معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > الأبحاث العلمية و الإجتماعية > ولاية‌ الفقيه‌ في‌ حكومة‌ الإسلام > ولاية‌ الفقيه‌ في‌ حكومة‌ الإسلام المجلد الرابع
كتاب ولاية الفقيه فی حکومة الاسلام / المجلد الرابع/ القسم الاول: عدم‌ جواز الجهاد في‌ ركاب‌ الإمام‌ الجائر، وجوب‌ الجهاد في‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ تحت‌ ولاية‌ الفقيه‌ الالهي

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ

  ورد في‌ خبر عبد الله‌ بن‌ المغيرة‌ قوله‌: إنَّ محمّدبن‌ عبدالله‌ سأل‌ الإمام‌ الرضا عن‌ هذا الخبر، وسمعته‌ يقول‌: إنَّ أبي‌ حدّثني‌ عن ‌أهل ‌بيته‌، عن‌ آبائه ‌عليهم ‌السلام‌(مراده‌ من‌ آبائه‌ عليهم‌ السلام‌ إمَّا الصادق‌ أو الباقر عليهما السلام‌ حسب‌ الظاهر) أنَّ البعض‌ قد قال‌ عنده‌ إنَّ في‌ منطقتنا معسكر ورباط‌ يُسمّي‌ قزوين‌، و إنَّ هناك‌ عدوَّاً اسمه‌ الديلم‌، فهل‌ يجوز لنا جهاده‌ أو المحافظة‌ علی الثغور والنقاط‌ العسكريّة‌؟!

 فأجاب‌ الإمام‌ قائلاً: عليكم‌ بهذا البيت‌ فحجّوه‌. فأعاد الحديث‌ ثانية‌، فقال‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ثانية‌: عليكم‌ بهذا البيت‌ فحجّوه‌. ألاّ يعجبكم‌ أن‌ يكون‌ الواحد منكم‌ في‌ بيته‌ ينفق‌ ممّا أنعم‌ الله‌ عليه‌ من‌ السعة‌ والاموال‌ علی عياله‌ وينتظر أمرنا( أي‌ ينتظر ثورتنا وحكومتنا وإمارتنا ورئاستنا وإمامتنا) فإذا أدرك‌ أمرنا وقيامنا كان‌ كمن‌ شارك‌ مع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ معركة‌ بدر، وإن‌ مات‌ وهو منتظر لامرنا فهو كمن‌ يكون‌ مع‌ القائم‌ في‌ فسطاطه‌. وجمع‌ الإمام‌ بين‌ سبّابتيه‌ وقال‌ هكذا. ثمّ جمع‌ الإمام‌ بين‌ السبّابة‌ والوسطي‌ وقال‌: لا أقول‌ هكذا، لانَّ السبّابة‌ والوسطي‌ أحدهما أطول‌ من‌ الاُخري‌.

( الوسطي‌ أطول‌ من‌ السبّابة‌: أي‌ إذا قلنا إنَّ ذلك‌ الشخص‌ مع‌ القائم‌ في‌ فسطاطه‌ بهذا النحو فهذا يلزم‌ منه‌ أن‌ نقول‌: إنَّ القائم‌ مقامه‌ أكبر من‌ مقام‌ هذا الشخص‌ المنتظر لامرنا. أي‌ أ نِّي‌ أُريد أن‌ أقول‌: إنَّ هذا الشخص‌ مَعَ قَائِمِنَا كَالسَّبَّابَتَيْنِ لاَ يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَیا لآخَر.)

 ينقل‌ هذه‌ الرواية‌ محمّد بن‌ عبد الله‌ عن‌ آبائه‌ للإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌. فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلاَمُ: صَدَقَ؛ فصدَّق‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ الرواية‌، وحكم‌ بصحّة‌ كلام‌ الراوي‌.

جواب‌ واستدلال‌ الإمام‌ الواضح‌ علی كلامه‌ من‌ ذيل‌ ا لآية‌ المذكورة‌

 الثالث‌: ورد في‌ موثّقة‌ سُماعة‌ عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أ نَّه‌:

 قَالَ: لَقِي‌َ عُبَّادٌ البَصْرِي‌ٌّ علی بْنَ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي‌ طَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ: يَا علی بْنَ الحُسَيْنِ! تَرَكْتَ الجِهَادَ وَصُعُوبَتَهُ وَأَقْبَلْتَ عَلَیالحَجِّ وَلِينَتِهِ! إنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي‌' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ' لَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَـ'تِلُونَ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي‌ التَّوْرَنـ'ةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَي‌' بِعَهْدِهِ مِنَ اللَهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي‌ بَايَعْتُم‌ بِهِ وَذَ ' لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. [1]

 فَقَالَ لَهُ علی بْنُ الحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِمَا: أَتِمَّ ا لآيَةَ!

 فَقَالَ: التَّ'´ءِبُونَ الْعَـ'بِدُونَ الْحَـامِدُونَ السَّـا´ءِحُونَ الرَّ'كِعُونَ السَّـ'جِدُونَ الاْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَـ'فِظُونَ لِحُدُودِ اللَهِ وَبَشّـِرِ الْمُؤْمِنِينَ. [2]

 السائحون‌: الذين‌ يتقرّبون‌ إلی الله‌ في‌ سياحتهم‌ من‌ خلال‌ ملاحظتهم‌ ل لآثار ولجلال‌ الله‌ في‌ الصحاري‌ والجبال‌ ومشاهد هذا العالم‌. والحافظون‌ لحدودالله‌: الذين‌ يحرسون‌ القرارات‌ والاحكام‌ والقوانين‌ الإلهيّة‌.

 فَقَالَ لَهُ علی بْنُ الحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِمَا: إذَا رَأَيْنَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُم‌ فَالجِهَادُ مَعَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الحَجِّ.

 ينبغي‌ الالتفات‌ إلی مقصود ومُراد الإمام‌ عليه‌ السلام‌، فهو يريد أن‌ يقول‌: إنَّ هذا الجهاد الذي‌ يقوم‌ به‌ أُولئك‌ الذين‌ يذهبون‌ إلی هذه‌ الجهة‌ أو تلك‌ ويجاهدون‌ باسم‌ الله‌ تحت‌ لواء مروان‌ وعبدالملك‌بن‌ مروان‌ وغيرهما، ليس‌ بجهاد في‌ سبيل‌ الله‌ بل‌ هو قتل‌ للناس‌ وأخذ لاموالهم‌، وهيمنة‌ علی الاموال‌ والنفوس‌ فهم‌ ليسوا بحافظين‌ لحدود الله‌، ولايجاهدون‌ وفقاً لآيات‌ الله‌؛ فلا إمامة‌ إمامهم‌ صحيحة‌، ولايقسمون‌ الغنيمة‌ التي‌ يأخذونها بشكل‌ صحيح‌. بل‌ إنَّهم‌ يهبون‌ الغنائم‌ بكاملها للاشخاص‌ المنتمين‌ إليهم‌، ويمارسون‌ الظلم‌، ويقتلون‌ النساء، ويحرقون‌ الناس‌ بالنار، فهذه‌ التحشّدات‌ والفتوحات‌ مخالفة‌ لقانون‌ القرآن‌ والإسلام‌، وليس‌ عملهم‌ أكثر من‌ طلب‌ الاراضي‌ وتوسيع‌ رقعة‌ الممالك‌، وأنت‌ تطلب‌ منّي‌ الجهاد تحت‌ لوائهم‌!

 فجهادي‌ معهم‌ يعني‌ وضع‌ علمي‌ ودرايتي‌ تحت‌ تصرّفهم‌، وتنازلي‌ لآرائهم‌، وهذا يعني‌ إعانتي‌ لهم‌، والوقوف‌ مع‌ من‌ يمارس‌ القتل‌ باسم‌ الجهاد لاجل‌ التوسّع‌ في‌ الحكم‌ والسلطة‌ والظلم‌ وزيادة‌ رقعة‌ مملكته‌؛ والحال‌ هذه‌ مثل‌ القتال‌ الذي‌ يقوم‌ به‌ ناهبو العالم‌ والملوك‌ السفّاحون‌ باسم‌ الجهاد وباسم‌ الإسلام‌. فقد انخدعت‌ أنت‌ بهذا الاسم‌، وتلومني‌ أيضاً لا نِّي‌ أحجّ وأترك‌ الجهاد. الجهاد في‌ سبيل‌ الله‌ أُمنيتي‌، فتعال‌ وأرشدني‌ إلی من‌ يحمل‌ صفات‌ القائد التي‌ ذكرها القرآن‌ الكريم‌ لاُقاتل‌ تحت‌ لوائه‌. وكما تري‌ فهم‌ ليسوا بما ينبغي‌، وليس‌ فيهم‌ من‌ هذه‌ الصفات‌ شي‌ء، فلو ذهبتُ وجاهدت‌ معهم‌، فأكون‌ قد أعنتهم‌ علی الظلم‌ بمقدار ما أُقاتل‌ في‌ ركابهم‌ وتحت‌ لوائهم‌ سواء قُتلت‌ أم‌ قَتلت‌، وساعدتهم‌ في‌ إمارتهم‌ وحكومتهم‌، وفي‌ استبدادهم‌ وجبروتهم‌، وأكون‌ قد ساعدت‌ علی تقويض‌ القانون‌ والدين‌ وسنّة‌ الله‌، ولم‌ يأمرني‌ الله‌ تع إلی بأن‌ أُجاهد بهذا النحو تحت‌ لواء هؤلاء؛ وإنَّك‌ لتقرأ صدر ا لآية‌ فقط‌ فلاحظ‌ ذيلها أيضاً.

 قال‌ أحدهم‌: إنَّ هذا الخطيب‌ الذي‌ كان‌ علی المنبر لايؤمن‌ بالله‌ أصلاً. وعندما سئل‌ لماذا؟ قال‌: لا نَّه‌ يقول‌: لاَإلَهَ، مع‌ أنَّ الخطيب‌ قد قال‌ علی المنبر: لاَإلَهَ إلاَّ اللَهُ؛ وعندما كان‌ ذلك‌ الشخص‌ في‌ المسجد سمع‌ كلمة‌ لاَإلَهَ ولم‌يسمع‌ كلمة‌ إلاَّاللَهُ، لانَّ الخطيب‌ قد قالها أثناء خروجه‌ من‌ المسجد؛ فقال‌: إنَّ الخطيب‌ يقول‌: لاَ إلَهَ. وهذا أمر خال‌ من‌ الصواب‌، فكلام‌ الله‌ له‌ صدر وذيل‌. والله‌ لا يأمر الإنسان‌ بالسير تحت‌ لواء الباطل‌ والجور والظلم‌، ولايأمره‌ بالتحرّك‌ خلافاً لإدراكه‌ وعقله‌ وفكره‌.

 يقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌: أنا علی بن‌ الحسين‌، وبغضّ النظر عن‌ جميع‌ جهات‌ الإمارة‌ والرئاسة‌ والإمامة‌، فإذا وجد حاكم‌ عادل‌ متّصف‌ بهذه‌ الصفات‌ المذكورة‌ في‌ القرآن‌ فإنِّي‌ أُعينه‌ وأُقاتل‌ معه‌.

 الرابع‌: وَفي‌ خَبَرِ أبي‌ بَصيرٍ عَنْ أبي‌ عَبْدِ اللَهِ ] عَلَيْهِ السَّلامُ [ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، المَرْوي‌ِّ عَنِ «العِلَلِ» وَ«الخِصال‌» قالَ: قَالَ أَمِيرُالمُؤمِنينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لاَيَخْرُجُ المُسْلِمُ فِي‌ الجِهَادِ مَعَ مَنْ لاَيُؤْمَنُ فِي‌ الحُكْمِ وَلاَيُنْفِدُ فِي‌ الفَي‌ءِ أَمْرَ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإنَّهُ إنْ مَاتَ فِي‌ ذَلِكَ المَكَانِ كَانَ مُعِيناً لِعَدُوِّنَا فِي‌ حَبْسِ حَقِّنَا وَالإشَاطَةِ بِدِمَائِنَا، [3] وَمِيتَتُهُ مِيْتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ.

 أي‌ أنَّ قلب‌ الإنسان‌ لا يطمئنّ للاحكام‌ التي‌ يصدرها، بل‌ يظلّ في‌ حالة‌ اضطراب‌، لا نَّه‌ لا يعرف‌ الحكم‌ الذي‌ يصدره‌ أهو حقّ أم‌ باطل‌. فهل‌ يكون‌ أمره‌ بالقتل‌ هنا أو بالضرب‌ هناك‌ أو بالاسر أو بقطع‌ الرقاب‌. أو أخذ الاموال‌ واجب‌ التنفيذ أو لا؟ فهذا الإنسان‌ غير مأمون‌، والقلب‌ لايشعر بالامن‌ والاطمئنان‌ من‌ حكمه‌، لما عُرف‌ عنه‌ من‌ مخالفة‌ الشرع‌ في‌ أحكامه‌. فالجهاد معه‌ إذَن‌ ليس‌ جائزاً.

 لا يخرج‌ المسلم‌ في‌ الجهاد مع‌ مَن‌ لا يكون‌ مأموناً في‌ حكمه‌، ولاينفّذ أمر الله‌ في‌ الغنائم‌، إذ يجب‌ تقسيم‌ الغنائم‌ بما أمر الله‌، لاحسب‌ مزاج‌ الشخص‌؛ والمسلم‌ لا يستطيع‌ أن‌ يُشارك‌ في‌ جهادٍ كهذا. ولو شارك‌ المسلم‌ في‌ جهاد مع‌ من‌ يحكّم‌ مزاجه‌، يكون‌ قد أعان‌ عدوّنا في‌ حبس‌ حقّنا وسفك‌ دمائنا. وعليه‌، فقتله‌ وهو بتلك‌ الحال‌ ميتة‌ جاهليّة‌.

خبر «تحف‌ العقول‌» حول‌ حرمة‌ سفك‌ دم‌ الكفّار في‌ دار التقيّة‌

 الخامس‌: وَخَبَرِ الحَسَنِ بْنِ علی بْنِ شُعْبَةِ، المَرْوي‌ِّ عَنْ «تُحَفِ العُقُولِ» عَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ في‌ كِتابِهِ إلَی المَأْمونِ: وَالجِهَادُ وَاجِبٌ مَعَ إمَامِ عَادِلٍ؛ وَمَنْ قَاتَلَ فَقُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَرَحْلِهِ وَنَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَلاَيَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنَ الكُفَّارِ فِي‌ دَارِ التَّقِيَّةِ إلاَّ قَاتِلٌ أَوْ بَاغٍ؛ وَذَلِكَ إذَا لَمْتَحْذَرْ عَلَینَفْسِكَ. وَلاَأَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ مِنَ المُخَالِفينَ وَغَيْرِهِمْ. وَالتَّقِيَّةُ فِي‌ دَارِ التَّقِيَّةِ وَاجِبَةٌ؛ وَلاَحَنْثَ عَلَیمَنْ هَلَكَ تَقِيَّةً يَدْفَعُ بِهَا ظُلْمَاً عَنْ نَفْسِهِ.

 دار التقيّة‌: هي‌ الدار التي‌ تكون‌ السلطة‌ والامر والنهي‌ فيها بيد الحاكم‌ الجائر. فعلی الإنسان‌ في‌ هذه‌ الصورة‌ أن‌ يحفظ‌ دمه‌. فالتقيّة‌ تعني‌ الحفظ‌:(وَقَي‌ يَقي‌ وِقايَةً ووَقْيَاً وواقيَةً ووَقَّي‌) فُلاَنَاً: صانَهُ وَسَتَرَهُ عَنِ الاَذَي‌.(تَقَي‌ يَتْقي‌ تُقيً وتِقاءً وتَقيَّةً) بِمَعْنِي‌ اتَّقَي‌.(اتَّقَي‌ اتِّقاءً وَتَوَقَّي‌ تَوَقِّيَاً) فُلاَنَاً: حَذَرَهُ وَخافَهُ؛ تَجَنَّبَهُ.

 فدار التقيّة‌: هي‌ الموضع‌ الذي‌ يجب‌ علی الإنسان‌ فيه‌ أن‌ يأخذ حذره‌، ويحفظ‌ نفسه‌ من‌ شرّ العدوّ؛ ولا تقيّة‌ عندما يكون‌ الإمام‌ العادل‌ هو الماسك‌ للسلطة‌، وكلّ دم‌ يسفك‌ بأمره‌ فهو دم‌ مسفوك‌ في‌ محلّه‌، وليس‌ من‌ موضع‌ تقيّة‌ وإن‌ حكم‌ بقتل‌ جميع‌ الكفّار؛ أي‌ ليس‌ موضع‌ حفظ‌ دم‌. ويكون‌ عاصياً كلّ مَن‌ تصرّف‌ بخلاف‌ قول‌ الإمام‌ العادل‌. وأمّا إذا كانت‌ السلطة‌ بيد الحاكم‌ الجائر الذي‌ لا تكون‌ أوامره‌ صادرة‌ علی أساس‌ الحقّ، وكثيراً ما تصدر منه‌ أوامر مخالفة‌ للشرع‌، بل‌ علی الاغلب‌ تكون‌ كذلك‌( والاصل‌ أنَّ وجود الحاكم‌ الجائر أمر مخالف‌ للشارع‌). وعلی هذا، تكون‌ الدماء المسفوكة‌ قد سفكت‌ علی غير حقّ، وإن‌ كانت‌ دماء الكفّار والمشركين‌، إذ لايكون‌ سفك‌ دماء الكفّار صحيحاً إلاّ بأمر الحاكم‌ العادل‌. ولايحقّ للحاكم‌ الجائر أن‌ يقتل‌ الكافر، لانَّ الدار دار تقيّة‌، أي‌ الدار التي‌ يجب‌ أن‌ تُحفظ‌ فيها الدماء.

 يقول‌ الإمام‌ للمأمون‌: لا يجوز قتل‌ أي‌ٍّ من‌ الكفّار في‌ دار التقيّة‌، إلاّ أن‌ يكون‌ ذلك‌ الكافر قد قَتَل‌ شخصاً فيُقتل‌ قصاصاً، أو تعدّي‌ علی مسلم‌ فيُقتل‌ عند ذلك‌، وَذَلِكَ إذَا لَمْ تَحْذَرْ عَلَی نَفْسِكَ، فإنَّما يجوز قتل‌ الكفّار عندما لايكون‌ ثمّة‌ خوف‌ علی النفس‌، وإلاّ جاز قتلهم‌. وكذلك‌ لايجوز أكل‌ أموال‌ المخالفين‌ وغيرهم‌ تحت‌ لواء الحاكم‌ الجائر.

 فوجوب‌ التقيّة‌ يكون‌ في‌ دار التقيّة‌ حيث‌ وجود الحاكم‌ الجائر هناك‌؛ بحيث‌ إذا لم‌يتَّقِ المرء، فإنَّه‌ يُعَرِّض‌ دمه‌ وعرضه‌ وجميع‌ ما يمتّ إليه‌ إلی الهلاك‌. فعندئذٍ يكون‌ حفظ‌ الدم‌ في‌ مرحلة‌ كهذه‌ من‌ الواجبات‌. ولو حلف‌ الإنسان‌ يميناً تقيّةً وكان‌ هدفه‌ حفظ‌ نفسه‌ فلم‌يرتكب‌ معصية‌ ولاكفّارة‌ عليه‌ أيضاً.

 السادس‌: رواية‌ محمّد بن‌ عبد الله‌ السمندري‌ّ؛ يقول‌: قُلْتُ لاِبِي‌ عَبْدِاللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنِّي‌ أَكُونُ بِالبَابِ(يَعْنِي‌ بَابٍ مِنَ الاْبْوَابِ) فَيُنَادُونَ: السِّلاَحِ! فَأَخْرُجُ مَعَهُمْ؟!

 المراد من‌ الباب‌ أحد الامكنة‌ التابعة‌ للحكومة‌.

 فَقَالَ: أَرَأَيْتَكَ إنْ خَرَجْتَ فَأَسَرْتَ رَجُلاً فَأَعْطَيْتَهُ الاَمَانَ وَجَعَلْتَ لَهُ مِنَ العَهْدِ مَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ [ لِلْمُشْرِكِينَ، أَكَانَ يَفُونَ لَكَ بِهِ؟! قَالَ: لاَ وَاللَهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ؛ مَا كَانَ يَفُونَ لِي‌. قَالَ: فَلاَتَخْرُجْ. ثُمَّ قَالَ لِي‌: أَمَا إنَّ هُنَاكَ السَّيْفُ.

 عندما كان‌ يعطي‌ أي‌ّ مسلمٍ الامان‌ لمشرك‌ في‌ زمن‌ النبي‌ّ، فإنَّ أمانه‌ يُحترم‌ من‌ قبل‌ جميع‌ أفراد الجيش‌، من‌ أوّله‌ إلی آخره‌، رئيسه‌ ومرؤوسه‌. وقول‌ الإمام‌: « أمّا إنَّ هُنَاكَ السَّيْفُ » أي‌ أنَّ هذا ظلم‌ وقتل‌، وليس‌ دعوة‌ إلی القرآن‌ والحقّ. وإنَّما يكون‌ الجهاد محترماً عندما يكون‌ فيه‌ أمان‌، فكلّ أمان‌ محترم‌ وعلی الجميع‌ مراعاته‌. كما كان‌ النبي‌ّ ـ وفقاً لآيات‌ القرآن ‌ـ يُراعي‌ أمان‌ المؤمنين‌ والمسلمين‌؛ وبما أنَّ الغنيمة‌ يجب‌ أخذها طبقاً للقاعدة‌ القرآنيّة‌، فعمل‌ هؤلاء إذَن‌ هو خروج‌ وقتل‌ وليس‌ بجهاد.

 السابع‌: خَبَر الحَسَنِ بْنِ العَبَّاسِ بْنِ الجَوْشي‌ِّ عَنْ أبي‌ جَعْفَرٍ الثَّانِي‌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في‌ حَديثٍ طَويلٍ في‌ بَيانِ(إنَّا أَنزَلْنَاهُ) قَالَ: وَلاَأعْلَمُ فِي‌ هَذَا الزَّمَانِ جِهَادَاً إلاَّ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ وَالجِوَارَ. [4]

خبر عبد الملك‌: لو كان‌ جهاد الحكّام‌ خيراً لما سبقوا الإمام‌ إليه‌

 الثامن‌: خبر عبد الملك‌ بن‌ عمر، قال‌: قَالَ: قَالَ لِي‌ أَبُو عَبْدِاللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا عَبْدَ المَلِكِ! مَا لِي‌ لاَ أَرَاكَ تَخْرُجُ إلَی هَذِهِ المَوَاضِعِ الَّتِي‌ يَخْرُجُ إلَيْهَا أَهْلُ بِلاَدِكَ؟! قَالَ: قُلْتُ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: جُدَّةَ وَعُبَّادَانَ وَالمَصِيصَةِ وَقَزْوِينَ. فَقُلْتُ: انْتِظَاراً لاَمْرِكُمْ وَالاِقْتِدَاءَ بِكُمْ! فَقَالَ: إي‌ وَاللَهِ! لَوْ كَانَ خَيْرَاً مَا سَبَقُونَا إلَيْهِ.

 جَدَّة‌ بفتح‌ الجيم‌ غلط‌، وجُدَّة‌ بضم‌ الجيم‌ هي‌ مدينة‌ تقع‌ علی البحر الاحمر، وهي‌ علی مسافة‌ قريبة‌ من‌ مكّة‌.

 يُعلم‌ من‌ هذا الخبر أ نَّه‌ لا خير من‌ هذا الجهاد، بل‌ هو شرٌّ محض‌، وإنَّما الخير عندنا( أهل‌ البيت‌) الذين‌ لا نقرب‌ هذا الجهاد.

 قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَانَ ] نَوَاطٌ [ يَقُولُونَ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ جَعْفَرٍ خِلاَفٌ إلاَّ أَ نَّهُ لاَيَرَي‌ الجِهَادَ.

 فَقَالَ: أَنَا لاَ أَرَاهُ؟! بَلَي‌ وَاللَهِ إنِّي‌ لاَرَاهُ وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أَدَعَ عِلْمِي‌ إلَی جَهْلِهِمْ.

 أي‌ أ نِّي‌ أوّل‌ مسلم‌، وأوّل‌ مجاهد في‌ سبيل‌ الله‌، وأوّل‌ عامل‌ بآيات‌ القرآن‌ الداعية‌ إلی القيام‌ والجهاد. وأنَّ جهاد هؤلاء ناشي‌ عن‌ الجهالة‌، وعن‌ العمي‌ والجهل‌، وإن‌ أردتُ أن‌ أُجاهد مع‌ هؤلاء فعلی أن‌ أقضي‌ علی جميع‌ إدراكاتي‌، وأصبح‌ تابعاً لمحض‌ ضلالهم‌ وجهلهم‌، أفهل‌ هذا ممكناً؟ وهل‌ يمكن‌ لعاقل‌ أن‌ يخضع‌ لآراء الظلم‌ والبطلان‌؟ فالواقع‌ الخارجي‌ّ إذَن‌ يوجب‌ عَلَیأن‌ لاأُجاهد، لا من‌ لحاظ‌ عدم‌ رؤيتي‌ لوجوب‌ الجهاد.

الادلّة‌ العامّة‌ علی ولاية‌ الفقيه‌ قائمة‌ لإيجاب‌ الجهاد في‌ زمن‌ الغيبة‌

 يقول‌ المرحوم‌ صاحب‌ « الجواهر » بعد نقل‌ هذه‌ الرواية‌: إلَی غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الَّتي‌ مُقْتَضَاهَا كَصَرِيحِ الفَتاوَي‌ عَدَمُمَشْروعيَّةِ الجِهادِ مَعَ الجائِرِ وَغَيْرِه‌. بَلْ في‌ «المَسالِكِ» وَغَيْرِها عَدَمُ الاكْتِفاءِ بِنائِبِ الغيبَةِ، فَلاَيَجوزُ لَهُ تَوَلِّيهِ.

 بَلْ في‌ «الرِّياض‌» نَفْي‌ُ عِلْمِ الخِلافِ فِيهِ حَاكِيَاً لَهُ عَنْ ظاهِرِ «المُنْتَهَي‌» وَصَريحِ «الغُنْيَةِ» إلاَّ مِنْ أحْمَدَ في‌ الاَوَّلِ؛ قَالَ: وَظَاهِرُهُما الإجْماعُ مُضَافَاً إلَی مَا سَمِعْتَهُ مِنَ النُّصُوصِ المُعْتَبِرَةِ وُجودَ الإمَام‌.

 يقول‌: لَكِنْ إنْ تَمَّ الإجْماعُ المَزْبُورُ فَذَاكَ، وَإلاَّ أمْكَنَ المُناقَشَةُ فِيهِ بِعُمُومِ وَلايَةِ الفَقيهِ فِي‌ زَمَنِ الغِيبَةِ الشَّامِلَةِ لِذَلِكَ المُعْتَضَدَةِ بِعُمُومِ أَدِلَّةِ الجِهَادِ، فَتَرَجَّحَ عَلَیغَيْرِهَا. [5] انتهي‌ موضع‌ الحاجة‌.

 والحاصل‌، أ نَّه‌ ليس‌ من‌ المعلوم‌ ثبوت‌ الإجماع‌ المدّعي‌( كما بيّن‌ ذلك‌ رحمه‌ الله‌ بقوله‌ إنّ تَمَّ)، وذلك‌ لانَّ الإجماع‌ المحصّل‌ منه‌ غيرحاصل‌، والمنقول‌ منه‌ غير حجّة‌.

 وغير الإجماع‌ المنقول‌ لم‌ينقل‌ هنا شي‌ء آخر. وعموم‌ أدلّة‌ ولاية‌ الفقيه‌ التي‌ بُحثت‌ فيما سبق‌ تدلّ علی أنَّ جميع‌ شؤون‌ ولاية‌ الإمام‌ هي‌ للفقيه‌ الاعلم‌ والاشجع‌ والاقوي‌، والمتّصل‌ بولّيه‌ أي‌ إمام‌ العصر، والذي‌ يستطيع‌ أن‌ ينهل‌ من‌ معين‌ الولاية‌؛ فبإمكان‌ شخص‌ كهذا أن‌ يأمر وينهي‌. وعموم‌ أدلّـة‌ العلم‌ وإطـلاق‌ أدلّة‌ الجهـاد أيضاً قائمة‌ في‌ محلّها إلی يوم‌ القيـامة‌.

 بناءً علی هذا، فلا تفاوت‌ في‌ أدلّة‌ الجهاد بين‌ زماني‌ الغيبة‌ والحضور، وفي‌ زمان‌ ولاية‌ الفقيه‌ العادل‌ عندما تكون‌ حكومته‌ قائمة‌( أي‌ يكون‌ حاكماً مبسوط‌ اليد) فيستطيع‌ أن‌ يقيم‌ الجهاد، بل‌ إقامة‌ الجهاد من‌ واجباته‌، كما بحثنا ذلك‌ فيما سلف‌، حيث‌ يلزم‌ علی الحاكم‌ أن‌ يقوم‌ بالجهاد ولو مرّة‌ في‌ السنة‌ حذراً من‌ تعطيل‌ هذا الفرض‌؛ ولمّا كانت‌ عزّة‌ الإسلام‌ قائمة‌ علی أساس‌ الجهاد، فتعطيل‌ الجهاد يعني‌ أنَّ حكم‌ الناس‌ حكم‌ الاموات‌، لانَّ المذلّة‌ والقعود سيكون‌ سائداً. وكم‌ كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يستبشر بالجهاد. وكم‌ كان‌ يُسرّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ بالجهاد! فالجهاد يعني‌ الحياة‌، والجهاد ليس‌ قتلاً للناس‌، بل‌ هو طريق‌ هداية‌ الكافر للإسلام‌، وإظهارٌ للقرآن‌ وإقامة‌ للصلاة‌ وللامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر في‌ جميع‌ أنحاء العالم‌. وهذه‌ من‌ أفضل‌ الخصال‌ التي‌ يأمر القرآن‌ الكريم‌ بها بنحو الإطلاق‌ والعموم‌.

 وعلی هذا، فليس‌ هناك‌ أي‌ّ وجه‌ لتخصيص‌ الجهاد بيد إمام‌ العصر عليه‌ السلام‌ وسدّ بابه‌ في‌ زمان‌ الغيبة‌. بل‌ إنَّ الجهاد باقٍ في‌ محلّه‌ مع‌ جميع‌ شرائطه‌ وآدابه‌، ولكن‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ بإشراف‌ الولي‌ّ الفقيه‌ الجامع‌ للشرائط‌. فلو وُجِدَ فقيه‌ عادل‌ بجميع‌ تلك‌ الخصوصيّات‌، وبايعه‌ الناس‌ أيضاً وقامت‌ الحكومة‌، فمن‌ حقّ ذلك‌ الفقيه‌ أن‌ يحكم‌ بالجهاد عند رؤيته‌ بضرورته‌، كما من‌ حقّه‌ أن‌ لا يأمر بالجهاد إن‌ لم‌ يَرَ ضرورة‌ داعية‌ له‌.

 ويجب‌ أن‌ يُعلم‌ أن‌ المقصود من‌ تحقّق‌ الجهاد في‌ زمان‌ الغيبة‌ ليس‌أن‌ يأمر الولي‌ّ الفقيه‌ كلّ يوم‌ بالجهاد، بل‌ المراد هو أنَّ أمر الجهاد بيده‌ فيأمر به‌ حينما يري‌ المصلحة‌ في‌ ذلك‌، ولا يأمر به‌ إن‌ لم‌ يَرَ مصلحة‌ والكلام‌ أيضاً في‌ الجهاد لافي‌ الدفاع‌، فالدفاع‌ واجب‌ في‌ مختلف‌ الصور.

 لكن‌ بحثنا هو: أنَّ من‌ وظائف‌ حكومة‌ الإسلام‌ والولاية‌ هي‌ إيجاد وزارة‌ الجهاد التي‌ عليها تربية‌ المسلمين‌ وتعليمهم‌ فنون‌ الحرب‌ وإرسالهم‌ إلی جهاد الكفّار. فهذه‌ من‌ وظائف‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌. والضرورة‌ قاضية‌ بأن‌ يكون‌ للحكومة‌ الإسلاميّة‌ وزارة‌ كهذه‌.

تفاؤل‌ رسول‌ الله‌ بصهيل‌ خيل‌ المجاهدين‌

 وقد كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ لله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يحبّ الجهاد كثيراً، وكان‌ يبتهج‌ ويسرّ بالجهاد غاية‌ الابتهاج‌، لانَّ الجهاد دعوة‌ إلی الحياة‌، ودعوة‌ إلی المبدأ، ودعوة‌ إلی الوطن‌ الاصلي‌ّ. وكأنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ يري‌ نفسه‌ غريباً بين‌ الناس‌ في‌ الارض‌ سوي‌ مَن‌ أسلم‌ منهم‌، فهؤلاء من‌ أهل‌ الوطن‌. ولذا كان‌ رسول‌الله‌ يعشق‌ أسلمة‌ الناس‌، حتّي‌ شوهد أُمور في‌ بعض‌ التواريخ‌ عن‌ كيفيّة‌ سلّه‌ السيف‌ والرمح‌ وتحريكه‌ الجيش‌ وهي‌ مدعاة‌ للتعجّب‌، فقد كان‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يبيّن‌ أحاسيسه‌ حتّي‌ بالنسبة‌ إلی الفرس‌ الذي‌ يأخذونه‌ إلی الجهاد، فكان‌ يمسح‌ علی ظهر ذلك‌ الفرس‌ بيده‌ أو بالفوط‌ ويلقي‌ عليه‌ قميصه‌ أو يمسح‌ التراب‌ عنه‌ بردائه‌، وكأ نَّه‌ كان‌ يحادث‌ ذلك‌ الفرس‌( الفرس‌ الذي‌ يمتطونه‌ ويقاتلون‌ به‌).

 ينقل‌ الواقِدي‌ّ في‌ «المغازي‌» أ نَّه‌ عندما كان‌ رسول‌ الله‌ ذاهباً إلی معركة‌ تبوك‌ أَهْدَي‌ رَجُلٌ مِنْ قُضاعَةَ إلَی النَّبي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ فَرَسَاً، فَأَعطاهُ رَجُلاً مِنَ الاَنْصَارِ وَأَمَرَهُ أنْ يَرْبِطَهُ حِيالَهُ، اسْتِئْنَاسَاً بِصَهِيلِهِ.

 فَلَمْ يَزلْ كَذَلِكَ حَتَّي‌ قَدِمَ رَسولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ المَدينَةَ، فَفَقَدَ صَهيلَ الفَرَسِ فَسَأَلَ عَنْهُ صاحِبَهُ، فَقالَ: خَصَيْتُهُ يَارَسول َاللَهِ.

 لم‌ يتعرّض‌ له‌ رسول‌ الله‌ بأي‌ّ شي‌ء، لكن‌ يُعلم‌ من‌ الاُمور التي‌ ذكرها في‌ الجواب‌ كم‌ كان‌ النبي‌ّ منزعجاً( كأ نَّه‌ يريد أن‌ يقول‌: إنِّي‌ أعطيتك‌ فرساً ذكراً يديم‌ الصهيل‌ ويملا الصحاري‌ والفلاة‌ بأصواته‌، وإنَّ صوت‌ صهيل‌ الخيول‌ العربيّة‌ التي‌ تكون‌ مع‌ الغزاة‌ تُرعب‌ قلوب‌ الكفّار والمشركين‌ في‌ ميدان‌ الحرب‌ وتزلزلهم‌، وكلّ صهلة‌ فرس‌ تساوي‌ قوّة‌ عدّة‌ سيوف‌، فعلامَ خصيته‌؟! فإنِّي‌ لم‌ أشأ أن‌ أعطيك‌ فرساً مخصيّاً، وإنَّما أعطيتك‌ فرساً فحلاً يصهل‌. وبالطبع‌، فإنَّ رسول‌ الله‌ لم‌ يقل‌ شيئاً، لانَّ الرجل‌ قد صار صاحب‌ الفرس‌ بعد أن‌ أهداه‌ له‌ رسول‌ الله‌، ويستطيع‌ أن‌ يعمل‌ فيه‌ ما يشاء، لكنَّ رسول‌الله‌ قال‌ له‌: خذ هذا الفرس‌ واربطه‌ قريباً منّي‌ باستمرار، أي‌ أسمعني‌ صوته‌ لكي‌ أُسرّ وأبتهج‌ بسماعه‌، لكنَّ ذلك‌ الشخص‌ قد فعل‌ بالفرس‌ ما فعل‌!)

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: فَإنَّ الخَيْلَ فِي‌ نَواصِيهَا الخَيْرُ إلَی يَومِ القِيَامَةِ. اتَّخِذُوا مِنْ نَسْلِهَا وَبَاهُوا بِصَهِيلِهَا المُشْرِكِينَ. أعْرَافُهَا أدْفَاؤُهَا وَأَذْنَابُهَا مَذَابُّهَا. وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ إنَّ الشُّهَدَاءَ لَيَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَسْيَافِهِمْ عَلَیعَوَاتِقِهِمْ لاَيَمُرُّونَ بِأَحَدٍ مِنَ الاَنْبِيَاءِ إلاَّ تَنَحَّي‌ عَنْهُمْ؛ حَتَّي‌ إنَّهُمْ لَيَمُرُّونَ بِإبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ(خَلِيلِ الرَّحْمَنِ) فَيَتَنَحَّي‌ لَهُمْ حَتَّي‌ يَجْلِسُوا عَلَیمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ.

 يَقُولُ النَّاسُ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أُهْرِيقُوا دِمَاءَهُمْ لِرَبِّ العَالَمِينَ؛ فَيَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّي‌ يَقْضِي‌َ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ عِبَادِهِ.

 قَالُوا: وَبَيْنَا رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ قَامَ إلَی فَرَسِهِ الظَّرِبِ فَعَلَّقَ عَلَيْهِ شِعَارَهُ وَجَعَلَ يَمْسَحَ ظَهْرَهُ بِرِدَائِهِ.

 قيلَ يَا رَسُولَ اللَهِ! تَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِرِدَائِكَ؟!

 قَالَ: نَعَمْ؛ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي‌ بِذَلِكَ؛ مَعَ أَنِّي‌ قَدْ بِتُّ اللَيْلَةَ وَإنَّ المَلاَئِكَةَ لَتُعاتِبُني‌ فِي‌ حَسِّ الخَيْلِ وَمَسْحِهَا.

 وَقَالَ: أَخْبَرَنِي‌ خَلِيلِي‌ جِبْرِيلُ: أَ نَّهُ يَكْتُبُ لِي‌ بِكُلِّ حَسَنَةٍ أَوْفَيْتُهَا إيَّاهُ حَسَنَةً. وَإنَّ رَبِّي‌ عَزَّ وَجَلَّ يَحُطُّ عَنِّي‌ بِهَا سَيِّئَةً.

 وَمَا مِنِ امْرِي‌ٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يَرْبِطُ فَرَسَاً فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ فَيُوَّفِّيَهُ بِعَلِيفِهِ يَلْتَمِسُ بِهِ قُوَّتَهُ إلاَّ كَتَبَ اللَهُ لَهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ حَسَنَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ سَيِّئَةً.

 قِيلَ: يَا رَسولَ اللَهِ! وَأَي‌ُّ الخَيْلِ خَيْرٌ؟!

 قَالَ: أَدْهَمُ، أَقْرَحُ، أَرْثَمُ، مُحَجَّلُ الثُّلْثِ، مُطْلَقُ اليَمِينِ؛ فَإنْ لَمْيَكُنْ أَدْهَمُ فَكُمَيْتٌ عَلَیهَذِهِ الصِّفَةِ.[6]

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ

 

 البحث‌ المهمّ الذي‌ يجب‌ أن‌ يُطرح‌ هنا هو: هل‌ أصل‌ تأسيس‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ وتصدّي‌ الولي‌ّ الفقيه‌ أمر لازم‌ أولا؟ وهل‌ إقامة‌ ولاية‌ الفقيه‌ واجبة‌ علی المؤمنين‌ والمسلمين‌؟ وأليس‌ هناك‌ محلّ لتعيين‌ حاكم‌ الشرع‌ في‌ زمان‌ الغيبة‌ حيث‌ يكون‌ الإمام‌ المعصوم‌ في‌ حالة‌ استتار؟ وهل‌ يختصّ هذا الامر بالإمام‌ المعصوم‌ عليه‌ السلام‌؟ وهل‌ يُعدّ التصدّي‌ لمقام‌ الإمامة‌ وا لآمريّة‌ والولاية‌ من‌ قبل‌ أي‌ّ كان‌ في‌ زمن‌ الغيبة‌ غصباً لمقام‌ الإمامة‌ والوصاية‌ والخلافة‌؟ وبناءً علی هذا، فهل‌ يكون‌ تأسيس‌ الحكومة‌ بأي‌ّ نحو كان‌ إقامةً لحكومة‌ في‌ مقابل‌ حكومته‌، وولايةً في‌ مقابل‌ ولايته‌؟ وأن‌ ليس‌هذا الامر غير مستحسن‌ فحسب‌، بل‌ هو أمر مذموم‌ أيضاً، لا نَّه‌ غصب‌ لمقامي‌ الخلافة‌ والوصاية‌.

 ولذا، فقد قال‌ الكثير من‌ الاخباريّين‌ إنَّه‌ لا ولاية‌ في‌ زمان‌ الغيبة‌، ويجب‌ ألاَّ تقام‌ الحدود، وإنَّ إقامة‌ صلاة‌ الجمعة‌ حرام‌ كذلك‌. كما شكّك‌ بعض‌ الفقهاء أيضاً بوجوب‌ صلاة‌ الجمعة‌ واحتملوا حرمتها انطلاقاً من‌ أنَّ صلاة‌ الجمعة‌ تختصّ بالإمام‌ المعصوم‌ أو المأذون‌ من‌ قبله‌ بالإذن‌ الخاصّ. ولهذا، فلايجوز إقامة‌ صلاة‌ الجمعة‌ لغير الإمام‌ أو المنصوب‌ من‌ قبله‌.

 وفي‌ هذه‌ الحالة‌، إمَّا أن‌ يكون‌ أصل‌ صلاة‌ الجمعة‌ محرّماً، أو لو صلّي‌ الإنسان‌ صلاة‌ الجمعة‌ احتياطاً فعليه‌ أن‌ يصلّي‌ صلاة‌ الظهر كذلك‌؛ حيث‌ إنَّه‌ مع‌ القطع‌ باشتغال‌ الذمّة‌ لكنَّ اليقين‌ من‌ فراغها غيرحاصل‌. ويحصل‌ فراغ‌ الذمّة‌ بعمل‌ المكلّف‌ بالاحتياط‌ في‌ طرفي‌ الشبهة‌، وهما صلاة‌ الجمعة‌ وصلاة‌ الظهر.

 وزاد البعض‌ علی ذلك‌ قائلاً: وفقاً للروايات‌ التي‌ بين‌ أيدينا فإنَّ الفساد يكثر في‌ زمان‌ الغيبة‌، وتشتدّ المنكرات‌، ويعمّ الظلم‌ والجور أنحاء العالم‌؛ وعندما تمتلي‌ الارض‌ بالشرك‌ والظلم‌ يكون‌ خروج‌ الإمام‌، حيث‌ يَمْلاَ اللَهُ بِهِ الاَرْضَ قِسْطَاً وَعَدْلاً بَعْدَمَا مُلِئَتْ ظُلْمَاً وَجَوْرَاً. وبناءً علی هذا، فكلّما ازداد الفساد قَرُب‌ الفرج‌.

 وحتّي‌ أنَّ بعض‌ العوامّ يقولون‌: من‌ الافضل‌ أن‌ يزداد الفساد لكي‌ يقترب‌ ظهور الإمام‌، وإنَّ كلّ تقدّم‌ وعمل‌ لاجل‌ الإصلاح‌ بمثابة‌ عمل‌ مضادّ للإمام‌، لا نَّه‌ يؤخّر ظهوره‌؛ وبما أ نَّنا عشّاق‌ لقاء الله‌ فعلينا أن‌ نقوم‌ بما يعجّل‌ ظهوره‌. فإذا قمنا بالعمل‌ الصالح‌ والامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر فسوف‌ يظهر الصلاح‌ في‌ الخارج‌، وكلّما ظهر الصلاح‌ وعمّ تأخّر ظهور الإمام‌!

 إلی أن‌ يقولوا: ليس‌ هناك‌ أي‌ّ إشكال‌ فيما لو ازداد علينا تعدّي‌ حكّام‌ الجور والظلم‌، وعمّ الكفر في‌ العالم‌، وازدادت‌ هيمنة‌ اليهود والنصاري‌ علينا؛ لا نَّه‌ سيحلّ: بَعْدَمَا مُلِئَتْ ظُلْمَاً وَجَوْرَاً، وهو ما ينبغي‌ التفاؤل‌ به‌ خيراً باعتباره‌ من‌ مقدّمات‌ ظهور الإمام‌.

 وكان‌ البعض‌ في‌ زمان‌ الشاه‌ محمّد رضا البهلوي‌ّ يقول‌: إنَّ شيوع‌ التبرّج‌ يقرّب‌ ظهور الإمام‌، ولا ينبغي‌ مخالفته‌، ولندع‌ أمر الناس‌ بالحجاب‌ جانباً، كما لا ينبغي‌ للنساء المؤمنات‌ من‌ رفض‌ التبرّج‌، لانَّ هذه‌ الاعمال‌ تؤخّر الظهور!

 لكنَّ المرحوم‌ الحاجّ السيّد حسين‌ القمّي‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ جاء من‌ العراق‌ وعقد معاهدة‌ مع‌ محمّد رضا البهلوي‌ّ علی لزوم‌ السماح‌ بحرّيّة‌ الحجاب‌، وعدم‌إجبار الناس‌ علی نزعه‌، رحمة‌ الله‌ عليه‌ رحمة‌ واسعة‌.

 لقد كان‌ سيّداً غيوراً ثابت‌ القدم‌، وتصدّي‌ لتحرير النساء من‌ قيود الدولة‌؛ فبعد مضي‌ سنوات‌ طويلة‌ علی عدم‌ السماح‌ بارتداء العباءة‌، حتّي‌ أنَّ بعض‌ النساء قد ضممن‌ عباءاتهنّ إلی أكفانهنّ، لا نَّهنَّ كُنَّ يعلمن‌ أن‌ لن‌يأتي‌ ذلك‌ اليوم‌ الذي‌ يعدن‌ فيه‌ إلی حجابهنّ ما دمن‌ أحياء! لكنّ وقفة‌ ذلك‌ الرجل‌ جعلت‌ الدولة‌ تمضي‌ علی خمس‌ موادّ، من‌ ضمنها حرّيّة‌ الحجاب‌ للنساء، وأن‌ ليس‌ من‌ إجبار للتبرّج‌ لمن‌ تريد لبس‌ العباءة‌.

 ولقد شهدنا في‌ ذلك‌ الزمان‌ معارضة‌ عدد من‌ الناس‌ له‌ ممّن‌ قالوا: إنَّ هذا السيّد قد جاء ليؤخّر ظهور صاحب‌ الزمان‌! أو الحديث‌ الذي‌ جري‌ أخيراً في‌ المجالس‌ عن‌ التبرّج‌ مرّة‌ أُخري‌، وكانت‌ أشرف‌ البهلوي‌ّ( أُخت‌ الشاه‌ محمّدرضا البهلوي‌ّ) قد قالت‌: إنِّي‌ لن‌أسمح‌ بذهاب‌ جهود والدي‌ هدراً، وذلك‌ العمل‌ الذي‌ كان‌ يجب‌ أن‌ يُعاد مرّة‌ أُخري‌( أي‌ انتشار التبرّج‌ في‌ المدارس‌ والجامعات‌)، فقامت‌ وزارة‌ الثقافة‌ علی تثبيت‌ هذا الامر. عندها، سُرَّ البعض‌ بذلك‌ وقالوا: هذا العمل‌ يساعد علی ظهور صاحب‌ الزمان‌ ويعجّله‌!

 وسمعت‌ بنفسي‌ من‌ أحد الوعّاظ‌ الذي‌ قام‌ بالبحث‌ من‌ علی المنبر لمدّة‌ ساعة‌، وأثبت‌ بأدلّة‌ شرعيّة‌ مُتقنة‌ أنَّ الدنيا هي‌ لعُبَّاد الدنيا، وأن‌ لاعلاقة‌ لائمّتنا بامتلاك‌ الدنيا والرئاسة‌ وا لآمريّة‌ والحاكميّة‌، وأن‌ لاعلاقة‌ للتدخّل‌ في‌ الاُمور الاجتماعيّة‌ والسياسيّة‌ للناس‌ والرئاسة‌ علی الناس‌ والامر والنهي‌ بمسألة‌ الإمامة‌ أصلاً، وأنَّ قضيّة‌ الإمامة‌ والولاية‌ تنهج‌ في‌ مسار آخر، لم‌تكن‌ ثورة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ لمحاربة‌ يزيد أساساً بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌، وكلّ ما هنالك‌ أنَّ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ مأموراً للمجي‌ء إلی كربلاء ليقتل‌ فيها، فسار الإمام‌ ذلك‌ المسير لاجل‌ ذلك‌ الميعاد الذي‌ كان‌ قد عقده‌ الله‌ معه‌ في‌ ميثاق‌ « ألست‌... » ومن‌ ثمّ نال‌ فوز الشهادة‌!

 علينا أن‌ نعوذ بالله‌ تع إلی من‌ قلّة‌ الفهم‌ والجهل‌ هذه‌، فكم‌ علی الإنسان‌ أن‌ يكون‌ جاهلاً وبعيداً عن‌ القرآن‌ والسنّة‌ لكي‌ يكون‌ نمط‌ تفكيره‌ بهذا النحو الذي‌ رسمه‌ لنا العدوّ، وأرادوا لنا أن‌ نكون‌ عليه‌.

ردّ أدلّة‌ القائلين‌ بعدم‌ جواز إقامة‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ و... في‌ الغيبة‌

بطلان‌ قول‌: إنَّ العمل‌ علی إصلاح‌ المجتمع‌ يوجب‌ تأخير الظهور

 لا يعلم أُولئك‌ المساكين‌ أنَّ الظهور الحقيقي‌ّ لصاحب‌ الزمان‌ عليه‌ السلام‌ ليس‌ظهوراً شخصيّاً وجسميّاً وعينيّاً فقط‌، وأنَّ ظهور صاحب‌ الزمان‌ يعني‌ ظهور الدين‌، وظهور الصدق‌ والعدالة‌ والتوحيد، وأنَّ الإمام‌ يظهر بين‌ الناس‌ بمقدار ما يظهر الدين‌ بينهم‌. وكلّما قال‌ الناس‌ الصدق‌ أكثر وتعاملوا علی أساس‌ العدالة‌ فإنَّ حقيقة‌ الإمام‌ تكون‌ قد ظهرت‌ فيهم‌ أكثر، وبمقدار ما يرتكب‌ الناس‌ المعاصي‌ والجرائم‌ فإنَّ حقيقة‌ الإمام‌ تكون‌ غائبة‌ عنهم‌ أكثر. وعندها، فمن‌ خلال‌ هذه‌ الاعمال‌ يُبعدون‌ أنفسهم‌ عن‌ ظهوره‌ عليه‌ السلام‌ بدلاً من‌ أن‌ يقتربوا إليه‌، ويعملون‌ خلافاً للكتاب‌ والسنّة‌، ويكتفون‌ من‌ العشق‌ للإمام‌ عليه‌ السلام‌ بدعاء الندبة‌ والبكاء، ومن‌ ثمّ يقومون‌ بعدها بأي‌ّ عمل‌ كان‌ من‌ الاحتكار والاستغلال‌ وسائر الاُمور المادّيّة‌ والطبيعيّة‌ التي‌ قد نُهي‌ عنها، ويكتفون‌ بذلك‌ مسرورين‌!

 مع‌ أنَّ هذا ليس‌ كافياً، فدعاء الندبة‌ يجب‌ أن‌ يُقرأ، ولكن‌ بالشكل‌ الذي‌ يقرِّب‌ الإنسان‌ فكره‌ بدعاء الندبة‌ إلی حقيقة‌ صاحب‌ الزمان‌، لاأن‌ يبتعد عنه‌ ويكتفي‌ بالبكاء الظاهري‌ّ، ويتحرّك‌ في‌ غياهب‌ من‌ الجهالة‌، بخلاف‌ منهجيّة‌ رضا الإمام‌ عليه‌ السلام‌.

 وعلی كلّ تقدير، فقد تمسّك‌ البعض‌ بهذا المنطق‌ بنسبة‌ ما، ويقولون‌ ببطلان‌ كلّ النهضات‌ قبل‌ قيام‌ الإمام‌ عجّل‌ الله‌ فرجه‌ الشريف‌، أيَّاً كانت‌؛ ولاينبغي‌ لاي‌ٍّ كان‌ أن‌ يلجأ لاعمال‌ الخير والعدالة‌ ولو بنحو الموجبة‌ الجزئيّة‌، لانَّ ذلك‌ مخالف‌ لنظريّته‌ عليه‌ السلام‌!

 ويدور بحثنا ا لآن‌ حول‌ الاُمور التالية‌: أوّلاً: ما الذي‌ تقوله‌ لنا كلّيّات‌ القرآن‌ المجيد والسنّة‌ النبويّة‌؟ وثانيّاً: ما هي‌ وظيفتنا في‌ زمان‌ الغيبة‌؟ وثالثاً: ما هي‌ ا لآيات‌ والروايات‌ والتواريخ‌ الموثّقة‌ التي‌ نمتلكها حول‌ هذه‌ القضيّة‌؟ وهل‌ الامر كما يقوله‌ هؤلاء حقّاً، أو لا؟ إنَّ تأسيس‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ وتحقّق‌ ولاية‌ الفقيه‌ واتّباع‌ الفقيه‌ العادل‌ الاعلم‌ هو من‌ ضروريّات‌ الدين‌، وكلّ من‌ لا يهتمّ بهذا الامر فصلاته‌ وصومه‌ وحجّه‌ وأمره‌ بالمعروف‌ ونهيه‌ عن‌ المنكر ليس‌ مقبولاً، وإنَّ تأسيس‌ حكومة‌ الإسلام‌ من‌ أهمّ وظائف‌ المسلمين‌.

إطلاق‌ آيات‌ القرآن‌ في‌ لزوم‌ القيام‌ بالحقّ و نشر القسط‌ في‌ المجتمع‌

 لدينا في‌ القرآن‌ المجيد آيات‌ حول‌ وجوب‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر والقيام‌ بالقسط‌، وهذه‌ ا لآيات‌ مطلقة‌ ولاتختصّ بزمانٍ دون‌ زمان‌. فإطلاقها إذَن‌ يشمل‌ زمان‌ الغيبة‌. وهي‌ موجّهة‌ لكلّ فرد من‌ المسلمين‌، تنهاهم‌ عن‌ الارتباط‌ بروابط‌ المودّة‌ مع‌ اليهود والنصاري‌، أو أن‌ يفسحوا لهم‌ المجال‌ للنفوذ إلی أوساطهم‌؛ كقوله‌ تع إلی:

 يَـ'´أَيُّـهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَتَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن‌ دُونِكُمْ لاَيَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَ ' هِهِمْ وَمَا تُخْفِي‌ صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ. [7]

 وكا لآية‌: يَـ'´أَيُّـهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّ ' مِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَيَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ علی'´ أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي‌' وَاتَّـقُوا اللَهَ إِنَّ اللَهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. [8]

 يا أيُّها الذين‌ آمنوا عليكم‌ أن‌ تكونوا قوّامين‌ للّه‌ وفي‌ سبيل‌الله‌، قوّامين‌ في‌ سبيل‌ الله‌ ولكلّ شي‌ء في‌ سبيل‌ الله‌( أعمّ من‌ الصلاة‌ والصوم‌ والامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر والجهاد والصدقات‌ والزكوات‌ والنكاح‌ والكسب‌ والعمل‌) وكلّ ما هو في‌ سبيل‌ الله‌ فهو في‌ عهدتكم‌. أي‌ قوموا بالحقّ وارفعوا لواء الحقّ لينعم‌ الناس‌ بثمار المعنويّة‌ تحت‌ لوائكم‌ وفي‌ ظلّ نهضتكم‌. عليكم‌ أن‌ تكونوا شهداء بالقسط‌ والعدل‌ لجميع‌ الناس‌ في‌ العالم‌( لاشهداء لانفسكم‌ وعلی ا لآخرين‌، بل‌ شهداء بالصدق‌ وبالحقّ). وإذا عاداكم‌ البعض‌ فلايكن‌ ذلك‌ سبباً لانحرافكم‌ عن‌ طريق‌ العدالة‌، فتميلون‌ بالحكم‌ عليه‌ ولصالح‌ أصدقائكم‌. فعليكم‌ في‌ كلّ حال‌ أن‌ تحكموا بالعدالة‌، سواء كان‌ لعدوّكم‌ أم‌ لصديقكم‌؛ فهذا الطريق‌ والنهج‌ هو أقرب‌ للتقوي‌، ويحفظكم‌ في‌ حالة‌ من‌ الطهارة‌ ويقيكم‌ من‌ الحوادث‌ النفسانيّة‌ والشيطانيّة‌ بصورة‌ أفضل‌.

 يَـ'´أَيُّـهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّ ' مِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ علی'´ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَ ' لِدَيْنِ وَالاْقْرَبِينَ إِن‌ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَهُ أَوْلَي‌' بِهِمَا فَلاَتَتَّبِعُوا الْهَوَي‌'´ أَن‌ تَعْدِلُوا وَإِن‌ تَلْوُ و´ ا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. [9]

 ويقول‌ الله‌ تع إلی في‌ هذه‌ ا لآية‌ بنحو العموم‌: يَـ ' أَيُّـهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا، كونوا قوّامين‌ بالقسط‌ والحقّ بين‌ الناس‌، واحملوا لواء العدالة‌، وليس‌عليكم‌ أن‌ تكونوا قائمين‌ بالقسط‌ فقط‌، بل‌ كونوا قوّامين‌ بالقسط‌، أي‌ ليس‌المطلوب‌ أن‌ تجروا وتطبّقوا العدالة‌ والقسط‌ علی أنفسكم‌ وأهل‌ بيتكم‌ فقط‌، بل‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ قيام‌ الجميع‌ بكم‌، وأن‌ تكونوا حرّاساً وحُماة‌ للقسط‌ والعدل‌، عليكم‌ أن‌ تكونوا شهداء للّه‌ بالحقّ والصدق‌، وإن‌ كانت‌ الشهادة‌ عليكم‌ أو علی أقربائكم‌، فاشهدوا بالحقّ. وإذا رأيتم‌ شخصاً فقيراً فلاتميل‌ قلوبكم‌ إليه‌ بسبب‌ فقره‌ فتحكموا له‌، ولاتقولوا إنَّ هذا شخص‌ ضعيف‌ ومسكين‌، بل‌ احكموا علی أساس‌ الحقّ، فالله‌ أولي‌ بذلك‌ الفقير والغني‌ّ، وولايته‌ علی هؤلاء أكبر من‌ ولاية‌ أنفسهم‌، وهو يلاحظ‌ الحقّ أكثر ويحكم‌ به‌. فلاتتّبعوا أهواءكم‌ إذَن‌، وتحرّكوا دوماً في‌ نهج‌ العدالة‌، وبيّنوا الحقيقة‌ صريحة‌ وواضحة‌ عند أدائكم‌ للشهادة‌. لابشكل‌ مجمل‌ ومُبهم‌ بنحوٍ تصبح‌ فيه‌ نتيجتها لصالح‌ من‌ تحبّون‌، أو أن‌ تعرضوا عن‌ الشهادة‌ ولاتقوموا بها مع‌ علمكم‌ واطّلاعكم‌ الكامل‌ علی الواقع‌، واعلموا أنَّ الله‌ مطّلع‌ علی أعمالكم‌ ونيّاتكم‌ وخبير بها، وسوف‌ يسألكم‌ عن‌ كلّ ما تقومون‌ به‌.

 ولاشكّ في‌ كون‌ قوله‌ تع إلی في‌ هذه‌ ا لآيات‌ يَـ'´أَيُّـهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا خطاباً لعامّة‌ المكلّفين‌ من‌ النساء والرجال‌.

 وقد ورد في‌ سورة‌ المائدة‌ في‌ ثلاثة‌ موارد: ذيل‌ ا لآيات‌ 44 و45 و47 بالترتيب‌، قوله‌ تع إلی: وَمَن‌ لَّمْ يَحْكُم‌ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ فَأُولَـ'´ءِكَ هُمُ الْكَـ'فِرُونَـ وَمَن‌ لَّمْ يَحْكُم‌ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ فَأُولَـ'´ءِكَ هُمُ الظَّـ'لِمُونَـ وَمَن‌ لَّمْيَحْكُم‌ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ فَأُولَـ'´ءِكَ هُمُ الْفَـ'سِقُونَ.

 أفليست‌ تصدق‌ هذه‌ العناوين‌( الفسق‌، الكفر، الظلم‌) في‌ عصر الغيبة‌ علی مَن‌ لم‌يحكم‌ بما أنزل‌ الله‌؟! وهل‌ تُرك‌ الناس‌ في‌ زمان‌ الغيبة‌ من‌ دون‌ تكليف‌ ليصبحوا مثل‌ هَمَجٍ رَعاء وكالحيوانات‌ بَلْ هُمْ أَضَلُّ؟! وهل‌ جعلهم‌الله‌ كالبهائم‌ فلايؤاخذهم‌ إذا حكموا بخلاف‌ ما أنزل‌؟!

 والخلاصة‌، هل‌ يكون‌ القرآن‌ في‌ آخر الزمان‌ ميّتاً أو منسوخاً؟! وهل‌ نَسَخَت‌ ا لآداب‌ الجاهليّة‌ والتقاليد الوطنيّة‌ وا لآراء والافكار الشهوانيّة‌ القرآنَ؟! أفلم‌ تعد آيات‌ مَنْ لَّمْيَحْكُم‌ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ صادقة‌ هنا؟! وعلی الإنسان‌ أن‌ يختار السكوت‌ أمام‌ كلّ ما يراه‌ من‌ قبح‌ وفساد وظلم‌ ـفردي‌ّ أم‌ اجتماعي‌ّـ لانَّ هذا القيام‌ والامر بالمعروف‌ مخالف‌ لنهج‌ ورأي‌ الإمام‌ بالحقّ؟!

 إذا كان‌ الامر كذلك‌ فهو عجيب‌ حقّاً، لانَّ ذلك‌ الإمام‌ سوف‌ لايكون‌ إماماً بالحقّ، بل‌ هو إمام‌ بالظلم‌. فالإمام‌ الذي‌ لايريد للإنسان‌ أن‌ يقوم‌ بالعدل‌ ويقوم‌ بالحقّ ويغيث‌ المظلوم‌، ويحبّ أن‌ يستمرّ الظالم‌ علی ظلمه‌، أو يعينه‌ للظالم‌، أو يدخل‌ في‌ أجهزة‌ الظلمة‌، ويكون‌ هذا الامر منسجماً مع‌ روحه‌؛ فهذا الإمام‌ ليس‌ صاحب‌ الزمان‌، بل‌ هو شيطان‌ رجيم‌ في‌ جميع‌ العوالم‌ إلی يوم‌ الوقت‌ المعلوم‌. وهو القائم‌ بإغواء البشر.

 عندما عاد النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ معركة‌ تبوك‌( لقد طالت‌ معركة‌ تبوك‌ جدّاً، وحدثت‌ فيها ملابسات‌، وهي‌ وإن‌ لم‌تتمّ، لكنّ طول‌ السفر في‌ الصيف‌ والسير من‌ المدينة‌ إلی الشام‌ قد سبّب‌ الكثير من‌ المشاكل‌ والمشقّات‌) أخبر أ نَّه‌ لا تقع‌ حرب‌ بعد ذلك‌، أي‌ أ نَّه‌ لن‌تقع‌ أيّة‌ حرب‌ في‌ حياة‌ النبي‌ّ ـوكان‌ الامر كذلك‌، فقد كانت‌ غزوة‌ تبوك‌ آخر غزوة‌ لرسول‌الله‌ـ فعندئدٍ شرع‌ المسلمون‌ ببيع‌ أسلحتهم‌ قائلين‌ إنَّ الجهاد قد انتهي‌، فاشتري‌ المتمكّنون‌ ماليّاً تلك‌ الاسلحة‌. وعندما علم‌ النبي‌ّ بذلك‌ نهي‌ عن‌ هذا العمل‌؛ وقال‌: لاَتَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي‌ يُجَاهِدُونَ عَلَیالحَقِّ حَتَّي‌ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ.[10]

مَنْ رَأَي‌ سُلْطَانَاً جَائِرَاً مُسْتَحِلاَّ لِحُرُمِ اللَهِ

 روي‌ الطبري‌ّ في‌ تأريخه‌ عن‌ أبي‌ مِخْنَف‌، عن‌ عَقَبة‌بن‌ أبي‌ العيزار أ نَّه‌ روي‌ أنَّ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ قد خاطب‌ أصحابه‌ وأصحاب‌ الحُرِّ في‌ البَيْضة‌ بهذه‌ الخطبة‌:

 فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي‌ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّـهَا النَّاسُ! إنَّ رَسُولَاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ: مَنْ رَأَي‌ سُلْطَانَاً جَائِرَاً مُسْتَحِلاَّ لِحُرُمِ اللَهِ نَاكِثَاً لِعَهْدِاللَهِ مُخَالِفَاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، يَعْمَلُ فِي‌ عِبَادِاللَهِ بِالإثْمِ وَالعُدْوَانِ، فَلَمْ يُعَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلاَقَوْلٍ، كَانَ حَقَّاً عَلَیاللَهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ. [11]

 ثمّ يتابع‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ خطبته‌، واكتفينا هنا بذكر مطلعها كشاهد علی ما نحن‌ بصدده‌.

الجواب‌ علی ظاهر الروايات‌ التي‌ تدين‌ كلّ أنحاء القيام‌ قبل‌ الظهور

 ويتمسّك‌ الذين‌ يقولون‌ إنَّ علی الإنسان‌ أَلاَّ يلجأ إلی أي‌ّ قيامٍ أو عملٍ في‌ زمان‌ الغيبة‌ بعدّة‌ روايات‌:

 الاُولي‌: الرواية‌ التي‌ يرويها الكليني‌ّ في‌ « روضة‌ الكافي‌ » عن‌ محمّدبن‌ يحيي‌، عن‌ أحمد بن‌ محمّد، عن‌ الحسين‌ بن‌ سعيد، عن‌ حمّادبن‌ عيسي‌، عن‌ الحسين‌بن‌ المختار، عن‌ أبي‌ بصير، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ عليه‌ السلام‌؛ قَالَ: كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمِ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ. [12]

 أي‌ أنَّ صاحب‌ تلك‌ الراية‌ طاغوت‌، ويسير في‌ غير النهج‌ الإلهي‌ّ، وقد جعل‌ نفسه‌ معبوداً للناس‌. كما أنَّ الذين‌ يتجمّعون‌ حوله‌ هم‌ عبدة‌ له‌، وعبادتهم‌ تقع‌ في‌ غير السبيل‌ الإلهيّة‌.

 لا تختصّ الراية‌ أيضاً براية‌ واحدة‌ « كُلُّ رَايَةٍ ». فكلّ راية‌ تُرفع‌( كُلُّ قد أُضيفت‌ إلی الراية‌، والراية‌ أيضاً نكرة‌ وتفيد العموم‌)؛ بناءً علی هذا، فهذا الحكم‌ مستمرّ إلی قيام‌ القائم‌. هذا هو مفاد الرواية‌.

 وا لآن‌؛ بغضّ النظر عن‌ السند، فهل‌ هذا المتن‌ بنفسه‌ مقبولاً، أو أنَّ المراد منه‌ شي‌ء خاصّ؟ يمكن‌ الاستنتاج‌ بقرينة‌ قوله‌ عليه‌ السلام‌ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمْ أنَّ تلك‌ الراية‌ التي‌ ترفع‌ هي‌ ليست‌ كلّ راية‌ تُرفع‌ في‌ طريق‌ القائم‌ وفي‌ نهج‌ الدين‌ والقرآن‌ والولاية‌، وفي‌ نهج‌ رضا نفس‌ القائم‌، وإنَّما هي‌ تلك‌ الراية‌ التي‌ تُرفع‌ بخلاف‌ راية‌ القائم‌.

 لانَّ القائم‌ عليه‌ السلام‌ له‌ ثورة‌ واحدة‌، وقيام‌ واحد، وذلك‌ القيام‌ هو بالحقّ، ويتحقّق‌ ذلك‌ القيام‌ عندما يكون‌ في‌ محلّه‌ وموقعه‌ ويستقرّ في‌ مركزه‌. وكلّ من‌ يرفع‌ راية‌ قبل‌ قيام‌ القائم‌، وإن‌ كان‌ باسم‌ الدين‌، فإن‌ لم‌يكن‌ في‌ نهج‌ ومسير القائم‌ فهو لاجل‌ الذات‌ وحبّ النفس‌ أو الجاه‌، أو لاجل‌ إيجاد محور ذاتي‌ّ علی الاقلّ؛ فتكون‌ الولاية‌ التي‌ ينسبها إلی نفسه‌ ضدّ ولاية‌ القائم‌ عليه‌ السلام‌. لاأ نَّها مندكّة‌ وفانية‌ في‌ قيام‌ القائم‌، ولاهي‌ في‌ مسير ونهج‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌.

 فإذَن‌؛ كلّ راية‌ تكون‌ قبل‌ قيام‌ القائم‌ فَصَاحِبُها طَاغُوتٌ، لانَّ قيام‌ القائم‌ يتحرّك‌ نحو الله‌ من‌ خلال‌ إزالة‌ الإحساس‌ بالذات‌ والاستكبار الموجود عند الناس‌. بينما هذه‌ الراية‌ هي‌ لاشخاص‌ يدعون‌ إلی أنفسهم‌، وكلّ مَن‌ يدعو إلی المحوريّة‌، ويجعل‌ نفسه‌ محوراً ومركزاً، فذلك‌ طاغوت‌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ.

 ويعتبر المجلسي‌ّ في‌ « مرآة‌ العقول‌ » [13] هذه‌ الرواية‌ موثّقة‌.

 والرواية‌ الاُخري‌، يرويها العلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار » في‌ أحوال‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌، نقلاً عن‌ « المناقب‌ » لابن‌ شهرآشوب‌.

 يُرْوَي‌ أَنَّ زَيْدَ بْنَ علی لَمَّا عَزَمَ عَلَیالبَيْعَةِ قَالَ لَهُ أَبُوجَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا زَيْدُ! إنَّ مَثَلَ القَائِمِ مِنْ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ قَبْلَ قِيَامِ مَهْدِيِّهِمْ مَثَلُ فَرْخٍ نَهَضَ مِنْ عُشِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوِي‌َ جَنَاحَاهُ؛ فَإذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَقَطَ فَأَخَذَهُ الصِّبْيَانُ يَتَلاَعَبُونَ بِهِ. فَاتَّقِ اللَهَ فِي‌ نَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ المَصْلُوبَ غَدَاً بِالكُنَاسَةِ! فَكَانَ كَمَا قَالَ.» [14]

 أي‌ أنَّ زيداً خرج‌ في‌ الكوفة‌، ودعا الناس‌ إلی البيعة‌ ثلاثة‌ أيّام‌( الاربعاء والخميس‌ والجمعة‌)، فاجتمع‌ حوله‌ عددٌ من‌ الناس‌، وكان‌ خروجه‌ يوم‌ الاربعاء، وعندما ظهر جيش‌ الشام‌ يوم‌ الجمعة‌ فَرَّ عنه‌ جميع‌ مَن‌ بايعه‌ مِن‌ الناس‌، ولم‌ يبق‌ معه‌ إلاّ ثلاثمائة‌ شخص‌ فقط‌، قُتلوا جميعاً، وأُصيب‌ زيد أيضاً بسهمٍ سقط‌ علی أثره‌ في‌ الميدان‌. فقاموا بصلبه‌ في‌ كناسة‌ الكوفة‌. وبقيت‌ جثّته‌ علی الصليب‌ أربع‌ سنوات‌.

 وبما أ نَّه‌ كان‌ علی خلاف‌ أمر الإمام‌ ومنعه‌ فقد قُتل‌ وصُلب‌ كما قال‌ الإمام‌، وعلِّق‌ في‌ مزبلة‌ الكوفة‌. وهذه‌ الجملة‌ التي‌ قالها الإمام‌: إنَّ مَثَلَ القَائِمِ مِنْ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ قَبْلَ قِيَامِ مَهْدِيِّهِمْ مَثَلُ فَرْخٍ نَهَضَ مِنْ عُشِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوِي‌َ جَنَاحَاهُ؛ تفيد هذا المعني‌. أي‌ أنَّ كلّ مَن‌ يقوم‌ قبل‌ قيام‌ المهدي‌ّ فسوف‌ يُبتلي‌ بهذه‌ الكيفيّة‌. ولذا، فلاينبغي‌ لاحدٍ ـ علی نحو الإطلاق‌ـ أن‌ يقوم‌ قبل‌ قيام‌ المهدي‌ّ. فإطلاق‌ الرواية‌ إذَن‌ يشمل‌ جميع‌ الازمان‌، حتّي‌ زمان‌ الغيبة‌، ولا حقّ بالقيام‌ لاحد، وإلاّ كان‌ كفرخ‌ نهض‌ من‌ عشّه‌ قبل‌ أن‌ يستوي‌ جناحاه‌، فسيبتلي‌ با لآفات‌ والمصائب‌، وسيلاقي‌ حتفه‌ بهجمة‌ عدوّه‌.

 لكنَّ هذه‌ الرواية‌ بإطلاقها ليس‌ في‌ صدد بيان‌ معني‌ كلّ من‌ يدافع‌ عن‌ أي‌ّ حقّ. فمثله‌ مثل‌ الفرخ‌، بل‌ يريد أن‌ يقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ هنا: إنَّ لدينا مهدي‌ّ واحد فقط‌، فمهدي‌ّ آخر الزمان‌ شخص‌ واحد، وليس‌هناك‌ مهدي‌ّ نوعي‌ّ، وإنَّما المهدي‌ّ شخصي‌ّ.

 فالمهدي‌ُّ شخص‌ من‌ أهل‌ البيت‌، قد ذُكِرَتْ جميع‌ خصوصيّاته‌ في‌ الروايات‌ من‌ أ نَّه‌ يتولّي‌ الولاية‌ والإمامة‌ بعد الحادي‌ عشر كما صرّح‌ النبي‌ّ أيضاً باسمه‌، وأ نَّه‌ مهدي‌ّ آخر الزمان‌. فذلك‌ المهدي‌ّ هو الذي‌ يقوم‌ ويُخضع‌ جميع‌ الدنيا للواء عدله‌. ويقضي‌ علی جميع‌ الاعداء بقوّة‌ السيف‌، ولايستطيع‌ أحد مقاومته‌. فلو أراد أحد من‌ أهل‌ البيت‌ ا لآن‌ أن‌ يخرج‌ ويقوم‌ بعمله‌ فلن‌يتمكّن‌ من‌ ذلك‌، لانَّ المهدي‌ّ هو الشخص‌ الوحيد الذي‌ تكون‌ جناحاه‌ قد استويا عند قيامه‌، وهو الذي‌ يطير دفعة‌ واحدة‌ عندما يريد الخروج‌ من‌ عشّه‌ ويعبر الاجواء والقمم‌ والجبال‌، ولايقع‌ ليأخذه‌ الصبيان‌ ويلعبوا به‌. وكلّ من‌ أراد أن‌ يقوم‌ بعمله‌ وقيامه‌ قبل‌ ذلك‌ القيام‌، ويأخذ لواء المهدي‌ّ بيده‌ للقضاء علی العدوّ ـأي‌ أن‌ يكون‌ نفس‌ المهدي‌ّـ فلن‌يكون‌ مهديّاً، لانَّ المهدويّة‌ ليست‌ نوعيّة‌ وإنَّما هي‌ شخصيّة‌، وقائمة‌ به‌.

 وعلی هذا، فإنِّي‌ أنصحك‌ يا أخي‌( أي‌ كلام‌ الإمام‌ لاخيه‌ زيد) فمع‌ كمال‌ العلم‌ والدراية‌ والحقيقة‌ الذي‌ تمتلكه‌، ومع‌ سلامة‌ نيّتك‌( بالقيام‌ علی الباطل‌) فإنِّي‌ أنصحك‌ من‌ أنَّ هذا العمل‌ لن‌ يكون‌ فيه‌ مصلحـة‌، لا نَّه‌ وراء كلّ أمر ثمّة‌ أمر أكثر غموضاً، ولكلّ ظاهر باطن‌، ولذلك‌ الباطن‌ أيضاً باطن‌؛ وقيامك‌ هذا وإن‌ كان‌ لمنع‌ الظلم‌ والفساد وقطع‌ يد الاعداء عن‌ التعدّي‌، ونيّتك‌ أيضاً نيّة‌ حقّ، لكن‌ وبالالتفات‌ إلی المسائل‌ الاُخري‌ التي‌ أنت‌ غافل‌ عنها، فإنَّ دمك‌ ودم‌ غيرك‌ من‌ الاشخاص‌ سوف‌ يُسفك‌، وسوف‌ تنتهي‌ دون‌ تحقيق‌ الطموح‌؛ فلاتقم‌ إذَن‌ بهذا العمل‌، وأ نّي‌ أري‌ أ نَّهم‌ سوف‌ يقتلونك‌ غداً ويصلبونك‌ في‌ الكوفة‌، فَاتَّقِ اللَهَ فِي‌ نَفْسِكَ!

 فأين‌ هي‌ دلالة‌ هذه‌ الرواية‌ ـ بهذا النحو ومع‌ حسنهاـ علی عدم‌ تمكّن‌ أي‌ّ أحد من‌ إقامة‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ في‌ زمان‌ الغيبة‌؟ وأين‌ يوجد فيها أن‌ لاحقّ لاحدٍ في‌ دفع‌ الظلم‌؟ أو لاقدرة‌ لاحد علی الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر؟

قيام‌ محمّد وإبراهيم‌ ابني‌ عبد الله‌ المحض‌ لم‌ يكن‌ صحيحاً

 إنَّ مَثَلَ القَائِمِ مِنْ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ، أي‌ أنَّ كلّ مَن‌ يقوم‌ مِن‌ أهل‌ هذا البيت‌، مثل‌ محمّد( صاحب‌ النفس‌ الزكيّة‌) وإبراهيم‌ الغَمْر ابنا عبدالله‌ المحض‌، اللذان‌ ثارا وقتلا بعد نصح‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ لهما بترك‌ هذا العمل‌.

 لقد دعوا الناس‌ لانفسهما بعنوان‌ المهدويّة‌، وقالا: نحن‌ ذلك‌ المهدي‌ّ الذي‌ أخبر عنه‌ النبي‌ّ وقام‌ عبد الله‌ المحض‌ ابن‌ الحسن‌بن‌ الحسن‌بن‌ علیبن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌( أي‌ ابن‌ الحسن‌ المثنّي‌) بدعوة‌ الناس‌ للبيعة‌ بعنوان‌ المهدويّة‌، وكذلك‌ بايع‌ لمحمّد بصفته‌ المهدي‌ّ.

 فيقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌: لاتقوموا بهذه‌ الاعمال‌، لانَّ ذلك‌ المهدي‌ّ خاصّة‌ شخصيّة‌، فحتّي‌ لو اجتمعت‌ معكم‌ الدنيا بأسرها وبايعتكم‌ بعنوان‌ المهدويّة‌ فلن‌تصيروا المهدي‌ّ، لانَّ المهدي‌ّ هو ذلك‌ الشخصيّة‌ الخاصّة‌، وعلی الإنسان‌ أن‌ يسعي‌ إليه‌.

 وعلی أساس‌ هذا الكلام‌ كانت‌ الرواية‌ المرويّة‌ في‌ « فرائد السمطين‌ » و « عيون‌ أخبار الرضا » أ نَّه‌ لما أراد الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ أن‌ يوصي‌ بالولاية‌ للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ أخوه‌ زيدبن‌ علیبن‌ الحسين‌ حاضراً، وقال‌ له‌ ما مضمونه‌: لو فعلت‌ ما فعل‌ الإمام‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌ من‌ نقله‌ الإمامة‌ والولاية‌ لاخيه‌ لالابنه‌ لكان‌ ذلك‌ عملاً حسناً.

 فأجابه‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌: أنَّ هذا الامر ليس‌ بيدي‌، ونحن‌ لانملك‌ الاختيار في‌ ذلك‌، ولست‌ الذي‌ أُريد إعطاء الولاية‌ من‌ نفسي‌ لابني‌ جعفر، فإنَّ هذا الامر معيّن‌ من‌ قبل‌، وخارج‌ عن‌ اختياري‌.

أسماء الائمّة‌ الاثني‌ عشر في‌ «صحيفة‌ فاطمة‌» عليها السلام‌

 يروي‌ في‌ « فرائد السمطين‌ » و « عيون‌ أخبار الرضا » بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أَبِي‌ نَضْرَة‌ أ نَّه‌ قال‌: لما احتضر أبو جعفر محمّدبن‌ علی الباقر عليهما السلام‌ دعا ابنه‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ ليعهد إليه‌ عهداً؛ فقال‌ له‌ أخوه‌ زيدبن‌ علی عليه‌ السلام‌:

 لَوِ امْتَثَلْتَ فِي‌ تِمْثَالِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ لَرَجَوْتُ أَلاَّ تَكُونَ آتَيْتَ مُنْكَرَاً.

 فقال‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ في‌ جوابه‌: يَا أَبَا الحُسَيْنِ! إنَّ الاَمَانَاتِ لَيْسَبِالمِثَالِ وَلاَالعُهُودَ بِالسَّوْمِ؛ وَإنَّمَا هِي‌َ أُمُورٌ سَابِقَةٌ عَنْ حُجَجِ اللَهِ تَبَارَكَ وَتَعَ إلَی. [15]

 ثمّ دعا جابر بن‌ عبد الله‌؛ فقال‌ له‌: يا جابر! حدّثنا بما عاينت‌ في‌ « الصحيفة‌ ».

 فقال‌ له‌ جابر: نعم‌ يا أبا جعفر؛ دخلت‌ علی مولاتي‌ فاطمة‌ بنت‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ لاُهنئها بمولد الحسين‌ عليه‌ السلام‌، فإذا بيديها بيضاء من‌ درّة‌.

 فقلت‌ لها: يا سيّدة‌ النساء! ما هذه‌ « الصحيفة‌ » التي‌ أراها معك‌؟

 قالت‌: فيها أسماء الائمّة‌ من‌ ولدي‌.

 قلت‌ لها: ناوليني‌ لانظر فيها.

 قالت‌: يا جابر! لولا النهي‌ لكنت‌ أفعل‌، لكنّه‌ قد نهي‌ أن‌ يمسّها إلاّ نبي‌ّ أو وصي‌ّ نبي‌ّ أو أهل‌ بيت‌ النبي‌ّ. لكنّه‌ مأذون‌ لك‌ أن‌ تنظر إلی باطنها من‌ ظاهرها.

 قال‌ جابر: فقرأتها، ثمّ بيّن‌ أنَّ فيها أسماء الائمّة‌ الاثنا عشر، وقبلهم‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ الذي‌ اسمه‌ أبو القاسم‌ محمّدبن‌ عبدالله‌ المصطفي‌ وأُمّه‌ آمنة‌، إلی الشخص‌ الاخير الذي‌ اسمه‌ أبو القاسم‌ محمّدبن‌ الحسن‌ الحجّة‌ القائم‌ وأُمّه‌ جارية‌ اسمها نرجس‌، صلوات‌الله‌ عليهم‌ أجمعين‌.

 لقد استدعي‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ جابر في‌ حضور زيد، وقام‌ جابر بذكر هذه‌ الرواية‌ عن‌ « صحيفة‌ فاطمة‌ » لكي‌ يطمئنّ زيد بأنَّ العهود والمواثيق‌ ليست‌ بالانتخاب‌ والاختيار، بل‌ هي‌ محدّدة‌ من‌ قبل‌.

 وتدلّ جميع‌ هذه‌ المطالب‌ علی جلالة‌ زيد وكونه‌ عاملاً بالقسط‌، وأنَّ قيامه‌ كان‌ قياماً بالقسط‌، إلاّ أ نَّه‌ لم‌ يكن‌ في‌ مرتبة‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌، وما كان‌ قد انكشف‌ للإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ من‌ العلوم‌ لم‌يكن‌ منكشفاً لزيد، وكان‌ السبب‌ الوحيد في‌ جميع‌ الاشتباهات‌ التي‌ ارتكبها زيد هو عدم‌امتلاكه‌ مقام‌ الإمام‌ الباقر وحسب‌.

 لقد كان‌ زيد إنساناً كاملاً وجامعاً وفقيهاً وعالماً بالقرآن‌، ومن‌ أهل‌ الزهد والعبادة‌، وممّن‌ قام‌ في‌ سبيل‌ الله‌؛ وقد بكي‌ عليه‌ الإمام‌ الصادق‌. لكنّه‌ لم‌يكن‌ في‌ مقام‌ الإمامين‌ الباقر والصادق‌ عليهما السلام‌، إذ لم‌يكن‌ يمتلك‌ مقام‌ الإمامة‌. وهذا هو الفرق‌ بينه‌ وبين‌ الباقر والصادق‌ عليهما السلام‌.

 لقد كان‌ زيد عالماً، بينما كان‌ الباقر والصادق‌ أعلم‌، ربّما أ نَّه‌ قد أقدم‌ علی القيام‌ مع‌ وجود الاعلم‌ فلم‌يثمر قيامه‌، وكان‌ منشأً للكراهة‌ أيضاً.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 

ارجاعات


[1] ـ ا لآية‌ 111، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[2] ـ ا لآية‌ 112، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[3] ـ الإشاطةُ من‌ شيط‌؛ شاطَ يَشيطُ شَيْطاً الشَّي‌ءُ: احتَرقَ. أشاطَ السُّلطانُ دمَهُ وبِدَمِه‌: عَرَّضَهُ لِلْقَتلِ وَأهدرَ دَمه‌.

[4] ـ جِوار: مَصدرُ جاوَرَ(ويُقال‌: أقامَ في‌ جِوارِه‌، أَي‌ قَرُبَ مَسكَنُه‌) الاَمَانُ والعَهْد. يُقال‌: هُو في‌ جِواري‌ أي‌ في‌ عَهدي‌ وأماني‌. جَوار: الماء الكَثير.

[5] ـ «جواهر الكلام‌» ج‌ 21، ص‌ 14، كتاب‌ الجهاد، الطبعة‌ السادسة‌.

[6] ـ «المغازي‌» للواقدي‌ّ، ج‌ 3، ص‌ 1019 إلي‌ 1021.

[7] ـ صدر ا لآية‌ 118، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[8] ـ ا لآية‌ 8، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[9] ـ ا لآية‌ 135، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[10] ـ «المغازي‌» للواقدي‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 1057، طبعة‌ دار المعرفة‌ الإسلاميّة‌.

[11] ـ «لمعات‌ الحسين‌» ص‌ 18؛ و«تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 4، ص‌ 304، طبعة‌ 1358؛ و«نفس‌ المهموم‌» ص‌ 219؛ و«بحار الانوار» ج‌ 78، ص‌ 128، نقلاً عن‌ «أعلام‌ الدِّين‌»؛ وفي‌ ملحقات‌ «إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 634، نقلاً عن‌ «البيان‌ والتبيين‌» ج‌ 3، ص‌ 255، وعن‌ «أهل‌البيت‌» ص‌ 448؛ وذكره‌ في‌ «كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 185؛ ويقول‌ ابن‌ الاثير في‌ «الكامل‌» ج‌ 3، ص‌ 280: كتب‌ هذه‌ الخطبة‌ بعنوان‌ رسالة‌ منه‌ إلي‌ أهل‌ الكوفة‌ عند وصوله‌ إلي‌ كربلاء؛ وفي‌ الجزء العاشر من‌ «بحارالانوار» ص‌ 188 و 189، طبعة‌ الكمباني‌ّ، نقلها عن‌ السيّد ابن‌ طاووس‌؛ وقد ضُبطت‌ في‌ نسخة‌ الطبري‌ّ والمجلسي‌ّ فَلَمْ يُغَيِّرْ بالغين‌ المعجمة‌.

[12] ـ «روضة‌ الكافي‌» ص‌ 295، حديث‌ 452.

[13] ـ «مرآة‌ العقول‌» ج‌ 4، ص‌ 38، الطبعة‌ الحجريّة‌. وحينئذٍ قال‌ المجلسي‌ّ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: طَاغُوتٌ، قَالَ الجَوْهَرِي‌ُّ: الطَّاغُوتُ، الكَاهِنُ وَالشَّيْطانُ وَكُلُّ رَأْسٍ في‌ الضَّلالِ؛ قَدْ يَكونُ واحِدَاً كَقَوْلِهِ تَعالَي‌: يُرِيدُونَ أَن‌ يَتَحَاكَمُو´ا إِلَي‌ الطَّـ'غُوتِ وَقَدْ أُمِرُو´ا أَن‌ يَكفُرُوا بِهِ؛ وَقَدْ يَكونُ جَمِيعَاً؛ قَالَ اللَهُ تَعَالَي‌: أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّـ'غُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ.

 وَطَاغُوت‌ إنْ جَاءَ عَلَي‌ وَزْنِ لاَهُوتٍ فَهُوَ مَقْلوبٌ لاِ نَّهُ مِنْ طَغَي‌ وَلاَهُوتٌ غَيْرُ مَقْلوبٍ لاِ نَّهُ مِنْ لاَهَ بِمَنْزِلَةِ الرَّغَبوتِ وَالرَّهَبوتِ؛ وَالجَمْعُ الطَّواغِيتُ.

[14] ـ «بحار الانوار» ج‌ 46، ص‌ 263، طبعة‌ ا لآخوندي‌ّ.

[15] ـ «فرائد السمطين‌» ج‌ 2، ص‌ 140، طبعة‌ بيروت‌.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السابع‌ والثلاثون‌:عدم‌ جواز الجهاد في‌ ركاب‌ الإمام‌ الجائر.
  جواب‌ واستدلال‌ الإمام‌ الواضح‌ علی كلامه‌ من‌ ذيل‌ ا لآية‌ المذكورة‌
  >>خبر «تحف‌ العقول‌» حول‌ حرمة‌ سفك‌ دم‌ الكفّار في‌ دار التقيّة‌
  خبر عبد الملك‌: لو كان‌ جهاد الحكّام‌ خيراً لما سبقوا الإمام‌ إليه‌
  الادلّة‌ العامّة‌ علی ولاية‌ الفقيه‌ قائمة‌ لإيجاب‌ الجهاد في‌ زمن‌ الغيبة‌
  تفاؤل‌ رسول‌ الله‌ بصهيل‌ خيل‌ المجاهدين‌
  الدرس‌ الثامن‌ والثلاثون‌: وجوب‌ الجهاد في‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ تحت‌ ولاية‌ الفقيه‌ الإلهي‌ّ...
  ردّ أدلّة‌ القائلين‌ بعدم‌ جواز إقامة‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ و... في‌ الغيبة‌
  بطلان‌ قول‌: إنَّ العمل‌ علی إصلاح‌ المجتمع‌ يوجب‌ تأخير الظهور
  إطلاق‌ آيات‌ القرآن‌ في‌ لزوم‌ القيام‌ بالحقّ ونشر القسط‌ في‌ المجتمع‌
  مَنْ رَأَي‌ سُلْطَانَاً جَائِرَاً مُسْتَحِلاَّ لِحُرُمِ اللَهِ
  الجواب‌ علی ظاهر الروايات‌ التي‌ تدين‌ كلّ أنحاء القيام‌ قبل‌ الظهور
  قيام‌ محمّد وإبراهيم‌ ابني‌ عبد الله‌ المحض‌ لم‌ يكن‌ صحيحاً
  أسماء الائمّة‌ الاثني‌ عشر في‌ «صحيفة‌ فاطمة‌» عليها السلام‌
  الدرس التاسع و الثلاثون:لم‌ يكن‌ قيام‌ زيد ويحيي‌ بعنوان‌ المهدويّة‌ خلافاً لمحمدّ وإبراهيم‌
  عدم‌ تحمّل‌ زيد لسبّ هشام‌ وشتمه‌، ثمّ قيامه‌ في‌ الكوفة‌
  شدّة‌ تأثّر الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ لشهادة‌ عمّه‌ زيد
  كان‌ زيد من‌ علماء آل‌ محمّد، ويلي‌ المعصوم‌ في‌ الولاية‌ والعصمة‌
  لم‌ يكن‌ نهي‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ قيام‌ زيد نهياً إلزاميّاً
  مَا خَرَجَ وَلاَ يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ إلَی قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ...
  غاية‌ قول‌ الإمام‌ في‌ رواية‌ «الصحيفة‌»، القيام‌ الذي‌ يكون‌ ضدّ الإمام‌
  كيفيّة‌ ظهور «الصحيفة‌» ومطابقتها مع‌ التي‌ كانت‌ عند الإمام‌ الصادق‌
  الدرس‌ الاربعون‌:الصحيفة‌ السجّاديّة‌ ومفاد: فَلَعَمْرِي‌، مَا الإمَامُ...
  آية‌: وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِي‌´ أَرَيْنَـ كَ، والشجرة‌ الملعونة‌ حول‌ بني‌ أُميّة‌
  كلام‌ العلاّمة‌ آغا بزرك‌ الطهراني‌ّ حول‌ قائل‌: «حَدَّثَنَا»
  كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمِ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ...
  اللَهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَ نَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي‌ كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي‌ سُلْطَانٍ
  فَلَعَمْرِي‌، مَا الإمَامُ إلاَّ الحَاكِمُ بِالكِتَابِ...
  الدرس‌ الحادي‌ والاربعون‌: في‌ الروايات‌ أيضاً ترجع‌ المتشابهات‌ إلی المحكمات‌ والظواهر إلی النصوص
  يجب‌ تخصيص‌ إطلاق‌ روايات‌ حرمة‌ القيام‌ بزمان‌ عدم‌ الإمكان‌
  آيات‌ وجوب‌ الهجرة‌ ودفع‌ الظلم‌ وعدم‌ تمكين‌ الظالمين‌
  مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
  ينبغي‌ للحاكم‌ إصلاح‌ نفسه‌ قبل‌ إصلاح‌ الناس‌
  علی الفقيه‌ الحاكم‌ أن‌ يطالع‌ باستمرار عهد الإمام‌ لمالك‌ الاشتر
  علی الفقيه‌ حاكم‌ الشرع‌ قضاء حوائج‌ الناس‌ يوم مراجعتهم‌
  علی الفقيه‌ حاكم‌ الشرع‌ أن‌ يجعل‌ أفضل‌ أوقاته‌ للعبادة‌
  الدرس‌ الثاني‌ والاربعون‌:حقوق‌ الو الی علی الرعيّة‌، وحقوق‌ الرعيّة‌ علی الو الی
  وَلَوْ كَانَ لاِحَدٍ أَنْ يَجْرِي‌َ لَهُ وَلاَ يَجْرِي‌ عَلَيْهِ
  قيام‌ مناهج‌ الدين‌ بمراعاة‌ حقوق‌ الو إلی والرعيّة‌
  علی عباد الله‌ أن‌ يتعاونوا بمقدار جهدهم‌ لإقامة‌ الحقّ فيما بينهم‌
  إنَّ أسوأ حالات‌ الولاة‌ حبّ الفخر والتمجيد عند الناس‌
  لا تكفّوا عن‌ مقالة‌ بحقّ أو مشورة‌ بعدل‌
  الدرس‌ الثالث‌ والاربعون‌:الذاتيّة‌، أكبر آفات‌ الو إلی
  الروايات‌ والنصائح‌ في‌ ذمّ حبّ الجاه‌ والعجب‌ ومدح‌ الناس‌
  أسخف‌ حالات‌ الو الی أن‌ يكون‌ ممّن‌ يحبّ أن‌ يمدحه‌ الناس‌
  مفاد: ظُلْمُ الرَّعيَّةِ اسْتِجْلابُ البَليَّة‌
  الرعيّة‌ تتبع‌ عواطفها تجاه‌ الولاة‌ والحكّام‌ باستمرار
  إحضار عمر لعمرو بن‌ العاصّ وولده‌ لشكاية‌ شابّ مصري‌ّ
  انتقاد كيفيّة‌ عدالة‌ عمر من‌ جهات‌ مختلفة‌
  الدرس‌ الرابع‌ والاربعون‌:حقّ الرعيّة‌ علی الوالی: معالجة‌ أُمورهم‌ بنفسه‌ و...
  من‌ عوامل‌ الفساد: نفوذ أقرباء الوالی وخواصّه‌ في‌ ولايته‌
  قصّة‌ الرجل‌ الكوفي‌ّ وشكواه‌ ظلم‌ و إلی الكوفة‌ عند المأمون‌
  يقول‌ عمر: بما أنـّي‌ قد فررتُ يوم‌ أُحد، فلا حقّ لولدي‌ بالجائزة‌
  الكتابة‌ المذكورة‌ علی الاضلع‌ الثمانية‌ لقبر أرسطو
  خطبة‌ الامير حول‌ ما للو الی والرعيّة‌ كلٌّ علی ا لآخر من‌ حقوق‌
  أوّل‌ حقّ للوالی علی الرعيّة‌ هو حقّ الطاعة‌
  إِذَا دُعُو´ا إلَی اللَهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ تفيد السمع‌ والطاعة‌ مطلقاً
  مفاد: أَفِي‌ قُلُوبِهِم‌ مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُو´ا أَمْ يَخَافُونَ...
  الدرس‌ الخامس‌ والاربعون‌:أوامر الو إلی لا تكون‌ حجّة‌ في‌ صورة‌ المعصية‌ والعلم‌ بالخلاف‌
  حكم‌ الحاكم‌ ليس‌ قطعيّاً، ويُحتمل‌ فيه‌ الخطأ
  لا يقبل‌ حكم‌ الحاكم‌ عند اليقين‌ بالخلاف‌
  وجوب‌ العمل‌ وفق‌ حكم‌ القاضي‌ وإن‌ بان‌ خلافه‌
  لاَ طَاعَةَ لِمَنْ عَصَي‌ اللَهَ، لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي‌ مَعْصِيَةِ الخَالِقِ
  روايات‌ العامّة‌ في‌ وجوب‌ إطاعة‌ ولاة‌ الجور
  بناء علی رأي‌ العامّة‌: فسق‌ الحاكم‌ لا يوجب‌ خلعه‌ من‌ الولاية‌
  الدرس‌ السادس‌ والاربعون‌:الشيعة‌ تري‌ الحاكم‌ جائز الخطأ في‌ حكمه‌ بينما العامّة‌ ...
  استفادة‌ المحاكم‌ الثلاث‌ من‌ عهد الإمام‌ لمالك‌ الاشتر
  يعتبر العامّة‌ الولاة‌ الجائرين‌ والظالمين‌ أُولي‌ الامر ويجب‌ اتّباعهم‌
  متكلّمو العامّة‌ يُعذرون‌ مَن‌ يمارس‌ الظلم‌ من‌ قِبَل‌ حكام‌ الجور
  كلام‌ الاميني‌ّ حول‌ عواقب‌ الالتزام‌ بمعذوريّة‌ حكّام‌ الجور
  دفاع‌ الشمر عن‌ فعله‌ مستنداً إلی رواياتهم‌ في‌ وجوب‌ طاعة‌ الولاة‌
  الحقّ الثاني‌ للو الی علی الرعيّة‌: حقّ النصح‌
  الحقّ الثالث‌ للوالی علی الرعيّة‌: التعاون‌
  الدرس‌ السابع‌ والاربعون‌:للرعيّة‌ علی الو الی حقّ الحريّة‌ والمراقبة‌ و...
  خطبة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ عرفات‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌
  خطبة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ مني‌ بعد تركه‌ عرفات‌
  هدر دماء الجاهليّة‌ والربا المأخوذ في‌ ذلك‌ الزمان‌
  لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِي‌ٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِإحْدَي‌ ثَلاَثٍ
  المحافظة‌ علی أرواح‌ وأموال‌ وأعراض‌ المسلمين‌ في‌ عهدة‌ الو إلی
  رواية‌ أمير المؤمنين‌ حول‌ لزوم‌ معالجة‌ الو إلی أمر الرعيّة‌
  وصيّة‌ الامير: وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإنْ سَاقَتْكَ إلَی الرَّغَائِبِ
  الدرس‌ الثامن‌ والاربعون‌:تعذيب‌ المتّهم‌ لاخذ الاعتراف‌ منه‌ ممنوع‌
  خطأ قول‌: بقاء الإسلام‌ متوقّف‌ علی تعذيب‌ المتّهم‌ قبل‌ ثبوت‌ الجرم‌
  رفض‌ حكومة‌ أمير المؤمنين‌ القيام‌ علی أساس‌ المصالح‌ السياسيّة‌
  منح‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ الخوارج‌ حرّيّة‌ الرأي‌
  كان‌ قتال‌ الخوارج‌ بعد تجاوزاتهم‌ وسفكهم‌ للدماء
  إطلاق‌ حرّيّة‌ العقيدة‌ لاهل‌ الذمّة‌ ماداموا يعيشون‌ في‌ كنف‌ الإسلام‌
  لآ إِكْرَاهَ فِي‌ الدِّينِ: ترجع‌ إلی العقيدة‌ لا إلی قبول‌ الإسلام‌ ظاهريّاً
  الحقّ الثالث‌ للرعيّة‌ علی الولاة‌: العناية‌ بصحّة‌ أبدانهم‌ وأرواحهم‌
  ليس‌ في‌ الإسلام‌ محكمة‌ خاصّة‌ للبعض‌، فالكلّ سواء أمام‌ القانون‌
  قصّة‌ سوادة‌ بن‌ قيس‌ شاهد آخر علی هذه‌ المطالب‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی