معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > الأبحاث العلمية و الإجتماعية > ولاية‌ الفقيه‌ في‌ حكومة‌ الإسلام > ولاية‌ الفقيه‌ في‌ حكومة‌ الإسلام المجلد الثالث
کتاب ولایة الفقیه فی حکومة الاسلام / المجلد الثالث / القسم الخامس: تفسیر آیة ان الذین آمنوا و هاجروا، وجوب هجرة المسمین الی دار الاسلام، آیة الرجال قوامون علی النساء، وظائف النساء

تفسير الطبرسي‌ّ لآية‌: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا...

 يقول‌ الشيخ‌ الطَّبْرِسي‌ّ [1] في‌ «مجمع‌ البيان‌» في‌ تفسير هذه‌ الآية‌: أَي‌ هَؤُلاء بَعْضُهُمْ أوْلَي‌ بِبَعْضٍ في‌ النُّصْرَةِ وَإنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قَرابَةٌ مِنْ أقْرِبائِهِمْ مِنَ الْكُفّار.

 وخلاصة‌ المطلب‌: أنَّ أُولَـ'´ءِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ، تعني‌: أولي‌ ببعضهم‌ في‌ النصرة‌، والولاية‌ هنا بمعني‌ النصرة‌، أي‌ يجب‌ علی‌ كلّ واحد منهم‌ أن‌ ينصر الآخر.

تفسير البعض‌ للولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بمعني‌ الإرث‌

كلام‌ هارون‌ مع‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیه‌ السلام‌ حول‌ إرث‌ العمّ

 وَقيلَ في‌ التَّوارُث‌؛ ( وهذا منقول‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ والحسن‌ ومجاهد وقُتادة‌ والسدّي‌ّ ) [2]، لانَّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد عَقَدَ عَقْدَ أُخوّة‌ في‌ صدر الإسلام‌ للمرّة‌ الاُولي‌ بين‌ المهاجرين‌، والمرّة‌ الثانية‌ في‌ المدينة‌ بين‌ المهاجرين‌ والانصار. وكان‌ المؤمنون‌ يرثون‌ بعضهم‌ علی‌ أساس‌ عقد الاُخوّة‌، حيث‌ كان‌ الإرث‌ علی‌ أساس‌ عقد الاُخوّة‌ الإسلاميّة‌، فكلّما مات‌ أحد هذين‌ الاخوين‌ المسلمَينِ ورثه‌ الآخر دون‌ قومه‌ وعشيرته‌ كأولاده‌ وأبويه‌. فالإرث‌ للاُخوّة‌ في‌ الدين‌ فقط‌.

 وظلّ هذا الحكم‌ مستمرّاً إلی‌ حياة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ حيث‌ نُسخ‌ هذا الحكم‌ بالآية‌ الشريفة‌: وَأُولُوا الاْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌' بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ [3]، التي‌ قرّرت‌ الرجوع‌ ثانية‌ إلی‌ أساس‌ القرابة‌ في‌ التوارث‌.

 ولذا، فسّر البعض‌ الولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بمعني‌ الإرث‌؛ مَا لَكُمْ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ، أي‌ أنَّ هجرة‌ المؤمن‌ من‌ شروط‌ التوارث‌، فلايكفي‌ توفّر الإيمان‌ والإسلام‌ بين‌ الافراد لكي‌ يتوارثوا، ولابدّ من‌ شرط‌ الهجرة‌ في‌ حكم‌ التوارث‌.

 والشاهد علی‌ هذا المدّعي‌ هو الرواية‌ التي‌ ينقلها أُستاذنا العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ تفسيره‌ عن‌ « معاني‌ الاخبار » للشيخ‌ الصدوق‌، وعن‌ « الاختصاص‌ » للشيخ‌ المفيد، عن‌ الإمام‌ موسي‌بن‌ جعفر علیهما السلام‌ في‌ كلام‌ دار بينه‌ وبين‌ هارون‌ الرشيد؛ يقول‌ هارون‌ فيه‌:

 وَلِمَ ادَّعَيْتُمْ أَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ رَسُولَ اللَهِ، وَالعَمُّ يَحْجُبُ ابْنَ العَمِّ؟ وَقُبِضَ رَسُولُاللَهِ وَقَدْ تُوُفِّي‌َ أَبُو طَالِبٍ قَبْلَهُ وَالعَبَّاسُ عَمُّهُ حَي‌ٌّ؟!

 بناء علی‌ هذا، فلا يمكن‌ لعلی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ أن‌ يرث‌ النبي‌ّ بواسطة‌ إرث‌ النبي‌ّ المنقول‌ إلیه‌ من‌ إرث‌ أبيه‌، فالذي‌ كان‌ حيّاً من‌ أعمام‌ رسول‌الله‌ هو العبّاس‌ فقط‌، جدّنا ( أي‌ جدّ بني‌ العبّاس‌ ) ويجب‌ أن‌ يكون‌ هو الوارث‌ لرسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌، ومع‌ وجود العبّاس‌ فعلی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ ـالذي‌ هو ابن‌ العمّـ مع‌ وجود العمّ؟! ولماذا تدّعون‌ هذا الادّعاء؟!

 والرواية‌ لها تكملة‌، إلی‌ أن‌ يصل‌ حيث‌ يقول‌ الإمام‌ موسي‌بن‌ جعفر علیهما السلام‌:

 فَقُلْتُ: إنَّ النَّبِي‌َّ لَمْ يُوَرِّثْ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ؛ وَلاَ أَثْبَتَ لَهُ وَلاَيَةً حَتَّي‌ يُهَاجِرَ. [4]

 وأبونا علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ قد هاجر، بينما أبوكم‌ العبّاس‌ لم‌يهاجر، فالعبّاس‌ قد عصي‌ ولم‌ يهاجر، فلذا مُنع‌ عنه‌ الإرث‌، وبما أنَّ جدّنا علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ كان‌ مسلماً ومهاجراً في‌ نفس‌ الوقت‌ فقد ورث‌ النبي‌ّ.

 وما ترونه‌ الآن‌ في‌ كتاب‌ الإرث‌، حيث‌ يقولون‌: إنَّ ابن‌ العمّ إذا كان‌ للاب‌ والاُمّ معاً يحجب‌ العمّ الذي‌ يكون‌ من‌ طرف‌ الاب‌ فقط‌؛ فهو علی‌ هذا الاساس‌، لانَّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ ابن‌ عمّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ ناحية‌ الابوين‌، بينما العبّاس‌ كان‌ عمّ النبي‌ّ من‌ ناحية‌ الاب‌ فقط‌؛ فهذا الحكم‌ باقٍ إلی‌ الآن‌ بهذا الملاك‌، وإن‌ زال‌ عنوان‌ الهجرة‌. ونحن‌ الشيعة‌ نقدّم‌ ابن‌ العمّ للاب‌ والاُمّ علی‌ العمّ للاب‌.

 وأمّا العلّة‌ التي‌ جعلت‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ يرث‌ رسول‌الله‌ دون‌ العبّاس‌ فهي‌ عدم‌ هجرة‌ العبّاس‌.

 فَقَالَ: مَا حُجَّتُكَ فِيهِ؟

 فَقُلْتُ: قَوْلُ اللَهِ تَبَارَكَ وَتَعَإلی‌: «وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ حَتَّي‌' يُهَاجِرُوا.» وَإنَّ عَمِّي‌َ العَبَّاسَ لَمْ يُهَاجِرْ!

 فَقَالَ إنِّي‌ سَائِلُكَ: هَلْ أَفْتَيْتَ بِذَلِكَ أَحَداً مِنْ أَعْدَائِنَا؟ أَمْ أَخْبَرْتَ أَحَداً مِنَ الفُقَهَاءِ فِي‌ هَذِهِ المَسْأَلَةِ بِشَي‌ءٍ؟!

 فَقُلْتُ: اللَهُمَّ لاَ! وَمَا سَأَلَنِي‌ إلاَّ أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ! ـالحديث‌. [5]

 الشاهد في‌ ذلك‌: فقد استدلّ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌ هنا بالآية‌ المباركة‌: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ، علی‌ عدم‌ وجود حقّ للعبّاس‌ في‌ وراثة‌ رسول‌ الله‌، لا نَّه‌ لم‌يهاجر. وعلی‌ هذا، فالولاية‌ هنا تشمل‌ معني‌ الإرث‌ أيضاً.

 يروي‌ ابن‌ شهرآشوب‌ في‌ « المناقب‌ »[6]، في‌ باب‌ ميراث‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ عن‌ موسي‌ بن‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ الحسن‌ و مُعَتِّب‌ و مُصادف‌ اللذان‌ كانا غلامَي‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌ ضمن‌ خبر: عندما دخل‌ هشام‌ بن‌ الوليد المدينة‌ جاء بني‌ العبّاس‌ واشتكوا الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ بتهمة‌ أخذه‌ لنفسه‌ ما تركه‌ ماهِر الخِصِّي‌ّ وعدم‌ إعطائهم‌ منه‌ شيئاً. فألقي‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ هنا خطبة‌ مطوّلة‌، ومن‌ جملة‌ ما جاء فيها:

 إنَّ اللَهَ تَعَإلَی‌ لَمَّا بَعَثَ رَسُولَ اللَه‌ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ، كَانَ أَبُونَا أَبُوطَالِبٍ المُوَاسِي‌َ لَهُ بِنَفْسِهِ وَالنَّاصِرَ لَهُ؛ وَأَبُوكُمُ العَبَّاسُ وَأَبُولَهَبٍ يُكَذِّبَانِهِ وَيُؤَلِّبَانِ علیهِ شَيَاطِينَ الكُفْرِ؛ وَأَبُوكُمْ يَبْغِي‌ لَهُ الغَوَائِلَ وَيَقُودُ إلَیهِ القَبَائِلَ فِي‌ بَدْرٍ، وَكَانَ فِي‌ أَوّلِ رَعِيلِهَا وَصَاحِبَ خَيْلِهَا وَرَجِلِهَا المُطْعِمَ يَوْمَئذٍ وَالنَّاصِبَ الحَرْبِ لَهُ.

 ثُمَّ قَالَ: فَكَانَ أَبُوكُمْ طَلِيقَنَا وَعَتِيقَنَا؛ وَأَسْلَمَ كَارِهاً تَحْتَ سُيُوفِنَا. لَمْيُهَاجِرْ إلَی‌ اللَهِ وَرَسُولِهِ هِجْرَةً قَطُّ؛ فَقَطَعَ اللَهُ وَلاَيَتَهُ مِنَّا بِقَوْلِهِ: «الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ» فِي‌ كَلاَمٍ لَهُ.

 ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَولَي‌ لَنَا مَاتَ فَحُزْنَا تُراثَهُ إذْ كَانَ مُولاَنَا وَلاِنَّا وَلَدُ رَسُولِاللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ، وَأُمُّنَا فَاطِمَةُ أَحْرَزْتُ مِيْرَاثَهُ.

 وأورد العلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار » [7] هذا الحديث‌ في‌ أحوال‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وقال‌ في‌ بيان‌ له‌: ألَّبْتُ الجَيْشَ: أي‌ْ جَمَعْتُهُ؛ وَالتَّإلیب‌: التَّحْريض‌؛ وَالرَّعيل‌: القِطْعَةُ مِنَ الخَيْل‌. كما ذكر العلاّمة‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ المظفّر هذا الحديث‌ أيضاً في‌ كتاب‌ « الإمام‌ الصادق‌ » علیه‌ السلام‌، ضمن‌ خطبه‌، وقال‌ في‌ ذيله‌: إنَّ شأن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ أرفع‌ من‌ أن‌ يقف‌ في‌ موقف‌ واحد مع‌ بني‌ العبّاس‌ من‌ أجل‌ المال‌، ولكن‌ أظنَّ أ نَّه‌ أراد كشف‌ بعض‌ أحوال‌ العبّاس‌ التي‌ كانت‌ قد بقيت‌ مجهولة‌، وذلك‌ لانَّ الإمارة‌ والسلطة‌ سوف‌ تصلهم‌ عن‌ قريب‌، ويجب‌ أن‌ يعلم‌ الناس‌ شأن‌ الذين‌ سيكونون‌ مالكين‌ لرقابهم‌ من‌ الآن‌ فيما بعد. وهذه‌ الكلمات‌ مع‌ اختصارها تتضمّن‌ فوائد جليلة‌ للتأريخ‌. ولا أظنّ أنَّ هذه‌ المواقف‌ ذُكرت‌ عن‌ العبّاس‌ في‌ التأريخ‌! [8]

ويتابع‌ صاحب‌ « مجمع‌ البيان‌ » المطلب‌ فيقول‌:

 وَقيلَ: في‌ التَّناصُرِ وَالتَّعاوُنِ وَالمُوالاةِ في‌ الدِّينِ؛ عَنِ الاَصَمّ.

 أي‌ علی‌ المؤمنين‌ أن‌ يكونوا متحابّين‌ ومتعاونين‌ ومتناصرين‌ بأعمالهم‌، فيمدّ أحدهم‌ للآخر يد المساعدة‌، ويكون‌ هذا نصيراً لذاك‌ ومعاوناً له‌.

 إذَن‌، فالتعاون‌ والتناصر هو المقصود من‌ الولاية‌.

اعتبر البعض‌ الولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بمعني‌ نفوذ الامان‌

 وَقيلَ: في‌ نُفوذِ أمانِ بَعْضِهِمْ عَلَیبَعضٍ.

 ما هو معني‌ الامان‌؟ هو من‌ أحكام‌ الإسلام‌، وإذا أمّن‌ أحد المسلمين‌ كافراً ( سواء كان‌ رجلاً أم‌ امرأة‌ )، فعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ أن‌ يحترموا أمانه‌، ولايحقّ لهم‌ التعرّض‌ لذلك‌ الكافر.

 فالمقصود من‌ الولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ إذَن‌، هو نفوذ أمان‌ بعضهم‌ علی‌ بعض‌. بمعني‌ امتلاك‌ أُولئك‌ الذين‌ آمنوا وهاجروا حقّ الامان‌، وإذا أمَّنوا أحداً فعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ والمؤمنين‌ أن‌ يحترموا أمانهم‌. فَإنَّ واحِداً مِنَ المُسْلمِينَ لَوْ آمَنَ إنْساناً نَفَذَ أمانُهُ عَلَیسائِرِ المُسْلمِين‌.

 أمّا إن‌ كان‌ المؤمن‌ ليس‌ من‌ المهاجرين‌، فأمانه‌ غير نافذ. وعلیه‌، فلااعتبار لإيوائه‌ إن‌ آوي‌ أحد الكفّار، ويحقّ للمسلمين‌ أن‌ يقبضوا علی‌ ذلك‌ الكافر وتجاهل‌ شروط‌ الامان‌.

بقاء لزوم‌ الهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام إلی‌ يوم‌ القيامة‌

 ثمّ يقول‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ بعد ذلك‌: اختلفوا في‌ أ نَّه‌ هل‌ تصحّ الهجرة‌ بعد الفتح‌ أو لا؟ فقال‌ بعض‌: لا تصحّ، لانَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ. حيث‌ كانت‌ مكّة‌ دار الشرك‌ قبل‌ الفتح‌ والمدينة‌ بيضة‌ الإسلام‌، وكان‌ واجباً علی‌ جميع‌ المسلمين‌ أن‌ يهاجروا إلی‌ المدينة‌، وبعد فتح‌ مكّة‌، صارت‌ دار الإسلام‌ أيضاً. ومن‌ ثمّ الطائف‌ وجميع‌ مدن‌ الحجاز فشملها دار الإسلام‌، ورُفع‌ لزوم‌ الهجرة‌ إلی‌ المدينة‌. وعلی‌ هذا، فقد كان‌ حكم‌ وجوب‌ الهجرة‌ إلی‌ ما قبل‌ فتح‌ مكّة‌. وبعد فتح‌ مكّة‌، لم‌يبق‌ معني‌ لان‌ يهاجر المسلم‌ من‌ مكان‌ إلی‌ آخر في‌ البلاد الإسلاميّة‌.

 نعم‌؛ تجب‌ الهجرة‌ من‌ دار الكفر ودار الشرك‌ إلی‌ دار الإسلام‌، وقد ارتفع‌ هذا العنوان‌ بفتح‌ مكّة‌.

 وَلاِنَّ الهِجْرَةَ، الاِنْتِقالُ مِنْ دارِ الكُفْرِ إلَی‌ دارِ الإسْلامِ. وَلَيْسَيَقَعُ مِثْلُ هَذا في‌ هَذا الزَّمانِ لاِتِّساعِ بِلادِ الإسلام‌؛ إلاّ أنْ يَكونَ نادِراً لايُعْتَدُّ بِه‌.

 بأن‌ يتواجد مسلم‌ في‌ بعض‌ بلاد الكفر، أو يدخل‌ أحد الكفّار في‌ الإسلام‌ هناك‌، فالهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام‌ واجبة‌ علیه‌، وإلاّ فمع‌ هذا الاتّساع‌ في‌ بلاد الإسلام‌، حيث‌ في‌ كلّ مكان‌ ثمّة‌ مسلمون‌ وراية‌ إسلاميّة‌، فلم‌يبق‌ معني‌ للهجرة‌ في‌ هذه‌ الحالة‌.

 وَقيلَ: إنَّ هِجْرَةَ الاَعْرابِ إلَی‌ الاَمْصارِ باقِيَةٌ إلَی‌ يَوْمِ القِيَامَة‌.

 لا نَّه‌ ما إن‌ أوجب‌ رسول‌ الله‌ الهجرة‌ علیهم‌ حتّي‌ وجب‌ علی‌ جميع‌ الاعراب‌ ـمن‌ البدو الذين‌ يعيشون‌ في‌ الصحاري‌ـ أن‌ يأتوا إلی‌ البلاد التي‌ تخفق‌ فيها راية‌ الإسلام‌، والتي‌ فُتحت‌ بيد المسلمين‌، وينُفّذ فيها أحكام‌ الإسلام‌، ليتعلّموا أحكام‌ الإسلام‌ وشعائره‌.

 فلهذا، كانت‌ هجرة‌ الاعراب‌ نحو الامصار من‌ الاحكام‌. وعلیه‌، فيمكن‌ القول‌: إنَّ وجوب‌ الهجرة‌ من‌ دار الكفر إلی‌ دار الإسلام‌ إنّما هو علی‌ أساس‌ هذا الحكم‌ الاوّلي‌ّ. غاية‌ الامر، كانت‌ دار الإسلام‌ في‌ زمان‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ مختصّاً بالمدينة‌ المنوّرة‌، واتّسع‌ بعد ذلك‌ فشمل‌ المدن‌ الاُخري‌. أمّا البدو الاعراب‌، فبما أ نَّهم‌ لم‌ يكونوا يعيشون‌ في‌ الاماكن‌ التي‌ ترفرف‌ فيها راية‌ الإسلام‌، وكان‌ إسلامهم‌ شكليّاً دون‌ أن‌ يطّلعوا علی‌ شعائر الدين‌، فكان‌ واجباً علیهم‌ أن‌ يهاجروا إلی‌ المدن‌ لكسب‌ التعإلیم‌ الدينيّة‌ هناك‌.

 ولهذا قال‌ البعض‌: إنَّ وجوب‌ هجرة‌ الاعراب‌ إلی‌ المدن‌ باقية‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌، لوجوب‌ تعلّم‌ أحكام‌ الدين‌ علی‌ الجميع‌. وهذا القول‌ عن‌ الحسن‌.

 وَالاَقْوَي‌ أنْ يَكونَ حُكْمُ الهِجْرَةِ باقِياً؛ لاِنَّ مَنْ أسْلَمَ في‌ دارِ الحَرْبِ ثُمَّ هاجَرَ إلَی‌ دارِ الإسْلامِ كانَ مُهاجِراً.

 فالاقوي‌ أن‌ يكون‌ حكم‌ الهجرة‌ باقياً إلی‌ يوم‌ القيامة‌، وعلی‌ كلّ من‌ أسلم‌ في‌ دار الحرب‌ أن‌ يسرع‌ في‌ المجي‌ء إلی‌ دار الإسلام‌.

 في‌ ذلك‌ الزمان‌ الذي‌ كتب‌ الطبرسي‌ّ فيه‌ تفسيره‌ ـ أي‌ قبل‌ حوإلی‌ تسعة‌ قرون‌[9] ـ كان‌ العالَم‌ مقسوماً إلی‌ قسمين‌: دار الإسلام‌، ودار الكفر. فإذا أسلم‌ شخص‌ في‌ دار الكفر وجب‌ علیه‌ أن‌ يهاجر إلی‌ دار الإسلام‌. وعلی‌ هذا، فحكم‌ الهجرة‌ باقٍ علی‌ الدوام‌.

 ثمّ يقول‌: وَكانَ الحَسَنُ يَمْنَعُ أنْ يَتَزَوَّجَ المُهاجِرُ إلَی‌ أعْرَاِبيَّة‌. وَرُوِي‌َ عَنْ عُمَرَبْنِ الخَطَّابِ أ نَّهُ قالَ: لا تَنْكِحوا أهْلَ مَكَّةَ فَإنَّهُمْ أعْرابٌ. [10]

 كلّ ما أوردناه‌ إلی‌ هنا نقلاً عن‌ « مجمع‌ البيان‌ ».

 يقول‌ أُستاذنا الاعظم‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سره‌ في‌ تفسيره‌، في‌ ذيل‌ الآية‌:

 وَقَدْ جَعَلَ اللَهُ بَيْنَهُمْ وَلايَةً بِقَوْلِهِ: «أُولَـ'´ءِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ». والولاية‌ أعمّ من‌ ولاية‌ الميراث‌ وولاية‌ النصرة‌ وولاية‌ الامان‌، وذلك‌ في‌ مقابل‌ كلام‌ « مجمع‌ البيان‌ » الذي‌ قال‌ فيه‌: قال‌ البعض‌: إنَّ المراد من‌ الولاية‌ التعاون‌، وقال‌ بعض‌: النصرة‌، وبعض‌ آخر قال‌: التوارث‌، وقال‌ بعض‌: إنَّ المقصود منها الامان‌. فيقول‌ رحمه‌ الله‌: لا وجه‌ لان‌ نخصّ الولاية‌ بأحد هذه‌ المعاني‌، والولاية‌ أعمّ من‌ ذلك‌؛ حيث‌ إنَّ عموم‌ مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ وعموم‌ أُولَـ'´ءِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ، يشمل‌ جميع‌ هذه‌ الاقسام‌.

 فَمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ كافِرًا، كانَ نافِذاً عِنْدَ الجَميع‌. فعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ إذَن‌ أن‌ يحترموا أمانه‌.

 فَالْبَعْضُ مِنَ الجَميعِ وَلي‌ُّ البَعْضِ مِنَ الجَميعِ؛ كَالمُهاجِرِ هُوَ وَلي‌ُّ كُلِّ مُهاجِرٍ وَأنْصاري‌ٍّ، وَالاَنْصاري‌ُّ وَلي‌ُّ كُلِّ أنْصاري‌ٍّ وَمُهاجِرٍ. كُلُّ ذَلِكَ بِدَليلِ إطْلاقِ الوِلايَةِ في‌ الآيَة‌.

 فَلا شاهِدَ عَلَیصَرْفِ الآيَةِ إلَی‌ وَلايَةِ الإرْثِ بِالمُؤَاخاةِ الَّتي‌ كانَ النَّبي‌ُّ صلَّیاللَهُ علیهِ وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ [ جَعَلَها في‌ بَدْءِ الهِجْرَةِ بَيْنَ المُهاجِرينَ وَالاَنْصارِ، وَكانوا يَتَوارَثونَ بِها زَماناً حَتَّي‌ نُسِخَت‌. [11]

حرمة‌ التعرّب‌ بعد الهجرة‌

 قال‌ ابن‌ الاثير الجزري‌ّ في‌ « النهاية‌ »: وَفيهِ «ثَلاَثٌ مِنَ الكَبَائِرِ؛ مِنْهَا: التَّعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرَةِ»...

 وفي‌ رواية‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: أنَّ ثلاثة‌ من‌ الكبائر، أحدها التَعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرَةِ. أي‌ ليس‌ للمسلم‌ من‌ عودة‌ إلی‌ محيط‌ الشرك‌ والكفر ( موطنه‌ الاوّل‌ ) أو إلی‌ أي‌ّ مكان‌ آخر يصدق‌ علیه‌ التعرّب‌ والبدويّة‌، وعلیه‌ أن‌ يبقي‌ في‌ دار الإسلام‌ إلی‌ الابد.

 التَعَرُّبُ بعدَ الهِجرَة‌، يعني‌ تقبّل‌ الآداب‌ والسنن‌ الاعرابيّة‌ بعد الهجرة‌، كما يعني‌ أيضاً الذهاب‌ والرجوع‌ إلی‌ العيش‌ البدوي‌ّ بعد العيش‌ في‌ بلاد الإسلام‌، وهو غير جائز ومحرّم‌، ويعدّ من‌ كبائر المحرّمات‌.

 ويفسّر ابن‌ الاثير «التَعرُّبُ بعدَ الهِجرَة‌» بهذا النحو:

 هُوَ أنْ يَعودَ إلَی‌ الباديَةِ وَيُقيمَ مَعَ الاَعْرابِ بَعْدَ أنْ كانَ مُهاجِرًا. وَكانَ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ الهِجْرَةِ إلَی‌ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، يَعُدّونَهُ كَالمُرْتَدِّ.

 يَعُدّونَهُ كَالمُرْتَدِّ، أي‌ يُعَدّ مرتدّاً كلّ من‌ هاجر ثمّ عاد بعد هجرته‌ إلی‌ موطنه‌ الاوّلي‌ّ، فهو كمن‌ أسلم‌ ثمّ ارتدّ عن‌ الإسلام‌.

 وَمِنْهُ حَديثُ ابْنِ الاَكْوَع‌. يقول‌: إنَّ حديث‌ ابن‌ الاكوع‌ من‌ هذا القبيل‌، لمّا قُتل‌ عثمان‌ خرج‌ إلی‌ الربذة‌ وأقام‌ بها، ثمّ إنَّه‌ دخل‌ علی‌ الحجّاج‌ يوماً فقال‌ له‌: يابْنَ الاَكْوَعِ! ارْتَدَدْتَ عَلَیعَقِبَيْكَ وَتَعَرَّبْتَ!

 وَمِنْهُ حَديثُهُ الآخَرُ، تَمَثَّلَ في‌ خُطْبَتِهِ: «مُهاجِرٌ لَيْسَ بِأَعْرابي‌ٍّ». جَعَلَ المُهاجِرَ ضِدَّ الاَعْرابي‌ِّ. فجعل‌ المهاجر ضدّ الاعرابي‌ّ، فكلّ من‌ لم‌يكن‌ مهاجراً يصدق‌ علیه‌ عنوان‌ الاعرابي‌ّ.

 وَالاَعْرابُ ساكِنوا الباديَةِ مِنَ العَرَبِ الَّذينَ لا يُقيمونَ في‌ الاَمْصارِ؛ وَلايَدْخُلونَها إلاَّ لِحاجَةٍ.

 وَالعَرَبُ اسْمٌ لِهَذا الجِيلِ المَعْروفِ مِنَ النَّاسِ ـوَلا واحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِـ وَسَواءٌ أقامَ بِالبادْيَةِ أوِ المُدُنِ؛ والنَّسَبُ إلَیهِما: أعْرابي‌ٌّ وَعَرَبي‌ّ. [12]

 ويقول‌ ابن‌ أثير الجزري‌ّ أيضاً: ورد في‌ رواية‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أ نَّه‌ قال‌: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ؛ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ.

 وفي‌ حديث‌ آخر: لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ.

 إنَّما تنقطع‌ توبة‌ الإنسان‌ بلفظ‌ أنفاسه‌ الاخيرة‌ عند رفع‌ قدمه‌ من‌ هذه‌ الدنيا ووضعها في‌ العالم‌ الآخر، فهنالك‌ لا تكون‌ توبته‌ محلاّ للقبول‌ من‌ قبل‌ الله‌ عزّ وجلّ، كما في‌ تلك‌ الآية‌ المباركة‌:

 وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّي‌'´ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي‌ تُبْتُ الْئَـ'نَ [13].

 ولا توبة‌ لمن‌ شاهد الموت‌ بعينيه‌ ورأي‌ أ نَّه‌ مرتحل‌ عن‌ الدنيا إلی‌ عالم‌ الآخرة‌ وصار أمره‌ إلی‌ خاتمته‌، فالتوبة‌ لمن‌ اختار طريق‌ الحقّ مع‌ إمكان‌ سلوك‌ طريق‌ الباطل‌. أمّا حين‌ ينتهي‌ المرء إلی‌ خاتمته‌ المحتومة‌، فلافائدة‌ من‌ توبته‌ في‌ ذلك‌ الحين‌.

 وعلیه‌، فالحديث‌ يقول‌: إنَّ الهجرة‌ مستمرّة‌ ما دام‌ للإنسان‌ حواسّ واختيار، ولاينقطع‌ زمان‌ الهجرة‌ عنه‌ إلاّ بالموت‌.

 ثمّ يقول‌ ابن‌ الاثير:

 الهِجْرَةُ في‌ الاَصْلِ الاسْمُ مِنَ الهَجْرِ ضِدِّ الوَصْل‌. وَقَدْ هَجَرَهُ هَجْراً وَهِجْراناً.

 ثُمَّ غَلَبَ عَلَیالخُروجِ مِنْ أرْضٍ إلَی‌ أرْضٍ، وَتَرْكِ الاُولَي‌ لِلثَّانيَة‌. يُقالُ مِنْهُ: هاجَرَ مُهاجَرَةً.

 ثمّ يقول‌: وَالهِجْرَةُ هِجْرَتانِ.

 إحداهما: التي‌ وعد الله‌ علیها الجنّة‌ في‌ قوله‌: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي‌' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَ ' لَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ. [14]

 فكان‌ الرجل‌ يأتي‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ويدع‌ ماله‌ و لايَرْجِعُ في‌ شَي‌ءٍ مِنْهُ وَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِهِ إلَی‌ مُهاجَرِهِ.

 وَكانَ النَّبي‌ُّ صلَّی اللَهُ علیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أنْ يَموتَ الرَّجُلُ بِالاَرْضِ الَّتي‌ هاجَرَ مِنْها.

 فَمِنْ ثَمَّ قالَ: «لَكِنَّ البَائِسَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ» يَرْثي‌ لَهُ رَسولُاللَهِ صلَّیاللَهُ علیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ أنْ ماتَ بِمَكَّة‌.

 فليس‌ إذَن‌ لموضوع‌ الارض‌ والتراب‌ أهمّيّة‌ كبيرة‌ إلی‌ الحدّ الذي‌ يعدّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ سعداً بائساً. والبائس‌: هو الذي‌ ابتلي‌ بالبؤس‌ والشدائد، وباختصار مَن‌ تعلّقت‌ به‌ الشقاوة‌. وكانت‌ تعاسة‌ وشقاوة‌ سعدبن‌ خولة‌ بسبب‌ هجرته‌ إلی‌ المدينة‌ ثمّ رجوعه‌ إلی‌ مكّة‌.

 وَقالَ حينَ قَدِمَ مَكَّةَ: «اللَهُمَّ لاَ تَجْعَلْ مَنَايَانَا بِهَا». ( ولم‌يكن‌ بعد الفتح‌، بل‌ حين‌ مجيئه‌ إلی‌ العمرة‌ أو الحجّ بعد صلح‌ الحديبيّة‌ ).

 فَلَمّا فُتِحَتْ مَكَّةُ صارَتْ دارَ الإسْلامِ كَالمَدينَةِ، وَانْقَطَعَتِ الهِجْرَة‌.

 إذَن‌، هذا نوع‌ من‌ الهجرة‌.

لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ

 وأمّا القسم‌ الثاني‌ فهي‌ الهجرة‌ التي‌ ليس‌لها مرتبة‌ وفضل‌ القسم‌ الاوّل‌.

 وَالهِجْرَةُ الثَّانيَةِ: مَنْ هاجَرَ مِنَ الاَعْرابِ وَغَزا مَعَ المُسْلِمينَ وَلَمْيَفْعَلْ كَما فَعَلَ أصْحابُ الهِجْرَةِ الاُولَي‌ فَهُوَ مُهاجِرٌ، وَلَيْسَ بِداخِلٍ في‌ فَضْلِ مَنْ هاجَرَ تِلْكَ الهِجْرَةَ. وَهُوَ المُرادُ بِقَوْلِهِ: «لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ».

 فَهَذا وَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ الحَديثَيْن‌. ( أي‌ اتّضح‌ بهذا وجه‌ الجمع‌ بين‌ الحديثين‌ اللذين‌ يقول‌ النبي‌ّ في‌ أحدهما: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، أي‌ بعد فتح‌ مكّة‌، ويقول‌ هنا: لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، أي‌ أنَّ الهجرة‌ واجبة‌ علی‌ الجميع‌ من‌ ولادتهم‌ حتّي‌ آخر لحظات‌ حياتهم‌ في‌ هذه‌ الدنيا ). وذلك‌ بأن‌ نقول‌: إن‌ المراد من‌ الهجرة‌ في‌ الرواية‌ الاُولي‌ الهجرة‌ إلی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ بترك‌ المرء بيته‌ وموطنه‌ ويهاجر إلی‌ رسول‌الله‌. وأمّا المراد من‌ الهجرة‌ في‌ الحديث‌ الثاني‌ فعمل‌ أُولئك‌ الذين‌ يكونون‌ في‌ بيوتهم‌ ولايهاجرون‌ إلی‌ رسول‌ الله‌، لكنّهم‌ ممّن‌ هم‌ من‌ زمرة‌ جنود الإسلام‌، ويقاتلون‌ في‌ سبيل‌ الله‌ مع‌ المجاهدين‌ وينصرون‌ الإسلام‌ ويَقتلون‌ أو يُقتلون‌، وهذه‌ الهجرة‌ باقية‌ إلی‌ آخر العمر.

 ثمّ يقول‌: وَإذا أُطْلِقَ في‌ الحَديثِ ذِكْرُ الهِجْرَتَيْنِ فَإنَّما يُرادُ بِهِما هِجْرَةُ الحَبَشَةِ وَهِجْرَةُ المَدينَة‌.[15]

 كانت‌ هذه‌ مجموعة‌ المعاني‌ التي‌ ذكرت‌ للتَعَرُّب‌ والهجرة‌، والروايات‌ التي‌ كانت‌ لازمة‌ لتفسير الآية‌ المباركة‌ في‌ سورة‌ الانفال‌.

 والآن‌ ما هو شاهدنا في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌؟

 إنَّ محلّ شاهدنا هو كما قاله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته‌ الزكيّة‌: إنَّ هذه‌ الولاية‌ لا تنحصر في‌ خصوص‌ الإرث‌، وإنَّما هي‌ أعمّ، أي‌ أعمّ من‌ ولاية‌ التعاون‌ والتناصر وغيرهما. وعلی‌ هذا فهي‌ تشمل‌ جميع‌ أقسام‌ الولاية‌.

 إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُو´ا أُولَـ'´نءَكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ.

 فجميع‌ أقسام‌ الولاية‌ هنا ثابتة‌ لهؤلاء، ومنها ولاية‌ الفقيه‌ التي‌ هي‌ ولاية‌ علی‌ جميع‌ الاُمّة‌.

 فالاُمور الحاصلة‌ من‌ مجموع‌ هذه‌ المباحث‌ هي‌:

 الاوّل‌: أ نَّه‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ الفقيه‌ مهاجراً، فلا ينال‌ ولاية‌ الفقيه‌ من‌ لم‌يكن‌ مهاجراً.

 والفقهاء الذين‌ هم‌ الآن‌ في‌ دار الكفر، لا يمكنهم‌ أن‌ ينالوا ولاية‌ الفقيه‌، ولابدّ لهم‌ من‌ الهجرة‌ إلی‌ بلاد الإسلام‌.

 وكذا الحال‌ بالنسبة‌ لذوي‌ المراكز الولايتيّة‌، مثل‌: رئيس‌ الوزراء والوزراء والمدراء العامّين‌، والولاة‌ والمحافظين‌ والحكّام‌ المدنيّين‌ وأعضاء مجلس‌ الشوري‌ ( حيث‌ قد بيّنا أنَّ مجلس‌ الشوري‌ مجلس‌ ولايتي‌ّ وليس‌ مجلس‌ وكالة‌ ) فعلی‌ هؤلاء جميعاً أن‌ يكونوا قد هاجروا إلی‌ دار الإسلام‌، أي‌ أن‌ يكونوا في‌ بلاد الإسلام‌، ومهاجرين‌ إلی‌ بلاد الإسلام‌، ويعيشون‌ تحت‌ راية‌ الإسلام‌، وإلاّ فلا ولاية‌ لهم‌ بنصّ الآية‌:

 وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ.

 فالذين‌ آمنوا ولم‌ يهاجروا ليس‌ لهم‌ علیكم‌ أيّة‌ ولاية‌ بأي‌ّ نوع‌ من‌ أنواعها. أي‌ لا يمكنهم‌ أن‌ يكونوا رؤساء وزارات‌ ولا مدراء عامّون‌، ولاحتّي‌ رؤساء دوائر. أجل‌؛ يجوز لهم‌ العمل‌ كموظّفين‌ مأمورين‌ وليس‌ رؤساء وآمرين‌. ولايحقّ لهم‌ التدخّل‌ في‌ أي‌ّ من‌ تلك‌ المراكز الولايتيّة‌ وشؤون‌ الآمرين‌.

 وهنا يطرح‌ سؤال‌، وهو: ما المراد من‌ بلاد الكفر؟ والجواب‌: المراد من‌ بلاد الكفر تلك‌ البلاد التي‌ تخفق‌ فيها راية‌ الكفر، ويحكم‌ شعبها قانون‌ الكفر، مثل‌ بلاد إلیهود والنصاري‌ والشيوعيّين‌ والسيخ‌ والمشركين‌ وعبدة‌ البقر وأمثالهم‌.

وجوب‌ الهجرة‌ علی‌ جميع‌ المسلمين‌ في‌ العالم‌ إلی‌ دار الإسلام

 وعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ أن‌ يأتوا من‌ تلك‌ البلدان‌ إلی‌ دار الإسلام‌ ( أي‌ إلی‌ البلد الإسلامي‌ّ بعد تأسيس‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ )، لانَّ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ منحصرة‌ بهذا المكان‌، فعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ الذين‌ يعيشون‌ في‌ أنحاء العالم‌ حإلیاً ـوفقاً لهذه‌ الآية‌ـ أن‌ يأتوا للسكني‌ في‌ إيران‌، لانَّ إيران‌ هي‌ بلد الإسلام‌، ورايتها راية‌ الإسلام‌.

 ولكن‌، هل‌ لهم‌ الحقّ في‌ العيش‌ في‌ بعض‌ البلدان‌ الإسلاميّة‌ الاُخري‌، مثل‌ الباكستان‌ التي‌ حكومتها وقوانينها في‌ الظاهراً إسلاميّة‌؟

 والجواب‌: لا إشكال‌ في‌ ذلك‌، إن‌ لم‌ يكن‌ للكفر هناك‌ نفوذ، وإلاّ فالحياة‌ في‌ تلك‌ البلدان‌ أيضاً محلّ إشكال‌. وكذلك‌ الاماكن‌ التي‌ يوجد فيها اسم‌ الإسلام‌ دون‌ أن‌ يكون‌ مسمّي‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ موجوداً، كالعراق‌ الذي‌ هو بلد إسلامي‌ّ بالاسم‌ ( بل‌ ليس‌ هو بلداً إسلاميّاً حتّي‌ من‌ ناحية‌ الاسم‌، إذ هل‌ تسمح‌ حكومة‌ البعث‌ وجهازها الحزبي‌ّ بأن‌ يكون‌ هناك‌ اسم‌ الإسلام‌؟!) وكالبلدان‌ العربيّة‌ الاُخري‌ كالسعوديّة‌ والمغرب‌ والاردن‌ التي‌ تحكم‌ حكوماتها باسم‌ الإسلام‌ دون‌ أن‌ يكون‌ مسمّي‌ الإسلام‌ موجوداً فيها، بل‌ والكفر فيها ذو نفوذ، فالحياة‌ في‌ بلاد كهذه‌ محرّمة‌، ويجب‌ علی‌ جميع‌ المسلمين‌ أن‌ يهاجروا من‌ تلك‌ الاماكن‌ ويأتوا إلی‌ دار الإسلام‌.

حرمة‌ ولاية‌ المسلم‌ الذي‌ لم‌ يقطع‌ علاقته‌ ببلاد الكفر بالكامل‌

 الثاني‌: لا يتحقّق‌ عنوان‌ الهجرة‌ بأن‌ يأتي‌ الرجل‌ من‌ البلدان‌ الاجنبيّة‌ إلی‌ البلاد الإسلاميّة‌ بجواز سفر فحسب‌، بل‌ علیه‌ أن‌ ينقل‌ بيته‌ وحاجياته‌ وكسبه‌ ومسكنه‌ ووضعه‌ المعيشي‌ّ إلی‌ دار الإسلام‌، وينقطع‌ عن‌ تلك‌ الحياة‌.

 وعلی‌ هذا، فالمرتبطون‌ ببلاد الكفر بأن‌ يكون‌ لهم‌ هناك‌ عوائل‌ أو أبناء أو لهم‌ ملك‌ وتجارة‌ أو كسب‌ وعمل‌ من‌ طبابة‌ أو هندسة‌ مثلاً، ويتردّدون‌ أحياناً إلی‌ دار الإسلام‌ يُعدّون‌ مهاجرين‌، ولاحقّ لهم‌ بولاية‌ الفقيه‌ وبالمراكز الوزاريّة‌ ومجلس‌ الشوري‌ الإسلامي‌ّ ولا بأي‌ّ منصب‌ إداري‌ّ كبير. ومن‌ العجيب‌ أنَّ عدداً من‌ هؤلاء قد جاؤوا إلی‌ بلاد الإسلام‌ في‌ بداية‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ واحتلّوا مراكزاً ولائيّة‌، أو أرادوا أن‌ يشغلوا بعض‌ المراكز المهمّة‌، مثل‌ بني‌ صدر وقطب‌ زادة‌ والدكتور شايگان‌!

 الثالث‌: يحرم‌ علی‌ القاطنين‌ في‌ بلاد الإسلام‌ أن‌ يختاروا التعرّب‌، أي‌ أن‌ يخرجوا من‌ بلاد الإسلام‌ في‌ دار الكفر ليعيشوا هناك‌.

 فالمسلمون‌ الذين‌ يذهبون‌ إلی‌ خارج‌ البلاد ويعيشون‌ هناك‌ في‌ انجلترا أو أمريكا أو الهند ( لا الباكستان‌، لانَّ دولتها إسلاميّة‌ ) أو في‌ الصين‌ أو إلیابان‌ أو روسيا فحرام‌ عمل‌ كلّ هؤلاء، وقد ارتكبوا ـوفقاً لكلام‌ النبي‌ّـ معصية‌ كبيرة‌ لا تُغتفر؛ وإن‌ لم‌ يُعاملهم‌ الكفّار معاملة‌ سيّئة‌ وتقبّلوهم‌ بمنتهي‌ المحبّة‌ والصداقة‌، ولكن‌ ما داموا يعيشون‌ أجواءً مفتوحة‌ وبإمكانهم‌ التحرّك‌ بحرّيّة‌، فعلیهم‌ العودة‌ إلی‌ دار الإسلام‌.

 والمراد من‌ السكني‌ في‌ بلاد الكفر هو مجرّد الإقامة‌،سواء صار الشخص‌ من‌ مواطني‌ ذلك‌ البلد أو مجرّد مُقيم‌. فالإقامة‌ في‌ بلاد الكفر غيرجائزة‌ إلاّ لضرورة‌ محدّدة‌ بنظر الحاكم‌، كأن‌ يُرسل‌ الحاكم‌ أشخاصاً للعمل‌ الدبلوماسي‌ّ، أو يري‌ ضرورة‌ في‌ إرسال‌ مجموعة‌ لغرض‌ الدراسات‌ العلیا، أو يسمح‌ بالسفر للمرضي‌ بعلاجهم‌ هناك‌؛ وإذا لم‌ يمض‌ الحاكم‌ ذلك‌ ولم‌يسمح‌ به‌ فلاحقّ لهم‌ بالسفر. وأقصي‌ ما سوف‌ يترتّب‌ علی‌ ذلك‌ أن‌ المريض‌ سوف‌ يموت‌ هنا كسائر الاشخاص‌ الذين‌ يموتون‌ في‌ البلاد الإسلاميّة‌، إذ للإنسان‌ موت‌ واحد لا أكثر، فلماذا يذهب‌ للموت‌ هناك‌؟! وكثيراً ما حدث‌ أن‌ يواجه‌ الذاهبون‌ إلی‌ هناك‌ بالموت‌.

 يقول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: إنَّ سعد بن‌ خولة‌ بائس‌، لا نَّه‌ هاجر لكنّه‌ عاد ثانية‌ إلی‌ مكّة‌. فمع‌ أنَّ بيت‌ اللة‌ مُطاف‌ إبراهيم‌ وإسماعيل‌ لكنّه‌ بتلك‌ الحال‌ لم‌ يكن‌ بيد النبي‌ّ، فهو دار الشرك‌ ودار الكفر، وقد سأل‌ النبي‌ُّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ اللهَ أن‌ لا يجعل‌ موته‌ هناك‌ حتّي‌ يخرج‌ منه‌. أمّا بعد أن‌ ارتفعت‌ راية‌ الإسلام‌ هناك‌ فقد صارت‌ تلك‌ البلاد دار الإسلام‌. وعلی‌ هذا، فيحرم‌ علی‌ جميع‌ المسلمين‌ الذهاب‌ والسكني‌ في‌ بلاد الكفر من‌ غيرضرورة‌.

 وفي‌ الواقع‌، لو عمل‌ المسلمون‌ بهذه‌ المقرّرات‌ من‌ بداية‌ تشكيل‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ في‌ إيران‌ واجتمع‌ جميع‌ مسلمي‌ الدنيا في‌ إيران‌ لتحقّقت‌ قوّة‌ عظيمة‌ حيث‌ تجتمع‌ جميع‌ رؤوس‌ الاموال‌ والطاقات‌ الفكريّة‌، لكنّنا نراهم‌ قد شدّوا رحال‌ الهزيمة‌ والفرار!

 يقال‌ لمن‌ تخصّص‌ بأحد الفنون‌ أو الدراسات‌ أخصّائي‌ّ، فإن‌ كان‌ أصحاب‌ التخصّص‌ من‌ غير الملتزمين‌ وتنقصهم‌ الغيرة‌ الدينيّة‌، وتعشعش‌ الخيانة‌ في‌ ذاتهم‌ وكيانهم‌، فما قيمتهم‌ يا تري‌؟! فالنتيجة‌ الحاصلة‌ منهم‌ ليس‌ أكثر من‌ ذهاب‌ الثروات‌ المإلیة‌ والإنسانيّة‌ لتقبع‌ تحت‌ راية‌ الكفر كما هو حاصل‌، وتري‌ ظاهر أُولئك‌ الاطمئنان‌ مع‌ أ نَّهم‌ يموتون‌ هناك‌، ولاشكّ من‌ حشرهم‌ مع‌ إلیهود والنصاري‌ في‌ جهنّم‌.

 فيا أيّها المؤمنون‌! لا تقولوا: إنَّنا نُرسل‌ أبناءنا إلی‌ هناك‌ وهم‌ يراسلونا ويقولون‌ إنَّهم‌ يصلّون‌ ويصومون‌ ويحيون‌ المناسبات‌ الإسلاميّة‌ وأمثال‌ هذا الكلام‌. فلا تنخدعوا بهذا الكلام‌، فكم‌ مَن‌ غرّته‌ هذه‌ العبارات‌، فكانت‌ النتيجة‌ أن‌ جنوا ثمرات‌ الشؤم‌ من‌ وبال‌ تربية‌ الاجانب‌ التي‌ لاهمّ لها سوي‌ القضاء علی‌ الدين‌ والشرف‌ والإنسانيّة‌.

 لقد عيّن‌ لنا الإسلام‌ منهاجاً وقال‌: يجب‌ أن‌ يكون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ مهاجراً إلی‌ دار الإسلام‌. وعلی‌ هذا، فالمجتهد الاعلم‌ الذي‌ يعيش‌ في‌ أمريكا مثلاً، أو في‌ هذه‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌، إذ هناك‌ أشخاص‌ كانوا في‌ الخارج‌ وقضوا السنين‌ الطويلة‌ من‌ عمرهم‌ هناك‌، وما أن‌ سمعوا باسم‌ الحكومة‌ في‌ إيران‌ حتّي‌ هرعوا لاستلام‌ المناصب‌ الحكوميّة‌ ( من‌ وزارة‌ أو نيابة‌، أو حتّي‌ رئاسة‌ وزراء ورئاسة‌ جمهوريّة‌ ) ورشّحوا أنفسهم‌ لتلك‌ المناصب‌، مع‌ ذلك‌ الوضع‌ غير المتناسب‌، مع‌ الذقون‌ الحليقة‌ وربطات‌ العنق‌ والاحزمة‌ التي‌ ربطوها في‌ أعناقهم‌ خمسين‌ سنة‌. فلايمكن‌ لهؤلاء أن‌ يُنتخبوا للولاية‌. ولقد منَّ الله‌ علی‌ الناس‌ بعدم‌ استلامهم‌ هذه‌ المراكز. أو أنَّ الذين‌ استلموهافقدوها بسرعة‌، وإلاّ لو كانوا قد أخذوها لكانت‌ عاقبة‌ الامر سيّئة‌ جدّاً. وهذا خلاف‌ صريح‌ الآية‌ القرآنيّة‌ التي‌ تقول‌: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْيُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ وذلك‌ في‌ جميع‌ شؤون‌ الولاية‌، أعمّ من‌ ولاية‌ الفقيه‌ أو الاُمور الولايتيّة‌ التي‌ تحت‌ يده‌، مثل‌ مجلس‌ الشوري‌ وأهل‌ الحلّ والعقد ( إذا اعتبرناهم‌ أخصّ من‌ مجلس‌ الشوري‌ كشوري‌ المحافظة‌ علی‌ الدستور مثلاً ) وكذلك‌ مجلس‌ الوزراء وسائر المراكز.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ  وَآلِ مُحَمَّد

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

 

 ومن‌ شروط‌ ولاية‌ الفقيه‌: الذكورة‌. فيجب‌ أن‌ يكون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ رجلاً ليصبح‌ حاكماً وصاحب‌ ولاية‌.

 ونستفيد في‌ هذا المجال‌ من‌ آيتين‌ قرآنيّتين‌ وروايتين‌، بالإضافة‌ لما استفدناه‌ من‌ الإجماع‌ والسيرة‌ والروايات‌ المتواترة‌ والمتضافرة‌ والمستفيضة‌ التي‌ أوردناها بشكل‌ مفصّل‌ في‌ « رسالة‌ بديعة‌ » في‌ ذيل‌ تفسير آية‌: الرِّجَالُ قَوّ'مُونَ عَلَیالنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی‌' بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَ'لِهِم‌، [16]فلاجل‌ عدم‌ الإطناب‌، نكتفي‌ هنا بهاتين‌ الآيتين‌ والروايتين‌ لاستفادة‌ هذا الشرط‌ في‌ الحاكم‌ الفقيه‌ في‌ الإسلام‌.

 الرِّجَالُ قَوّ ' مُونَ عَلَیالنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی‌' بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَ ' لِهِم‌.

 يقول‌ الطريحي‌ّ في‌ « مجمع‌ البحرين‌ »: إنَّ معني‌ ومفاد الآية‌ المباركة‌ هو: أي‌ للرجال‌ علیهنّ قيام‌ الولاء والسياسة‌. وعلّل‌ ذلك‌ بأمرين‌:

 أحدهما: موهبي‌ّ من‌ الله‌ تعإلی‌، وهو أنَّ الله‌ فضّل‌ الرجال‌ علیهنّ بأُمور كثيرة‌، من‌ كمال‌ العقل‌ وحُسن‌ التدبير وتزايد القوّة‌ في‌ الاعمال‌ والطاعات‌. ولذلك‌ خصّوا بالنبوّة‌ والإمامة‌ والولاية‌ وإقامة‌ الشعائر والجهاد وقبول‌ شهادتهم‌ في‌ كلّ الاُمور ومزيد النصيب‌ في‌ الإرث‌، وغير ذلك‌.

 وثانيهما: كسبي‌ّ، وهو أ نَّهم‌ يُنفقون‌ علیهنّ ويعطوهنّ المهور، مع‌ أنَّ فائدة‌ النكاح‌ مشتركة‌ بينهما. و « الباء » في‌ قوله‌: بِمَا فَضَّلَ اللَهُ وفي‌ قوله‌: بِمَآ أَنفَقُوا، للسببيّة‌، و « ما » مصدريّة‌. أي‌ بِسَبَبِ تَفْضيلِ اللَهِ وَبِسَبَبِ إنْفاقِهِم‌. فبناء علی‌ هذا، فالحكم‌ في‌ هذه‌ الآية‌ معلّل‌ بعلّة‌. لِمَ جعل‌ الله‌ تعإلی‌ الرجال‌ قوّامين‌ علی‌ النساء؟ والجواب‌: لهاتين‌ العلّتين‌: الموهبيّة‌ والكسبيّة‌ الموجودتين‌ في‌ الرجال‌، والمفقودتين‌ في‌ النساء.

 وأورد ابن‌ الاثير في‌ « النهاية‌ » أ نَّه‌ ورد في‌ الدعاء: لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ؛ وفي‌ رواية‌: أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ؛ وفي‌ أُخري‌: أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ. وهي‌ من‌ أبنية‌ المبالغة‌، وهي‌ من‌ صفات‌ الله‌ تعإلی‌. ومعناها: القائم‌ بأُمور الخلق‌ ومُدبِّر العالَم‌ في‌ جميع‌ أحواله‌.

 وأصلها من‌ الواو: قَيْوام‌ و قَيْوِم‌ و قَيْوُوم‌ علی‌ وزن‌: فَيْعال‌ و فَيْعِل‌ و فَيْعول‌؛ ومعناه‌: أنَّ قيام‌ وقوام‌ أُمور السماء والارض‌ هو بالله‌ عزّ وجلّ.

 ثمّ يتابع‌ ابن‌ الاثير المطلب‌ إلی‌ أن‌ يصل‌ حيث‌ يقول‌: ومِنْهُ الحَدِيثُ: مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ قَيِّمُهُمُ امْرَأَةٌ [17]. فقد أورد الرواية‌ بهذا اللفظ‌، كما أ نَّه‌ ستأتي‌ رواية‌ فيما بعد عن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أ نَّه‌ قال‌: لَن‌ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا امْرَأَةً.

 وقال‌ في‌ تفسير « مجمع‌ البيان‌ »: «يُقالُ: رَجُلٌ قَيِّمٌ وَقَيَّامٌ وَقَوّامٌ؛ وهذا البناء للمبالغة‌ والتكثير. وَ أصْلُ القُنوتِ دَوامُ الطَّاعَةِ؛ وَمِنْهُ القُنوتُ في‌ الوَتْرِ لِطولِ القِيامِ فيه‌». يقول‌ الله‌ تعإلی‌: فَالصَّـ'لِحَـ'تُ قَـ'نِتَـ'تٌ حَـ'فِظَـ'تٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَهُ. ( أي‌ أنَّ النساء الصالحات‌ هنّ اللواتي‌ يطعن‌ أزواجهنّ علی‌ الدوام‌ في‌ حضورهم‌ وغيبتهم‌، ويحفظن‌ ناموسهم‌[18] وأموالهم‌ وفقاً لاوامر الشرع‌، فهؤلاء هنّ النساء اللواتي‌ ذكرهنّ الله‌ بهذه‌ الصفة‌ ).

شأن‌ نزول‌ آية‌: الرِّجَالُ قَوّ ' مُونَ عَلَیالصالحات‌ النِّسَآءِ، طبقاً لنقل‌ المفسّرين‌

 ثمّ يقول‌ صاحب‌ « مجمع‌ البيان‌ »: قال‌ مقاتل‌: نزلت‌ الآية‌ في‌ سعدبن‌ ربيع‌بن‌ عمرو، وكان‌ من‌ النقباء، وفي‌ امرأته‌ حبيبة‌ بنت‌ زيدبن‌ أبي‌ زهير، وهما من‌ الانصار، وذلك‌ أ نَّها نَشَزَتْ علیهِ فَلَطَمَها.

 والنشوز بمعني‌ الترفّع‌ والتكبّر. نَشَزَتِ الارْضُ: أي‌ ارتفعت‌. و نَشَزَتِ المَرْأَة‌: أي‌ تكبّرت‌ علی‌ زوجها ولم‌ تمكّنه‌ من‌ حقّه‌، وطلبت‌ التعإلی‌ عن‌ محلّها ومقامها، ولم‌ تتمكّن‌ بحقّ زوجها.

 عندما نشزت‌ حبيبة‌ علی‌ زوجها سعد ولطمها، انطلق‌ أبوها معها إلی‌ النبي‌ّ فقال‌: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي‌ فَلَطَمَهَا.

 فقال‌ النبي‌ّ: لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا. فهي‌ تملك‌ حقّ القصاص‌، لا نَّها قد تعرّضت‌ للطمة‌ فيجب‌ أن‌ تذهب‌ وتلطمه‌. فَانْصَرَفَتْ مَعَ أَبِيهَا لِتَقْتَصَّ مِنْهُ.

 فَقَالَ النَّبِي‌ُّ: ارْجِعُوا! فَهَذَا جَبْرَآئِيلُ أَتَانِي‌، وَأَنْزَلَ اللَهُ هَذِهِ الآيَة‌:

 الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ عَلَیالنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی‌' بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَ ' لِهِم‌ فَالصَّـ'لِحَـ'تُ قَـ'نِتَـ'تٌ حَـ'فِظَـ'تٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَهُ وَالَّـ'تِي‌ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي‌ الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا علیهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَهَ كَانَ علیا كَبِيرًا. [19]

 فَقَالَ النَّبِي‌ُّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَرَدْنَا أَمْراً وَأَرَادَ اللَهُ أَمْراً؛ وَالَّذِي‌ أَرَادَ اللَهُ خَيْرٌ وَرَفَعَ القِصَاصَ: [20]

 إن‌ للرجال‌ قيمومة‌ علی‌ النساء بسبب‌ الفضيلة‌ التي‌ جعلها الله‌ لهم‌ علیهنّ، وبسبب‌ الإنفاق‌ الذي‌ يقومون‌ به‌ من‌ أموالهم‌ علی‌ النساء. وعلیه‌، فالنساء الصالحات‌ هنّ من‌ يطعن‌ أزواجهنّ باستمرار، ويحفظن‌ ناموسهم‌ وفراشهم‌ وأموالهم‌ وشرفهم‌ وكرامتهم‌ في‌ غيابه‌. أمّا تلك‌ النساء اللاتي‌ تخشون‌ عصيانهن‌، ولايؤدّين‌ حقوقهنّ، ولا يمكّنّ الزوج‌ من‌ حقوقه‌ الواجبة‌، فعلیكم‌ في‌ البدء أن‌ تعظوهنّ وتنصحوهنّ، فإن‌ لم‌ينفع‌ ذلك‌ فاعتزلوهنّ في‌ المضاجع‌ واهجروهنّ، فإن‌ لم‌ ينتج‌ ذلك‌ أيضاً فاضربوهنّ.

 أي‌ أنَّ المرأة‌ التي‌ تمتنع‌ عن‌ إعطاء زوجها حقّه‌، وعن‌ مضاجعته‌، والتي‌ يُري‌ فيها عصيان‌ واستبداد، فعلی‌ الرجل‌ أن‌ ينصحها أوّلاً، ومن‌ ثمّ يمتنع‌ عن‌ مضاجعتها، وبعد ذلك‌ في‌ المرحلة‌ الثالثة‌ أن‌ يضربها. إذَن‌، للزوج‌ الحقّ بعد النصيحة‌ والموعظة‌ والهجر في‌ المضاجع‌ أن‌ يضربها.

 وقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: لقد أتي‌ جبرائيل‌ بهذه‌ الآية‌ الآن‌، ولقد أردنا أمراً ( وهو أن‌ تذهب‌ تلك‌ المرأة‌ وتقتصّ من‌ زوجها بلطمه‌ ) لكنَّ الله‌ تعإلی‌ أراد أمراً آخر، وما أراده‌ الله‌ خير. ولذا رفع‌ القصاص‌، ولم‌يكن‌ لهذه‌ المرأة‌ حقّ في‌ الاقتصاص‌ من‌ زوجها.

عمومات‌ حكم‌ القصاص‌ وتخصيصها في‌ مورد حبيبة‌ زوجة‌ سعد

 ولنر الآن‌ ما هي‌ واقعيّة‌ ذلك‌ الكلام‌ الاوّل‌ للنبي‌ّ ـأنَّ لها حقّ القصاص‌ـ وكيف‌ حكم‌ النبي‌ّ بأن‌ تقتصّ هذه‌ المرأة‌ من‌ زوجها، فتأتي‌ الآية‌ علی‌ خلاف‌ ذلك‌؟

 كلٌّ من‌ حُكم‌ النبي‌ّ وحُكم‌ الله‌ صحيح‌ في‌ محلّه‌؛ فعندما حكم‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ بوجوب‌ القصاص‌، إنّما حكم‌ بذلك‌ للإطلاقات‌ الواردة‌ في‌ القصاص‌، مثل‌:

 وَلَكُمْ فِي‌ الْقِصَاصِ حَيَو'ةٌ يَـ'´أُولِي‌ الاْلْبَـ'بِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [21]. وكذلك‌ الآيات‌ الاُخري‌ حول‌ القصاص‌، مثل‌: وَكَتَبْنَا علیهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالاْنْفَ بِالاْنْفِ وَالاْذُنَ بِالاْذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ[22]؛ وأمثال‌ ذلك‌.

 فمن‌ حقّ المرأة‌ أن‌ تقتصّ من‌ زوجها فيما لو أدّي‌ إلی‌ جرحها؛ وديتها بمقدار دية‌ الرجل‌، وهو إلی‌ ثلث‌ الدية‌، حيث‌ لايكون‌ ثمّة‌ تفاوت‌ بين‌ الرجل‌ والمرأة‌. ولكن‌ عندما يتجاوز الامر ثلث‌ الدية‌، تكون‌ دية‌ المرأة‌ نصف‌ دية‌ الرجل‌. وهنا حيث‌ قام‌ هذا الرجل‌ بلطم‌ زوجته‌، فلو كان‌ ثمّة‌ دية‌ فهي‌ دون‌ الثلث‌، إضافة‌ لإرادتها للقصاص‌، ولها ذلك‌.

 ولكن‌، إلی‌ ذلك‌ الوقت‌ لم‌ يكن‌ قد ورد حكم‌ النشوز بعد، الذي‌ يعني‌: يحقّ للرجل‌ أن‌ يضرب‌ زوجته‌ إذا عصمته‌ ولم‌ تمكّنه‌ من‌ نفسها، فذلك‌ ذنب‌.

 فعلی‌ هذا، كان‌ حكم‌ النبي‌ّ بالقصاص‌ عملاً بإطلاق‌ آية‌: وَلَكُمْ فِي‌ الْقِصَاصِ حَيَو'ةٌ ( وحيث‌ لم‌ يكن‌ لخصوص‌ النشوز موضوعيّة‌ لتقييد الحكم‌ ) وبعد ذلك‌ يأتي‌ جبرائيل‌ ويخصّص‌ قائلاً: يكون‌ حكم‌ القصاص‌ في‌ الموارد التي‌ لا يكون‌ فيها نشوز من‌ طرف‌ المرأة‌، وأمّا حيث‌ يكون‌ هناك‌ نشوز، فالحكم‌: استحقاق‌ المرأة‌ للضرب‌.

 وحيث‌ إنّ اللطمة‌ التي‌ وجّهها هذا الرجل‌ لزوجته‌ كانت‌ في‌ حالة‌ نشوزها، فيكون‌ الموضوع‌ قد تغيّر، أي‌ أنَّ الموضوع‌ قد تخصّص‌ بقيد خاصّ وخصوصيّة‌ معيّنة‌.

 ولذا، فقد تحقّق‌ هنا موضوعان‌: الاوّل‌: جناية‌ الرجل‌ علی‌ المرأة‌ من‌ دون‌ أن‌ تكون‌ هناك‌ أرضيّة‌ نشوز، فيكون‌ القصاص‌ عندئذٍ باقياً، بمقتضي‌ العمومات‌، والحكم‌ هو القصاص‌. والثاني‌: الجناية‌ التي‌ حصلت‌ علی‌ المرأة‌ في‌ خصوص‌ الضرب‌ في‌ حالة‌ نشوزها، حيث‌ إنَّه‌ بواسطة‌ هذا القيد يتحقّق‌ موضع‌ آخر ويتبدّل‌ حكمه‌ أيضاً.

 وعلی‌ هذا، فالذي‌ أراده‌ النبي‌ّ هو حكم‌ بالحقّ علی‌ أساس‌ ذلك‌ الحكم‌ الكلّي‌ّ، ولم‌ يكن‌ الحكم‌ الثانوي‌ّ قد نزل‌ بعد؛ وعندما جاء الحكم‌ الثانوي‌ّ، فقد اقتضت‌ إرادة‌ الله‌ تعإلی‌ أن‌ يكون‌ الامر بهذا النحو. وهو خير طبعاً.

 والآن‌، هل‌ نسخ‌ الحكمُ الثانوي‌ّ الحكمَ الاوّل‌، أو أ نَّه‌ خصّصه‌؟

 في‌ الحقيقة‌، كلّ تخصيص‌ هو نسخ‌ في‌ الافراد، كما أنَّ كلّ نسخ‌ هو تخصيص‌ في‌ الازمان‌. إنَّ حكم‌ القصاص‌ قد جعل‌ علی‌ عنوان‌ كلّي‌ّ، وهذا القيد الذي‌ يمتلك‌ حكماً خاصّاً لم‌ يكن‌ قد بيّن‌ إلی‌ ذلك‌ الزمان‌، وعندما حان‌ وقت‌ بيانه‌ جاء جبرائيل‌ وبيّنه‌. وعندما اتّضح‌ الحكم‌ صار المطلب‌ علی‌ قسمين‌: القسم‌ الاوّل‌: أن‌ يأتي‌ الحكم‌ علی‌ موضوع‌ هو عبارة‌ عن‌ الضرب‌ الحاصل‌ من‌ دون‌ نشوز. والقسم‌ الآخر: هو عبارة‌ عن‌ الضرب‌ الحاصل‌ مع‌ النشوز. وكلّ واحد من‌ هذين‌ الموضوعين‌ له‌ حكم‌ مختلف‌.

 يقول‌ صاحب‌ « مجمع‌ البيان‌ » في‌ تتمّة‌ كلامه‌: الرِّجالُ قَيِّمونَ عَلَیالنِّساءِ، مُسَلَّطونَ علیهِنَّ في‌ التَّدْبيرِ وَالتَّأْديبِ وَالرِّياضَةِ وَالتَّعلیمِ «بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی‌' بَعْضٍ».

 إنَّ تعبير كهذا ـ كما يقول‌ العلاّمة‌ في‌ تفسيره‌ـ هو من‌ أدب‌ القرآن‌، حيث‌ قد بيّن‌ السبب‌، لذا يقول‌ صاحب‌ « مجمع‌ البيان‌ »:

 هَذا بَيانُ سَبَبِ تَوْليَةِ الرِّجالِ علیهِنَّ. أي‌ إنَّما وَلاَّهُمُ اللَهُ أمْرَهُنَّ لِما لَهُمْ مِنْ زيادَةِ الفَضْلِ علیهِنَّ بِالعِلْمِ وَالعَقْلِ وَحُسْنِ الرَّأْي‌ِ وَالعَزْمِ. [23]

 وبما أنَّ أساس‌ العائلة‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ قائماً علی‌ التدبير العقلي‌ّ، ولاشكّ في‌ أنَّ القوّة‌ العاقلة‌ عند الرجال‌ هي‌ أقوي‌ منها عند النساء، فتوجب‌ تلك‌ الفضيلة‌ الطبيعيّة‌ أن‌ تكون‌ سياسة‌ وتدبير أُمور البيت‌ بيد الرجل‌ لاالمرأة‌.

 فيجب‌ أن‌ يكون‌ الامر في‌ البيت‌ بيد الرجل‌ لا بيد المرأة‌. فإذا تولّت‌ المرأة‌ أمر البيت‌ فإنَّها تسير به‌ نحو الفساد.

 يقول‌ المحقّق‌ الكاشاني‌ّ في‌ « تفسير الصافي‌ »: «الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ عَلَیالنِّسآءِ» يَقومونَ علیهِنَّ قِيامَ الوُلاةِ عَلَیالرَّعيَّةِ «بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی‌' بَعْضٍ» بِسَبَبِ تَفْضيلِهِ ] أي‌ تَفْضيلِ اللَهِ [ الرِّجالَ عَلَیالنِّساءِ بِكَمالِ العَقْلِ وَحُسْنِ التَّدْبيرِ وَمَزيدِ القُوَّةِ في‌ الاَعْمالِ وَالطَّاعَاتِ.

 إلی‌ أن‌ يقول‌: في‌ «العِلَلِ» عَنِ النَّبِي‌ِّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: سُئِلَ ما فَضْلُ الرِّجَالِ عَلَیالنِّسَاءِ؟ فَقَالَ: كَفَضْلِ المَاءِ عَلَیالاَرْضِ؛ فَبِالمَاءِ تَحْيَي‌ الاَرْضُ وَبِالرِّجَالِ تَحْيَي‌ النِّسَاءُ. وَلَوْلاَ الرِّجَالُ مَا خُلِقَتِ النِّسَاءُ! ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ. ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تَرَي‌ إلَی‌ النِّسَاءِ كَيْفَ يَحِضْنَ، وَلاَيُمْكِنُهُنَّ العِبَادَةُ مِنَ القَذَارَةِ؛ وَالرِّجَالُ لاَ يُصِيبُهُمْ شَي‌ءٌ مِنَ الطَّمْثِ؟ [24]

 يقول‌ الزمخشري‌ّ في‌ « الكشّاف‌ »: «قَوَّ ' مُونَ عَلَیالنِّسَآءِ»: يَقومونَ علیهِنَّ آمِرينَ ناهينَ، كَما يَقومُ الوُلاةُ عَلَیالرَّعَايَا؛ وَسُمُّوا قُوَّماً لِذَلِكَ. وَالضَّميرُ في‌ «بَعْضَهِمْ» لِلرِّجالِ وَالنِّساءِ جَمِيعَاً. يَعْني‌: إنَّما كانوا مُسَيْطِرينَ علیهِنَّ بِسَبَبِ تَفْضيلِ اللَهِ بَعْضَهُمْ (وَهُمُ الرِّجالُ) عَلَیبَعْضٍ (وَهُمُ النِّساءُ). وَفيهِ دَليلٌ عَلَیأنَّ الوَلايَةَ إنَّما تُسْتَحَقُّ بِالفَضْلِ لابِالتَّغَلُّبِ وَالاِسْتِطالَةِ وَالقَهْرِ.

 ويصل‌ الزمخشري‌ّ بالمطلب‌ إلی‌ حيث‌ يقول‌: «قَـ'نِتَـ'تٌ» يعني‌ مُطيعاتٌ قائِماتٌ بِما علیهِنَّ لِلاَزْواج‌. فالرجل‌ يتحمّل‌ المشقّات‌ في‌ الخارج‌، وعندما يأتي‌ إلی‌ البيت‌ فعلی‌ المرأة‌ أن‌ تقوم‌ بتهيئة‌ وسائل‌ الراحة‌ والعيش‌ والسكن‌ له‌.

 «حَـ'فِظَـ'تٌ لِّلْغَيْبُ» الغَيْبُ خِلافُ الشَّهادَةِ؛ أي‌ حافِظاتٌ لِمَواجِبِ الغَيْبِ. إذا كانَ الاَزْواجُ غَيْرَ شاهِدينَ لَهُنَّ؛ حَفِظْنَ مَا يَجِبُ علیهِنَّ حِفْظُهُ في‌ حالِ الغَيْبَةِ مِنَ الفُروجِ وَالبُيوتِ وَالاَمْوال‌.

رواية‌ البيهقي‌ّ عن‌ أسماء بنت‌ يزيد ورسالة‌ نساء المدينة‌ للنبي‌ّ

أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا وَطَلَبَهَا مَرضَاتَهُ وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ...

 ووردت‌ روايات‌ كثيرة‌ في‌ هذا المجال‌، فقد سئل‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ عن‌ السبب‌ في‌ أنَّ الله‌ جعل‌ الرجال‌ في‌ هذه‌ الآية‌ قوّامين‌ علی‌ النساء، ولماذا ندب‌ الله‌ الرجال‌ للجمعة‌ والجماعة‌ والجهاد والحجّ والمرابطة‌ والاعمال‌ الثقيلة‌، ولم‌ يندب‌ لها النساء؟ وهل‌ النساء يشاركن‌ الرجال‌ في‌ الاجر والثواب‌ أو لا؟ فالروايات‌ كثيرة‌ جدّاً، لكنّنا نأتي‌ هنا برواية‌ هي‌ أتمّ الروايات‌ دلالة‌.

 ذكر السيوطي‌ّ في‌ ذيل‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌، وأُستاذنا العلاّمة‌ قدّس‌الله‌ سرّه‌ في‌ تفسيره‌ الشريف‌، عن‌ البيهقي‌ّ، عن‌ أسماء الانصاريّة‌ بنت‌ يزيد ـكانت‌ من‌ الانصارـ أ نَّها جاءت‌ إلی‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ عندما كان‌ جالساً بين‌ أصحابه‌.

 فَقَالَتْ: بِأَبِي‌ أَنْتَ وَأُمِّي‌! إنِّي‌ وَافِدَةُ النِّسَاءِ إلَیكَ؛ وَاعْلَمْ نَفْسِي‌ لَكَ الفِداءُ أَ نَّهُ مَا مِنِ امْرَأَةٍ كَائِنَةٍ فِي‌ شَرْقٍ وَلاَ غَرْبٍ سَمِعَتْ بِمَخْرَجِي‌ هَذَا إلاَّ وَهِي‌َ عَلَیمِثْلِ رَأْيِي‌.

 إنَّ اللَهَ بَعَثَكَ بِالحَقِّ إلَی‌ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ فَآمَنَّا بِكَ وَبِإلَهِكَ الَّذِي‌ أَرْسَلَكَ! وَإنَّا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْصُورَاتٌ؛ قَوَاعِدُ بُيُوتِكُمْ وَمَقْضَي‌ شَهَوَاتِكُمْ وَحَامِلاَتُ أَوْلاَدِكُمْ. وَإنَّكُمْ مَعَاشِرَ الرِّجَالِ فُضِّلْتُمْ علینَا بِالجُمُعَةِ وَالجَمَاعَاتِ وَعِيَادَةِ المَرْضَي‌ وَشُهُودِ الجَنَائِزِ وَالحَجِّ بَعْدَ الحَجِّ؛ وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ الجِهَادُ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ. وَإنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إذَا خَرَجَ حَاجَّاً أَوْ مُعْتَمِراً أَوْ مُرَابِطاً حَفَظْنَا لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَ َزَلْنَا لَكُمْ أَثْوَابَكُمْ وَرَبَّيْنَا لَكُمْ أَوْلاَدَكُمْ! فَمَا نُشَارِكُكُمْ فِي‌ الاَجْرِ يَا رَسُولَ اللَهِ؟!

 لقد أنهت‌ المسألة‌ بأُعجوبة‌، وأدّت‌ حقّ المطلب‌ بهذا السؤال‌، إذ جاءت‌ إلی‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وطلبته‌ للمحاكمة‌ والقضاوة‌ بكلماتها هذه‌ مطالبة‌ إيّاه‌ بيان‌ المسألة‌ وحقيقتها.

 فَالْتَفَتَ النَّبِي‌ُّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّم‌ إلَی‌ أَصْحَابِهِ بِوَجْهِهِ كُلِّهِ، ثُمَّ قَال‌: هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَسْأَلَتِهَا فِي‌ أَمْرِ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ؟!

 فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَه‌! مَا ظَنَنَّا أَنَّ امْرَأَةً تَهْتَدِي‌ إلَی‌ مِثْلِ هَذَا!

 فَالْتَفَتَ النَّبِي‌ُّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلَیهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: انصَرِفِي‌ أَيَّتُهَا المَرْأَةُ، وَأَعْلِمِي‌ مَنْ خَلَّفَكِ مِنَ النِّسَاءِ: أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا وَطَلَبَهَا مَرضَاتَهُ وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ يَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ. فَأَدْبَرَتِ المَرْأَةُ وَهِي‌َ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ اسْتِبْشَاراً. [25]

 ( أي‌ أنَّ ذلك‌ الرجل‌ الذي‌ يرابط‌ علی‌ الحدود ولا ينام‌ طيلة‌ الليل‌ إلی‌ الصباح‌ ويحافظ‌ علی‌ الحدود، وامرأته‌ التي‌ تنام‌ في‌ البيت‌ وتحافظ‌ علی‌ أبنائه‌، يُحسب‌ لهما نفس‌ الثواب‌. فالزوج‌ يجاهد في‌ ميدان‌ الحرب‌، يتحمّل‌ الجوع‌ ويبذل‌ عرقه‌ ويجهد نفسه‌، بينما تقوم‌ زوجته‌ بإدارة‌ شؤون‌ المنزل‌ فقط‌ وتنال‌ نفس‌ ذلك‌ الثواب‌. ويقوم‌ الزوج‌ بأداء الحجّ والعمرة‌، ويشارك‌ في‌ تشييع‌ الجنائز، وعيادة‌ المرضي‌، فتنال‌ زوجته‌ ثواب‌ كلّ هذه‌ الاعمال‌ دون‌ أي‌ّ نقص‌ أو زيادة‌. فهل‌ ثمّة‌ شي‌ء أفضل‌ من‌ هذا؟).

 عندما سمعت‌ تلك‌ المرأة‌ هذا الكلام‌ من‌ النبي‌ّ خرجت‌ وهي‌ تهتف‌ مسرورة‌: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌، لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌، اللَهُ أكْبَرُ، اللَهُ أكْبَرُ.

 فالله‌ يحفظ‌ للنساء عظمة‌ وجلالة‌ مقامهنّ بسبب‌ هذه‌ الطاعة‌، وبسبب‌ قيامهنّ بهذه‌ الوظيفة‌ ( من‌ جلوسهنّ في‌ البيت‌، وتحمّلهنّ للحمل‌ والولادة‌، وإرضاع‌ الاطفال‌، وتربيتهم‌، وترشيدهم‌ ليكونوا مجاهدين‌ في‌ سبيل‌الله‌، وحفظ‌ استقرار البيت‌ إلی‌ أن‌ يعود الزوج‌ من‌ السفر، دون‌ أن‌ يختلّ نظام‌ بيته‌ ويضيع‌ ) وسيعطيهنّ الله‌ بمقدار ثواب‌ وأجر أزواجهنّ. فيا لكلمات‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌! وهو عين‌ الحقيقة‌ والواقعيّة‌.

 لو فقدت‌ مكيّفة‌ الهواء جزء صغير واحد لتعطّلت‌ عن‌ الحركة‌. وذلك‌ الرجل‌ الذي‌ يُشارك‌ في‌ القتال‌ في‌ الصفّ الاوّل‌ هو بحاجة‌ إلی‌ تلك‌ المرأة‌ العجوز التي‌ تغسل‌ الخضار خلف‌ الجبهة‌ مثلاً لكي‌ توصل‌ له‌ الغذاء والطعام‌، لا نَّه‌ لولاها لضعفت‌ بنيته‌ عن‌ الجهاد بما ينبغي‌. علی‌ المجاهد أن‌ يضرب‌ بالسيف‌، وعلی‌ الحارس‌ أن‌ يؤدّي‌ وظيفته‌، وعلی‌ المرابط‌ والمجاهد أن‌ يقوم‌ بدوره‌، كما أنَّ علی‌ الطبّاخ‌ أن‌ يقوم‌ بوظيفة‌ الطبخ‌. وخلاصة‌ القول‌: لو قام‌ كلٌّ بوظيفته‌ من‌ أجل‌ رضا الله‌، فسوف‌ يتقدّم‌ الإسلام‌، وسوف‌ يصل‌ ذلك‌ المجاهد والمرابط‌ إلی‌ هدفه‌؛ والاجر والثواب‌ ـ حينها ـ سيتقسّم‌ علی‌ الجميع‌.

 ليس‌ الله‌ بظالم‌، وعندما جعل‌ وظيفة‌ الإنسان‌ علی‌ أساس‌ المصلحة‌ بنحو لايكون‌ فيه‌ ذهاب‌ إلی‌ الحرب‌ أو تدخّل‌ في‌ الاُمور السياسيّة‌؛ فهل‌ من‌ الممكن‌ أن‌ يقوم‌ الإنسان‌ بكلّ ذلك‌ طاعة‌ للّه‌ وخضوعاً له‌ وتقرّباً إلیه‌، فلايعطيه‌ الاجر؟! ولِمَ لا يعطيه‌ وهو ليس‌ بظالم‌؟!

 يقول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: كلّ هذا الثواب‌ لَكُنَّ، لانَّ هذه‌ المرأة‌ سألت‌: مَا نُشَارِكُكُمْ فِي‌ الاَجْرِ يَا رَسُولَ اللَهِ؟! فنحن‌ نريد أن‌ نكون‌ شركاءكم‌ في‌ الاجر، فما السبب‌ والعلّة‌ في‌ عدم‌ مشاركتنا لكم‌ في‌ الاجر؟ فقال‌ النبي‌ّ: إن‌ كنتنّ نساء صالحات‌، يجعلكنّ الله‌ تعإلی‌ شريكات‌ في‌ الاجر.

 لقد عدَّ النبي‌ّ الاكرم‌ ثلاثة‌ أُمور:

 الاوّل‌: أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا؛ فبعض‌ النساء لايقمن‌ في‌ بيوتهنّ بحسن‌ التبعّل‌، ممّا يسبّب‌ لازواجهنّ حالة‌ إزعاج‌ وعصبيّة‌ دائمة‌، وإحساس‌ بالمرارة‌ في‌ سائر أوقاتهم‌، وهذا تصرّف‌ غير سليم‌؛ فيجب‌ أن‌ تمضي‌ الحياة‌ بالسعادة‌ والهناء علی‌ الدوام‌؛ فَلِمَ لا تكون‌ المرأة‌ حَسنة‌ التبعّل‌ لتوفّر علی‌ زوجها تحمّل‌ الآلام‌؟!

 الثاني‌: وَطَلَبَهَا مَرْضَاتَهُ؛ فتنتظر ما الذي‌ يريده‌ زوجها منها. فلو قال‌ لها: إنَّي‌ لست‌ راضياً علی‌ ذهابك‌ إلی‌ المجلس‌ الفلاني‌، فلا تصرّ وتطالب‌ بالذهاب‌. عندما يجعل‌ الله‌ تعإلی‌ الرجل‌ قيّماً علی‌ المرأة‌ فهي‌ لاتستطيع‌ الخروج‌ من‌ المنزل‌ من‌ دون‌ إذنه‌. فلماذا تصرّ مطالبة‌ بتحصيل‌ إذن‌ الخروج‌، وتزيد في‌ إصرارها وضغطها بنحو يؤدّي‌ إلی‌ أن‌ يجلس‌ الرجل‌ في‌ بيته‌ مع‌ ألف‌ همٍّ وغصّة‌ وانزعاج‌ حتّي‌ تذهب‌ هي‌ للمشاركة‌ في‌ العرس‌ الفلاني‌؛ فهذا السلوك‌ خلاف‌ المنهج‌ الإلهي‌ّ.

 الثالث‌: وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ؛ بأن‌ تتّبع‌ المرأة‌ مطالب‌ وآمال‌ زوجها المشروعة‌.

 لاحظوا كيفيّة‌ بيان‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ هذه‌ الاوامر الرفيعة‌ لنا.

 وبالطبع‌، فقد كانت‌ تلك‌ المرأة‌ علی‌ درجة‌ عإلیة‌ من‌ الفهم‌، إذ لمّا قال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: يَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ ( يعني‌ إذا جلست‌ النساء في‌ البيت‌، وعملت‌ بتكإلیفها، ونمّت‌ علومها القرآنيّة‌، وقامت‌ بأعمالها العباديّة‌، واستمرّت‌ في‌ وظائف‌ الاُمومة‌ من‌ الحمل‌ والرضاع‌ والولادة‌، والتي‌ هي‌ جهاد في‌ سبيل‌ الله‌، إذ كلّ ولادة‌ جهاد في‌ سبيل‌الله‌، فسوف‌ يكتب‌ لهنّ جميع‌ ذلك‌ الاجر الذي‌ كُتب‌ للرجال‌ علی‌ تلك‌ الاعمال‌ ) فرحت‌ تلك‌ المرأة‌ كثيراً ورضيت‌ بحكم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌.

 هذه‌ آية‌ من‌ آيات‌ القرآن‌ التي‌ يُستفاد منها شرط‌ الذكوريّة‌ في‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 والآية‌ الاُخري‌، هي‌ قوله‌ تعإلی‌: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي‌ علیهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ علیهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. [26]

 أي‌ كلّ ما للرجال‌ علی‌ النساء من‌ حقوق‌، هي‌ ذات‌ الحقوق‌ التي‌ للنساء علی‌ الرجال‌، ويجب‌ أن‌ تؤدّي‌ تلك‌ الحقوق‌ للنساء بالمعروف‌.

 هنا يوجد أمر يستحقّ الذكر وهو ] حول‌ قوله‌ تعإلی‌ [: وَلِلرِّجَالِ علیهِنَّ دَرَجَةٌ. فلو عملت‌ المرأة‌ بجميع‌ وظائفها وأدّت‌ الحقوق‌ التي‌ جعلها الله‌ مسؤولة‌ عنها، كما لو قام‌ الرجل‌ بأداء كلّ الحقوق‌ التي‌ جعلهاالله‌ علیه‌ من‌ دون‌ زيادة‌ أو نقصان‌، لاوجب‌ سنخ‌ الخلقة‌ ونظام‌ البدن‌ والفكر والتعقّل‌ ( في‌ العلم‌ والجسم‌ ) وباختصار، لاوجبت‌ جميع‌ الغرائز في‌ الرجل‌ أن‌ يكون‌ له‌ في‌ التكوين‌ درجة‌ من‌ الافضليّة‌ والتفوّق‌ علی‌ النساء.

 وعلی‌ هذا، فالآية‌ من‌ حيث‌ الدلالة‌ مثل‌ آية‌: الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ عَلَی النِّسَآءِ.

 

 

ارجاعات


[1] ـ في‌ تعلیقة‌ كتاب‌ «الفردوس‌ الاعلی‌» الذي‌ هو من‌ تإلیفات‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ محمّد حسين‌ آل‌ كاشف‌ الغطاء، ص‌ 139 يقول‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد محمّدعلی‌ّ القاضي‌ حول‌ كتاب‌ «الاحتجاج‌»: لاحمد بن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ الطَّبْرِسي‌ّ:

 وَطَبْرِسي‌ّ نِسْبَةٌ إلی‌ طَبْرِس‌، وَهِي‌َ رُسْتاقٌ بَيْنَ إصْفَهانَ وَقاشانَ وَقُمّ. وطَبْرِس‌ بِالطَّاءِ المُهْمَلَةِ المَفْتوحَةِ وَالباءِ المُوَحَّدَةِ السَّاكِنَةِ وَالرَّاءِ المَكْسورَةِ وَالسِّيْنِ المُهْمَلَةِ، مُعَرَّبُ تَفْرِشِ الحَإلیةِ بِإيران‌ كَما عَنِ العَلاّمَةِ المَجْلِسي‌ّ رَحْمَةُ اللَهِ علیهِ. وَالقَوْلُ بِأَنَّ الطَّبْرِسي‌َّ مَنْسوبٌ إلی‌ طَبَرِسْتان‌ ـكَما هُو المَشْهورـ اشْتِباهٌ مِنْ بَعْضِ السَّلَف‌؛ وَمِنْهُ تَسَرَّبَ الوَهْمُ إلی‌ أكْثَرِ الخَلَفِ كَما حَقَّقْنا ذَلِك‌ تَفْصيلاً في‌ المَقالَةِ الَّتي‌ نَشَرْناها في‌ مَجَلَّةِ «العِرْفان‌» ص‌ 371 إلی‌ 375، ج‌ مج‌ 39، ط‌صَيْدا. وانْظُرْ أيْضاً إلی‌ «تاريخ‌ بَيْهَق‌» ص‌ 242، ط‌ طهران‌؛ وَإلی‌ ذَيْلِ ذَلِك‌ التَّاريخ‌، ص‌ 347 ـ 353؛ وَإلی‌ ما ذَكَرَهُ خَطيبُنا العَلاّمَةُ الواعِظُ الجَرَنْدابي‌ّ في‌ تَعلیقاتِهِ عَلَی«شَرْحِ عَقائدِ الصَّدوق‌» ص‌ 59، ط‌ 2 تبريز إيران‌ ـ انتهي‌.

 ويقول‌ أيضاً المرحوم‌ السيّد محمّد علی‌ القاضي‌ في‌ تعلیقة‌ كتاب‌ «جنّة‌ المأوي‌» تإلیف‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ آل‌ كاشف‌ الغطاء، ص‌ 267: الطَّبْرِسي‌ّ مَنْسوبٌ إلی‌ طَبْرِس‌ (طبرش‌) مُعَرَّبُ «تَفْرِش‌» الحإلیةُ بِإيران‌؛ والشَّيخُ صاحِبُ «الاحْتِجاج‌» والطَّبْرِسي‌ّ صاحِبُ «مَجْمَع‌ البيان‌» وابنه‌ صاحِبُ «مَكارِم‌ الاخلاق‌» وَحَفيدُهُ صاحِبُ «مِشكَاة‌ الانوار» مَنْسوبونَ إلیها، لاإلی‌ «طبرستان‌» مازَندران‌ كَما هُوَ المَشْهورُ شُهْرَةً لا أصْلَ لَها؛ وَقَدْ حَقَّقْنا ذَلك‌ في‌ بَعْضِ مَقالاتِنا المُنْتَشِرَةِ في‌ مَجَلَّةِ «العرْفان‌» الصَّادِرَةِ في‌ صَيْداـلبنان‌.

 أقول‌: تارة‌ يكون‌ البحث‌ في‌ لفظ‌ «الطَّبَرْسِي‌ّ» وصحّة‌ نسبته‌ إلی‌ طبرستان‌ مازندران‌، وأُخري‌ يكون‌ البحث‌ في‌ محلّ وسكني‌ صاحب‌ كتاب‌ «الاحتجاج‌» وأ نَّه‌ هل‌ كان‌ مازندران‌ أم‌ تفرش‌؟ ونحن‌ نبحث‌ في‌ كلا الموضعين‌.

 أمّا في‌ صحّة‌ صيغة‌ النسبة‌ لطَبَرستان‌ في‌ لفظ‌ الطَبَرْسِي‌ّ فهذا ليس‌ مطابقاً لاي‌ّ من‌ قواعد العربيّة‌، لانَّ القاعدة‌ في‌ صناعة‌ صيغة‌ النسبة‌ من‌ الكلمات‌ المركّبة‌ مثل‌ سيبويه‌ و بعلبك‌ هي‌ أن‌ يُحذف‌ الجزء الثاني‌ ويُؤتي‌ في‌ آخر الكلمة‌ بياء النسبة‌، ويقال‌ سيبِي‌ّ و بَعلی‌ّ. وأحياناً عندما تكون‌ الكلمة‌ ثقيلة‌ وخصوصاً في‌ المركّبات‌ الفارسيّة‌ التي‌ لايلتفت‌ العرب‌ إلی‌ تركيبها يؤتي‌ بإلیاء في‌ آخر النسبة‌ ويقال‌ أردستاني‌ّ وخُجستاني‌ّ نسبة‌ إلی‌ أردستان‌ وخجستان‌. وأحياناً يبنون‌ من‌ جزئي‌ الكلمة‌ لفظاً مركّباً من‌ أربعة‌ أحرف‌ علی‌ وزن‌ جَعَفَر ويجعلونه‌ منسوباً، مثل‌ حضرَمِي‌ّ نسبة‌ إلی‌ حضرموت‌. لكنَّ هذا القسم‌ سماعي‌ّ ولايمكن‌ القياس‌ علیه‌.

 وطبقاً لهذه‌ القاعدة‌ ففي‌ النسبة‌ إلی‌ طبرستان‌ يجب‌ القول‌: إمَّا: طَبَرِي‌ّ، أو طَبَرِسْتاني‌ّ، أو طَبْرَسِي‌ّ علی‌ وزن‌ جَعْفَرِي‌ّ، وقد اختار أئمّة‌ اللغة‌ الوجه‌ الاوّل‌ من‌ هذه‌ الوجوه‌، فيقولون‌ في‌ التواريخ‌ والتراجم‌: طَبَرِي‌ّ.

 وعلی‌ كلّ تقدير، فلا يصحّ أن‌ يقال‌ في‌ النسبة‌ طَبَرْسِي‌ّ؛ وعلی‌ هذا الاساس‌ ولكي‌ لايُشتبه‌ في‌ النسبة‌ لِطَبَرِيَّة‌ التي‌ هي‌ قصبة‌ في‌ الاردن‌ والمنسوب‌ إلیها طَبَرِي‌ّ مع‌ الطَّبَرِي‌ّ المنسوب‌ إلی‌ طَبَرستان‌، فقد استعملوا الطَّبَرِي‌ّ خلافاً للقياس‌ فرقاً بينهما.

 يقول‌ في‌ «أعيان‌ الشيعة‌» ج‌ 9، ص‌ 65، الطبعة‌ الثانية‌: «الطَّبْرِسِي‌ّ» نسبة‌ إلی‌ طَبَرِسْتَان‌ بِفَتحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ ] في‌ «لغت‌ نامة‌ دهخدا» (= «معجم‌ دهخدا») طَبَر (طَ بَ) معَّرب‌ تَبَر وهو الفأس‌ـ انتهي‌. فهذا يكون‌ بفتح‌ الثاني‌ لا بكسره‌. وعلّة‌ كثرة‌ الطبر في‌ مازندران‌ هي‌: كان‌ يصعب‌ المسير علی‌ الجيش‌ في‌ المنطقة‌ بسبب‌ تشابك‌ الاشجار وكثرتها، فيضطرّون‌ لقطع‌ الاشجار بواسطة‌ الطبر [. و«آستان‌» تعني‌ الناحية‌، أي‌ بلاد الطبر، و«الطبر» هو مَا يْقْطَعُ بِهِ الحَطَبَ وَنَحْوُهُ لِكَثْرَةِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ. والاكثر أن‌ يقال‌ في‌ النسبة‌ إلی‌ طَبَرِسْتَان‌: طَبَري‌ّ، وفي‌ النسبة‌ إلی‌ طَبَرِيَّة‌ فلسطين‌: طَبَراني‌ّ عَلَیغَيرِ قِياسٍ لِلفَرقِ بَينهما كما قالوا: صَنْعاني‌ّ وبَهْراني‌ّ وبَحْراني‌ّ في‌ النِّسبةِ إلی‌ صَنعاء وبَهراء والبَحْرين‌. وما يُقال‌: إنَّه‌ لَمْ يُسْمَعْ في‌ النِّسبَة‌ إلی‌ طَبَرِسْتان‌ طَبَري‌ٌّ غَيرُ صَحيحٍ؛ بَلْ هُو الاكثر. ولَو قيل‌: إنَّه‌ لَم‌ يُسمَعْ في‌ النِّسبَةِ إلیها طَبَرْسي‌ّ، لكانَ وَجْهاً لما في‌ «الرياض‌» عَن‌ صاحبِ «تاريخ‌ قمّ» المُعاصر لاِبنِ العميد من‌ أنّ طبْرس‌ ناحيةٌ معروفةٌ حَوإلی‌َ قمّ مُشتملةٌ علی‌ قُريً ومَزارَع‌ كَثيرةٍ وأنّ هذا الطَّبْرَسي‌ّ وسائرِ العُلماء المَعْروفين‌ بالطَّبْرسي‌ّ منسوبون‌ إلیهاـإلخ‌.

 وأمّا البحث‌ في‌ محلّ إقامة‌ ومواطن‌ الاشخاص‌ الذين‌ عُرفوا بالطَّبَرْسِي‌ّ؛ فنقول‌:

 1 ـ الطَّبَرْسِي‌ّ: أبو منصور أحمد بن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ الطَّبَرْسِي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «الاحتجاج‌» من‌ أهل‌ ساري‌  * وهي‌ إحدي‌ مدن‌ مازندران‌. كما أنَّ تلميذه‌: محمّدبن‌ علی‌ّبن‌ شَهْرآشوب‌ السَّرَوي‌ّ المازندراني‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 588 منسوب‌ إلی‌ ساري‌؛ وقد كان‌ في‌ أواسط‌ القرن‌ السادس‌ الهجري‌ّ، وكان‌ معاصراً لابي‌ الفتوح‌ الرازي‌ّ والفَضْل‌ بن‌ حَسَن‌ الطَّبْرِسِي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «مجمع‌ البيان‌» المتوفّي‌ سنة‌ 548. وهو يروي‌ عن‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ بواسطتين‌، وعن‌ الشيخ‌ الصدوق‌ بعدّة‌ وسائط‌. وينقل‌ الشهيد الاوّل‌ في‌ «غاية‌ المراد» كثيراً من‌ فتاواه‌ وأقواله‌. وكتاب‌ «الاحتجاج‌ علی‌ أهل‌ اللجاج‌» كتاب‌ معروف‌ ومعتمد علیه‌ وجليل‌. وينبغي‌ أن‌ يقال‌ له‌ الطبري‌ّ

 2 ـ الطَّبَرِي‌ّ أو الطَّبَرْسِي‌ّ: الحسن‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ محمّد بن‌ الحسن‌، عماد الدين‌، أو عماد الطبري‌ّ، صاحب‌ كتاب‌ «أسرار الإمامة‌» و«كامل‌ البهائي‌ّ» وهو من‌ مازندران‌ أيضاً، وكان‌ حيّاً إلی‌ سنة‌ 698، وينبغي‌ أن‌ يقال‌ له‌ الطبري‌ّ.

 3 ـ الطَّبْرِسِي‌ّ: أبو علی‌ّ الفَضْل‌ بن‌ الحَسَن‌ بن‌ فَضْل‌ صاحب‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌» وطَبْرِس‌، معرَّب‌ تَفْرِش‌، وهي‌ مدينة‌ بين‌ قم‌ وكاشان‌ وإصفهان‌. كان‌ من‌ أهل‌ تفرش‌، ثمّ توطَّن‌ في‌ مشهد سناباد طوس‌، وذهب‌ إلی‌ سبزوار بعد سنة‌ 520، وتوفّي‌ في‌ ليلة‌ عيد الاضحي‌ في‌ شهر ذي‌ الحجّة‌ الحرام‌ من‌ سنة‌ 548، ونقل‌ نعشه‌ إلی‌ مدينة‌ مشهد المقدّسة‌، ودفن‌ قرب‌ مسجد المقتل‌ (قتلگاه‌).

 كان‌ هذا الرجل‌ من‌ أعاظم‌ رجال‌ العلم‌ والادب‌، ولم‌ يكن‌ له‌ نظير في‌ علم‌ النحو والعربيّة‌، وله‌ كتب‌ أُخري‌ غير «مجمع‌ البيان‌»، وينبغي‌ أن‌ يقال‌ له‌ ولابنه‌ ولحفيده‌ ـاللذين‌ سيأتي‌ ذكرهماـ الطَّبْرِسِي‌ّ؛ واشتهروا خطأً واشتباهاً بالطَّبَرْسِي‌ّ، وهو الذي‌ يُدعي‌ بالطَّبْرِسِي‌ّ الكبير.

 4 ـ الطَّبْرِسِي‌ّ: أبو نَصْر رضي‌ّ الدين‌ الحَسَن‌ بن‌ الفَضْل‌ بن‌ الحَسَن‌ صاحب‌ الكتاب‌ الجليل‌ والشريف‌ «مكارم‌ الاخلاق‌». وهو ابن‌ صاحب‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌»؛ وقد صرّحت‌ مصادر الرجال‌ والتراجم‌ أ نَّه‌ كان‌ فاضلاً محدّثاً جليلاً. وله‌ كتب‌ أُخري‌ غير «مكارم‌ الاخلاق‌».

 5 ـ الطَّبْرِسِي‌ّ: أبو الفَضْل‌ علی‌ّ بن‌ الحَسَن‌ بن‌الفَضْل‌ بن‌ الحَسَن‌ صاحب‌ كتاب‌ «مشكاة‌ الانوار». وقد كتب‌ هذا الكتاب‌ تتمّة‌ وتكميلاً لكتاب‌ والده‌ «مكارم‌ الاخلاق‌».

 تبيّن‌ ممّا ذكر أنَّ صاحب‌ «مجمع‌ البيان‌»: أبو الفَضْل‌ علی‌ّ بن‌ الحَسَن‌، وولده‌: أبونَصْر الحَسَن‌بن‌ الفَضْل‌، وحفيده‌: أبو الفَضْل‌ علی‌ّ بن‌ الحَسَن‌، كانوا من‌ تفرش‌، فينبغي‌ أن‌ يكون‌ لقبهم‌ الطَّبْرِسِي‌.

 وردت‌ تراجم‌ هؤلاء الاجلاّء في‌ «روضات‌ الجنّات‌» و«أعيان‌ الشيعة‌» و«الكني‌ والالقاب‌» و«ريحانة‌ الادب‌». وقد أشبع‌ البحث‌ في‌ «لغت‌ نامة‌ دهخدا» (= «معجم‌ دهخدا») فيما يتعلّق‌ بكلمة‌ الطبرسي‌ّ ونسبتهم‌ إلیها.

 6 ـ الطَّبَرْسِي‌ّ: الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ بن‌ العلاّمة‌ الشيخ‌ محمّد تقي‌ّ النوري‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «مستدرك‌ الوسائل‌» و«النجم‌ الثاقب‌» و«دار السلام‌» و«اللؤلؤ والمرجان‌» وكتب‌ أُخري‌. وكان‌ من‌ أهل‌ مازندران‌. علماً أنَّ ابن‌ أُخته‌ الشهيد المظلوم‌: آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ فضل‌ الله‌ النوري‌ّ كان‌ معروفاً أيضاً بالطَّبَرْسِي‌ّ؛ وهو من‌ أهل‌ مدينة‌ نور في‌ مازندران‌. وينبغي‌ أن‌ يُدعي‌ هذان‌ الشيخان‌ بالطَّبَري‌ّ؛ والطَّبَرْسِي‌ّ غلط‌.

 وهناك‌ رجال‌ آخرون‌ من‌ أهل‌ العلم‌ والادب‌ معروفون‌ بالطَّبَرسِي‌ّ، وقد وردت‌ ترجمتهم‌ في‌ كتب‌ التراجم‌، ونكتفي‌ بهذا المقدار مراعاة‌ للإيجاز والاختصار. وأورد في‌ كتاب‌ «علماء معاصرين‌» القسم‌ الثاني‌، ص‌ 278 و 279، عن‌ المرحوم‌ آية‌الله‌ الميرزا خال‌ الميرزا محمّد الطهراني‌ّ العسكري‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ (خال‌ والدنا) في‌ كتاب‌ «مستدرك‌ البحار» ضمن‌ إجازة‌ الشيخ‌ عبد الله‌ السماهيجي‌ّ: اشتبه‌ عدّة‌ علماء من‌ علمائنا في‌ مؤلّف‌ كتاب‌ «الاحتجاج‌» الذي‌ هو أحمد بن‌ أبي‌ طالب‌، ونسبوا ذلك‌ أبي‌ علی‌ّ صاحب‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌». ومن‌ جملة‌ هؤلاء أبن‌ أبي‌ جمهور الاحْسَائي‌ّ صاحب‌ «غوإلی‌ اللئإلی‌»؛ وصاحب‌ «رسالة‌ مشايخ‌ الشيعة‌» والفاضل‌ أمين‌ الاسترآبادي‌ّ صاحب‌ «الفوائد المدنيّة‌»، والسيّد هاشم‌بن‌ سليمان‌ البحراني‌ّ مؤلّف‌ كتاب‌ «العلماء المعاصرين‌»: ومنهم‌ السيّد عبدالمجيد الحائري‌ّ معاصر صاحب‌ كتاب‌ «ذخيرة‌ الدارين‌»ـ انتهي‌.

 لقد صرّح‌ صاحب‌ «أعيان‌ الشيعة‌» في‌ ج‌ 9، ص‌ 67، الطبعة‌ القديمة‌، باشتباه‌ هؤلاء العلماء الاعلام‌؛ وقال‌ في‌ ص‌ 66: في‌ «رياض‌ العلماء» أنّ هذا الطَّبَرْسي‌ّ المُتَرجَمُ (يعني‌ أبو منصور: أحمدبن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌) غَيرُ صاحبِ «مَجمَع‌ البَيان‌» لِكنَّه‌ مُعاصرٌ له‌ وهُما شَيْخا ابنِ شَهْرآشوب‌ وأُسْتاذاه‌. قالَ: وظَنّي‌ أنّ بَيْنهما قَرابةً وكذا بَيْنهما وبَيْن‌ الشيخ‌ حَسنِبنِ علی‌ِّبنِ مُحمّدِبنِ علی‌ِّ بنِ الحَسنِ الطَّبَرْسي‌ّ المُعاصِر للخواجةِ نَصير الدين‌ الطُّوسي‌ّ.

 * ـ يقول‌ في‌ «لغت‌ نامة‌ دهخدا» المجلّد ط‌، ص‌ 139 آخر العمود الاوّل‌: مؤلّف‌ «روضات‌ الجنّات‌» (ص‌ 18 ): أبو منصور أحمد بن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ الطَّبرسي‌ّ من‌ طبرستان‌ بفتح‌ الطاء والباء والراء وسكون‌ السين‌، كما قيّدها الحازمي‌ّ وجري‌ علیها العامّة‌، أو بفتح‌ الاوّلين‌ مع‌ سكون‌ السين‌. وكان‌ هذا الرجل‌ من‌ أهل‌ ساري‌ التي‌ هي‌ من‌ جملة‌ بلاد مازندران‌ المشهورة‌، كما ينتسب‌ إلیها تلميذه‌ المشهور: محمّد بن‌ علی‌ّ بن‌ شهرآشوب‌ السروي‌ّ المازندراني‌ّ رحمه‌ الله‌... إلی‌ آخره‌.

 أمّا في‌ «أعيان‌ الشيعة‌» ج‌ 9، ص‌ 65 و 66، الطبعة‌ الثانية‌ فترجمته‌ كما شاهدنا في‌ المتن‌؛ وبناء علی‌ قول‌ الملاّ عبد الله‌ الافندي‌ّ صاحب‌ «رياض‌ العلماء» عن‌ صاحب‌ «تاريخ‌ قم‌» الذي‌ كان‌ معاصراً لابن‌ العميد، الذي‌ اعتبره‌ من‌ أهل‌ تفرش‌ (إحدي‌ نواحي‌ قم‌ المعروفة‌).

[2] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 2، ص‌ 561، طبعة‌ صيدا.

[3] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 75، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌.

[4] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 9، ص‌ 147.

[5] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 9، ص‌ 147.

[6] ـ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 183 و 184، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ ومن‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌ ج‌ 1، ص‌ 261.

[7] ـ «بحار الانوار» ج‌ 47، ص‌ 176، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[8] ـ «الإمام‌ الصادق‌» ج‌ 2، ص‌ 8.

[9] ـ وفاة‌ الشيخ‌ أبو علی‌ّ الفضل‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ الحسن‌ بن‌ فضل‌ الطبرسي‌ّ صاحب‌ «مجمع‌ البيان‌» في‌ سنة‌ 548 هجريّة‌. وبناء علی‌ هذا، فحياته‌ كانت‌ في‌ أواخر القرن‌ الخامس‌ والنصف‌ الاوّل‌ من‌ القرن‌ السادس‌، ولهذا فقد مضت‌ منذ ذلك‌ الزمان‌ إلی‌ الآن‌ ( 1410 هجريّة‌) تسعة‌ قرون‌.

[10] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 2، ص‌ 562، طبعة‌ صيدا.

[11] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 9، ص‌ 144 و 145.

[12] ـ «النهاية‌» لابن‌ الاثير، ج‌ 3، ص‌ 202، مادّة‌ عَرَبَ.

[13] ـ صدر الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[14] ـ صدر الآية‌ 111، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[15] ـ «النهاية‌» لابن‌ الاثير، ج‌ 5، ص‌ 244، مادّة‌ هَجَرَ.

[16] ـ الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[17] ـ «النهاية‌» ج‌ 4، ص‌ 135، مادّة‌ قَيَمَ، كلمة‌ قَيِّمْ.

[18] ـ الناموس:صاحب السر المطلع علی باطن الأمر

[19] ـ الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[20] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 43، طبعة‌ صيدا.

[21] ـ الآية‌ 179، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[22] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 45، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[23] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 43، طبعة‌ صيدا.

[24] ـ «تفسير الصافي‌» ج‌ 1، ص‌ 353، المطبعة‌ الإسلاميّة‌، سنة‌ 1384.

[25] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 2، ص‌ 153؛ و«الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 372.

[26] ـ ذيل‌ الآية‌ 228، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ الخامس‌ والعشرون‌:لا تحلّ الفتيا لمن‌ لا يستفتي‌ من‌ الله‌ بصفاء سرّه‌
  رواية‌: اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَو بِالصِينِ، وعلم‌ معرفة‌ النفس‌
  يجب‌ أن‌ يكون‌ المرجع‌ في‌ الفتوي‌ أعلم‌ الاُمّة‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ: لَوْلاَ زِيَارَةُ الحُسَيْنِ وَتَصْنِيفُ الاَلْفَينِ ...
  البحث‌ حول‌ سند الرواية‌ الواردة‌ في‌ «مصباح‌ الشريعة‌»
  كلمات‌ الاعلام‌ حول‌ كتاب‌ «مصباح‌ الشريعة‌»
  ردّ المجلسي‌ّ كتاب‌ «مصباح‌ الشريعة‌» وردّ النوري‌ّ علیه‌
  الدرس‌ السادس‌ والعشرون‌: البحث‌ حول‌ هويّة‌ كتاب‌ «مصباح‌ الشريعة‌ ومفتاح‌ الحقيقة‌»
  طوائف‌ آراء العلماء حول‌ «مصباح‌ الشريعة‌»
  كلام‌ الشيخ‌ علی‌ أكبر النهاوندي‌ّ والسيّد جلال‌ الدين‌ المحدِّث‌
  تحقيق‌ لعالم‌ معاصر حول‌ تدوين‌ «المصباح‌» أواخر القرن‌ الثاني‌
  ردّ صاحب‌ «المستدرك‌» علی‌ صاحب‌ «رياض‌ العلماء»
  الشواهد الدالّة‌ علی‌ أنَّ «المصباح‌» ليس‌ من‌ كتابة‌ الإمام‌ الصادق‌
  «المصباح‌» ك «تحف‌ العقول‌» و«إرشاد القلوب‌» في‌ التلقّي‌ بالقبول‌
  يعتبر العلاّمة‌ النوري‌ّ قدّس‌ سرّه‌ «المصباح‌» لفضيل‌ بن‌ عياض‌
  الدرس‌ السابع‌ والعشرون‌:يشترط‌ في‌ الفتوي‌ صفاء القلب‌ إضافة‌ إلی‌ الاجتهاد
  تقع‌ روايات‌ المعصومين‌ في‌ مراحل‌ متفاوتة‌ من‌ ناحية‌ عمق‌ الدلالة‌
  في‌ أخبار الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ جواهر مثقلة‌ بالاسرار للخواصّ
  وحدة‌ الوجود من‌ أرقي‌ أسرار آل‌ محمّد علیهم‌ السلام‌
  خطبة‌ «نهج‌ البلاغة‌»: وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِي‌َّ بِرَسُولِ اللَهِ...
  أبيات‌ مشهورة‌ للإمام‌ زين‌ العابدين‌ في‌ لزوم‌ كتمان‌ السرّ
  كان‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ يبيّنون‌ الاسرار لخواصّ أصحابهم‌
  إمكان‌ كون‌ كتاب‌ «مصباح‌ الشريعة‌» من‌ تإلیف‌ فضيل‌ بن‌ عياض‌
  كان‌ فُضيل‌ من‌ أعاظم‌ الصوفيّين‌ الحقيقيّين‌ ووثّقه‌ النجاشي‌ّ والشيخ‌
  يشترط‌ في‌ الإفتاء إلیقين‌ ونور الباطن‌ إضافة‌ إلی‌ الاجتهاد الظاهري‌ّ
  يجب‌ أن‌ تكون‌ الفتوي‌ معاينة‌
  الدرس‌ الثامن‌ والعشرون‌:ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ وبيان‌ حقيقة‌ ولاية‌ الفقيه‌
  معني‌ حقيقة‌ الولاية‌ وولاية‌ الحيوانات‌ والبهائم‌ علی‌ أبنائها
  ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌، وولاية‌ فسّاقهم‌ عند عدم‌ وجود العدول‌
  معني‌ الولاية‌ إنشاء الحكم‌ في‌ الموارد الجزئيّة‌
  أهمّيّة‌ هذه‌ الولاية‌، الرَّادُّ علیهِ، الرَّادُّ علینَا
  بيان‌ الائمّة‌ للاحكام‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ والإحاطة‌ النفسانيّة‌
  مفاد: مَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ...
  يشترط‌ في‌ الفقيه‌ إضافة‌ إلی‌ أعلميّته‌ أقوائيّته‌ في‌ أداء الاُمور
  بيان‌ ومفاد: زَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ
  الدرس‌ التاسع‌ والعشرون‌: مع‌ الاعلميّة‌، يشترط‌ في‌ ولاية‌ الفقيه‌ الإسلام والتشيّع‌
  يحرم‌ نكث‌ البيعة‌ بعد مبايعة‌ الولي‌ّ الحقّ
  علّة‌ امتناع‌ أمير المؤمنين‌ عن‌ قبول‌ مبايعة‌ الناس‌ له‌ بعد مقتل‌ عثمان‌
  الخطبة‌ 129 في‌ «نهج‌ البلاغة‌» حول‌ شرائط‌ الحاكم‌ في‌ الإسلام
  دلابة‌ آية‌: وَلَن‌ يَجْعَلَ اللَهُ لِلْكَـفِرِينَ عَلَی الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
  وفقاً للآية‌ القرآنيّة‌: لا حكومة‌ للكافر علی‌ المؤمن‌
  طبقاً للآية‌.. انتفاء دخول‌ ممثّلي‌ أهل‌ الذمّة‌ في‌ مجلس‌ الشوري‌
  بيان‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ سرّه‌ حول‌ حقيقة‌ التشيّع‌
  الدرس‌ الثلاثون‌:من‌ شروط‌ ولاية‌ الفقيه‌: الهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام
  تفسير الطبرسي‌ّ لآية‌: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـهَدُوا...
  تفسير البعض‌ للولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بمعني‌ الإرث‌
  كلام‌ هارون‌ مع‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیه‌ السلام‌ حول‌ إرث‌ العمّ
  اعتبر البعض‌ الولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بمعني‌ نفوذ الامان‌
  بقاء لزوم‌ الهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام إلی‌ يوم‌ القيامة‌
  حرمة‌ التعرّب‌ بعد الهجرة‌
  لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ
  وجوب‌ الهجرة‌ علی‌ جميع‌ المسلمين‌ في‌ العالم‌ إلی‌ دار الإسلام
  حرمة‌ ولاية‌ المسلم‌ الذي‌ لم‌ يقطع‌ علاقته‌ ببلاد الكفر بالكامل‌
  الدرس‌ الحادي‌ والثلاثون‌:من‌ شروط‌ ولاية‌ الفقيه‌: الذكورة‌
  شأن‌ نزول‌ آية‌: الرِّجَالُ قَوّ مُونَ عَلَیالصالحات‌ النِّسَآءِ، طبقاً لنقل‌ المفسّرين‌
  >>عمومات‌ حكم‌ القصاص‌ وتخصيصها في‌ مورد حبيبة‌ زوجة‌ سعد
  رواية‌ البيهقي‌ّ عن‌ أسماء بنت‌ يزيد ورسالة‌ نساء المدينة‌ للنبي‌ّ
  أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا وَطَلَبَهَا مَرضَاتَهُ ...
  رواية‌ أبی بكرة‌: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً
  الدرس‌ الثاني‌ والثلاثون‌:من‌ شؤون‌ ولاية‌ الفقيه‌: عدم‌ جواز عضويّة‌ النساء في‌ مجلس‌ الشوري‌
  وَاكْفُفْ علیهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إيَّاهُنَّ؛ فَإنَّ شِدَّةَ...
  الدخول‌ في‌ مجلس‌ الشوري‌ من‌ شؤون‌ الولاية‌، لا مصداقاً للوكالة‌
  دلالة‌: فَالصَّـ لِحَـ تُ قَـ نِتَـ تٌ حَـ فِظَـ تٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَهُ
  اعتراض‌ عامّة‌ المسلمين‌ علی‌ عائشة‌ في‌ خروجها بادّعاء الصلح‌
  كون‌ مجلس‌ المحافظة‌ علی‌ الدستور رجالاً لا يدفع‌ إشكال‌ عضويّة‌ النساء...
  من‌ شروط‌ ولاية‌ الفقيه‌: العقل‌ والبلوغ‌
  الدرس‌ الثالث‌ والثلاثون‌:يعيّن‌ أهل‌ الحلّ والعقد الولي‌ّ الفقيه‌، لا برأي‌ أكثريّة‌ عامّة‌ الناس‌
  دلالة‌: فَسْئَلُو´ا أَهْلَ الذِّكْرِ... وآية‌: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي‌ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ...
  يتحرّك‌ أكثريّة‌ الناس‌ وفقاً لمنطق‌ الانفعال‌ لا العقل‌
  الآيات‌ الدالّة‌ علی‌ أنَّ عامّة‌ الناس‌ يفرّون‌ من‌ الحقّ
  انتخاب‌ العوامّ تبع‌ للمزاجيّة‌ والتفكير السطحي‌ّ والنظرة‌ الساذجة‌
  الإشکال‌ الوارد علی‌ مؤيّدي‌ فكرة‌ انتخاب‌ الاكثريّة‌ من‌ العامّة‌
  الشوري‌ في‌ الإسلام لاهل‌ الحلّ والعقد، وليس‌ لاكثريّة‌ العامّة‌
  دلالة‌ آية‌: وَشَاوِرْهُمْ فِي‌ الاْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَیاللَهِ
  مفاد ومعني‌ الاخذ بالمجمع‌ علیه‌ وترك‌ الشاذّ النادر
  مشورة‌ النبي‌ّ مقدّمة‌ لاخذه‌ الرأي‌ النهائي‌ّ
  الدرس‌ الرابع‌ والثلاثون‌:اعتماد ولاية‌ الفقيه‌ علی‌ القدرتين‌ العقليّة‌ والخارجيّة‌
  إثبات‌ ولاية‌ الفقيه‌ بواسطة‌ نفس‌ الطرق‌ العقلائيّة‌
  دلالة‌ عهد الإمام لمالك‌ علی‌ انحصار تعيين‌ القاضي‌ بنظر الحاكم‌
  العلم‌ الوجداني‌ّ لكلّ شخص‌ هو الذي‌ يقوده‌ إلی‌ ولاية‌ الفقيه‌
  أرسطو هو مؤسّس‌ مبدأ تفكيك‌ القوي‌ الثلاث‌
  اقتراح‌ النائيني‌ّ في‌ تفكيك‌ القوي‌ علی‌ فرض‌ وجود الحكومة‌ الجائرة‌
  نهج‌ البلاغة‌: وَالإمَامَة نِظَاماً لِلاُمَّةِ وَالطَّاعَةَ تَعظِيماً لِلإمَامَة
  تفسير آية‌: وَاجْعَل‌ لِّي‌ مِن‌ لَّدُنكَ سُلْطَـ نًا نَصِيرًا
  رواية‌ قتادة‌ في‌ تفسير: وَاجْعَل‌ لِّي‌ مِن‌ لَّدُنكَ سُلْطَـ نًا نَصِيرًا
  الدرس‌ الخامس‌ والثلاثون‌:وظيفة‌ الولي‌ّ الفقيه‌: إقامة‌ العدل‌ والصلاة‌ والزكاة‌ و...
  آية‌: الَّذِينَ إِن‌ مَّكَّنَّـ هُمْ فِي‌ الاْرْضِ أَقَامُوا الصَّلَو ةَ وَءَاتَوُا الزَّكَو ةَ
  وظيفة‌ الولي‌ّ الفقيه‌ الجهاد والامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر
  إنَّ إرسال‌ الانبياء لإخراج‌ الناس‌ من‌ نير الظالمين‌
  مفاد آية‌: وَأُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمْ
  عدم‌ تساوي‌ الحقوق‌ بين‌ المسلمين‌ وأهل‌ الذمّة‌ في‌ دولة‌ الإسلام
  لا يوجد مبدأ كالإسلام في‌ محافظته‌ علی‌ حقوق‌ الاقلّيّات‌
  حدود الإسلام هي‌ العقيدة‌، وتراب‌ المسلم‌ محترم‌
  الدرس‌ السادس‌ والثلاثون‌:الجهاد واجب‌ كفائي‌ّ في‌ كلّ عصر وبإشراف‌ ولاية‌ الفقيه‌
  يجب‌ استعمال‌ المصطلحات‌ الإسلاميّة‌ في‌ بلاد الإسلام
  الجهاد واجب‌ كفائي‌ّ في‌ كلّ زمان‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌
  الآيات‌ القرآنيّة‌ الدالّة‌ علی‌ إطلاق‌ وجوب‌ الجهاد
  كلام‌ الشيخ‌ في‌ وجوب‌ الجهاد مرّة‌ واحدة‌ في‌ السنة‌ علی‌ الاقلّ
  المرابطة‌ في‌ رتبة‌ متأخّرة‌ عن‌ الجهاد، وهي‌ من‌ 3 إلی‌4 0 يوماً
  الخَيْرُ كُلُّهُ في‌ السَّيْفِ وَتَحْتَ ظِلِّ السَّيْفِ
  الآيات‌ الواردة‌ حول‌ لزوم‌ الجهاد في‌ سبيل‌ الله‌ وعظمته‌
  الروايات‌ الدالّة‌ علی‌ شرط‌ الولاية‌ في‌ مشروعيّة‌ الجهاد

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی