معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > الأبحاث العلمية و الإجتماعية > ولاية‌ الفقيه‌ في‌ حكومة‌ الإسلام > ولاية‌ الفقيه‌ في‌ حكومة‌ الإسلام المجلد الرابع
كتاب ولاية الفقيه فی حکومة الاسلام / المجلد الرابع/ القسم السادس: الشيعة‌ تري‌ الحاكم‌ جائز الخطأ في‌ حكمه‌ بينما العامّة‌ تري‌ حكمه‌ لازم‌ التنفيذ، استفادة‌ المحاكم‌ الثلاث‌ من‌ عهد الإمام‌ لمالك‌ الاشتر، الحقّ الثاني‌ و الثالث للوالی علی الرعيّة‌

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ

 

 لقد بيّنا فيما سلف‌ أنَّ أحكام‌ الحاكم‌ ومرجع‌ التقليد والقاضي‌ مجرّد أمارة‌ علی الواقع‌، ولاموضوعيّة‌ لها. ولذلك‌ فهم‌ يستطيعون‌ العدول‌ عن‌ الحكم‌ الذي‌ يحكمونه‌ أو النظريّة‌ التي‌ يعطونها؛ فإذا ثبت‌ للحاكم‌ أو القاضي‌ أنَّ حكمه‌ لم‌ يكن‌ مطابقاً للواقع‌ وقد اقتضته‌ بعض‌ الظواهر والقرائن‌ فوقع‌ فيه‌ اشتباه‌، فعليه‌ أن‌ يرجع‌ عنه‌ فوراً ويلتزم‌ بما هو الواقع‌. وكذلك‌ إذا أفتي‌ المرجع‌ بفتوي‌ معيّنة‌ ثمّ اتّضح‌ أنَّ فيها خدش‌ ما، فعليه‌ أن‌ يعدل‌ من‌ نظره‌ ورأيه‌، إذ لا موضوعيّة‌ له‌، وأ نَّه‌ لا يملك‌ سوي‌ الطريقيّة‌. وهذا هو معني‌ الطريقيّة‌ أيضاً.

 والمسألة‌ في‌ القاضي‌ أيضاً بهذا النحو، فلو حكم‌ القاضي‌، ثمّ اتّضح‌ أنَّ ثمّة‌ اشتباه‌ في‌ حكمه‌ هذا. فعليه‌ الرجوع‌.

استفادة‌ المحاكم‌ الثلاث‌ من‌ عهد الإمام‌ لمالك‌ الاشتر

 توجد ثلاث‌ محاكم‌ بين‌ المحاكم‌ المتعارفة‌ اليوم‌: المحكمة‌ الابتدائيّة‌، التي‌ يرجع‌ إليها المتداعيان‌ فيقوم‌ القاضي‌ بالحكم‌ لاحدهما علی ا لآخر. ثمّ محكمة‌ الاستئناف‌، وهي‌ مترتّبة‌ علی المحكمة‌ الاُولي‌، بحيث‌ لو اعترض‌ مَنْ عَلَيْهِ الحُكْم‌ فبإمكانه‌ الرجوع‌ إلی محكمة‌ الاستئناف‌ التي‌ هي‌ عبارة‌ عن‌ تجديد نظر ذلك‌ القاضي‌ في‌ حكمه‌ السابق‌. وعليه‌، فأمّا أن‌ يمضي‌ حكمه‌ السابق‌، أو يردّه‌ ويصحّحه‌. وإذا كان‌ الحكم‌ قابلاً للتأمّل‌ في‌ محكمة‌ الاستئناف‌ ـعلی الرغم‌ من‌ ثبوت‌ حكم‌ القاضي‌ الاوّل‌ـ فثمّة‌ محكمة‌ أعلی من‌ جميع‌ هذه‌ المحاكم‌، وهي‌ محكمة‌ التمييز، أو الديوان‌ الع إلی. إذ يوجد في‌ محكمة‌ التمييز والديوان‌ الع إلی أشخاص‌ أعلی رتبة‌ من‌ قضاة‌ المحاكم‌، يقومون‌ بالنظارة‌ علی أحكامهم‌، ويرجع‌ إليهم‌ من‌ عنده‌ اعتراض‌ علی أحكام‌ المحكمة‌ السابقة‌؛ فيقوم‌ المتصدّون‌ بتجديد النظر في‌ الاحكام‌ الصادرة‌. وعندئذٍ، فأمّا أن‌ يبّتوا الحكم‌ السابق‌ أو يصدروا حكماً جديداً.

 وجميع‌ هذه‌ الدواوين‌ الثلاثة‌ مستفادة‌ من‌ كلام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ عهده‌ لمالك‌ الاشتر. وقد بيّنا أنَّ أصل‌ هذا العهد قد وقع‌ بأيدي‌ الاُوروبّيّين‌ في‌ الاندلس‌ بعد زوال‌ الحكومة‌ الامويّة‌، فقاموا بترجمته‌ إلی اللغات‌ المختلفة‌ قبل‌ أن‌ يصل‌ مضمونه‌ إلينا! وقد شكّلوا محاكمهم‌ وإداراتهم‌ علی أساسه‌. فالمحاكم‌ الموجودة‌ في‌ عالمنا اليوم‌( أعمّ من‌ المحاكم‌ الابتدائيّة‌ والاستئناف‌ والتمييز) ـمنها محاكمنا أيضاً قد بُنيت‌ علی أساس‌ تلك‌ التنظيمات‌ الاُوروبّيّة‌ والغربيّة‌ـ هي‌ في‌ الواقع‌ متّخذة‌ من‌ عهد أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ هذا.

 وهذا يدلّ علی أنَّ القاضي‌ يستطيع‌ أن‌ يعدل‌ عن‌ حكمه‌ فيما إذا وقع‌ في‌ الاشتباه‌، وعليه‌ الرجوع‌ عن‌ حكمه‌ السابق‌، وأنَّ حكم‌ القاضي‌ لاموضوعيّة‌ له‌، وإنَّما هو طريق‌ محض‌ للواقع‌.

 لقد بيّنا هذا العهد إجمالاً فيما مضي‌، وما يهمّنا هنا الفقرة‌ القائلة‌:

 ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي‌ نَفْسِكَ مِمَّنْ لاَتَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ، وَلاَتُمْحِكُهُ الخُصُومُ، وَلاَ يَتَمَادَي‌ فِي‌ الزَّلَّةِ، وَلاَيَحْصَرُ مِنَ الفَيْءِ إلَی الحَقِّ إذَا عَرَفَهُ.

 إذ من‌ الممكن‌ للإنسان‌ أن‌ يزلّ، وعندئذٍ فالتمادي‌ في‌ الزلل‌ غيرصحيح‌؛ فإذا فهم‌ القاضي‌ أ نَّه‌ قد زلّ في‌ المسألة‌، فـ لايَتَمادَي‌ فيها، وَلابُدَّ وَأنْ يَرْجِعَ.

 وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الفَي‌ءِ إلَی الحَقِّ إذَا عَرَفَهُ. الحصر بمعني‌ ضيق‌ الصدر، فلاينبغي‌ للقاضي‌ أن‌ يضيق‌ صدره‌ أو ينزعج‌ من‌ الرجوع‌ إلی الحقّ عندما يعرفه‌، ولايقول‌ إنّي‌ قد حكمت‌ ولا أرجع‌ عن‌ حكمي‌، فلاينبغي‌ أن‌ يكون‌ الامر بهذا النحو. فعندما يعلم‌ القاضي‌ أ نَّه‌ قد صدرت‌ منه‌ زلّة‌ فعليه‌ أن‌ يفي‌ء إلی الحقّ، أي‌ يرجع‌ إليه‌ بسرعة‌، وعندما يجد إشارةً ودليلاً علی خلاف‌ حكمه‌ الاوّل‌، أو إذا أقام‌ مَنْ عَلَيْهِ الحَقّ شواهد حيّة‌ لصالحه‌، فعليه‌ أن‌ يرجع‌ عن‌ حكمه‌ الاوّل‌. وهذا نفس‌ عمل‌ ودور محكمة‌ الاستئناف‌ التي‌ قد أُسّست‌ هذه‌ الايّام‌ علی أساس‌ توجيه‌ كلام‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌. ثمّ يستمر الإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ كلامه‌ إلی أن‌ يقول‌:

 ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ. أي‌ ابذل‌ الجهد واعمل‌ واسْعَ في‌ البحث‌ والتفحّص‌ عن‌ أحكام‌ وقضاء القضاة‌، وانظر في‌ كيفيّة‌ قضاوتهم‌ ومدي‌ صحّتها.

 نعلم‌ بشكل‌ مسلّم‌ أن‌ لا موضوعيّة‌ لصرف‌ وتعاهد القضاء والفحص‌ والمخالفة‌؛ وإنَّما يكون‌ ذلك‌ لرفع‌ الاشتباه‌ فيما لو حصل‌ في‌ حكم‌ القضاة‌، وللاطّلاع‌ والتأكّد من‌ اعتدال‌ حالة‌ القاضي‌ وعدم‌ انفعاله‌ أثناء الحكم‌، وعدم‌ ارتشائه‌ فيه‌. فإذا لم‌ يكن‌ الامر كذلك‌ وكان‌ ثمّة‌ اشتباه‌ ما، فيجب‌ أن‌ يُردّ ذلك‌ الحكم‌. فإنَّما قوله‌ عليه‌ السلام‌: أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، ليتمّ إصلاح‌ الاشتباه‌ الحاصل‌ من‌ القضاة‌، فيما لو كان‌ قابلاً للإصلاح‌ والرجوع‌ في‌ المحكمة‌ العليا لولي‌ الامر. وليقوم‌ أُولئك‌ القضاة‌ المنصوبين‌ في‌ محكمة‌ التمييز( من‌ ذوي‌ المقام‌ الرفيع‌ والصلاحيّة‌ الواسعة‌ في‌ مجال‌ القضاء) بمراجعة‌ أُولئك‌ القضاة‌ لمعالجة‌ الاشتباه‌ الحاصل‌ منهم‌.

 وعلی هذا، فالمستفاد ممّا ذكر: أنَّ حكم‌ القاضي‌ قابل‌ للردّ، وذلك‌ لا نَّه‌ طريق‌، والطريق‌ تخطي‌ تارة‌ وتصيب‌ أُخري‌، وليس‌ من‌ الصواب‌ التمادي‌ في‌ الاشتباه‌؛ ويجب‌ الرجوع‌ عن‌ حكم‌ القاضي‌ في‌ كلّ مورد اطّلع‌ هو أو اطّلعت‌ المحكمة‌ العليا علی اشتباهه‌ فيه‌.

 وهذا المطلب‌ الذي‌ بيّناه‌ يتعلّق‌ بتتمّة‌ رجوع‌ الحاكم‌ أو الفقيه‌ عن‌ حكمه‌.

يعتبر العامّة‌ الولاة‌ الجائرين‌ والظالمين‌ أُولي‌ الامر ويجب‌ اتّباعهم‌

متكلّمو العامّة‌ يُعذرون‌ مَن‌ يمارس‌ الظلم‌ من‌ قِبَل‌ حكام‌ الجور

 أمّا فيما يتعلّق‌ بتلك‌ المسألة‌ التي‌ طُرحت‌، فقد وصلنا بالبحث‌ بذكر رواية‌ عن‌ « الغدير » من‌ طريق‌ العامّة‌ تُفيد أنَّ حكم‌ الحاكم‌ محترم‌ حتّي‌ وإن‌ كان‌ جانياً وجائراً، وحتّي‌ لو كان‌ مغتلساً لاموال‌ الناس‌ ويضربهم‌، وينتهك‌ أعراضهم‌، ويمارس‌ أنواع‌ الفحشاء والمنكرات‌؛ فعلی جميع‌ الاُمّة‌ أن‌ تُطيع‌ أمره‌ وتسمع‌ له‌، ولايحقّ لاحد أن‌ يقوم‌ ضدّه‌، وعلی الجميع‌ أن‌ يكونوا مطيعين‌ له‌ بشكل‌ تامّ.

 الرواية‌ الثانية‌: عن‌ مالك‌ الاشجعي‌ّ؛ قال‌: سمعت‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يقول‌:

 خيارُ أئِمَّتِكُمُ: الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ؛ وَشِرارُ أئِمَّتِكُمُ: الَّذِينَ تُبْغِضونَهُمْ وَيُبْغِضونَكُمْ، وَتَلْعَنونَهُمْ وَيَلْعَنونَكُمْ.

 قالَ: قُلْنا: يا رَسولَ اللَهِ! أفَلاَ نُنابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قالَ: لاَ! ما أقَامُوا فيكُمُ الصَّلاَةَ. ألاَ وَمَنْ وَلِي‌َ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي‌ شَيْئَاً مِنْ مَعصيَةِاللَهِ فَلْيَكْرَهْ ما يَأْتي‌ مِنْ مَعْصيَةِ اللَهِ وَلاَ تَنْزِعَنَّ يَداً مِنْ طاعَةٍ.[1]

 الرواية‌ الثالثة‌: سأل‌ سلمة‌ بن‌ يزيد الجعفي‌ّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 يا رسول‌ الله‌! إنْ قامَتْ عَلَيْنا أُمَراءُ يَسْأَلونَنا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعونَنا حَقَّنا فَما تَأْمُرُنا؟! قالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ؛ ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقالَ: اسْمَعوا وَأطِيعُوا! فَإنَّما عَلَيْهِمْ ماحُمِّلوا وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ.[2]

 الرواية‌ الرابعة‌: عن‌ المقداد أنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: أطيعوا أُمَرَاءَكُمْ مَا كَانَ؛ فَإنْ أمَروكُمْ بِما حَدَّثْتُكُمْ بِهِ فَإنَّهُمْ يُؤْجَرونَ عَلَيْهِ وَتُؤْجَرونَ بِطاعَتِكُمْ. وَإنْ أمَروكُمْ بِشَي‌ءٍ مِمَّا لَمْ آمُرْكُمْ بِهِ فَهُوَ عَلَيْهِمْ، وَأنْتُمْ مِنْهُ بُرَاءُ.

 ذَلِكَ بِأَ نَّكُمْ إذا لَقِيتُمُ اللَهَ قُلْتُمْ: رَبَّنَا! لاَ ظُلْمَ. فَيَقولُ: لاَظُلْمَ. فَيَقولونَ: رَبَّنَا أَرْسَلْتَ إلَيْنا رُسُلاً فَأَطَعْنَاهُمْ بِإذْنِكَ؛ وَاسْتَخْلَفْتَ [3] عَلَيْنا خُلَفاءَ فَأَطَعْناهُمْ بِإذْنِكَ؛ وَأمَّرْتَ عَلَيْنا أُمَراءَ فَأَطَعْناهُمْ. قالَ: فَيَقولُ: صَدَقْتُمْ، هُوَ عَلَيْهِمْ وَأنْتُمْ مِنْهُ بُرَاءُ! [4]

 لاحظوا مدي‌ الوضع‌ في‌ هذه‌ الرواية‌! وَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا خُلَفَاَ. فمتي‌ استخلف‌ الله‌ عليهم‌ خلفاء كهؤلاء وأمرهم‌ بإطاعتهم‌؟! لقد تركوا الخلفاء المعصومين‌ جانباً وأتوا بهؤلاء إلی السلطة‌ واعتبروهم‌ واجبي‌ الطاعة‌! فكانت‌ نتيجة‌ عملهم‌ أن‌ يدفعوا ضريبة‌ ما جنوه‌ بأنفسهم‌.

 الخامسة‌: عن‌ سويد بن‌ غفلة‌ قال‌: إنَّ عمر بن‌ الخطّاب‌ قال‌ لي‌:

 يَا أَبَا أُمَيَّةَ! لَعَلَّكَ أنْ تَخْلِفَ بَعْدي‌؛ فَأَطِعِ الإمَامَ وَإنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيَّاً! إنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإنْ أمَرَكَ بِأَمْرٍ فَاصْبِرْ، وَإنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإنْ ظَلَمَكَ فَاصْبِرْ؛ وإنْ أمَرَكَ بِأَمْرٍ يُنْقِصُ دينَكَ فَقُلْ: سَمْعٌ وَطَاعَةٌ، دَمِي‌ دُونَ ديني‌.[5]

 فلا عليك‌ أن‌ تبذل‌ دمك‌ حفاظاً للدين‌؛ فإذا رأيت‌ أمراً يوجب‌ نقصان‌ دينك‌ فقل‌ سمعاً وطاعة‌؛ أي‌ يجب‌ أن‌ تظلّ هاتان‌ الكلمتان‌ علی شفتيك‌ حتّي‌ لو كان‌ ذلك‌ يُسبّب‌ نقصان‌ دينك‌!

 فهذه‌ خمس‌ روايات‌ نقلها العلاّمة‌ الاميني‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه[6]‌؛ وأنقل‌ لكم‌ رواية‌ أُخري‌ شبيهة‌ جدّاً بهذه‌ الروايات‌:

 روي‌ الماوردي‌ّ في‌ « الاحكام‌ السلطانيّة‌ والولايات‌ الدينيّة‌ » ص‌5، عن‌ هشام‌بن‌ عروة‌، عن‌ أبي‌ صالح‌، عن‌ أبي‌ هريرة‌، روي‌ عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أنَّه‌ قال‌:

 سَيَليكُمْ بَعْدي‌ وُلاَةٌ فَيَلِيكُمُ البَرُّ بِبِرِّهِ وَيَليكُمُ الفَاجِرُ بِفجُورِهِ؛ فَاسْمَعوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا في‌ كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ. فَإنْ أحْسَنوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ؛ وَإنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ.[7]

 وبعد أن‌ ينقل‌ المرحوم‌ الاميني‌ّ الروايات‌ الخمس‌ عن‌ الباقلاّني‌ّ ينقل‌ أيضاً في‌ ذيلها شرحاً للباقلاّني‌ّ في‌ تفسيرها وبيانها، حيث‌ يقول‌ في‌ تتمّة‌ كلامه‌: لايجوز أن‌ يُعزل‌ الإمام‌ بسبب‌ فسقه‌، فكلّ من‌ كان‌ حاكماً حتّي‌ لو فسق‌ لايجوز عزله‌.

 ثمّ يذكر الباقلاّني‌ّ كلام‌ النووي‌ّ في‌ « شرح‌ مسلم‌ » الذي‌ يذكره‌ في‌ هامش‌ « إرشاد الساري‌ في‌ شرح‌ صحيح‌ البخاري‌ّ » الجزء الثامن‌، الصفحة‌ السادسة‌ والثلاثين‌، في‌ ذيل‌ هذه‌ الاحاديث‌ التي‌ رواها عن‌ طرق‌ مسلم‌، من‌ أ نَّه‌ يُبيّن‌ معني‌ الحديث‌ بهذا النحو:

 لا تَنازَعوا وُلاَةَ الاُمورِ فِي‌ وِلاَيَتِهِمْ، وَلاَ تَعْتَرِضوا عَلَيْهِمْ إلاَّ أنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَراً مُحَقَّقاً تَعْلَمونَهُ مِنْ قَواعِدِ الإسْلاَمِ. فَإذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِروهُ عَلَيْهِمْ؛ وَقُولُوا بِالحَقِّ حَيْثُما كُنْتُمْ. وَأَمَّا الخُروجُ عَلَيْهِمْ وَقِتالُهُمْ فَحَرامٌ بِإجْماعِ المُسْلِمينَ وَإنْ كَانُوا فَسَقَةً ظالِمينَ.

 ويقول‌ في‌ تتمّة‌ كلامه‌: وَقَدْ تَظاهَرَتِ الاَحَادِيثُ بِمَعْنَي‌ مَا ذَكَرْتُهُ؛ وَأجْمَعَ أهْلُ السُّنَّةِ أ نَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ السُّلْطانُ بِالفِسْقِ. إلَی أنْ قَالَ: فَلَوْ طَرَأَ عَلَیالخَليفَةِ فِسْقٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ خَلْعُهُ إلاَّ أنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَحَرْبٌ. وَقَالَ جَماهِيرُ أهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ وَالمُتَكَلِّمينَ: لاَيَنْعَزِلُ بِالفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الحُقوقِ، وَلاَيُخْلَعُ، وَلاَيَجوزُ الخُروجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْويفُهُ.

 ثمّ نقل‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ عن‌ التفتازاني‌ّ في‌ « شرح‌ المقاصد » ص‌272 أ نَّه‌: إذا مات‌ الإمام‌ وتصدّي‌ للإمامة‌ مَن‌ يستجمع‌ شرائطها من‌ غيربيعة‌ واستخلاف‌، وقهر الناس‌ بشوكة‌ انْعَقَدَتْ لَهُ الخِلافَةُ، وَكَذا إذَا كَانَ فَاسِقَاً أَوْ جَاهِلاً عَلَیالاَظْهَر.

 قال‌ في‌ البدء: تَصَدَّي‌ لِلإمامَةِ مَنْ يَسْتَجْمِعُ شَرائِطَها؛ حتّي‌ ولو كان‌ بالقهر والقوّة‌. ثمّ قال‌ بعد ذلك‌: حتّي‌ إذا كان‌ غير مستجمع‌ لشرائط‌ الإمامة‌ أيضاً( فلم‌يكن‌ عادلاً ولم‌يكن‌ عالماً)؛ فإذا جاء واستلم‌ الحكومة‌ بقوّة‌ السيف‌، فحكومته‌ وإمامته‌ ممضاة‌ علی الاكثر؛ إلاِّ أ نَّهُ يَعْصي‌ فِيمَا فَعَلَ. وَيَجِبُ طاعَةُ الإمامِ ما لَمْ يُخالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ سَواءٌ كانَ عادِلاً أوْ جائِراً.

 وأضاف‌ قائلاً: إنَّه‌ قد ذكر نظير هذا الامر القاضي‌ الإيجي‌ّ في‌ « المواقف‌ »، وأبو الثناء في‌ « مطالع‌ الانظار »، وكذلك‌ من‌ شرّاح‌ « المواقف‌ »: السيّد الشريف‌ الجرجاني‌ّ، والمولي‌ حسن‌ الچلبي‌ّ، والشيخ‌ مسعود الشيرواني‌ّ، وكذلك‌ الماوردي‌ّ في‌ « الاحكام‌ السلطانيّة‌ »، والجويني‌ّ في‌ « الإرشاد »، والقرطبي‌ّ في‌ تفسيره‌.

كلام‌ الاميني‌ّ حول‌ عواقب‌ الالتزام‌ بمعذوريّة‌ حكّام‌ الجور

 يقول‌ المرحوم‌ الاميني‌ّ: لقد حلّ في‌ الإسلام‌ كلّ هذه‌ المشاكل‌ والمصائب‌ بسبب‌ هذه‌ الروايات‌، ثمّ يقوم‌ بشرح‌ مُشبع‌ عن‌ العواقب‌ الفاسدة‌ لهذا الامر.

 وهذه‌ الروايات‌ التي‌ تقول‌: إنَّ الحاكم‌ إذا كان‌ جائراً فإنَّه‌ لاينعزل‌، ولاحقّ للناس‌ بالاعتراض‌، وحتّي‌ لو قام‌ بضربهم‌ وأخذ أموالهم‌ والاعتداء علی شرفهم‌، فلاحقّ لهم‌ بالخروج‌ عليه‌، وإنَّما عليهم‌ أن‌ يكونوا تحت‌ أمره‌ بالسمع‌ والطاعة‌. كانت‌ نتيجتها مجي‌ء هؤلاء الخلفاء واحداً بعد ا لآخر، وارتكابهم‌ لاي‌ّ جريمة‌ شاؤوا.

 وهنا يكرّر المرحوم‌ الاميني‌ّ القول‌: علی هذا الاساس‌ صار الامر بهذا النحو، وعلی هذا الاساس‌ جرت‌ الاُمور بهذا الشكل‌.

 وَعلی هَذا الاَساسِ تَمَكَّنَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي‌ سُفْيانَ مِنْ أنْ يَجْلِسَ بِالكُوفَةِ لِلبَيْعَةِ وَيُبايِعَهُ النَّاسُ عَلَیالبَراءَةِ مِنْ علی بْنِ أبي‌ طالِبٍ.[8]

 فقد كان‌ هذا هو شرط‌ بيعة‌ معاوية‌، إذ جاء وتسلّط‌ علی الناس‌ بالقوّة‌، وبيعته‌ هذه‌ أيضاً ـ بناءً علی هذه‌ الروايات‌ـ بيعة‌ شرعيّة‌ وممضاة‌، وعلی الناس‌ أيضاً أن‌ يسمعوا ويطيعوا، وبما أ نَّه‌ حكم‌ حاكم‌ فلا حقّ لهم‌ بالخروج‌ عليه‌ وقتاله‌، وعليهم‌ أن‌ يقولوا سمعاً وطاعة‌، وإن‌ كان‌ قد اشترط‌ في‌ بيعته‌ سبّ علیبن‌ أبي‌ طالب‌!

 وعلی هذا الاساس‌ أقرّ عبد الله‌ بن‌ عمر بيعة‌ يزيد الخمور؛ وعندما أراد أهل‌ المدينة‌ نقض‌ بيعة‌ يزيد جمع‌ خدمه‌ وحشمه‌ وأولاده‌ ومعارفه‌ وقال‌: لقد سمعت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يقول‌: ينصب‌ لكلّ غادر لواء يوم‌ القيامة‌. وإنَّ أعظم‌ الغدر نكث‌ البيعة‌، ولست‌ براضٍ أن‌ ينقض‌ أي‌ّ واحد منكم‌ بيعته‌ ليزيد، وإذا قام‌ أحد منكم‌ بذلك‌ فإنَّه‌ ليس‌ منّي‌.

 وعلی هذا الاساس‌ يقوم‌ حميد بن‌ عبد الرحمن‌: دخلت‌ علی يُسَيْر الانصاري‌ّ( أحد صحابة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌) عندما كانوا قد جعلوا يزيدبن‌ معاوية‌ خليفة‌؛ فَقالَ: إنَّهُمْ يَقولونَ: إنَّ يَزيدَ لَيْسَ بِخَيْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأنَا أقولُ ذَلِكَ؛ وَلَكِنْ لإنْ يَجْمَعِ اللَهُ أمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ، أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ يَفْتَرِقَ. قالَ النَّبي‌ُّ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: لاَ يَأْتِيكَ فِي‌ الجَمَاعَةِ إلاَّ خَيْرٌ.[9]

 ثمّ يقوم‌ المرحوم‌ الاميني‌ّ بنقل‌ عدّة‌ قضايا أُخري‌ في‌ هذا النحو، إلی أن‌ يصل‌ حيث‌ يقول‌: وَعلی هَذا الاَساسِ يَتِمُّ اعْتِذارُ شِمْرِبْنِ ذِي‌ الجَوْشَنِ قاتِلِ الإمامِ السِّبْطِ فيما رَواهُ أبو إسْحَقَ.

دفاع‌ الشمر عن‌ فعله‌ مستنداً إلی رواياتهم‌ في‌ وجوب‌ طاعة‌ الولاة‌

 عندما قتل‌ الشمر الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌، اعتذر بهذا العذر قائلاً: إنَّه‌ أمر الو إلی، وإنَّ ولاتنا المعيّنين‌ لنا قد أمروني‌ بذلك‌، وأمر الو إلی واجب‌ الطاعة‌. بناء علی هذا، فلسنا في‌ قتل‌ الإمام‌ الحسين‌ غيرمُذنبين‌ فحسب‌، بل‌ وسننال‌ الثواب‌ بسبب‌ إطاعتنا لامر الو إلی..

 يروي‌ أبو إسحاق‌: كانَ شِمْرُ بْنُ ذِي‌ الجَوْشَنِ يُصَلِّي‌ مَعَنا ثُمَّ يَقولُ: اللَهُمَّ إنَّكَ شَريفٌ تُحِبُّ الشَّرَفَ، وَإنَّكَ تَعْلَمُ أ نِّي‌ شَريفٌ فَاغْفِرْ لي‌! قُلْتُ: كَيْفَ يَغْفِرُ اللَهُ لَكَ وَقَدْ أعَنْتَ عَلَیقَتْلِ ابْنِ رَسولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ؟!

 قَالَ: وَيْحَكَ! كَيْفَ نَصْنَعَ؟ إنَّ أُمَراءَنا هَؤُلاَءِ أمَرُونَا بِأَمْرٍ فَلَمْ نُخالِفْهُمْ؛ وَلَوْ خالَفْناهُمْ كُنَّا شَرَّاً مِنْ هَذِهِ الحُمُرِ الشِّقَاةِ.[10]

 وفي‌ لفظ‌ آخر يقول‌ الشمر: اللَهُمَّ اغْفِرْ لي‌ فَإنِّي‌ كَريمٌ، لَمْتَلِدْني‌ اللِئَامُ! فَقُلْتُ لَهُ: إنَّكَ لَسَيِّي‌ُ الرَّأْي‌ِ وَالفِكْرِ! تُسارِعُ إلَی قَتْلِ ابْنِ بِنْتِ رَسولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ وَتَدْعُو بِهَذا الدُّعاءِ؟! فَقالَ: إلَيْكَ عَنّي‌! فَلَوْ كُنَّا كَمَا تَقولُ أنْتَ وَأصْحابُكَ لَكُنَّا شَرَّاً مِنَ الحُمُرِ في‌ الشِّعَابَ.[11]

 هذه‌ جملة‌ من‌ الروايات‌ التي‌ نُقلت‌ عن‌ أهل‌ السنّة‌؛ فلنرَ ا لآن‌ إلی أين‌ ينتهي‌ هذا النمط‌ من‌ التفكير بالاُمّة‌ الإسلاميّة‌، و إلی أين‌ يسير بها؟ وما الذي‌ سيحلّ علی الإسلام‌ والمسلمين‌؟ وكيف‌ سيقوم‌ ولاة‌ الامر بإدارة‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌، وعملهم‌ بمنهج‌ معاكس‌ لمنهج‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، الذي‌ جعل‌ الطاعة‌ منحصرة‌ في‌ اتّباع‌ الحقّ؟

 وإنَّما يُتّبع‌ كلام‌ المعصوم‌ لانطباقه‌ علی الحقّ لا لموضوعيّته‌، ونحن‌ إنَّما نقبل‌ كلام‌ المعصوم‌ لا نَّه‌ معصوم‌ وعين‌ الحقّ، وإلاّ فلاموضوعيّة‌ لكلام‌ أي‌ٍّ كان‌ في‌ مقابل‌ الحقّ. وهذه‌ كلّها أمارات‌ وطرق‌.

 وا لآن‌ مع‌ وجود حديث‌ الغدير وحديث‌ الثقلين‌ وحديث‌ المنزلة‌ وأمثال‌ ذلك‌، فهل‌ يكون‌ هناك‌ معني‌ لقولهم‌: اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنا أُمَراءَ؟!

 فالله‌ تع إلی يقول‌ لهؤلاء: يا أيُّها الكاذبون‌! هل‌ جعلت‌ عليكم‌ هؤلاء الاُمراء أئمّة‌ وخلفاء، وقلت‌ لكم‌ لا تثريب‌ عليكم‌ في‌ كلّ ظلم‌ يقومون‌ به‌؟! فسوف‌ تطالبون‌ أنتم‌ أيضاً يوم‌ القيامة‌ بادّعائكم‌ أنَّ هؤلاء قد ظلموكم‌، وخروجكم‌ عن‌ الدين‌ اتّباعاً لهم‌، وبادّعاء أنَّ الله‌ هو الذي‌ أمركم‌ بإطاعتهم‌، وأ نَّه‌ المسؤول‌ عن‌ جميع‌ هذه‌ المظالم‌!

 ومن‌ هنا يتّضح‌ السرّ في‌ مدي‌ قلق‌ الدول‌ الاجنبيّة‌ من‌ التشيّيع‌ بشكل‌ خاصّ وعدم‌ خشيتهم‌ من‌ أهل‌ السنّة‌! لِمَ؟ لانَّ حكومة‌ أهل‌ السنّة‌ حكومة‌ وضعيّة‌ وغيرأصيلة‌ وقد أقرّوا هم‌ هذا الشكل‌، لانَّ الولاة‌ الذين‌ يطلبونهم‌ هم‌ كولاة‌ السنّة‌، ممّن‌ يأمرون‌ الناس‌ بكلّ شي‌ء يُريدونه‌. ويعتبرهم‌ الناس‌ أُولي‌ الامر.

 لكنَّ ذلك‌ المذهب‌ الملتزم‌ بالحقّ، والذي‌ لا يرضي‌ بأدني‌ تجاوز لحدود الحقّ، هو مذهب‌ الشيعة‌ الذي‌ يقول‌ بلزوم‌ جعل‌ الحقّ ميزاناً لجميع‌ الاُمور، والرضا بالحقّ أينما كان‌، والابتعاد عن‌ أي‌ّ انحراف‌ حيثما كان‌، وأنَّ علی الحاكم‌ الرجوع‌ عن‌ حكمه‌ فيما إذا حكم‌ وكان‌ في‌ حكمه‌ أي‌ّ اشتباه‌، وإلاّ فهو مسؤول‌، وعلی القاضي‌ أن‌ يرجع‌ عن‌ حكمه‌، وعلی مرجع‌ التقليد أن‌ يرجع‌ عن‌ فتواه‌ بمجرّد التفاته‌ إلی اشتباهه‌، وإلاّ فهو في‌ جهنّم‌.

 وقد نقلنا عبارة‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ينهي‌ فيها عن‌ الثناء عليه‌،ويقول‌ فيها بأنَّ كلّ هذه‌ الجهود المضنية‌ التي‌ يبذلها إنَّما هي‌ للخروج‌ من‌ عهدة‌ المسؤوليّات‌ الملقاة‌ علی عاتقه‌ من‌ الله‌ تع إلی تجاه‌ الناس‌؛ ويبيِّن‌ فيها أ نَّه‌ لم‌يتمكّن‌ حتّي‌ ا لآن‌ من‌ أداء حقوق‌ الناس‌ والخروج‌ من‌ عهدة‌ الفرائض‌! فعلامَ يثنون‌ عليه‌؟!

 وعلی كلّ تقدير، فمن‌ الواضح‌ لنا أ نَّه‌: لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي‌ مَعْصِيَةِ الخَالِقِ، وَلاَطَاعَةَ لِمَنْ عَصَي‌ اللَهَ، وأمثال‌ هذه‌ العبارات‌ التي‌ وردت‌ عن‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الدالّة‌ علی لزوم‌ كون‌ أوامر ونواهي‌ الحاكم‌( الذي‌ يحكم‌ باسم‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ بأي‌ّ صورة‌ وكيفيّة‌ كانت‌) غيرمخالفة‌ للشرع‌، وإلاّ فاعتبارها ساقط‌، ولا ينبغي‌ تنفيذها.

الحقّ الثاني‌ للو الی علی الرعيّة‌: حقّ النصح‌

 والحقّ الثاني‌ الذي‌ للو إلی علی الرعيّة‌، وللحاكم‌ والدولة‌ الإسلاميّة‌ علی الاُمّة‌ ـوعلی جميع‌ أبناء الاُمّة‌ أن‌ يحترموا هذا الحقّ بالنسبة‌ للجهاز الحاكم‌، سواء كان‌ لنفس‌ الحاكم‌ أم‌ لموظّفيه‌ ومَن‌ يندبه‌ـ هو حقّ النُّصح‌.

 والنصح‌ يعني‌ إرادة‌ الخير، فعلی الناس‌ أن‌ يكونوا مُريدين‌ لخير الحكومة‌، ومُحبّين‌ وأعوان‌ ومساعدين‌ لحكومة‌ الإسلام‌ عن‌ صدق‌ وصفاء وواقعيّة‌. وقد تكرّر ذكر كلمة‌ النصح‌ في‌ القرآن‌ المجيد والاحاديث‌ النبويّة‌. وهذه‌ الكلمة‌ أفضل‌ بمراتب‌ من‌ كلمتي‌ لُوياليسم‌ [12] و نياليسم‌، وتعنيان‌ الولاء والإخلاص‌ للدولة‌ زمن‌ الثورة‌؛ وكلمة‌ آليجَنس‌ [13] التي‌ تعني‌ في‌ الإنجليزيّة‌ الوفاء والبيعة‌.

 لقد استعمل‌ الإسلام‌ النصح‌ وبيَّن‌ هذه‌ الحقيقة‌ بشكل‌ لطيف‌ وجميل‌ جدّاً، وقال‌: علی الاُمّة‌ أن‌ تكون‌ نصوحة‌ ومخلصة‌ لمسؤوليها في‌ حكومة‌ الإسلام‌، كالاب‌ في‌ نصحه‌ وعطفه‌ علی ولده‌ لما فيه‌ خيره‌، ويستفاد هذا الحقّ من‌ الخطبة‌ 14 حول‌( حقّ الو إلی علی الرعيّة‌).

 يقول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: وَلَكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَهِ عَلَیالعِبَادِ، النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ. فلم‌ يقل‌ عليه‌ السلام‌ عليهم‌ أن‌ ينصحوا فحسب‌، بل‌ قال‌: بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ؛ أي‌ عليهم‌ أن‌ يعملوا بكلّ طاقاتهم‌ لإصلاح‌ الاُمّة‌.

 عندما يمرض‌ الابن‌ فمن‌ الممكن‌ أن‌ يأمر الاب‌ بإرساله‌ إلی طبيب‌، كما أنَّ من‌ الممكن‌ أيضاً أن‌ يذهب‌ الاب‌ بنفسه‌ فيأخذه‌ إلی الطبيب‌، وأحياناً يمكن‌ أن‌ يكون‌ المرض‌ خطيراً بشكل‌ يعمل‌ فيه‌ الاب‌ علی نجاة‌ ولده‌ بمختلف‌ الطرق‌ والوسائل‌، فينهض‌ من‌ فراشه‌ منتصف‌ الليل‌ ويتحمّل‌ كلّ الصعاب‌ من‌ أجل‌ سلامة‌ طفله‌، وهو ما يسمّي‌ بـ: مَبلَغ‌ الجُهْد؛ أي‌ حيث‌ لايتواني‌ عن‌ بذل‌ أي‌ّ جهد أو القيام‌ بأيّة‌ حركة‌، مادام‌ فيه‌ عِرق‌ ينبض‌ وهو قادر.

 وجاءت‌ آية‌: فَأَعْرِضْ عَن‌ مَّن‌ تَوَلَّي‌' عَن‌ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَو'ةَ الدُّنْيَا* ذَ ' لِكَ مَبْلَغُهُم‌ مِّنَ الْعِلْمِ [14] بهذا المعني‌ أيضاً. أي‌ علی الاُمّة‌ أداء النصيحة‌ بكلّ ما يمكن‌، سواء باللسان‌ أم‌ بالقلم‌ أم‌ بالعمل‌، ولاينبغي‌ الاكتفاء بذكر مساوي‌ الحاكم‌ وما في‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ من‌ نواقص‌ وأمثال‌ ذلك‌. فلو نُسب‌ لابن‌ أحدكم‌ عيوباً معيّنة‌، فهل‌ تنشرونها وتشيعونها بين‌ الناس‌، أم‌ تحاولون‌ التستّر عليها وتسعون‌ لإظهار محاسنه‌ وإصلاحه‌ قولاً وفعلاً؟ فعلی الاُمّة‌ أن‌ تسعي‌ لإصلاح‌ الحكومة‌؛ وهذا هو معني‌ مبلغ‌ الجهد.

الحقّ الثالث‌ للو الی علی الرعيّة‌: التعاون‌

 والحقّ الثالث‌ للو إلی علی الرعيّة‌: التعاون‌؛ فعلی الاُمّة‌ أن‌ تُعِين‌ الحاكم‌ في‌ تنفيذ غاياته‌ وأهدافه‌ الإسلاميّة‌( تلك‌ الاهداف‌ التي‌ ترشح‌ عن‌ فكره‌) فعلی الاُمّة‌ أن‌ تسعي‌ لتحقيق‌ تلك‌ الاهداف‌ وتبذل‌ الجهود لذلك‌؛ وهو حقّ للو إلی علی الرعيّة‌.

 وقد ورد هذا الحقّ أيضاً في‌ الخطبة‌ 214، وكذلك‌ في‌ الخطبة‌ 34. أمّا في‌ الخطبة‌ 214 فيقول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: وَالتَّعَاوُنُ عَلَیإقَامَةِ الحَقِّ بَيْنَهُمْ؛ وأمّا في‌ الخطبة‌ 34، فقد ذكر ذلك‌ بعنوان‌: الوَفَاءُ بِالبَيْعَةِ. ومع‌ أ نَّه‌ قد ذكر الإطاعة‌ والسمع‌ بعبارة‌: وَالإجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، لكنّه‌ لم‌يذكر التعاون‌ بهذا التعبير، وإنّما قال‌: علی الاُمّة‌ أن‌ تكون‌ وفيّة‌ في‌ بيعتها للحاكم‌، الذي‌ هو أنا.

 ويختلف‌ عنوان‌ الوفاء بالبيعة‌ عن‌ عنوان‌ التعاون‌، وإن‌ كانت‌ حقيقتهما واحدة‌. فالبيعة‌ للحاكم‌ تعني‌ بيع‌ الروح‌( باع‌ يبيع‌ من‌ باع‌ يبيعُ بَيْعاً). فالبائع‌ يبيع‌ نفسه‌ وروحه‌ وإرادته‌ وشخصيّته‌ وتصرّفه‌ للحاكم‌، ويجعل‌ إرادة‌ واختيار الحاكم‌ فوق‌ إرادته‌ واختياره‌، ويتخلّي‌ عن‌ ذلك‌ فيما يقوم‌ به‌ من‌ أعمال‌ ونشاطات‌ تنفيذاً لاوامر ونواهي‌ الحاكم‌ وتطبيقاً لمشيئته‌. وهذا هو المعني‌ التطبيقي‌ّ للبيعة‌. فالوفاء بالبيعة‌ يعني‌ قبول‌ رأي‌ واختيار الحاكم‌ كيفما كان‌ وارتضاءه‌ بالقلب‌ والروح‌. وهذا هو معني‌ التعاون‌ في‌ الاُمور الحكوميّة‌، سواء الجزئيّة‌ منها أم‌ الكلّيّة‌، والذي‌ هو في‌ عهدة‌ جميع‌ الاُمّة‌ من‌ أجل‌ حفظ‌ كيان‌ الإسلام‌، وحفظ‌ شخصيّة‌ الحاكم‌، وتنفيذ البرامج‌ التي‌ يريدها.

 هذه‌ هي‌ الحقوق‌ الثلاثة‌ التي‌ للو إلی علی الرعيّة‌، وثمّة‌ ثلاثة‌ حقوق‌ أُخري‌ للرعيّة‌ علی الو إلی، يأتي‌ التعرّض‌ لها إن‌ شاء الله‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ

 

 للرعيّة‌ علی الو إلی ثلاثة‌ حقوق‌:

 الاوّل‌: حفظ‌ أرواحهم‌ وأموالهم‌ وأعراضهم‌.

 الثاني‌: حقّ الحرّيّة‌ في‌ الوسيلة‌ والهدف‌ للمسلمين‌، وكذا الحال‌ بالنسبة‌ لليهود والنصاري‌ الذين‌ هم‌ في‌ ذمّة‌ الحاكم‌ الإسلامي‌ّ ما لم‌يتآمروا علی الحكومة‌.

 الثالث‌: حقّ الرعاية‌ والحماية‌ لاجسامهم‌ وأرواحهم‌.

 أمّا الحقّ الاوّل‌، الذي‌ هو حفظ‌ أرواحهم‌ وأموالهم‌ وأعراضهم‌ فيدلّ عليه‌ الخطب‌ الواردة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ عرفات‌ ومِني‌.

خطبة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ عرفات‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌

 نصب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ خيمته‌ في‌ حِجّة‌ الوداع‌ في‌ اليوم‌ التاسع‌( عرفة‌) في‌ نَمِرَة‌ [15] وعند زوال‌ الشمس‌ حيث‌ لابدّ للحجّاج‌ أن‌ يكونوا في‌ عرفات‌، طلب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ناقته‌ القَصْواءِ[16] فامتطاها وسار بها إلی أن‌ وصل‌ إلی وسط‌ وادي‌ عرفات‌، ثمّ وجّه‌ خطابه‌ إلی الناس‌ قائلاً:

 إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي‌ شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي‌ بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلاَ كُلُّ شَي‌ءٍ مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌؛ وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ؛ وَإنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةِبْنِ الحَارِثِ؛ وَكَانَ مُسْتَرْضِعاً فِي‌ بَنِي‌ سَعْدٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌ. وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ؛ وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَإنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ. [17]

 وتدل‌ هذه‌ الرواية‌ الشريفة‌ بنحو النصّ علی حرمة‌ دم‌ المسلم‌ وماله‌، إلی الحدّ الذي‌ يقول‌ فيه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: إنَّ حرمته‌ كحرمة‌ شهر ذي‌الحجّة‌ وكحرمة‌ الحرم‌ ـوالذي‌ هو مكان‌ محترم‌ ولايجوز القيام‌ فيه‌ بأعمال‌ وتصرّفات‌ كثيرة‌ يجوز ارتكابها في‌ مكان‌ آخرـ وكحرمة‌ يوم‌ عرفة‌ الذي‌ لايحقّ لاحد فيه‌ أن‌ يعتدي‌ علی أموال‌ ونفوس‌ ا لآخرين‌؛ أيَّاً مَا كَانَ.

 ولذلك‌ نجد فقهاءنا رضوان‌ الله‌ عليهم‌، بل‌ فقهاء أهل‌ السنّة‌ الذين‌ ينقلون‌ ويقبلون‌ هذه‌ الروايات‌ أيضاً، يعتبرون‌ حفظ‌ أموال‌ المسلمين‌ وأرواحهم‌ من‌ الاُصول‌ المسلّمة‌. فعلی الو إلی والحاكم‌ أن‌ يحافظ‌ علی أموال‌ ودماء المسلمين‌. أي‌ من‌ مسؤوليّات‌ الحكومة‌ أن‌ لا تسمح‌ بهدر دماء المسلمين‌ وتلف‌ أموالهم‌؛ فإذا سُفِك‌ دم‌ ما فالدولة‌ هي‌ المسؤولة‌ عن‌ ذلك‌، إذ عليها ألاّتسمح‌ بسفك‌ دماء أبناء الشعب‌. فحراسة‌ الشعب‌ والمحافظة‌ عليه‌ من‌ مسؤوليّات‌ الدولة‌، ولهذه‌ المهام‌ تمّ تأسيس‌ القوّات‌ المسلّحة‌ وجهاز الشرطة‌ في‌ حكومة‌ الإسلام‌، وعلی أساس‌ توجيه‌ رسول‌الله‌ القاضي‌ بلزوم‌ حفظ‌ دماء الناس‌.

 وكذا يجب‌ المحافظة‌ علی أموالهم‌ وعدم‌ السماح‌ بسرقتها؛ فالحاكم‌ الإسلامي‌ّ مكلّف‌ بأن‌ يُبادر إلی الاقتصاص‌ بشكل‌ فوري‌ّ فيما إذا سفك‌ دم‌ أحد ما، و إلی إقامة‌ الحدّ علی السارق‌ وقطع‌ يده‌ ـفيما لو تحقّقت‌ شرائط‌ الحدّـ حين‌ ارتكابه‌ للسرقة‌، ليشعر الناس‌ بأمان‌ كامل‌ علی أرواحهم‌ وأموالهم‌، ويعيشوا في‌ طمأنينة‌ في‌ أي‌ّ مكان‌ وظرف‌ كانوا، في‌ الصحاري‌ والبحار، وفي‌ منازلهم‌ وأوطانهم‌، وفي‌ سفرهم‌ وحضرهم‌؛ فهذا من‌ وظائف‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌.

 أمّا الربا فإنَّه‌ ليس‌ من‌ الاموال‌، لما قام‌ به‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ إسقاط‌ جميع‌ الاموال‌ التي‌ كانت‌ في‌ ذمم‌ الناس‌ بصفة‌ ربح‌ وفائدة‌ من‌ جرّاء القروض‌ الممنوحة‌ في‌ الجاهليّة‌. ولتطبيقه‌ هذا الحكم‌ علی العبّاس‌ أوّلاً الذي‌ كان‌ يرابي‌ ويأخذ الفوائد من‌ الناس‌ علی قروضه‌. فالواجب‌ أداء أصل‌ المال‌ فقط‌؛ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَ ' لِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَتُظْلَمُونَ. [18]

 فعلی حكومة‌ الإسلام‌ أن‌ تُقيم‌ معاملاتها واقتصادها علی أساس‌ لاَتَظْلِمُونَ وَلاَتُظْلَمُونَ. والربا حرام‌ حتّي‌ لو كان‌ درهماً واحداً. وجميع‌ الانظمة‌ المصرفيّة‌ التي‌ تعتمد الربا والفوائد علی المال‌ مرفوضة‌ ومخالفة‌ للاُصول‌ الإسلاميّة‌ المسلّمة‌، حتّي‌ لو كانت‌ بنسبة‌ واحد في‌ المائة‌ أو أقلّ من‌ ذلك‌.

 ودماء المواطنين‌ في‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ وأرواحهم‌ محترمة‌، سواء كان‌ انتماؤهم‌ بعنوان‌ الإسلام‌ أو بعنوان‌ ذمّة‌ الإسلام‌. وبالطبع‌، وكما بيّنا سابقاً، فدية‌ المسلم‌ تختلف‌ عن‌ دية‌ الذمّي‌ّ، ولا يمكننا القول‌ بأنَّ اليهود والنصاري‌ متساوون‌ مع‌ المسلمين‌ في‌ جميع‌ الحقوق‌ وحتّي‌ في‌ قيمة‌ أرواحهم‌ بمجرّد كونهم‌ في‌ ذمّة‌ الإسلام‌ ويعيشون‌ في‌ بلد الإسلام‌، وبمجرّد انتماء أُولئك‌ للبلد الإسلامي‌ّ.

 فقيمة‌ نفس‌ المسلم‌ في‌ دية‌ الخطأ ـأو قتل‌ العمد إذا تمّ التنازل‌ إلی الدية‌ـ تساوي‌ ألف‌ دينار مسكوك‌ من‌ الذهب‌؛ بينما دية‌ الذمّي‌ّ تساوي‌ ثمانمائة‌ درهم‌، أي‌ أقلّ من‌ عشر دية‌ المسلم‌. فمن‌ مسؤوليّات‌ الحكومة‌ حفط‌ أرواح‌ المسلمين‌ وأهل‌ الذمّة‌ الذين‌ هم‌ في‌ ذمّة‌ الإسلام‌، ويجب‌ علی الحاكم‌ ألاّيسمح‌ بقتل‌ مسلم‌ أو ذمّي‌ّ. وأمّا من‌ لايعيش‌ في‌ ذمّة‌ الإسلام‌ فليس‌له‌ قيمة‌، ودمه‌ أيضاً غير محترم‌.

 نجد أنَّ فقهاءنا رضوان‌ الله‌ عليهم‌ قد تمسّكوا في‌ كتبهم‌ الفقهيّة‌ بحديث‌: النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَیأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.

 أي‌ ليس‌ لاحد أن‌ يُجبر آخراً علی عمل‌، أو أن‌ يسفك‌ دمه‌، أو يأكل‌ ماله‌، أو يأمره‌( قهراً أو كرهاً) بصرف‌ ماله‌ في‌ مجال‌ خاصّ.

 ويقول‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: إنَّ دماءكم‌ وأموالكم‌ محترمة‌ مثل‌ هذا اليوم‌( عرفة‌). أي‌ هي‌ محترمة‌ بأعلی درجات‌ الاحترام‌. وكما ليس‌ لاحد أن‌ يأخذ مال‌ شخص‌ آخر ويصادره‌ ويتصرّف‌ فيه‌، فكذلك‌ ليس‌ له‌ أن‌ يجبر صاحب‌ ذلك‌ المال‌ علی صرف‌ ماله‌ في‌ طريق‌ خاصّ كإيجار بيته‌ مثلاً لشخص‌ معيّن‌، أو بيعها بقيمة‌ أقلّ من‌ قيمة‌ السوق‌، أو تسليمها إلی فلان‌ من‌ الناس‌. وبشكل‌ عامّ، فكلّ شي‌ء يخالف‌ إطلاق‌ الرواية‌ مرفوع‌ بحديث‌ النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَیأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.

 وهنا لابدّ من‌ وقفة‌، إذ: هل‌ هذه‌ الرواية‌ هي‌ عين‌ الرواية‌ الواردة‌ عن‌ المعصوم‌ عليه‌ السلام‌؟ أو هي‌ مفاد ومضمون‌ نفس‌ خطبة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ حيث‌ يقول‌: أَمْوَالُكُمْ وَأَنْفُسُكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا؟

 والنتيجة‌ واحدة‌ علی كلا التقديرين‌، لكنّ نفس‌ هذه‌ الرواية‌ قد رويت‌ في‌ بعض‌ كتب‌ العامّة‌ بهذا اللفظ‌ عن‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وقد تلقّاها أصحابنا أيضاً بالقبول‌، ولذا ذكروها في‌ كتبهم‌ الفقهيّة‌، وعلی الرغم‌ من‌ عدم‌ وجود سند لهذه‌ العبارة‌ عن‌ المعصوم‌ عند الخاصّة‌، ولكنّ فقهاءنا قبلوها وعملوا بها؛ وذلك‌ لا نَّا لا نردّ جميع‌ الروايات‌ المنقولة‌ عن‌ العامّة‌، بل‌ نقبل‌ الروايات‌ التي‌ تكون‌ مقبولة‌ ومطمئنّة‌. وهذه‌ الرواية‌ من‌ تلك‌ الروايات‌ القابلة‌ للقبول‌. هذا مع‌ ما للخطب‌ الواردة‌ عن‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ عرفات‌ التي‌ تؤيّد هذا المطلب‌.

خطبة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ مني‌ بعد تركه‌ عرفات‌

 وأمّا خطبة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ مني‌، فهي‌ شاهد علی كلامنا أيضاً. فحين‌ توجّه‌ النبي‌ّ من‌ عرفات‌ إلی مني‌ أردف‌ الفضل‌بن‌ العبّاس‌ خلفه‌، وعندما وصلوا إلی وادي‌ مُحَسِّر حرّك‌ ناقته‌ قليلاً وسار من‌ الطريق‌ المنتهية‌ إلی جمرة‌ العقبة‌ إلی أن‌ وصل‌ إلی هناك‌، وبعد رمي‌ جمرة‌ العقبة‌، وحينما كان‌ النبي‌ّ بين‌ الجمرات‌ ركب‌ ناقته‌ أو بغلته‌ الشهباء وأنشأ هناك‌ خطبة‌ مطوّلة‌، وهي‌ الخطبة‌ المعروفة‌ والمشهورة‌ لرسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ التي‌ تبدأ بـ:

 نَضَّرَ اللَهُ وَجْهَ عَبْدٍ سَمِعَ مَقَالَتِي‌ فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا ثُمَّ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْيَسْمَعْهَا؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيْهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَی مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلاَثٌ لاَيَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِي‌ٍ مُسْلِمٍ: إخْلاَصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لاِئِمَّةِ الحَقِّ، واللُزُومُ لِجَمَاعَةِ المُؤْمِنِينَ؛ فَإنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ.

 ثمّ قال‌: لَعَلَّكُمْ لاَ تَلْقَوْنَنِي‌ عَلَیمِثْلِ حَ إلی هَذِهِ وَعَلَيْكُمْ هَذَا! هَلْ تَدْرُونَ أَي‌ُّ بَلَدٍ هَذَا؟ وَهَلْ تَدْرُونَ أَي‌ُّ شَهْرٍ هَذَا؟ وَهَلْ تَدْرُونَ أَي‌ُّ يَوْمٍ هَذَا؟!

 فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ! هَذَا البَلَدُ الحَرَامُ، وَالشَّهْرُ الحَرَامُ، وَاليَوْمُ الحَرَامُ.

 قَالَ: فَإنَّ اللَهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا! أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟! قَالُوا: نَعَمْ!

 قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: وَاتَّقُوا اللَهَ «وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَتَعْثَوْا فِي‌ الاْرْضِ مُفْسِدِينَ»[19]. فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا!

 فيدعو هنا أيضاً إلی حفظ‌ المال‌ وحدوده‌، و إلی تقوي‌ الله‌ وإعطاء الناس‌ حقوقها وأملاكها وعدم‌ البخس‌ والنقصان‌ في‌ ردّ أموال‌ الناس‌ وإعطائها في‌ المعاملات‌ وفي‌ دفعها بنحو كامل‌ لهم‌، وعدم‌الفساد في‌ الارض‌، و إلی لزوم‌ ردّ الامانات‌ لاصحابها.

هدر دماء الجاهليّة‌ والربا المأخوذ في‌ ذلك‌ الزمان‌

 ثُمَّ قَالَ: النَّاسُ فِي‌ الإسْلاَمِ سَوَاءٌ. النَّاسُ طَفُّ الصَّاعِ لآدَمَ وَحَوَّاءَ. لاَفُضِّلَ عَرَبِي‌ٌّ عَلَیعَجَمِي‌ٍّ وَلاَ عَجَمِي‌ٌّ عَلَیعَرَبِي‌ٍّ إلاَّ بِتَقْوَي‌ اللَهِ! أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَد!

 ثُمَّ قَالَ: كُلُّ دَمٍ كَانَ فِي‌ الجَاهِلِيَّةِ، مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌. وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ، دَمُ آدَمَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ وَكَانَ آدَمُبْنُ رَبِيعَةَ مُسْتَرْضِعاً فِي‌ هُذَيْلٍ، فَقَتَلَهُ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ؛ وَقِيلَ: فِي‌ بَنِي‌ لَيْثٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌ. أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟! قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 وعلی كلّ تقدير، فبما أنَّ ابن‌ عمّي‌ هذا عندما قُتل‌ كان‌ مُشركاً ولم‌يؤخذ بثأره‌ إلی ا لآن‌ فلا حقّ لاوليائه‌ الذين‌ هم‌ أولياء الدم‌ من‌ ا لآن‌ فصاعداً بالاقتصاص‌ من‌ الذين‌ قتلوه‌ بعد أن‌ دخلوا في‌ الإسلام‌، فقد سفك‌ دمه‌ في‌ الشرك‌، وقتلته‌ ا لآن‌ مسلمون‌، ودم‌ المشرك‌ مهدور؛ فلايمكن‌ أخذ الدية‌ من‌ المسلم‌ مقابل‌ دم‌ المشرك‌. ولذا، تسقط‌ الدية‌.

 ثُمَّ قَالَ: وَكُلَّ رِباً كَانَ فِي‌ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌؛ وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُهُ رِبَا العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟! قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ![20]

 كما نلاحظ‌ هنا أنَّ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قد اعتبر دم‌ المسلم‌ وماله‌ محترماً بالنحو الذي‌ بيّنه‌ في‌ خطبة‌ عرفات‌ وبنفس‌ الشكل‌ الذي‌ استشهد به‌؛ فدم‌ غير المسلم‌ وماله‌ غير محترمين‌ مادام‌ لم‌يدخل‌ في‌ عهدة‌ الإسلام‌. بينما دماء وأموال‌ المشركين‌ الذين‌ يدخلون‌ في‌ عهدة‌ الإسلام‌ ـبواسطة‌ المعاهدة‌ـ لها قيمة‌ ومحفوظة‌، إذ إنَّ عنوان‌ المعاهدة‌ يجعل‌ المسلمين‌ متعهّدين‌ بحفظ‌ دم‌ الكفّار، فكلّ مشرك‌ يدخل‌ في‌ ذمّة‌ الإسلام‌ فدمه‌ وماله‌ محترمان‌ علی أساس‌ تلك‌ المعاهدة‌. أمّا في‌ غير هذه‌ الصورة‌ فغيرالمسلم‌ وإن‌ لم‌ يُعاهد، فليس‌ له‌ أي‌ّ احترام‌ أو قيمة‌.

 إنَّ قيمة‌ الاشخاص‌ عند الله‌ بإيمانهم‌ وإسلامهم‌، فمن‌ لايؤمن‌ بالله‌ والإسلام‌ مثله‌ كمثل‌ البهائم‌، حتّي‌ أ نَّه‌ لا يجب‌ دفن‌ جسده‌ أيضاً فيما لو سقط‌ ميّتاً في‌ الصحراء، ويبقي‌ هناك‌ إلی أن‌ يذوب‌ بحرّ الشمس‌ أو تفترسه‌ الحيوانات‌، مثله‌ في‌ ذلك‌ كمثل‌ الحيوان‌ الميّت‌.

 فالإسلام‌ هو الشي‌ء الوحيد الذي‌ يمنح‌ الإنسان‌ قيمة‌ ويجعله‌ صاحب‌ شرف‌، وجميع‌ المسلمين‌، عالمهم‌ وجاهلهم‌، كبيرهم‌ وصغيرهم‌، أسودهم‌ وأبيضهم‌، طفلهم‌ الرضيع‌ وعجوزهم‌ متساوون‌ من‌ حيث‌ قيمة‌ الدم‌. فلو قتل‌ شيخ‌ عجوز طفلاً رضيعاً حديث‌ الولادة‌ وهو عالم‌ ومتعمّد، فإنَّ أولياء الدم‌ يستطيعون‌ قتل‌ ذلك‌ الشيخ‌ العجوز، وإن‌ امتلك‌ الاموال‌ الطائلة‌ والعلم‌ الوفير والجاه‌ العظيم‌. فدماء الجميع‌ متساوية‌، وشرف‌ الإسلام‌ يعطي‌ القيمة‌ للمنتمي‌ إليه‌.

 يقول‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: إنَّ جميع‌ الناس‌ من‌ آدم‌، وهم‌ كطفّ الصاع‌. فعندما يُملا الوعاء لا يبقي‌ فيه‌ موضع‌ أو مجال‌، والناس‌ أيضاً من‌ جهة‌ انتسابهم‌ لآدم‌ وحوّاء متساوون‌، وهم‌ عند الله‌ في‌ ذلك‌ كطفّ الصاع‌. فالذي‌ يُميّزهم‌ ويفضّل‌ بعضهم‌ علی بعض‌ هو الإسلام‌ والإيمان‌ والتقوي‌. ولذا، يفقد الكفّار والمشركون‌ القيمة‌ لعدم‌إيمانهم‌ بالمبدأ.

 فالسيّد والخادم‌ متساويان‌ في‌ القيمة‌ والدم‌. كما أنَّ أموالهم‌ متساوية‌ القيمة‌. فإذا ارتبط‌ السيّد مع‌ خادمه‌ في‌ معاملة‌، فلا يمكنه‌ أن‌ يعطيه‌ مقداراً معيّناً ويأخذ منه‌ ضعف‌ ذلك‌، فهذا لا يجوز وإن‌ كانت‌ المعاملة‌ مع‌ خادمه‌، لانَّ الربا في‌ المكيل‌ والموزون‌ حرام‌، ويجب‌ أن‌ يُراعي‌ الكيل‌ والوزن‌، وتتمّ المعاملة‌ بكيل‌ ووزن‌ متساويين‌. والدماء أيضاً متساوية‌؛ فلو قامت‌ السيّدة‌ بقتل‌ خادمتها مثلاً، فبإمكان‌ أولياء الدم‌ الاقتصاص‌ من‌ نفس‌ السيّدة‌ ويقتلونها في‌ مقابل‌ قتلها للخادمة‌. وهذا حكم‌ عامّ، وعلی الولي‌ّ الفقيه‌ وعلی الدولة‌ الإسلاميّة‌ أن‌ يحافظا علی جميع‌ المسلمين‌ ويحموهم‌ علی ضوء ما ذكرناه‌.

لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِي‌ٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِإحْدَي‌ ثَلاَثٍ

 لكنَّ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قد استثني‌ حرمة‌ دم‌ المسلمين‌ في‌ ثلاثة‌ موارد، إذ يجوز قتل‌ المسلم‌ فيها، وهي‌: الاوّل‌: الارتداد، والثاني‌: زنا المُحْصِنَة‌، والثالث‌: القصاص‌.[21]

 يروي‌ الفرّاء في‌( الاحكام‌ السلطانيّة‌) عن‌ عبد الله‌ بن‌ مسعود، عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أ نَّه‌ قال‌:

 لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِي‌ٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِإحْدَي‌ ثَلاَثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إيْمَانٍ، وَزِناً بَعْدَ إحْصَانٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ. [22]

 فيحرم‌ سفك‌ دم‌ الرجل‌ المسلم‌ أو المرأة‌ المسلمة‌ إلاّ بإحدي‌ ثلاثة‌ أُمور:

 الاوّل‌: الكفر بعد الإيمان‌، بأن‌ يرتدّ الإنسان‌ بعد إسلامه‌، وذلك‌ بالشروط‌ والخصوصيّات‌ المذكورة‌ في‌ الكتب‌ الفقهيّة‌؛ لانَّ الارتداد يوجب‌ الكفر، والكفر بهذا الشكل‌ موجب‌ للقتل‌. وبالطبع‌، لابدّ من‌ ثبوت‌ الارتداد عن‌ طريق‌ المحكمة‌، وليس‌ لكلّ شخص‌ التصرّف‌ في‌ القتل‌. فلو تلفّظ‌ شخص‌ ـمثلاًـ أمام‌ شخص‌ آخر بكلام‌ يدلّ علی الارتداد، فليس‌من‌ حقّ المستمع‌ أن‌ يقتل‌ القائل‌، لانَّ هذه‌ الوظيفة‌ من‌ مسؤوليّات‌ الحاكم‌.

 كما لا يخفي‌ أنَّ هذا الحكم‌ مختصّ بالرجال‌، وأمّا لو ارتدّت‌ المرأة‌؛ فلاتقتل‌، بل‌ تحبس‌ إلی أن‌ تتوب‌ وترجع‌ للإسلام‌.

 الثاني‌: زنا المُحْصِنَة‌. الإحصان‌ يعني‌ الصيانة‌؛ فتارة‌ يزني‌ الرجل‌ دون‌ أن‌ يكون‌ محصناً أو المرأة‌ دون‌ أن‌ تكون‌ محصنة‌، أي‌ لايكون‌ هناك‌ قدرة‌ لدي‌ الرجل‌ للوصول‌ إلی زوجته‌ أو لا يكون‌ للمرأة‌ زوج‌، ففي‌ هذه‌ الصورة‌ لايكون‌ حكم‌ الزاني‌ الرجم‌.

 أمّا إذا كانت‌ الزانية‌ ذات‌ زوج‌ وكانت‌ تحت‌ إحصانه‌، أو كان‌ الرجل‌ متمكّناً من‌ الوصول‌ إلی زوجته‌، فيكون‌ ارتكاب‌ الزنا في‌ هذه‌ الصورة‌ موجب‌ للرجم‌؛ فلايجلدان‌، لانَّ الجَلْد ليس‌ حدّهما، ولابدّ لهما من‌ الرَجْم‌. أمّا إذا كان‌ الرجل‌ لا يمتلك‌ زوجة‌ أساساً، أو كان‌ لديه‌ زوجة‌ لكنّها كانت‌ مسافرة‌ ولايتمكّن‌ من‌ الوصول‌ إليها، فعلی كلا التقديرين‌ كان‌ الزنا زنا غيرالمحصن‌ وحكمه‌ الجلد؛ وهنا يجب‌ أن‌ يُضرب‌ مائة‌ جلدة‌ فقط‌.

 الثالث‌: قتل‌ النفس‌، أي‌ قتل‌ المسلم‌ دون‌ ارتكاب‌ المقتول‌ قتل‌ أحد. فلو قتل‌ المسلم‌ مسلماً آخر فيستطيع‌ أولياء الدم‌ أن‌ يقتلوا القاتل‌. فلم‌يجعل‌ الإسلام‌ حرمة‌ للدم‌ في‌ هذه‌ الموارد الثلاثة‌، وقد استثناها عن‌ ذلك‌ الحكم‌. فإذا قام‌ أحد المسلين‌ بواحد من‌ هذه‌ الاُمور الثلاثة‌ فعلی حاكم‌ الشرع‌ أن‌ يقتله‌ بعد ثبوت‌ الامر. وأمّا حرمة‌ الناموس‌، فهي‌ في‌ عهدة‌ حاكم‌ الشرع‌ أيضاً كحرمة‌ النفوس‌؛ فحاكم‌ الشرع‌ مسؤول‌ عن‌ حفظ‌ نواميس‌ المسلمين‌. وناموس‌ المسلم‌ يعني‌ ابنته‌ وابنه‌ وعياله‌ ومَن‌ يرتبط‌ به‌. فلو قام‌ الإنسان‌ بسفر ما وبقيت‌ عائلته‌ بمفردهم‌، فعلی الحاكم‌ أن‌ يحميهم‌ من‌ تعدّي‌ اللصوص‌ وأصحاب‌ النوايا السيّئة‌ وأن‌ يعدّ جهازاً أمنيّاً لهذا الامر، ويهتمّ به‌ كاهتمامه‌ بحراسة‌ نفسه‌ وأمواله‌. فعلی الحاكم‌ المسلم‌ أن‌ لايمسح‌ بانتهاك‌ أعراض‌ المسلمين‌ كمنعهم‌ من‌ الذهاب‌ إلی الاماكن‌ التي‌ يقعون‌ فيها محلاّ للتعدّي‌، أو التي‌ تكون‌ مظنّة‌ للاعتداء عليها، كدور السينما والمسابح‌ ـفي‌ المجتمعات‌ الوضعيّة‌ـ، والتي‌ هي‌ من‌ أماكن‌ الفحشاء والمنكر. كما أنَّ علی الحاكم‌ المسلم‌ إغلاق‌ هذه‌ الاماكن‌ وتغييرها.

 وإضافة‌ إلی ذلك‌، فإنَّ تنفيذ الحدود علی المعتدين‌ والزناة‌ من‌ الجلد والرجم‌ يوجب‌ حفظ‌ النواميس‌. فلو أقام‌ الحاكم‌ الحدّ علی المعتدي‌، فإنَّ هذا يوجب‌ حذر الباقين‌ وامتناعهم‌ عن‌ هذه‌ الاعمال‌.

 ومن‌ موارد الحكم‌ بالقتل‌ في‌ الزنا هو الزنا الإكراهي‌ّ. فلو دخل‌ رجل‌ إلی بيتٍ ما وأكره‌ امرأة‌ علی الزنا فلا تُقتل‌ تلك‌ المرأة‌ وإن‌ كانت‌ محصنة‌، لا نَّها كانت‌ مكرهة‌ ولو ثبت‌ الإكراه‌ عند الحاكم‌، فإنَّها لاتُجلد أيضاً، بينما يجب‌ قتل‌ الزاني‌.

 وعقوبة‌ الزنا الرجم‌ في‌ عدّة‌ موارد؛ أحدها: زنا المحصنة‌. والثاني‌: الزنا بالمحارم‌( البنت‌ والاُخت‌ والاُمّ). والثالث‌: زنا الذمّي‌ّ بالمرأة‌ المسلمة‌، حيث‌ يجب‌ قتل‌ الذمّي‌ّ. ومنها أيضاً: مورد الإكراه‌، حيث‌ يجب‌ أن‌ يُرجَم‌ المُكرِه‌.

 

ارجاعات


[1] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 138؛ عن‌ «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 2، ص‌ 122، و«سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 8، ص‌ 159.

[2] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 138؛ عن‌ «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 2، ص‌ 119، و«سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 8، ص‌ 158. وأورد هذا الحديث‌ السيّد عبد الحسين‌ شرف‌ الدين‌ في‌ رسالة‌ «فلسفة‌ الميثاق‌ والولاية‌» ص‌ 27، طبعة‌ مكتبة‌ نينوي‌.

[3] ـ يقول‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ في‌ تعليقته‌: هَذا افْتِراءٌ عَلَي‌ اللَهِ! إنَّ اللَهَ قَطُّ لَمْيَسْتَخْلِفْ وَلَمْ يَأْمُرْ عَلَي‌ الاُمَّةِ أُولَئِكَ الخُلَفاءُ وَالاُمَراءُ. وَإنَّما هُمْ خِيَرَةُ أُمَّتِهِمْ؛ وَالشُّكْرُ وَالعَتْبُ عَلَيْها مَهْما صَلَحوا أَو جاروا.

[4] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 138؛ عن‌ «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 8، ص‌ 159.

[5] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 138؛ عن‌ «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 8، ص‌ 159.

[6] ـ يقول‌ الغزّالي‌ّ في‌ «إحياء العلوم‌» ج‌ 2، ص‌ 124: قَدْ وَرَدَ الاَمْرُ بِطَاعَةِ الاُمَراءِ وَالمَنْعِ مِنْ سَلِّ اليَدِ عَنْ مُساعَدَتِهِمْ. وقد أورد في‌ تعليقته‌:

 حَديْثُ الاَمْرِ بِطاعَةِ الاُمَراءِ ] أخْرَجَهُ [ البُخاري‌ُّ مِنْ حَديثِ أنَسٍ: اسْمَعوا وَأَطِيعُوا وَإنِ اسْتَعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشي‌ٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبيبَةٌ؛ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَديثِ أبي‌ هُرَيْرَةَ: عَلَيْكَ بِالطَّاعَةِ في‌ مُنْشِطِكَ وَمُكْرِهِكَ؛ الحَديْثَ. وَلَهُ مِنْ حَديثِ أبي‌ ذَرٍّ: أَوْصانِي‌َ النَّبي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: أنْ أسْمَعَ وَأُطِيعَ وَلَوْ لِعَبْدٍ مُجَدَّعِ الاَطْرافِ.

 حَديْثُ المَنْعِ مِنْ سَلِّ اليَدِ عَنْ مُساعَدَتِهِمْ، ] أخْرَجَهُ [ الشَّيْخانُ مِنْ حَديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَلاِحَدٍ يُفارِقُ الجَماعَةَ شِبْرَاً فَيَمُوتَ إلاَّ ماتَ ميتَةً جاهِليَّةً: وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَديْثِ أبي‌ هُرَيْرَةَ: مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ ميتَةً جاهِليَّةً. وَلَهُ مِنْ حَديثِ ابْنِعُمَرَ: مَنْ خَلَعَ يَدَاً مِنْ طَاعَةٍ لَقيَ اللَهَ يَوْمَ القيَامَةِ وَلاَ حُجَّةَ لَهُ.

[7] ـ أورد الدكتور السيّد محمّد التيجاني‌ّ في‌ كتاب‌ «لاكون‌ مع‌ الصادقين‌» ص‌ 30، عن‌ «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 6، ص‌ 24، باب‌ خيار الائمّةِ وشِرارهم‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أنـّه‌ قال‌: خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ؛ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ! قَالُوا: يَارَسُولَاللَهِ! أَفَلاَنُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟! فَقَالَ لاَ! مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ!

[8] ـ نقل‌ هذا المطلب‌ من‌ «البيان‌ والتبيين‌» للجاحظ‌، ج‌ 2، ص‌ 85.

[9] ـ نقلاً عن‌ «الاستيعاب‌» ج‌ 2، ص‌ 635؛ و«أُسد الغابة‌» ج‌ 5، ص‌ 126.

[10] ـ نقلاً عن‌ «تاريخ‌ ابن‌ عساكر» ج‌ 6، ص‌ 338؛ و«ميزان‌ الاعتدال‌» للذهبي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 449.

[11] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 137 إلي‌ 148.

[12] ـ Loyalism

[13] ـ Alligiance

[14] ـ ا لآية‌ 29 وصدر ا لآية‌ 30، من‌ السورة‌ 53: النجم‌.

[15] ـ نَمِرَة‌ بفتح‌ النون‌ وكسر الميم‌، ناحية‌ متّصلة‌ بعرفات‌ وهي‌ ليست‌ جزءاً من‌ عرفات‌. والمسافة‌ بينها وبين‌ مكّة‌ ـحسب‌ نقل‌ «معجم‌ البلدان‌»ـ إحدي‌ عشر ميلاً.

[16] ـ القَصواء بفتح‌ القاف‌ والمدّ؛ وقراءة‌ بعضهم‌ بضمّ القاف‌ والقصر: قُصوَي‌، خطأ. وهذه‌ الناقة‌ هي‌ غير ناقته‌ العَضْباء و الجَدْعاء. وادّعاء بعضهم‌ أنَّ جميع‌ هذه‌ الاسماء هي‌ لناقة‌ واحدة‌ خطأ أيضاً.

[17] ـ شرح‌ هذه‌ الخطبة‌ مع‌ ذكر مصادرها في‌ الجزء السادس‌ من‌ كتاب‌ «معرفة‌ الإمام‌».

[18] ـ ذيل‌ ا لآية‌ 279، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[19] ـ ا لآية‌ 183، من‌ السورة‌ 26: الشعراء.

[20] ـ «معرفة‌ الإمام‌ » ج‌ 6؛ نقلاً عن‌ «تاريخ‌ اليعقوبي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 209، طبعة‌ بيروت‌.

[21] ـ أوّل‌ من‌ نقض‌ وانتهك‌ هذا القانون‌ هو أبو بكر بعد وفاة‌ النبي‌ّ الاكرم‌ حينما عمل‌ برأيه‌ وحارب‌ مانعي‌ الزكاة‌، علي‌ الرغم‌ من‌ كونهم‌ مسلمين‌.

 جاء في‌ كتاب‌ «لاكونَ مع‌ الصادقين‌» للدكتور السيّد محمّد التيجاني‌ّ، ص‌ 113: من‌ المعروف‌ أنَّ أوّل‌ حادثة‌ اعترضت‌ أبا بكر في‌ أوائل‌ خلافته‌ هي‌ قراره‌ محاربة‌ مانعي‌ الزكاة‌ رغم‌ معارضة‌ عمربن‌ الخطّاب‌ له‌ واستشهاده‌ بحديث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: مَنْ قَالَ: لاَإلَهَ اِلاَّ اللَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ، عَصَمَ مِنِّي‌ مَالَهُ وَدَمَهُ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُ عَلَي‌ اللَهِ.

 وروي‌ في‌ كتاب‌ «النصّ والاجتهاد» ص‌ 352، الطبعة‌ الثانية‌، عن‌ الشيخين‌، عن‌ صحيحيهما، عن‌ رسول‌الله‌ أ نَّه‌ قال‌: سِبَابُ المُسْلِمِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ.

[22] ـ «الاحكام‌ السلطانيّة‌» ص‌ 55؛ نقلاً عن‌ البخاري‌ّ، ومسلم‌، وأبي‌ داود، والترمذي‌ّ، والنسائي‌ّ.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السابع‌ والثلاثون‌:عدم‌ جواز الجهاد في‌ ركاب‌ الإمام‌ الجائر.
  جواب‌ واستدلال‌ الإمام‌ الواضح‌ علی كلامه‌ من‌ ذيل‌ ا لآية‌ المذكورة‌
  خبر «تحف‌ العقول‌» حول‌ حرمة‌ سفك‌ دم‌ الكفّار في‌ دار التقيّة‌
  خبر عبد الملك‌: لو كان‌ جهاد الحكّام‌ خيراً لما سبقوا الإمام‌ إليه‌
  الادلّة‌ العامّة‌ علی ولاية‌ الفقيه‌ قائمة‌ لإيجاب‌ الجهاد في‌ زمن‌ الغيبة‌
  تفاؤل‌ رسول‌ الله‌ بصهيل‌ خيل‌ المجاهدين‌
  الدرس‌ الثامن‌ والثلاثون‌: وجوب‌ الجهاد في‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ تحت‌ ولاية‌ الفقيه‌ الإلهي‌ّ...
  ردّ أدلّة‌ القائلين‌ بعدم‌ جواز إقامة‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ و... في‌ الغيبة‌
  بطلان‌ قول‌: إنَّ العمل‌ علی إصلاح‌ المجتمع‌ يوجب‌ تأخير الظهور
  إطلاق‌ آيات‌ القرآن‌ في‌ لزوم‌ القيام‌ بالحقّ ونشر القسط‌ في‌ المجتمع‌
  مَنْ رَأَي‌ سُلْطَانَاً جَائِرَاً مُسْتَحِلاَّ لِحُرُمِ اللَهِ
  الجواب‌ علی ظاهر الروايات‌ التي‌ تدين‌ كلّ أنحاء القيام‌ قبل‌ الظهور
  قيام‌ محمّد وإبراهيم‌ ابني‌ عبد الله‌ المحض‌ لم‌ يكن‌ صحيحاً
  أسماء الائمّة‌ الاثني‌ عشر في‌ «صحيفة‌ فاطمة‌» عليها السلام‌
  الدرس التاسع و الثلاثون:لم‌ يكن‌ قيام‌ زيد ويحيي‌ بعنوان‌ المهدويّة‌ خلافاً لمحمدّ وإبراهيم‌
  عدم‌ تحمّل‌ زيد لسبّ هشام‌ وشتمه‌، ثمّ قيامه‌ في‌ الكوفة‌
  شدّة‌ تأثّر الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ لشهادة‌ عمّه‌ زيد
  كان‌ زيد من‌ علماء آل‌ محمّد، ويلي‌ المعصوم‌ في‌ الولاية‌ والعصمة‌
  لم‌ يكن‌ نهي‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ قيام‌ زيد نهياً إلزاميّاً
  مَا خَرَجَ وَلاَ يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ إلَی قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ...
  غاية‌ قول‌ الإمام‌ في‌ رواية‌ «الصحيفة‌»، القيام‌ الذي‌ يكون‌ ضدّ الإمام‌
  كيفيّة‌ ظهور «الصحيفة‌» ومطابقتها مع‌ التي‌ كانت‌ عند الإمام‌ الصادق‌
  الدرس‌ الاربعون‌:الصحيفة‌ السجّاديّة‌ ومفاد: فَلَعَمْرِي‌، مَا الإمَامُ...
  آية‌: وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِي‌´ أَرَيْنَـ كَ، والشجرة‌ الملعونة‌ حول‌ بني‌ أُميّة‌
  كلام‌ العلاّمة‌ آغا بزرك‌ الطهراني‌ّ حول‌ قائل‌: «حَدَّثَنَا»
  كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمِ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ...
  اللَهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَ نَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي‌ كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي‌ سُلْطَانٍ
  فَلَعَمْرِي‌، مَا الإمَامُ إلاَّ الحَاكِمُ بِالكِتَابِ...
  الدرس‌ الحادي‌ والاربعون‌: في‌ الروايات‌ أيضاً ترجع‌ المتشابهات‌ إلی المحكمات‌ والظواهر إلی النصوص
  يجب‌ تخصيص‌ إطلاق‌ روايات‌ حرمة‌ القيام‌ بزمان‌ عدم‌ الإمكان‌
  آيات‌ وجوب‌ الهجرة‌ ودفع‌ الظلم‌ وعدم‌ تمكين‌ الظالمين‌
  مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
  ينبغي‌ للحاكم‌ إصلاح‌ نفسه‌ قبل‌ إصلاح‌ الناس‌
  علی الفقيه‌ الحاكم‌ أن‌ يطالع‌ باستمرار عهد الإمام‌ لمالك‌ الاشتر
  علی الفقيه‌ حاكم‌ الشرع‌ قضاء حوائج‌ الناس‌ يوم مراجعتهم‌
  علی الفقيه‌ حاكم‌ الشرع‌ أن‌ يجعل‌ أفضل‌ أوقاته‌ للعبادة‌
  الدرس‌ الثاني‌ والاربعون‌:حقوق‌ الو الی علی الرعيّة‌، وحقوق‌ الرعيّة‌ علی الو الی
  وَلَوْ كَانَ لاِحَدٍ أَنْ يَجْرِي‌َ لَهُ وَلاَ يَجْرِي‌ عَلَيْهِ
  قيام‌ مناهج‌ الدين‌ بمراعاة‌ حقوق‌ الو إلی والرعيّة‌
  علی عباد الله‌ أن‌ يتعاونوا بمقدار جهدهم‌ لإقامة‌ الحقّ فيما بينهم‌
  إنَّ أسوأ حالات‌ الولاة‌ حبّ الفخر والتمجيد عند الناس‌
  لا تكفّوا عن‌ مقالة‌ بحقّ أو مشورة‌ بعدل‌
  الدرس‌ الثالث‌ والاربعون‌:الذاتيّة‌، أكبر آفات‌ الو إلی
  الروايات‌ والنصائح‌ في‌ ذمّ حبّ الجاه‌ والعجب‌ ومدح‌ الناس‌
  أسخف‌ حالات‌ الو الی أن‌ يكون‌ ممّن‌ يحبّ أن‌ يمدحه‌ الناس‌
  مفاد: ظُلْمُ الرَّعيَّةِ اسْتِجْلابُ البَليَّة‌
  الرعيّة‌ تتبع‌ عواطفها تجاه‌ الولاة‌ والحكّام‌ باستمرار
  إحضار عمر لعمرو بن‌ العاصّ وولده‌ لشكاية‌ شابّ مصري‌ّ
  انتقاد كيفيّة‌ عدالة‌ عمر من‌ جهات‌ مختلفة‌
  الدرس‌ الرابع‌ والاربعون‌:حقّ الرعيّة‌ علی الوالی: معالجة‌ أُمورهم‌ بنفسه‌ و...
  من‌ عوامل‌ الفساد: نفوذ أقرباء الوالی وخواصّه‌ في‌ ولايته‌
  قصّة‌ الرجل‌ الكوفي‌ّ وشكواه‌ ظلم‌ و إلی الكوفة‌ عند المأمون‌
  يقول‌ عمر: بما أنـّي‌ قد فررتُ يوم‌ أُحد، فلا حقّ لولدي‌ بالجائزة‌
  الكتابة‌ المذكورة‌ علی الاضلع‌ الثمانية‌ لقبر أرسطو
  خطبة‌ الامير حول‌ ما للو الی والرعيّة‌ كلٌّ علی ا لآخر من‌ حقوق‌
  أوّل‌ حقّ للوالی علی الرعيّة‌ هو حقّ الطاعة‌
  إِذَا دُعُو´ا إلَی اللَهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ تفيد السمع‌ والطاعة‌ مطلقاً
  مفاد: أَفِي‌ قُلُوبِهِم‌ مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُو´ا أَمْ يَخَافُونَ...
  الدرس‌ الخامس‌ والاربعون‌:أوامر الو إلی لا تكون‌ حجّة‌ في‌ صورة‌ المعصية‌ والعلم‌ بالخلاف‌
  حكم‌ الحاكم‌ ليس‌ قطعيّاً، ويُحتمل‌ فيه‌ الخطأ
  لا يقبل‌ حكم‌ الحاكم‌ عند اليقين‌ بالخلاف‌
  وجوب‌ العمل‌ وفق‌ حكم‌ القاضي‌ وإن‌ بان‌ خلافه‌
  لاَ طَاعَةَ لِمَنْ عَصَي‌ اللَهَ، لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي‌ مَعْصِيَةِ الخَالِقِ
  روايات‌ العامّة‌ في‌ وجوب‌ إطاعة‌ ولاة‌ الجور
  بناء علی رأي‌ العامّة‌: فسق‌ الحاكم‌ لا يوجب‌ خلعه‌ من‌ الولاية‌
  الدرس‌ السادس‌ والاربعون‌:الشيعة‌ تري‌ الحاكم‌ جائز الخطأ في‌ حكمه‌ بينما العامّة‌ ...
  استفادة‌ المحاكم‌ الثلاث‌ من‌ عهد الإمام‌ لمالك‌ الاشتر
  يعتبر العامّة‌ الولاة‌ الجائرين‌ والظالمين‌ أُولي‌ الامر ويجب‌ اتّباعهم‌
  متكلّمو العامّة‌ يُعذرون‌ مَن‌ يمارس‌ الظلم‌ من‌ قِبَل‌ حكام‌ الجور
  كلام‌ الاميني‌ّ حول‌ عواقب‌ الالتزام‌ بمعذوريّة‌ حكّام‌ الجور
  دفاع‌ الشمر عن‌ فعله‌ مستنداً إلی رواياتهم‌ في‌ وجوب‌ طاعة‌ الولاة‌
  الحقّ الثاني‌ للو الی علی الرعيّة‌: حقّ النصح‌
  الحقّ الثالث‌ للوالی علی الرعيّة‌: التعاون‌
  الدرس‌ السابع‌ والاربعون‌:للرعيّة‌ علی الو الی حقّ الحريّة‌ والمراقبة‌ و...
  خطبة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ عرفات‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌
  خطبة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ مني‌ بعد تركه‌ عرفات‌
  >>هدر دماء الجاهليّة‌ والربا المأخوذ في‌ ذلك‌ الزمان‌
  لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِي‌ٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِإحْدَي‌ ثَلاَثٍ
  المحافظة‌ علی أرواح‌ وأموال‌ وأعراض‌ المسلمين‌ في‌ عهدة‌ الو إلی
  رواية‌ أمير المؤمنين‌ حول‌ لزوم‌ معالجة‌ الو إلی أمر الرعيّة‌
  وصيّة‌ الامير: وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإنْ سَاقَتْكَ إلَی الرَّغَائِبِ
  الدرس‌ الثامن‌ والاربعون‌:تعذيب‌ المتّهم‌ لاخذ الاعتراف‌ منه‌ ممنوع‌
  خطأ قول‌: بقاء الإسلام‌ متوقّف‌ علی تعذيب‌ المتّهم‌ قبل‌ ثبوت‌ الجرم‌
  رفض‌ حكومة‌ أمير المؤمنين‌ القيام‌ علی أساس‌ المصالح‌ السياسيّة‌
  منح‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ الخوارج‌ حرّيّة‌ الرأي‌
  كان‌ قتال‌ الخوارج‌ بعد تجاوزاتهم‌ وسفكهم‌ للدماء
  إطلاق‌ حرّيّة‌ العقيدة‌ لاهل‌ الذمّة‌ ماداموا يعيشون‌ في‌ كنف‌ الإسلام‌
  لآ إِكْرَاهَ فِي‌ الدِّينِ: ترجع‌ إلی العقيدة‌ لا إلی قبول‌ الإسلام‌ ظاهريّاً
  الحقّ الثالث‌ للرعيّة‌ علی الولاة‌: العناية‌ بصحّة‌ أبدانهم‌ وأرواحهم‌
  ليس‌ في‌ الإسلام‌ محكمة‌ خاصّة‌ للبعض‌، فالكلّ سواء أمام‌ القانون‌
  قصّة‌ سوادة‌ بن‌ قيس‌ شاهد آخر علی هذه‌ المطالب‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی