معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > محاضرات متفرقة لآية الله السيد محمد محسن الطهراني > ضرورة رعاية قداسة التشيّع في إطلاق الشعارات و التعابير

_______________________________________________________________

هو العليم

ضرورة رعاية قداسة التشيّع في إطلاق الشعارات و التعابير

 

محاضرة ألقاها سماحة آية الله الحاج السيّد محمد محسن الطهراني حفظه الله

في مدرسة الفيضية عوضا عن درس بحث الخارج

وذلك في الوقت الذي وقعت فيه "غزّة" هدفاً للعدوان الإسرائيلي الظالم

_______________________________________________________________

أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين

    

خطورة الاكتفاء بالتفسير السطحي للحوادث والحروب

بالأمس حينما كنّا في طريقنا للدرس, قال لي أحد الأصدقاء: لقد أوصى المسئولين بضرورة التعرّض لما يجري الآن في غزّة[1] , فقلت: إذن قد حرمنا من الحضور هناك!! لذلك قلت: بما أنّ اليوم هو اليوم الدراسيّ الأوّل, فنأتي ونتكلّم حول بعض الأمور المتفرّقة؛ فما أصبح مثاراً للحديث والاهتمام في هذه الأيّام هي مسألة غلبة العواطف, فهذه القضيّة في طابعها العام تجتذب الميول و الرغبات, فصار هناك تباني رائج يقضي بأنّه كلّما استطعنا في هذا الإطار أن نحرّك عواطف الناس أكثر فسوف نطوي الطريق بسرعة أكبر ونبلغ النتيجة المرجوة. وهذا الموضوع كان دائماً مطروحاً للبحث وكذلك اليوم, كما أنه يشكّل الفارق المائز بين طريق الحقّ والصراط المستقيم و بين بقية الطرق.
لا شك أنّ الحوادث التي تطرق أسماعنا اليوم هي أمور مؤلمة وباعثة على الأسى, فالإنسان يغتمّ جراء سماعه أنّ أشخاصاً بريئين يموتون بهذه الكيفية, وفيهم الأطفال وغيرهم.. أشخاص لا دخل لهم في كلّ ما يجري. فكل شخص سيتألّم من هذه المسألة و هذه الوضعية؛ إلاّ أنّه و بغضّ النظر عن هذا الموضوع يجب علينا أن نلتفت إلى أمرين هما:
الأمر الأوّل: أنه عند حصول أيّ حادثة أو واقعة يلزم علينا الاطلاع بشكل كامل على ماهيّتها, و ذلك بدراسة المحتوى الذي تنطوي عليه, وبالتالي اتخاذ الموقف المناسب تبعاً لذلك؛ فالتوجه للحادثة و هويّتها الخارجيّة بدون النظر إلى ماهيّتها سيؤدّي إلى قطع الطريق على الإنسان و حصول الخطأ في مسيرته و فكره.
ففي زمان الحرب و المعارك بين إيران و العراق, كان هناك أحد الأشخاص وما زال الآن موجوداً و هو إمام جماعة في أحد المساجد في طهران, وكان من جملة كلامه الذي كان يتحدّث به في ذلك الوقت ـ كان بالطبع شخصاً في مطّلعاً على الأمور وفي قلب الأحداث ـ كان يقول: في إحدى تلك العمليّات التي تمّ القيام بها, كان رأى جميع الأفراد ـ بلا استثناء ـ بأنّها عمليات محكومة بالفشل والهزيمة؛ إلاّ أنّ القائد الذي كان حاضراً آنذاك كان يقول: يجب علينا القيام بها, و إذا لم نقم بها فسيقولون في هذه الحالة بأنّكم لم تقوموا بأيّ عمل.. و هو عار علينا! ـ على ما يبدو أنّها كانت العمليات الخامسة ـ حيث أنّكم بقيتم هكذا واضعين يداً على يد و لا يوجد هنا أيّ تحرك أو حركة, و قد توفي (في هذه الحادثة) سبعمائة شخص تقريباً, و قد عبّر عن ذلك بأوراق الأشجار وشبّهتْ بأنّها قد أصبحت جميعها مصفرّة في الخريف ـ و ذلك على حد تعبيره هو و ليس تعبيري أنا ـ حيث أنّها حينما تصبح صفراء تنتظر هبوب الرياح, و كان يقول: إنّ هؤلاء الشباب كانوا يتساقطون من فوق الجبل إلى الأسفل مثل تلك الأوراق التي تتساقط من الأشجار عند هبوب الريح, لأنّ المنطقة كانت جبلية, و قد ماتوا جميعهم في تلك الحادثة.

    

الشباب المجاهدون والمخلصون لا يقصرّون في التضحية بكلّ ما لديهم التزاماً بأوامر القيادة ولكنّ ذلك لا يجعلهم كالحسين عليه السلام!

في هذه الحالة, من يتأمّل في هذه المسألة ماذا يمكنه أن يرى؟ مشهد أليم.. وفاة الأمّة.. و شباب الأمة.. شباب طاهرون أنقياء.. شباب فدوا أنفسهم حقيقةً في سبيل الإسلام, فلا شكّ في أنّ هدفهم كان هو الإسلام و صدّ الاعتداء, و لا يمكن لأحد الشك في ذلك, فالشك في ذلك مساوٍ لإنكار الواقع, وهذا ما حصل بالفعل, حيث أنّه لم يجبرهم أحد على المجيء للجبهة, فلم يأتوا بالبنادق إلى منازل الناس!! بل إنّ جميع هؤلاء إنّما قاموا بالمجيء بملك اختيارهم و رغبتهم, و من منطلق طهارتهم الشخصيّة و صدقهم الذاتي. فمن هذه الجهة لا يوجد أدنى شك. لكنّ الكلام هو حول ماهيّة و حقيقة هذه الواقعة, انظروا ! حينما يبحث الإنسان عن ماهيّة هذه الواقعة و يتفحّص في طبيعة هذه الماهيّة..., فكلّ من يراقب هذا المشهد فسيخال له أنّها عاشوراء, فهذا المشهد هو مشهد عاشورائي, حيث يكون في أحد الطرفين عدو غاصب, و في الطرف الآخر يوجد أولئك الشباب المخلصون الطاهرون الذين ليس في قلوبهم أيّ حقد أو غشّ, و قد عزموا على الرحيل والذهاب والمضي بالجهاد. فعندما ينظر الإنسان إلى هذه المسألة و يشاهد هذه الواقعة فقد يصفها بأنّها عاشوراء, يعني ليس هناك أدنى ريب في ذلك, لذلك هم يقولون بأنّ وقعة عاشوراء تحدث وتتكرّر في كلّ مكان (كلّ يوم عاشوراء)!!! ولكن لو تمكّن أحدهم من الاطّلاع على النوايا, و التعرّف على النية التي انبثقت منها هذه القضية, وتحديد طبيعة الهدف الذي نشأت منه, والغرض الذي تبتني عليه, فهل يصدّق أنّ كلّ ذلك إنّما كان لأجل أن يقول الآخرون لقد قام القائد بعمل مّا؟! و إلاّ فما الذي يدركه أولئك الشباب الذين سيذهبون ليلقوا حتفهم؟ يقولون لهم لِنهجم عليهم, فيجيبون من كلّ قلوبهم: سمعاً و طاعة.. فيمضون دون تردّد, وإلا فلو توقفوا في تلك الحالة و قالوا لا.. أو قالوا: لن نقوم بذلك و لن ننجز هذا العمل, فما عسى القائد أن ينجز حينئذ؟ من الطبيعي أنّه سوف لن يتمكّن من تحقيق شيء!! و إذا ما آخذه المسئولون الأعلى منه رتبة, فسيقول: لقد تمرّد الجند ولم يطيعوا الأوامر, و في الأخير فإنّ المسألة ستسير وفق مجراها القانوني.
غير أنّه و بسبب أنّ ماهيّة المسألة ليست واضحة فإنّ مثل هذه الحوادث تقع وتمرّ بدون أيّ رادع, أمّا إذا كانت ماهية المسألة واضحة... وقد اتّفق وقوع قضايا كثيرة من قبيل ذلك, فما أوردناه إنّما هو من باب المثال, وقد كان ذاك المسئول يقول بأنّ من جملتها هذه ـ حيث بيّنت سابقاً بأنّه كان شخصاً مطّلعاً على الأمور وضمن مراكز اتخاذ القرار ـ و بما أنّه لا يوجد من يطّلع على النوايا الخفيّة فقد حصلت هذه المسألة, لأنّه لا يوجد من يطّلع على مثل هذه المسائل النفسانيّة فقد حصلت هذه القضية, و الآن كذلك هم يتحدّثون حول هذه الأمور, أي أنّها مواضيع يُكتب حولها وقد كُتب عنها, فالموضوع ليس موضوعي أنا, فقد تمّ التصريح بشكل واضح في تلك الكتب التي دوّنت وألّفت, بأنّه مثلاً: إنّ سبب وقوع هذه الفاجعة هو عدم التنسيق! أو مثلا قد اتّفق حدوث ذاك الأمر المعيّن! أمّا الآن فالأمر لم يعد كذلك.. و خلاصة الأمر... فعلى الرغم من أنّ الكثير من المسائل لم يُتحدث عنها لحدّ الآن, إلاّ أنّه تمّ التطرق لها بنسبة مئوية معيّنة.

    

أهميّة تحديد آلية التعامل مع هذه الوقائع الأليمة

وما يهمّنا في الأمر هو المسير الذي سنسلكه في مسألة الاقتداء و التبعيّة, و هي مسألة مهمّة؛ أي أنّ الشخص الذي يرغب في اتباع مدرسة أهل البيت و مدرسة التشيع, هل يجب عليه أن يتوجّه إلى ماهيّة الظواهر و الحوادث أم ينظر إلى نفس هويّتها الخارجيّة فحسب؟ إلى أيّهما يجب عليه أن ينظر؟ حسناً, الهوية الخارجيّة هي ذلك, هي نفس هذا الظهور الذي نراه الآن, فسنرى في هذا الجانب عدواً كافراً و ملحداً و في الجانب الآخر شباباً مسلمين.. شيعة إماميين.. معصومين.. طاهرين و مخلصين.. و نواياهم إلهية أيضاً, و هذا يشكّل جانباً من القضية, حسناً, انتهينا! أولئك في ذاك الجانب, و هؤلاء في هذا الجانب, وبذلك تكون قد تشكّلت لدينا عاشوراء إذاً! و لا يوجد مجال للتردّد في المسألة, أمّا إذا صار المرء دقيقاً و اخترق حجاباً واحداً وتعدّى هذا الظاهر, وقطع ولو مرحلة واحدة, وولج إلى ما لا ينكشف من خلال الظاهر, و نحن الآن لا شغل لنا بتلك الأعماق و البواطن العميقة جدّا, بل يكفي أن يعبر الإنسان إلى الداخل ولو بمقدار معين.. أي أن يعبر شيئاً مّا و يطّلع على النوايا, حينئذ سيكون أولئك الأشخاص موجودين هنا في هذا الجانب أيضاً!! نعم؟؟ أي ذلك المسئول الذي أخذ بثأره و ما شابه ذلك... فيكفي أن يتحرّك قليلاً و يتقدّم للأمام, فسترون دفعةً واحدة بأنّ وجهه قد تغيّر, يا للعجب! هل كان الأمر كذلك؟! عجيب..! ما السبب الكامن وراء جميع تلك الأحداث؟ كلّ ذلك لكوننا لا نلتفت إلى ماهية المسألة, و لا ندرك تلك الحقيقة الكامنة خلف الهوية الخارجيّة, و هو ما لا ننظر إليه عادة, لهذا نظهر التأسّف عادة و نقول حينئذ: آه.. هكذا كان الأمر!!! آه.. كذلك كانت المسائل...!!!
في نفس هذا السفر الذي تشرّفنا فيه بالزيارة, ذهبنا في أحد الأيّام إلى مكانٍ ما, و في أحد أماكن الزيارة التفتُّ إلى أحد الأصدقاء المتواجدين هناك و قلت له: هذا المكان الذي تراه, كان يأتي إليه العظماء الكبار, و أتذكّر أنّهم حينما كانوا يتشرفون بالزيارة كانوا يجلسون هنا في جنب هذا الحائط, و في إحدى تلك الجلسات و التي كان المرحوم السيد عبد الكريم الكشميري رحمة الله عليه متواجداً فيها, دخل أحد الأشخاص إلى الحرم, فنظر إليه المرحوم السيد الحداد و قال: سترون في المستقبل ما هي المسائل التي ستحدث! جيد؟! فمن كان هذا الشخص؟ نحن لا نعلم, لقد كان شخصاً من الأشخاص, كان عراقياً, كان باكستانياً, كان هندياً, كان بنغالياً أو إيرانياً, كان في الأخير شخصاً ينوي حتماً القيام ببعض الأمور, أمّا من هو الذي يطّلع على تلك النية؟ أنا لا أستطيع الاطلاع على تلك النيّة, و أنت لا تستطيع الاطلاع عليها. فنحن نرى الظاهر فقط, حينما نشاهد الظاهر نقول: كم هو رائع!! فعينيك لا ترى سوى شخصاً كبقية الأشخاص يقوم بأعمال جيدة... أمّا من الذي يجب عليه أن يكشف لنا عن ماهية المسألة و باطنها؟ ليس نحن, إنّه شخص آخر, يستخرجها و يضعها أمامنا؛ تفضّل يا سيدي, هذه هي ماهيّة المسألة, ماذا تريد أن تفعل الآن؟ تريد أن تذهب أم لا؟ ماذا تريد أن تفعل, هل تثق بي أم لا؟ إذا وثقت بي تفضّل, هذه هي القضيّة, هذا ظاهر المسألة و هذه أيضاً هي النية, و كذلك أنت تعرفني, فهذه ليست هي أوّل أو ثاني تجربة لنا, و نحن إلى الآن استطعنا الوصول إلى ماهيّات كثيرة, فهذه ليست أول مرّة لنا.
كنّا في زيارة حرم سيد الشهداء, و كان معنا أحد الأشخاص الربّانيين , فوقعت عيني للحظة واحدة فقط على شخص ـ علماً أنّنا قد أغلقنا ملفات الجميع و لم أعد أفكر أصلاً بهذه الأمور وإلاّ سيحصل لي اضطراب ـ كنّا عائدين في طريقنا إلى طهران بوسيلة نقلية, فقال أحد الأصدقاء: يا فلان لقد رأيت فلاناً في الحرم و كان ظلمانياً جدّاً, كم كان ذلك الشخص مظلما ومكدّراً, كان يقرأ الزيارة, و قد كانت حالته في السابق أفضل من حالتنا طبعاَ! قلت: نعم, لقد رأيته أيضاً, للحظة واحدة رأيت أنّه ممسوخ, صار مسخاً, أي أنّه جاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام, إلا أنّه ممسوخ, يزور الإمام الحسين بصورته الممسوخة, أي أنّك إذا حدّقت في عينيه ترى مسخاً, كذلك لو اطّلعت على أحواله..., قلت: نعم, أنا لم أقل, هو من عبّر بذلك, غاية الأمر أنّني قلت إنّهم ممسوخون, غير أنّي قلت أنّهم ليسوا كذلك كلّهم و يوجد تفاوت بينهم, فقال بدوره: نعم, إلاّ أنّ هذا الذي تراه أمامك قام بإنكار الحقيقة... فمن كان ذلك الشخص؟ كان الشخص الذي اعترف بنفسه في إحدى الجلسات لرفقائنا بأنّ الحق في هذه القضية مع فلان, وقد قالها صراحةً, و لمّا قاموا بنقل هذه المسألة عن كلامه؛ قال هذا كذب, أنا لم أقل ذلك, فقال ذلك الشخص الناقل بدوره: حسن جداً, توجد لدينا قيامة أيضاً, لا عيب في الأمر لقد كذبت عليكم, فليكن ذلك.. لنترك المسألة للغد الآتي, في الأخير لا يُمكننا الكذب هناك, هنا قد نكذب, نصدُق, يخدعُ بعضنا الآخر. انظروا فالأمر واضح جدّاً, أنتم الذين تقومون بقراءة زيارة الإمام الحسين ومكتوبٌ فيها: يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً, السلام عليك يا..., و ماذا بعد؟! ماذا يعني ذلك؟! هل يكفي أن تقول السلام عليك يا فلان ثمّ تقوم و تذهب! يجب على الإنسان الذهاب لزيارة الإمام الحسين عليه السلام و هو غير ممسوخ.. لكي يدخل شيء إلى أعماقه, الذهاب عند الإمام الحسين بحالة المسخية لا يفرق عن الذهاب إلى السينما, لأنّه مسخ في الحالتين, أنت خروف, خروف نعوذ بالله! فالخروف يفهم هذا الكلام, خشب, و لو قلنا كذلك خشب فهو يفهم, أقسم بالله أنّ هذه الأخشاب, الأبواب, الأحجار, كلّها تمتلك معرفة أكثر منّا, احمل الآن خشباً, وذلك من باب ضيق الحيلة فقط, احمل خشباً و ضعه في الشارع سيبقى خشباً, احمله إلى حرم الإمام الحسين عليه السلام سيبقى خشباً, احمل هذا الخشب و ركّبه في السينما سيبقى خشباً, لا يُمكنه الخروج عن حدوده الذاتية, فهو منغلق على الحدود و الماهية و الهوية التي يمتلكها, و غير مطلق العنان.
بينما ذاك الشخص لم يستعمل المفتاح ليفتح عقله ويرى ما هي حقيقة الأمر. كان يقول: لا.. متى؟! أنا قلت مثل هذا الكلام؟! هذا كذب أيضاً كبقيّة والأكاذيب التي افتروها عليّ! فقال ذلك المسكين: حسنٌ جداً, إذا كنّا قد افترينا كذباً فلا مشكلة في الأمر, و موعدنا أنا و أنت غداً.
أو كالذي أخذ كتاب المرحوم السيد العلامة و قام بطباعته وهو لم يزل بخطّ المرحوم السيد العلامة, أيها الحمقى, أنا ابن السيد العلامة و لا أستطيع أن أقرأ هذا المخطوط, فلمن قمتم بطباعته؟ لمن؟ أنا ابن السيد العلامة و لا أستطيع قراءته, و إذا ما قرأت صفحة واحدة فإنّي أشعر بالتعب, و هذا الهدف الذي تسعون إليه... لاحظوا, عندما كنت أقول إنّ ذلك في كلّ مكان؛ فإنّه أيضاً في نفس هذا المكان الذي نجلس فيه, هنا, نفس مجيئنا, نفس حديثنا, نفس حالتنا, و لذلك فإنّ الناس لم يعودوا يثقوا فينا, لنفس هذا السبب, لماذا؟ لأنّنا لا نتكلّم مع الناس بالحقّ, نحن نتكلّم فئويّاً و نوعيّاً, نحن نتكلّم من خلال الحزبيّة, بينما الحقّ هو حقّ.
عندما قام المرحوم السيد العلامة بالثورة في سنة اثنين و أربعين برفقة المرحوم السيد الخميني, كانت المسألة التي طرحها عليه هي أن: يا حاج روح الله, يجب علينا أن ننظر إلى الطريق و الهدف الذي نصبو إليه من خلال ثورتنا, و يجب أن يتبيّن للناس ما هو المقصود وما هو الهدف من هذه الثورة, هل هو تفوّق رجال الدين؟ هل هو حكم رجال الدين و تسلّطهم على بقية الناس؟ فهذا سبيل من السبل. حسناً, فلنقل للناس إنّنا نريد أن نضعكم في المقدّمة, ليُقتل أطفالكم و نساؤكم, لتُهتك أعراضكم؛ فقد يحصل كلّ شيء في طريق الثورة وإنشاء هذه الحكومة, فعند الانتفاضة و الثورة كلّ شيء محتمل الوقوع. كل ذلك لأجل ماذا؟ لكي أصير رئيساً عليكم.. فأنا بصفتي معمّماً يجب أن أصبح رئيساً عليكم!!!
جيد, سيشخّص الناس حينئذ التكليف الواجب عليهم, وسيفهموا في آخر المطاف حقيقة الأمر.. سواء قاموا به أم لم يقوموا, و سيقولون: حسناً, سنقوم بهذا العمل لأجلكم؛ أمّا ما هي المنافع التي يجنونها من وراء ذلك؟! ألا يتّفق الآن في الدنيا مثل ذلك؟ فالآن و في العالم الذي لا يوجد فيه حديث عن الله تعالى, يجتمع الكلّ و يقولون: سوف نساعدك.. و نجمع لك الأصوات.. و نقوم بالأمر الفلاني.. و لكن بعدما تصبح رئيساً للجمهورية لا تنس أن تؤدّي لنا العمل الفلاني؛ فيمضون الاتفاقيّة بينهم و يعقدون الصفقات من وراء الستار, و ينطلقون على بركة الله... فيبدأ يشجّع الناس كي يصوّتوا ويشوّقهم بتعيين وزير منهم, و تعيين ذاك مديراً عاماً, و في الأخير يقتسمون الغنائم. هذا هو الرائج في عالمنا اليوم؛ أمّا في مدرسة الحق فلا..

    

نعمة الإسلام حقّ لجميع بني البشر دون تفاوت

يلتفت المرحوم السيد العلامة و يقول: يا حاج روح الله! ما هو طريقنا في هذه الثورة التي قمنا بها؟ يجب أن يكون طريقنا هو الإسلام, و الإسلام ليس حكراً على علماء الدين فقط. فمن هو المالك الحقيقي للإسلام؟ هو الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله, مالكه الآن هو صاحب الزمان عليه السلام و لنتنحّ نحن جانباً. أي يجب علينا الدعوة إلى الرسول و إمام الزمان؛ فكانت البداية بالرسول كذلك ختمه فبالإمام الحيّ, و فيما بين هذين الاثنين يجب علينا فقط الدعوة إلى هذه المدرسة. نعم بطبيعة الحال يجب أن يشارك عالم الدين في هذه المسألة؛ حيث أنّ عالم الدين يدعو هو أيضاً للإسلام, و إلاّ فما هي فائدة كلّ هذا التعلّم؟ من أجل أن يقوم بالتبليغ في يوم من الأيام, و هذه الخطب التي كان يلقيها, هذه الصلوات التي كان في المحارب يصليها...,


مُــــعَبّا و مُقـــَبّا و مُعَـــمّـــم                                             
                              به قتل اهل دل گشته مصمم

[للعباءة و القميص و العمامة لابساً ***و على قتل أهل الله صار مصمّماً].

لأي شيء كان كلّ هذا التعلّم للدروس و الأحاديث و غيرها؟ لأجل ذلك بالطبع, حسناً.. تفضّل إذاً.. فنحن إنّما جئنا لندعو إلى هذا الأمر وحتى يتمكّن حضرة السيد من الخطابة على المنبر... نعم نحن ندعو الناس لنفس هذا الأمر, حتى تتمكّن سيادتكم من الصلاة في المحراب, حسن جداً.. تعال, فعلى من يجب المجيء إذاً؟ يجب أن تكون هذه الدعوة شاملة للجميع؛ للتجار.. للأطباء.. فجميع هؤلاء هم مسلمون, و على كلّ فرد مسلم أن ينضوي تحت هذه الراية و هذا اللواء؛ فالمرأة تأتي.. الرجل يأتي.. و بحسب تعبير المرحوم العلامة: حتى العاهرة عليها أن تأتي وتشارك وتحضر, وهو كذلك لأنّها مسلمة أيضاً و لا يجب النظر إلى أعمالها المشينة بل يجب النظر إلى إسلامها, و يجب علينا الدعوة إلى الإسلام بحيث تتخلّى تلك العاهرة أيضاً عن عهرها, و ذلك العاصي عن عصيانه أيضاً, و ذلك الدركي أيضاً عن أعماله المخالفة للشرع, فهؤلاء في نهاية الأمر مسلمون, وليسوا كلّهم بهائيّين. ألم يكن كثير من هؤلاء الجنود يصلّون و يصومون؟ أم أنّ كلّ من كان ضابطاً في زمان الشاه فقد كان فاسداً, لا يا سيد! الكثير من هؤلاء كانوا أناساً جيدين, و قد كان في ضمن نفس هذا الجيش و غيره أفراد من عائلتنا قاموا بإنجازات كبيرة لا يتجرأ أيّ أحد من القيام بها, و ذلك في تلك المناطق التي كان متواجداً بها عمّي من جهة الأم ـ رحمة الله عليه فقد كان إنساناً جيداً ـ في تلك المناطق و في جميع نوادي ذلك الزمان (زمان الشاه), قام بمنع جميع الضباط و غيرهم من شرب الخمر بالكلية, و لم يكن لأيّ أحد الحق في الإتيان بقطرة واحدة من الخمر إلى النوادي و الأماكن العامة, و منع الإفطار في شهر رمضان, و بعد ذلك كان يقوم بالطرد و المعاقبة, و كم هي الأعمال التي قام بها و كان ذلك في زمان الشاه؛ ففي ليالي الإحياء كان يجمعهم كلّهم و يضع القرآن على رؤوسهم و يتلون دعاء المصاحف (بك يا الله) و مسائل أخرى أيضاً. لقد كان المرحوم العلامة يحبّه أيضاً, و بعد الثورة أبقوه في نفس منصبه و ذلك بحسب تعليمات السيد الخميني الذي صرّح قائلا بأن يبقى في نفس ذلك المكان. رحمة الله على العميد الشيرازي؛ فقد كان شخصاً طيباً. لقد كان هؤلاء بهذا الشكل, وكانو بأنفسهم سنة (اثنين وأربعين) من ضمن المساندين, هو و أخوه و الحاج السيد معين.
كان المرحوم العلامة يقول: يجب أن يشمل نداء الإسلام الجميع, فعندما جاء رسول الله و نادى بالإسلام, لم يعزل سلمان و أباذر عن هذا النداء, كما أنّه ذهب في أثر أبي سفيان, قال له إذا كان في قلبك شعاع من النور فتعال أنت أيضاً, تعال فنحن نقبل بك بدورك, إذا كنت تمتلك في داخلك نيّة طاهرة فإنّنا نقبل بك أيضاً, نحن نقبل أيضاً بأبي جهل و أبي سفيان, هم الذين لم يريدوا ذلك, كانوا يعلمون بأنّ هذه المائدة مفتوحة للجميع, فهذه المائدة الموضوعة هنا للجميع هي نداء الإسلام و نداء الحق. لذلك نلاحظ أنّ أولى المعارضات التي برزت اتجاه هذا المنهج كانت قد صدرت من طرف نفس علماء الدين هؤلاء, فقد استجاب الجميع ما سوى علماء الدين, سوى فئة خاصة منهم ـ رحمة الله عليهم ـ حيث كانت مستعدّة لذلك مثل السيد المرحوم صدر الدين الحائري والد الشيخ روح الله, لقد كان من الأشخاص الحازمين و المستعدّين أو بحسب التعبير من الذين شمّروا على ساعدهم, كما كان هناك أشخاص آخرون, رحمة الله على المرحوم الشيخ محمد جواد الفومني الذي كان يصلّي بطهران و المرحوم دستغيب أيضاً. فقد كان هناك الكثير من الأشخاص الذين استعدوا للأمر حقيقةً؛ أي أنّهم لم يكونوا بحيث لا يوقّعون على البيان الفلاني إلاّ عندما يشعرون بعدم وجود مشكلة في ذلك! أو يحضرون فقط في الجلسات التي يكون فيها التجمّع آمناً من الناحية الميدانية.. لا, لقد كانوا أناساً قد واصلوا المسير إلى الأخير, حتّى بلغ الأمر إلى أن يفقد المرحوم الحاج صدر الدين عينه في ضمن هذا الاعتقال و الضرب و الحبس. و حينما خرج المرحوم الشيخ جواد الفومني من السجن, لم يكن والدنا على علم بالأمر إلاّ بعد مضيّ ثلاثة أو أربعة أيام, فهو لم يكن يمتلك هاتفاً؛ بينما كان جميع علماء طهران قد علموا بإطلاق سراح الشيخ جواد الفومني و مع ذلك لم يذهب منهم أحد لزيارته خلال الأيام الأربعة! و بعد مضيّ عدة أيام اطّلع والدنا على الخبر, فنحن لم نكن نمتلك هاتفاً و لم يكن الهاتف موجوداً في منزلنا. و عندما ذهب لزيارته, أخذ معه قارورة من عطر "قمصر"[2] و أعطاه إياها. لمّا أخذ منه العطر, وضعه على عينيه فأخذته العبرة و قال: يا سيد محمد حسين, لقد مرّت عدّة أيام منذ أن خرجت من السجن و لم يأت لزيارتي و لا شخصٌ واحد! و أنت هو أول شخص يزورني و يقدّم لي العطر, و قد حافظ على ذلك العطر حتى آخر أيّام حياته, فيستعمله عند الصلاة فقط...
انظروا من هم الأشخاص الذين يدّعون الإسلام! من الذي يبلّغ الإسلام! فنحن جميعاً لا نفكّر إلاّ في أنفسنا, و لا نسعى إلاّ لتحقيق ذواتنا؛ و لهذا نقوم بجرّ الإسلام إلى ناحيتنا. جميعنا نسعى للوصول إلى أهدافنا و رغباتنا, غاية الأمر أنّ ذلك يتطلّب توفير الوسيلة اللازمة, و ما هي هذه الوسيلة؟ هي الإسلام. فالإسلام هو أفضل وسيلة لذلك, فأفضل وسيلة الدفاع عن الشعائر, أفضل وسيلة هو فلان..؛ فعندما أخذنا هذه الكتب, ماذا فعلنا بها؟ و هؤلاء الرفقاء ـ جزاهم الله خيراً ـ الذين حملوا هذه الكتب, ماذا فعلوا بها؟ أخرجوها بهذه الكيفيّة التي ترونها. هل هناك من يرى هذه الكت ولا يُثني عليها؟! إذا لم يقم أحدهم بذلك, تعالوا و أخبروني, فأنا من جهتي استمتعت كثيراً بكيفية طباعتها, و كذلك بصفحاتها و أيضاً التحقيقات التي قاموا بها. لقد أجهدوا أنفسهم بالعمل صباحاً و مساءً, و لا أدري كيف استطاعوا جمع الوثائق الخاصّة بها مع هذا الوضع الذي... و أنا في كلّ ليلة لا أنام إلاّ بعد قراءة عدّة صفحات منها, أساساً أنا ألتذّ بذلك حقيقةً. فيا لها من مواضيع! و أي إقبال من طرف الناس عليها! بينما نجد أناسا في الطرف الآخر لا يرتضون هذا المنهج, مثل ذاك البائع للكتب في مشهد, حيث اتّصل به أحد الناس يسأله عن كتاب للمرحوم العلامة, وعمر البائع يناهز الثمانين سنة, اتصل به هاتفيّاً, يا سيدي هل لديكم الكتاب الفلاني؟
أنا لا أعرف ما هو هذا الكتاب أصلاً! لا, أساساً هذا كتاباً! و لا تبحث عنه من الأساس! و هو كتاب محرّف! و ليس له [العلامة رضوان الله عليه]! و لا يوجد في مشهد فلا تبحث عنه! والحال أنّه هناك ثلاثة محلات لبيع الكتب كانت قد وضعت ملصقات خلف الواجهة تتعلّق بهذا الأمر. يا عزيزي! إذا كنت لا تريد, فلتقل لا يوجد عندنا, اصدقْ في القول! فلا مشكلة في الأمر, فهل يجب على المرء أن يجلب للمحلّ كل الكتب؟! أنت تستطيع ايضا ألاّ تأتي بالمصحف, و كذلك [مفاتيح الجنان] فلا دخل لأيّ شخص بك.. قل ليس عندي مصحف. يا سيدي, لا يوجد عندي هذا الكتاب, اذهب و حصّله من مكان آخر. ولكن اصدقْ في القول!
أمّا أن تقول هذا الكتاب ليس له أصلاً!! أو أنّه محرّف!! و لن تجده في مشهد و...!
فالسائل الذي يبحث عن الكتاب كان شخصاً غريباً, واحداً من طلبة مشهد, و كان شخصاً عادياً و ليس من الذين لهم ارتباط [بالطريق و الرفقاء], بينما البائع قد مضى على عمره ثمانون سنة, و التقى بالسيد الأنصاري.. والسيد الحداد.. والمرحوم السيد العلامة.. لقد التقى بكلّ هؤلاء, و هذه هي نتيجة كلّ تلك مجالس العزاء التي كان يقيمها في منزله!.

    

التقوقع على الذات مخالف للمباني الإسلامية ودعوة الحقّ

جاؤوا إليّ و قالوا: يا سيد! لقد طُبع كتاب تمّ تأليفه عن حياة السيد العلامة, فسألوني: أيجوز لنا شراء مثل هذا الكتاب أم لا؟ قلت: اشتروا عشر نسخ منه.. و ضعوا في كل غرفة نسخة, نعم قد تصفّحته فقط و لم أقرأه, وعرفت من كان مؤلّفه, و كان أسلوبه إنشائياً, لكن ما العيب في ذلك؟ لماذا على المرء أن يهرب من الأمر؟ إذا لم نقم نحن بذلك و إذا لم نرحّب نحن بذلك فمن الذي عليه أن يتتّبع هذه الكتب التي تتناول حياة الأولياء؟. فلا فرق بين الاهتمام بهذه المدرسة سواء بالمحاضرات أو الدروس أو الكتابة والتأليف.. فهو أمر حسن جدّاً! علينا أن نتعامل بعين الانفتاح والاستيعاب لكل ذلك, فإن كان فيها كلام حسن فبه, وإن كان فيها كلام سيّئ, فلنناقش ونقوم بطرح الطرف المقابل وهكذا فلنبيّن ذلك, ما هي المشكلة في الأمر؟ لماذا يجب علينا أن نكون منغلقين؟ لماذا نحاصر الآخرين؟ فماذا تكون نتيجة ذلك؟ تكون هي المسخية!! و في هذه الحالة يكون نفس هذا السيد الذي تشاهدون ممسوخا حينئذ.
بينما نجد في الطرف الآخر حينما يسأل أحدهم عن أحد الكتب التي تمّت ترجمتها فيجيبونه: لقد تعرّض هذا الكتاب للتحريف, فقد حرّفوا كلام السيد العلامة!! عجيب.. أين هو الكلام الذي حرّف ؟ فنحن لم نغيّر حتّى ولا كلمة واحدة من مكانها.
لقد أخذوا كلام السيد العلامة و ترجموه, و هو يعدّ تحريفاً..!
سلمت أيديكم من كلّ سوء, ألم تكتبوا بأنفسكم في هذا الكتاب بأنّنا سنقوم بترجمته؟ ألم تقرؤوا ذلك في نفس المقدمة؟ ألم تكتبوا في نفس المقدّمة المكتوبة بخط السيد العلامة بأنّ هذا الكتاب سيُنشر مع ترجمته من طرف هذه المؤسسة؟ ضعوا هذا في جانب ذلك الكلام. أم لأنّه تمّت ترجمة هذه المطالب فهذا الكتاب إذن ليس للسيد العلامة. و مع كلّ ذلك يذهب ذلك السيد لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام): يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً, يا ليتني كنت كذا, يا ليتني اقتفيت أثركم... الإمام الحسين (عليه السلام) بدوره سيسخر منه: اذهب لحال سبيلك, لقد أخذت مكان غيرك من الزوّار, و تسبّبت لهم في ضيق التنفّس, قم من مكانك و ارجع إلى مشهد, لماذا جئت إلى هنا؟ لأيّ شيء؟ فعندما كان المرحوم السيد الحداد يقول تكراراً: عوض أن تبكي في واقعة كربلاء, حاول أن ترفع من مستوى فهمك, فقد كان يقصد هذا الأمر, أي من أجل ألاّ نقع اليوم في مثل هذا الشقاء, و لكي لا يأتي ـ بعد مرور خمسين سنة من عمرنا, و بعد الأبّهة و العظمة و التدريس و التحدّث عن الفلسفة و الفقه ـ يوم من الأيام نصبح فيه محطّاً للسخرية! لكي لا تصير نتيجة كلّ هذه الدروس و المباحثات التفوّه بهذا الكلام و التكلّم بهذا الموضوع. إذن لماذا تقع مثل هذه الأمور؟ فكلّ ذلك إنّما يحصل لأننا لم ندرك ماهية و حقيقة المسألة, و لم نتوصّل إلى ماهية و حقيقة القضية؛ ففي مدرسة أمير المؤمنين يكون الاعتناء بالماهية بديلا وحاكماً على الظاهر, بحيث يجب النظر للحقيقة و الأهداف التي تقع وراء الحادثة, و يجب النظر إلى النوايا المخفية و المستورة التي لم يطّلع عليها أحد و إلى الأهداف التي تكون دائماً في الخفاء.
فلماذا لم يبايع الإمام الصادق محمد و إبراهيم ابني عبد الله المحض؟ لأنّه مطّلع على النوايا, و نحن إذا كنّا موجودين في ذلك الوقت سنقول: يا سيدي, هل فضّلت القعود! إنّه المنصور الدوانيقي, و هؤلاء هم بنو الحسن, و الهدف كذلك هو الثورة, فلماذا اخترت القعود إذن؟! و في هذه الحالة ما الذي سيقوم به الناس؟ سيرون بأنّ هؤلاء هم أبناء الحسن و أولاد الرسول و في الجهة الأخرى للمسألة أيضاً يوجد طرف غاصب و هم خلفاء بني العباس, فيتقدمون للأمام؛ أمّا الإمام الصادق فماذا يفعل؟ يقول ـ و هو المطّلع على نية ذلك الأمر ـ إنّ الذي سيظفر بالحكم هو صاحب الرداء الأصفر و لن تناله أيديكم, فلا يكن سعيكم نحوه هباءً منثوراً. لماذا ذلك؟ لأنّني إمام و عالم بالأمر و مطلع على الغيب. أمّا في هذه الأيام فالحمد لله صاروا يقولون: كفانا.. فالإمام لا يعلم الغيب, و قد ظهر أحدهم يقول: لا حجية لقول الإمام, و هو ساقط عن الحجية. فلا يدري المرء بعد كلّ ذلك أيضحك على ما وصل إليه هؤلاء أم يبكي. كما أنّه في كلّ يوم و لله الحمد يطلع علينا أمر جديد؛ ففي يوم يظهر شخص يعدّ زيارة الناحية [المقدّسة] واهيةً, و في يوم يرفض آخر زيارة عاشوراء, و يقول أحدهم بأنّ الزيارة الجامعة هي من صنع الغلاة.. غلاة الشيعة, و هكذا.
لماذا تحدث كلّ هذه الأمور؟ لأنّ هؤلاء لم يسعوا للزيادة في علمهم و معرفتهم؛ فالإمام يقول: أنا إمام و مطلع على حقائق الأمور, و أنت غير مطلع على ذلك التقدير و المشيئة الإلهيتين بينما أنا مطلع على ذلك, فإذا كنت لا تريد أن تسمع تفضّل خذ. ثمّ شرعوا بعد ذلك في تهديد الإمام, لأنّ الوصول إلى المنصب يحتاج إلى سبب و وسيلة, و ما هي هذه الوسيلة؟ يجب أن تمرّ عن طريق الإمام, فذهبوا إليه, هل تبايع أم لا؟ و إذا لم تفعل سنقتلك غداً. فالأمر يحتاج إلى سبب و وسيلة و الناس لن يقبلوا بكلامنا بدون بيعتكم ومشاركتك أنت, أمّا إذا رأوا بأنّ جعفر بن محمد قد جاء و بايع سيأتون هم كذلك للبيعة.
غير أنّ الإمام الصادق الذي يعدّ مسئولاً عن أرواح الناس لا يمكنه أن يبايع, فالإمام الصادق ـ و هو القيّم على دين الناس و دمائهم و أعراضهم ـ لا يمكنه أن يبايع, و المسألة لم تكن متعلّقة بالإمام الصادق لوحده لأنّهم قاموا بسمّه و قتله هو أيضاً؛ بل كانت تعني مبايعة الإمام الصادق لهؤلاء سفك الدماء و هتك الأعراض و سيطرة أشخاص لا أهلية لهم على منصب الخلافة. هذا هو معنى ذلك, و الإمام الصادق لا يمكنه أن يقوم به, و إذا أردتم أن تسجنوني فاسجونني, فأنا لن أبايعكم, لأنّ المسألة لن تكون ذات أهمية لو كانت مرتبطة ببيعتي أنا فقط, غير أنّ مبايعتي لكم تستتبع مبايعة الآلاف المؤلّفة من الأشخاص, و أنا غير مستعد لأن أكون مسؤولاً عن إهراق دمائهم. هل تعلمون إذن ما الذي أريد قوله ؟ وإلى أية نتيجة نودّ أن نتوصل إليها؟ نريد أن نقول: إنّ أولئك العظماء الذين كانوا دائماً يراعون في جانب التورّع والاحتياط لم يكونوا يفكّرون في أنفسهم ولم يخافوا على أنفسهم, بل كانوا يفكرون في الناس, و إلاّ لو كانوا كذلك لتعيّن علينا تكليف آخر... و نحن كنّا مطلعين على هذه الأمور حيث كان الشيء الوحيد الذي لا يفكرون به هو أنفسهم.
ففي نفس مدينة قم هذه, و في الوقت الذي كانت تعبرها الدبابات و هي تطلق الرصاص, كنت قد اشتريت خبزاً من الخباز و بدأت أمشي في الشارع بكل هدوء, فأخذوني و سحبوني إلى محلّهم و أغلقوا الباب و قالوا لي: يا سيد إذا لم تكن راحماً لنفسك فارحم زوجتك و أطفالك, فقلت: حسناً, أنا في طريقي إلى المنزل. و لمّا هدأت الأوضاع قام أحد الضباط بانتداب شخصين من أجل إيصالي إلى منزل ضابط آخر, و عندما جاء ـ و كان قد رآني من بعيد ـ قال لي: روحي فداء لجدك, هل هذا وقت مناسب لشراء الخبز؟ ففي الوقت الذي كان فيه البقية مختبئون في المنزل ـ و أنا لن أذكر أسماء الذين كسروا باب المنزل و دخلوا إليه للاختباء و مع ذلك يتفوهون الآن بآلاف الكلمات ـ في ذلك الوقت اشتريت خبزاً من أمام الدبابات و رمي الجنود للرصاص و ذهبت بكلّ هدوء و استقامة في طريقي إلى المنزل, حسن جداً, من الواضح أنّني لست جباناً؛ لكن هل يجب على الإنسان أن يفكر في نفسه دائماً؟ ألا يجب أن يفكر المرء بالآخرين؟ هل الإنسان مسئول عن نفسه فقط؟ فهؤلاء العظماء الذين كنتم تقيّمون أعمالهم في السابق و كنتم مطّلعين على أحوالهم و حركاتهم و سكناتهم و احتياطهم في الأمور, لأيّ شيء كانوا يقومون بكلّ ذلك؟ كان ذلك من أجل الآخرين و إلاّ فمن الأفضل للمرء أن يقرأ نشيد الوداع و يرتاح من هذه الدنيا اليوم قبل الغد. إذن, ما يهمّ في مدرسة أهل البيت هو الوصول إلى حقائق الأمور و الحوادث التي تبقى هناك, و هذه مسألة يجب بحثها و إنعام النظر فيها.

    

لا بدّ من انتخاب أفضل الطرق وأسلمها للوصول إلى المطلوب

الأمر الثاني: يجب الالتفات إلى ضرورة أن يختار الإنسان دائماً أحسن طريق و أنجح وسيلة في التعامل مع القضايا التي تواجهه, و بمقتضى هذه النظرة للأمور و كيفيّة التعاطي مع الحقائق الخارجيّة: فعندما يأتي لمنزلكم عدوّ مسلّح.. لصّ, و أنتم لا تستطيعون أن تمسكوا بخناقه و تدقوا رأسه بالحائط ـ مع العلم أنّه مسلّح و إذا ما أردتم القيام بذلك فإنّه, و بالإضافة لتمكنه من تحقيق غايته, سيقضي عليكم أيضاً ـ فلا تعطوه مجالاً لكي يقتلكم و اسمحوا له بتحقيق رغبته. حسناً, فليأخذ المال الذي كان يريد. و في نفس هذا الإطار, كنّا في إحدى الدول؛ فذهبنا فجأة إلى مكان ما, و حيث أنّه لا تتمتّع تلك البلاد بالأمن, فقد جاء عدّة مسلحين, هذا مع العلم بأنّه لديهم العديد من الحرّاس وكذلك كلاب للحراسة, فقلت لهم: لماذا تقتنون هذا العدد الكبير من الحراس و الكلاب؟ قالوا: لأنّ هذا المكان غير آمن, و في إحدى الليالي عندما كان عدد الحرس قليلا جاء اللصوص إلى منزلنا, و لم يكن هدفهم هو المال, بل و نظراً لعلمهم بأنّهم [الحرس] كانوا مسلحين قالوا لي بكلّ هدوء: يا سيد, إذا كان لديك سلاحاً فأعطه لنا. حسناً, إذا قال لهم ليس عندي فإنّهم و بكلّ سهولة سيطلقون الرصاص على رأسه. و لهذا فتح الباب و قال له: هذه هي الأسلحة فخذها, فأخذها بدوره, بل و شكره على ذلك و ودّعه ثم ذهب. ففي هذه الحالة إذا لم يقم بذلك العمل, ما الذي كان سيفعله الآخر؟ كان سيقتله هو و زوجته و أطفاله و في نفس الوقت سيأخذ الأسلحة! و لهذا فإنّ فعله كان عقلائياً, فحتى المال لم يأخذوه مع أنّه كان موجوداً هناك, حيث قالوا له: نحن لا نريد مالاً, و ما نريده هو السلاح فقط؛ فقد كانوا مجموعة من اللصوص يشكلون عصابة في تلك المنطقة, و عندما أتينا كانوا قد قاموا بفعلتهم.
إنّ من المهم جداً أن نلحظ كيفية تعامل الإنسان مع القضيّة وآليّة مواجهته لها, بحيث يواجهها بالطريقة التي تعرّضه لأقل ضرر ممكن, و تستتبع هذه المسألة أمراً آخر مهمّاً جداً وهو: أنّه لا يجب علينا أن نخلط في كلامنا بين القضايا و المسائل الأخرى؛ بل يجب أن تكون حدود كلّ شخص و مكانته معيّنة, و ماهية كلّ حادثة واضحة و جليّة, و يجب علينا ألاّ نقيس شخصاً بشخص آخر و حادثة بحادثة أخرى.

    

لا يقاس شيء من الحروب على وقعة كربلاء

و خلاصة القول إنّ هذه المسائل تعدّ من القضايا التي لم تلاق قدراً من الاهتمام من طرف ولاة أمرنا؛ بينما نجد أنّ الأئمة قد سعوا جاهدين من أجل الحفاظ على الحرمات في جميع القضايا, و قاموا برعايتها في كل مكان, و عندما يقول أمير المؤمنين عليه السلام فيما يتعلّق بيوم عاشوراء: "مناخ ركاب ومصارع شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم" فإنّ هذه القضية بهذه الكيفية ستكون فريدة من نوعها؛ حيث أنّ العالم شهد الكثير من القتل و النهب, و منذ خلق آدم إلى زمان ظهور الإمام و القتل و المذابح موجودة, الحروب و الاعتداءات موجودة, التدمير و التزوير موجود, كلّها كانت موجودة؛ غير أنّ عاشوراء لم توجد عبر التاريخ إلا في يوم واحد و هو يوم العاشر من محرم. نعم, إذا كنت تريد أن تنظر إلى نفس الحقيقة الخارجية المرئية لا الحقيقة مع جميع ما تحويه في داخلها من حقائق, فلن تتعدّى في ذلك هذا الظهور للماهية المرئية و ذلك الشكل الخارجي, فلربما لن نجد اختلافاً بين هذه الحادثة[3] و واقعة عاشوراء؛ فهناك أناس و رمي و دم و ما شابه ذلك, و هنا كذلك نفس الشيء يوجد رمي و رصاص و دم و قتل, و لا يوجد أيّ فرق من هذه الناحية بين المسألتين؛ ففي كلتيهما يوجد إنسان فصله و جنسه واحد أي ناطق و حيوان, و هذه هي الصورة الظاهرية للمسألة؛ أمّا صورتها الباطنية و التي تميّز هذه الحادثة عن بقية الحوادث فهي الصورة الحقيقيّة و الواقعيّة التي تدفعنا لإقامة العزاء في كلّ سنة لا تلك الصورة الظاهرية, و إلاّ لو كان الأمر كذلك لوجب علينا إقامة العزاء في كلّ يوم لأنّه في كل يوم من الأيام قد وقع قتل و نهب في مكان ما, ألم تكن هذه المسائل موجودة في السابق والآن و دائماً؟ و عليه, ما هو السبب الذي يجعل عاشوراء في كلّ سنة تشدّنا نحوها ـ شئنا أم أبينا ـ و تؤثّر في قلوبنا؟ هل بسبب قتل الإمام الحسين؟ حسناً, لقد قُتل الكثير من الناس عبر التاريخ, فلا يوجد لهذا الأمر أيّ تأثير. هل بسبب وطء الخيل لبدن الإمام الحسين؟ كثيراً ما وقع الأسوأ من ذلك بحيث عبرت السيارات و الدبابات على أجساد الموتى, فلماذا لا تغلب هذه الأمور على عاشوراء؟ لماذا لا نعتبره كعاشوراء؟ فيكون إذن الأمر الذي يؤثر في استمرار هذه الحادثة هي تلك الأهداف و النيات التي تقف وراءها و ذلك الهدف و الغرض الأساسي الذي يكمن خلفها. و عندما جاء علي الأكبر و أراد أن يتقدّم للقتال و أذن له الإمام الحسين مع أنّه لم يأذن لأحد غيره, ماذا كانت نيته في ذلك؟ و هل تكرّرت هذه النية عبر التاريخ؟ هل حدثت هذه المسألة مرة أخرى في التاريخ؟ ذلك الهدف الذي كانوا يشاهدونه و يقولون إنّ ألف شخص... و قد صادف أحد الأيام في نفس سفرنا هذا الذي كنا فيه أن تمّ الحديث حول هذه المسألة, فتحدثنا مع أولئك الرفقاء و قلنا تعال لنفكر في أنفسنا بشكل واقعي؛ فعندما كان زهير بن القين يقول: لو قطعوني إرباً ألف مرة و فعلوا بي الأمر الفلاني مرة أخرى, فلن أتراجع؛ وهو بقوله هذا لم يكن يمزح, بل كان يتحدث بشكل واقعي. لنجعل ضميرنا حاكماً علينا و لننظر هل هكذا نحن أيضاً في الواقع؟ و أعني بالذكر نحن الموجودين هنا و الذين نتحدث مع الرفقاء, بغضّ النظر عن بقية الناس, هل هكذا نحن أيضاً؟ و لا نقول ألف مرة بل مرتان فقط, فيقتلونا في المرة الأولى و يحيونا في الثانية. يا سيدي, لو كان الأمر بيدنا لفررنا! أمن المعقول أن نقّدم أنفسنا للفداء تسعمائة و ثمانية و تسعين مرّة! هل هكذا نحن أيضاً في الواقع!! أم أنّنا مثل حبيب بن مظاهر الذي كان بتلك الحالة و الذي جاء بتلك الطريقة!

    

قيمة عاشوراء كونها مرآة تامّة لإرادة الله المتجلّية بالإمام المعصوم

حسناً, لقد شارك أشخاصٌ كُثر في هذه الأحداث و الوقائع التي استمعنا إليها, وجاهدوا كثيراً.. تحمّلوا الصعاب.. و قاوموا بالفعل.. و جميع هؤلاء كانوا حاضرين في هذه الحادثة, لكن آخر الأمر... ـ و أنا لا أذكر هنا إلاّ الأشياء التي شاهدتها بنفسي ـ و كمثال على ذلك, يقول ذلك الشخص: رأيت في الأخير أنّه لا يمكنني السكوت هنا, و إذا أرادوا أن يستمروا على هذه الطريقة فإنّي سأكشف عن أسماء الأشخاص, و بنفسه كان يقول: في هذه الأثناء سمعت أنّهم سيتراجعون و لن تتكرّر هذه المسألة بعد ذلك... ولكن الفارق بين منطقهم هذا ومنطق زهير ابن القين هو أنّ منطقهم على قاعدة: أنّني سأصل إلى هذه النقطة و بعد ذلك لن يمكنني الاستمرار.. غير أنّ زهير لم يكن كذلك؛ فهو لم يكن يفكّر أصلاً في أن يسلك هذا المسلك من الأول, ولم يكن ليخطر على باله مثل هذا الممشى, كذلك حبيب لم يكن كذلك, و مسلم لم يكن كذلك؛ فمن الأصل لا مجال لوجود مثل هذه المسألة, و لماذا ذلك؟ لأنّ هؤلاء هم على درجة عالية من الفهم والبصيرة بحيث لا يفكّرون بمنطق مادّي أصلا, فعندما تغلب حالة الفهم على المادة فهل يمكن للمادة أن تعود وتؤثّر في المعنى؟ بالطبع لا, بيد أنّ درجتنا نحن هي في مستوى المادة, غاية الأمر أنّنا لا نقول إنّها مادية صرفة, بل هي نسبة معيّنة ممزوجة من الجانب المعنوي و الروحي, و هذا أمر نقبل به إلاّ أنّه في نهاية الأمر يوجد في هذه الدرجة توجّه و التفات للبدن؛ لذلك نحن نحسّ بالألم, فحينما نواجه الصعاب والشدائد والجراح نشعر بالألم, وشعورنا هذا يمنعنا من تخيّل مرتبة أعلى وأشرف وأقوى, مرتبة لا مادّة فيها ولا ألم! مرتبة تجعلنا حاضرين للفداء بشكل تام.. إلى الحدّ الذي يصل فيه الأمر إلى أن يتعاهد أبو الفضل مع علي بن الحسين سلام الله عليهما في واقعة كربلاء على ألا يجيزا في صباح الغد لأيّ أحد من الأصحاب في البراز للقتال, أي أن يقولا للأصحاب: يجب عليكم ألاّ تذهبوا للقتال, فيتعاهدان على أن يُغيرا على جيش عمر بن سعد و يقضيا عليه عن بكرة أبيه, و قد كان في مقدورهما القيام بذلك, أي أنّ عليّاً الأكبر و أبا الفضل كانا يستطيعان القيام بهذا العمل, و قد قيل أنّهم حينما تحرّكوا في اتجاه الكوفة, جاؤوا لابن زياد ليقولوا له: يا هذا! ماذا يعني أن تأتي بثلاثين ألف, يجب عليك أن تجلب معك ثلاثمائة ألف! فثلاثين ألف لا تقدر على تحقيق أيّ شيء!! و سوف يقضي هؤلاء عليهم كلّهم. و لولا المشيئة الإلهية لقاما بهذا العمل؛ حيث أنّ الإمام الحسين حال دون وقوع هذا الأمر. فهل هذا النوع من التفاني في عالم المعنى متحقّق فينا نحن أيضاً؟ بحيث يأتي الإمام الحسين و يضرب بسيفه و يقلب الميمنة على الميسرة حتى يقول الجيش: كأنّه علي بن أبي طالب في صفين قد عاد للدنيا من جديد!! فيجيئه الخطاب فجأةً يخيّره بين مقام الشفاعة و الانتصار على العدو.. فيختار عليه السلام مقام الشفاعة, و يصيبه في تلك اللحظة ذلك السهم. هل هذا متحقّق فينا نحن أيضاً؟!
هذه هي عاشوراء..

    

ضرورة التفكر في وقعة كربلاء وإدراك حقيقة التنزّل التوحيدي المتجلّي فيها

فهل أحكامها منطبقة علينا نحن أيضاً؟ و لهذا يقال بوجوب التفكّر في هذه المسائل و وجوب وعي و إدراك هذه الحادثة و ذلك التنزّل لحقيقة التوحيد فما ذكرته [سابقاً] حول واقعة عاشوراء من أنّ سيد الشهداء هو من بنفسه قد أوجد بنفسه هذه القضايا و صاغ هذه المسائل, أي هو كذلك كان مجرياً و منفّذاً للمشيئة الإلهية, و إلاّ فإنّ الملائكة جاؤوا إليه يعرضون عليه النصرة. و الوحوش جاؤوا إليه أيضاً, فجميعهم جاؤوا إليه.. و جاءته طائفة من الجنّ و قالوا له: أمهلنا دقيقتين فقط للقضاء على جميع هؤلاء, فلماذا قال لهم عليه السلام: لا؟ لأنّ هدفه لم يكن هو الانتصار؛ أمّا نحن فهدفنا هو الانتصار و الغلبة, غاية الأمر أنّه انتصارنا الذي نريده ونحبّه مصبوغ بالصبغة الإلهيّة, فهو ليس انتصاراً لمجيء يزيد و عمر.. ولا انتصار لمجيء الشيوعية الفلانية مثلا, بل هو انتصار لله تعالى, وهذا صحيح, ولكن!! يبقى هدفنا هو الانتصار. حسناً, لو أنّ الله تعالى يقول: إذا كنت أنا لا أريد الانتصار, فلماذا تريدونه أنتم؟ أي لو يقول الله تعالى لنا: أنا لا أريد الانتصار! فماذا عساك أن تقول حينئذ؟! ما الذي سنقوله نحن؟ سنقول لا, يا إلهي يجب علينا أن ننتصر ليكون العالم كله بيدنا وتحت سلطة الحقّ والعدل وتحت سلطتك يا الله... يقول الله تعالى: لا, فذلك الانتصار هو لوليي الذي لم يأت بعدُ, و تلك الغلبة التي أنشدها يجب أن تتحقّق على يديه هو, أي إنّنا نريد أن نقوم بعمل إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه.. حسن جداً, لا توجد مشكلة في الأمر, هل وصل بكم الأمر إلى هذا الحدّ! فيقول الله تعالى لهم على بركة الله, أتريدون القيام بهذا العمل؟ لا بأس في ذلك, أرونا ماذا في وسعكم القيام به! فهل قاموا بشيء أم لا؟ فأولياء الله أولئك كانوا عالمين بهذا العصر, مشرفين و مطلعين عليه. و قد ذكرتُ بأنّ أمير المؤمنين عندما قال لأولئك الأشخاص لا تقتلوا عثمان, فإنّ ذلك لم يكن لأجل سواد عيون عثمان, بل كان في الواقع أكثر عداءً له من الجميع؛ بل السبب في نهيه هو أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم بأنّ الأمر لن ينتهي بمقتل عثمان, ففي الشام يوجد ثعلب جالس في انتظار أن يقتل عثمان, و لهذا فإنّه بعث بالجيش إلى المدينة ـ بناءً على طلب عثمان ـ دون أن يدخل إليها, و قفل راجعاً من هناك إلى الشام, فقال عثمان لمروان: أنت و معاوية هما المسبّبان الرئيسيان في قتلي؛ فأنت بأفعالك هنا و الآخر أيضاً بأعماله الشيطانية و بمكره كنتما الباعثان على ذلك, حيث أنّ معاوية جاء إلى هنا و لا يريد أن يسعى في نجدتي إلى أن يفوت الأوان. و هكذا كان, فقد جاء عن قرب و رجع من مكانه لأنّه كان ينتظر فقط, فرجع رافعاً قميص عثمان. انظروا! إنّها وسيلة انتهازيّة, و قد كان يسعى للحصول على وسيلة وحجّة لتمرير شيطنته وأغراضه وأهدافه النفسيّة؛ ففي الأخير يجب إثارة الناس بأية طريقة, و لهذا فإنّه اشترى قميص عثمان ببضعة ملايين ليكون تحت تصرّفه و ليقول للناس تعالوا و انظروا, ها هو الخليفة و ها هو قميصه, و ها هي أصابع زوجته , و هي أصابع تبلغ قيمتها ملايين الدولارات ـ في ذلك الوقت لم يكن الدولار موجوداً, بل كانوا يتعاملون بالذهب و غيره ـ فاشتراها و من على المنبر... فالمسألة كانت بهذا الشكل. و عليه, يجب علينا أن نعرُض القضايا و الأمور الحادثة كما هي و في نفس حيّزها و دائرتها دون أن دمجها بشيء آخر خارج عنها, فعاشوراء هي لعاشوراء فقط, و اليوم قد يتحقق يزيد في كثير من الأشخاص, سنان بن أنس كذلك, الشمر كذلك. نعم, هذا فيما يخصّ مرتبة الوحشية و جانب القسوة؛ فمن الذي يرتكب كلّ هذه الجرائم اليوم؟ هو نفس يزيد, هم نفس يزيد و سنان و الشمر؛ غاية الأمر أنّ الشمر كان يمتلك ذلك الشكل و الصورة و في ذلك الوقت كانت الأسلحة بشكل آخر, أمّا الآن فيفرق الأمر. و عليه, لا شكّ في عدم وجود اختلاف حول جانب الوحشية و القسوة؛ فقساة القلب كانوا و سيكونون موجودين دائماً, بيد أنّه في مسألة عاشوراء لم يتعلّق الأمر بالشمر و يزيد فقط؛ بل كان الإمام الحسين و أبو الفضل حاضرين في هذا الجانب أيضاً, و لو كانت حادثة عاشوراء مقتصرة على وجود عمر بن سعد و يزيد و سنان لصحّ أنْ نقول: كلّ يوم عاشوراء, فسنان و خولي [بن يزيد الأصبحي] و الشمر يحضرون كلّ يوم وفي كلّ زمان؛ أفهل كان صدّام في الواقع و الذي فعل كذا و كذا أقلّ وحشيةً و قسوة من الشمر؟ فقد كانوا يقطعون رؤوس الشيعة أمامه و هو يلفّ أوراق السجائر! فماذا تراه كان سيفعل لو كان حاضراً في يوم عاشوراء؟ كان سيسبق الشمر في قطع رأس الإمام الحسين, و لا شك في أنّ قلب صدّام هذا الذي مات لم يكن أقلّ قسوة من الشمر, إذا لم نقل بأنّه أكثر, فقد كان شيئاً عجيباً, أي أنّه كان متوحّشاً لدرجة أنهم يأتونه بمائة شخص فيقول لهم: اذبحوا هؤلاء المائة, فيذبحونهم و هو يدخن السجائر و ينظر إليهم, ائتوا بمائة أخرى, لا, بل بثلاثمائة لكي تصير الأمور أفضل!! و كونوا على يقين بأنّ المسألة كانت بهذا الشكل, أي أنّّّه كان مخلوقاً قد صيغ بهذا الشكل. حسن جداً, على هذا يكون لدينا في هذا الزمان من يضاهي الشمر, بل و في كل مكان؛ ففي كل بلد يوجد عدد كبير من مثل الشمر و خولي, غير أنّه يا ترى كم لدينا مثل الإمام الحسين؟ و من مثل أبي الفضل؟ و من مثل علي الأكبر الذي كانت الإمامة فيه لو لم تكن في علي بن الحسين؟ أي أنّه كان يتلوه في المقام غاية الأمر أنّ الإمام كان أعلى منه بدرجة, فكم يا ترى لدينا مثله؟! تعالوا إذن, فهذا الأمر ليس من الأشياء التي يمكن إخفاؤها..

    

اشتباه كلام الذين يدّعون بلوغهم مقام عليّ الأكبر وأبي الفضل سلام الله عليهما!

تعالوا نرى أولئك الذين يزعمون ويتخيّلون أنّهم يمتلكون شأن ومقام علي الأكبر.. تعالوا لنرى مدّعاهم ونرى ما عندهم!! حتى ننهل من نورهم و بهائهم!!! ماذا يمتلكون؟؟ فذلك السيد [غفر الله له فقد كان إنساناً طيّباً] كان يقول: ـ و أنا بنفسي سمعته يخطب في مشهد قبل صلاة الجمعة ـ يا حسين! إذا كان لديك عليّاً الأكبر, فلدينا الآلاف من مثله, و إذا كان عندك حبيب بن مظاهر فعندنا الآلاف من مثله, و قد سمعت منه ذلك بنفسي, مع العلم أنّه توفي, حيث قتلوه في إحدى الأماكن. خلاصة القول إنّ هذا الأمر كان ناشئاً من جهله؛ فهو إنسان جيّد غير أنّ كلامه كان خاطئاً. فيا سيادة الشهيد رجائي ـ رحمة الله عليك ـ أنت تقول [للإمام الحسين] إذا كان لديك عليّاً الأكبر فعندنا الآلاف من مثله!! أحضر لنا واحداً من هؤلاء كي أبيّن لك ماذا كانت حقيقة عليّ الأكبر و ما هي حقيقة هذا الواحد من الآلاف التي عندك.. نعم, كانوا شباباً طاهرين و مخلصين, و لا ريب في ذلك فأنا كنت على معرفة ببعضهم, كما أنّني لم أكن أعرف الكثير منهم, لكن هل أصبح أحدهم كعلي الأكبر؟! مثلاً لو ننظر إلى أحد مراجع التقليد نظير المرحوم السيد البروجردي مع ملاحظة مقامه العلمي العالي وصدقه و ذلك الإخلاص و غير ذلك, هل نستطيع أن نجيز لأنفسنا تقليد أحدٍ غيره بحجة أنّه مشابه للسيّد البروجردي؟! وذلك بدعوى أنّه ـ فرضاً ـ كان يدرس اللمعة و سيداً و لحيته بيضاء و يضع على عينيه نظارات (كما كان يفعل آية الله البروجردي)؟!! وإذا وجد في ذلك الزمان شخص مثل المرحوم الشيرازي و بالنظر إلى ذلك العلم و تلك القدسية التي كان يمتلكها, أفتستطيعون أيضاً أن تقولوا عنه الآن إنّه الميرزا الشيرازي؟! تفضّل.. لقد كان الميرزا الشيرازي عالماً.. فأرنا بدورك ما تمتلكه من علم, و كان يمتلك الميرزا الشيرازي فطنة فأرنا أنت كذلك ما تمتلكه من فطنة, و كان يمتلك الميرزا الشيرازي أموراً معنوية و روحية و كشفاً لبعض الحقائق فأرنا بدورك ما لديك من ذلك!! أمّا أن نجلس هكذا و نبدأ في الادّعاء... بالنتيجة: لو كنت تمتلك شيئاً أطلعنا عليه, فلا بأس في ذلك. و كذلك إذا ظهر أحد الأشخاص كالسيد بحر العلوم, هل نستطيع القول بأنّه يوجد اليوم الكثير من أمثاله؟ حسناً, ليتقدم أحدٌ يكون مثل بحر العلوم فيقرأ عشر صفحات من الإنجيل على أهل الإنجيل و يتغلب عليهم جميعاً, و يقرأ التوراة على أهل التوراة في الطريق المؤدّي إلى النجف فيتشيّع هناك ثلاثمائة شخص. حسن جداً, لقد كان بحر العلوم يحظى برعاية خاصة من الإمام, فأحضر لنا شخصاً يكون بدوره محطّ رعايته عليه السلام. و عليه, فلا يجوز لنا أن نقول بعد ذلك: إنّ هذا هو بحر العلوم و إلاّ سنكون من الكاذبين؛ لأنّ للسيد بحر العلوم هويته و ماهيته الخاصّة به, و للميرزا الشيرازي كذلك هويّته و مقامه الخاصّين به. و إذا ما وُجد شخص يماثل الميرزا الشيرازي فيقدر على إبراز تلك الماهية في مقامي الثبوت و الإثبات و بتأييد من أهل الخبرة فإنّنا سنقبل بذلك, لكن هيهات!

    

بطلان الشعارات السائدة: كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء وكذلك عبارة حسين هذا الزمان!

بناءً على ذلك, لا شكّ أنّه في هذا العصر يوجد أشخاص يضاهون الشمر و سنان و خولي, و هذا في الجانب الأول من المسألة؛ أمّا في الجانب الآخر و الذي يتواجد فيه كلٌّ من حبيب بن مظاهر و أبي الفضل و سيد الشهداء و السيدة زينب و الإمام علي بن الحسين, فمن هم الأشخاص الذين يماثلونهم؟ دلّونا على من يكون بمثابة الإمام الحسين اليوم! دلّونا على من يكون بمثابة أبي الفضل! قولوا لنا هل يوجد من بين هذه الآلاف المؤلّفة من الأفراد التي تموت و تقتل, و بعضها حائز على مقامات عالية و بعضها غير حائز على ذلك شخصٌ يماثل أبا الفضل؟ حسن جداً, هل يمكننا أن نقبل بكون أحد هؤلاء هو كعلي الأكبر؟ لنقبل بذلك فلا مانع من الأمر؛ أمّا إذا لم يوجد أيّ أحد فما العمل إذن؟ إذا لم يوجد أيّ أحد, لا يجوز لنا أن نقول إنّ هذه عاشوراء. يجب ألاّ يقول الإنسان إنّ هذا هو بحر العلوم, أو هذا هو الميرزا الشيرازي, أو هذا الشيخ الأنصاري. لنفرض أنّه ليس الإمام الحسين, فلا يجوز لكم أن تقولوا عنه ذلك. و عليه, فإنّ الأشخاص الذين كانوا يقولون من على المنابر و يدوّنون في الكتب بأنّه لدينا حسينٌ في هذا العصر.. نمتلك عليّ هذا العصر, و يجب علينا ـ مثلاً ـ أن نتّبع حسين هذا العصر... و قد فوجئت بسماع ذلك من المرحوم الشيخ مطهري, فسمعته بنفسي يقول ذلك من خلال شريط عرضوه في الإذاعة حيث كان يعبّر عن "موشي دايان" بالشمر و كان يقول بأنّ شمر ذلك العصر قد مات و أحيل عليه التراب أمّا شمر هذا العصر فهو "موشي دايان". نحن نقبل بهذا الكلام و بأنّ شمر هذا العصر هو "موشي دايان", كما أنّه لا يوجد خلاف حول هذا الأمر, بل لعلّه كان أسوء من الشمر, بيد أنّ الجملة التي جاءت بعد ذلك تقول: يجب علينا معرفة حسين هذا الزمان!! هه, ماذا جرى؟ صحيح أنّه لا يوجد أيّ اعتراض على الجانب الأوّل من المسألة, لكن في هذا الجانب يوجد اعتراض؛ لأنّ مدرسة التشيّع تأمرنا بالمحافظة على الحرمات, هذا هو التشيع, حيث يتمّ رعاية الحرمات؛ فعندما تقع الآن بعض الجرائم هناك يجب التحدّث عن ذلك و التبليغ له و ... فهذه الأمور يجب الإعلان عنها؛ لكن ماذا يعني أن نطلق عليها اسم عاشوراء؟ يعني أنّنا انتهكنا حرمة العصمة؛ لأنّ عاشوراء كانت معصومة.. في أفعالها كانت معصومة؛ ففي واقعة عاشوراء كانت هناك طهارة مطلقة, حيث تجلّت طهارة "إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت"؛ لأنّ الذي يديرها كان هو سيد الشهداء. و قد قلت سابقاً للرفقاء بأنّه لو كانت نفس عاشوراء هذه قد وقعت على يد أبي الفضل عليه السلام لما كانت هي عاشوراء, فهل يوجد شخص إلى جانب الإمام يكون أعلى مقاماً من أبي الفضل؟! إلى درجة أنّ سيد الشهداء كان يقول له: بنفسي أنت.. و لماذا تميّزون بين حرم الإمام الحسين و حرم أبي الفضل عندما تزورون كربلاء, مع أنّ أبا الفضل يمتلك مقام الشفاعة, فيشفع للأولين و الآخرين جميعهم بمن فيهم جبرائيل الذي يجب عليه أن يتزلّف لحضرته؟ فلهذا الأمر مقامه الخاصّ و نحن نقبل به؛ بيد أنّ مقام الإمامة هو شيء مختلف تماماً, أي أنّه لا يجوز لنا أن ننتهك حرمة الإمام الحسين عليه السلام و لو كان ذلك بواسطة مقام أبي الفضل عليه السلام, فالمسألة مهمّة لهذه الدرجة, بحيث يكون لأبي الفضل مقامه الخاصّ و لعليّ الأكبر مقامه الخاصّ و لحبيب مقامه الخاصّ؛ فجميعهم يمتلكون مكانة خاصّة, إلا أنّ للإمام الحسين أيضاً مكانته الخاصّة. و نقول أكثر من ذلك أنّ أمير المؤمنين يختلف كذلك عن الإمام الحسين, و لهذا الأمر مقامه الخاصّ أيضاً. و الرسول بدوره له مكانته الخاصّة, و لكلّ واحد من هؤلاء مكانته الخاصّة. وقد كان الإمام الحسين بنفسه يقول لا تقيسوني بأبي أمير المؤمنين, فهو أبو الأئمة و أنا ولده. الإمام الحسين يمتلك مقام الشفاعة الكبرى التي لا نعلم عنها إلاّ أنّنا لا نعلم شيئاً, أي أنّ تفكيرنا وصل إلى حدّ نقول فيه أنّنا لا نعلم ـ قال لقد أوصلني علمي لكي أعلم أنّني لا أعلم شيئاً ـ [4]و لهذا يجب علينا أن نقول: إنّنا لا نعرف شيئاً عن قضيّة الإمام الحسين, و السلام. فهو الذي يجب عليه أن يعرّفنا عليها, و الأولياء و العظماء قد أدركوا ذلك؛ أمّا نحن فلا نفقه شيئاً. و في هذا الإطار, جاءني أحد الرفقاء الطهرانيين في نفس سفرنا هذا إلى كربلاء و قال لي: سيد! يقولون لنا بأنّه إذا أردنا التوجّه للحرم يجب علينا الذهاب أوّلاً إلى حرم أبي الفضل عليه السلام لكي نأخذ منه الإذن في الدخول. فقلت له: لا تصغوا إليهم, بل توجّهوا أوّلاً إلى الإمام الحسين, فهو الإمام, و مقام الإمام أعلى من مقام غيره, بعد ذلك ائتوا أبا الفضل, و هذا الأمر يوافق ما كنّا نشاهده بأعيننا من الأولياء؛ و إلاّ لو كانت المسألة كذلك, فعندما تذهبون أيضاً للمدينة لا تتوجّهوا أولاً إلى حرم الرسول, بل اذهبوا إلى مقبرة البقيع و خذوا الإذن من الأئمّة عليهم السلام في الدخول على النبي! و عليه, فإنّ هذا الكلمات لا معنى لها, بل تعبّر فقط عن ميول و أذواق خاصّة. توجّهوا أولاً إلى حرم سيد الشهداء ثمّ إلى حرم أبي الفضل, و انهلوا من عطاء كلّ واحد منهما مراعاةً للأدب. ففي مدرسة أهل البيت يجب رعاية الحرمات, أي أنّنا نستطيع أن نطلق آلاف الأسماء على هذه الأحداث.. آلاف التعابير التي تشير إلى هذه الوقائع و الجرائم و الأعمال الوحشية؛ غير أنّ التعبير الذي نريد أن نختاره لذلك يجب أن يكون محدّداً و معيّيناً. و لهذا فإنّ المرحوم المطهري كان مخطئاً عندما قال: يجب علينا معرفة حسين كلّ عصر و زمان, و السلام. فلا يوجد أيّ شك في هذا الأمر؛ بل كلّ من قال ذلك فهو مخطئ, و إذا ما وجد حسين لكلّ عصر فإنّه شخص واحد فقط و هو الآن وليّنا الحي؛ فهو حسين زماننا, و نحن نقبل بذلك و لا نقبل بأحد غيره و لو كان من أولياء الله كائناً من كان, فهل يوجد أرفع من ذلك! و إذا ما كنّا نقول بأنّ الإمام هو الإمام فلا يجوز انتهاك حرمته و لا المساس بالأعمال التي كان يقوم بها, و يجب ألاّ نطلق أسماء تلك الأعمال على أعمالنا الخاصّة؛ فإنّ هذا الأمر بعينه كان يشغل بال العظماء و يقلقهم, أي ألاّ يخلطوا بين المسألتين...
حسن جداً, بدءاً من يوم غد إن شاء الله تعالى سنشرع في سيرنا الطبيعي [بالدرس].


[1] ـ كان مقترنا ذلك مع الحرب العدوانيّة التي اقترفت بحقّ غزّة في فلسطين المحتلّة.

[2] ـ بلدة تقع في نواحي مدينة كاشان (المترجم).

[3] ـ حرب غزّة.

[4] ـ ترجمة لبيت شعري فارسي هذا نصّه: گفت بدانجا رسيد دانش من كه بدانم همى كه نادانم (المترجم).

 

 

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->