معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت الصلاة > المجلس الثامن : الصلاة خير مُعين

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة مباحث أنوار الملكوت
نور ملكوت الصلاة

المجلس الثامن:
الصلاة خير مُعين

(مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390)

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية اللــه الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس اللـه نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

بسم الله الرّحمن الرّحيم‏
و الصّلاة على محمّد وآله الطّاهرين‏
و لعنة اللـه على أعدائهم أجمعين
من الآن إلى قيام يوم الدّين‏

{وَاسْتَعينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاة وإِنَّها لَكَبيرَة إِلَّا عَلَى الْخاشِعين}. [1]

    

سبب انغماس الإنسان في الدنيا هو غفلته عن أنّ الأسباب بيد اللـه

لقد أصبح الإنسان ـ بسبب انغماسه في محن الحياة اليوميّة والصراعـات الاجتمـاعيّـة ـ أسيراً لسلسلة من العلل والمعلولات، ومنقاداً لبعض الأسباب والمسبّبات، التي جعلته بشكل تامّ في غفلة عن الله سبحانه وتعالى، وهو يتصوّر بأنّ التوسّل بهذه الأسباب هو الموصل للنتيجة. لذا تراه يعتمد أيّ وسيلة ممكنة للوصول إليها؛ فإن وصل أحياناً إلى النتيجة المرجوّة يشعر بالسعادة، وإلّا شعر بالحزن والغمّ. والسرّ في ذلك هو أنّ العراك في الحياة والسعي في طلب المعاش يُنسي الله عزّ وجلّ؛ بحيث ينظر إلى هذه السلسلة من الأسباب التي تتحرّك بيد قدرته تعالى نظرة استقلال. وعند ذلك يهبط من سطح التوحيد إلى التواءات عالم الكثرة وانحرافاته، فيقع كلّ يوم في شرَكٍ منها، ويُبتلى كلّ ساعة بعقبة فيها. وكلّما سعى لتحرير نفسه منها، كان سعيه هذا موجباً لتوغّله فيها أكثر، وسبباً للشقاء وشدّة العناء، فتعلو صوت آهاته، ولا يعلم ما هو سبب اشتباهاته، ولا يعرف طريق نجاته، فيبحث عن ذلك في تلك الطرق والأسباب التي أوصلته إلى هنا، دون أن يعلم بأنّ الاستمداد منها والاستعانة بها يزيد الأمور تعقيداً والطين بلّة.
وعندما يصل الإنسان إلى اليأس من جميع هذه الأسباب, لا يبقى أمامه سوى التعلّق بأذيال الأمر الغيبي والقوّة الإلهيّة, فيتوصّل عندها بنفسه إلى أنّ الحلّ هو غير الذي أخذ به, فهو [الله] المسبّب لحركة الأشياء, وهو المدبّر لهذه الأسباب, وهو المعطي العلم والإرادة للمخلوقات, وهو المؤثّر في كلّ هذه الأمور. ويعلم حينئذٍ بأنّ جميع هذه العوالم تنتهي إليه سبحانه, وأنّ هناك يداً واحدة هي التي تبسط العلم والقدرة والحياة في هذا العالم فقط! وعند ذلك يلوذ به عند كلّ مشكل، ويطلب منه حوائجه, ويستمدّ منه في السرّاء والضرّاء. والحاصل أنّه عندما تنفتح لديه عين الحقيقة ويرى الأمور كما هي، لا يمكنه أن يرى غير ذلك؛ فيجعله وجهته في جميع الأمور, ويقصر نظره عليه، ويستجلب الرحمة والخير من عنده.
من هنا نرى أنّ الإسلام دين واقعي؛ تبتني جميع قوانينه وأوامره على أساس الحقيقة, حيث يقود الناس في جميع الأمور إلى الله, ويقطعهم عن سائر الأسباب. لذا ترى أنّه يريد أن يقطع الناس كلّيًا عما سوى الله ويربطهم به وحده.
فآيات القرآن كلّها توحيديّة وقائمة على أساس الوحدة: {يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ‏ الطَّالِبُ والْمَطْلُوبُ ، ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزيز}[2], إلى أن يصل إلى الآية 77, فيدعو الناس فيها للطلب منه، ويبيّن أنّ الفلاح والنجاة منحصـران في تحصيل العبوديّة له.{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا واعْبُدُوا رَبَّكُمْ وافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} حتّى يصل إلى آخر الآية 78 فيقول: {فَأَقيمُوا الصَّلاة وآتُوا الزَّكاة واعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى ونِعْمَ النَّصير}.
لذا ورد ضمن التعاليم الإسلاميّة بأنّه عند مواجهة أي مشكلة؛ عليكم بالوضوء والصلاة والطلب من الله سبحانه وتعالى لحلّ مشاكلكم, وأنّه بالصلاة يمكن التغلّب على الموانع، والنصر على الأعداء. كما ورد أيضاً أنّه إذا شملتك رحمة من الله فعليك السجود شكراً له تعالى على ذلك, أو القيام بصلاة الشكر، وتحمده على منّه عليك بهذه النعمة. من هنا نرى العديد من التوجيهات الواردة عن الرسول والأئمّة الطيّبين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عن الاستعانة بالصلاة في هذه الأمور:

    

الأولى: صلاة الآيات

وموردها عند خسوف القمر وكسوف الشمس، أو عند ظهور الريح الحمراء والصفراء، أو عند الصواعق الشديدة والزلزلة، وعند سائر الحوادث السماويّة الموجبة للخوف. وهي مؤلّفة من عشرة ركوعات وأربع سجدات على الشكل التالي:
يقرأ الحمد وسورة ويركع، ثم يرفع رأسه من الركوع ويقرأ مرّة أخرى الحمد وسورة ويركع، ويفعل ذلك إلى الركوع الخامس، فيأتي بالسجدتين، ثم ينهض للركعة الثانية ويفعل كما فعل في الأولى من القراءة والركوعات الخمس والسجدتين، [والتشهّد والتسليم]. ويمكن للمصلّي أن يأتي بسورة واحدة بعد الحمد يقسّمها خمسة أقسام؛ بحيث يقرأ كلّ قسم منها قبل الركوع.
روي في كتاب الكافي بإسناده عن أبي الحسن موسى عليه السّلام أنّه قال:
إنَّهُ لَمّا قُبِضَ إبراهِيمُ بنُ رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم جَرَت فيهِ ثَلاثُ سُنَنٍ؛ أمّا واحِدَة: فَإنَّهُ لَمّا ماتَ انكَسَفَتِ الشَّمسُ؛ فَقالَ النّاسُ: انكَسَفَتِ الشَّمسُ لِفَقدِ ابنِ رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم. فَصَعِدَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم المِنبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وأثنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ: يا أيُّها النّاسُ! إنَّ الشَّمسَ والقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ، تَجرِيانِ بِأمرِهِ، مُطِيعانِ لَهُ، لا تَنكَسِفانِ لِمَوتِ أحَدٍ ولا لِحَياتِهِ؛ فَإذا انكَسَفَتا أو واحِدَة مِنهُما فَصَلُّوا. ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِالنّاسِ صَلاة الكُسُوفِ.[3]
ورُوي عن عليّ بن مَهزِيار أنّه قال:
كَتَبتُ إلَى أبِي جَعفَرٍ عليه السّلام وشَكَوتُ إلَيهِ كَثرَة الزَّلازِلِ في الأهوازِ، وقُلتُ: تَرَى لِي التَّحوِيلَ عَنها؟ فَكَتَبَ عليه السّلام: لا تَتَحَوَّلُوا عَنها، وصُومُوا الأربِعاءَ والخَمِيسَ والجُمُعَة واغتَسِلُوا وطَهِّرُوا ثِيابَكُم وابرُزُوا يَومَ الجُمُعَة وادعُوا اللهَ، فَإنَّهُ يَرفَعُ عَنكُم. قالَ: فَفَعَلنا فَسَكَنَتِ الزَّلازِلُ.[4]
يُستفاد من هذه الرواية أنّ الصلاة توجب السكون, وأنّه عند حصول الأحداث السماويّة المخيفة والزلازل تجب الصلاة لكي تسكن. وعليه فالصلاة لها أثر في رفع البلاء والسكون.
رَوَى زُرارَة ومُحَمَّدُ بنُ مُسلِمٍ عَن أبِي جَعفَرٍ عليه السّلام، قالا:
قُلنا لَهُ: أرَأيتَ هَذِهِ الرِّياحَ والظُّلَمَ الَّتِي تَكُونُ هَل يُصَلَّى لَها؟ قالَ: كُلُّ أخاوِيفِ السَّماءِ مِن ظُلمَة أو رِيحٍ أو فَزَعٍ فَصَلِّ لَها صَلاة الكُسُوفِ حَتَّى تَسكُنَ.[5]
ورُوي عن «كامل» أنّه قال:
كُنتُ مَعَ أبِي ‏جَعفَرٍ عليه السّلام بِالعُرَيضِ[6]، فَهَبَّت رِيحٌ شَدِيدَة، فَجَعَلَ أبُو جَعفَرٍ عليه السّلام يُكَبِّرُ، ثُمَّ قالَ: إنَّ التَّكبِيرَ يَرُدُّ الرِّيحَ.[7]
وورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:
إنَّ الصّاعِقَة تُصِيبُ المُؤمِنَ والكافِرَ ولا تُصِيبُ ذاكِرًا.[8]

    

الثانية: صلاة الاستسقاء

وهي صلاة مستحبة, ويتأّكّد استحبابها عند جفاف الأنهار وامتناع المطر ويباس الأرض. وهي عبارة عن ركعتين كصلاة العيد, وبعد الركعتين يؤتى بخطبتين تماماً كخطبتي العيد, لكن يقرأ في القنوت وفي الدعاء أثناء الخطبتين ما هو مناسب لنزول المطر وطلب الرحمة من الله. ويستحبّ الغسل والصوم ثلاثة أيّام، والخروج في اليوم الثالث لأداء الصلاة في الصحراء. ويُستحبّ أن يكون الخروج يوم الاثنين[9], ويُستحسن أن يخرج الجميع مشياً حفاة الأقدام في سكينة ووقار, ويتقدّم المؤذّنون الناس في الخروج, وأن يتمّ اصطحاب الشيوخ من الرجال والنساء، والأطفال والحيوانات، وأن يُفصل بين الأطفال وأمّهاتهم حتّى يزداد البكاء والعويل, ويشاركوا المصلّين في حاجاتهم
نقل عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من طريق العامّة:
لَولا صِبيانٌ رُضَّعٌ ومَشايِخٌ رُكَّعٌ وبَهائِمٌ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيكُمُ العَذابُ صَبًّا.[10]
وبعد أن يفرغ الإمام من الخطبتين، أو أثناء الخطبة الثانية, يقوم بقلب ردائه؛ بأن يضع الطرف الأيسر لجهة اليمين والأيمن لجهة اليسار, فهذا الفعل عبارة عن التفاؤل بتغيّر الحال وانقلاب الأمر الموجود, وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يفعل ذلك. وبعد ذلك يدير الإمام ظهره للناس متوجّهاً نحو القبلة, ويكبّر مئة مرّة, ثمّ يلتفت إلى الناس من جهة اليمين ويسبّح مئة مرّة, ثم يلتفت إليهم من جهة اليسار ويهلّل مئة مرّة, ثمّ يتوجّه للناس ويحمد الله مئة مرّة, وليكن جميع ذلك بصوت عال يسمعه الجميع، وبعد ذلك يرفع يديه للدعاء نحو السماء ويدعو الناس معه. وإذا لم يستجب لهم يخرجون مجدّداً لتكرار الصلاة حتى يستجاب لهم.

    

الثالثة: صلاة الطلب وزيادة الرزق

يروي في الكافي بإسناده عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام، أنّه قال:
جاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ! إنِّي ذُو عِيالٍ وعَلَيَّ دَينٌ وقَدِ اشتَدَّتْ حالِي، فَعَلِّمّني دُعاءً إذا دَعَوتُ بِهِ رَزَقَنِيَ اللهُ ما أقضِي بِهِ دَينِي وأستَعِينُ بِهِ عَلَى عِيالِي. فَقالَ: يا عَبد اللهِ! تَوَضَّأ وأسبِغْ وُضُوءَكَ، ثُمَّ صَلِّ رَكعَتَينِ تُتِمُّ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ فيهِما، ثُمَّ قُل: يا ماجِدُ يا واحِدُ يا كَرِيمُ! أتَوَجَّهُ إلَيكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحمَة! يا مُحَمَّدُ يا رَسولَ اللهِ! إنِّي أتَوَجَّهُ بِكَ إلَى اللهِ رَبِّكَ ورَبِّى ورَبِّ كُلِّ شَي‏ءٍ، أن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وعلى أهلِ بَيتِهِ، وأسألُكَ نَفحَة مِن نَفَحاتِكَ وفَتحًا يَسِيرًا ورِزقًا واسِعًا ألُمُّ بِهِ شَعثِي وأقضِي بِهِ دَينِي وأستَعِينُ بِهِ عَلَى عِيالِي! [11]
ولقد وردت صلوات أخرى بطرق مختلفة في كتب الأخبار.

    

الرابعة: الصلاة لقضاء الحوائج

يروي في كتاب الكافي بإسناده عن الحارث بن المُغَيرَه عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:
إذا أرَدتَ حاجَة فَصَلِّ رَكعَتَينِ وصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وسَل تُعطَه.[12]
وجاء في نفس هذا الكتاب عن جميل، قال:
كُنتُ عِندَ أبِي ‏عَبدِ اللهِ عليه السّلام، فَدَخَلَت عَلَيهِ امرَأة وذَكَرَت أنَّها تَرَكَت ابنَها وقَد قالَت بِالمِلحَفَة عَلَى وَجهِهِ مَيِّتًا؛ فَقالَ لَها: لَعَلَّهُ لَم يَمُت! فَقُومِي فاذهَبِي إلَى بَيتِكِ فاغتَسِلِي وصَلِّي رَكعَتَينِ وادعِي وقُولِي: يا مَن وَهَبَهُ لِي ولَم يَكُ شَيئًا، جَدِّد هِبَتَهُ لِي! ثُمَّ حَرِّكِيهِ ولا تُخبِرِي بِذَلِكِ أحَدًا. قالَت: فَفَعَلتُ، فَحَرَّكتُهُ فَإذا هو قَد بَكَى.[13]
وينقل أيضاً في هذا الكتاب عن عبد الرحيم القصير أنّه قال:
دَخَلتُ عَلَى أبِي عَبدِ اللهِ عليه السّلام فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ! إنِّي اختَرَعتُ دُعاءً. قالَ: دَعنِي مِنِ اختِراعِكَ! إذا نَزَلَ بِكَ أمرٌ فَافزَعْ إلَى رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصَلِّ رَكعَتَينِ تُهدِيهِما إلَى رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم. قُلتُ: كَيفَ أصنَعُ؟ قالَ: تَغتَسِلُ وتُصَلِّي رَكعَتَينِ؛ تَستَفتِحُ بِهِما افتِتاحَ الفَرِيضَة وتَشَهَّدُ تَشَهُّدَ الفَرِيضَة، فَإذا فَرَغتَ مِنَ التَّشَهُّدِ وسَلَّمتَ قُلتَ: اللهُمَّ أنتَ السَّلامُ ومِنكَ السَّلامُ وإلَيكَ يَرجِعُ السَّلامُ! اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وبَلِّغ رُوحَ مُحَمَّدٍ مِنِّى السَّلامَ وأرواحَ الأئِمَّة الصّادِقِينَ سَلامِي، واردُدْ عَلَيَّ مِنهُمُ السَّلامَ، والسَّلامُ عَلَيهِم ورَحمَة اللهِ وبَرَكاتُهُ!
اللهُمَّ إنَّ هاتَينِ الرَّكعَتَينِ هَدِيَّة مِنِّي إلَى رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فَأثِبنِي عَلَيهِما ما أمَّلتُ ورَجَوتُ فيكَ وفي رَسولِكَ يا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ! ثُمَّ تَخِرُّ ساجِدًا وتَقُولُ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ، يا حَيُّ لا يَمُوتُ، يا حَيُّ لا إلَهَ إلّا أنتَ، يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، يا أرحَمَ الرّاحِمِينَ أربَعِينَ مَرَّة؛ ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ الأيمَنَ فَتَقُولُها أربَعِينَ مَرَّة، ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ الأيسَرَ فَتَقُولُها أربَعِينَ مَرَّة، ثُمَّ تَرفَعُ رَأسَكَ وتَمُدُّ يَدَكَ وتَقُولُ أربَعِينَ مَرَّة، ثُمَّ تَرُدُّ يَدَكَ إلَى رَقَبَتِكَ وتَلُوذُ بِسَبّابَتِكَ وتَقُولُ ذَلِكَ أربَعِينَ مَرَّة، ثُمَّ خُذ لِحيَتَكَ بِيَدِكَ اليُسرَى وابكِ أو تَباك وقُل: يا مُحَمَّدُ، يا رَسولَ اللهِ! أشكُو إلَى اللهِ وإلَيكَ حاجَتِي، وإلَى أهلِ بَيتِكَ الرّاشِدِينَ حاجَتِي، وبِكُم أتَوَجَّهُ إلَى اللهِ في حاجَتِي! ثُمَّ تَسجُدُ وتَقُولُ: يا اللهُ يا اللهُ [حَتَّى يَنقَطِعَ نَفَسُكَ‏]! صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ! وافعَل بِى كَذا وكَذا! قالَ أبُوعَبدِ اللهِ عليه السّلام: فَأنا الضّامِنُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ أن لا يَبرَحَ حَتَّى تُقضَى حاجَتُهُ
.[14]
وأورد في كتاب الكافي عن إسماعيل بن أرقَط وأمّه «أمّ سلمة» أخت الإمام الصادق عليه السّلام، قال:
مَرِضتُ في شَهرِ رَمَضانَ مَرَضًا شَدِيدًا حَتَّى نُقِلْتُ [ثَقُلتُ‏]، واجتَمَعَتْ بَنُو هاشِمٍ لَيلًا لِلجَنازَة وهُم يَرَونَ أنِّى مَيِّتٌ، فَجَزِعَت أمِّي عَلَيَّ، فَقالَ لَها أبُو عَبدِ اللهِ عليه السّلام خالِي: اصْعَدِي إلَى فَوقِ البَيتِ فَابرُزِي إلَى السَّماءِ وصَلِّي رَكعَتَينِ، فَإذا سَلَّمتِ فَقُولِي: اللهُمَّ إنَّكَ وَهَبتَهُ لِي ولَم يَكُ شَيئًا! اللهُمَّ وإنِّي أستَوهِبُكَهُ مُبتَدِئًا فَأعِرنِيهِ! قالَ: فَفَعَلَت فَأفَقتُ وقَعَدتُ، ودَعَوْا بِسَحُورٍ لَهُم هَرِيسَة فَتَسَحَّرُوا بِها وتَسَحَّرتُ مَعَهُم.[15]

    

الخامسة: صلاة العازم على السفر

ورد في الكافي بإسناده عن السّكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال:
قالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما استَخلَفَ عَبدٌ عَلَى أهلِهِ بِخِلافَة أفضَلَ مِن رَكعَتَينِ يَركَعُهُما إذا أرادَ سَفَرًا، يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أستَودِعُكَ نَفسِي وأهلِي ومالِي ودِينِي ودُنياي وآخِرَتِي وأمانَتِي وخَواتِيمَ عَمَلِي» إلّا أعطاهُ اللهُ ما سَألَ.[16]

    

السادسة: الصلاة عند الخوف من أيّ مكروه

يروي في الكافي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام، قال:
كانَ عَلِىٌّ عليه السّلام إذا هالَهُ شَيءٌ فَزِعَ إلَى الصَّلاة؛ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَة: {واسْتَعينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاة}.[17]

    

السابعة: صلاة الشكر

على كلّ نعمة يمّن بها الله على الإنسان, فإنّه يستحب أن يصلي ركعتين
ورد في الكافي عن هارون بن خارجَة عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:
إذا أنعَمَ اللهُ عَلَيكَ بِنِعمَة فَصَلِّ رَكعَتَينِ، تَقرَأ في الأولَى بِفاتِحَة الكِتابِ وقُلْ هُوَ اللهُ‏ أحَدٌ، وتَقرَأ في الثّانِيَة بِفاتِحَة الكِتابِ وقُلْ يا أيُّها الكافِرونَ؛ وتَقولُ في الرَّكعَة الأولَى في رُكوعِكَ وسُجودِكَ: الحَمدُ لِلَّهِ شُكرًا شُكرًا وحَمدًا، وتَقولُ في الرَّكعَة الثّانِيَة في رُكوعِكَ وسُجودِكَ: الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي استَجابَ دُعائِي وأعطانِي مَسألَتِي.[18]

    

الثامنة: الصلاة لمن يريد إيقاع عقد زواج أو ينوي الزفاف

ففي هذه الحالة يُستحبّ له أن يأتي بركعتين يسأل الله فيهما الخير والصلاح له ولأولاده, وأن لا يكون الشيطان شريكاً في انعقاد هذه النطفة, وأن يرزقه ولدًا سويًا سالمًا.
رُوي في الكافي بإسناده عن أبي بصير، قال:
قالَ لِي أبُو عَبدِ اللهِ عليه السّلام: إذا تَزَوَّجَ أحَدُكُم كَيفَ يَصنَعُ؟ قُلتُ: لا أدرِى! قالَ: إذا هَمَّ بِذَلِكَ فَليُصَلِّ رَكعَتَينِ ويَحمَدُ اللهَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللهُمَّ إنِّي أرِيدُ أن أتَزَوَّجَ فَقَدِّر لِي مِنَ النِّساءِ أعَفَّهُنَّ فَرجًا وأحفَظَهُنَّ لِي في نَفسِها وفي مالِي وأوسَعَهُنَّ رِزقًا وأعظَمَهُنَّ بَرَكَة، وقَدِّر لِي وَلَدًا طَيِّبًا تَجعَلُهُ خَلَفًا صالِحًا في حَياتِي وبَعدَ مَماتِي.[19]
وهذه الصلاة هي لعقد الزواج؛ بمعنى أنّ كل من يريد الزواج يستحب له الإتيان بهذه الصلاة.
وأمّا عند الزفاف وكذا عندما يريد مقاربة زوجته قاصداً الإنجاب، فيستحبّ له الإتيان بالصلاة التالية:
ورد في الكافي عن محمّد بن مسلم عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام، قال:
مَن أرادَ أن يُحبَلَ لَهُ، فَليُصَلِّ رَكعَتَينِ بَعدَ الجُمُعَة يُطِيلُ فيهِما الرُّكُوعَ والسُّجُودَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِما سَألَكَ بِهِ زَكَرِيّا إذ قالَ: رَبِّ لا تَذَرْني فَرْداً وأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثينَ.[20] اللهُمَّ هَب لِي ذُرِّيَّة طَيِّبَة إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ. اللهُمَّ بِاسمِكَ استَحلَلتُها وفي أمانَتِكَ أخَذتُها، فَإن قَضَيتَ في رَحِمِها وَلَدًا فَاجعَلهُ غُلامًا صالحًا ولا تَجعَل لِلشَّيطانِ فيهِ نَصِيبًا ولا شِركًا.[21]
يبدو أنّ هذه الصلاة مختصّة بالذي لا يُنجب أولادًا، ويريد من الله تعالى أن يمنّ عليه بولد.
وأمّا بالنسبة للأشخاص الذين ينجبون أولادًا، وليس لديهم عقم، فيستحبّ لهم أن يؤدّوا هذه الصلاة كما في "المحجّة البيضاء":
إنّهُ يُصَلِّى رَكعَتَينِ عِندَ دُخولِهِ عَلَيها ويَأمُرُها بِذلِكَ، ثُمَّ يُمَجِّدُ اللهَ ويُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ، ثُمَّ يَدعُو اللهَ ويَأمُرُ مَن مَعَها أن يُؤمِّنوا عَلَى دُعائِهِ ويَقولُ: اللهُمَّ ارْزُقنِي إلفَها ووُدَّها ورِضاها وأرضِني بِها، ثُمَّ اجْمَعْ بَينَنا بِأحسَنِ اجْتِماعٍ وأسَرّ ائْتِلافٍ فَإنَّكَ تُحِبُّ الحَلالَ وتَكرَهُ الحَرامَ.[22]

    

التاسعة: صلاة الاستخارة

المقصود من الاستخارة طلب الخير. والمستحبّ للإنسان قبل الشروع بأيّ عمل أن يطلب الخير من الله تعالى, وأن يريد منه تعالى تقدير الخير والصلاح له في هذا العمل؛ فإذا كان يستخير على أمر جزئيّ، فليقل سبع مرّات أو عشر مرّات أو خمسين أو سبعين مرّة: أستخير الله برحمته! من الطبيعي أن الروايات قد تكون عيّنت هذه المقادير المختلفة بحسب أهميّة الأمر المطلوب. أما إذا كان الأمر مهمّا فيستحبّ له أن يتوضّأ ويأتي بركعتين؛ يطلب فيهما من الله تعالى صلاحه.
وقد أورد في الكافي بإسناده عن عَمرو بن حُرَيث، قال:
قالَ أبُو عَبدِ اللهِ عليه السّلام: صَلِّ رَكعَتَينِ واستَخِرِ اللهَ، فَوَ اللهِ ما استَخارَ اللهَ مُسلِمٌ إلّا خارَ لَهُ البَتَّة! [23]
كذلك أورد في نفس الكتاب عن جابر أنّه حدّث عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام، قال:
كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ صلوات الله عليهما إذا هَمَّ بِأمرِ حَجٍّ أو عُمرَة أو بَيعٍ أو شِراءٍ أو عِتقٍ تَطَهَّرَ، ثُمَّ صَلَّى رَكعَتَي الاستِخارَة، فَقَرَأ فيهِما بِسُورَة الحَشرِ وبِسُورَة الرَّحمَنِ؛ ثُمَّ يَقرَأ المُعَوِّذَتَينِ وقُل هو اللهُ أحَدٌ إذا فَرَغَ وهو جالِسٌ في دُبُرِ الرَّكعَتَينِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللهُمَّ إن كانَ كَذا وكَذا خَيرًا لِي في دِينِي ودُنيايَ وعاجِلِ أمرِي وآجِلِهِ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ويَسِّرهُ لِي عَلَى أحسَنِ الوُجُوهِ وأجمَلِها! اللهُمَّ وإن كانَ كَذا وكَذا شَرًّا لِي في دِينِي ودُنيايَ وآخِرَتِي وعاجِلِ أمرِي وآجِلِهِ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ واصرِفهُ عَنِّى! رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ واعزِم لِي عَلَى رُشدِي وإن كَرِهتُ ذَلِكَ أو أبَتهُ نَفسِي![24]

    

أقسام الاستخارة

ومن المعلوم أنّ الإمام عليه السلام في هذا الأمر يسلّم أمره لله؛ حتى ييسّر له الله ما فيه خيره؛ فإن كان هذا الأمر خيراً واقعاً هيّأ الله أسبابه، وإن كانت أسبابه بعيدة الوقوع بحسب الظاهر، وإن كان هذا الأمر شرّاً أبعد الله أسباب تحقّقه، وإن كانت قريبة الوقوع بحسب الظاهر. وهذا قسم من أقسام الاستخارة.
والقسم الثاني: بأن يرجع الإنسان بعد الفراغ من الصلاة إلى قلبه، وينظر إلى أيٍّ من الفعل والترك مال قلبه ورجّح, عمل على أساسه, وهذا الترجيح هو إلهام من الله عزّ وجلّ ألقاه في قلبه بعد الصلاة.
ينقل في "الوافي" عن كتابي "الكافي" و"التهذيب" بإسناده عن ابن فضّال، قال:
سَألَ الحَسَنُ بنُ الجَهمِ أبا الحَسَنِ عليه السّلام لابنِ أسْباطٍ، فَقالَ: ما تَرَى لَهُ (وابنُ أسْباطٍ حاضِرٌ ونَحنُ جَميعًا) يَركَبُ البَرَّ أوِ البَحرَ إلَى مِصرَ؟ فَأخبَرَهُ بِخَيرِ طَرِيقِ البَرِّ! فَقالَ: فائتِ المَسجِدَ في غَيرِ وَقتِ صَلاة الفَرِيضَة، فَصَلِّ رَكعَتَينِ واستَخِرِ اللهَ مِائَة مَرَّة، ثُمَّ انظُرْ أيُّ شَي‏ءٍ يَقَعُ في قَلبِكَ فَاعمَلْ بهِ! وقالَ لَهُ الحَسَنُ! البَرُّ أحَبُّ إلَيَّ لَهُ؛ قالَ: وإلَيّ[25] [26].
والقسم الثالث: بأن يقوم بالمشاورة بعد فراغه من صلاة ركعتين, وما يشيرون عليه في الوهلة الأولى، يكون عبارة عن إلهام الله سبحانه قد جرى على ألسنتهم.
يُروى في الوافي عن كتاب «من لا يحضره الفقيه» عن هارون بن خارجة عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّّه قال: إذا أرادَ أحَدُكُم أمرًا فَلا يُشاوِر فيهِ أحَدًا مِنَ النّاسِ حَتَّى يَبدَأ فَيُشاوِرَ اللهَ تَبارَكَ وتَعالَى، قالَ قُلتُ وما مُشاوَرَة اللهِ تَبارَكَ وتَعالَى جُعِلتُ فِداكَ؟ قالَ يَبدَأ فَيَستَخِيرُ اللهَ فيهِ أوَّلًا، ثُمَّ يُشاوِرُ فيهِ، فَإنَّهُ إذا بَدَأ بِاللهِ تَبارَكَ وتَعالَى أجرَى لَهُ الخِيَرَة عَلَى لِسانِ مَن يَشاءُ مِنَ الخَلقِ.[27]
فبناءً على ذلك، عليه أن يصلي ركعتين أولاً، ثم يلجأ للمشاورة, والله تعالى يجري على لسان المستشار خيره وصلاحه.
القسم الرابع: بأن يرجع ـ بعد الصلاة ركعتين وذكر الاستخارة ـ إلى القرآن المجيد ليستعلم مطلبه منه.
فقد ذكر في الوافي نقلاً عن التهذيب بإسناده عن اليسع القمّي قال:
قُلتُ لأبِي عَبدِاللهِ عليه السّلام: أرِيدُ الشَّي‏ءَ فَأستَخِيرُ اللهَ فيهِ فَلا يُوفَقُ فيهِ‏ الرَّأي؛ أفعَلُهُ أو أدَعُهُ! فَقالَ: انظُرْ إذا قُمتَ إلَى الصَّلاة ـ فَإنَّ الشَّيطانَ أبعَدُ ما يَكُونُ مِنَ الإنسانِ إذا قامَ إلَى الصَّلاة ـ [فَانظُرْ إلَى‏] أيِّ شَي‏ءٍ يَقَعُ في قَلبِكَ، فَخُذْ بِهِ! وافتَحِ المُصحَفَ فَانظُرْ إلَى أوَّلِ ما تَرَى فيهِ، فَخُذْ بِهِ إن شاءَ اللهُ تَعالَى![28]
وقد ورد في بعض الروايات أن يجعل ركعتي الاستخارة آخر ركعتين من صلاة اللّيل, ويقول في السجدة الأخيرة منها مئة مرّة: أستَخيرُ اللهَ بِرَحمَتِهِ.
ينقل في الوافي عن «من لا يحضره الفقيه»:
سَألَ مُحَمَّدُ بنُ خالِدٍ القَسرِيُّ أبا عَبدِ اللهِ عليه السّلام عَنِ الاستِخارَة، فَقالَ: استَخِرِ اللهَ في آخِرِ رَكعَة مِن صَلاة اللَّيلِ وأنتَ ساجِدٌ مِائَة مَرَّة ومَرَّة. قالَ: كَيفَ أقُولُ؟ قالَ: تَقُولُ: أستَخِيرُ اللهَ بِرَحمَتِهِ.[29]
وفي بعض الروايات ورد أن يجعل ركعتي الاستخارة نفس ركعتي نافلة الصبح ويقول هذا الذكر السابق في السجدة الأخيرة منها, وذلك كما جاء في «الوافي» نقلًا عن «من لا يـحضره الفقيه» عن حمّاد بن عثمان عنه عليه السّلام:
أنَّهُ قالَ في الاستِخارَة: أن يَستَخِيرَ اللهَ الرَّجُلُ في آخِرِ سَجدَة مِن رَكعَتَي الفَجرِ مِائَة مَرَّة ومَرَّة، ويَحمَدَ اللهَ ويُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ، ثُمَّ يَستَخِيرَ اللهَ خَمسِينَ مَرَّة، ثُمَّ يَحمَدَ اللهَ ويُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ ويُتِمَّ المِائَة والواحِدَة.[30]
ومن الطبيعي أنّه يستحبّ الغسل قبل الإتيان بصلوات الاستخارة هذه؛ وذلك طبقاً لما ورد في هذا المجال من روايات أهل البيت عليهم السلام. فغسل الاستخارة أحد الأغسال المستحبّة. لكن من الطبيعي أن لا يقوم الإنسان في هذه الاستخارات بتعيين ما يريده من الله، بل يكون منظوره هو تقدير الخير الواقعي والصلاح الحقيقي له.
ينقل في الكافي بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن أبي ‏عبد الله عليه السّلام، قال:
قُلتُ لَهُ: رُبَّما أرَدتُ الأمرَ يَفرُقُ مِنِّى فَرِيقانِ، أحَدُهُما يَأمُرُنِي والآخَرُ يَنهانِي، قالَ: فَقالَ: إذا كُنتَ كَذَلِكَ فَصَلِّ رَكعَتَينِ واستَخِرِ اللهَ مِائَة مَرَّة ومَرَّة، ثُمَّ انظُرْ أجزَمَ [أحزَمَ‏] الأمرَينِ لَكَ فَافعَلهُ، فَإنَّ الخِيَرَة فيهِ إن شاءَ اللهُ؛ ولتَكُنِ استِخارَتُكَ في عافية، فَإنَّهُ رُبَّما خِيرَ لِلرَّجُلِ في قَطعِ يَدِهِ ومَوتِ وَلَدِهِ وذَهابِ مالِهِ.[31]
عندما أرسل يزيد إلى حاكم المدينة (الوليد بن عقبة) يأمره أن يأخذ البيعة من سيّد الشهداء عليه السلام, جرى مناظرات بين سيّد الشهداء وبين الوليد ومروان بن الحكم في دار إمارة المدينة، وبعد ذلك خرج الإمام، وفي منتصف تلك الليلة ذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال له:
السّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللهُ! أنا الحُسَينُ بنُ فاطِمَة فَرخُكَ وابنُ فَرخَتِكَ وسِبطُكَ الَّذي خَلَّفتَنِي في أمَّتِكَ! فَاشهَدْ عَلَيهِمْ يا نَبِيَّ اللهِ إنَّهُمْ قَد خَذَلُونِي وضَيَّعونِي ولَم يَحفَظونِي وهَذِهِ شَكوايَ إلَيكَ حَتَّى ألقاك!
قال ذلك، ثم قام للصلاة، ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح. فلمّا كانت الليلة الثانية، خرج إلى القبر أيضاً وصلّى ركعات، فلما فرغ من صلاته جعل يقول:
اللهُمَّ هَذا قَبرُ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وأنا ابنُ بِنتِ نَبِيِّكَ وقَد حَضَرَ مِن الأمرِ ما قَد عَلِمتَ! اللهُمَّ إِنّي أحِبُّ المَعروفَ وأُنكِرُ المُنكَرَ! وأنا أسئَلُكَ يا ذا الجَلالِ والإكرامِ بِحَقِّ القَبرِ وبِحَقِّ مَن فِيهِ إلّا اخْتَرتَ لي ما هو لَكَ رِضًى ولِرَسولِكَ رِضًى!
قال: ثمّ جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبًا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه، حتّى ضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال:
حَبيبي يا حُسَينُ! كَأنّي أراكَ عَن قَريبٍ مُرَمَّلًا بِدِمائِكَ مَذبوحًا بِأرضِ كَربٍ وبَلاءٍ مِن عِصابَة مِن أمَّتي وأنتَ مَعَ ذَلِكَ عَطشانٌ لا تُسقِى وظَمْآنٌ لا تُروِى، وهُم مَعَ ذَلِكَ يَرجونَ شَفاعَتِي! لا أنالَهُمُ اللهُ شَفاعَتِي يَومَ القِيامَة! وقال حَبيبي يا حُسَينُ! إنّ أباكَ وأمَّكَ وأخاكَ قَدِموا عَلَّيَّ وهُم مُشتاقونَ إليكَ، وإنَّ لَكَ في الجَنّاتِ لَدَرَجاتٍ لَن تَنالَها إلّا بِالشّهادَة.[32]


[1] ـ سورة البقرة (2) الآية 45.

[2] ـ سورة الحج (22) الآية 73.

[3] ـ الكافي، ج 3، ص 463.

[4] ـ من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 544.

[5] ـ نفس المصدر, ص548.

[6] ـ عريض، كبريز واد بالمدينة، به أموال لأهلها.

[7] ـ من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص‏: 544.

[8] ـ نفس المصدر.

[9] ـ المحجّة البيضاء، ج 2، ص 56.

[10] ـ المحجّة البيضاء، ج 2، ص 56؛ مستدرك الوسائل، ج 6، ص 75 ولكن مع اختلاف بسيط.

[11] ـ الكافي، ج 3، ص 473.

[12] ـ الكافي، ج 3، ص 479.

[13] ـ نفس المصدر السابق.

[14] ـ نفس المصدر ص 476.

[15] ـ نفس المصدر, ص478.

[16] ـ نفس المصدر, ص480.

[17] ـ نفس المصدر.

[18] ـ نفس المصدر, ص 481.

[19] ـ الكافي، ج 3، ص 481.

[20] ـ سورة الأنبياء (21) ذيل الآية 89.

[21] ـ نفس المصدر, ص 482.

[22] ـ المحجّة البيضاء، ج 2، ص 62، وفى تعليقتها أسندها إلى كتاب الغايات وإلى المستدرك، ج 1، ص 177.

[23] ـ الكافي، ج 3، ص 470.

[24] ـ نفس المصدر.

[25] ـ يعني قال الإمام عليه السّلام: والبَرُّ أيضًا أحَبُّ إليَّ لَهُ.

[26] ـ الوافي، ج 2، ص 211؛ الكافي، ج 3، ص 471؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 180، مع اختلاف بسيط بينهم.

[27] ـ الوافي، ج 2، ص 212؛و من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 562.

[28] ـ الوافي، ج 2، ص 212؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 310.

[29] ـ نفس المصدر.

[30] ـ الوافي، ج 2، ص 212؛ ومن لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 563.

[31] ـ الكافي, ج3, ص472.

[32] ـ ناسخ التواريخ، مجلّد سيّد الشهداء، ج 2، ص [3] و4؛ بحار الأنوار، ج 44، ص 327 و328.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->