معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات العلامة الطهراني > محاضرات متعددة > كيفية خلق الشيطان وفلسفة وجوده

_______________________________________________________________

هو العليم


تفسير آية
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}

كيفية خلق الشيطان
وفلسفة وجوده

 

ألقيت هذه المحاضرة في مسجد القائم

سماحة العلّامة الراحل

آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                           تحميل الملف الصوتي للمحاضرة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

قال تعالى:
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ}[1]
ورد هذا الخطاب الإلهيّ بعد أن تمرّد إبليس على أمره في السجود لآدم, وقد عبّر القرآن عن تمرّده بهذه العبارة: أنّه من جنسٍ لا يسجد أصلاً {لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}[2] أي: لم يكن إبليس من الساجدين, أي: إنّ وضعه وحاله كان بحيث أنّه لم يكن من الساجدين.

    

حول حقيقة السجود والشيطان

والسجود عبارة عن الخضوع الكامل والخشوع التامّ تجاه وجود معيّن, وهذه النسبة والعلاقة ليست موجودة بين إبليس وبني آدم.
وقد تقدّم أنّ إبليس كان مع الملائكة في أول الأمر, وذلك قبل توجّه الأمر الإلهي إلى الملائكة: أنْ اسجدوا! وفي تلك المرحلة كان واحداً من الملائكة واقعاً, وكانوا يسبّحون الله ويقدّسونه حقيقة.
ولم يكن آنذاك قد توجّه الأمر بعد, ولكن ما إن صدر الأمر بالسجود حتّى ظهر الافتراق وبان الانفصال بين إبليس والملائكة, فالملائكة أطاعوا أمر الله, ولم يكن لديهم إمكانيّة الإفراط أو التفريط, لذلك سجدوا, وبذلك بان التمايز بينهم وبين إبليس حيث صدر منه هذا التمرّد والعصيان.
لأجل ذلك فلو لم يصدر الأمر من الله إلى الملائكة, ولم يكن الإنسان قد خُلق ليكون الكائن الجامع لصفات الملائكة والشيطان.. لو لم يتحقّق ذلك لبقي الشيطان مع الملائكة في عالم القدس, ولم يكن معنى الاستكبار أو حقيقة التمرّد متصوّرين بالنسبة إليه؛ لأنّ ذاك العالم هو عالم القدس وعالم التسبيح, ولا معنى للتمرّد هناك, فهو ليس محلاًّ للتكليف. وإنّما شرعتْ شيطانيّة الشيطان من حين صدور الخطاب الإلهيّ, فهو قبل توجّه الخطاب إليه كان نفسه, ولكن دون تحقّق عنوان الشيطنة, ولم يكن هناك أيّ تمايز أو افتراق بين حقيقته وحقيقة الملائكة.
افرضوا ـ من باب المثال ـ أنّ هناك ماء صافياً يجري من النبع؛ فهذا الماء صاف بالطبع, لا لون له ولا رائحة.. فهو ماء متدفّق وزلال من جميع الجهات, فيجري حتّى يصل إلى مفترق طريقين, فيجري في أحد هذين المجريين ماء عذب زلال, ومن المجرَى الآخر يجري الماء الملوّث والماء الخبيث الذي تغيّر لونه.
وعليه فمن ناحية أنّ هذا الماء قد تغيّر, فإنّ تغييره قد حصل من هنا, حيث أنّه لم يكن قد تغيّر سابقاً, ولكن هذا الماء لو نزعنا منه لونه ورائحته التي أضيفت إليه فسوف يعود صافياً. وحينئذ يمكنكم أن تسألوا عن هذا الماء الذي كان قد تغيّر, أنّه قبل وصوله إلى مفترق الطرق وخروجه من أحدهما ملوّثاً, ماذا كان قبل ذلك؟ نعم كان صافياً, كسائر أنواع المياه الصافية, فالتغير إنّما شرع من هنا.
وهذا هو حال الشيطان مع الملائكة قبل أن يصدر الخطاب الإلهيّ, فقد كانوا في عالم واحد, وذاك العالم هو عالم التسبيح والتقديس, وليس في ذاك العالم أيّ معصية, وليس هو بعالم الأنانيّة, ولا يوجد في نوع من الاستكبار, وإنّما كانت طهارة محضة والشيطان كان يعيش في هذا العالم, إلا أنّه لم يكن بعنوان شيطان! نعم كان إبليساً, ولكن لم يكن يطلق عليه اسم إبليس, بل كانت حقيقته من ناحية الخلق والوجود عين الطهارة، وهو مخلوق لله, وهذه الخصوصيّة الطارئة إنّما جاءت متفرّعة على الأمر الإلهي, ومنه نشأت الأنانيّة, وبذلك تلوّن بهذا اللون, واتصف بهذه الرائحة, وإنّما تلبّس بهذه الصورة بدءً من هذه المرحلة.
إذن قبل هذه المرحلة لم يكن الشيطان شيطاناً, ولم يكن اسمه شيطاناً, وإذا أطلقنا عليه عنوان الشيطان في تلك المرحلة، فذلك لأجل تمييزه وتعريفه وتشخيص وجوده الخاصّ به, وإلاّ فهو لم يكن شيطاناً قبل ذلك.
تماماً كما لو قلنا: جناب السيّد المهندس كان طفلاً في السابق, فحينما كان طفلاً لم يكن مهندساً, ففي زمن طفولته لم يكن عنوان "مهندس" يطلق عليه, وحينما أصبح مهندساً لم يعد يطلق عليه أنّه طفل, وعليه فحينما نقول: هذا السيّد حينما كان طفلاً كان يفعل كذا وكذا, يعني أنّه لم يكن ليطلق عليه عنوان المهندس آنذاك.
كذلك الشيطان, حينما كان مع الملائكة يسبّح ويقدّس, لم يكن يطلق عليه اسم الشيطان, كما أنّه لم يكن إبليساً, أصلاً لم يكن ليخدع أحداً, وإنّما كانت حقيقته الطهارة، ولم تكن له القابليّة لمخادعة أحد.. فهو كان أحد الملائكة. لكنه من هنا أخذ هذا الوسام وهذه الشهادة!! مثل السيد المهنّدس الذي يأخذ الوسام والشهادة, فإنّه يبدأ بالعمل من هذه المرحلة. كذلك الشيطان, قد أخذ هذا الوسام بواسطة هذا الخطاب, والكلام من باب المثال! فظهر هذا الوسام في هذه المرحلة, ومع ظهوره وجد عنوان الشيطان, وصار إبليساً, وصار متمرّداً.
وذهب الملائكة في طريقهم, في ذاك الماء الصافي. وبالطبّع فإنّ الملائكة بعد الخطاب غيرهم قبل الخطاب! فهم كذلك قد تلبّسوا بصورة خاصّة, ولكن هي صورة الطاعة والانقياد, فقبل ذلك كانوا يسبّحونه, ولكن ذاك التسبيح لم يكن معه أيّ صورة!! أمّا الآن عندما يسبّحون، أصبح تسبيحاً مقيّداً بصورة معيّنة, ومحدوداً بمحدوديّة خاصّة, هل التفتّم جيّداً! إذنْ كيف ظهر وجود الشيطان؟!
الخطاب الإلهيّ المتوجّه إلى الملائكة {اسْجُدُواْ} قد قسّمهم إلى قسمين, ولولا هذا الخطاب لما أمكن أن يظهر هذان الفريقان ويتمايزا إلى أبد الآبدين, والله يفعل ما يشاء بواسطة خطابه الذي ينشأ من كلمة {كُنْ}. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[3] أي: إنّ الأمر الإلهيّ هو تلك الإرادة, ويقول كن بنفس إرادته! فيكون. بل هو غير محتاج لأن يتلفّظ ويقول كن!! نفس تلك الإرادة هي قوله, ولا فرق بين قوله والتحقّق والصيرورة خارجاً, {يَكُونُ} هي نفس {كُنْ}, و {كُنْ} هي نفس الأمر, والأمر هو عين القول, هل التفتّم جيّداً؟

    

الشيطان بين الملائكة والجنّ

فالشيطان من الجنّ ـ لا بحسب خلقته الأولى! حيث إنّه كان من الملائكة أولاً والقرآن ينبئ عن ذلك فيقول: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا! فسجدوا إلّا إبليس ـ أي إنّه من ذاك الحين أخذ تلك الصورة وتلبّس بها, وأصبحاً موجوداً من أصل ناريّ, فهذه الصورة التي اتّخذها صورة ناريّة, وانتسابه إلى النار إنّما نشأ بعد هذه المرحلة؛ لا أنّه من الأوّل كان من الجنّ! تماماً مثل ذلك الماء, فما هو أصله حينما يهطل من الأعلى؟! هو ماء صاف وزلال, إلاّ أنّه هنا يصبح طيناً, وطينيّته نشأت من الآن.
فـالشيطان{ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}[4] بدأ من هذه المرحلة {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ}[5] وكذلك في مرحلة {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [6]. أي: من نار ملتهبة ذائبة.

    

دور الانقياد والاستكبار في الرقيّ والهويّ

والحاصل أنّ عنواني التكبّر والأنانيّة قد شرعا من هذه المرحلة, والملائكة من هنا مشوا في طريقهم الخاصّ بهم.
قال الله للملائكة: {اسْجُدُوا} فأجابوا جميعهم: سمعاً وطاعة, وسجدوا فعلاً. نعم، اعترضوا في أوّل الأمر, وذلك بعدما قال الله: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[7] أي: مطّلع على أشياء أنتم لا تعرفوها ولا تعلموها. نعم، ما صدر منهم لم يكن اعتراضاً, بل هو نوع من عدم الاطلاع والفهم من قبل الملائكة, لأنّهم لم يدركوا مقام الإنسان, فالذي صدر منهم هو مجرّد سؤال عن كيفيّة وإمكانيّة أن يخلق الله مخلوقاً ثمّ يكون لائقاً ليقوم بالخلافة الإلهيّة, والحال أنّ هذا المخلوق سفّاك للدماء ومفسد في الأرض!! فقال الله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فسجد الملائكة حينئذ, ولكن الشيطان استكبر و{لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}، لم يكن الشيطان ضمن الساجدين, فهذا الموجود ليس من فصيلة الذين يمكن أن يسجدوا! هو موجود لا يسلّم لمقام الولاية الكبرى وحقيقة الإنسانيّة, هذا النوع من الموجودات معدنه غير مطيع, ومن هنا أصبح الماء متّسخاً!!
والآن.. لماذا حصل ذلك؟ لماذا صدر من الله هذا الخطاب؟ لماذا أوجد الإنسان؟ إنْ كان لديكم استعداد فلنتكلّم حول ذلك بشكل مفصّل, ونوضّح سبب حدوث ذلك, ونبيّن أنّه لماذا خلق الله الشيطان؟ فالشيطان ليس من الساجدين.
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أي: قال الله له: لماذا لم تسجد؟ ما هو الذي منعك؟ {إِذْ أَمَرْتُكَ} أي: إنّي قد أمرتك!! ألم آمرك؟! ألست أنت مخلوقاً لي؟! ألستُ أنا خالقك؟! أليس الأمر واجبَ الطاعة؟ فلماذا لم تسجد؟!
{قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} قال: أنا أفضل منه, فقد خلقتني من نار, أمّا هو فخلقته من طين, والنار أفضل من الطين؛ لأنّ النار أخفّ ويمكنها أن تتعالى وتطير إلى الأعلى, أمّا الطين فإنّه ماكث في الأرض.

    

بروز الأنانيّة عند الشيطان

ومن هنا بدأت الأنانيّة تظهر عند الشيطان بشكل أو بآخر: ولو أراد أن يقول: إنّ الذي منعني هو أنّي أفضل منه, فلا أقلّ يجب أن يكون جوابه مطابقاً للسؤال ويقول: «إنّ الذي منعني هو كذا...», لأنّ سؤال الله هو: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} وهو يقتضي أن يكون الجواب: «منعني كذا..», فكان عليه أن يقول: إنّ الذي منعني من السجود هو أنّي أفضل منه, والحال أنّ إبليس لم يقل: «منعني» وإنّما ابتدأ بقوله: {أَنَاْ خَيْرٌ}, أي أنا دائماً أفضل على نحو الدوام والاستمرار؛ لأنّ الجملة الاسميّة تدل على الثبوت والاستمرار, فقوله {أَنَاْ خَيْرٌ} يعني: أنا أفضل منه.
فقد اتّكل إبليس على عقله وفكره في ادّعائه {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، وهذه المقايسة باطلة, أيمكننا أن ندّعي أنّ أيّ موجود أصله من نار أفضل من الذي خلق من طين؟!
لكن الذي صدر من الشيطان في هذه المرحلة هو أنّه تخلّف عن إطاعة الأمر الإلهي, لذلك فحينما أتى الشيطان و {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } فإنّ الله لا يعود يسأله ثانية بأن يقول له: حسناً, صحيح أنّك مخلوق من النار والإنسان مخلوق من الطين.. ولكن ما الدليل على أن خلقتك أفضل من الإنسان؟! لا داعي لهذا السؤال ثانية؛ لأنّ الشيطان قد وقع في محذور القياس.. مارس القياس وهو قياس باطل! ما معنى ذلك؟!
إنّ عيبَ عمل الشيطان أعلى من ذلك, فالعيب الذي يظهر هنا هو أنّ الشيطان قد خالف الأمر الإلهيّ وعصاه ولم يطع, لذلك فإنّ الله العليّ الأعلى لم يعتنِ بالكلام الذي أجاب به الشيطان حيث قال: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ولم يرد في القرآن أنّ الله ردّ على كلام إبليس, وإنّما هو مؤيّد لذلك؛ بداهة أنّ خلقة الشيطان من النار وخلقة آدم من الطين وهذا صحيح, بل نفس القرآن قد بيّن هذه الحقيقة, ولكن عيب الشيطان هو في قوله: أنا لا أسجد!! والحال أنّك أنت الله قد أمرتني ومع ذلك أنا لا أسجد, لأنّي أنا أفضل.
حسناً, قل أنا أفضل! والحال إنّي أنا الإله آمرك أن تسجد!
فالله يأمر أحدَ الموجودات الذي يرى نفسه أفضل أن يسجد لموجود آخر لا يرى نفسه أفضل؛ فهذا أمر الله!
قال: لا أفعل, وهنا محلّ الإشكال من أنّه قام بمخالفة الأمر الإلهي وقال: أنا لا أسجد! فهو يرى أنّ له كبرياء وعظمة مقابل ذات الله ووجوده وكبريائه, فقال: أنا شيء موجود, والله في مقابله قال: أنا موجود أيضاً!!
قال الله له: اسجد, فأنا الله, فأجاب: أنا لا أسجد, أنا شيطان موجود! أنا موجود أيضاً!!

    

الأمر بالهبوط وسقوط الشيطان عن منزلته

{قَالَ فَاهْبِطْ} بعد أنْ توجه الأمر والخطاب الإلهي وحدث ما حدث فاهبط وانزل! {فَاهْبِطْ مِنْهَا} والضمير في {مِنْهَا} الوارد في هذه الآيات ليس له مرجع يتناسب معه, لأنّ ضمير{مِنْهَا} مؤنّث, والحال أنّه لم يذكر لفظ مؤنّث كالجنّة أو السماء, ليكون المعنى فاهبط من الجنّة أو فاهبط من السماء.. لذلك لا بد وأن يكون معنى {فَاهْبِطْ مِنْهَا} عامّاً أي: فاهبط من منزلتك, أو فاهبط من المنزلة التي أنت فيها.
سؤال (من أحد الحاضرين): سيدنا, هل صار الشيطان شيطاناً من تلك المرحلة؟
الجواب (من المرحوم العلامة): من حين صدور الخطاب الإلهي.
سؤال: إذنْ منذ أنْ قال الله: {فَاهْبِطْ}؟
الجواب: لا! قبل أن يقول الله: {فَاهْبِطْ}, بل من اللحظة التي تمرّد فيها أُمرَ بالهبوط.
سؤال: قبل التمرّد لم يكن الشيطان شيطاناً؟
الجواب: لم يكن شيطاناً قبل التمرّد, فقد كان في زمرة الملائكة يعبد الله.
سؤال: إذنْ, لماذا يقول: {أَنَاْ خَيْرٌ} فهو كان يرى نفسه أفضل وأحسن ولذلك لم يسجد.
الجواب: لا! هو أصبح يرى أفضليّة نفسه بعد توجّه الخطاب الإلهيّ وصدور الأمر, وهو من ذاك الحين قال: أنا لم أسجد.
سؤال: في أيّ مرحلة يتعلّق قوله {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ}؟
الجواب: الآن {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ}, أي من هذا الحين أصبح مخلوقاً من النار, هذه اللحظة تمثّل مفرق طرق وجوديّ بالنسبة إليه, لا أنّه كان ناريّاً من الأول, وذلك على قاعدة «هو الذي خلقكم ثمّ صوّركم»[8], تماماً مثل الإنسان وهو في رحم الأم، فإنّ أصله متكوّن من نطفة, والنطفة تمثّل وجوده وخلقته, ثمّ بعد عروض عدة حالات متتالية, تتبدّل هذه النطفة وتصبح علقة, ثمّ تصبح مضغة... وجميع هذه المراحل تمثّل جانبه الخَلقي. إذن, في الأصل كان وجود الشيطان من الملائكة, ثمّ بلغ هذه المرحلة واتّخذ صورة الشيطانيّة بعد صدور الخطاب الإلهي, ونفس هذا الجريان مخلوق لله أيضاً! ونفس هذه النار التي انفطرتْ وتكوّنت من هذه اللحظة وقيّدت ذاك الأصل الوجوديّ السابق (الذي كان من وجود الملائكة في أوّل الأمر) وصوّرته صورة ناريّة وأعطته صورة التمرّد والمخالفة, والتي أعطت للشيطان أنانيّته مقابل الله.. كلّ ذلك إنّما نشأ من هذه المرحلة, {أَنَاْ} إنّما نشأت من هنا, فقبل ذلك لم يكن مكان لـ {أَنَاْ}, كان {هُوَ} فقط, ولم يكن لأحد أن يتفوّه بـ {أَنَاْ}!!
{فَاهْبِطْ} أي انزل إلى الأسفل, إلى أين؟ انزل من هذا المقام.
{ فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} هذا المقام ليس لك حينما تنسب التكبّر لنفسك.
فهنا عالم القدس وعالم التجرّد, وليس هناك عالم التكبّر والاستكبار, فجميع الموجودات خاضعة وخاشعة للذات المقدّسة لله دون استثناء, فذاك المقام ليس عالم التكبّر, فهو مختصّ بالذات المقدّسة لله, وإنْ أردت أن تتكبّر فاهبط إلى الأسفل! اذهب وتكبّر هناك! فذاك عالم الغرور.. وهناك اصرخ ودوّي {أَنَاْ}! صِح واصرخ كما تشاء {أَنَاْ}.. أنا, أنا, أنا... حتّى تتمزّق حنجرتك, فالعالم هناك عالم الغرور.
ولذلك لم يقتصر على قوله {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ}!! بل قال {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} أي ليس في الجنّة مكان للتكبّر, ففي ذاك العالم الذي يمثّل عالم التقدّس والتسبيح, والذي لا يتميّز فيه بين حقيقة الشيطان والملائكة ولا يفترقان عن بعضهما!! في ذاك العالم لا يوجد محلّ للتكبّر, فالتكبّر هناك يعني السقوط والهبوط.. اذهب وتكبّر!!
ومن هنا نستفيد أنّ الهبوط ليس هبوطاً جسمانيّاً (والذي يتحقّق بالنزول من مكان إلى مكان آخر), وإنّما هو هبوط, هبوط في المنزلة والدرجة, يعني: ذهب مقامك وعدمت, وقد سقطتَ. فقبل توجّه الخطاب الإلهيّ وأخذك للصورة الشيطانيّة كنت في مقام المقدّسين حيث كنت تسبّح الله مع الملائكة ولم يكن هناك أنانيّة, فكنت هناك تسجد لله وتسبيح وتقدّس ولم يكن هناك أيّ اعتراض, فما إنْ ظهرت الأنانيّة فقد تخلّيتَ عن السجود لله, فبمحض مجيء الأنانيّة سقط.
إذن, الأنانيّة مقابل كبرياء الله تستوجب السقوط, لماذا؟ لأنّ الكبرياء والتكبّر مختصّ بالذات الإلهيّة فقط, وكلّ كبرياء أو عظمة تعطى لأيّ شخصٍ ـ بدءً من البعوضة والذبابة حتّى الفيل! ومن الذرّة حتّى نصل إلى الشمس, ومن القطرة حتّى البحر, ومن أي حيوان صغير إلى أن تصل إلى الإنسان ومقاماته التي يتمتّع بها ـ أيّ كبرياء أو عظمة تعطى لهؤلاء هي لله, من هو مالكها؟ الله يعطي ويأخذ.
إذن, ما سوى الله ماذا يملك؟! لا شيء, ولا مجاملة في ذلك, لا شيء أبداً, وحينما يكون ما يملكه هو (اللاشيء) فكيف له أن يتفاخر على الآخرين ويظهر التكبّر أمام الآخرين, يستفيد من رأس المال الذي ليس له؟!
فيأتي هذا الشخص ويتفاخر على ذاك على أنّه يمتلك مليون توماناً, والحال أنّه ليس له «شاهي»[9] واحد!! تماماً كما لو كان هناك شخص أمين صندوق وصاحب متجر يكون تحت تصرّفه مليون تومان, فيفتخر على ذاك الشخص ويقول له: أنا لديّ مليون تومان, والحال أنّه لا يمتلك قرشاً واحداً في الواقع, فالمال ليس له أصلا!!
فالجمال الذي أعطاه الله, والكمال الذي وهبه الله, والعلم الذي أعطاه الله, والقدرة التي قدرها الله, والحياة التي أعطاها الله.. وكلّ شي إنّما هو له. إذن, بأيّ شيء يفتخر الإنسان؟! فكلّ شخص يتفاخر على الآخرين إنّما ينشأ فخره هذا من عدم علمه بذلك وعماه.

    

لا مجال للتكبّر والعلوّ في ساحة الأولياء

لذلك نرى أنّ الأنبياء, والأولياء والأئمّة لم يكن في قاموسهم مجال لعنوان الافتخار والتكبّر, إذ لا معنى له إلّا في بعض الأوقات، وذلك أثناء مواجهتم الشرك ومقارعتهم الكفر, وحتّى مع ذلك فإنّه يندر أن يصدر الاعتزام منهم. نعم الاعتزاز بالله لا الاعتزاز بالنفس!! {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[10] فهذه العزّة هي عزّة الله وليست منفصلة عن الله, إلّا أنّه {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[11] أي ماذا يعلم الناس؟!
إذن, الشيطان قال: {أَنَاْ}, ما هو المراد بـ {أَنَاْ}؟ هذه الـ {أَنَاْ} اشتباه وخطأ منه, فقوله {أَنَاْ خَيْرٌ} اشتباه, وهو ناشئ من التصوّر الشيطانيّ والأبلسة التي نشأت بواسطة توجّه الأمر الإلهي, والذي بواسطته حرّكت نار الشهوة ونار الاستعلاء وطلب العلو, ومن حينه ظهرت الأنانيّة.
يقول الله: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري». فقول الشيطان {أَنَاْ خَيْرٌ} اشتباه, وحينما قال الله له {إِذْ أَمَرْتُكَ} كان عليه أن يسجد, وعدم سجوده خطأ واشتباه محض, اشتباه من ناحية مخالفته لأمر الله, فهي مخالفة بملك إرادته والتي بواسطتها أعطاه ألبسه الله بتلك الصورة!! يعني: الله يريد أن يخلق الشيطان, لا أنّ الشيطان يتخيّل أنّه قد عصى الله بإرادته وباختياره, وأنّه خرج بذلك عن حكومة الله, وأنّه بذلك يكون قد أصبح شيطاناً!! لا.. بل الله يريد من خلال هذه الحادثة أن يصنع الشيطان ويخلقه.

    

الحكمة من خلق الشياطين

حسناً, فلماذا يريد الله أن يخلق الشيطان؟ ما هو الوجود الشيطاني حتّى يحبّ الله أن يخلقه؟! إنشاء الله سوف نبيّن ونشرح للإخوان أنّه: لو لم يكن هناك شيطان لما خُلق هذا العالم أصلاً, ولم تكن الدنيا, لم يوجد نبيّ, ولم يكن هناك إمام, لو لم يكن هناك شيطان لما كان هناك جنّة, ولا وجود لجهنّم, لا معنى للطاعة, ولا ثواب, ولا عصيان, ولا معنى للشقاوة, ولا للسعادة, لا وجود لشيء من ذلك, إذن جميع ذلك هو ببركة الشيطان. إذ خلقُ الشيطان مستوجبٌ لرشد الإنسان وكماله؛ يعني بواسطة مخالفة وساوس الشيطان يتسنّى للإنسان أن يفلت من عالم النفس والدنيا والاعتباريّات ويدخل في حريم القدس والتجرّد والإطلاق, إذن عليكم أن تبتعدوا عن الشيطان مهما أمكنكم, من هنا لا يكون التكامل بواسطة حقّ لنا على الله!! بل الله هو صاحب الحقّ علينا. الله هو صاحب الفضل أنْ خلق الشيطان, إذن الفضل لله, وأمّا لو جعلنا الفضل في ذلك للشيطان، حينئذ نصبح من عبيد الشيطان!! بل الفضل لله تعالى.
حسناً، هذا المطلب صحيح, يعني المسألة واقعاً هكذا, وإنشاء الله لو نستمر بهذا البحث ونتكلّم قليلاً حول هذه المسألة كلّ ليلة, سيتّضح لنا كيف أنّ سعادة الإنسان بأجمعها متوقّفة على وجود الشيطان.
{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا} أي: انزل إلى الأسفل! {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} أي: ليس هنا مكان للتكبر، {فَاخْرُجْ} من أين؟ اخرج من عالم القدس والتجرّد وعالم الانقياد, اخرج! اذهب! اخرج! {إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.

    

المراد من (الصاغرين) في الآية

وهنا لم يقل الله: إنّك من الأشقياء, أو إنّك من الظالمين, أو إنّك من المشركين, وإنّما قال: {مِنَ الصَّاغِرِينَ}، ومعنى الصاغر من الصغار, أي بمعنى الهوان والذلّة والصغر, فحيث ادعى الشيطان أنّه {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} جاءه الجواب: اذهب أنت صاغر! اخرج!
فادّعاء التكبّر الذي تقوم به وهذه الأنانيّة التي تظهرها وامتناعك عن إطاعة أمر الله, كلّ ذلك لا يجعل كبيراً!! وإنّما يصغّرك, فالملائكة بقوا هناك في مكانهم, دائمين في مقامهم راكعين ساجدين قائمين مسبّحين, أمّا أنت فاذهب إنّك صغير! ضئيل! فقد صغر إلى الحدّ الذي بلغ من الصغر فيه أن أصبح ذليلاً وحقيراً، حتّى صار يخاطب بخطاب أنّه من الصاغرين!! وكلّ شخص يقول {أَنَاْ} مقابل الله فهذا هو حسابه ومصيره, وكلّ من يتكبّر فإنّ نفس تكبّره يكون هوانه وذلّته وحقارته وصغاره. الصغار يعني: أن يصير صغيراً وأن يذوب ويتلاشى ويعدم {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.

    

توعّد الشيطان بني آدم بالإغواء

حسناً, قال الشيطان: {أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[12]: إلهي أمهلني إلى يوم القيامة الذي تحشر الناس فيه, يوم الحشر الأكبر الذي تحضر الناس فيه, حتّى أقوم بجولة معيّنة, فها أنت قد أخرجتني من هذا المقام.
فقد ورد في إحدى الآيات: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}[13] وكذلك وردت هذه الآية {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[14].
أي أنا سوف أغويهم, سوف أذهب وأظلّ مع بني آدم ونبني سويّاً ونعقد عقد الأخوّة يداً بيد معاً, وتتناغم أرواحنا ونتلاحم مع بعضنا البعض ونفدّي بعضنا ببعض!! بحيث لا يلتفت بنو آدم إلى الخداع الذي أخادعهم إيّاه، ولا يعرفون من أي نقطة أُغير عليهم منها! أعطني مهلة على الأقل! فأنتَ [خطاب من الشيطان إلى الله] قمتَ بخلقي هكذا، وطبعت عليّ هذا الختم التكويني ـ والذي هو متفرّع عن الإرادة الحكيمة لله تبارك وتعالى ـ فقد ختمت عليّ ختم الشيطنة, وجعلت صورتي الملكوتيّة شيطاناً، وذلك بواسطة هذه الإرادة التكوينيّة, فوهبتني خلقة شيطانيّة, فمصلحتك اقتضت أن تخلقني شيطاناً وقد فعلتَ.. فلتعطنا مهلة كي نقوم بجولة معيّنة!! ونقوم بعمليّة الإغواء والذي هو إغواؤك {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} أي أنت الذي قمت بفعل ذلك.
أوَ هل كان خطابك وأمرك بالسجود عبثاً؟! حسناً, تريد أن تتركني الآن؟ وتريد أن لا تنزلنا إلى عالم الدنيا وتجعلنا أحد الموجودات المخلوقة فيها؟! وتريد أنْ لا تجعلنا واسطة بين السعادة والشقاء؟! فلتعطني مهلة إذن! {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي أعطني مهلة كي أتفرّغ لبني آدم.. إلى متى؟ إلى يوم الحشر!!
{قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ}[15] قال الله: لا إشكال في أن تكون من الأشخاص الذين مُنحوا مهلة, أصلاً إنّما خلقناك لكي تقوم بهذه المهمّة, وإلّا فلو صدر الأمر والخطاب منّا وكنت قد سجدت ولم يصدر منك التمرّد وأبقيناك في ذاك العالم الأقدس.. لما كنّا قد توجّهنا إلى بني آدم، ولما كنّا قد صنعنا هذه التجهيزات، ولما كان الرفقاء في هذه الليلة ليأتوا هذا المجلس ويحضروه..
ولكن الشيطان طلب من الله المهلة إلى يوم القيامة, لأنّه يريد أن يذهب لإغوائهم في الدنيا وفي القبر وعالم البرزخ!! وأكون مع بني آدم في جميع المراحل كي أغويهم إلى يوم القيامة.
فقال الله: أنا أمهلك ولكن لا إلى ذاك الوقت الذي تريد، وإنّما {إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}[16] إلى حين الموت, وعليك أن تتركهم في البرزخ, لا تطمع كثيراً, حتّى تلتحق ببني آدم في القبر وفي عالم البرزخ! فالشيطان موجود في القبر وفي عالم البرزخ, وهو موجود مع الإنسان (مع أهل المعاصي من الناس), ولكن ليس له أيّ تأثير, فنتيجة الأعمال تحشر مع الإنسان بصورة شيطانيّة, ولكن لا يمكنه أن يقوم بالإغواء, ليس بإمكانه أن يخرّب ويحرف ويضلّ, ولكن في الدنيا يمكنه أن يضلّ ويغوي, فيأتي من الأمام, ويأتي من الخلف, وينصح, ويصرّ, ويلتمس ويطلب وبجميع الأنواع والأقسام, كي يرمي الإنسان في شراكه وفخّه. وعلى كلّ حال هو يحبّ أن يكون مع الإنسان في عالم البرزخ أيضاً حتّى يوم القيامة, فقال الله: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} و {إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} وفي آية أخرى ورد {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[17] قال الشيطان: إلهي! أنت الذي أعطيتني هذا المنصب.. وقد أغويتني.. وجعلتني شيطاناً.. ومقابل ذلك {فَبِمَا} الـ باء هنا للمقابلة, أي أجِز لي مقابل إغوائك إيّاي أن ألاحق بني آدم, فأقعد في طريقك المستقيم المؤدّي إليك, وأغلق أمامهم الطريق؛ وأهاجمهم من أمامهم.. من خلفهم.. عن يمينهم.. وعن شمالهم.
حسناً, كان يكفيه أنْ يأتي بني آدم من جهة واحدة فقط!! يعني يكفيه أن يشغل الإنسان من جهة واحدة فقط! نعم؟! ولا حاجة إلى الجهات الأربع: الأعلى والخلف واليمين والشمال.
{وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} فأثيرُ ضجّة وتشويشاً في هذه الدنيا, ولا تعود تجد أكثر الناس شاكرين.
وهنا لنا أن نسأل عن ماهيّة هذا الإغواء الذي أغوى الله به الشيطان؟ حيث قال: {أَغْوَيْتَنِي}, إذ الشيطان يريد أن يغوي الإنسان مقابل ذاك الإغواء الذي أغواه الله به! كيف يغوي؟ وما هو هذا الإغواء؟ ومن أيّ جهة يكون للشيطان تسلّط على بني آدم؟ ثمّ هل الشيطان موجودٌ خارجيّ بحيث يأمر الإنسان وينهاه, والإنسان بدوره يستكشف هذا الأمر ويتلمّس هذا النهي؟ أم لا, بحيث أنّ الشيطان يتّحد مع الإنسان فتكون إرادة الإنسان واختياره عين إرادة الشيطان واختياره, ولا يكون بينهما اثنينيّة في البين؟
وحينئذ ما معنى إتيان الشيطان من الأمام؟ وما معنى مجيئه من الخلف؟ ما معنى مجيئه من الجانب الأيمن؟ ما معنى إتيانه من الطرف الأيسر؟ فكلّ حالة لها معناها الخاصّ بها.
ففي بعض الأحيان لا يستطيع الشيطان أنْ يأتي من الأمام, فيأتي من الخلف, أو أنّه لا يقدر على المجيء من الخلف فيأتي من الطرف الأيمن أو من الشمال, فهذه إشارات ومعاني مختلفة. وإن وفّقنا الله سوف نبيّنها للأخلّاء الروحانيّين في الجلسة اللاحقة ـ غداً ليلاً إنشاء الله ـ بحول الله وقوّته.

                                                                                   اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

 


[1] ـ سورة الأعراف (7) الآية 12.

[2] ـ سورة الأعراف (7) ذيل الآية 11.

[3] ـ سورة يس (36) الآية 82.

[4] ـ سورة الكهف (18) قسم من الآية 50.

[5] ـ سورة الحجر (15) الآية 27.

[6] ـ سورة الرحمن (55) الآية 15.

[7] ـ سورة البقرة (2) قسم من الآية 30.

[8] ـ إشارة إلى قوله تعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (التغابن:3)

[9] ـ وهي أصغر عملة إيرانيّة, وقد انقرضت في هذا الزمان. المترجم.

[10] ـ سورة المنافقون (63) قسم من الآية 8.

[11] ـ سورة المنافقون (63) قسم من الآية 8.

[12] ـ سورة الأعراف (7) ذيل الآية 14.

[13] ـ سورة الأعراف (7) الآية 16.

[14] ـ سورة الحجر (15) الآية 39.

[15] ـ سورة الأعراف (7) الآية 15.

[16] ـ سورة الحجر (15) الآية 38.

[17] ـ سورة الأعراف (7) الآية 16 و 17.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->