاطمأنّت منّا القلوب وسكنت، فكشفت لنا الدنيا عن وجهها واعتباريّتها، وظهر لنا مجازها وبطلان سلوك أهلها، واتّضحت لنا حقيقة التوحيد وحقيقة عالم المعنى، وفتح أمامنا ذراعيه ليحتضننا. وأمّا تلك المسائل التي كنّا مبتلين بها فلم يعد لها اليوم أيّة قيمة، وتلك المسائل التي لم نكن نبالي بها حتّى الأمس صارت اليوم أساساً في حياتنا. ولذا قالوا: لو أنّا شكرنا الله إلى يوم القيامة لما أدّينا حقّ هذه المدرسة. وهذا هو حقّ الأمر ويجب أن يكون كذلك، لماذا؟ لأنّهم يدعوننا إلى أمر عاقبته مقام القدس، يدعوننا نحو اتّجاه عاقبته الرَوح والرضوان الإلهي، يدعوننا إلى مكان لو أنّهم وضعوا في أيدينا حكومة الدنيا وحكومة الآخرة لقاء لحظة منه لكان من الجنون أن يقبل أحد بذلك، لقد دعونا إلى ذلك المقام.

    

بيان أمير المؤمنين عليه السلام حول أهل الملكوت

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف ذلك المقام و هذا الهدف السامي:
سبحانك أيّ عين (ليس المراد العين الظاهريّة؛ إذ لا معنى لأن يقصد هذه العين الظاهريّة؛ فهي لا ترى إلاّ اللون و الجسم، بل المقصود : أيّ عين قلب رغم سعتها و قدرتها و قوتها يمكن لها أن) تقوم (و تتحمّل و تقبل و تتلقّى وتقف) نصب بهاء نورك ، وترقى إلى (أعلى مراتب) نور ضياء قدرتك ؟
وأيّ فهم يفهم (حتّى المرتبة التي .. ) ما دون ذلك (و أيّ إدراك يستطيع أن يدرك تلك الحقيقة التي لمسها أولياؤك الذين وصلوا إلى مرحلة الفناء في ذاتك المقدسة و قدّموا أنفسهم قرباناً للوصول إلى لذّة مناجاتك، فأيّ فهم و أيّ عقل يستطيع فهم ذلك و الوصول إلى كنهه) ؟
إلاّ (مجموعة واحدة من الناس ، و هم من كان لديهم ) أبصارٌ كشفت عنها الأغطية ، وهتكت عنها الحجب العميّة (أي: الموجبة لعماء القلب سواء كانت حجباً ظلمانيّة أو نورانيّة ، فالحجب النورانيّة أيضا مانعة من رؤية المحبوب ؛ إذ ليست الحجب الظاهريّة و التعلّق بالدنيا و الأميال الدنيويّة و الشهوانيّة في عالم الكثرات وحدها مانعةً من الوصول إلى المحبوب ، بل حتّى الحجب النورانيّة من قبيل مجالسة الأرواح القدسيّة و مصاحبة الملائكة ، كلّ ذلك يمثّل حجاباً بينك و بين خلقك ، و قد أزلت يا ربّ بلطفك كلّ هذه الحجب و الموانع من طريق عبدك و جعلته يعبر عنها و يتحرّك تجاهك )، فرَقَت أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح فناجوك في أركانك (واقعا ما أعجب و أرقى ما تفضّل به سلام الله عليه ، فهو يقول هنا: إنّ هذه المناجات قد تعدّت مرحلة الاسم و الصفة ، و أصبحت متحققّة بك وحدك يا ربّ ، فهذه المناجاة هي في مرحلة الذات !!) و ولجوا بين أنوار بهائك ( فتغيّر وجودهم و تحوّل إلى نورك المطلق ، فصار وجودهم وجودا بسيطاً مطلقاً فقد أضحى وجودهم هو وجود الحقّ سبحانه و تعيّنهم أمسى متعيّناً بتعيّن الحقّ ، و ظهر جلواتهم بظهورات الحقّ و تجلّياته، فهؤلاء قد عبروا عن نفوسهم بشكل كامل ) ونظروا من مُرتقى التربة إلى مستوى كبريائك (واقعاً لو أنهم لم يبيّنوا لنا هذه المسائل ، فمن أين كان لنا أن نفهم ؟! و من أين كنّا سنعلم بوجود مطالب راقية كهذه ) فسمّاهم أهل الملكوت زوّاراً ودعاهم أهل الجبروت عمّارا .
هذا هو الهدف و هذه هي الغاية التي حدّدها لنا الله سبحانه.
حسناً ، فلننظر في مقابل ذلك إلى أنفسنا : أين نحن ؟ و ما هي الأمور التي انشغلنا بها عن هدفنا ؟ و في أيّ طريق نسير ؟! لقد غرقنا في التفكير في الأحداث اليوميّة و مسائل الدنيا !!
فلذا يقول لنا{ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ}. فهو يقول لنا :
أيّها المؤمنون، اسعوا للوصول إلى تلك المرتبة العليا من التقوى ، و ليشغلكم همّ أنفسكم ، فأنتم لم تُخلقوا من أجل هذه المراتب المتدنيّة من التقوى فتجمدوا عليها و تثبتوا عندها، بل خُلقتم من أجل قمّة تلك المراتب من التقوى ، فلماذا تقنعون بالقاع و الحضيض ؟! لماذا توقّفتم عند أداء الأحكام الظاهريّة ؟! و لماذا لا تُخرجون أنفسكم من التعلّق بهذه الأحكام الظاهريّة ، و تحلّقون بها إلى أفق لا يستطيع حتّى ذلك الشخص الذي يُصدر هذه الفتاوى الظاهريّة أن يتصوّره و يتخيّله ، و إلى مجال لا يقدر الأشخاص الذين قطعوا المراحل في تعلّم تلك المطالب أن يتوهّموه ؟! أنتم قد خُلقتم لأجل مكانٍ و مرتبة عظيمة كهذه !!
حسناً، الحمد الله . ها قد انقضى شهر رمضان المبارك ، فنشكر الله سبحانه على أن وهب لعبيده هذا الشهر الذي استضافهم فيه بالصوم ، و نأمل أن تكون رحمته الواسعة قد شملتنا في هذا الشهر الكريم .

    

أدب العيد وحقيقة في فنّ السّر

لقد كنت أفكّر قبل قليل عندما كنّا نقرأ تلك التكبيرات مع الإخوة و الأصدقاء ، و خطرت في بالي هذه الفكرة: أنّ هذه المسألة مسألة عجيبة، و هي العلاقة و الارتباط بين عيد الفطر و عيد الأضحى في العاشر من ذي الحجة و كيفيّة العيد فيهما .
فالأمر واضح بالنسبة لعيد الأضحى، فقبل يوم العيد مباشرة يكون الحاجّ في حالة الإحرام ، و قد تحرّك خارجاً من الدنيا و ما فيها ، و تخلّى عن التعيّنات و الكثرات ، و نزع عنه لباسه و زينته ، و جاء وحيداً فريداً مرتدياً قطعتين من القماش الأبيض قاطعاً البراري و متعرضاً للغبار ، و متحمّلاً الأذى حتّى يصل و هو على هذه الحال إلى عرفة، و هناك يبدأ بالبكاء و النحيب و اللجوء إلى الله طالباً منه الغفران و التوبة ، و يشرع بالمناجاة أن: يا ربّ اعف عن ذنوبنا و تجاوز عن تقصيرنا و أنانيّتنا ، فأنت يا ربّ ترى حالنا و تشاهدنا في أيّ وضع أتيناك راجين لعفوك ، جئنا بدون لباسنا ، و تجرّدنا من كل زينتنا، و حتّى خاتمنا نزعناه من يدنا ، و صرنا جميعاً كأنّنا شخص واحد ، فلو جلس شخص الآن بجانبي لما عرفني ، لأنّنا جميعا نلبس قطعتين من القماش الأبيض بحيث لا يمكن تمييز أحدنا عن الآخر.
جئناك بهذه الحالة حتّى تعفو عنّا و تتجاوز عن زلاّتنا ، و تجعلنا لائقين للورود إلى حرمك.
و حين يحلّ مساء هذا اليوم المبارك، يصير حال الحاجّ كما قال الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم ، في عصر يوم عرفة عندما خطب على ناقته في الناس المجتمعين في عرفة يريدون الذهاب إلى المشعر قائلاً لهم : أيّها الحجّاج المجتمعون في عرفة ، اعلموا أنّ الله قد غفر لكم جميع ذنوبكم ، فانطلقوا كما ولدتكم أمّهاتكم.
و على هذه الحال يتحرّك الحجاج ليردوا إلى المشعر الحرام فيدخلون إلى حرم الله تعالى حيث إنّ المشعر من الحرم ، و هم بدخولهم إلى المشعر الحرام ينتقلون من الحلّ إلى الحرم ، ليحلّوا ضيوفاً عند الرحمن سبحانه ، و هناك تتنزل تلك الإفاضات الخاصّة بالحرم على الحجاج، و الأصدقاء و الإخوة الذين قد كشف عن أبصارهم بعض الشيء ينقلون أخباراً عجيبة عن المسائل التي في تلك الليلة ، ليلة المشعر الحرام.
و بعد أن يفيض الله سبحانه على عباده مثل هذه النعم المعنويّة العالية ، عند ذلك يقول لهم : فليكن الغد عيداً لكم ، فعيد الأضحى هو عيد ورود العباد إلى الحرم الإلهي بعد أن تطهّروا ، و بعد أن غفر الله لهم ذنوبهم و خطاياهم في عرفة ، ثمّ دخلوا إلى الحرم و هم على حالة من الطهارة و النقاء.
فمن هنا صار اليوم العاشر من ذي الحجّة عيداً ، فنحن نحتفل بالعيد في اليوم العاشر شكراً لله تعالى على ورودنا في الحرم الإلهي و نصلّي فيه نفس هذه الصلاة التي أتينا بها قبل قليل ، و نقرأ فيه نفس هذا الدعاء : «اللهمّ أهل الكبرياء و العظمة ، و أهل الجود و الجبروت ، و أهل العفو و الرحمة ، و أهل التقوى و المغفرة أسألك بحقّ هذا اليوم (أي يوم عيد الأضحى) الذي جعلته للمسلمين عيداً ، و لمحمّد صلى الله عليه و آله ذخراً و شرفاً و كرامةً و مزيداً ، أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تدخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّداً و آل محمّد (هذه العبارات عجيبة جدّا، فهو يقول «في كلّ خير» فهو لم يستثن ، و لم يقل: إنّ هؤلاء هم نبيّك و أهل بيته و لهم حساب خاصّ غير سائر الناس ، فلا ينبغي أن تطلب من الله هذه المقامات العالية ، كلاّ !! بل الله سبحانه يقول لنا : إن رحمتي عامّة و قد وسعت كلّ شيء، فأين من يأتي و يستفيد منها ؟! و سفرتي مبسوطة للجميع ، فهلاّ من يأتي و يجلس عليها ؟! فكلّ ما أعطيته لنبيّي و أهل بيته الكرام ، أعطيه لكم . و لولا أنّ الأمر كذلك و لو أنّ الله لا يعطي ذلك ، لما أُمرنا أن ندعو بهذا الدعاء !!) و أن تخرجني من كلّ سوء (و من كلّ قبيح و من كلّ تمايل إلى الكثرات ، و من كل توهم و تعلّق بالاعتبارات الواهية ، و من كلّ أمر يوجد حجاباً بينك و بين عبدك) أخرجت منه محمّدا و آل محمّد. اللهمّ إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون ، و أعوذ بك ممّا استعاذ منه عبادك المخلصون ».
هذا الذي ذكرناه يحصل في عيد الأضحى. فللننظر الآن إلى مراسم هذا العيد الذي نحن فيه ، أي عيد الفطر ، لنلاحظ أنّ هذه الحالة نفسها بنفس الصلاة و الدعاء قد شرعها الله لعيد الفطر الذي نحن فيه ، فما معنى ذلك ؟ هنا يجب أن نفهم حقيقة الأمر ، و هي أن تلك الضيافة التي أعدّها الله للحجّاج في عرفة ، فغفر لهم ذنوبهم و طهّر نفوسهم ، و كما قال لهم رسوله «انطلقوا إلى المشعر كما ولدتكم أمّهاتكم» هي بعينها كتبها الله لنا في شهر رمضان المبارك. فهذا الشهر هو شهرٌ غفر الله لنا فيه كلّ الذنوب، و عفا عن جميع الزلاّت ، و أخرجنا من أنانيّتنا، و قدّم لنا قليلاً من الجوع ، الذي ترون آثاره بأنفسكم ، انظروا و قارنوا حالتكم في شهر رمضان مع حالتكم قبله. و المطلوب منّا هو فقط أن نصبر قليلاً على الجوع ، و نبقي فمنا مغلقاً بعض الشيء ، و أن نصلح أفكارنا قليلاً ، و أن نمنع بطننا ممّا تشتهيه ، و ألاّ نستسلم لشهوات نفوسنا.
حسناً ، بعد ذلك يأتي هذا اليوم الذي جعله الله عيداً ، فما معنى ذلك؟ إنّه يعني أنّني قد أدخلتكم في حرمي ، و أجلستكم على سفرتي ، و سوف أفيض عليكم من مواهبي العظيمة التي أفيضها على الحجّاج في المشعر الحرام، سوف أهبكم إياها في صباح هذا اليوم ، فتلك الحالة بعينها موجودة هنا.
و لهذا كان المرحوم السيّد الوالد يقول: على المؤمنين أن يهتمّوا كثيراً و يستنفذوا وسعهم بحدّه الأقصى في المراقبة و السعي ليحافظوا على حالة شهر رمضان ، و عليهم أن يحرصوا على أن تستمرّ هذه الحالة معهم ، و عليهم ألاّ يقولوا: إنّ شهر رمضان قد تصرّم و ذهب ، فصار بإمكاننا أن نأكل كما نريد .. لقد مضى شهر رمضان و بات بإمكاننا أن نفعل ما يحلوا لنا ..كلاّ !
فالأولياء و العرفاء كانوا يعتبرون ذهاب شهر رمضان مصيبة و خسارة كبيرة ، و يتحسّرون على مضي هذه الأيّام الثلاثين ، و كانوا عند انقضاء الشهر الكريم ينشغلون بأداء الشكر لله سبحانه على هذه الاستضافة الإلهية الكريمة ، فكانوا يتصدّقون ، و يصلون أرحامهم ، كما كانوا يذهبون لزيارة قبور أولياء الله ، و يقصدون قبور الأئمّة إذا كانت قريبة منهم بعنوان الشكر لله سبحانه على توفيقه لهم إلى صيام شهر رمضان في هذه السنة و نيل نعمات الله تعالى فيه .

    

دعاء ومناجاة

دعاء ومناجاة
اليوم يوم العيد ، و هو يوم صاحب الزمان عليه السلام ، فيستحّب للإنسان في هذا اليوم أن يدعو الله لسلامته عليه السلام و أن يتصدّق على الفقراء لسلامة الإمام عليه السلام ، و أن يبتهل إلى الله تعالى لتعجيل فرجه ، حتّى يستجيب الله تعالى دعاءنا إن شاء الله.
اللهمّ إنّا نسألك و ندعوك بحقّ محمّد و آل محمّد ، يا الله، يا الله ، يا الله ، .... يا الله ...
اللهمّ اغفر لنا و تب علينا ...
و لا تخرجنا من هذه الدنيا قبل أن تغفر لنا ...
اعف عن جميع جرائمنا بعفوك و منّك ...
و اجعلنا من المحبوبين عندك و المهتدين إلى طريقك و من الواصلين إلى قربك أولئك الذين حظوتهم بضيافتك الخاصّة ...
و اجعلنا من المشمولين لأنفاس أوليائك القدسيّة ..
اللهمّ اشف مرضى المسلمين ، و اغفر لموتاهم و تب عليهم ..
ارفع البلاء عن بلاد المسلمين ، و ادفع عنهم أذى أعدائهم و اجعل كيدهم في نحورهم ..
اللهمّ عجّل فرج وليّك صاحب العصر و الزمان عليه السلام ، و ارزقنا أن نكون من المنتظرين الواقعييّن له ، و لا تحرمنا من زيارته في الدنيا و من شفاعته في الآخرة ...
اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام و أهله ، و تذلّ بها النفاق و أهله ، و تجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك و القادة في سبيلك ، و ترزقنا بها كرامة الدنيا و الآخرة ...
اللهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كلّ ساعة وليّاً و حافظاً و قائداً و ناصراً و دليلاً و عيناً ، حتّى تسكنه أرضك طوعاً و تمتّعه فيها طويلاً.
لتعجيل فرج صاحب العصر و الزمان صلّوا على محمّد و آله ثلاثاً.
اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد
اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد
اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد.


[1] ـ نهج البلاغة، ج 1، ص 223 224

[2] ـ آل عمران، الآية 102.

[3] ـ الطلاق 2.

[4] ـ مقطع من الآية 24 من سورة البقرة.

[5] ـ النازعات الآيتان 40 ـ 41.

[6] ـ مقطع من الآية 197 من سورة البقرة.

[7] ـ آل عمران 103.

[8] ـ آل عمران 164.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->