گالری تصاویر آرشیو بانک صوت کتابخانه پرسش و پاسخ ارتباط با ما صفحه اصلی
 
اعتقادات اخلاق حکمت عرفان علمی اجتماعی تاریخ قرآن و تفسیر جنگ
کتابخانه > مباحث علمی و اجتماعی > تعلیقه بر رساله وجوب نماز جمعه

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

فاعلم أنّهم استدلّوا علی وجوب صلاة الظهر، و عدم الوجوب التعيينى لصلاة الجمعة فى زمان الغيبة بأدلّةٍ:

الدّليل الأوّل المشترک بينهم: الأصل

الأوّل: الأصل.

و فيه: إن كان مرادهم من هذا الأصل الأخذ بإطلاقات وجوب صلاة الظّهر لكلّ من المكلّفين فى كلّ يوم عند الشكّ فى اشتراط صلاة الجمعة بحضور الإمام فلا ريب أنّه تمسّك بالعامّ فى الشبهة المصداقيّة للمخصّص، لأنّ آية الجمعة و الروايات الواردة فيها تُخصّصها لا محالة، و القدر المتيقّن منه فى زمان الحضور و الشكّ فى زمان الغيبة ليس شكّاً فى التخصيص الزائد بل يكون شكّاً فى سعة دائرة المُخصّص و ضيقه، و قد تقرّر فى الاُصول عدم جواز التمسّك بالعامّ حينئذٍ[1].

و إن كان مرادهم به هو الأصل العملى بمعني أنّ صلاة الظُّهر أربع ركعات كانت واجبةً قَبْل نزول الآية و بعد نُزولها قد ارتفع الوجوب لا محالة فى زمان الحضور كما يستفاد هذا ممّا رواه المشايخ الثلاثة فى الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر فى حديث طويل قال فيه:

و قال الله تعالی (حَافِظُواْ عَلىَ الصَّلَوَاتِ وَ الصَّلَوةِ الْوُسْطَى‏ وَ قُومُوا) [2] و هى صلاة الظهر، و هى أوّل صلاة صلاّها رسول الله صلّی الله عليه و آله و سلّم، و هى وسط النّهار و وسط الصّلاتَين بالنَّهار ـ صلاة الغداة و صلاة العصر ـ ... إلی أن قال عليه السّلام: و نزلت هذه الآية يوم الجمعة و رسول الله صلّی الله عليه و آله و سلّم فى سفر فقنت فيها و تركها علی حالها فى السفر و الحضر و أضاف للمقيم ركعتين، و إنّما وُضِعَت الركعتان اللّتان أضافهما رسول الله صلّی الله عليه و آله و سلّم يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلّی يوم الجمعة فى غير جماعةٍ فليصلّها أربع ركعات كصلاة الظهر فى سائر الأيّام[3].

فعَلی هذا إذا شككنا فى دخالة الحضور فى وجوبها لا مجال لاستصحاب وجوب الجمعة، لأنَّ ما عُلِمَ وجوبه فى السابق هى الجمعة مع الإمام أو منصُوبه و هذا ممّا لا شبهة فيه، و أمّا وجوبها مع غيره فلم يثبت من أوّل الأمر، فمقتضی الأصل عدم شرعيّتها، أو عدم وجوبها علی تقدير ثبوت مشروعيّتها، لكنّ استصحابَ وجوب أربع ركعات الثابت قَبْل نزول الآية بمكان من الإمكان.

و فيه أوّلاً: أنّ هذه الصَّحيحة لا تدلّ علی أنّ الأصل فى يوم الجمعة صلاة أربع ركعات، و لا تدلّ علی أنّ الرّسول صلّی الله عليه و آله و سلّم صلّی فى الحضر أربع ركعات، بل تدلّ علی أنّه أضاف للمقيم ركعتين و أسقطهما لمن تجب عليه الجمعة، فيمكن أن صلّی صلّی الله عليه و آله و سلّم فى الحضر صلاة الجمعة من أوّل الأمر.[4]

و بعبارة اُخری لا دلالة فيها علی أنّ نُزول آية الجمعة يكون بعد مضىّ مدّةٍ صلّی صلّی الله عليه و آله و سلّم فيها بأربع ركعات، فعلي هذا لا مجال لاستصحاب الظّهر أربع ركعات، لعدم اليقين السابق بإتيان الظّهر علی هذا النّهج. و أمّا رواية حفص بن غياث أيضاً لا تدلّ علی أنّ الأصل أربع ركعات، ففى «التهذيب» مسنداً عن حفص بن غياث قال:

سمعت بعض مواليهم يسأل ابنَ أبى ليلی عن الجمعة هل تجب علی المرأة و العبد و المسافر؟ فقال ابن أبى ليلی: لا تجب الجمعة علی واحدٍ منهم، و لا المخالف. فقال الرّجل: فما تقول إن حضر واحد منهم الجمعة مع الإمام فصلاّها معه هل تَجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال: نعم. فقال له الرجل: و كيف يجزى ما لم يفترضه الله عليه عمّا فرضه الله؟! و قد قلتَ إنّ الجمعة لا تجب عليه، و مَن لم تجب الجمعة عليه فالفرض عليه أن يصلّي أربعاً‌، و يلزمك فيه معنی أنّ الله فَرض عليه أربعاً. فكيف أجزأ عنه ركعتان مع ما يلزمك أنّ من دخل فيما لم يفرضه الله عليه لم يجز عنه ممّا فرض الله عليه؟ فما كان عند ابن أبى ليلی جواب و طلب إليه أن يفسّرها له فأبی، ثمّ سألته أنا عن ذلك فقال: إنّ الله عزّ و جلّ فرض علی جميع المؤمنين و المؤمنات و رخّص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها، فلمّا حضروها سقطت الرّخصة و لزمهم الفرض الأوّل، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم، فقلت: عمّن هذا؟ فقال: عن مولانا أبى عبدالله عليه السّلام[5].

هذا و أنت كما تري تدلّ هذه الرّواية علی أنّ الفرض علی الجميع هو صلاة الجمعة و إنّما رخّص للمرأة و العبد و المسافر فى السعى فقط و أمّا بعد تحقّق السعى منهم فقد وجبت عليهم أيضاً، و لا تدلّ علی أنّ الأصل هو صلاة الظهر بوجه بل يمكن أن يستشعر منها أنّ الأصل هو صلاة الجمعة كما لا يخفی.[6]

و ثانياً: أنّك قد عرفت دلالة روايات ظاهرةٍ بل صريحةٍ علی وجوبها لكلّ أحدٍ فى جميع الأزمان لا يعذر الناس فيها إلاّ أفراداً معدودة، و كيف يقابلها الأصل مع أنّه دليل حيث لا دليل.[7]

و ثالثاً: لابدّ فى الاستصحاب من اتّصال زمان اليقين بالشّكّ، فلو كان بينهما فصلٌ لا مجال لجريانه كما تقرّر فى الاُصول، و مع فرض اليقين بوجوب أربع ركعات أوّلاً قد ارتفع هذا الوجوب فى برهة من الزّمان بوجوب الجمعة يقيناً فلا يمكن إسراء حكمه فى زمان الغيبة مع هذا الفصل الطَّويل.[8]

و رابعاً: أنّ استصحاب الوجوب فى مرحلة المجعول يكون معارضاً باستصحاب عدم الجعل فيتساقطان، فلذا لا يجرى الاستصحاب الحكم الوجودى فى الشبهات الحُكميّة أصلاً كما تحقّق فى محلّه.[9]

الدّليل الثّانى المشترک بينهم: الإجماع

الثّانى: الإجماع علی اشتراطها بحضوره و تمكّنه من الإقامة أو بوجود المنصوب من قِبَلِه.

و فيه ما فيه بما لا مزيد عليه.

الدّليل الثالث المشترک بينهم: السيرة

الثالث: السيرة المستمرّة من زمان النبّىّ صلّي الله عليه و آله و سلّم و كذا الخُلفاء بعده علی النَّصب لإمام الجمعة كما أنّهم ينصبون القضاة للقضاوة بين النّاس، و من الظاهر أنّ فعل النبّىّ صلّی الله عليه و آله و سلّم حجّة و نصبه لإقامة الجمعة دليل علی الشرطيّة فلولاه لما كان وجه للنصب، و قد نقل عن المحقّق من أنّه احتجّ بفعل النبّىّ صلّی الله عليه و آله و سلّم فإنّه كان يعيّن لإمامة الجمعة و كذا الخلفاء بَعده كما يعيّن للقضاء، فكما لا يصحّ أن ينصب الإنسان نَفسه قاضياً من دون إذْن الإمام فكذا إمام الجمعة.

قال: و ليس هذا قياساً بل استدلال بالعمل بالسّيرة فى الأعصار، فمخالفته خرق للإجماع. انتهی.

و أمّا عمل الخُلفاء الجائرين بعده و إن لم يكن حجّة علينا إلاّ أنّهم كانوا يدّعون الخَلافة النبويّة و كانوا يقتفون النّبىّ صلّی الله عليه و آله و سلّم فى أعماله و سيرته و كلّما كانوا ينحرفون عن طريقة النّبىّ صلّی الله عليه و آله و سلّم و يبتدعون فى الاُمور كان مضبوطاً فى التأريخ، و كانت الشيعة ‌يشنِّعون علی العامّة لأجل انحرافهم عن سيرة النبىّ صلی الله عليه و آله و سلّم، و من المعلوم أنّ أحداً من علماء الشيعة لم يعدّ نصبهم لإمامة الجمعة من بدعهم و هذا دليل علی أن النّصب لإمامة الجمعة كان لازماً حتماً علی رئيس الملّة و لا تصحّ الجمعة بدونها

و قال فى «الجواهر»:

و منها، أى من الأدلّة: السّيرة الّتى أشار إليها أساطينُ المذهب ... إلی أن قال: و يشهد لها أيضاً ما فى أيدى المخالفين الآن الّذى لم يعدّه أحد أنّه من بدعهم و مُخترعاتهم مع أنّهم حصروا مبتدعاتهم فى الفروع و الاُصول و لم يتركوا لهم شیئاً إلاّ ذكروه حتّی الأذان الثّانى لعثمان فى الجمعة، و أنّه كانت تُصلّي فى ذلك الوقت مع غير النائب فى رأس كلّ فرسخ لشاع و ذاع و صار معلوماً عند الأطفال فضلاً عن العلماء الماهرين، إلی آخر كلامه[10].

و فيه: أنّ هذه السيرة المستمرّة علی النَّصب و إن كانت مسلَّمة إلاّ أنّه لا دلالة لها علی الاشتراط، لأنّ العامّ لا يدلّ علی الخاصّ، بل النّبىّ صلّی الله عليه وآله و سلّم حيث كان أعرف بمن يليق بتصدّى اُمور الناس فى إقامة الجمعة و غيرها فكان ينصّب رجلاً لائقاً لذلك.

و لذلك تری أنّه صلّی الله عليه و آله و سلّم كان ينصّب أئمّة الجماعة لصلاة الخَمس و للأذان و لسقاية الحجّ و لإمارة الحجيج و قبض مفاتيح الكعبة و ترتيب الجيش و سائر الاُمور، مع أنّ واحداً من هذه الاُمور غير مشروط بوجود المنصوب، بل لأجل أنّ الانتظام الصّحيح و وقوع هذه الاُمور علی وجه أحسن منوطٌ بنظره صلّی الله عليه و آله و سلّم خصوصاً مع كون الإسلام ديناً مدنيّاً حافظاً للنّظام فى جميع الاُمور المَعَاديّة و المعاشيّة، و بالتأمّل يُعرَف أنّ مداخلة رئيس كلِّ قومٍ فى بعض اُمورهم ليس لأجل اشتراط إيجاد هذه الاُمور بوجوده بل لأجل أنّه أعرف بالصّلاح و الفَساد و إيجاد الاُمور علی وجه أحسن، و لذلك تری أنّ أهل القبيلة يراجعون إلی زعمائهم فى طرق مكاسبهم و معالجة مرضاهم و دَفن جنائزهم و الدفاع عن خصمائهم مع أنّه لاريب أنّه إذا فقدت زعماءهم لا يُهملون هذه الاُمور بل يتصدّونها بأنفسهم علی ما أدّت إليه آراؤهم.

و بعبارة اُخری أنّ من الاُمور اُموراً ممّا لابدّ من إيقاعها غاية الأمر يكون إيجادها بنظر شخصٍ خاصٍّ أكمل و أحسن فإذا كان هذا الشخص موجوداً فالعقل يحكم بوجوب الرُّجوع إليه، كما أنّه إذا كان لهذا الشخص سلطنة و اقتدار يجب عليه المداخلة و النظر فى إجراء هذه الاُمور، و إذا لم يكن موجوداً أو كان مسلوبَ السلطنة لم يكن لرَفع اليد عن أصل إيجادها موقع[11].

إن قلت: هذا مسلّمٌ إذا علمنا لزوم إيقاع هذه الاُمور، و أمّا إذا شككنا و احتملنا أنّ إيجادها مشروط بنَظر شخص خاصّ فعند فقدانه من أين نحكم بلزوم إيقاعها حتماً؟ و الظّاهر أنّ كلّما كان من الاُمور المُخترعة الّتى لم يكن لعامّة الناس إليها سبيل يكون من هذا القبيل.

لانّا نري مثلاً أنّ الطبیب الکیمیاوى الذى يرکِّب الأدويّة لو مات لا يصحّ لتلامذته تركيب الأدوية و إرسالها إلی الأسواق مع شكّهم فى كون نظر الطبیب دخيلاً فى صحّة التركيب، و الاُمور المخترعة من هذا القبيل فمن الممكن أنّ المصلحة القائمة بصلاة الجمعة قائمة بحضور شخصِ المعصوم أو المنصوب من قِبَلِه، هذا فى مقام الثبوت. و أمّا فى مقام الإثبات فنقول: إنّ نفس عمل الرئيس بما هو رئيس فى تعيين وظائف المرؤوسين ظاهرةٌ فى قيام هذه الوظيفة المجعولة بوجود الرئيس و نظره، و لذا لو لم ترد أخبار مستفيضة علی جواز ائتمام كلِّ عادلٍ جامعٍ للشرائط للصلوات الخمس لقلنا بالاشتراط فيها أيضاً بوجود المنصوب و كذا الأمر فى الأذان و غيره من الاُمور.

قلت: هذا كلام متين و لولا روايات صريحة صحيحة بوجوب صلاة الجمعة يقيناً فى كلّ زمان بنحو العموم و الإطلاق لما حكمنا بوجوبها، لكنّا ندّعى أنّ الكتاب و السنّة المتواترة دلّت علی وجوبها علی الإطلاق و هى كافية فى رفع الاشتراط المتوّهم من نَصب النّبىّ صلّی الله عليه و آله و سلّم كما كان الأمر كذلك فى سائر الجماعات.[12]

و أمّا ما أورده فى «الجواهر» من أنّ عدم تشنيع الشيعة علی العامّة دليل علي أنّ النّصب ليس من مخترعاتهم فهو من الغرائب.

أمّا أوّلاً: لأنّا لا ندّعى أنّ النَّصب لم يكن فى زمان النّبىّ بل ندّعى أنّ الأخبار دلّت علی عدم الاشتراط.

و أمّا ثانياً: فلأنّ تشنيع الشيعة عليهم إنّما يصحّ لو لم تكن المسألة خلافيّة بين الخاصّة أيضاً، و أمّا إذا كان كذلك فكيف يشنِّعون عليهم مع أنّ جماعةً منهم بل أكثرهم قائلون بذلك؟ و بتعبير آخر: إن كان التشنيع من القائلين بالاشتراط فهذا غير معقول لأنّه مساوق لتشنيع أنفسهم، و إن كان من القائلين بالعدم فهو مساوق لتشنيع أصحابهم و إخوانهم فى المذهب!

الدّليل الرابع المشترک بينهم: الروايات

الرابع: الروايات، و هى علی طوائف:

الطائفة الاُولی: الأخبار الّتى تدلّ علی أنّ الجمعة واجبة لمن كان منها علی دون فرسخين و ساقطة عمّن بَعُدَ عنها بفرسخين.

منها صحيحة محمّد بن مسلم قال:

سألتُ أبا عبدالله عليه السّلام عن الجمعة، فقال: تجب علی مَن كان منها علی فرسخين، فإن زاد علی ذلك فليس عليه شىء[13].

و منها خبر فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام:

إنّما وجبت الجمعة علی مَن يكون علی رأس فرسخين لا أكثر[14].

و منها صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام:

الجمعة واجبة علی مَن إن صلّی الغداة فى أهله أدرك الجمعة[15]، الحديث.

تقريب الاستدلال بها من وجهَين:

الأوّل: أنّ صريح هذه الأخبار هو وجوب الجمعة لمن كان منها علی ما دون فرسخين فلو جاز عقدها بلا إذْن لم يتعيّن علی مَن بَعُدَ عنها بفرسخين السعى إليها، بل كان لمن بَعُدَ عنها بثلاثة أميال إن يعقدها فى مكانه مع جماعة من أهله من غير أن يتحمّل هذه المشقّة الشديدة.

و فيه: أنّ مقتضي إطلاق هذه الروايات و إن كان ذلك إلاّ أنّ مقتضي الجمع بينها و بين روايات دلّت علی جواز انعقاد الجمعة علی رأس ثلاثة أميال هو حملها علی ما إذا لم ينعقد هناك جمعة اُخری.

الوجه الثّانى: أنّ هذه الرّوايات صريحةٌ فى سقوطها عمّن بَعُدَ عنها بفرسخين، فلو كان وجوبها غير مشروط بإمام خاصّ لوجب علی البعيدين الاجتماع و الانعقاد للجمعة فى أماكنهم و لا يصحّ تنزيل هذه الأخبار علی السقوط فيما إذا لم يوجد فى تلك الأماكن و ما حولها إلی فرسخ أو فرسخين عدّة أشخاص تنعقد بهم الجمعة كخمسة نفر، لأنّه فرضٌ بعيد لا يصحّ تنزيل إطلاق الأخبار عليه.

و فيه: أنّ المراد من بُعد الفرسخين ليس بالنسبة إلی الجمعة المنعقدة فعلاً لوضوح أنّه بعد انعقادها لا مجال للسعى إليها، بل المراد منه إمّا البعد بالنسبة إلی المكان الذى يمكن أن تنعقد الجمعة فيها. و إمّا البعد بالنسبة إلی المكان الذى لو بني علی انعقاد الجمعة لانعقدت فى ذلك المكان. و علی التقديرين لا دلالة لهذه الروايات علی سقوط الجمعة عمّن بَعُدَ بفَرسخين عن محلّ انعقاد الجمعة فعلاً، لأنّه علی الأوّل إذا انعقدت الجمعة مثلاً فى نقطة لأمكن انعقادها بفاصلة ثلاثة أميال و ما زاد فلابدّ من ملاحظة نسبة بُعد الفرسخين إلی هذا المكان الممكن انعقادها فيه. فحينئذٍ نقول: إذا انعقدت جمعة فى مكان من المدينة مثلاً فمن بَعُدَ عنه بفرسخين إذا اجتمع شرائط الجمعة بالنسبة إليهم من العدد و الخطيب فيمكن انعقاد الجمعة فى هذا الموضع فلا يصدق بالنسبة إليهم البُعد إلی الجمعة الممكن انعقادها، نعم لو لم يجتمع شرائط الجمعة عندهم لصدق بالنسبة إليهم ذلك.

و بعبارة اُخری: أنّ الروايات دلّت علی سقوط الجمعة عمّن بَعُد عن طبيعىّ الجمعة الممكن إيقاعها فى أىّ موضع لا عن جمعة خاصّة إلاّ أنّه يرد علی هذا التقريب أنّه قَبْل انعقاد الجمعة فى الجامع المعدّ لإقامة الجمعة فى المدينة مثلاً لأمكن انعقاد الجمعة فى كلّ موضع موضع من المدينة لأنّ وصف الإمكان يرتفع بمجرّد الانعقاد.

و أمّا قَبْله و إن بني علی الانعقاد لكان إمكان انعقادها فى محلّ آخر علی حاله، فإذا فرضنا أن تكون سعة المدينة مثلاً فرسخين[16] مربّعاً و بني علی انعقاد الجمعة فى وسطها فلازم هذا التقريب وجوب الجمعة لمن كان بُعده عن هذه الجمعة الّتى بني علی انعقادها ثلاثة فراسخ، لأنّ المفروض إمكان إقامة الجمعة عند جانب المدينة بفرسخ فمن كان يَصدُق عليه أنّه بَعُدَ عن هذه الجمعة الممكن إيقاعها فى هذا المكان بفرسخين صدق أنّه بَعُدَ عن الجمعة التى بني علی انعقادها فى وسط المدينة بثلاثة فراسخ، مع أنّ من الضّرورىّ عدم وجوب السعى إلاّ لمن كان دون فرسخين لا مَن كان دون ثلاثة فراسخ.

فالأولی التقريب الثّانى كما هو الأظهر و هو سقوط الجمعة عمّن بَعُدَ عن مكان لو بني علی انعقاد الجمعة لعقدوها فى ذلك المكان حتماً، فعلي هذا مَن كان بعيداً عن مكان يكون البناء علی انعقاد الجمعة فيه بفرسخين لو بنی علی إقامة الجمعة عند اجتماع الشرائط فقد کان اقامته للجمعة فى محلّه، فلا يَصدُق عليه أنّه بَعُدَ عنها بفرسخين، فينحصر مورد صِدْق البُعد بفرسخين بمن لم يجتمع عنده من الشرائط التى يكون منها العدد.

إلاّ أنّه يرد علی هذا التقريب أيضاً أنّه لو بنی أهل المدينة علی إقامة الجمعة خارجها بفرسخين أو بني مَن بَعُدَ عن المدينة بفرسخين أن يسعی إليها و صلّی مع جماعة يصلّون فى المدينة لكان لازم هذا التقريب عدم وجوب الصلاة بالنسبة إليهم للفرض بأنّ وجوبه إنّما هو علی مَن كان دون فرسخين بالنسبة إلی المكان الذى لو بني علی انعقاد الجمعة لانعقدت فى ذلك المكان، مع أنّا فرضنا أنّ هؤلاء یأتون علی عقد الجمعة علی بُعد فرسخين.

و يمكن أن يردّ هذا الإيراد بأنّه علی تقدير هذا البناء يجب علی من يبقی فى المدينة إقامة صلاة اُخری فى بُعد فرسخين عن الجمعة المنعقدة خارج المدينة، هذا و علی تقدير أن يكون المراد من البُعد بفرسخين هو البعد عن المكان الذّى بني علی انعقاد الجمعة فيه فعلاً حتّی تدلّ هذه الروايات بإطلاقها علی سقوط الجمعة بالنسبة إلی النّائين بهذا المقدار كمل عددهم و وجد فيهم الخطيب أم لا، فإنّا نقول حینئذٍ: تقع المعارضة بين هذه الروايات و بین الروايات التى دلّت علی أنّ القوم تجب عليهم الجمعة إذا كانوا سبعة نفر مطلقاً سواء كانوا فيما دون فرسخين أم خارجهما[17] فتتساقطان فى مورد المعارضة، فيرجع إلی عموم الرّوايات التى دلّت علی وجوب الجمعه لكلّ مسلم و لم يقيّد فيها قيد الفرسخين، كصحيحة زرارة المتقدّمة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام، الحديث.[18]

و بالجملة أنّه لو لم تقع المعارضة و الرجوع إلی عدم الفرق لكان للاستدلال بهذه الروايات علی المنصبيّة وجهٌ خفيٌ، لكنّ الفقيه لابدّ من أن ينظر إلی جميع الروايات و يأخذ النتيجة الحاصلة منها، لا أن يأخذ واحدة منها و يستدلّ بها علی مراده و يترك البواقىّ، نعم علی هذا التّقريب تدلّ هذه الرّوايات علی وجوب السعى إلی الجمعة الّتى بني علی انعقادها، و لا تدلّ علی وجوب أصل انعقاد الجمعة.

و بعبارة اُخری أنّ المستفاد من هذه الرّوايات حینئذٍ وجوب الجمعة اجتماعاً بعد العقد لا عقداً، فلا يناسب جعلها من الروايات المطلقة بالنسبة إلی العقد و الاجتماع، و كذا الرّوايات المتقدّمة المطلقة الّتى يستثنی فيها مَن كان علی رأس فرسخين، لأنّ مفاد هذه متّحد مع تلك و هى مع الرّوايات المتكفّلة لحكم البعيدين عن الفرسخين، و أمّا الروايات التى استثنی فيها خمس طوائف من وجوب الجمعة فحيث لم يستثن فيها مَن كان علی رأس فرسخين كانت مطلقةً بالنسبة إلی عقد الاجتماع كما لا يخفی.

و ممّا ذكرنا قد عرفتَ أنّه يمكن توهّم الاستدلال بهذه الروايات علی عدم الوجوب التّعيينى فى زمان الغيبة المشترك بين الحرمة و الاستحباب كما عرفت جوابه، و قد أشرنا إلی انفراد كلّ من القائلين بالحرمة و الاستحباب فى الاستدلال بروايات مدّعين أنّها ظاهرة فى ما ذهبوا إليه.

أمّا القائلون بالحرمة فقد استدلّوا بطوائف من الروايات.

استدلال القائلین بالحرمة بطوائف من الرّوایات

الطائفة الاُولی من الرّوايات و الجواب عنها

الطائفة الاُولی: الرّوايات الدالّة علی عدم انعقاد الجمعة أو عدم وجوبها إلاّ عند وجود من يخطب.

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام:

«قال: سألته عن اُناس فى قريةٍ هل يصلّون الجمعة جماعة؟ قال: نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يَخطب[19]».

و منها: صحيحة الفضل بن عبدالملك قال:

سمعت أبا عبدالله عليه السّلام يقول: «إذا كان قوم فى قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يَخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، و إنّما جُعلتْ ركعتين لمكان الخطبتين[20]».

و منها: موثّقة سماعة قال:

«سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا مع من صلّی وحده فهى أربع ركعات بمنزلة الظّهر[21]».

يعنى إذا كان إمام يخطب، فإن لم يكن إمام يخطب فهى أربع ركعات و إن صلّوا جماعة بدعوی أنّ الظاهر ممّن يخطب فى هذه الروايات هو الإمام أو المنصوب من قِبَلِه لا كلّ من يقدر علی مجرّد الخطبة، و ذلك لأنّ العادة تقضى علی أنّ كلّ من يقدر علی فعل الصلاة يتمكّن من الإتیان بأدنی ما يجزى من الخطبتين، فلو كان وجوبها عيناً لكانت معرفة الخطبة الّتى هى ميسورةٌ لكلّ أحدٍ و كذا الإقامة بها واجباً كفائيّاً علی الكلّ، فلا يصحّ تعليق وجوبها علی وجود من يخطب بهم فإنّه حینئذٍ بمنزلة ما لو قال: يجب الصلاة علی الميّت إن كان فيهم من يصلّي عليه.

و فيه: أنّه لا دليل و لا قرينة علی أن يكون المراد ممّن يخطب هو الإمام أو المنصوب من قِبَلِه، بل الظاهر منه هو كلّ من یقتدر علی التكلّم و الخطابة و الوعظ و النّصيحة. و بعبارة اُخری كلّ ناطق متكلّم متبحّر مطّلع علی الحوادث الواقعة خبير بالوقايع المتجدّدة التى ينبغى أن يخبرها العموم، كى يطّلعوا عليها لجلب ما يمكن أن يعود إليهم من المصلحة و دفع ما يمكن أن يتوجّه إليهم من الضرر، مضافاً إلی كونه متّصفاً بصفات إمام الجماعة من كونه عدلاً مرضيّاً، لا كلّ من يقدر علی أقلّ ما يجزى من الخطبتين، و هذا النحو من الرجال موجود فى كلّ زمان من الفقهاء و من دونهم من العلماء و الأتقياء و الصلحاء، و معلوم أنّا لا ندّعى وجوب صلاة الجمعة تعيّنیّاً علی الإطلاق حتّی بالنسبة إلی وجود الخَطيب كى يكون التمكّن من الخُطبة واجباً كفائيّاً من مقدّمات الواجب، بل ندّعى كون الخطيب من مقدّمات الوجوب ضَرورة تقييد الوجوب فى الأخبار بالعدد و وجود من يخطب، لكنّ الخطيب ليس منحصراً بالإمام أو المنصوب من قِبَلِه و إن كان منطبقاً عليهما فى زمان الحضورِ لتعيّن الإمامة بهما من باب الاُولويّة، و ليس المراد منه كلّ من يقدر علی أقلّ ما يجزى من الخطبتين حتّی يكون التقييد لغواً هذا.

و ربّما قيل: إنّه علی فرض الشكّ فى كون من يخطب هو المنصوب أو كلّ من يقتدر علی الخطابة، يكون القدر المتیقّن هو المنصوب للشكّ فى الوجوب مع غيره، و لكنّه توهّم فاسد؛ ضرورة أنّ الإطلاقات تدلّ علی الوجوب لكلّ أحد و لابدّ من تقييدها بمقدار يفى دليل المقيّد علی التقييد، فإذا كان دليل المقيّد مجملاً مردّداً أمره بين الأقلّ و الأكثر، فالقدر المتیقّن من التقييد هو المقدار الأقلّ، و حینئذٍ نقول: إنّ الإطلاقات دالّة علی وجوبها لكلّ أحدٍ، و إنّما دلّ دليلُ مَن يخطب علی سقوطه عن جماعةٍ لم يكن عندهم من يَخطب بهم، فالقدر المتیقّن من التّقييد هو ما إذا لم يكن عندهم من يقتدر علی الخطبة، و أمّا مع فرض وجوده و عدم وجود المنصوب فالإطلاقات جاريةٌ بلا إشكال.

الطائفة الثّانیة من الرّوايات و الجواب عنها

الطائفة الثانية: الرّوايات الدّالّة علی أنّ الجمعة لابدّ و أن يكون مع الإمام:

منها: ما فى «العيون» و «العلل» عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام:

«قال: فإن قال قائل: فَلِمَ صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الإمام ركعتين و إذا كانت بغیر إمام ركعتين و ركعتين؟ قيل: لعلل شتّی، منها. أنّ الناس يتخطّون إلی الجمعة من بُعدٍ فأحبّ الله عزّ و جلّ أن يخفّف عنهم لموضع التعب الذى صاروا إليه. و منها: أنّ الإمام يحبسهم للخطبة و هم منتظرون للصلاة، و من انتظر الصلاة فهو فى الصلاة فى حكم التمام. و منها: أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل، لعلمه و فقهه و عدله و فضله. و منها: أنّ الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان و لم تقصر لمكان الخطبتين. فان قال: فَلِمَ جعل الخطبة؟ قيل: لأنّ الجمعة مشهد عامّ فأراد أن يكون للأمير سببٌ إلی موعظتهم و ترغيبهم فى الطّاعة و ترهيبهم من المعصية و توفيقهم علی ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق [الأهوال] الّتى لهم فيها المضرّة و المنفعة و لا يكون الصائر فى الصلاة بل منفصلاً و ليس بفاعل غيره ممَّن يؤمّ الناس فى غير يوم الجمعة. فإن قال: فَلِمَ جعل الخطبتين؟ قيل لأن يكون واحداً للثناء علی الله و التمجيد و التقديس لله عزّ و جلّ و الاُخری للحوائج و الإعذار و الإنذار و الدّعاء و ما يريد أن يُعلمهم من أمره و نهيه و ما فيه الصّلاح و الفَساد[22]. انتهی.

بدعوی أنّ المراد من الإمام فيها هو إمام الأصل، و هو المعصوم أو المنصوب من قِبَلِه، فالرواية صريحة فى سقوط الجمعة إذا لم يكن فيهم الإمام.

و فيه: مضافاً إلی عدم صحّة سندها، لا شاهد فيها علی أنّ المراد من الإمام فيها هو إمام الأصل، بل المراد منه هو الإمام اللُّغوى، و هو مَن يقتدى الناس به فى صلواتهم، غاية الأمر ـ كما ذكرنا ـ لابدّ و أن يكون مضافاً إلی كونه بصفات إمام الجماعة من كونه عادلاً أن يكون خطيباً، و قد ذكرنا أنّ من يخطب ليس هو مجرّد من يقدر علی الخطبة، بل من كان له مَلَكةُ الخطابة و النّصيحة و الإخبار. و الإمام فى هذه الرّواية أيضاً كذلك كما يدلّ عليه قوله: «إنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل لعلمه و فقهه و عدله و فضله» نعم ربّما قيل: بأنّ قوله «و لا يكون الصائر فى الصلاة بل منفصلاً و ليس بفاعل غيره ممّن يؤم النّاس فى غير يوم الجمعة» صريحة فى عدم انعقاد الجمعة بإمام يصلّى بالناس فى غير يوم الجمعة.

لكنّه مدفوع، أولاً: أنّ هذه الفقرة عن صلاة الظهر، كما ذكر فى «الوسائل» ليست مذكورة فى «العيون» و ثانياً: قد ذكرنا أنّ المراد بالإمام ليس هو مجرّد من له مَلَكة العدالة مع كونه قادراً علی أقلّ ما يجزى من الخطبتين، بل من يكون العارف بالوعظ و الخطابة، العالِم بالمصالح و الحوادث الواقعة ممّا يكون لها ربط بالعموم[23].

هذا و علی فرض تسلیم ظهورها فى إمام الأصل لابدّ إمّا من تأويلها بمطلق من يَخطب، أو حملها علی صورة وجود الإمام و سلطنته، جمعاً بینها و بين الإطلاقات المتقدّمة الآبية عن التّقييد.

و منها: موثّقة سماعة المتقدّمة.

و منها: موثّقته الاُخری:

«قال: سألتُ أبا عبدالله عليه السّلام عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا لمن صلّی وحده فهى أربع ركعات و إن صلّوا جماعة[24]».

و جوابهما يظهر ممّا مرّ.

الطائفة الثّالثة من الرّوايات و الجواب عنها

الطائفة الثالثة: الروايات الدالّة علی أنّ الجمعة من مناصب الإمام:

منها: مرسلة ابن عصفور عنهم عليهم السّلام:

«إنّ الجمعة لنا، و الجماعة لشيعتنا[25]».

و منها: ما اُرسل عنهم أيضاً:

«لنا الخمس و لنا الأنفال و لنا الجمعة و لنا صفو المال[26]».

و منها: ما فى النّبوىّ:

«إنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين[27]».

و منها: ما فى النّبوىّ الآخر:

«أربع إلی الولاة الفىء و الحدود و الجمعة و الصدقات[28]».

و هذه الروايات و إن كانت ظاهرة فى الاختصاص لكن لا يمكن الأخذ بظهورها، أولاً: لمكان ضعف سندها و إرسالها. و ثانياً: إنّ الاختصاص المستفاد منها إنّما هو لمكان أولويّة الإمام من غيره بهذا المَنصب عند وجوده لا اختصاصه به مطلقاً حتّی لا يصحّ الانعقاد مع فرض غيبته أو عدم سلطنته أيضاً، و كم فرق بين المقامين؟! و قد ذكرنا سابقاً أنّ الإمام مقدّم فى جميع الاُمور الدّینيّة و الدّنيويّة و لا يصحّ لأحدٍ أن يتقدّم عليه إذا أراد عليه السّلام إقامتها من صلاة أو جهادٍ أو أخذ خراجٍ أو زكاةٍ و هكذا، هذا و علی فرض استفادة الاختصاص منها علی الإطلاق لابدّ من حملها علی زمان الحضور جمعاً بينها و بين الإطلاقات و العمومات الصّريحة فى وجوبها لكلّ أحدٍ إلی يوم القيامة.

و منها: ما عن «دعائم الإسلام» عن علىّ عليه السّلام أنّه قال:

«لا يصلح الحُكم و لا الحدود و لا الجمعة إلاّ للإمام أو من يقيمه الإمام[29]».

و يظهر جوابه ممّا مرّ مضافاً إلی إمكان ادّعاء أنّ ظهورها فى الإمام اللّغوى أقوي بقرينة الرّواية الاُخری أيضاً و هى ما فى «مستدرك الوسائل» عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال:

«لا جمعة إلاّ مع إمام عدل تقىّ»، و عن علىّ عليه السّلام أنّه قال: «لا يصحّ الحُكم و لا الحدود و لا الجمعة إلاّ بإمام عدل[30]».

لأنّ الظّاهر فيها أنّ قوله علیه السّلام «عدل» صفة للإمام لا أنّه ممّا يضاف إليه الإمام، و من المعلوم أنّ الإمام العدل بالتوصيف يكون فى مقابل إمام الفسق بخلاف الإضافة لأنّه فى قبال أئمّة‌ الجور، فإذا ذُكِرَ الإمام العدل بالإضافة یراد منه المعصوم، و إذا ذُكِرَ بالتّوصيف يراد منه الإمام العادل غير الفاسق مطلقاً.[31]

و الظاهر أنّ الإمام العدل فى هذه الرّواية يكون بنحو التوصيف لا الإضافة خصوصاً بإيراد لفظ «التقّى» بعد «العدل» فإنّه صفة بعد صفة كما لا يخفي.

نعم، فى روايته الثالثة و هى ما فى «المستدرك» أيضاً عن «الدَّعائم» عن أبى جعفر محمّد بن علىّ عليهما السّلام أنّه قال:

«تجب الجمعة علی مَن كان منها علی فرسخين إذا كان الإمام عدلاً[32]».

يحتمل الأمران، و لكن لابدّ من حملها علی إمام العدل فى قبال إمام الفسق بقرينة الرّواية السابقة، هذا كلّه مضافاً إلی لزوم حملها جميعاً علی صورة حضور الإمام و سلطنته علی فرض تسليم ظهورها فى الإمام الأصل، و معلوم أنّه مع حضوره لا يصحّ الجمعة إلاّ به أو بإذنه كما عرفت وجهه.

إنّ صاحب الدعائم من أجلاّء الإماميّة

هذا كلّه مُضافاً إلی إرسال ما فى «الدعائم» فلا يمكن أن يعتمد عليه جزماً، لأنّ الرّوايات المرسلة غير حجّة و إن كان صاحب «الدعائم» من أجلاّء الإماميّة الاثنى عشريّة علی ما هو التّحقيق. و إن شئت مزيد توضيح لذلك فراجع «المستدرك»[33] فإنّه ذكر أنّ نعمان بن أبى عبدالله محمّد بن منصور صاحب «الدعائم» كان قاضياً بمصر فى أيّام الدَّولة الإسماعيليّة و كان مالكيّاً ثمّ اهتدي فصار إماميّاً. و استدلّ العلاّمة النّورى بوجوه خمسة علی أنّه كان اثنى عشريّاً[34]، و نصّ غير واحدٍ علی أنّ عدم ذكره للأئمّة بعد الصّادق عليه السّلام و عدم روايته عنهم إلاّ نادراً إنّما هو لعدم قدرته للإظهار لمكان التقيّة من الخلفاء الإسماعيليّة.

و قد سمعتُ من العلاّمة الشيخ آقا بزرگ الطهرانى أنّه قال: و الّذى یختلج بالبال احتمال أن يكون مراد القاضى من محمّد بن علىّ فى رواياته هو محمّد بن علىّ التاسع من الأئمّة لكن لم يصرّح به لمكان التّقية، و لكن مع ذلك كلّه لم يظهر لى وجهٌ لحجّيّة أخبارها لمكان إرسالها و إن نصّ القاضى نعمان علی أنّها أصّحاء كلّها لكنّك خبير بأنّ الصحّة عنده لا يمكن الاعتماد عليه فى كونه صحيحاً عندنا أيضاً، فإذَن لا يمكن المعاملة معهما إلاّ المعاملة مع المراسيل.

و منها: ما فى «المستدرك» عن «الأشعثيّات» مسنداً عن الحسين عن أبيه عليهما السّلام قال:

«لا يصحّ الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلاّ بامام[35]».

لكنّك خبير بأنّ عدم دلالتها علی الإمام الأصل غير خفىّ.

و منها: ما فى «المستدرك» أيضاً عن «الأشعثيّات» مسنداً عن الحسين عن أبيه عليهما السّلام قال:

«قال: العشيرة إذا كان عليهم أمير يقيم الحدود عليهم فقد وجب عليهما [عليهم] الجمعة و التشريق[36]».

و لابدّ من حملها علی الإمام اللغوىّ كما عرفتَ أو حملها علی زمان الحضور، كما لابدّ من حمل الرّواية الثالثة عن «الأشعثيّات» أيضاً علی ما فى «المستدرك» علی هذا المعني، و هى ما فى «الأشعثيّات» مسنداً عن الحسين عليه السّلام:

«إنّ عليّاً عليه السّلام سُئل عن الإمام يهرب و لا يخلف أحداً يصلّى بالناس، كيف يصلّون الجمعة؟ قال يصلّون أربع ركعات[37]».

و يمكن حملها أيضاً علی ما إذا لم يكن فى الباقين من يخطب بهم. 

پاورقي


[1]ـ و فيه نظرٌ، لأنّ عدم جواز التّمسّك بالعامّ فى الشّبهة المصداقيّة هو فى ظرف عدم تيقّن شمول العامّ بعنوانه الكلّى للفرد المشكوك، و أمّا فى صورة ‌تماميّة العامّ بعنوانه لكلّ فرد فرد من مصاديقه، و جاءت الشّبهة من قِبَل المخصّص باعتبار هل هو قابل لتخصيص الأفراد و إخراجها ` ` عن تحت هذا الشمول أو لا، فعندئذٍ لا شبهة فى جواز التّمسّك بالعامّ للفرد المشكوك شموله تحت عنوان المخصَّص، فلا تغفل. (منه عُفى عن جرائمه)

[2]ـ سورة البقرة (2) صدر الآية 238.

[3]ـ بحار الأنوار، ج 86، ص 194؛ وسائل الشّيعة، ج 3، ص 6.

[4]ـ و الظاهر أنّ سورة‌ الجمعة مدنيّةٌ، فعلي هذا التّمسّك باستصحاب صلاة الظهر أربع ركعات بمكان من الإمكان. (منه عُفى عن جرائمه)

[5]ـ تهذيب الأحكام، ج 3 ص 22؛ بحار الأنوار ج 86، ص 168 مع اختلاف قليل.

[6]ـ بل غير خفىّ أنّ صلاة الظهر فى أوائل أزمنة الرسالة كانت أربع ركعات و هذه الرّواية تدلّ علي تشريع الصلاة يوم الجمعة و لا علاقة لها بالنسبة إلي التّقدّم و التّأخّر فى التكليف، فلهذا فللخصم مجال للنّقاش من هذا الإعتبار. (منه عُفى عن جرائمه)

[7]ـ لا شكّ أنّ هذا هو الحاكم فى المقام و لا شىء يقدر أن يقابله و هو المتّبع. (منه عُفى عن جرائمه)

[8]ـ بل هو موضع منع و نظر، لأنّ المقام أجنبىّ عمّا ذكره قدّس سرّه من عدم جريان الاستصحاب بتخلّل فترة من الزّمان، و بيانه:

لا شكّ فى جريان الاستصحاب من لحاظ أمرين: اليقين السّابق و الشّكّ اللاحق، فأوّل شىء لازم علي المستصحِب معرفة المستصحَب و كيفيّة الموضوع أو الحكم حتّي يقدر علي استصحابهما عند الشّكّ فى زوالهما، و لا شكّ أنّ الأحكام الشّرعيّة محمولةٌ علي موضوعاتها بشرائطها و مقارناتها بحيث تشكّل موضوعاً عامّاً يصحّ حمل الحكم عليه بهذا العنوان العامّ، و إذا فرض وجود شرائط اُخري يختلف الحكم عليه علي طبقها، فعلي هذا فالحكم المتعلّّق لهذا الموضوع باقٍ و مستمرٌ مادام الموضوع بنفس العنوان باقياً و مستمرّاً إلي يوم القيامة، فبتغيير الموضوع لجهة من الجهات يتغيّر الحكم و عند زوال التّغيّر يرجع الموضوع إلي عنوانه الأوّلى و يترتّب عليه الحكم الأصلى، و لا يمكن استصحاب الحكم الطّارئ، مثلاً لو قال المولي: أكرم زيداً العالِم و لاتكرم الجاهر بالفسق، فعندما يکون زيد جاهراً به فاللازم حرمة الإكرام بهذه الإعتبار، و لو تغیّر زید بعد مدّة عشر سنوات و ترك الفسق و خرج عن هذا العنوان فاللازم علينا عند الشّكّ فى بقاء الوجوب السابق أو تركه بواسطة ‌هذه الفترة‌، استصحاب الوجوب لبقاء عنوان العالِم و إن حال بينه و بين الآن عشر سنوات، فعلي هذا لو ادّعي الخصم اشتراط الوجوب بحضور الإمام عليه السّلام و إطلاق صلاة الظهر بأربع ركعات فى ابتداء ‌البعثة فلا مناص من استصحاب وجوب صلاة الظهر و إن حال بينه و بين زوال العنوان الطّارئ عشر سنوات أو أكثر، لأنّ بقاء الأحكام ليس بواسطة ‌إيجادها فى الخارج بل هى باقية فى عالَم التّشريع ببقاء موضوعاتها إلي يوم القيامة‌. فهى و إن أمكن أن تتغيّر بتغيّر الشرائط و الموضوعات إلاّ أنّها باقية فى وعاء الإنشاء و الملاك فتصبح ‌فعليّة بمجرّد حصول العنوان الأصلى. و فيما نحن فيه الشّكّ فى بقاء ‌الحكم الطّارئ لا يوجب الاستصحاب فى العنوان لزواله قطعاً، و العنوان الأصلي يكون بحاله و لم يزل و لا يزال موجوداً فى وعاء ‌التّشريع و الملاك فالحكم فيما نحن فيه: استصحاب وجوب أربع ركعات بلا شبهة فى المقام. (منه عُفى عن جرائمه)

[9]ـ هذا فى صورة الشّكّ فى الحكم الوجودى، و أمّا لو كان سابقاً متقدّماً علي زمان العنوان الطّارئ فيجرى الاستصحاب بلا شبهة. (منه عُفى عن جرائمه)

[10]ـ جواهر الكلام، ج 11 ص 156.

[11]ـ أقول: إنّ لصلاة الجمعة شرائطَ و خواصّاً لم تكن لغيرها من الأحكام فهى متفرّدةٌ بإحكام اجتماعيّة خاصّة و بهذه الملاحظة لابدّ و أن تكون من خصائص الإمام أو نائبه، فمن الآثار المختصّة بها لزوم عقدها فى مكان واجد جماعة ليس بينها و بين جمعة اُخری أقلَّ من بُعد فرسخٍ و لزوم الإتيان و الذّهاب إليها من بعد فرسخين إذا لم يُعقد فى رأس الفرسخ جمعةٌ اُخری فحينئذٍ يلزم أن يحضرها الجماعة الموجودون فى مساحة أربعة فراسخٍ طولاً و عرضاً، أى فى مساحة ستّة عشر فرسخاً مربّعاً، و إذا حسبنا كلَّ فرسخ علی مقدار خمسة كيلومترات و نصف كيلومتر تصير المسافة علی حدّ أربعمِائة و أربعة و ثمانين كيلومتراً مربّعاً، فهذه الجمعة بهذه الاُبّهة العظيمة الّتى لا يجوز أن يشذّ عنها لا عالم و لا جاهل و لا غنىٌ و لا فقير و لا فقيه و لا عامّىّ و لا حاكم و لا محكوم، لا يمكن أن يعقدها رجلٌ مؤمنٌ عادلٌ عامىّ كان بصفة إمام الجماعة و لا يعقل أن يجب أن يأتّم بهذا الرّجل الفقهاءُ و العلماءُ و أهلُ الخبرة فى الدّين و السياسة، بل لابدّ و أن يقيمها الحاكم المطاع الّذى يقبله أهل البلد و يأتمرون بأوامره و ينتهون ` ` عن نواهيه و لابدّ للحاكم أن يكون مُطاعاً باسطَ اليد يمكن له أن يُذكّرهم بمصالح اُمورهم و ما يجرى عليهم من الحوادث و أن يرغّبهم و يخوّفهم و يعظهم.

و بالجملة هذه الخواصّ تُفرّد الجمعة عن سائر الأحكام و تخصّصها بالحاكم العدل يقيناً، فعلی المسلمين أن يحضروا بهذه الجمعة وجوباً، و لكن لا تصحّ إلاّ بوجود هذا الحاكم المطاع و فى حال عدم قدرة الحاكم عن إجراء الحدود و الأحكام و إقامة الجمعة علی وجهها لم يسقط تكليفهم بهذه العبادة و يكونون عاصين بترك الواجب، فعليهم القيام و النهوض لإيجاد الحكومة الشرعيّة العادلة و تمكين حاكمهم من الخطبة علی وجهها کى يدور الرّحی علی قطبه (منه عُفى عنه).* 19 / ج 1 / 1399

* ـ هذه المواصفات لصلاة الجمعة كلّها صحيحةٌ مضبوطة إلاّ أنّ القيام بهذه الصلاة يختصّ بالمدن و البلاد العظيمة كما بيّناه و أمّا بالنّسبة إلي القُري أو سائر الاجتماعات و لو فى غير القرية مثلا لو سافر سبعة ‌نفرات إلي بلاد الكفر و الشرك فيلزمهم إقامة‌ صلاة الجمعة لو كان لواحدٍ منهم قابليّة الإقامة و الإمامة فلا تحتاج إلي هذه الشروط و المواصفات. (منه عُفى عن جرائمه)

[12]ـ و هذا عجيب منه قدّس سرّه حيث صرّح بإطلاق الرّوايات فى عدم اشتراط النّصب مع أنّه بنفسه دليل علي عدم اشتراط الصّحّة بوجود الإمام عليه السّلام، فكيف يمكن أن يفصل بينهما بعين الدّليل؟! (منه عُفى عن جرائمه)

[13]ـ وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 4 ، ج 5، ص 12، ح 6.

[14]ـ المصدر السابق، ح 4.

[15]ـ المصدر السابق، ص 11، ح 1.

[16]ـ بل أربعة فراسخ. (منه عُفى عنه)

[17]ـ لأنّ النّسبة بين هذه الرّوايات الّتى دلّت علی وجوب خصوص عقد الجمعة بالنسبة إلی من كان فيما دون الفرسخ و الرّوايات الّتى دلّت علی وجوب الجمعة إذا كمل العدد ـ و هو سبعةٌ، أو خمسةٌ ـ عمومٌ من وجه، فتتعارضان فى مورد المعارضة و هو فيما بَعُد عن الفرسخين و فيما لم يكمل العدد، فتأمّل* (منه عُفى عنه).

*ـ وجه التأمّل عدم تحقّق التعارض بينهما لمكان إمكان الجمع العرفىّ ـ و هو تقديم نصّ أحدهما علی ظاهر الآخر ـ و ذلك لأنّ السقوط عمّن بَعُد عن الفرسخين نصٌّ فى الطائفة الاُولی من الرّوايات، و وجوب الجمعة بالنسبة إليهم ظاهرٌ بالإطلاق فى الطائفة الثانية منها، و كذلك السقوط عمّا دون العدد نصٌّ فى الطّائفة الثانية منها، و الوجوب بالنّسبة إليهم ظاهرٌ بالإطلاق فى الطّائفة الاُولی منها. فالنّتيجة الأخذ بكِلا النصَّين ـ و هما العدد و الفرسخين ـ و رفع اليد عن كِلا الظّاهرين ـ و هما عدم لحاظ العدد و الفرسخين ـ فإذَن بهذا الجمع العرفى و تحيكم النّصَّين ` ` يخصّص العمومات المطلقة بلا مجالٍ كما هو الشأن فى جميع العمومات الإطلاقيّة و الأدلّة الخاصّة المقيّدة. (منه عُفى عنه) 20 / ج 1 / 1399.

[18]ـ هذه المحاذير و الملاحظات علي تقدير وجوب إقامة الجمعة بالإمام العادل الفقيه الحاكم، و أمّا علي ما بيّنّاه و استظهرناه من عدم ذلك لا محذورَ أصلاً، لأنّ النّائى عن الأمكنة المعدّة للإقامة تسقط الصلاة عنه بالنسبة إلي هذه الصلاة‌ خصوصاً و لكن لا تسقط مطلقاً بل يجب عليه الإقامة فى قريته أو مسكنه إذا اجتمع الأفراد، و لامعارضة أصلاً فى الروايات كما أوضحناه بما لا مزيد عليه. (منه عُفى عن جرائمه)

[19]ـ وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 3 ، ج 5، ص 10، ح 1.

[20]ـ المصدر السابق، ح 2.

[21]ـ المصدر السابق، ح 8.

[22]ـ مصباح الفقيه، ج 2 ص 438، نقلاً عن العلل، ج 1، ص 265.

[23]ـ الظّاهر أنّ المراد من الإمام فى هذه الرّواية هو السائس المدبّر للاُمور بحيث يكون بيده تدبير اُمور النّاس، فعلی هذا تكون هذه الرّواية من الشواهد علی لزوم الإمام العادل الباسط اليد، لكنّه شرط فى الصّحّة لا فى الوجوب. (منه عُفى عنه).

[24]ـ وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 6 ج 5، ص 16، ح 8.

[25]ـ مصباح الفقيه، ج 2، ص 438، نقلاً عن رسالة الفاضل بن عصفور.

[26] ـ المصدر السابق.

[27] و 2ـ المصدر السابق.

[28] ـ

[29]ـ مصباح الفقيه، ج 2، ص 438، نقلاً عن دعائم الإسلام.

[30]ـ مستدرك الوسائل، ج 6 ص 11، ح 6306/4

[31]ـ الظّاهر عدم الفرق بينهما، لأنّ المضاف إليه كالوصف هيهنا. (منه عُفى عن جرائمه)

[32]ـ مستدرك الوسائل، ج 6 ص 11، ح 6302/1.

[33]ـ خاتمة مستدرك الوسائل، ج 1، ص 129.

[34]ـ قال الیافعى الشافعى المتوفّي 768 فى «مرآة الجنان» فى جملة من توفّي سنه 364، و فيها توفّي صاحب المعزّ العبيدى و قاضيه النعمان بن محمّد المكني بأبى حنيفة كان من أوعية العلم و الفقه و الدين و النقل علی ما لا مزيد عليه. كذا ذكر بعض المورّخين و غير ذلك و ذكر بعض المورّخين أنّه كان فى غاية الفضل من أهل القرآن و العلم بمعانیه و عالماً بوجوه الفقه و علم اختلاف الفقهاء و اللغة و الشعر و المعرفة بأیّام الناس مع عقل و إنصاف و ألّف لأهل البيت من الكتب آلاف الأوراق بأحسن تأليف و أملح سجع، و عمل فى المناقب و المثالب كتاباً حسناً و له ردود علی المخالفين لأبى حنيفة و مالك و الشافعى و ابن شريح و كتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيت و قصيدة فقهيّة، و كان ملازماً صحبة المُعِزّ و وصل معه إلی الدّيار المصريّة أوّل دخوله إليها من إفريقيّة و لمّا مات صلّي عليه المُعِزّ و قال فى «شذرات الذهب» لأبى الفلاح عبد الحى بن العماد الحنبلى المتوفّي سنه 1089: و فيها (أى ممّن توفّى سنة 364) النعمان بن محمّد بن منصور القيروانى القاضى أبو حنيفة الشيعىّ ظاهراً الزّنديق باطناً قاضى قُضاة الدّولة العبيديّة صنّف كتاب ابتداء الدّعوة و كتاباً فى فقه الشّيعة و كتباً كثيرة تدلّ علی انسلاخه من الدّين يبدّل فيها معانى القرآن و يحرّفها، مات بمصر فى رجب و ولى بعده ابنه. انتهي.

أقول: انظر ما فى هذه العبارات التى صدرت منه من شدّة العناد للشيعة كما هو دأبه بالنسبة إلی تراجم جميع رجال الشيعة و كفاك فى ذلك العبارة المذكورة فى «مرآة الجنان» و من العجب كلّ العجب ما ذهب إليه صاحب «روضات الجنّات» من أنّه من أهل التسنّن، فراجع «المستدرك» تجد حقيقة الأمر. (منه عُفى عنه).

[35]ـ مستدرك الوسائل، ج 6، ص 11، ح 6306/4.

[36]ـ المصدر السابق، ص 13، ح 6303/1.

[37]ـ المصدر السابق، ح 6305/3.

      
  
فهرست
10   المقدمة
  سبب منع الأئمّة علیهم السّلام إقامة الصلاة بشکل عامّ.
19   اعتقاد المصنّف قدّس سرّه بلزوم إيجاد الحكومة ‌الإسلاميّة
23   إرسال المصنِّف قدِّس سرّه رسائل إلی کثیر من العلماء و المراجع العظام
25   الکلام فى صلاة الجمعة یقع فى الجهتَین، السیاسیّة و الأخلاقیّة
26   الجهة الثانیة و هى الجهة الأخلاقیّة أهمّ من الاُولی..
28   اختصاص التصدّى لهذا المقام بخلفاء الله و أصفیائه
30   تصنیف المصنّف العلاّمة رضوان الله علیه سِفراً قیّماً فى مسألة ولایة الفقیه.
32   الأمور اللازم علي أئمة الجمعة.
33   المطالب الّتى یجب أن تکون الخطبة مشتملة علیها
36   الاُمور الّتى تجب علی خطباء الجمعة
39   إنّ الأصل فى صلاة الجمعة الوجوب العینى التعیینى..
41   الفصل الأوّل: فى الرّوایات الواردة فى صلاة الجمعة
45   الروایات الواردة فى صلاة الجمعة
57   الفصل الثّانى: أقوال الأصحاب حول مسألة صلاة الجمعة
60   إنّ ترک صلاة الجمعة مساوق لذهاب روح الإسلام و حقیقته
61   اختلاف العلماء فی هذه المسألة إلی أربعة أقوال
63   الفصل الثالث: فى أدلّة القول المختار
65   فى أدلّة القول المختار
67   الدّليل الأوّل من أدلّة القول المختار: الکتاب الشريف..
68   الإشکالات الواردة من جانب القائلين بعدم الوجوب و الجواب عنها
73   اختلاف الأصحاب فى قضيّة القيام بإيجاد الحکومة الإسلاميّة (ت)
76   الإشکالات الواردة من جانب القائلين بعدم الوجوب و الجواب عنها
83   کان رسول الله صلّي الله عليه و آله و سلّم كالمرآة‌ بالنسبة‌ إلي تلؤلؤ أنوار الشّمس (ت)
84   فكلٌّ محلٌّ لتنزيل القرآن و تلقّيه (ت)
85   وجه فساد ما ذهب إلیه المحقِّق السبزوارى..
86   وجه فساد ما ذهب إلیه صاحب الحدائق (ره)
88   الدّليل الثّانى علي القول المختار: صحيحة زرارة
90   الدّليل الثالث علي القول المختار: موثّقة ابن بکير
92   الدّليل الرابع علي القول المختار: سائر الإطلاقات الواردة فى المقام
97   تقیید هذه الإطلاقات بصورة إقامة الإمام أو المنصوب من قبله مستهجن
101   الإشکالات الواردة من جانب المخالفين علي الأخذ بالإطلاق و جوابها
  المانع الأساسى فى ذهاب المشهور إلی عدم وجوبها التعيينى..
105   الجواب عن الإجماع المحصَّل المدّعَي..
106   وجود المخالفين من القدماء و المتأخِّرين ناقضٌ لإجماع المحصَّل و المنقول فى المقام
115   الجواب عن الإجماع المنقول المدّعي..
117   لا قيمة للإجماع بمقدار فَلسٍ فى المقام
119   الثالث من أدلّة القائلين بالوجوب التعيينى: الإجماع
123   الأضبط تفريق الرّوايات و تقسيمها إلي وجوه قبل النظر فى المسألة (ت)
125   الفصل الرّابع: فى الأدلة المشتركة بين القائلين بعدم وجوب صلوة الجمعة تعیینا
127   الدّليل الأوّل المشترک بينهم: الأصل
132   الدّليل الثّانى المشترک بينهم: الإجماع
132   الدّليل الثالث المشترک بينهم: السيرة
137   الدّليل الرابع المشترک بينهم: الروايات
142   استدلال القائلین بالحرمة بطوائف من الرّوایات
142   الطائفة الاُولی من الرّوايات و الجواب عنها
144   الطائفة الثّانیة من الرّوايات و الجواب عنها
146   الطائفة الثّالثة من الرّوايات و الجواب عنها
148   إنّ صاحب الدعائم من أجلاّء الإماميّة
151   کتاب الجعفریّات من الکتب المعتبرة المعوّل علیها عند الأصحاب
152   إنّ صاحب الجواهر ليس من الماهرين المتبحّرين فى فنّ الرجال
153   الإشکال فى سند الصحیفة السجّادیّة إنّما ناشئ من عدم الخبرویّة بالکتب و الرّواة
155   إنّ «الصحيفة» ممّا لا ريب فيه و لا يبعد دعوي تواترها
  الطائفة الرّابعة من الرّوايات و الجواب عنها
157   الاحتمالات الأربعة فى موثّقة ابن بکیر
160   الطائفة الخامسة من الرّوايات و الجواب عنها
161   دلیل من ذهب إلی عدم حرمة صلاة الجمعة و إجزائها عن الظهر
162   لیست الصلاة محصورة علی المسائل السیاسیّة فحسب (ت)
162   معني عدم افتراق المسائل الشّرعيّة عن السّياسيّة فى الإسلام (ت)
164   هل الاجتماع مظنّة النّزاع و مثار الفتن؟
165   الفصل الخامس: فى أدلّة القائلین بالوجوب التخییرى
165   في ادلة القائلين بالوجوب التخييري
167   الدّليل الأوّل للقائلين بالوجوب التخييرى الإطلاقات الواردة و الجواب عنها
168   الدّلیل الثّانى للقائلین بالوجوب التخییرى روایة زرارة و الجواب عنها
170   کیفیّة التقیّة فى زمن الصادقَین علیهما السّلام
172   المحصّل من جميع ما ورد فى الباب (ت)
175   خاتمة: فى شرائط الجمعة
  من الشرائط: أن لا يكون هناك جمعة اُخری..
180   حکم انعقاد الجمعَتين المقارنتَین بأقلّ من ثلاثة أمیال
184   صور المسألة فى ما اتّفق تقارن الجمعَتين بأقلّ من ثلاثة أميال
187   فيمن تجب عليه الجمعة
188   کیفیّة الجمع بین الرّوایات الموجودة
190   هل العَرَج أيضاً عذرٌ مانع أم لا؟
190   قال أبوعبد الله عليه السّلام: لا بأس بأن تدع الجمعة فى المطر
192   هل توجد الملازمة بین وجوب الجمعة و بین الإتمام
193   النکتة الأساسيّة لبناء هذه الرسالة (ت)

کلیه حقوق در انحصارپرتال متقین میباشد. استفاده از مطالب با ذکر منبع بلامانع است

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی