معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > حجية أوامر أولياء الله و أفعالهم > حجية أوامر أولياء الله و أفعالهم ـ المحاضرة 6: إطاعة الإمام مهما كانت النتيجة

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة محاضرات
حجيّة أوامر أولياء الله وأفعالهم

المحاضرة السادسة:
إطاعة الإمام مهما كانت النتيجة

ألقيت هذه المحاضرة في 7 ذي القعدة من سنة 1432 هـ

ألقاها:
سماحة آية الله السيّد
محمّد محسن الحسيني الطهراني حفظه الله

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين اللهم صل على آل محمد
واللعنة على أعدائهم أجمعين

    

ضرورة تحصيل اليقين بالطريق وطرد الوسواس والشكوك

كان كلامنا في الجلسات السابقة حول مسألة أساسية ومهمة في طريق التربية السلوكية، وبشكل عام هي مهمة للجميع، وبالخصوص للأشخاص المرتبطين بالسير في طريق الله والعبور من النفس والنفسانيات والأهواء النفسانية، وترك التعلّقات وفتح آفاق معرفية جديدة، وطبعاً مصداق هؤلاء الأشخاص هم نفس سالكي الطريق إلى الله والسائرين على سبيل المعرفة والوصول إلى حريم المعبود. وهذه المسألة مسألة مهمة جداً [وهي الاطمئنان بصحة الطريق]، وينبغي دائماً أن نلتفت إليها، إذ بدون الالتفات إليها لا يمكن للسالك أن يصل إلى مكان، ولن يبلغ المقصود، بل سيكون دائماً في حالة من الشك والترديد، ومن الواضح أن سلوك الطريق إلى الله لا يحصل بالشك والترديد، والشرط الأساسي والأولي في الحركة إلى عوالم الغيب والتجرّد هو الاطمئنان واليقين بصحة الطريق. وهذه المسألة هامة جداً، بل يمكن القول بأن السبب الذي جعل الكبار من أهل المعرفة وأولياء الله ـ كما نشاهد ذلك من أحوالهم وحياتهم ـ يواجهون مسألة الوسواس بشدة هو هذه المسألة؛ لأن الوسواس مرض يحصل للإنسان، ومع وجود هذا المرض وهذا التخيّل والتوهّم الذي يحصل بالنسبة إلى أمر معين، لن يستطع الإنسان أن يحافظ على استقامة نفسه ويقينه وتركيزه على الوصول إلى هدفه. فالشخص الذي لديه وسواس لا يمكنه أن يحصل على حضور القلب في الصلاة، بل جميع ما يأتي به يأتي على أساس الشك والترديد، والذي لديه وسواس يمشي في الطريق الذي يمشي فيه على أساس الحدس والظن، وفي النتيجة لا يمكنه أن يطوي شيئاً من هذا المسير، بل يبقى متوقفاً في تلك النقطة التي كان فيها. وكثيراً ما تعاملت مع مثل هؤلاء الأشخاص؛ سواء في حياة المرحوم الوالد أو بعد وفاته، وعدما كنت أنظر في حالاتهم كنت أرى أنه لم يحصل لديهم أي تغيير من صحبة العظماء والأولياء، بل بقوا في تلك المرتبة التي كانوا فيها، وبالتالي لم يستفيدوا الفائدة التي كان ينبغي أن يستفيدوها.

وفي النتيجة، هذه إحدى المسائل التي يمكن للإنسان أن يلاحظ نتيجتها بالعيان وبشكل واضح، وإن كان هؤلاء الأشخاص من ناحية الظاهر من أهل التعبد والزهد، ويقال كم هو هذا الشخص محتاطاً في الوضوء أو في الصلاة، وأنه يحافظ على جميع هذه المسائل، ويريد أن يأتي بالتكليف الإلهي على أتم وجه وأكمله، لكنه غافل عن أنه بفعله ذلك يعمي العيون، لا أكثر.

وبشكل عام مسألة الوسواس مسألة قبيحة جداً وغير مقبولة من قبل الشارع، وكثيراً ما كان يوصي العظماء بمواجهة هذه المسألة بإعطاء من يصاب بها دستوراً لمعالجتها، والإتيان ببعض الوسائل التي كانوا يرونها. وهذه النكتة هي تلك النكتة التي شاهدناها من الأنبياء والأئمة عليهم السلام، وفي الفترة المتأخرة من الأولياء الإلهيين، وهذا المطلب ملاحظ بوضوح.

والحاصل أن الشخص عندما يعطي يد الطاعة إلى الولي أو إلى الإمام عليه السلام، يجعل نفسه تحت اختيار هذا الشخص، ومن الواضح أن جعل الإنسان نفسه في تصرف شخص إنما يعني إيكال الاختيار والإرادة إلى الإمام عليه السلام أو الولي المتصل به والذي يكون كلامه وفعله ناشئاً من نفس الإمام الملكوتية، لا أن أي شخص بمجرد أن يطرح نفسه بشكل معين، ويرتب كلماته بشكل عذب، ويتحدث إلى الناس بعبارات جميلة، ويأتي بحكايات وقصص يحرك بها مشاعر مجالسيه، ويثير بها عواطف مخاطبيه، ويؤنسهم بها، ويستفيد من كلام العظماء للاستدلال على كلامه.. فإن الكثير من هؤلاء الأشخاص، لا أنهم لا يملكون فقط شمّة من العرفان والمعرفة، بل قد يكونوا مخالفين لهذا المسير وهذا الطريق. وقد شاهدنا في زمن المرحوم الوالد بعض الأشخاص ـ وكان شخصاً فاضلاً ـ كان يتحدث في أيام عاشوراء في مسجد القائم، وكان كلامه جميلاً، لكنه كان مخالفاً جداً للعرفان والفلسفة، لكنه كان يأتي في الكثير من خطبه بأشعار مولانا جلال الدين الرومي وحافظ لتأييد مطالبه.. لكن نقول: إن كنت ترى أن هؤلاء الأشخاص منحرفون فلماذا تقرأ أشعارهم؟ وإن كنت ترى أنهم ممن لا ينبغي الالتفات إلى كلامهم، فلماذا تعتبر أن أشعار مثنوي معنوي لمولانا أعلى الله مقامه وقدس الله سره زينة مجلسك، فمن جهة نأتي ونسيء الأدب إلى هؤلاء العظماء ونتجرأ عليهم، ومن جهة أخرى نستفيد من أشعارهم لتأييد مطالبنا ولتزيين كلامنا. على كل حال، ليس مرادنا مثل هؤلاء الأشخاص، بل مرادنا هو الشخص الذي يكون دستوره وكلامه منبعثاً من اتصال قلبه واتصال سره بالولي المطلق والإمام الحي عليه السلام، وخصوصيات هذا الشخص مبينة في كتب العظماء، إذ لا يمكن لأي شخص أن يدعي هذا المقام، حتى لو كان معروفاً ومشهوراً، بل لا بد أن يكون من أهل المعرفة كالمرحوم ملا حسين قلي الهمداني، إذ لا شك في صدق هذه الموقعية عليه، وجميع العظماء يؤيدون ذلك في حقه، فالمرحوم السيد علي الشوشتري والمرحوم السيد أحمد الكربلائي والمرحوم السيد علي القاضي والمرحوم المرزا جواد ملكي التبريزي والمرحوم السيد الحداد وتلميذه المرحوم الوالد رضوان الله عليهم أجمعين. وكذا هناك أفراد آخرون، لا ضرورة لذكر أسماء الجميع.. كالخواجة حافظ الشيرازي الذي حاز على أعلى مرتبة من المعرفة، وابن الفارض المصري الذي وصل إلى هذه المراتب أيضاً، وكذا مولانا جلال الدين الرومي الذي يعد قطعاً مصداقاً لمثل هذه الرتبة والموقعية، وكذا الكثير من العظماء وأهل المعرفة الذين كانوا مشهورين ومعروفين، وإن بقي الكثير منهم غير معروفين؛ مثل ذاك الشخص الذي أمر المرحوم السيد علي الشوشتري بترك المناصب الظاهرية والاشتغال بحل مشاكل الناس..

    

قصة السيد علي الشوشتري وانقياده لذاك النساج

تصوروا أن عالماً كبيراً وفقيهاً شيعياً وصاحب منصب عال كالسيد علي الشوشتري، الذي كان مرجع تقليد لأهالي شوشتر ودزفول والعديد من مدن خوزستان في ذلك الوقت، وكان منزله مكاناً لطرح الدعاوى وفضّ النزاعات، وكان حكمه نافذاً بين الجميع، وكان معتمداً بشكل رسمي.. قام هذا الرجل العظيم مع جميع هذه الموقعية التي كانت لديه، عندما أتى إلى النجف وحضر درس المرحوم الشيخ الأنصاري ـ ولم يكن معروفاً من قبل أحد هناك ـ كان يطرح إشكالاته على الشيخ، فبدأ العلماء يلتفتون إليه شيئاً فشيئاً، واكتشفوا سعته العلمية وتضلعه، بحيث أنه بعد وفاة الشيخ الأنصاري الذي كان لديه العديد من الطلبة؛ الذين كان كل منهم بحراً زاخراً في العلم ومباني التشيع وضليعاً بالمسائل العلمية، وكان أكثر تلامذة الشيخ من المجتهدين.. إذ كان لديه تلامذة كالمرزا الشيرازي، وتلامذة كالمرحوم المرزا حسن الآشتياني الذي كان مرجع تقليد طهران، وعندما أتى إلى طهران كان العالم المطلق والمنفرد في طهران، وكالمرزا حسن نجم آبادي الذي تحدثنا عنه في جلسة سابقة، وذكرنا قصة تلك الرسالة التي أرسلها إلى ذاك العالم الكبير.. والمرزا الحاج حبيب الله الرشتي والحاج مرزا حسين والحاج مرزا خليل والكثير من الأشخاص الذين كان كل منهم بمثابة الشيخ الأنصاري. في مثل هذه الموقعية ينصب المرحوم السيد علي الشوشتري لاستمرار درس الشيخ الأنصاري بعد وفاته لمدة ستة أشهر، فمن ينبغي أن يكون هذا الرجل ليحسن ذلك؟ وما هي علومه كي يأتي بعد وفاة الشيخ ويجلس على تلك الكرسي ويستمر في درس الشيخ.. وباعتراف الجميع كان في عرضه للمطالب وكيفية طرحه للإشكالات والإجابة عليها كأنه نفس الشيخ الأنصاري.. يأتي مثل هذا الرجل ويترك جميع تلك المناصب التي كان فيها، بأمر من شخص غير معروف، ويهاجر إلى النجف لذلك. فأي وجه لهذا الفعل من الناحية الشرعية؟ أليس من الوظيفة الشرعية أن يبقى ويخدم الناس؟ أليس من وظيفته الشرعية أن يجلس ويحل مشكلات الناس الشرعية وحاجاتهم؟ يعني أن ذاك الشخص النساج غير المعروف، والذي تنتهي إليه سلسلة المرحوم الآخوند.. لم يكن هذا الرجل عالماً، ولم يكن فقيهاً، ولم يكن دارساً. وهذه الأمور التي أحدثكم بها تاريخ وواقع لا بد من التأمل فيها والتفكير بها، لا ينبغي أن نتركها ونقول دعها.. من غير المعلوم من هو هذا.. وما هذا الكلام.. وإذا تجرأنا أكثر قد نقول أكثر من ذلك..

    

محاسبة الإنسان على كل كلمة تصدر منه اتجاه الأولياء

فقد ذكرت لكم أنه نقل في أحد الكتب التي كتبت في هذا المجال ـ وأصحاب هذه الكتب عليهم أن يقدموا جواباً يوم القيامة ـ كلام المرحوم الوالد بأنه عندما كان ينظر إلى المرحوم الأنصاري كان ينظر إليه على أنه نبي.. ثم شرع بالاستهزاء بذلك والسخرية منه، وقال انظروا إلى نبي هذا الرجل.. وأنه في كلامه يدافع عن أشخاص منحرفين ويمجدهم.. وبدأ بالاستهزاء بمثل هذه الأمور. لكن دين الله ليس لعباً ومزاحاً، فالكلام الذي يتكلم به الإنسان على أي شخص يجب أن يهيء له جواباً من الآن، فلا يمكن للإنسان أن يمزح مع أولياء الله، فالله تعالى لديه حساب وعقاب. فأنت عندما لا تكون مؤهلاً للدخول في هذه الأمور لماذا تدخل نفسك فيها وتسبب لنفسك العناء، هناك العديد من المطالب الأخرى التي يمكنك أن تشغل نفسك بها.. لكن لا تكذب لا تغتب.. أما أن تأتي وتتدخل في مطالب لا تعرف منها شيئاً وتريد أن تحكم فيها، فما معنى أن يأتي الإنسان ويتدخل في كل شيء، ويرد في أي مطلب من باب التوهم والظن.. ويتناول كتاب الروح المجرد وينقده.. أنظروا إلى هذا النقد الذي قدمه على هذا الكتاب، فأي كلام فارغ أورد فيه؟ وما الذي ذكره من مسائل؟ واقعاً يخجل الإنسان أن يذكر اسم هؤلاء في مصاف العلماء، فما بالك بأن يكونوا من أهل الاختصاص؟ فلماذا تأتي وتشتغل بهذه الأمور، اذهب واشتغل بأمور أخرى، اشتغل بإلقاء دروسك، فلا ضرورة أن يدخل الإنسان في الأمور التي لا يعرفها، أو يعطي رأيه فيها، ما يسبب لنفسه ذهاب ماء الوجه وللآخرين العناء.

اي مگس عرصه سيمرغ نه جولانگه تست
                             عِرض خود مى‏بري و زحمت ما مي‏داري

( أيتها الذبابة لا تساوي نفسك مع طائر السيمرغ، فإن ذلك يوجب لنفسك الهتك ولنا المتاعب‏).

    

لماذا انقاد السيد الشوشتري لذاك النساج؟

صحيح؟ في ذلك الوقت قام السيد علي الشوشتري وفي تلك الموقعية التي كانت لديه بالاستجابة لرجل حائك، والحال أن السيد لم يكن طالباً بسيطاً، بل كان عالماً لامعاً، كان لديه مقاماً شامخاً؛ بحيث أنه استطاع أن يكمل درس الشيخ الأنصاري بعد وفاته لمدة ستة أشهر.. فمثل هذا الشخص لا يترك داره وأهله ومنصبه ما لم تتنجز عليه الحجة الشرعية بشكل تام، إذ كان من أهل العلم والفضل والاجتهاد، وكان قادراً على تشخيص تكليفه الشرعي، وكان يدرك وجوب التصدي للناس وتحديد وظائفهم وبيان أحكامهم والإجابة على فتاواهم، ولو لم يكن مؤهلاً لمقام الفتوى بهذا الشكل لما قام بهذه الأعمال أصلاً. ومن جهة أخرى كان رجلاً لديه تقوى وخوف من الله تعالى، بحيث أن بدنه يرتعد من أي تجاوز شرعي، لا أنه كان يتوسل بأي وسيلة للوصول إلى حيازة هذه المسائل والأمور، لم يكن عظماؤنا من هذا القبيل، فعندما ألقيت مسؤولية المرجعية على عاتق المرزا حسن الشيرازي شرع بالبكاء كالطفل الصغير، هؤلاء كانوا من هذا القبيل.. والحال أنه لا يمكن أن نعثر على ظفر المرزا حسن الشيرازي بين الموجودين الآن.. هؤلاء كان لديهم تقوى وخوف من الله.. أما الآن فآتي وأقول بأني أشعر بأن وظيفتي هي القيام بهذا الفعل وتكليفي هو هذا.. لكن السيد علي الشوشتري عندما يرى ذلك الرجل ويأمره بهذا الأمر، يقول له سمعاً وطاعة، إذ بعدما شخص وفهم وعرف بأن هذا ولي الله أطاعه، لا أنه انقاد له من دون أن يكون لديه حجة شرعية كما تتبع الشاة راعيها، لا، بل عندما فهم وشخص بأن هذا الفرد ليس فرداً عادياً، بل هو فرد متصل بالغيب ولديه إشراف على جميع الأمور، وفرد لا يتكلم من تلقاء نفسه، وهو يتحرك ضمن أفق أعلى من الأفق الذي كان فيه السيد الشوشتري.. عندما حصل لديه ذلك، لم يسأله أين درست، وكم سنة بقيت في الحوزة، ومن هم أساتذتك، ومع من درست، وهل درست الرسائل والكافي و...، وهل لديك اطلاع على مباني الاجتهاد أم لا؟ إذ لم يسأل عن شيء من ذلك، لماذا؟ لأن السيد علي الشوشتري كان رجلاً عالماً فهيماً خبيراً بصيراً، ويعلم بأن جميع العلوم التي اكتسبها حتى الآن، وأن جميع التجارب التي حصل عليها، وأن جميع الدروس التي مر عليها، وأن التجارب العلمية التي استفادها من المحافل العلمية.. كلها إنما تنفعه ما دام لم يصل إلى هذا الرجل، فجميع هذه الأمور تنفعه فيما إذا لم يصل إليه، عندما لم يكن قد حظي بالوصول إلى هذا الرجل. نعم لو لم يصل، لوجب عليه أن يعمل علومه وتجاربه ويرتب أثراً على ذلك، لكن إذا فرضنا أن شخصاً وصل إلى مثل هذا الرجل.. مثلاً: هذه الدروس التي درسناها في عشر سنين أو عشرين سنة أو ثلاثين أو أربعين سنة.. فالحقير منذ أربعين سنة يشتغل بهذه المسائل، والحال أن أربعين سنة ليست قليلة، فهي مدة مديدة، فمنذ أربعين سنة إلى الآن تضاف إلى علومي علوم أخرى، والجميع في هذا المجال سواء، إذ كل شخص في مجاله كذلك، فإذا فرضنا أنك تقرأ في كل يوم ساعة، فإن علومك تزيد بمقدار هذه الساعة، وهذا أمر طبيعي لا فخر فيه ولا افتخار.. فالتجربة التي حصل عليها الحقير في هذه الأربعين سنة، مع وجود هذا الميزان من المعرفة الذي حصلت عليه في هذه السنوات الأربعون، ومع جميع الخصوصيات التي تعلمتها فيما يرتبط بمباني الدين وأحكامه وبتكاليفه..

    

لا قيمة لشيء من العلوم والتجارب مقابل الإمام عليه السلام

إذا فرضنا أنني التقيت في هذه الليلة ليلة الخميس بإمام الزمان عجل الله فرجه، لقاء ظاهرياً، فما هي الحالة التي ينبغي أن تكون لدى الحقير أمام الإمام عليه السلام؟ فهل ينبغي أن أفترض نفسي أمامه أني السيد الطهراني الذي درس لمدة أربعين سنة، ولديه هذا الكم من التجارب العلمية ودراسة الكتب الفقهية والاستدلال والاشتغال بالتعلم والتعليم، بالإضافة إلى مباحث الفلسفة والعرفان والأصول والفقه والأدبيات وغيرها... هل ألتقي بالإمام عليه السلام بهذه الشخصية؟ إذا كان الأمر كذلك، فالويل لي، الويل لي إذا أردت أن أقابل الإمام وأنا أعتدّ بأربعين سنة من الدراسة، فإن هذه السنوات لا تساوي لحظة واحدة أمام الإمام، وإذا فعلت ذلك فلن أكون إنساناً عندها، لن أكون إنساناً إذا فعلت ذلك، لماذا؟ لأنه عندما يأتي دور الكلام عن الإمام فلن يكون لأحد غيره أي وجود، بل ستنتهي الأمور. وهذا الأمر ليس فقط بالنسبة إليّ، بل بالنسبة إلى الدكتور والطبيب أيضاً، فعندما يأتي الإمام عليه السلام ويلتقي بطبيب خبرته تمتد إلى خمسين سنة ـ صحيح أن مكانته وخبرته محفوظة ـ لكن عندما يلتقي بالإمام عليه السلام فما الذي ينبغي عليه أن يفعل؟ هل يقول له أنا طبيب لدي هذا المقدار من الخبرة؟ أو أنه ينبغي أن يتعامل معه عندما يراه بأنه لا شيء لديه، بل يرى كل ما لديه لا شيء بالنسبة إلى الإمام، ويأتي صفر اليدين إليه ويقول له ما تأمرني يا ابن رسول الله؟ فإن قال له تناول هذا، هل يقول له أنا طبيب وأرى بأنه ليس جيداً بالنسبة لي؟ أو أن قوله واعتقاده بأن "هذا ليس مناسباً لي" إنما ينفعه فيما إذا لم يكن الإمام موجوداً، فإنه عند ذلك يمكنه أن يقول هذا الدواء جيد لي، وذاك مضر وذلك.. هذا كله فيما إذا لم نكن قد وصلنا إلى الإمام، فعندما لا نكون قد وصلنا إلى الإمام، تأتي جميع هذه الأمور، فالحقير يكون له مكانته، وأنت لك مكانتك أيضاً.. الجميع لهم مكانتهم الخاصة بهم. لكن عندما تواجه الإمام المعصوم وتتحدث إليه، ماذا يحصل؟ لا يبقى لديك شيء.. بل ينبغي أن ترى نفسك صفراً، فجميع ما كان لديك حتى الآن يذهب جانباً، ما يعني ذلك؟ ذلك يعني أن فكري وعلمي ومعرفتي إنما أوصلتني إلى هذه المسألة، وأنها هي الأصل. لكن مع ذلك يأتي البعض ويقول بأن طاعة الإمام هي تعطيل للعقل، وتعطيل العقل يعني سقوط الإنسان عن إنسانيته، فالإنسان لا يمكنه أن يدع عقله جانباً، ولا ينبغي أن يترك اختياره، فالله منح الإنسان عقلاً واختياراً وإرادة، وإذا كان قد أعطاك عقلاً وإرادة واختياراً، فلماذا تذهب إلى الطبيب وتأخذ منه وصفة الدواء وتعمل بها؟ لماذا لا تذهب إلى الصيدلية بنفسك وتأخذ الدواء الذي تراه مناسباً؟ أولم يعطك الله تعالى عقلاً واختياراً؟ إذاً ما أعطاك إياه الطبيب لا طائل منه، فإن قال لي الطبيب اذهب وتناول هذا الدواء، أقوم أنا بتناول دواء آخر، وإن قال لي مثلاً خذ دواء للمعدة، أقول لا ضرورة لدواء المعدة بل آخذ دواء القلب أو دواء ضغط الدم مثلاً... فالله منحني عقلاً واختياراً، ولا دليل يفرض علي أن أنقاد لكل ما ذكره الطبيب، ولا مبرر للعمل بكل ما يريده مني الطبيب.. من يتعامل على هذا الأساس يقال له مجنون. لماذا؟ لأن الله تعالى قد منحك عقلاً واختياراً، وأنت عندما تذهب إلى الطبيب على أي أساس تذهب إليه؟ على هذا الأساس تذهب إليه، على أساس اختيارك، إذ لم يرفع أحد عليك المسدس ويجبرك على الذهاب إلى الطبيب، ولم يقيد يديك أحد لأجل ذلك، بل أنت بنفسك ذهبت إليه، وبملئ اختيارك، ويجب عليك أن تذهب، لأن العقل والاختيار والإرادة تفرض عليك وتلزمك بأن تذهب إلى الطبيب وتعمل بما يصفه لك، ولا مجال لك غير ذلك.

حسناً، هل أن الذهاب إلى الإمام عليه السلام وإطاعته أقل شأناً من شأن الطبيب؟ وهل هو أقل شأناً من ضرورة الرجوع إلى المجتهد؟ فعندما يذهب الإنسان إلى الإمام ماذا يعني ذلك؟ يعني أن عقلي واختياري ومعرفتي وبصريتي قد ساقتني إلى أن آتي إلى هنا، فإذا فرضنا أن شخصاً آخر لم يصل إلى هذه النتيجة فلا شأن لنا بذلك، وإذا رأينا شخصاً ليس لديه هذه البصيرة فلا علاقة لي به، بل عليّ أن أقوم بما يمليه عقلي وإرادتي وتكليفي، ولا ربط لي بغيري في هذه الأمور.. إذ بعد ارتحال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كم شخصاً بقي مع أمير المؤمنين؟ لم يبق معه إلا ثلاثة أو أربعة أشخاص فقط، فأين ذهب الآخرون؟ لقد ذهبوا إلى مكان آخر.. حسناً فليذهبوا إلى مكان آخر، فعقلهم وفهمهم وإرادتهم ـ أولئك ليس لديهم عقل أصلاً ـ بل وهمهم وتخيلهم سحبهم إلى هذا النحو، أما سلمان وأبو ذر والمقداد وبعض الأشخاص فقد أتى بهم فهمهم وعقلهم وبصيرتهم إلى منزل علي عليه السلام، فأولئك لهم مكانتهم وهؤلاء لهم مكانتهم. لكن أنا الذي أحمل هذه المعرفة والبصيرة والفهم والعقل والعلم عندما أشعر بأني واقف أمام الإمام المعصوم عليه السلام لا يعود لدي القدرة على أن أرى لكلامي أي قيمة مقابل كلام الإمام، أو أعطي رأياً مقابل رأي الإمام.

    

علم الإمام ومعرفته فوق علم البشر وفهمهم

إن بصيرة الإمام عليه السلام وفهمه ومعرفته معرفة وبصيرة وفهم فوق معرفة البشر وفهمهم وبصيرتهم، لا أنها بصيرة بشرية عالية، والفهم الذي لدى الإمام لم يأته من دراسة الكتب ومطالعة المجلات والجرائد والاستماع إلى الراديو والتلفزيون، ومعرفة الإمام لم تحصل من كلام فلان وفلان والتوهمات التي لديهم، والبصيرة التي يمتلكها الإمام فيما يرتبط بالأشخاص والمصالح والمستقبل والماضي والمسائل المفيدة والمضرة للمجتمع.. لم تحصل من خلال المجلات والصحف، بل بصيرته ترجع إلى اتصال نفس الإمام بمبدأ العلم الإلهي، فما الذي يمكن أن يقابل هذا الفهم ويساوى به؟ عندما يكون الأمر كذلك فما الذي يمكن أن يساويه؟ وعندما يكون فهم الإمام أعلى من فهمي ومعرفته في أفق مختلف عن أفقي.. فهل يمكن لفهمي الذي يحصل من خلال الكتب ومن هنا وهناك أن يصل إلى حقيقة المسألة؟ لدينا الكثير من العظماء الذين كانوا يفتون ثم يغيرون فتواهم بعد أسبوع، يعني أنه كان لديه يقين بحكم في الأسبوع السابق، والآن تغير يقينه.

بل سمعت عن بعضهم أنه كان يصدر في الصباح فتوى وفي المساء فتوى أخرى، وهذه مسألة طبيعية، إذ الفتوى ورأي الفقيه إنما يأتي من دراسة الكتب والأدلة، أليس كذلك؟ وعليه فقد يكون عند مراجعته الكتاب قد غابت عنه رواية ولم يقرأها، والحال أن تلك الرواية هي التي تؤثر في فهم المطلب، وبعد أن رآها غيّر رأيه، وهذه المسألة تحصل كثيراً. وقد حصلت بالنسبة إليّ أيضاً، وهذا لا إشكال فيه أبداً، ولا دلالة فيه على النقص غير الطبيعي، إذ جميعنا ناقص، وجميعنا لدينا ضعف، وفكرنا جميعاً وميزان فهمنا في أفق محدود وإطار خاص. لا يمكننا أن نحلّق أكثر من ذلك الأفق. فالفقيه إذا أراد أن يفتي، لا يمكنه ذلك ما لم ينظر في كتاب وسائل الشيعة، لكن هل الإمام عليه السلام كذلك؟ كلا! الفقيه لا يقدر على الفتوى حتى ينظر في كتاب مستدرك الوسائل، وحتى يطالع كتب المتقدمين من الفقهاء المعاصرين للأئمة عليهم السلام ويعرف الفضاء الذي كانت فيه تلك الفتوى، إذ هناك الكثير من الفقهاء والعظماء لم يستطيعوا أن يصلوا حتى مع دراسة الروايات والأحاديث والمصادر الأخرى إلى نتيجة، إلا من خلال دراسة ما فهمه الفقهاء المعاصرون للأئمة عليهم السلام. لكن الإمام ليس بحاجة لا إلى كتاب ولا قرآن ولا وسائل..

وعليه ففي هذا الفضاء الموجود المحدود الذي أمتلكه في فهمي وإدراكي وتجربتي قد أصل إلى رأي في هذا الأمر، وبعد شهر أصل إلى غيره من الأمور، وهذا أمر طبيعي، لكن الإمام لا يرفع يده أبداً عن رأيه، إذ لا يمكن أن يختلف كلام النبي مع كلام الإمام الجواد ذي الأحد عشر عاماً، لا يمكن ذلك أبداً، ويستحيل أن يختلف كلام الإمام الباقر عليه السلام في سن الستين مع كلام الإمام الهادي عليه السلام في سن العشر سنوات؛ كأن يفتي الإمام الباقر في الستين من عمره بأمر، لكن عندما يصل الأمر إلى الإمام الجواد عليه السلام يصدر فتوى أخرى. ومن الواضح أن الإمام الجواد كان قد وصل إلى الإمامة في العاشرة من عمره، بل أقل من ذلك في سن التاسعة، بل في بعض الروايات أنه كان في سن السابعة. إذ لدينا بعض الأئمة وصلوا إلى مقام الإمامة في سنين الطفولة. ماذا يعني مقام الإمامة؟ يعني إدارة ما سوى الله في الملك والملكوت، فما بالك بالفتوى والحكم الشرعي، بل إدارة ما سوى الله في الكون أجمع، أي كونه واسطة في الفيض الإلهي في جميع مراتب الوجود.. بأن يكون حاكماً على جبرائيل وعلى عزرائيل وإسرافيل وعلى جميع الملائكة المقربين وعلى من هم دونهم، وعلى عوالم المكان والزمان وعلى جميع هذه الأمور.. والتي منها الفتوى والأحكام. لدينا بعض الأئمة الذين وصلوا إلى مقام الإمامة هذه في سن مبكرة؛ منهم الإمام الجواد عليه السلام، الذي ورد في بعض الروايات أنه كان ذا سبع سنين، وفي بعضها تسع سنين. والحال أنك ترى طفلاً في التاسعة من عمره كم يبلغ من وزن وطول.. فجميع هذه الأمور لها حسابها الخاص، ويوجد فيها أسرار، إذ لماذا ينبغي أن يصل الإمام الجواد عليه السلام إلى الإمامة في السابعة من عمره؟ ولماذا ينبغي أن يصل الإمام الهادي عليه السلام في الحادية عشر أو الثانية عشر من عمره؟ ثلاثة من الأئمة وصلوا إلى الإمامة في هذه السنين؛ أحدهم الإمام الجواد والثاني الإمام الهادي وأصغرهم إمام زماننا.. فالإمام الحجة وصل إلى الإمامة في الخامسة من عمره، تأملوا في هذا الأمر، لقد وصل إمام الزمان عليه السلام في الخامسة من عمره إلى مرحلة حصل على جميع مسائل عالم الوجود، وقد أثبت ذلك بنفسه لبعض الأشخاص، وكان لمدة خمسة وسبعون عاماً يتواصل مع الآخرين من خلال النواب الأربعة (أولهم عثمان بن سعيد، ومحمد بن عثمان والحسين بن روح والأخير علي بن محمد السمري) الذين كانوا نواب خاصين للإمام عليه السلام. هنا ينبغي أن لا نتوهم أن هؤلاء كانوا أعلى من سائر الأشخاص الآخرين، إذ لعله كان هناك من هو أفضل منهم، لكن لم ير الإمام من المصلحة أن يجعل هؤلاء واسطة، بل رأى من المصلحة أن يوسط هؤلاء الأشخاص الأربعة، وهذا ليس دليلاً على كونهم الأفضل، بل قد يكون هناك أولياء ينبغي أن يبقوا في حالة الخفاء وبعيداً عن الأنظار، إذ هو أخبر بالمصلحة، وهو أعلم مَن مِن الأفراد يجعله واسطة ومن لا يجعله كذلك.

كان هؤلاء الأربعة هم الواسطة بين الإمام وبين سائر الناس، إذ كان الأشخاص يكتبون رسالة للإمام ويسلمونها إياهم، وكانوا يضعونها في مكان خاص وفي اليوم التالي يرون أن الإمام أجاب على هذه الأسئلة. في أي عمر كان ذلك؟ في عمر خمس سنوات. فإذا فرضنا أن الإنسان كان مجتهداً وأتى ووقف أمام طفل في الخامسة من عمره مع هذه الخصوصيات، فهل ينبغي أن يلحظ حالة اجتهاده؟ وإن كان مرجعاً فينبغي أن يلحظ مرجعيته في هذه الحالة؟ ولو كان من أهل الفن والاختصاص، فهل عليه أن يجعل لفنّه حساباً؟ أم أن المسألة تذهب وتنتقل إلى فضاء آخر وعالم آخر ومرتبة أخرى، هناك يوجد إشراف على الواقع، لا اشتغال بتقليب الرسائل والوسائل والمستدرك وأمثالها.

    

التعامل مع الإمام هو تعامل مع الله تعالى

أنت عندما تتعامل مع الإمام عليه السلام، فأنت في الواقع تتعامل مع الله، وانتهى الأمر! {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ}[1]! لو أنّ الله يأتي بنفسه، ولو أنّ الله بنفسه ـ لقد بيّنت الأمر لكم في ذلك المجلس ـ لو أنّ الله نزل ـ نعوذ بالله ـ لو أنّ الله تجسّم، ونزل إلى عالم الدنيا، لو أنّ نفس الله الذي شرّع الشريعة، وشرّع الدين ووضع القوانين بواسطة إنزال الوحي والملائكة على الأنبياء، والذي أوحى إلى نبيّنا.. لو أنّ نفس هذه الإله الذي أوحى الوحي، جاء إلى هنا وقال عليكم أن تصلّوا بهذا النحو، فماذا كنتم لتقولوا؟ هل تقولون: لا أبداً! أنت قلت بأن صلاة الصبح ركعتين، والآن كيف تقول بأنّها ثلاث ركعات؟! أنت قلت هذا! عندئذٍ يقول لكم: يا عزيزي أنا الذي أمرت بصلاة ركعتين أم شخص آخر هو الذي أمر بها؟! يجيب: بل أنت الذي أمرت. يقول له: إن كنتُ أنا الذي أمرت بذلك، فأنا الآن أقول: صلّها ثلاث ركعات! هل علينا أن نحتجّ عليه هنا أيضاً؟ كلا!

إنّ الإمام عليه السلام هو تجلّي الله المجسّم الذي تجلّى بقالبٍ بشريّ، وهو يخاطبنا من هذا المقام والموقع، يحادثنا ويخاطبنا، ويتكلّم إلينا، غاية الأمر له صورةٌ بشريّة، أمّا كلامه فكلام الله. ولذا لو أنّه في ذلك الموقف الذي يأتي فيه الإمام عليه السلام ويذكر لنا مسألةً من المسائل، مثلاً: النبيّ صلّى الله عليه وآله، أو الإمام الجواد أو الإمام الهادي عليهم السلام.. في ذلك الموقف هل نتصوّر بأنّه بعد أن ذكر لنا حكماً من الأحكام، هل نتصوّر في ذلك المقام أنّه لو أنّنا اطلعنا على إرادة الله بأيّ طريقة من الطرق كانت، بأن جاءت لنا إشارة أو بارقة أو نفحة فاطلعنا على حقيقة المسألة، هل نتصوّر أنّ ما بيّنه الإمام عليه السلام مخالف لما ألقي علينا من قبل الله عزّ وجلّ؟ كلا محالٌ! محالٌ. بل هو يستلزم التناقض! وبعد ذلك نعلم أنّ هذا ليس بإمام! وأنّه فردٌ مثل سائر الأفراد العاديين، غايتها أنّ علمه أكبر بقليل من البقيّة، ويكون فقط علمه أكبر بهذه المسألة التي حصلت ليس إلاّ، ولكن هذا الفرد لم يعد الإمام! لأنّ الإمام هو الذي إذا تكلّم، فهو إنّما يتكلّم كلام الله، وعندما يأمر فأمره هو أمر الله، وعندما ينهى فالذي ينهى هو الله.

لذا عندما يتكلّم الإمام، فهل يسوغ لنا أن نفكّر في كلامه، ونقول في أنفسنا: ما مراده بهذا الكلام، وما هو دليله؟ ما علّة ذلك؟ بل لا ينبغي أن نبحث عن العلّة والفائدة في كلامه أصلاً، فعندما يأمر بأمرٍ انتهى الأمر! افعل ما أمرت به وحسب، وليس من شأنك أن تعلم ما هي المصلحة من ورائها! هل ينبغي أن نسأل لماذا قال هذا الكلام؟ لا شأن لنا بذلك، وما شأننا بذلك؟!

أمر النبيّ خمسين رجلاً في معركة أحد بالوقوف فوق الهضبة، وأنّ لا ينزلوا إلى أن يأمرهم بذلك، ولم يقل: عندما ترون جيش الأعداء منهزماً مقهوراً فانزلوا!! لم يقل ذلك!! لم يتفوّه بهذا الكلام! ولذا لا شأن لك بالعلّة من وراء قول النبيّ: >انتظروا وقفوا أعلى الهضبة
[يأتي يشخص ويتبرّع من عنده ويقول]: لا أبداً إنّما قال النبيّ ما قاله فقط إلى الوقت الذي يكون المشركين موجودين فيه، ولكن حيث أنّهم انهزموا، إذاً فانتهت المسألة، وحيث أنّ الأمر انتهى فإنّهم سيقومون بتقسيم الغنائم، وهيا بنا ننزل لنحصل على غايتنا، ولا نضيّع نصيبنا من الغنائم؛ لن نجعل الحمار يفلت من أيدينا!! .. فليكن ذلك الحصان من نصيبنا!! .. من الحيف أن نخسر ذلك الجحش!! فمن أجل هذه الأمور نزلوا، وتركوا كلام النبيّ في ذلك اليوم!!

لماذا نزلتم عن الجبل؟! ألم يقل النبيّ: لا تبرحوا حتّى آمركم بذلك؟! فما دخلت أنت كي تعرف لماذا قال النبي لا تبرحوا؟!

هنا نفهم الأمر.. هنا نفهم حقيقة الأمر.. نفهم معنى مدرسة التشيّع، ونفهم أنّ منهج الإمامة ليس له خطوط حمراء، وأنّ خطوطه الحمراء هي أن تصل إلى الإمام وحسب، أمّا ما دون الإمام عليه السلام فلا خطوط حمراء، ولذا إن كان الإخوة يتذكّرون ما ذكرناه في المحاضرات السابقة حول معركة صفِّين، وذلك حينما وصل رسول أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر بأن: ارجع! إذا كنتم تتذكّرون فقد ذكرتُ هناك أنّه مع كامل احترامنا وتجليلنا لجناب مالك الأشتر، ومع تمنّينا لأن نكون ممّن يشفع لهم مالك الأشتر، فهو من خُلّص الشيعة لأمير المؤمنين، لم يتزحزح عن ولايته لحظة واحدة، بلى هكذا كان مالك الأشتر!! لم يتزحزح عن ولاية أمير المؤمنين لحظة واحدةً، فهنيئاً له، ونحن جميعاً ـ بلا استثناء ـنرجو أن يشفع لنا، ونسأل الله أن يفيض علينا من أنفاسه القدسيّة من ذلك العالم. فأين يمكن لأمثالنا أن يأتي بما فعله من دفاع وفداء؟! كم هي عجيبةٌ نجابته، وتركه لنفسه وأهوائها! إنّ مالك الأشتر كان فانياً في عليّ! كان فانياً! لقد أفنى نفسه في أمير المؤمنين عليه السلام! وأين لأمثالنا أن يتخيّل في خيالاته أو أن يتوهّم في أوهامه أو أن يتصوّر تلك المراتب والمراحل التي منحه إياها، نسأل الله أن يزيده ويزيد شيعة أمير المؤمنين عليه السلام من نعمة الولاية أكثر وأكثر.

لكن الآن، عندما ننظر إلى هذه القضيّة ـ إذا أردنا أن نتجاسر قليلاً وأن نتجرأ ـ نقول: عندما وصلت رسالة أمير المؤمنين إلى مالك، وقال مالك: أمهلني ساعةً يا أمير المؤمنين!

نقول: لا، ما كان ينبغي له أن يقول ذلك! ما كان ينبغي له ذلك! فمع كل ما له من الفضائل ومع كلّ ما له من المسائل التي ذكرناها والتي نعتقدها بحقّه، لكن لو كان ميثم التمّار مكانه، لما قال ذلك! ولو أنّ حبيب بن مظاهر كان لما قال ذلك! ولو كان سلمان مكانه لما قال ذلك! حسناً لكلّ واحدٍ منهم رتبته الخاصّة.


    

اختلاف مراتب أصحاب الأئمة باختلاف معرفتهم

لا تتخيّلوا أنّ من استشهد في كربلاء في ركاب سيّد الشهداء عليه السلام كانوا جميعاً في مرتبةٍ واحدة! لا، بل كلّ واحدٍ منهم حصّل على مرتبته الوجوديّة الخاصّة به في خيمة الإمام الحسين؛ {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[2]، لكن من حيث السعة الوجوديّة، فلكلّ واحدٍ منهم مقامه الخاصّ؛ فحبيب بن مظاهر له مقامه، ومسلم بن عوسجة.. ـ هذا على الرغم من أنّهم جميعاً غارقون في بحر النعيم الإلهي!! فهم يسبحون في الأنوار والنفحات والرحمة الإلهيّة إلى الحدّ الذي لا يخطر على بالنا حتّى ـ لكن هل حبيب بن مظاهر والحرّ في نفس المقام؟! هل هو ومسلم بن عوسجة في نفس المقام؟! هل هو متساوي مع عابس بن شبيب الشاكري؟!

قال المرحوم السيّد الحداد رضوان الله عليه (وكذلك المرحوم العلامة قال نفس الكلام): وردنا في بعض الفقرات: >لا يمسّون ألم الحديد!< كانوا في مقام بحيث إذا أصيبوا بالسهام لا يشعرون بها!.. [تصوّروا] الإنسان عندما يتم تخديره.. مثلاً: يعطونه حقنة التخدير، وبعدها يعملون له عمليّة جراحيّة كاملة بالمشارط، ومع ذلك لا يشعر بشيء!

قال أحد الأصدقاء: كانوا يريدون أن يجروا لي عمليّة الزائدة، ولكن لم يخدّروني تخديراً عاماً، بل اقتصروا على تخدّير ذلك الموضع بالتخدير الموضعي فقط، وكان يقول: مهما حاولت أن أشعر بالمكان الذي يقومون بجرحه بالمشرط إلاّ أنّني لم اشعر، فلم أعرف أين يشرطون الآن، والسكين في أيّ قسم من الجلد، حيث فتحوا بطني وأتمّوا عملهم ولم أشعر بشيء!

وقد وردنا عن أصحاب سيّد الشهداء عليهم السلام أنّهم لا يمسّون ألم الحديد.. فأصلاً كانوا لا يشعرون بضربة السيف، لا يشعرون بألم السهم أو الحجر أو الرمح! والسيّد الحداد كان يقول: هذا الأمر يعود إلى عابس، فعابس كانت له هذه الحالة يوم عاشوراء؛ كان يصيبه السهم فلا يشعر به! لا يشعر! كان فانياً! وفي بعض الأحيان تحصل هذه المسألة للإنسان، تحصل له عندما تضعف علقة النفس بالبدن وتقلّ، حينها إذا تألّم البدن، لا تشعر النفس به، وهو يحصل للعديد من الأفراد، وهو ليس بالشيء المهم أيضاً. وعابس كان كذلك في يوم عاشوراء، لكن حبيب بن مظاهر كان يشعر بألم الحديد، فهل كان عابس أعلى مقاماً من حبيب؟ كلا، بل حبيب أعلى! حيث كان عابس في حالة الفناء، بينما حبيب كان قد عاد من الفناء، لا نريد الدخول في الحديث عن هذه المسألة...

إذاً هؤلاء كانوا هكذا، بل بعضهم التفت إلى القضية في يوم عاشوراء، ولم يكن لديه شيء قبل ذلك اليوم.. وهؤلاء يختلفون عن حالة عابس.. يختلفون عن حالة حبيب ومسلم بن عوسجة.. يختلفون عن أخ سيد الشهداء حضرة أبي الفضل العباس الذي لا يمكن الكلام عن مقامه، وكذا يختلفون عن ابنه علي الأكبر.. فهم كانوا مختلفين جداً في مكانتهم. وكذا الحال في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.

    

عدم التردّد في امتثال أمر الإمام مهما كان

وهنا نقول بأنه إذا أردنا أن نحكم على الأمور من خلال هذا المنطق وهذه النظرة وهذه الفلسفة التي ذكرناها.. فلسفة الأحكام ومنطق الأحكام والتكاليف.. إذا كنا نحن مكان مالك.. وإن كانت المسألة صعبة جداً ليست سهلة أبداً؛ إذ لم يكن مالك جالساً على مائدة فيها ألوان الطعام والحلوى، بل كان في قلب المعركة قد أصابه ألف سهم وضربة سيف، حتى يصل إلى هذه النتيجة. لذا قال أمهلني ساعة يا علي! فهل يمكن أن نتصور ذلك؟ مع جميع تلك المتاعب التي واجهها مالك، فالدماء كانت تسيل من وجهه ومن جميع بدنه.. والله تعالى يعمل هكذا بالإنسان أحياناً.. حيث يعطي الإنسان ذهناً وعقلاً وفكراً وإحساساً بالمسؤولية، ويوظفها جميعاً لهدف واحد، لكن عندما يكاد يصل إلى النتيجة يوقفه.. حتى لو بقيت عشر دقائق، أو خمس دقائق، أو ساعة كذلك.. يقول له عد.

لكن لو كنا موجودين بهذه الفلسفة التي نتحدث عنها... إذ لو كنا موجودين هناك لما ذهبنا أصلاً إلى الحرب، فلا نضع أنفسنا مكان مالك ادعاءً، ولو كنا هناك لقلنا للإمام: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون). ما أسهل أن يجلس الإنسان في منزله ويقول للناس اذهبوا إلى الحرب، فأنا أستطيع أن أفعل ذلك أيضاً.. أن أقول للناس اذهبوا تنالوا الثواب، وتصلوا إلى الجنة.. الحاصل أننا لو كنا مكان مالك مع هذه الفلسفة وهذه الأرضية وهذا الاحتجاج، وقال أمير المؤمنين عليه السلام عد! ماذا نفعل؟ نعود مباشرة.. إذ وجب العود، فما معنى القول عندئذٍ: يا علي أمهلني ساعة ويا علي أعطني فرصة؟ ما معنى ذلك؟ فأمير المؤمنين يقول لا أريد أن تقتل معاوية، وإن كان لا يقول ذلك مباشرة، لكن يقول عد، والحال أن مسألة معاوية ستنتهي بعد ساعة تماماً..

أريد أن أفرض أكثر من ذلك، لو فرضنا أن مالك وصل إلى خيمة معاوية، وبقي عليه أن يرفع سيفه ويضرب به عنق معاوية وينتهي الأمر.. فلو رفعه ليضربه، ثم أتى الأمر من الإمام وقال توقف وعد! عند ذلك تنطبق السماء على الأرض.. لكن لو كنا من أول الأمر قد لاحظنا هذه المسألة، وأخذنا بعين الاعتبار هذه المعادلات من الأول.. لو أتينا وطبقنا هذا الكلام الذي أذكره لكم من أول الأمر وجعلناه أمراً عملياً، لأطعنا مباشرة.. فهذه الدستورات التي يذكرها العظماء ليس تاريخاً، بل هي سيرة عملية علينا أن نلتزم بها نحن.. فالآن لا يوجد حرب صفين، لكن يوجد أمور أخرى.. فكل يوم هناك مسألة تحصل لنا، ومثل هذه الأمور تحصل للجميع، ولا بد من حصولها.. إذاً مع الالتفات إلى هذه المسألة ماذا يجب علينا أن نفعل؟ يجب أن نرجع؛ لأن أمير المؤمنين قال لا تفعل.. [ويقول] حتى لا تظن بأني أقول فقط اذهب واهجم.. فإني بنفسي أسبقكم بالعمل بذلك.

لذا نرى فيما يرتبط بما جرى من قبل عمرو بن العاص في حرب صفين، ألم نرَ عندما أراد الإمام أن يضربه وفعل فعلته تلك، ماذا فعل أمير المؤمنين؟ رجع مباشرة. هذا الفعل عبارة عن رسالة إلى مالك الأشتر، فعين هذا الأمر قد حصل بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ولو كان سيف عليّ قد ضرب عنق عمرو بن العاص في تلك الحالة، لكانت انتهت حرب صفين وانهزم معاوية قطعاً...لقد ذكرنا بأنه إذا فرضنا أن الوصول إلى خيمة معاوية لم يكن بحاجة إلى ساعة، بأن كان قد وصل ورفع السيف فوق رأسه وأتى رسول أمير المؤمنين يبلغه بالتوقف.. وهذا نفسه حصل مع أمير المؤمنين في عدم ضربه عمرو بن العاص، إذاً فنفس أمير المؤمنين كان ملتزماً بهذا الأمر الذي أمر به مالكاً. إذا كان الأمر كذلك، ألا ينبغي أن نتبع أمير المؤمنين؟ والحال أنه بنفسه قام بهذا العمل، غاية الأمر أنه لم يتبع أحداً في ذلك، بل اتبع نور نفسه.. فنوره الباطني هو الذي يحفظه، وذاك النور والاتصال الذي لدى عليّ وتلك البصيرة التي لدى عليّ وذاك الإحساس بإرادة الله ومشيئته الذي كان لدى عليّ.. هو الذي يحفظه ويقول له لا تضرب، ويقول له غضّ نظرك، كن كريماً كن عزيزاً.. فهو يريد أن يستسلم، لكن هذا الأحمق لا يعرف كيف يستسلم وينجو من سيفك، فلو رفع يديه أو ألقى سيفه لكان كافياً في عدم ضرب عليّ إياك، والحال أن العفو عنه يساوي الهزيمة، فقد هزم علي في حرب صفين وانتصر معاوية.

وعندما يقول أمير المؤمنين عليه السلام للناس لا تقتلوا عثمان، يجب أن يطيعوا.. فأنتم عندما أتيتم إلى المنزل وأردتم أن تنهوا الأمر، فجأة يأتي أمر أمير المؤمنين بأن توقفوا لا تتعرضوا للخليفة، إذا أتاني أمير الإمام بالتوقّف، فما شأني أنا بذلك، فالمسألة مرتبطة به، وهو يعلم ما ينبغي أن يفعل. أما أنا فينبغي أن أكون عبداً مطيعاً، وهذا الأمر ينافي الإطاعة والعبودية، ما هذا؟ هذا مقام التسليم.

    

امتثال الأنبياء والأئمة ما يؤمرون به مهما كان

لذا عندما ننظر إلى مسائل الأئمة عليهم السلام ومطالبهم، وكذا بالنسبة إلى الأنبياء، نرى هذه المسألة بوضوح، ألا نرى ذلك في قضية النبي إبراهيم؟ حيث وصل النبي إبراهيم حكم وأمر بضرورة ذبح ولده إسماعيل؛ (إني أرى في المنام أني أذبحك)، وقد ذكرنا في الجلسة السابقة، فقد وصل إلى النبي إبراهيم الحكم بضرورة ذبح ولده، وصله ذلك من قبل الله تعالى.. هنا نسأل ألا يحرم في شريعة النبي إبراهيم قتل طفل بريء وشخص لا ذنب له؟ فلماذا أمر الله تعالى إبراهيم بأن يذبح ابنه، وقال له اذبح ولدك؟ لماذا؟ لا أدري، فالمسألة ليست مختصة بي. هل سأل النبي إبراهيم ربه: لماذا عليّ أن أذبح ولدي؟ ولماذا تأمرني بهذا الأمر؟ ألم تقل يا ربي بأن القتل حرام، ألم تقل أنت (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) وأن من يقتل شخصاً بريئاً فعليه القصاص؟ إذاً لماذا تأمرني بذبح ولدي إسماعيل؟

الجواب هو أن (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) فهو الولي وعلى المولّى عليه أن يمتثل ويقوم بما عليه. (ولله ملك السماوات والأرض) وإذا كانت لله تعالى فكل ما يأمر به ينبغي أن يطاع فيه. صحيح؟ لماذا عندما يقول الله تعالى بأن صلاة الصبح ركعتان، لا تعترض، بل تقوم وتمتثل مباشرة، بينما عندما يقول (إني أرى في المنام أني أذبحك) تعترض وتقول لله لماذا؟ فإن كان هناك موضع لقول "لماذا"، فينبغي أن تسأل في جميع التكاليف وتقول "لماذا"، وعندئذٍ عليك أن لا تأتي بالصلاة ولا بالصوم ولا بالحج ولا الصدقة... لأن هذه الأمور تكاليف، والحال أني إنسان عاقل ومختار، ولا يمكن لأحد لا في الأرض ولا في السماء أن يكلفني في أمر. وهذا من الأمور الواضحة..

    

عدم الاطلاع على المفاسد والمصالح الواقعية يفرض على الإنسان الانقياد

هناك الكثير من الأشخاص يقولون هذا الكلام، إذ يقولون بأنا مختارون والمصلحة بيدنا نحن، ولا يمكن لأحد أن يكلفنا بشيء، والحال أن الدين يجعل قيداً في عنقنا، لذا الدين مردود وغير صحيح بسبب ذلك. وجوابه هو أنه إذا كان لديك إشراف في مرتبة الاختيار والعقل على ما هو مصلحة لك وما ينبغي أن تقوم به، فعند ذلك يأتي هذا السؤال. لكن عندما يكون هناك نقص في الوجود ونقص في العلم ونقص في المعرفة؛ ليس لدينا علم بمصالحنا ومفاسدنا ـ وهذا ما أثبتته التجربة أيضاً ـ فعند ذلك لا يمكننا أن نقول لماذا يأتي التكليف، بل نحن مكلفون بالطاعة بحكم العقل والفطرة؛ لأنه ليس لدينا اطلاع على المفاسد والمصالح، نحن غير مطّلعين على ذلك، ولو فرضنا أن شخصاً يمكنه أن يشخّص ما هو مصلحة بالنسبة إليه، وما يريده الله منه في تلك الحالة وما تقتضيه تلك المرتبة، ولديه إشراف على ذلك.. فعند ذلك يمكنه أن لا يقلد ولا يرجع إلى المجتهد؛ لأنه يعلم، وإذا فرضنا أن شخصاً اطلع على الواقع ـ بأي شكل من الأشكال، سواء بواسطة إلهام أو غيره ـ فلا يجب أن يرجع إلى الكتب، إذ لا حاجة له بذلك، نعم إذا اقتضت المصلحة الظاهرية ذلك فهذا كلام آخر، لا ضرورة لذكره هنا والدخول في تفاصيله.

    

كلما ازداد الإنسان علماً ازداد انقياداً وتسليماً

ما الذي رآه أولياء الله حتى يقلدوا غيرهم، ما الذي جعل المرحوم السيد الحداد يقلد المرحوم العلامة الوالد؟ مع أنه بوجوده وصل قطعاً إلى هذه المرتبة، ففي المورد الذي يقول له المرحوم العلامة بأن كل ما تأمر به من فعل أو أمر أفعله دون تأمل فيه، من الذي يقول هذا الكلام؟ ينبغي أن لا ننسى قصة السيد علي الشوشتري.. إن الذي يقول هذا الكلام كان أعلم علماء النجف في عصره باعتراف الجميع، الذي يقول هذا الكلام كان صاحب نظر في الفلسفة والعرفان، الذي يقول هذا الكلام كان قد أفنى أربع عشرة سنة في الاستفادة من العظماء؛ أمثال العلامة الطباطبائي والمرحوم الأنصاري والمرحوم السيد جمال الدين الكلبايكاني، حيث كانوا من العظماء، وكان يختلط بهم ويعاشرهم.. مثل هذا الشخص عندما قال لأستاذه هذا الكلام، ألم يكن مجتهداً؟ حتى يأتي ويقول بأنه علينا أن نعرض هذا الأمر الذي تأمرني به على كتاب الله، علينا أن نعرضه على سنة النبي، فأنا مجتهد، وقد درست لسنوات متمادية عند العظماء والأساتذة البارزين، ولديّ معرفة بالأحاديث، لذا ينبغي أن أتأمل بالمطالب التي تلقيها عليّ؛ لأرى هل أن هذه المطالب منافية لكتاب الله، أو لسنة نبيه أو لسائر الأحكام التكليفية الأخرى؟ فإن لم تكن مخالفة فعند ذلك يمكنني أن أمتثل، لكن إذا كانت مخالفة فسوف أعتذر بعدم الامتثال مع شيء من الاحترام والأدب، فأقول إنشاء الله سوف أتأمل في هذه المطالب التي ذكرتها وغير ذلك.. هل كان العلامة كذلك مع المرحوم الحداد، أم لا؟

عندما أمر ذاك النساج السيد علي الشوشتري بأن يجمع متاعه ويرحل، لم يعترض عليه بشيء، قال له عليك أن تذهب إلى النجف، لقد نقل رزقك إلى النجف.. عند ذلك لم يقل لماذا، وكيف؟ بل اعتبر أن كلامه من الغيب، وهكذا بالنسبة إلى المرحوم العلامة، فقد قال لأستاذه ـ كما ذكرنا سابقاً ـ إن أمرتني بشرب هذا الكوب أشربه دون أن أفكر فيه، أقوم بهذا الفعل أو ذاك دون تردد، ألم يكن هذا الشخص الذي يتكلم بهذا الكلام مجتهداً؟ بلى كان مجتهداً وكان أعلم من الجميع. ألم يكن لدى هذا الشخص اطلاع على المباني الفلسفية والعرفان النظري؟ بلى، لكن جميع هذه الأمور إنما تنفعه إلى وقت لم يكن قد وصل إلى هذا السيد. فإن كان لم يصل إلى هذا السيد بعد، فتكليفه هو العمل طبق علومه؛ سواء كان مصيباً أم مشتبهاً. فإن كان مخطئاً فالله يسامحه والإمام يسامحه، إذ جميعنا جائز الخطأ، أما إذا لم يخطئ فالمسألة أوضح.

    

العلوم الظاهرية إنما تنفع عند عدم الوصول إلى الإمام والواقع

إذاً ما دمنا لم نصل إلى هذا الرجل، علينا أن نستفيد من الأصول والفقه والأدب والتاريخ، وأن نستفيد من تجاربنا ومدركاتنا، لكن عندما يأتي هذا لا يعود لشيء مجال؛ لأن نفسه متصلة بعالم القدس، وعند ذلك ينتهي الأمر، ويصير كأن الإمام يتحدث إليّ مباشرة، فعندما يكون الإمام عليه السلام هو الذي يأمرني بشرب هذا الكوب وأنا أعتقد بأنه نجس، فهل أقول له هل تعلم بأن هذا الكوب نجس؟ فأنا على اطلاع أنه نجس، وأنت لا تعرف بأنه نجس.. هل أقول له هذا الكلام؟ بل ينبغي أن أفعل ما يأمرني به مهما كان، فما دخلي أنا بذلك؟ أما اطلاعي ومعرفتي إنما تكون فيما إذا لم يكن الإمام موجوداً، وتجربتي إنما تنفعني فيما إذا لم يكن الإمام معي، واستصحاب التنجس فيما إذا لم يكن الإمام موجوداً، وإجراء أصالة الاحتياط والتوقف والبراءة عندما لا يكون الإمام موجوداً، أما عندما يكون الإمام موجوداً فالمسألة تنتهي. لذا نرى في قضية النبي إبراهيم عليه السلام أنه انقاد مباشرة عندما أتى حكم الله خلافاً لحكم الدين والشرع قطعاً، والذي يقضي بحرمة قتل الإنسان البريء، فهذه من أهم ضروريات الدين وأولاها، فقتل إنسان دون ذنب ـ يا ويلنا يا ويلنا يا ويلنا من ذلك ـ لا يرقى إليه ذنب بحكم الشرع والدين، أو حبس إنسان بدون ذنب، أو حتى ضرب إنسان بريء، فكيف بقتله؟ عندما تكون المسألة كذلك، لماذا لم يقل النبي إبراهيم عندما أمره الله تعالى بقتل ولده: أنت تأمرني بأمر مخالف لضرورة الدين؟ لماذا؟ بل كان ينبغي أن يقول أنا لا أمتثل أمرك هذا، فيقول الله تعالى له: لماذا لا تمتثل؟ يقول: لأن قتل إنسان بدون ذنب حرام بضرورة الدين، لماذا لم يقل النبي إبراهيم هذا الكلام؟ لأن هذا الحكم قد جاء من ذاك المكان الذي صدر منه الحكم بحرمة قتل البريء، حيث ورد وجوب القتل من نفس المصدر ومن نفس المكان الذي ورد منه الحكم بالحرمة، فعندما يأمر الله تعالى يكون واجباً، إذاً كل من الحكمين وردا من جهة واحدة. هذه هي المسألة، وهذه هي الشبهة التي ينبغي أن تحل، فجميع الإشكالات ناشئة من هذه المسألة بالذات، فعندما نقول بأن مطالب أولياء الله ينبغي أن تعرض على الكتاب والسنة، فذلك لأننا نراهما اثنين، لأن عيوننا حولاء نراهما اثنين، ونقول بأن هذا يختلف عن ذلك، لكن إذا أتينا واعتبرناهما واحداً، ونظرنا إلى أن كلام الإمام عليه السلام هو كلام الله، فعند ذلك سيكونان كلاماً واحداً، فالله تعالى الذي يقول بأن من يقتل إنساناً بريئاً فسوف يعاقب بأشد العقوبات ويجازى أشد مجازاة، هو نفسه الذي يقول اقتل هذا الطفل البريء.

في مسألة الخضر، الأمر كان كذلك، إذ أليس قتل طفل ذي عشر سنوات حراماً؟ فلماذا إذاً قتله الخضر؟ وقد كان هذا في الواقع لا أنه امتحان. لماذا قتله؟ لا أعلم، ولا دخل لي بذلك. لكن أحياناً تتضح المصلحة من فعل معين، وأحياناً لا تتضح للإنسان. لكن الذي يقوم بالفعل ينبغي أن يكون الخضر، لا من يدعي أنه الخضر، كما هو في هذا الزمان، حيث نرى ما شاء الله من يدعي الخضرية، لذا علينا أن ننتبه جيداً. إذ ينبغي أن يكون الخضر أو إبراهيم.

ونظائر ذلك حصل في زمن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، فقد نقل أن النبي كان في المسجد وكان هناك رجل في الخارج ـ والظاهر أنه عمرو بن حريص، وهو ذو الثدية الذي كان له الدور الأبرز في حرب النهروان وقتل فيها ـ فقال النبي لأبي بكر احمل السيف واضرب به عنق من تراه خارج المسجد بهذه الخصوصيات، لماذا أمره النبي بهذا الأمر؟ إذ ما الذنب الذي اقترفه هذا الرجل الآن؟ حيث لم يفعل ذنباً حتى الآن كي يأمر النبي بضرب عنقه. القتل في الإسلام ينبغي أن يكون إما من خلال القصاص أو من خلال العمل الذي يوجب القتل؛ كالزنا أو غيره من المعاصي الموجبة له. والحال أن هذا لم يفعل شيئاً. والحاصل ذهب أبو بكر فرآه يصلي، فعاد، فقال له النبي: لماذا لم تقتله؟ قال: يا رسول الله رأيت هذا الرجل يصلي! وأنا لا أقتل رجلاً يصلي. فقال النبي لعمر انهض أنت واقتله، ففعل مثل صاحبه، وعاد وقال للنبي يا رسول الله إنه يصلي، وكيف تأمر أن نقتل رجلاً مصلياً؟ عند ذلك أمر النبي علياً وقال له: اذهب واقتله يا علي، فذهب لكن وجده قد غادر. فأقسم النبي أنه لو كان قتل هذا الرجل لما حصل اختلاف بين رجلين بعدي. وهذا الرجل كان هو ذا الثدية المنافق الذي كانت حرب النهروان بسببه، وكان رجلاً عجيباً، حيث كان يخرج من المدينة ويعود إليها في أحيان مختلفة، وهدفه من ذلك إيجاد الفتنة.. في هذه الحالة هل ينبغي أن يقال للنبي: يا رسول الله لماذا تقتل رجلاً مصلياً؟ والحال أنه لا يصح لأحد أن يقول هذا الكلام، فالنبي قال اذهب واقتله! فيجب أن تذهب وتقتله فقط.

وكذا الإمام الصادق عليه السلام عندما أتاه الرجل الخراساني ـ والجميع ينقل هذه المسألة ـ فقال له يا ابن رسول الله جميع شيعتك ينتظرونك، وهم مستعدون للنهوض معك، فقال الإمام هل هم مستعدون للنهوض معي؟ حسناً! عند ذلك أمر بإشعال التنور، وقال له ادخل التنور، عندما قال له الإمام ادخل التنور، فلماذا لم يعترض عليه ذلك الرجل ويقول: يا ابن رسول الله أتريد أن تقتلني؟ ـ طبعاً اعترض عليه لكن لا بهذا الشكل ـ فلم يقل له: هذا الحكم مخالف لحكم الإسلام، فالآية القرآنية تقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، فإن دخلت إلى التنور احترقت، هذا الشخص الذي يقول للإمام ماذا تريد مني، واعفني من ذلك، لو كان يعلم بأنه إذا دخل التنور لن يخترق لما اعترض على الإمام أصلاً، بل كان دخل مباشرة، ونحن أيضاً يمكننا ذلك. إذاً مع علمه بأن الدخول إلى التنور يساوي القتل والحرق، يعترض على الإمام ويقول ماذا تأمر؟ سأموت إن دخلت، يقول له الإمام حسناً أنا أريد أن تموت، ألم تقل بأننا جميعاً فداء لك، فهذا مفاد كلامك، إذاً ادخل التنور واحرق نفسك وكن فداء لي كما تقول. وفي هذه الأثناء يدخل هارون المكي، يسلم على الإمام فيجيب الإمام السلام، ثم يأمره بالدخول في التنور، فيدخل دون أن يقول له لماذا يا ابن رسول الله، لم يقل له هل أحترق أم لا؟ لم يقل له ماذا سيحصل لو دخلت التنور؟ لم يقل له شيئاً أبداً، قال له الإمام ادخل التنور، فدخله والسلام..

    

حكم الإمام بخلاف الظاهر بسبب المصلحة الواقعية

سؤالي هنا هو: هل كان يعلم عند دخوله التنور بأنه لن يحترق أم لا؟ كان يحتمل بأنه سيحترق، والله العظيم أن هارون المكي عندما دخل التنور كان يعلم بأن الدخول في التنور يساوي الموت والاحتراق، وقد أقدم على هذا الفعل مع علمه بذلك. لكن حفظ الإمام الصادق له مطلب آخر. مثل قضية النبي إبراهيم عليه السلام حيث لم يذبح ابنه.

من هنا نسأل: لماذا حكم الإمام الصادق خلافاً لحكم الله؟ ألا ينبغي على الإمام أن يعمل طبقاً لدستور الشرع؟ ألا ينبغي على الإمام أن يعمل وفقاً للدين؟ ألم يكن الإمام مبلغاً للدين؟ ألم يكن الإمام مبلغاً لضروريات الدين؟ فلماذا عمل الإمام الصادق خلافاً لضروريات الدين وخلافاً للقرآن الكريم؟ هذا سؤال في المقام.

وجوابه هو أن الإمام عليه السلام بنفسه لسان الله الناطق، وعندما يأمر الله تعالى إبراهيم بذبح ولده إسماعيل، الإمام الصادق أيضاً يقول لهارون ادخل التنور وأحرق نفسك! فهو لسان الله الناطق، ما الفرق بينهما؟ هل ينبغي الذي يأمر بالقتل أن يكون بدون شكل ودون عين وأذن؟ بينما إذا كان له عين وأذن ورأس ويد فلا يقبل منه؟ إشكالنا في ذلك هو أننا لم نعرف الإمام، إذ الكثير يعتقد بأن الإمام هو عبارة عن هذا الرأس والعين واللحم والعظم وسائر الأعضاء، في حين أن الإمام عليه السلام كلامه ـ كما ذكرنا سابقاً ـ كلام الله، وفعله فعل الله، ولسانه لسان الله، وعندما يقول ادخل التنور.. فإن كان القائل لنا ذلك هو الله نفسه، ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟ يجب أن ندخل حتماً، أما إذا قال لنا الإمام فلا ينبغي علينا أن ندخل؟ إذا كان الأمر كذلك، فنحن في غاية السوء والجهل، فمن الجهل أن يجعل الإنسان فرقاً من هذه الناحية بين الله وبين الإمام.

وأولئك الذين يقولون بأنه ليس للإمام عليه السلام أن يأمر شخصاً بطلاق زوجته.. أولئك لم يحصل لهم أي معرفة، وأولئك الذين يقولون بأن الإمام ليس له الحق بالحكم خلافاً للحكم الشرعي، فهم لم يعرفوا حقيقة الإمامة والولاية.. يا أخي تفضل وانظر فها هو قد حكم كذلك! إذ قال للرجل ادخل التنور! أليس لدينا في الروايات بأنه عند ظهور الإمام المنتظر يقول لبعض الأشخاص طلق زوجتك؟ أليس لدينا ذلك؟ لماذا يقول الإمام عليه السلام هذا الكلام؟ لماذا يقول: افعل كذا.. طلق زوجتك..؟ فهل للإمام الحق أن يتصرف في حدود اختيارات الشخص؟ نعم له حق في ذلك! غاية الأمر أنه لا يمارس هذا الحق الآن، لكنه عندما يظهر يمارسه.

كما أنه في عصر الظهور لا يستخدم البينات والأيمان والشهود، بل هي مختصة بهذا الزمان فحسب، مختصة بزمن الغيبة. أما في عصر الظهور، عندما يأتي شخصان مختلفان، فقبل أن يتكلم أي منهما يقول الإمام الحق مع هذا لا معك، هكذا.. حيث لا يتحدث إليهما أصلاً، ولا يقول لماذا أتيتما، وما هي مسألتكما؟ انتظرا حتى أرى ملفكما... بل مجرد أن يدخلا يقول الحق مع فلان لا معك.. لماذا يفعل الإمام ذلك؟ وإذا فرضنا أن ذلك الشخص كان يعلم بأن الحق معه، والإمام حكم على خلافه، فماذا يجب عليه أن يفعل؟ ألا يجب أن يسمع منه؟ يجب أن يسمع ويطيع، والحال أن لديه يقين، لكن هذا اليقين لا قيمة له، فيقيننا مقابل حكم الإمام لا قيمة له، حتى لو كان يقيناً وعلماً، لا نرتب عليه الأثر، بل الأثر يترتب على كلام الإمام فقط. لذا في زمن الظهور، يعمل الإمام بناء على ما يراه هو، فلا يطلب بينة ولا شاهداً ولا يميناً؛ كما هو متعارف الآن. لماذا؟ لأن نفس الإمام متصلة باسم العليم، وضميره متصل باسم الخبير، وقلبه متصل باسم البصير، فهو لا يحتاج إلى شاهد، ولا يضيع وقته في أن يجلب هذا شاهداً، وذاك يكذب وغيرها من الأمور..

لذا ما يطرح من أن الإمام عليه السلام أو النبي لا يمكنه أن يحكم خلافاً للحكم الشرعي.. فهو كلام باطل من أساسه، لماذا؟ لأن كلام رسول الله نفس الشرع، غاية الأمر أن كلامه في هذا المورد يكون بهذه الكيفية، وفي المورد الآخر يكون بكيفية أخرى. مثل أن يقول لجميع الناس: صلوا أربع ركعات، ثم يقول لأحدهم: تلك الصلاة التي يصليها الناس أربع ركعات عليك أن تصليها أنت ثلاث ركعات! فكل منهما شرع، لا أن أحدهما خلاف الشرع، فالشرع إنما يطلق على كل ما أنزل من عند الله، وخلاف الشرع هو كل ما لم ينزل من عند الله. فإذا كانت الأربع ركعات مما أنزل الله، فهذه الثلاث ركعات مما أنزل الله أيضاً، وإذا كانت الركعات الثلاث خلاف ما أنزل الله، فسوف تكون تلك الأربع خلاف ما أنزل الله كذلك، إذ كل منهما صدرا من مصدر واحد، والشواهد على ذلك كثيرة جداً، بالنسبة إلى هذا وبالنسبة إلى ذلك.

هذا بالنسبة إلى هذه المسألة، ولدينا في الروايات أن ما يصلكم من قبلنا وكان مخالفاً لما أنزل الله، فلا ترتبوا عليه أثراً. لماذا صدرت مثل هذه الروايات؟ نترك الكلام عن ذلك إلى الجلسة الآتية، وللبحث تتمة. نسأل الله أن نستطيع إكمال البحث في الجلسة القادمة، ونصل إلى النتيجة التي تفيد بأن حكم أولياء الله هو عين ما أنزل الله، دون أن يكون هناك أي فرق. وإذا عرضنا هذا المطلب، فسوف نصل إلى هذه النتيجة إنشاء الله.

اللهم صل على محمد وآل محمد.


[1] ـ سورة يونس: من الآية 32

[2] ـ سورة القمر، الآية: 55.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->