معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام (المجلد الثامن)
کتاب معرفة الامام / المجلد الثامن / القسم الثانی: المراد بـ الیوم فی آیة الاکمال، المراد من خشیة الله فی آیة الاکمال،المراد من النعمة فی آیة الاکمال

ما هو المراد بإلیوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟

 والآن‌ لِنَرَ، ما المراد بهذا إلیوم‌ المتكرّر .. وأي‌ّ يوم‌ هو .. ؟ هل‌ المراد به‌ الزمن‌ الوسيع‌ والمتّسع‌، كما يقال‌: كنتُ طفلاً أمس‌، وإلیوم‌ صرت‌ شابّاً. أو كنت‌ جاهلاً أمس‌، وإلیوم‌ أصبحت‌ عالماً ؟ أو المراد به‌ زمان‌ ظهور الإسلام ببعثة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ ودعوته‌، فيكون‌ المراد: أنَّ الله‌ أنزل‌ إلیكم‌ الإسلام ‌، وأكمل‌ لكم‌ الدين‌، وأتمّ علیكم‌ النعمة‌، وأيأس‌ منكم‌ الكفّار ؟

 لا يصحّ هذا الاحتمال‌ لانَّ ظاهر سياق‌ الآية‌ أنـّه‌ كان‌ للمسلمين‌ ديناً وكان‌ الكفّار يطمعون‌ في‌ إبطاله‌ وتغييره‌، وكان‌ المسلمون‌ يخشون‌ من‌ طمع‌ الكفّار لتخريب‌ وإزالة‌ دينهم‌ فأيأس‌ الله‌ الكافرين‌ من‌ الاعتداء والتسلّط‌ علی‌ دين‌ المؤمنين‌ وآمن‌ المسلمين‌ . إنَّ الدين‌ كان‌ ناقصاً فأكمله‌ الله‌ وأتمّ نعمته‌ علیهم‌ . وقبل‌ الإسلام لم‌ يكن‌ للمسلمين‌ ديناً حتّي‌ يطمع‌ فيه‌ الكفّار أو يكمله‌ الله‌ ويتمّ نعمته‌ علیهم‌ .

 يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ ووفقاً لهذا الاحتمال‌ أنَّ قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ينبغي‌ أن‌ يتقدّم‌ علی‌ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ حتّي‌ يستقيم‌ الكلام‌ في‌ نظمه‌ .

 أو أنَّ المراد بإلیوم‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌ هو ما بعد فتح‌ مكّة‌ حيث‌ أبطل‌ الله‌ فيه‌ كيد ومكر مشركي‌ قريش‌، وأذهب‌ شوكتهم‌ وعظمتهم‌، وهدم‌ فيه‌ بنيان‌ دينهم‌، وحطّم‌ أصنامهم‌، فانقطع‌ رجاؤهم‌ أن‌ يقوموا علی‌ ساق‌، ويضادّوا الإسلام ويمانعوا نفوذ أمره‌ وانتشار صيته‌ .

 ولا يصحّ هذا الاحتمال‌ أيضاً لانَّ الآية‌ تدلّ علی‌ إكمال‌ الدين‌ وإتمام‌ النعمة‌. ولمّا يكمل‌ الدين‌ بفتح‌ مكّة‌ في‌ السنة‌ الثامنة‌ من‌ الهجرة‌ . فكم‌ من‌ الفرائض‌ والواجبات‌ قد نزلت‌ بعد ذلك‌، وكم‌ الكثير من‌ الحلال‌ والحرام‌ شرّع‌ فيما بينه‌ وبين‌ رحلة‌ رسول‌ الله‌ .

 يضاف‌ إلی‌ ذلك‌، أنَّ المراد من‌ قوله‌: الَّذِينَ كَفَرُوا يعمّ جميع‌ مشركي‌ العرب‌ . ولم‌ يكونوا آيسين‌ من‌ الاعتداء وتحطيم‌ دين‌ الإسلام بعد فتح‌ مكّة‌، والدليل‌ علی‌ ذلك‌ أنَّ كثيراً من‌ المواثيق‌ علی‌ عدم‌ التعرّض‌ كانت‌ باقية‌ بعد علی‌ اعتبارها واحترامها . وكان‌ مشركو العرب‌ يحجّون‌ علی‌ سنّة‌ الجاهليّة‌ . وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً. [1] وكانت‌ النساء يحججن‌ عاريات‌ مكشوفات‌ العورة‌ . [2]

 وكان‌ هذا المنهج‌ مستمرّاً حتّي‌ بعث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بآيات‌ البراءة‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ مكّة‌ في‌ السنة‌ التاسعة‌ من‌ الهجرة‌ فأبطل‌ بقايا آداب‌ ورسوم‌ الجاهليّة‌ وتقإلیدها.

 أو أنَّ المراد بإلیوم‌، ما بعد نزول‌ سورة‌ براءة‌، حيث‌ بسط‌ الإسلام آنذاك‌ سيطرته‌ علی‌ جزيرة‌ العرب‌ تقريباً، وانمحت‌ آداب‌ وآثار الشرك‌، وماتت‌ سنن‌ الجاهليّة‌ . فما كان‌ المسلمون‌ يرون‌ في‌ المحافل‌ الدينيّة‌ ومناسك‌ الحجّ أحداً من‌ المشركين‌، وصفا لهم‌ الامر، وأبدلهم‌ الله‌ بعد خوفهم‌ أمناً يعبدونه‌ ولا يشركون‌ به‌ شيئاً . ولا يصحّ هذا الاحتمال‌ أيضاً، فإنَّ مشركي‌ العرب‌ وإن‌ أيسوا من‌ دين‌ المسلمين‌ بعد نزول‌ سورة‌ براءة‌، وطي‌ّ بساط‌ الشرك‌ من‌ الجزيرة‌ العربيّة‌، وإعفاء تقإلید الجاهليّة‌، إلاّ أنَّ الدين‌ لم‌ يكمل‌ بعد، وقد نزلت‌ فرائض‌ وأحكام‌ بعد سورة‌ براءة‌، ومنها ما في‌ هذه‌ السورة‌ ( سورة‌ المائدة‌ ) . واتّفقوا علی‌ نزولها في‌ آخر عهد النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، وفيها شي‌ء كثير من‌ أحكام‌ الحلال‌ والحرام‌ والحدود القصاص‌ . فتحصّل‌ أنـّه‌ لاسبيل‌ إلی‌ احتمال‌ أن‌ يكون‌ المراد بإلیوم‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌ معناه‌ الوسيع‌ ممّا يناسب‌ مفاد الآية‌ في‌ أوّل‌ نظرة‌ كزمان‌ ظهور الدعوة‌ الإسلام يّة‌، أو ما بعد فتح‌ مكّة‌ من‌ الزمان‌، أو ما بعد نزول‌ آيات‌ البراءة‌ . فلا سبيل‌ إلاّ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد بإلیوم‌ يوم‌ نزول‌ الآية‌ نفسها .

 وذلك‌ إلیوم‌ هو يوم‌ نزول‌ السورة‌ إن‌ كان‌ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا في‌ وسط‌ آية‌ حرمة‌ الطعام‌ مرتبطاً بها بحسب‌ المعني‌، أو بعد نزول‌ سورة‌ المائدة‌ في‌ أواخر عهد رسول‌ الله‌، ثمّ جعلوها هنا بقرينة‌ قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .

 فهل‌ المراد بإلیوم‌ يوم‌ فتح‌ مكّة‌ بعينه‌ ؟ أو يوم‌ نزول‌ سورة‌ براءة‌ ؟! وتثار هنا نفس‌ الاءشكالات‌ الواردة‌ علی‌ الاحتمال‌ الثاني‌ والثالث‌ المتقدّمين‌.

 أو أنَّ المراد بإلیوم‌ هو يوم‌ عرفة‌ من‌ حجّة‌ الوداع‌ كما ذكر كثير من‌ مفسّري‌ العامّة‌، وبه‌ وردت‌ بعض‌ الروايات‌ ؟ فما المراد من‌ يأس‌ الذين‌ كفروا يومئذٍ من‌ دين‌ المسلمين‌ ؟ فإن‌ كان‌ المراد بإلیأس‌ من‌ الدين‌ يأس‌ مشركي‌ قريش‌ من‌ الظهور علی‌ دين‌ المسلمين‌، فقد كان‌ ذلك‌ يوم‌ فتح‌ مكّة‌ عام‌ ثمانية‌ لا يوم‌ عرفة‌ من‌ السنة‌ العاشرة‌ . وإن‌ كان‌ المراد يأس‌ مشركي‌ العرب‌ من‌ ذلك‌، فقد كان‌ ذلك‌ عند نزول‌ سورة‌ براءة‌، وهو في‌ السنة‌ التاسعة‌ من‌ الهجرة‌ . وإن‌ كان‌ المراد به‌ يأس‌ جميع‌ الكفّار الشامل‌ لليهود، والنصاري‌، والمجوس‌، وغيرهم‌ ـوذلك‌ الذي‌ يقتضيه‌ إطلاق‌ قوله‌: الَّذِينَ كَفَرُوا ـ فهؤلاء لم‌ يكونوا آيسين‌ من‌ الظهور علی‌ المسلمين‌ بعد، ولمّا تظهر للإسلام‌ قوّة‌ وشوكة‌ وغلبة‌ في‌ خارج‌ الجزيرة‌ العربيّة‌ يومئذٍ .

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌، يجب‌ أن‌ نتأمّل‌ ونري‌: ماذا حدث‌ يوم‌ عرفة‌ من‌ حجّة‌ الوداع‌، وهو التاسع‌ من‌ ذي‌ الحجّة‌ السنة‌ العاشرة‌ من‌ الهجرة‌ ؟ وما هو شأن‌ ذلك‌ إلیوم‌ حتّي‌ يناسب‌ قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا ؟

 فربّما أمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد به‌ إكمال‌ الحجّ بحضور رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ بنفسه‌ فيه‌، وتعلیمه‌ الناس‌ تعلیماً عمليّاً مشفوعاً بالقول‌. [3]

 وهذا لا يصحّ، لانـّه‌ يسمّي‌ مجرّد تعلیمه‌ الناس‌ مناسك‌ حجّهم‌ إكمالاً للدين‌ ؟ ونحن‌ نعلم‌ أنَّ النبي‌ّ الاكرم‌ كان‌ قد شرّع‌ أركان‌ الدين‌ من‌ صلاة‌ وصوم‌ وحجّ وزكاة‌ وجهاد قبل‌ الحجّ، وفي‌ حجّة‌ الوداع‌ أيضاً حيث‌ علّمهم‌ حجّ التمتّع‌، لم‌ يلبث‌ دون‌ أن‌ صارت‌ هذه‌ السُّنَّة‌ السَّنِيَّة‌ مهجورة‌ وهذه‌ الفريضة‌ الإلهيّة‌ متروكة‌ .

 وكيف‌ يصحّ أن‌ يسمّي‌ تعلیم‌ شي‌ء من‌ واجبات‌ الدين‌ إكمالاً لذلك‌ الواجب‌ فضلاً عن‌ أن‌ يسمّي‌ تعلیهم‌ واجب‌ من‌ واجبات‌ الدين‌ لمجموع‌ الدين‌ ؟

 يضاف‌ إلی‌ ذلك‌، أنَّ هذا الاحتمال‌ يوجب‌ انقطاع‌ رابطة‌ الفقرة‌ الاُولي‌، أعني‌ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ بهذه‌ الفقرة‌، أعني‌ قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . وأي‌ّ ربط‌ ليأس‌ الكفّار عن‌ الدين‌ بتعلیم‌ رسول‌الله‌ حجّ التمتّع‌ للناس‌ ؟

 وربّما أمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد بإكمال‌ الدين‌ من‌ جهة‌ بيان‌ ونزول‌ بقايا الحلال‌ والحرام‌ في‌ هذا إلیوم‌ في‌ سورة‌ المائدة‌، فلا حلال‌ بعده‌ ولاحرام‌، وبإكمال‌ الدين‌ استولي‌ إلیأس‌ علی‌ قلوب‌ الكفّار، ولاحت‌ آثاره‌ علی‌ وجوههم‌ . [4]

 لكن‌ يجب‌ أن‌ نتبصّر في‌ تمييز هؤلاء الكفّار الذين‌ عبّر عنهم‌ في‌ الآية‌ بقوله‌: الَّذِينَ كَفَرُوا علی‌ هذا التقدير وأنـّهم‌ من‌ هم‌ ؟ فإن‌ أُريد بهم‌ كفّار العرب‌، فقد كان‌ الإسلام عمّهم‌ يومئذٍ ولم‌ يكن‌ فيهم‌ من‌ يتظاهر بغير الإسلام ‌، فمن‌ هم‌ الكفّار الآئسون‌ ؟

 وإن‌ أُريد بهم‌ الكفّار من‌ غير العرب‌ من‌ الاُمم‌ والطوائف‌، فقد عرفنا آنفاً أنـّهم‌ لم‌ يكونوا آئسين‌ يومئذٍ من‌ الظهور علی‌ المسلمين‌ .

 يضاف‌ إلی‌ ذلك‌، ينبغي‌ أن‌ نري‌ ما المراد بانسداد باب‌ التشريع‌ بنزول‌ سورة‌ المائدة‌ وانقضاء يوم‌ عرفة‌ ؟ فقد وردت‌ روايات‌ كثيرة‌ لايستهان‌ بها عدداً نزول‌ أحكام‌ وفرائض‌ بعد يوم‌ عرفة‌، كما في‌ آية‌ الكلالة‌ في‌ آخر سورة‌ النساء، وآيات‌ الربا . حتّي‌ أنـّه‌ روي‌ عن‌ عمر أنـّه‌ قال‌ في‌ خطبة‌ خطبها: من‌ آخر القرآن‌ نزولاً آية‌ الربا، وأنـّه‌ مات‌ رسول‌الله‌ ولم‌ يبيّنه‌ لنا، فَدَعُوا مَا يُرِيبُكُمْ إلی‌ مَا لاَ يُرِيبُكُمْ .

 وروي‌ البخاري‌ّ في‌ الصحيح‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌، قال‌: آخر آية‌ نزلت‌ علی‌ رسول‌ الله‌ آية‌ الربا . وليس‌ للعالم‌ بطرق‌ الاستفادة‌ من‌ الروايات‌ ومن‌ كتاب‌ الله‌ أن‌ يضعّف‌ هذه‌ المجموعة‌ من‌ الروايات‌، ويقدّم‌ آية‌ الإكمال‌ في‌ يوم‌ عرفة‌ علیها، لانَّ الآية‌ الكريمة‌ ليست‌ بصريحة‌ ولا ظاهرة‌ في‌ كون‌ المراد بإلیوم‌ فيها يوم‌ عرفة‌ بعينه‌ . وإنّما هو وجه‌ محتمل‌ يتوقّف‌ في‌ تعيّنه‌ علی‌ انتفاء كلّ احتمال‌ ينافيه‌، وهذه‌ الاخبار لا تقصر عن‌ الاحتمال‌ المجرّد عن‌ السند .

 وربّما أمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد بإكمال‌ الدين‌ خلوص‌ البيت‌ الحرام‌ للمسلمين‌، وإجلاء المشركين‌ عنه‌ حتّي‌ حجّه‌ المسلمون‌ وهم‌ لايخالطهم‌ المشركون‌. [5]

 وهذا الكلام‌ لا يصحّ أيضاً، وذلك‌ أنـّه‌ كان‌ قد صفا الامرر للمسلمين‌ فيما ذكر قبل‌ ذلك‌ بسنة‌، فما معني‌ تقييده‌ بإلیوم‌ بقوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . علی‌ أنـّه‌ لو سُلّم‌ كون‌ صفاء الجوّ هذا وخلوص‌ بيت‌ الله‌ إتماماً للنعمة‌، لم‌ يسلّم‌ كونه‌ إكمالاً للدين‌ .

 والدين‌ عبارة‌ عن‌ مجموعة‌ من‌ عقائد وأحكام‌، وليس‌ إكماله‌ إلاّ أن‌ يضاف‌ إلی‌ عدد أجزائها وأبعاضها عدد . وأمّا خلوص‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌ فلايسمّي‌ إكمالاً للدين‌، لانَّ ارتفاع‌ الموانع‌ والعقبات‌ عن‌ أبعاض‌ وأجزاء الدين‌ لا يدعي‌ إكمالاً . علی‌ أنَّ إشكال‌ يأس‌ الكفّار عن‌ الدين‌ علی‌ حاله‌.

 ويمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد من‌ إكمال‌ الدين‌ بيان‌ هذه‌ المحرّمات‌ بياناً تفصيليّاً ليأخذ به‌ المسلمون‌ ويطبّقوه‌ . أي‌: يجتنبوا المحرّمات‌ ولايخشوا الكفّار في‌ ذلك‌، لانَّ الكفّار قد يئسوا من‌ دينهم‌ بإعزاز الله‌ المسلمين‌ وإظهار دينهم‌ وتغليبهم‌ علی‌ الكفّار .

 توضيح‌ ذلك‌: أنَّ حكمة‌ الاكتفاء في‌ أوّل‌ الإسلام بذكر محرّمات‌ الطعام‌ الاربعة‌ [أي‌: الميتة‌، والدم‌، ولحم‌ الخنزير، وما أُهِلَّ لغير الله‌ به‌ ] الواردة‌ في‌ بعض‌ السور المكيّة‌، وترك‌ تفصيل‌ ما يندرج‌ فيها ممّا كرهه‌ الإسلام للمسلمين‌ من‌ سائر ما ذكر في‌ هذه‌ الآية‌ إلی‌ ما بعد فتح‌ مكّة‌ إنّما هي‌ التدرّج‌ في‌ تحريم‌ هذه‌ الخبائث‌ والتشديد فيها، كما كان‌ التدريج‌ في‌ تحريم‌ الخمر لئلاّ ينفر العرب‌ من‌ الإسلام ولا يرون‌ فيه‌ حرجاً علیهم‌ يرجون‌ به‌ أن‌ يرتدّ إلیهم‌ من‌ آمن‌ الفقراء وهم‌ أكثر السابقين‌ الاوّلين‌ .

 جاء هذا التفصيل‌ للمحرّمات‌ بعد قوّة‌ الإسلام ‌، وتوسعة‌ الله‌ علی‌ أهله‌ وإعزازهم‌، وبعد أن‌ يئس‌ المشركون‌ بذلك‌ من‌ نفور أهله‌ منه‌ وفرارهم‌ من‌ تكإلیفه‌، وزال‌ طمعهم‌ في‌ الظهور علیهم‌، وإزالة‌ دينهم‌ بالقوّة‌ القاهرة‌. فكان‌ المؤمنون‌ أجدر بأن‌ لا يبالوهم‌ بمداراتهم‌، وأن‌ لا يخافوهم‌ علی‌ أنفسهم‌ وعلی‌ دينهم‌ .

 فالله‌ سبحانه‌ يخبر المؤمنين‌ في‌ هذه‌ الآية‌ أنَّ الكفّار أنفسهم‌ قد يئسوا من‌ زوال‌ دينهم‌ وأنـّه‌ ينبغي‌ لهم‌ ـوقد بدّلهم‌ بضعفهم‌ قوّة‌، وبخوفهم‌ أمناً، وبفقرهم‌ غني‌ـ أن‌ لا يخشوا غيره‌ تعإلی‌، [وينتهوا عن‌ تفاصيل‌ المحرّمات‌ التي‌ نهي‌ الله‌ عنها في‌ الآية‌، ففيها كمال‌ دينهم‌ ] . [6]

 إنَّ هذا القائل‌ أراد الجمع‌ بين‌ عدّة‌ من‌ الاحتمالات‌ المذكورة‌ ليدفع‌ بكلّ احتمال‌ ما يتوجّه‌ إلی‌ الاحتمال‌ الآخر من‌ الإشكال‌ . فتورّط‌ بين‌ المحاذير برمّتها وأفسد لفظ‌ الآية‌ ومعناها جميعاً .

 أوّلاً: غفل‌ عن‌ أنَّ المراد بإلیأس‌ إن‌ كان‌ هو إلیأس‌ المستند إلی‌ ظهور الإسلام وقوّته‌، وهو ما كان‌ بفتح‌ مكّة‌ أو بنزول‌ آيات‌ سورة‌ براءة‌ وقراءتها علی‌ المشركين‌ في‌ عقبة‌ مني‌ من‌ فبل‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، لم‌يصحّ أن‌ يقال‌ يوم‌ عرفة‌ من‌ السنة‌ العاشرة‌: إلیوم‌ يئس‌ الذين‌ كفروا من‌ دينكم‌. وقد كانوا يئسوا قبل‌ ذلك‌ بسنة‌ أو سنتين‌ . وإنّما ينبغي‌ أن‌ يقال‌: قَدْ يَئِسُوا، أو إنَّهُمْ آئِسُونَ .

 ثانياً: وغفل‌ عن‌ أنَّ هذا التدرّج‌ الذي‌ ذكره‌ في‌ محرّمات‌ الطعام‌، وقاس‌ تحريمها بتحريم‌ الخمر، إن‌ أُريد به‌ التدرّج‌ من‌ حيث‌ تحريم‌ بعض‌ الافراد بعد بعض‌، فلا يصحّ . لانَّ هذه‌ الآية‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ المائدة‌ لاتشتمل‌ علی‌ أزيد ممّا تشتمل‌ علیه‌ آيات‌ البقرة‌، والانعام‌، والنحل‌، من‌ محرّمات‌ الطعام‌ . وأنَّ الْمَوْقُوذَة‌، و الْمُنْخَنِقَة‌، و الْمُتَرَدِّيَة‌، و النَّطِيحَة‌، و مَآ أَكَلَ السَّبُع‌ هي‌ من‌ أفراد الميتة‌ التي‌ جاءت‌ حرمتها في‌ آيات‌ تلك‌ السور. وَمَا ذُبِحَ علی‌' النُّصُبِ وَأَن‌ تَسْتَقْسِمُوا بِالاْزْلاَمِ من‌ مصاديق‌ وأفراد مَآ

 أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَهِ بِهِ في‌ سورة‌ النحل‌ . وهذه‌ الآية‌ في‌ سورة‌ المائدة‌ لاتبيّن‌ شيئاً أكثر ممّا تبيّنه‌ آيات‌ السور الثلاث‌ من‌ حيث‌ تعداد المحرّمات‌.

 وإن‌ أُريد التدرّج‌ من‌ حيث‌ البيان‌ الإجمإلی‌ّ والتفصيلي‌ّ، إذ ذكره‌ الله‌ إجمالاً أوّلاً، ثمّ فصّله‌ ثانياً خوفاً من‌ امتناع‌ الناس‌ من‌ القبول‌، فلايصحّ أيضاً. لانَّ مصاديق‌ وأفراد المحرّمات‌ التي‌ تدخل‌ تحت‌ عنوان‌ الميتة‌، ولحم‌ الخنزير، والدم‌، وما أُهلّ به‌ لغير الله‌، والتي‌ جاءت‌ في‌ السور الثلاث‌ النازلة‌ قبل‌ سورة‌ المائدة‌، هي‌ أكثر من‌ المحرّمات‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ المائدة‌، وابتلاء الناس‌ بها أكثر من‌ أمثال‌ الْمُنْخَنِقَة‌، الْمَوْقُوذَة‌، و الْمُتَرَدِّيَة‌، و النَّطِيحَة‌، و مَآ أَكَلَ السَّبُع‌، لانـّها أُمور نادرة‌ التحقّق‌، والناس‌ ـعادة‌ـ لا يقتلون‌ ذبائحهم‌ بالخنق‌، أو الإرداء، أو الوقذ، أو النطح‌. نعم‌، لو قدّر وقوع‌ هذه‌ الاشياء، لما رأي‌ الناس‌ بأساً في‌ أكلها. وحينئذٍ كيف‌ يصرّح‌ الله‌ بحرمة‌ هذه‌ الاشياء الاربعة‌: الميتة‌، والدم‌، ولحم‌ الخنزير، وما أُهلّ لغير الله‌ به‌، وهي‌ تقع‌ أكثر ولها أهميّة‌ كبري‌، يصرّح‌ بحرمتها من‌ غير خوف‌ يظهر بين‌ الناس‌، ويذكر أشياء غير مهمّة‌ قلّما تطرأ علی‌ سبيل‌ التقيّة‌، ويحرّمها تدريجاً لئلاّ يعرض‌ الناس‌ عن‌ الدين‌ ؟

 وثالثاً: علی‌ فرض‌ التسليم‌، فإنَّ تشريع‌ الاحكام‌ وبالاخصّ تشريع‌ بعضها ليس‌ إكمالاً للدين‌ . وفي‌ هذا الفرض‌ يجب‌ أن‌ يقال‌: إلیوم‌ أكملت‌ لكم‌ بعض‌ دينكم‌ وأتممت‌ علیكم‌ بعض‌ نعمتي‌ .

 وروابعاً: كيف‌ خصّ الله‌ يوم‌ عرفة‌ بتشريع‌ عدد من‌ أحكام‌ المنخنقة‌ والموقوذة‌ فيه‌ وسمّي‌ بيان‌ حرمتها إكمالاً للدين‌ وإتماماً للنعمة‌، مع‌ تشريعه‌ أحكاماً وقوانين‌ كثيرة‌ في‌ أيّام‌ أُخري‌ ؟ هنا موضع‌ تأمّل‌ .

 ويمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد بإكمال‌ الدين‌ إكماله‌ بسدّ باب‌ التشريع‌ بعد هذه‌ الآية‌ المبيّنة‌ لتفصيل‌ محرّمات‌ الطعام‌، فلم‌ ينزل‌ حكماً آخر، ولذلك‌ كمل‌ الدين‌ .

 وهنا يجب‌ أن‌ نقول‌: ما شأن‌ الاحكام‌ النازلة‌ ما بين‌ نزول‌ سورة‌ المائدة‌ ووفاة‌ رسول‌ الله‌ ؟ بل‌ ما شأن‌ سائر الاحكام‌ النازلة‌ بعد هذه‌ الآية‌ في‌ سورة‌ المائدة‌ ؟

 وبعد ذلك‌ كلّه‌: ما معني‌ قوله‌ تعإلی‌: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا ؟ لانَّ تقديره‌: إلیومَ وَرَضِيتُ . ولو كان‌ المراد بهذه‌ الآية‌ الامتنان‌ علی‌ الناس‌ بما ذكر من‌ محرّمات‌ الطعام‌ يوم‌ عرفة‌، فما وجه‌ اختصاص‌ هذا إلیوم‌ بأنَّ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ رضي‌ فيه‌ الإسلام ديناً ؟ لانـّه‌ لا أمر يختصّ به‌ إلیوم‌ ممّا يناسب‌ هذا الرضا .

 ويرد علی‌ هذا الاحتمال‌ أكثر الإشكالات‌ الواردة‌ علی‌ الوجوه‌ السابقة‌.

استنباط‌ معني‌ إلیوم‌ من‌ الآية‌ نفسها إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

 والآن‌ بعد أن‌ علمنا أنَّ هذه‌ الاحتمالات‌ المطروحة‌ حول‌ معني‌ إلیوم‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌ لا تصحّ، نقترب‌ إلی‌ القول‌ بأنـّنا نستطيع‌ أن‌ نتوفّر علی‌ معني‌ إلیوم‌ في‌ الآية‌ من‌ الآية‌ نفسها . ولتحقّق‌ هذا المعني‌ نقول‌ مستهلّين‌:

 إنَّ ما يستفاد من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ هو أنَّ الكافرين‌ كانوا يكيدون‌ للإسلام‌ منذ بزوغ‌ شمسه‌، وكانوا يعتزمون‌ اجتثاث‌ جذوره‌، ويتمنّون‌ زواله‌ منذ أيّامه‌ الاُولي‌ . وأمرهم‌ هذا هو الذي‌ كان‌ يسبّب‌ القلق‌ والمشاكل‌ للمسلمين‌ بأشكال‌ متنوّعة‌، ويظهر في‌ كلّ يوم‌ بشكل‌ أو بآخر . وكان‌ من‌ حقّ المؤمنين‌ أن‌ يحذروا منه‌ ويخشوه‌ .

 قال‌ تعإلی‌: وَدَّت‌ طَّآنءِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ. [7]

 وقال‌: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ لَوْ يَرُدُّونَكُم‌ مِّن‌ بَعْدِ إِيمَـ'نِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم‌ مِّن‌ بَعْدِ مَا تَبَيِّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي‌' يَأْتِيَ اللَهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَهَ علی‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . [8]

 والكفّار لم‌ يكونوا يتربّصون‌ الدوائر بالمسلمين‌ إلاّ لدينهم‌، ولم‌تكن‌ تضيق‌ صدورهم‌ وتنصدع‌ قلوبهم‌ إلاّ من‌ جهة‌ أنَّ الدين‌ كان‌ يذهب‌ بسؤددهم‌ وشرفهم‌، واسترسالهم‌ في‌ اقتراف‌ كلّ ما تهواه‌ طباعهم‌، وتألفه‌ وتعتاد به‌ نفوسهم‌، ويختم‌ علی‌ تمتّعهم‌ بكلّ ما يشتهون‌ بلا قيد وشرط‌.

 فقد كان‌ الدين‌ هو المبغوض‌ عندهم‌ دون‌ أهل‌ الدين‌ إلاّ من‌ جهة‌ دينهم‌ الحقّ . فلم‌ يكن‌ في‌ قصدهم‌ إبادة‌ المسلمين‌ وإفناء جمعهم‌ بل‌ إطفاء نورالله‌ وتحكيم‌ أركان‌ الشرك‌ المتزلزلة‌ المضطربة‌ به‌، وردّ المؤمنين‌ كفّاراً، كما قال‌ تعإلی‌:

 وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـ'تِلُونَكُمْ حَتَّي‌' يَرُدُّوكُمْ عَن‌ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَـ'عُوا. [9]

 وقال‌ تعإلی‌: إِن‌ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَـ'بَ يَرُدُّوكُم‌ بَعْدَ إِيمَـ'نِكُمْ كَـ'فِرِينَ . [10]

 وقال‌ تعإلی‌: يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُوا نَورَ اللَهِ بِأَفْوَ ' هِهِمْ وَاللَهُ مَتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ * هُوَ الَّذِي‌´ أَرْسَلَ رَسُولَهُ و بِالْهُدَي‌' وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ و علی‌ الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . [11]

 وقال‌ تعإلی‌: فَادْعُوا اللَهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ. [12]

 ولذلك‌ لم‌ يكن‌ للكفّار هَمٌّ إلاّ أن‌ يقطعوا هذه‌ الشجرة‌ الطيّبة‌ من‌ أصلها، ويهدموا هذا البيان‌ الرفيع‌ من‌ أُسّه‌ بتفتين‌ المؤمنين‌ وبثّ النفاق‌ في‌ جماعتهم‌، ونشر الشبهات‌ والخرافات‌ بينهم‌ لإفساد دينهم‌ .

 وقد كانوا يأخذون‌ بادي‌ الامر يفتّرون‌ عزيمة‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ ويستمحقون‌ همّته‌ في‌ الدعوة‌ الدينيّة‌ بالمال‌ والجاه‌، كما يشير إلیه‌ قوله‌ تعإلی‌: وَانْطَلَقَ الْمَلاَ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا واصْبِرُوا علی‌'´ ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هَـ'ذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ. [13] أو بمخالطة‌ أو مداهنة‌، كما يشير إلیه‌ قوله‌ تعإلی‌: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُون‌. [14]

 وقوله‌ تعإلی‌: وَلَوْلآ أَن‌ ثَبَّتْنَـ'كَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلیهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً. [15]

 وكان‌ آخر ما يرجونه‌ في‌ زوال‌ الدين‌، وموت‌ الدعوة‌ المحقّة‌، أنـّه‌ سيموت‌ بموت‌ هذا القائم‌ بأمره‌ ولا عقب‌ له‌ . فإنَّ المشركين‌ كانوا يرون‌ النبوّة‌ حكومة‌ ورئاسة‌ في‌ صورة‌ النبوّة‌، وسلطنة‌ في‌ لباس‌ الدعوة‌ والرسالة‌. وكانوا يقولون‌: لو مات‌ لانقطع‌ أثره‌، ومات‌ ذكره‌، وذكر دينه‌ علی‌ ما هو المشهود عادة‌ من‌ حال‌ السلاطين‌ والجبابرة‌ أنـّهم‌ مهما بلغ‌ أمرهم‌ من‌ التعإلی‌ والتجبّر وركوب‌ رقاب‌ الناس‌، فإنَّ ذكرهم‌ يموت‌ بموتهم‌، وسننهم‌ وقوانينهم‌ الحاكمة‌ بين‌ الناس‌ تدفن‌ معهم‌ في‌ قبورهم‌ إلاّ أن‌ يكون‌ لهم‌ ولد يحفظ‌ من‌ بعدهم‌ الحكم‌ والسلطنة‌ والسنن‌ . ومحمّد الذي‌ لا عقب‌ له‌ علی‌ هذه‌ السيرة‌، سيموت‌ دينه‌ بموته‌ أو قتله‌ . ويشير إلی‌ رجائهم‌ هذا قوله‌ تعإلی‌: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ . [16]

 فقد كانت‌ هذه‌ الاشياء وأمثالها أماني‌ تمكّن‌ الرجاء من‌ نفوسهم‌، وتطمعهم‌ في‌ إطفاء نور الدين‌، وتزيّن‌ لاوهامهم‌ أنَّ هذه‌ الدعوة‌ ليست‌ إلاّ أُحدوثة‌ ستقضي‌ علیها المقادير ويعفو أثرها مرور الليإلی‌ والايّام‌ .

 لكنَّ ظهور الإسلام تدريجاً، وانتشار صيته‌، واعتلاء كلمته‌ بالشوكة‌ والقوّة‌ قضي‌ علی‌ هذه‌ الاماني‌ . ذلك‌ أنـّهم‌ لم‌ يستطيعوا أن‌ يزعزعوا عزيمة‌ النبي‌ّ، ويوقفوا همّته‌ بالمال‌ والجاه‌ اللذين‌ كانا يعرضانهما علیه‌ .

 قوّة‌ الإسلام وشوكته‌ أيأستهم‌ من‌ جميع‌ تلك‌ الاسباب‌، إلاّ واحداً، وهو أنَّ محمّداً صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ مقطوع‌ العقب‌، لا ولد له‌ يخلفه‌ في‌ أمره‌، ويقوم‌ علی‌ ما قام‌ علیه‌ من‌ الدعوة‌ الدينيّة‌، فستموت‌ دعوته‌ بموته‌.

 لانـّه‌ من‌ البديهي‌ّ أنَّ كمال‌ الدين‌ من‌ جهة‌ أحكامه‌ ومعارفه‌، وإن‌ بلغ‌ ما بلغ‌، لا يقوي‌ بنفسه‌ علی‌ حفظ‌ نفسه‌، وأنَّ أيّة‌ سنّة‌ من‌ السنن‌ الإلهيّة‌ والاديان‌ المتّبعة‌ لا تبقي‌ علی‌ نضارتها وصفائها، لا بنفسها ولابانتشار صيتها، ولا بكثرة‌ المنتحلين‌ والاتباع‌، كما أنـّها لا تنمحي‌ ولاتنطمس‌ بقهر أو جبر أو تهديد أو فتنة‌ أو عذاب‌ إلاّ بموت‌ حملتها وحفظتها والقائمين‌ بتدبير أمرها .

 ومن‌ جميع‌ ما تقدّم‌، يظهر أنَّ تمام‌ يأس‌ الكفّار إنّما يتحقّق‌ عندما ينصّب‌ الله‌ لهذا الدين‌ من‌ يقوم‌ مقام‌ النبي‌ّ في‌ حفظه‌ وتدبير أمره‌، وإرشاد الاُمّة‌ القائمة‌ به‌ .

 وفي‌ هذه‌ الحالة‌ التي‌ شاهد فيها الكفّار انتقال‌ الدين‌ من‌ مرحلة‌ القيام‌ بالحامل‌ الشخصي‌ّ إلی‌ مرحلة‌ القيام‌ بالحامل‌ النوعي‌ّ، وتحوّله‌ من‌ صفة‌ الحدوث‌ إلی‌ صفة‌ البقاء في‌ مراحل‌ كماله‌، سيطر إلیأس‌ علی‌ وجودهم‌ كلّه‌. وهذا هو إكمال‌ الدين‌ وإتمام‌ النعمة‌ .

 وليس‌ ببعيد أن‌ يكون‌ قوله‌ تعإلی‌: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ لَوْ يَرُدُّونَكُم‌ مِّن‌ بَعْدِ إِيمَـ'نِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم‌ مِّن‌ بَعْدِ مَا تَبَيِّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي‌' يَأْتِيَ اللَهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَهَ علی‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، باشتماله‌ علی‌ قوله‌ حَتَّي‌' يَأْتِيَ اللَهُ بِأَمْرِهِ إشارة‌ إلی‌ هذا المعني‌ . أي‌: أنَّ أمر الله‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ يأتي‌، ويخرج‌ المؤمنون‌ من‌ طمع‌ الكفّار، هو ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ التي‌ سيثبت‌ الدين‌ بواسطتها.

 وهذا يؤيّد ما ورد من‌ الروايات‌ أنَّ الآية‌ نزلت‌ يوم‌ غدير خمّ، وهو إلیوم‌ الثامن‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌ سنة‌ عشر من‌ الهجرة‌ في‌ ولاية‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌. ولذلك‌ ترتبط‌ الفقرتان‌ إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ و إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ أوضح‌ الارتباط‌، ولايرد علی‌ هذا الوجه‌ شي‌ء من‌ الإشكالات‌ المتقدّمة‌.

 ولمّا عُلِمَ معني‌ إلیأس‌ في‌ الآية‌، يتسنّي‌ لنا أن‌ نعرف‌ أنَّ إلیومَ ظرف‌ متعلّق‌ بقوله‌: يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا . وأنَّ التقديم‌ للدلالة‌ علی‌ تفخيم‌ أمر إلیوم‌ وتعظيم‌ شأنه‌، لما فيه‌ من‌ خروج‌ الدين‌ من‌ مرحلة‌ القيام‌ بالقيّم‌ الشخصي‌ّ إلی‌ مرحلة‌ القيام‌ بالقيّم‌ النوعي‌ّ ؛ ومن‌ صفة‌ الظهور والحدوث‌ إلی‌ صفة‌ البقاء والدوام‌.

 الآية‌ الكريمة‌ إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ تبيّن‌ حكماً خارجيّاً وتكوينيّاً يشتمل‌ علی‌ البشري‌ من‌ وجه‌، والتحذير من‌ وجه‌ آخر، ويدلّ علی‌ تعظيم‌ أمر إلیوم‌ لاشتماله‌ علی‌ خير عظيم‌ الجدوي‌، وهو يأس‌ الذين‌ كفروا من‌ دين‌ المؤمنين‌ . والمراد بالذين‌ كفروا مطلق‌ الكفّار من‌ يهود ونصاري‌ ووثنيّين‌ ومجوس‌، لإطلاق‌ اللفظ‌ .

المراد من‌ خشية‌ الله‌، الخوف‌ في‌ مقام‌ الولاية‌

 وأمّا النهي‌ في‌ قوله‌: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِ فهو نهي‌ إرشادي‌ّ لامولوي‌ّ. ومعناه‌ أن‌ لا موجب‌ للخشية‌ بعد يأس‌ الكفّار الذين‌ كنتم‌ في‌ معرض‌ الخطر من‌ قبلهم‌ ؛ لانـّه‌ من‌ المعلوم‌ أنَّ الإنسان‌ لا يهمّ بأمر بعد تمام‌ إلیأس‌ من‌ الحصول‌ علیه‌ ولا يسعي‌ إلی‌ ما يعلم‌ أنـّه‌ خطأ . فأنتم‌ أيّها المسلمون‌ في‌ أمن‌ من‌ ناحية‌ الكفّار، ولا ينبغي‌ لكم‌ مع‌ ذلك‌ الخشية‌ منهم‌ علی‌ دينكم‌ ! فلا تخشوهم‌ علی‌ دينكم‌ واخشوني‌ !

 بمقتضي‌ سياق‌ الآية‌: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِ يظهر أنَّ المراد بقوله‌: وَاخْشَونِ، أن‌ اخشوني‌ فيما كان‌ علیكم‌ أن‌ تخشوهم‌ فيه‌ لولا يأسهم‌ . وهو الدين‌ ونزعه‌ من‌ أيديكم‌ ؛ وهذا نوع‌ من‌ الخشية‌ الخاصّة‌ .

 أي‌: علیكم‌ أن‌ تخشوني‌ في‌ الدين‌ ونزعه‌ من‌ أيديكم‌ . وهذا نوع‌ تهديد للمخاطبين‌، ولهذا لم‌ نحمل‌ الآية‌ علی‌ الامتنان‌ .

 ويؤيّد ما ذكرنا أنَّ الخشية‌ من‌ الله‌ واجبة‌ علی‌ أي‌ّ تقدير من‌ غير أن‌ تتعلّق‌ بوضع‌ دون‌ وضع‌، وظرف‌ دون‌ ظرف‌ . ولو لم‌ تكن‌ خشية‌ خاصّة‌ في‌ وضع‌ خاصّ، فلا وجه‌ للإضراب‌ من‌ قوله‌: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ إلی‌ قوله‌: وَاخْشَونِ . فهذه‌ الآية‌ تأمر بخشية‌ خاصّة‌ غير الخشية‌ العامّة‌ التي‌ تجب‌ علی‌ المؤمن‌ علی‌ كلّ تقدير، وفي‌ جميع‌ الاحوال‌ لا تخلو من‌ نوع‌ من‌ التحذير والتهديد. فلننظر ما هي‌ خصوصيّة‌ هذه‌ الخشية‌ ؟ وما هو السبب‌ الموجب‌ لوجوبها والامر بها في‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ ؟

 لا شكّ أنَّ هاتين‌ الفقرتين‌ من‌ الآية‌، أعني‌ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ، وقوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ مرتبطتان‌ مسوقتان‌ لغرض‌ واحد، كما أشرنا من‌ قبل‌ . فالدين‌ الذي‌ أكمله‌ الله‌ ذلك‌ إلیوم‌، والنعمة‌ التي‌ أتمّها ـوهما أمر واحد بحسب‌ الحقيقة‌ـ هو الذي‌ كان‌ يطمع‌ فيه‌ الكفّار ويخشاهم‌ فيه‌ المؤمنون‌، فأيأسهم‌ الله‌ منه‌، وأكمله‌ وأتمّه‌ للمؤمنين‌، ونهاهم‌ عن‌ أن‌ يخشوهم‌ فيه‌.

 فالشي‌ء الذي‌ أمر الله‌ المؤمنين‌ بالخشية‌ من‌ نفسه‌ فيه‌ هو ذاك‌ بعينه‌ الذي‌ أكمله‌ الله‌ وأتمّه‌ . والخشية‌ من‌ الله‌ فيه‌ تتمثّل‌ في‌ أن‌ ينزع‌ الله‌ الدين‌ من‌ أيديهم‌، ويسلبهم‌ هذه‌ النعمة‌ الموهوبة‌.

 ونعلم‌ أنَّ الله‌ بيّن‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ أن‌ لا سبب‌ لسلب‌ النعمة‌ إلاّ الكفر بها، وهدّد الكفور أشدّ التهديد، فقال‌ جلّ من‌ قائل‌: ذَ ' لِكَ بِأَنَّ اللَهَ لَمْيَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا علی‌' قَوْمٍ حَتَّي‌' يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَهَ سَمِيعٌ علیمٌ. [17]

 وقال‌ تعإلی‌: وَمَن‌ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَهِ مِن‌ بَعْدِ مَا جَإتْهُ فَإِنَّ اللَهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. [18]

 وضرب‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ مثلاً عامّاً لنعمه‌ التي‌ ينعم‌ بها علی‌ عباده‌، وما يؤول‌ إلیه‌ أمر الكفر بها، فقال‌: وَضَرَبَ اللَهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَنءِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن‌ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَهِ فَأَذَ ' قَهَا اللَهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. [19]

 وفي‌ ضوء ما قيل‌ فإنَّ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ إلی‌ قوله‌: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا يؤذن‌ بأنَّ المسلمين‌ في‌ أمن‌ من‌ جهة‌ الكفّار وهم‌ مصونون‌ من‌ الخطر المتوجّه‌ من‌ قبلهم‌، وأنـّهم‌ لايتسرّب‌ إلیهم‌ شي‌ء من‌ الفساد والهلاك‌ إلاّ من‌ قبل‌ المسلمين‌ أنفسهم‌ . وأنَّ ذلك‌ إنَّما يكون‌ بكفرهم‌ بهذه‌ النعمة‌ التامّة‌ ورفضهم‌ هذا الدين‌ الكامل‌. وحينئذٍ يسلبهم‌ الله‌ نعمته‌ ويغيّرها إلی‌ النقمة‌ ؛ ويذيقهم‌ لباس‌ الجوع‌ والخوف‌.

 أجل‌ قد فعل‌ المسلمون‌ ذلك‌ ففعل‌ الله‌ بهم‌ أيضاً . تغيّروا فغيّر الله‌ نعمته‌. ومن‌ أراد الوقوف‌ علی‌ مبلغ‌ صدق‌ هذه‌ الآية‌ وإخبارها بالغيب‌ المستفاد من‌ قوله‌ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِ، فعلیه‌ أن‌ يتأمّل‌ في‌ انحطاط‌ العالَم‌ الإسلام ي‌ّ هذا إلیوم‌، ثمّ يرجع‌ القهقري‌، فيتصفّح‌ التأريخ‌، ويحلّل‌ أحداثه‌ واحداً بعد الآخر حتّي‌ يحصل‌ علی‌ أُصول‌ القضايا وجذورها بعد وفاة‌ الرسول‌ الاعظم‌.

الفرق‌ بين‌ الكمال‌ والتمام‌ في‌ كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌

 وبعد أن‌ عرفنا معني‌ إلیوم‌، علینا أن‌ نعرف‌ معني‌ الكمال‌ والتمام‌. قال‌ الراغب‌ الإصفهاني‌ّ في‌ « مفردات‌ القرآن‌ »: كَمَالُ الشَّي‌ءِ حُصُولُ مَا هُوَ الغَرَضُ مِنهُ ـ انتهي‌ . وقال‌: وَتَمَامُ الشَّي‌ءِ انْتِهَاؤُهُ إلی‌ حَدٍّ لاَ يَحْتَاجُ إلی‌ شَي‌ءٍ خَارِجٍ عَنهُ . وَالنَّاقِصُ مَا يَحتَاجُ إلی‌ شَي‌ءٍ خَارِجٍ عَنهُ ـانتهي‌.

 ونقول‌ لتوضيح‌ هذا المعني‌: آثار الاشياء علی‌ ضربين‌: ضرب‌ منها ما يترتّب‌ علی‌ الشي‌ء عند وجود جميع‌ أجزائه‌ بحيث‌ لو فقد شي‌ء من‌ أجزائه‌ أو شرائطه‌ لم‌ يترتّب‌ علیه‌ ذلك‌ الامر، كالصوم‌ فإنَّه‌ يفسد إذا أُخِلَّ بالإمساك‌ في‌ بعض‌ النهار، ويسمّي‌ كون‌ الشي‌ء علی‌ هذا الوصف‌ بالتمام‌. كقوله‌ تعإلی‌: ثُمَّ أَتِمُوا الصِّيَامَ إلی‌ إلیلِ. [20]

 وقوله‌: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَصِدْقًا وَعَدْلاً . [21]

 وضرب‌ آخر: الاثر الذي‌ يترتّب‌ علی‌ الشي‌ء من‌ غير توقّف‌ علی‌ حصول‌ جميع‌ أجزائه‌، بل‌ أثر المجموع‌ كمجموع‌ آثار الاجزاء. فكلّما وجد جزء ترتّب‌ علیه‌ من‌ الاثر ما هو بحسبه‌ . ولو وجد الجميع‌ ترتّب‌ علیه‌ كلّ الاثر المطلوب‌ منه‌، كقوله‌: فَمَن‌ لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـ'ثَةِ أَيَّامٍ فِي‌ الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ. [22]

 ذلك‌ أنـّنا نعلم‌ أنَّ أثر الترتّب‌ علی‌ بعض‌ هذه‌ الايّام‌ لايتوقّف‌ علی‌ الاثر المترتّب‌ علی‌ المجموع‌ من‌ حيث‌ المجموع‌، وكلّ يوم‌ وحده‌ موضع‌ ترتّب‌ الاثر وصحّة‌ الصوم‌.

 ومن‌ هنا ينتج‌ أنَّ قوله‌ تعإلی‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ يفيد أنَّ المراد بالدين‌ هو مجموع‌ المعارف‌ والاحكام‌ المشرّعة‌، وقد أُضيف‌ إلی‌ عددها إلیوم‌ شي‌ء ؛ وأنَّ النعمة‌ أمر معنوي‌ّ واحد كأنـّه‌ كان‌ ناقصاً غير ذي‌ أثر، فتمّ وترتّب‌ علیه‌ الاثر المتوقّع‌ منه‌.

المراد من‌ النعمة‌ الولاية‌

 والنعمة‌ هي‌ ما يلائم‌ طبع‌ الشي‌ء من‌ غير امتناعه‌ منه‌. والاشياء وإن‌ كانت‌ بحسب‌ وقوعها في‌ نظام‌ التدبير متّصلة‌ مرتبطة‌ متلائمة‌، وأكثرها أو جميعها نِعم‌ إذا أُضيفت‌ إلی‌ بعض‌ آخر مفروض‌، كما قال‌ تعإلی‌: وَإِن‌ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَهِ لاَ تُحْصُوهَا. [23]

 وقال‌: وَأَسْبَغَ علیكُمْ نِعَمَهُ و ظَـ'هِرَةً وَبَاطِنَةً. [24]

 إلاّ أنـّه‌ تعإلی‌ وصف‌ بعضها بالشرّ والخسّة‌ واللعب‌ واللهو وأوصاف‌ أُخري‌ غيرممدوحة‌. كقوله‌: وَمَا هَـ'ذِهِ الْحَيَو'ةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الاْخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. [25]

 وقوله‌: لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي‌ الْبِلَـ'دِ * مَتَـ'عٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَب'هُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ. [26]

 وهذه‌ الآيات‌ تدلّ علی‌ أنَّ هذه‌ الاشياء المعدودة‌ نعماً إنَّما تكون‌ نعمة‌ إذا وافقت‌ الغرض‌ الإلهي‌ّ من‌ خلقتها لاجل‌ الإنسان‌ . فإنَّها إنَّما خلقت‌ لتكون‌ إمداداً إلهيّاً للإنسان‌ يتصرّف‌ فيها في‌ سبيل‌ سعادته‌ الحقيقيّة‌ وهي‌ القرب‌ منه‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ بالعبوديّة‌ والخضوع‌ لربوبيّته‌ العزيزة‌.

 قال‌ تعإلی‌: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونَ. [27]

 فكلّ ما تصرّف‌ فيه‌ الإنسان‌ للسلوك‌ به‌ إلی‌ حضرة‌ القرب‌ من‌ الله‌ وابتغاء مرضاته‌ فهو نعمة‌ . وإن‌ انعكس‌ الامر عاد نقمة‌ في‌ حقّه‌.

 وعلی‌ هذا فالاشياء في‌ نفسها بدون‌ ملاحظة‌ هاتين‌ الجهتين‌، لانعمة‌، ولانقمة‌. وإنَّما هي‌ نعمة‌ لاشتمالها علی‌ روح‌ العبوديّة‌، ودخولها من‌ حيث‌ التصرّف‌ المذكور تحت‌ ولاية‌ الله‌ التي‌ هي‌ تدبير الربوبيّة‌ لشؤون‌ العبد. ولازمه‌ أنَّ النعمة‌ بالحقيقة‌ هي‌ الولاية‌ الاءلهيّة‌ . وأنَّ الشي‌ء إنَّما يصير نعمة‌ إذا كان‌ مشتملاً علی‌ شي‌ء منها، وهي‌ العبوديّة‌.

 قال‌ تعإلی‌: اللَهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلی‌ النُّورِ. [28]

 وقال‌: ذَ ' لِكَ بِأَنَّ اللَهَ مَوْلَي‌ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَـ'فِرِينَ لاَمَوْلَي‌' لَهُمْ. [29]

 وقال‌ في‌ حقّ ولاية‌ رسوله‌:

 فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّي‌' يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُوا فِي‌´ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. [30]

 لذلك‌، فالإسلام ‌، وهو مجموع‌ ما نزل‌ من‌ عند الله‌ ليعبده‌ به‌ عباده‌، دين‌. وهو من‌ جهة‌ اشتماله‌ ـمن‌ حيث‌ العمل‌ به‌ـ علی‌ ولاية‌ الله‌ وولاية‌ رسوله‌ وأولياء الامر بعده‌ نعمة‌.

 ولا تتمّ ولاية‌ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌، أي‌: تدبيره‌ بالدين‌ لاُمور عباده‌، إلاّ بولاية‌ رسوله‌، ولا ولاية‌ رسوله‌ إلاّ بولاية‌ أُولي‌ الامر من‌ بعده‌.

 وتدبير أُولي‌ الامر للشؤون‌ الدينيّة‌ بإذن‌ من‌ الله‌، كما قال‌ عزّ من‌ قائل‌:

 يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ. [31]

 وقال‌ أيضاً: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَهُ وَرَسُولُهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَو'ةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَو'ةَ وَهُمْ رَ ' كِعُونَ. [32]

 ونحن‌ تحدّثنا بالتفصيل‌ عن‌ تفسير هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ في‌ الدرس‌ الثاني‌ والسبعين‌ إلی‌ الدرس‌ الخامس‌ والسبعين‌ من‌ دروس‌ الجزء الخامس‌ من‌ كتابنا هذا.

 وحاصل‌ القول‌ في‌ تفسير الآية‌ التي‌ هي‌ موضع‌ بحثنا: إلیومَ وهو إلیوم‌ الذي‌ يئس‌ فيه‌ الذين‌ كفروا من‌ دينكن‌، أَكْمَلْتُ لَكُمْ مجموعة‌ المعارف‌ الدينيّة‌ التي‌ أنزلها إلیكم‌ بفرض‌ الولاية‌، و أَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌، وهي‌ الولاية‌ التي‌ تمثّل‌ إدارة‌ شؤون‌ الدين‌ وتدبيرها تدبيراً إلهيّاً. فإنَّها كانت‌ إلی‌ إلیوم‌ ولاية‌ الله‌ ورسوله‌، وهي‌ إنّما تكفي‌ ما دام‌ الوحي‌ ينزل‌، ولاتكفي‌ لما بعد ذلك‌ من‌ زمان‌ انقطاع‌ الوحي‌. فلارسول‌ بين‌ الناس‌ يحمي‌ دين‌ الله‌ ويذبّ عنه‌. والواجب‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ أن‌ ينصّب‌ من‌ يقوم‌ بذلك‌، وهو ولي‌ّ الامر بعد رسول‌ الله‌ القيّم‌ علی‌ أُمور الدين‌ والاُمّة‌.

 فالولاية‌ في‌ زمن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ مشروعة‌ واحدة‌ كانت‌ ناقصة‌ غير تامّة‌ حتّي‌ إذا تمّت‌ بنصب‌ ولي‌ّ الامر بعد النبي‌ّ.

 وعلی‌ هذا، يكون‌ المعني‌ كالآتي‌: إذا كمل‌ الدين‌ في‌ تشريعه‌، وتمّت‌ نعمة‌ الولاية‌ فقد رضيت‌ لكم‌ من‌ حيث‌ الدين‌ الإسلام الذي‌ هو دين‌ التوحيد الذي‌ لايعبد فيه‌ إلاّ الله‌، ولا يطاع‌ فيه‌ إلاّ الله‌، ومَن‌ أمر بطاعته‌ من‌ رسول‌ أو ولي‌ّ.

 فهذه‌ الآية‌ تنبي‌ عن‌ أنَّ المؤمنين‌ إلیوم‌ في‌ أمن‌ بعد خوفهم‌، وأنَّ الله‌ رضي‌ لهم‌ أن‌ يتديّنوا بالإسلام الذي‌ هو دين‌ التوحيد. فعلیهم‌ أن‌ يعبدوه‌ ولايشركوا به‌ شيئاً بطاعة‌ غير الله‌ أو من‌ أمر بطاعته‌.

آية‌ إكمال‌ الدين‌ من‌ مصادق‌ الآية‌: وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ

 وإذا تدبّرنا فقرات‌ هذه‌ الآية‌ من‌ إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ فَلاَتَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِ، ومن‌ إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا، وتمعّنا في‌ فقرات‌ الآية‌ 55 من‌ سورة‌ النور، وجدنا أنَّ آية‌ سورة‌ المائدة‌ من‌ مصاديق‌ إنجاز الوعد الذي‌ وعده‌ الله‌ المؤمنين‌ في‌ تلك‌ السورة‌، إذ يقول‌ عزّ اسمه‌ هناك‌:

 وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمَلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي‌ الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي‌ ارْتَضَي‌' لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم‌ مِّن‌ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي‌ لاَ يُشْرِكُونَ بِي‌ شَيْـًا وَمَن‌ كَفَرَ بَعْدَ ذَ ' لِكَ فَأُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْفَـ'سِقُونَ.

 نلحظ‌ في‌ هذه‌ الآية‌ أنَّ الله‌ قد قدّم‌ للمؤمنين‌ العاملين‌ الصالحات‌ وعوداً وجعل‌ الهدف‌ من‌ هذه‌ الوعود المتمثّلة‌ بالتمكّن‌ في‌ الارض‌، واستبدال‌ الامن‌ بالخوف‌، والخلافة‌، وإمكان‌ العمل‌ بالدين‌ المرضي‌ّ، التوحيد في‌ العبادة‌، وعدم‌ الشرك‌ «يَعْبُدُونَنِي‌ لاَ يُشْرِكُونَ بِي‌ شَيْـًا» كما أنَّ قوله‌: «وَمَن‌ كَفَرَ بَعْدَ ذَ ' لِكَ فَأُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْفَـ'سِقُونَ» إشارة‌ إلی‌ هذا الهدف‌ أيضاً. فعلی‌ هذا، يلاحظ‌ جيّداً أنَّ الفقرات‌ التإلیة‌ هي‌ من‌ مصاديق‌ إنجاز تلك‌ الوعود: إلیومَ يَئِسَ، إلیومَ أَكْمَلْتُ، وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا . وسيكون‌ ظهور قائم‌ آل‌ محمّد الحجّة‌ ابن‌ الحسن‌ العسكري‌ّ أرواحنا فداه‌ من‌ المصاديق‌ الاُخري‌، بل‌ من‌ أوضحها وأكثرها إشراقاً.

 ولمّا كانت‌ سورة‌ النور قبل‌ سورة‌ المائدة‌ نزولاً، كما يدلّ علیه‌ اشتماله‌ علی‌ قضيّة‌ الافك‌، وآية‌ الجَلْد، وآية‌ الحجاب‌، فإنَّ تلك‌ الوعود السالفة‌ قد تحقّقت‌ في‌ الزمن‌ اللاحق‌ المتمثّل‌ بيوم‌ غدير خمّ.

 المراد من‌ إلیوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ يوم‌ الغدير

 علمنا ممّا تقدّم‌ من‌ البحث‌ أنَّ إلیوم‌ الذي‌ هو ظرف‌ ليأس‌ الكافرين‌، وإكمال‌ الدين‌، وإتمام‌ النعمة‌ علی‌ المؤمنين‌ لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ غير يوم‌ الغدير. وهذا هو البحث‌ المستفاد من‌ الآية‌ نفسها دون‌ أن‌ نضمّ إلیها الروايات‌. فعلی‌ هذا قلنا: إنَّ الروايات‌ المأثورة‌ عن‌ العامّة‌ التي‌ يصل‌ سندها إلی‌ عمر غالباً، وتذكر أنَّ المراد من‌ «إلیومَ» هو يوم‌ عرفة‌ ليس‌ لها أي‌ّ اعتبار لانَّ مضمونها يخالف‌ الكتاب‌ . وذِكر البخاري‌ّ ومسلم‌ تلك‌ الروايات‌ في‌ صحيحيهما ليس‌ دليلاً علی‌ صحّتها، كما قلنا إنَّ البخاري‌ّ ومسلم‌ قد تفرّدا في‌ عدم‌ نقل‌ قصّة‌ الغدير . ومن‌ هنا يمكن‌ أن‌ نقف‌ علی‌ قيمة‌ هذين‌ الكتابين‌ ووزنهما. فما شأن‌ صاحبيهما لم‌ يذكرا الغدير، وهو من‌ المسلّمات‌، بل‌ من‌ ضرورات‌ الإسلام ‌، بل‌ ضرورات‌ التأريخ‌، فتأمّل‌ جيّداً. ثمّ تأمّل‌ في‌ السبب‌ الذي‌ دعا إلی‌ الشأن‌ الذي‌ يتمتّع‌ به‌ الكتابان‌ عند علماء العامّة‌ الذين‌ تربّعوا علی‌ أريكة‌ الإفتاء والتفسير والحديث‌ أيّام‌ العبّاسيّين‌ وبعدهم‌.

 يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ كلّه‌، أنَّ الاحاديث‌ الواردة‌ في‌ نزول‌ الآية‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ في‌ ولاية‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ أفضل‌ صلوات‌ المصلّين‌ التي‌ تربوا علی‌ العشرين‌ عن‌ طريق‌ الفريقين‌ مرتبطة‌ بما ورد في‌ شأن‌ نزول‌ آية‌ التبليغ‌: يَآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن‌ رَّبِّكَ وَإِن‌ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَاللَهُ لاَ يَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْكَـ'فِرِينَ . وتربوا تلك‌ الاحاديث‌ أيضاً عن‌ الفريقين‌ علی‌ خمسة‌ وعشرين‌ حديثاً. وهاتان‌ الطائفتان‌ من‌ الاحاديث‌ كلّها مرتبطة‌ بحديث‌ الغدير: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی‌ٌّ مَوْلاَهُ . وكما عرفنا، فإنَّ حديث‌ الغدير حديث‌ متواتر، بل‌ هو فوق‌ التواتر إذ رواه‌ جمّ غفير من‌ الصحابة‌ يزيد عددهم‌ علی‌ مائة‌ وعشرة‌، عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ . ومضافاً إلی‌ جميع‌ علماء الشيعة‌ فقد اعترف‌ بتواتره‌ جمع‌ كثير من‌ علماء العامّة‌.

 ومن‌ المتّفق‌ علیه‌ أنَّ ذلك‌ كان‌ في‌ منصرف‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ مكّة‌ إلی‌ المدينة‌، بعد يوم‌ عرفة‌ بتسعة‌ أيّام‌. وهذه‌ الولاية‌ فريضة‌ من‌ الفرائض‌ كالتولّي‌ والتبرّي‌ الذين‌ نصّ علیهما القرآن‌ الكريم‌ في‌ آيات‌ كثيرة‌. فلم‌يجز أن‌ يكون‌ وجوبها وتشريعها بعد قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . فعلی‌ هذا نزلت‌ آية‌ الإكمال‌ بعد تشريع‌ الولاية‌، ولايمكن‌ أن‌ يكون‌ إلیوم‌ يوم‌ عرفة‌ . وهكذا فالروايات‌ المنافية‌ لنزول‌ الآية‌ في‌ يوم‌ الغدير ساقطة‌ من‌ درجة‌ الاعتبار ذاتيّاً لمخالفة‌ مضمونها الكتاب‌.

يمكن‌ أن‌ يكون‌ نزول‌ آية‌ الولاية‌ في‌ يوم‌ عرفة‌، وتبليغها يوم‌ الغدير

 ولكن‌ هنا نكتة‌ يجب‌ التنبيه‌ علیها وهي‌: أنَّ التدبّر في‌ الآيتين‌ الكريمتين‌: يَآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن‌ رَّبِّكَ وَإِن‌ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا، والتدبّر في‌ الاحاديث‌ الواردة‌ من‌ طرق‌ الفريقين‌ في‌ تفسير هاتين‌ الآيتين‌، وكذلك‌ في‌ روايات‌ الغدير المتواترة‌، ودراسة‌ أوضاع‌ المجتمع‌ الإسلام ي‌ّ الداخليّة‌ في‌ أواخر حياة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ والبحث‌ العميق‌ في‌ خصوصيّاتها، كلّ ذلك‌ يفيد القطع‌ وإلیقين‌ للباحث‌ والمتتبّع‌ في‌ التأريخ‌ والحديث‌ والتفسير بأنَّ أمر الولاية‌ ووجوبها وتشريعها كلّ أُولئك‌ كان‌ نازلاً قبل‌ يوم‌ الغدير بأيّام‌، وكان‌ النبي‌ّ يتّقي‌ الناس‌ في‌ إظهاره‌، ويخاف‌ أن‌ لا يتلقّوه‌ بالقبول‌، أو يسيئوا القصد إلیه‌، فيختلّ أمر الدعوة‌ ؛ فكان‌ لا يزال‌ يؤخّر تبليغه‌ الناس‌ من‌ يوم‌ إلی‌ غد حتّي‌ نزل‌ قوله‌ تعإلی‌: يَآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ في‌ يوم‌ الغدير، فلم‌يمهل‌ في‌ ذلك‌.

 وعلی‌ هذا فمن‌ الجائز أن‌ ينزل‌ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ معظم‌ السورة‌، وفيه‌ قوله‌ إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وينزل‌ معه‌ أمر الولاية‌، كلّ ذلك‌ يوم‌ عرفة‌، فأخّر النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ تبليغ‌ ذلك‌ للناس‌ حتّي‌ يوم‌ الغدير، وقد كان‌ تلا آية‌ الإكمال‌ يوم‌ عرفة‌.

 وأمّا اشتمال‌ بعض‌ الروايات‌ علی‌ نزولها يوم‌ الغدير، فليس‌من‌ المستبعد أن‌ يكون‌ ذلك‌ لتلاوة‌ رسول‌ الله‌ الآية‌ مقارنة‌ لتبليغ‌ أمر الولاية‌، لكونها في‌ شأنها.

 ولذلك‌ يجمع‌ بين‌ هاتين‌ المجموعتين‌ من‌ الروايات‌ ـالروايات‌ الواردة‌ في‌ نزول‌ آية‌ الإكمال‌ يوم‌ عرفة‌، والواردة‌ في‌ نزولها يوم‌ الغديرـ ولاتنافي‌ بينها، فإنَّ التنافي‌ إنَّما كان‌ يتحقّق‌ لو كان‌ النزول‌ في‌ يوم‌ عرفة‌، ويوم‌ الغدير. وأمّا لو كان‌ النزول‌ في‌ يوم‌ عرفة‌، والإبلاغ‌ في‌ يوم‌ الغدير فلاتنافي‌ في‌ الموضوع‌. وأمّا ما جاء في‌ الروايات‌ أنـّه‌ يوم‌ عرفة‌ حيث‌ إنَّ الآية‌ تدلّ علی‌ كمال‌ الدين‌ بالحجّ وما أشبهه‌، فهو من‌ فهم‌ الراوي‌ ولاينطق‌ به‌ الكتاب‌، ولابيان‌ من‌ النبي‌ّ يُعتمد علیه‌.

 والشاهد علی‌ هذا الجمع‌ بين‌ هاتين‌ المجموعتين‌ من‌ الروايات‌ رواية‌ نقلها العيّاشي‌ّ في‌ تفسيره‌ عن‌ جعفر بن‌ محمّد بن‌ محمّد الخزاعي‌ّ، عن‌ أبيه‌، قال‌: سمعت‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ يقول‌:

 لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ عَرَفَاتَ يَومَ الجُمُعَةِ أَتَاهُ جَبْرَئيلُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ اللَهَ يُقْرِئكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ لَكَ: قُلْ لاُِمَّتِكَ: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بِولاَيَةِ علی‌ِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ، وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا، وَلَسْتُ أُنْزِلُ علیكُمْ بَعْدَ هَذَا، قَدْ أَنْزَلْتُ علیكُمْ الصَّلاَةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ، وَهِي‌َ الْخَامِسَةُ، وَلَسْتُ أَقْبَلُ هَذِهِ الاَرْبَعَةَ إلاَّ بِهَا. [33]

قول‌ إلیهود: لو كانت‌ آية‌ الإكمال‌ نازلة‌ علینا لاتّخذنا ذلك‌ إلیوم‌ عيداً

 علی‌ أنَّ فيما نقل‌ عن‌ عمر من‌ نزول‌ الآية‌ يوم‌ عرفة‌ إشكالاًآخر، لانـّه‌ جاء في‌ جميع‌ هذه‌ الروايات‌ أنَّ بعض‌ أهل‌ الكتاب‌ ـوفي‌ بعضها أنـّه‌ كعب‌ـ [34] قال‌ لعمر: إنَّ فِي‌ القُرْآنِ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ مِثْلُهَا علینَا مَعْشَرَ إلیهُودِ لاَتَّخَذْنَا إلیوْمَ الَّذِي‌ نَزَلَتْ فِيهِ عِيدَاً ـوَهِي‌َ قَوْلُهُ: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْـالآية‌.

 فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَهِ إنِّي‌ لاَعْلَمُ إلیوْمَ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَة‌ مِـنْ حِجَّةِ الوَدَاعِ . [35]

 وروي‌ ابن‌ راهويه‌، وعبد بن‌ حميد، عن‌ أبي‌ العإلیة‌، قال‌: كانوا عند عمر، فذكروا هذه‌ الآية‌، فقال‌ رجل‌ من‌ أهل‌ الكتاب‌: لو علمنا أي‌ّ يوم‌ نزلت‌ هذه‌ الآية‌، لاتّخذناه‌ عيداً، فقال‌ عمر: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ جَعَلَهُ لَنَا عِيدَاً وَإلیوْمَ الثَّانِي‌، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ الثَّانِي‌ النَّحْرُ فَأَكْمَلَ لَنَا الاَمْرَ فَعَلِمْنَا أَنَّ الاَمْرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي‌ انْتِقَاصٍ. [36]

 ونقل‌ السيوطي‌ّ ذيل‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ « الدرّ المنثور » بشكل‌ آخر عن‌ ابن‌ أبي‌ شيبة‌، وابن‌ جرير، عن‌ عنترة‌، قال‌: لمّا نزلت‌ [الآية‌ ]: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، و [كان‌ ] ذلك‌ يوم‌ الحجّ الاكبر ( يوم‌ عيد الاضحي‌ ) بكي‌ عمر، فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وسلّم‌: ما يبكيك‌ ؟! قال‌: أَبْكَانِي‌ أَنـَّا كُنَّا فِي‌ زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا فَأَمَّا إذْ كَمُلَ فَإنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَي‌ءٌ قَطٌّ إلاَّ نَقَصَ. قَالَ: صَدَقْتَ! [37]

 وجاء مثل‌ هذه‌ الرواية‌ أيضاً في‌ « الدرّ المنثور » عن‌ أحمدبن‌ حنبل‌، عن‌ عَلْقَمة‌بن‌ عبدالله‌ المُزني‌ّ [أَنـَّهُ ] قال‌: حدّثني‌ رجل‌ قال‌: كنت‌ في‌ مجلس‌ عمربن‌ الخطّاب‌، فقال‌ عمر لرجل‌ من‌ القوم‌: كيف‌ سمعت‌ رسول‌الله‌ ينعت‌ الإسلام ؟!

 قال‌ [ذلك‌ الرجل‌ ]: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّ الإسلام بَدَأَ [38] جَذَعَاً ثُمَّ رَبَاعِيَّاً ثُمَّ سَدَسِيَّاً ثُمَّ بَازِلاً. قَالَ عُمَرُ: فَمَا بَعْدَ البُزُولِ إلاَّ النُّقْصَانُ. [39]

كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌ سنّة‌ قائمة‌ لا تزول‌

 فهذه‌ الروايات‌ مجموعة‌ تدلّ علی‌ أنَّ معني‌ نزول‌ الآية‌ في‌ يوم‌ عرفة‌ عند عمر، وأبي‌ بكر يتمثّل‌ في‌ إلفات‌ نظر الناس‌ إلی‌ ما شاهدوه‌ من‌ عظمة‌ الإسلام في‌ موسم‌ الحجّ بمكّة‌، وأنَّ تفسير إكمال‌ الدين‌ وإتمام‌ النعمة‌ يتجسّد في‌ صفاء الجوّ وخلوصه‌ للمسلمين‌ حينئذٍ فيها، فلا دين‌ يتعبّد به‌ إلاّ الإسلام ‌، بحيث‌ أدّي‌ المسلمون‌ فريضة‌ الحجّ باطمئنان‌ تامّ غيرمبإلین‌ بالكفّار. وبعبارة‌ أُخري‌، المراد بكمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌: الاُسلوب‌ الذي‌ كان‌ ينتهجه‌ المسلمون‌ ويعملون‌ به‌ من‌ غير أن‌ يختلط‌ بهم‌ أعداؤهم‌ من‌ الكفّار، أو أن‌ يحذرهم‌ المسلمون‌ مرغمين‌، وليس‌ المراد به‌ الشريعة‌ المجعولة‌ من‌ عند الله‌ المشتملة‌ علی‌ الاحكام‌ والمعارف‌. وكذلك‌ المراد بالإسلام هو ظاهر الإسلام الموجود بأيديهم‌ في‌ مقام‌ العمل‌.

 وملخّص‌ الكلام‌: أنَّ المراد بالدين‌ هو الدين‌ الملحوظ‌ عبر الاعمال‌ والممارسات‌ التي‌ كان‌ يزاولها المسلمون‌، والمراد بالإسلام هو الشكل‌ الظاهر منه‌، من‌ حيث‌ الشوكة‌ والقوّة‌ . فهذا المعني‌ هو الذي‌ يقبل‌ الزيادة‌ والنقصان‌. وأمّا المبادي‌ العامّة‌ للاحكام‌ والمعارف‌ المشرّعة‌ والنازلة‌ من‌ عند الله‌، فلاتقبل‌ الزيادة‌ والنقصان‌، لانَّ تلك‌ الزيادة‌ والنقصان‌ اللذين‌ جاءا علی‌ لسانه‌ إنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَي‌ءٌ قَطٌّ إلاَّ نَقَصَ، فهما سنّة‌ طبيعيّة‌ وكونيّة‌ تجري‌ في‌ التأريخ‌ والمجتمع‌ تبعاً للكون‌ والطبيعة‌ أنفسهما. وأمّا الدين‌ فإنَّه‌ لايخضع‌ لمثل‌ هذه‌ السنن‌ والنواميس‌ أبداً، وتلك‌ الحقيقة‌ المُشَرَّعة‌ لاتتغيّر ولاتتبدّل‌ إلاّ عند من‌ يقول‌ الدين‌ سنّة‌ اجتماعيّة‌ متغيّرة‌ ومتطوّرة‌ كسائر السنن‌ الاجتماعيّة‌. وإذا عرفنا ذلك‌، علمنا أنـّه‌ ترد إشكالات‌ علی‌ هذا اللون‌ من‌ التفكير:

 أوّلاً: أنَّ المعني‌ الذي‌ زعموه‌ أنـّه‌ معني‌ الدين‌ لا يمثّل‌ الدين‌، وأنَّ قوله‌ تعإلی‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ لايصدق‌ علیه‌.

 وثانياً: كيف‌ يمكن‌ أن‌ يطلق‌ الله‌ صفة‌ الكمال‌ علی‌ الدين‌ بصورته‌ التي‌ كان‌ يتراءي‌ علیها، وينسبه‌ إلیه‌، ويمنّ به‌ علی‌ الاُمّة‌ ؟ بمجرّد خلوّ الارض‌ من‌ ظاهر المشركين‌، وأنَّ المسلمين‌ يستطيعون‌ ممارسة‌ أعمالهم‌ مطمئنّين‌ من‌ غير أن‌ ينالهم‌ مكر المشركين‌ وكيدهم‌، وفيهم‌ من‌ هو أشدّ من‌ المشركين‌ إضراراً وإفساداً، وهم‌ المنافقون‌ الذين‌ كانوا يكيدون‌ للمسلمين‌ باستمرار من‌ خلال‌ تكتّلاتهم‌ الدقيقة‌ واجتماعاتهم‌ السرّيّة‌ وتغلغلهم‌ في‌ صفوف‌ المسلمين‌، وإفساد الحال‌، وتقليب‌ الاُمور، والإرجاف‌ والدسّ في‌ الدين‌، وإلقاء الشبهات‌ بين‌ المسلمين‌.

 وللمنافقين‌ نبأ عجيب‌ وعظيم‌ تعرّضت‌ له‌ آيات‌ جمّة‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ كسورة‌ « المنافقون‌ »، وما في‌ سور البقرة‌، والنساء، والمائدة‌، والانفال‌، وبراءة‌، والاحزاب‌، وغيرها.

 ولا ندري‌ كيف‌ بادت‌ زمرتهم‌ بمجرّد نزول‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ وكيف‌ خمدت‌ أنفاسهم‌ في‌ صدورهم‌ ؟ وعلی‌ أي‌ّ طريق‌ بطل‌ كيدهم‌ ومكرهم‌ ؟ وكيف‌ زهق‌ باطلهم‌ ؟ وأنـّي‌ يكون‌ المنّ علی‌ المسلمين‌ بإكمال‌ ظاهر الدين‌، وإتمام‌ ظاهر النعمة‌ وهم‌ متغلغلون‌ في‌ صفوفهم‌ ؟ وكيف‌ يرضي‌ الله‌ الإسلام ديناً بمجرّد طرد أعداء المسلمين‌ من‌ مكّة‌ ؟ ونحن‌ نعلم‌ بشهادة‌ القرآن‌ والتأريخ‌ أنَّ المنافقين‌ كانوا أعدي‌ منهم‌، وأعظم‌ خطراً، وأمرّ أثراً. وتصديق‌ ذلك‌ قوله‌ تعإلی‌ يخاطب‌ نبيّه‌ فيهم‌: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [40]

 وكيف‌ نتصوّر أنَّ الله‌ سبحانه‌ يمنّ علی‌ المسلمين‌، ويصف‌ بالكمال‌ ظاهرَ دينٍ هذا باطنه‌ ؟ وكيف‌ يصف‌ نعمته‌ بالتمام‌ وهي‌ مشوبة‌ بالنقمة‌ ؟ أو يخبر برضاه‌ صورة‌ إسلام‌ هذا معناه‌ ؟ وهو القائل‌ جلّ من‌ قائل‌: وَمَا كُنتَ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا. [41] والقائل‌ في‌ المنافقين‌ ودينهم‌ ونهجهم‌: فَإِن‌ تَرْضَوا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَهَ لاَ يَرْضَي‌' عَنِ الْقَوْمِ الْفَـ'سِقِينَ. [42] والقائل‌ أيضاً: سَوَآءٌ علیهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ إِنَّ اللَهَ لاَيَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْفَـ'سِقِينَ. [43] والقائل‌ كذلك‌: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ. [44]

 يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ أنَّ في‌ الآية‌ إطلاقاً، وأنـّها لا تقيّد إكمال‌ الدين‌، وإتمام‌ النعمة‌، ورضا الله‌ عن‌ الإسلام بجهة‌ دون‌ أُخري‌، مثلاً بالظاهر دون‌ الباطن‌، أو بالشكل‌ دون‌ المعني‌.

 وكما قلنا، فإنَّ آية‌ الإكمال‌ هي‌ من‌ مصاديق‌ قوله‌: وَعَدَاللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمَلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ ( آية‌ الاستخلاف‌ )، والوعد في‌ تلك‌ الآية‌ ليس‌لجميع‌ المسلمين‌ بما فيهم‌ المسلمون‌ ظاهريّاً، بل‌ المراد طائفة‌ خاصّة‌ من‌ المسلمين‌ الذين‌ ينسجم‌ ظاهرهم‌ مع‌ باطنهم‌، وتنطبق‌ ممارساتهم‌ العمليّة‌ علی‌ الدين‌ المشرّع‌ من‌ الله‌ . وعلی‌ هذا فإنَّ المراد من‌ إكمال‌ دينهم‌ المرضي‌ّ للّه‌ سبحانه‌ هو تكميل‌ الحقائق‌ الدينيّة‌ المشرّعة‌ عند الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ وقد أفرغها في‌ قالب‌ التشريع‌ وأنزلها حتّي‌ تتمكّن‌ في‌ قلوبهم‌ ليعبدوه‌ بعد أياس‌ الذين‌ كفروا من‌ دينهم‌.

 وهذا المعني‌ هو الذي‌ ذكرناه‌: إنَّ معني‌ إكمال‌ الدين‌ إكماله‌ من‌ حيث‌ تشريع‌ الفرائض‌ ـفلا فريضة‌ مشرّعة‌ بعد نزول‌ الآية‌ـ لا تخليص‌ أعمالهم‌ وخاصّة‌ حجّهم‌ من‌ أعمال‌ المشركين‌ بحيث‌ لا تختلط‌ أعمال‌ حجّهم‌ معاً. وبعبارة‌ بسيطة‌: يكون‌ معني‌ إكمال‌ الدين‌ رفعه‌ إلی‌ أعلی‌ مدارج‌ الترقّي‌ من‌ جهة‌ تشريع‌ الاحكام‌ وكشف‌ المعارف‌ الحقّة‌ الحقيقيّة‌، وفي‌ هذه‌ الحالة‌ فلامعني‌ للنقص‌ بعد الزيادة‌. [45]

 

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 35 ، من‌ السورة‌ 8 : الانفال‌ . 

[2] ـ كانت‌ النساء في‌ الجاهليّة‌ يقلن‌ : نحن‌ نعصي‌ الله‌ في‌ لباسنا ، فلهذا لا ينبغي‌ لنا أن‌ نحرم‌ ونحجّ ونطوف‌ بها . فكنَّ يحججن‌ عاريات‌ . 

[3] ـ ذكر صاحب‌ «تفسير المنار» هذا عن‌ ابن‌ جرير الطبري‌ّ علي‌ نحو الاحتمال‌ ، وذلك‌ في‌ الجزء السادس‌ ، ص‌ 156 من‌ تفسيره‌ ، واعتبره‌ مؤيّداً للرواية‌ الواردة‌ عن‌ قتادة‌، وسعيدبن‌ جبير، ولكنّه‌ يردّ هذا الاحتمال‌ . 

[4] ـ روي‌ الطبري‌ّ هذا الاحتمال‌ في‌ تفسيره‌ ج‌ 6 ، ص‌ 79 ، عن‌ ابن‌ عبّاس‌ ، والسدّي‌ّ. واعتبر الطنطاوي‌ّ في‌ ج‌ 3 ، ص‌ 145 من‌ تفسيره‌ هذا الاحتمال‌ مع‌ احتمالات‌ أُخري‌ إكمالاً للدين‌. وذكره‌ صاحب‌ «المنار» أيضاً نقلاً عن‌ الآخرين‌ في‌ ج‌ 6 ، ص‌ 154 . 

[5] ـ روي‌ الطبري‌ّ هذا الاحتمال‌ في‌ تفسيره‌ ج‌ 6 ، ص‌ 80 عن‌ الحَكَم‌ ، وقتادة‌، وسعيدبن‌ جبير . وجاء في‌ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 2 ، ص‌ 258 عن‌ ابن‌ عبّاس‌ . 

[6] ـ «تفسير المنار» الشيخ‌ محمّد عبده‌ ، ج‌ 6 ، ص‌ 153 و 154 ، تأليف‌ السيّد محمّد رشيد رضا . 

[7] ـ الآية‌ 69 ، من‌ السورة‌ 3 : آل‌ عمران‌ . 

[8] ـ الآية‌ 109 ، من‌ السورة‌ 2 : البقرة‌ . 

[9] ـ الآية‌ 217 ، من‌ السورة‌ 2 : البقرة‌ . 

[10] ـ الآية‌ 100 ، من‌ السورة‌ 3 : آل‌ عمران‌ . 

[11] ـ الآيتان‌ 8 و 9 ، من‌ السورة‌ 61 : الصفّ .

 [12] ـ الآية‌ 14 ، من‌ السورة‌ 40 : غافر . 

[13] ـ الآية‌ 6 ، من‌ السورة‌ 38 : ص‌ . 

[14] ـ الآية‌ 9 ، من‌ السورة‌ 68 : القلم‌ .

[15] ـ الآية‌ 74 ، من‌ السورة‌ 17 : الاءسراء .

[16] ـ الآية‌ 3 ، من‌ السورة‌ 108 : الكوثر . 

[17] ـ الآية‌ 53 ، من‌ السورة‌ 8 : الانفال‌ . 

[18] ـ الآية‌ 211 ، من‌ السورة‌ 2 : البقرة‌ . 

[19] ـ الآية‌ 112 ، من‌ السورة‌ 16 : النحل‌ . 

[20] ـ الآية‌ 187 ، من‌ السورة‌ 2 : البقرة‌ . 

[21] ـ الآية‌ 115 ، من‌ السورة‌ 6 : الانعام‌ . 

[22] ـ الآية‌ 196 ، من‌ السورة‌ 2 : البقرة‌ . 

[23] ـ الآية‌ 34 ، من‌ السورة‌ 14 : إبراهيم‌ . 

[24] ـ الآية‌ 20 ، من‌ السورة‌ 31 : لقمان‌ . 

[25] ـ الآية‌ 64 ، من‌ السورة‌ 29 : العنكبوت‌ .

[26] ـ الآيتان‌ 196 و 197 ، من‌ السورة‌ 3 : آل‌ عمران‌ . 

[27] ـ الآية‌ 56 ، من‌ السورة‌ 51 : الذاريات‌ . 

[28] ـ الآية‌ 257 ، من‌ السورة‌ 2 : البقرة‌ . 

[29] ـ الآية‌ 11 ، من‌ السورة‌ 47 : محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ . 

[30] ـ الآية‌ 65 ، من‌ السورة‌ 4 : النساء . 

[31] ـ الآية‌ 59 ، من‌ السورة‌ 4 : النساء . 

[32] ـ الآية‌ 55 ، من‌ السورة‌ 5 : المائدة‌ . 

[33] ـ «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 1 ، ص‌ 293 ؛ وجاء هذا الحديث‌ أيضاً في‌ «تفسير البرهان‌» ج‌ 1 ، ص‌ 444 ؛ و «بحار الانوار» ج‌ 9 ، ص‌ 306 ، طبعة‌ كمباني‌ .

[34] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 2 ، ص‌ 258 . 

[35] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 2 ، ص‌ 258 ؛ و «تفسير المنار» ج‌ 6 ، ص‌ 155 . ونقل‌ أبو الفتوح‌ الرازي‌ّ هذه‌ الرواية‌ في‌ تفسيره‌ كما يلي‌ : قد رووا عن‌ طارق‌ بن‌ شهاب‌ أنـّه‌ قال‌ : جاء رجل‌ من‌ أحبار اليهود إلي‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ وقال‌ له‌ : نزلت‌ في‌ كتابكم‌ آية‌ علي‌ نبيّكم‌ لو كانت‌ قد نزلت‌ علينا لاتّخذنا ذلك‌ اليوم‌ عيداً . قال‌ : وأي‌ّ آية‌ ؟ قال‌ : الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . قال‌ عمر: أعلم‌ متي‌ وأين‌ نزلت‌ . وكنّا مع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ، وكان‌ ذلك‌ اليوم‌ عيداً لنا، وهو عيد لنا معشر المسلمين‌ حتّي‌ يوم‌ القيامة‌ ـ انتهي‌ . وفي‌ ضوء هذه‌ الرواية‌ أنَّ لفظ‌ عرفة‌ لم‌يرد فيها . وربّما يكون‌ المراد من‌ يوم‌ العيد هو يوم‌ غدير خمّ . 

[36] ـ نفس‌ الهامش‌ السابق‌ . 

[37] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 2 ، ص‌ 258 ؛ و «تفسير ابن‌ كثير» ج‌ 2 ، ص‌ 489 ؛ و «تفسير الطبري‌ّ» ج‌ 6 ، ص‌ 80 . 

[38] ـ يستعمل‌ الفعل‌ (بدأ) لازماً . وقال‌ الجوهري‌ّ في‌ «صحاح‌ اللغة‌» : بَدَأْتُ بِالشَّي‌ءِ بَدْءاً: ابْتَدََأْتُ بِهِ . وذكر ابن‌ الاثير في‌ «النهاية‌» قائلاً : ومنه‌ حديث‌ علي‌ّ رضي‌ الله‌ عنه‌؛ وَاللَهِ لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : لَيَضْرِبُنَّكُمْ عَلَي‌ الدِّينِ عَوْدَاً كَمَا ضَرَبْتُمُوهُ عَلَيْهِ بَدْءاً : أي‌ : أَوَّلاً . ومنه‌ الحديث‌... وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ .

 (الجَذَع‌ : الحيوان‌ الصغير لم‌ تنبت‌ أسنانه‌ . الثني‌ : الحيوان‌ الصغير الذي‌ خرجت‌ ثناياه‌. الرباعي‌ّ: الحيوان‌ الصغير الذي‌ خرجت‌ رباعيّاته‌ وهي‌ أربعة‌ أسنان‌ في‌ أطراف‌ الثنايا. السدسي‌ّ:الحيوان‌ الصغير الذي‌ لم‌ يبلغ‌ سنّه‌ البازل‌ . البازل‌ : الحيوان‌ الذي‌ طلعت‌ أنيابه‌.)(م‌) 

[39] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 2 ، ص‌ 259 . 

[40] ـ الآية‌ 4 ، من‌ السورة‌ 63 : المنافقون‌ . 

[41] ـ الآية‌ 51 ، من‌ السورة‌ 18 : الكهف‌ . 

[42] ـ الآية‌ 96 ، من‌ السورة‌ 9 : براءة‌ . 

[43] ـ الآية‌ 6 ، من‌ السورة‌ 63 : المنافقون‌ . 

[44] ـ الآية‌ 80 ، من‌ السورة‌ 9 : براءة‌ . 

[45] ـ قال‌ في‌ «تفسير المنار» ج‌ 6 ، ص‌ 167 : إنَّ قول‌ ابن‌ عبّاس‌ إنَّ الله‌ أكمل‌ الدين‌ فلاينقصه‌ أبداً ، أثبت‌ وأظهر من‌ قول‌ عمر رضي‌ الله‌ عنه‌ : ما بعد الكمال‌ إلاّ النقص‌. 

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ بعد المائة‌ إلی‌ التاسع‌ بعد المائة‌في‌ تفسير الآية‌: إلیومَ ...
  أشعار الطاهر والحميري‌ّ في‌ الآية‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
  روايات‌ الخطيب‌ البغدادي‌ّ وابن‌ عساكر وابن‌ مردويه‌ في‌ آيه‌ إكمال‌ الدين‌
  روايات‌ ابن‌ المغازلي‌ّ والحمّوئي‌ّ في‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌
  روايات‌ سبط‌ بن‌ الجوزي‌ّ والسيّد الرضي‌ّ في‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌ و ...
  عمل‌ الناس‌ بأربع‌، وتركوا الولاية‌
  العامّة‌ يقولون‌ غالباً: نزلت‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌ في‌ يوم‌ عرفة‌
  عدم‌ نزول‌ آية‌ الإكمال‌ في‌ يوم‌ عرفة‌
  عرض‌ تفصيلي‌ّ حول‌ نزول‌ آية‌ الإكمال‌
  ما هو المراد بإلیوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟
  استنباط‌ معني‌ إلیوم‌ من‌ الآية‌ نفسها إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
  المراد من‌ خشية‌ الله‌، الخوف‌ في‌ مقام‌ الولاية‌
  الفرق‌ بين‌ الكمال‌ والتمام‌ في‌ كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌
  المراد من‌ النعمة‌ الولاية‌
  >>آية‌ إكمال‌ الدين‌ من‌ مصادق‌ الآية‌: وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ
  المراد من‌ إلیوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ يوم‌ الغدير
  يمكن‌ أن‌ يكون‌ نزول‌ آية‌ الولاية‌ في‌ يوم‌ عرفة‌، وتبليغها يوم‌ الغدير
  قول‌ إلیهود: لو كانت‌ آية‌ الإكمال‌ نازلة‌ علینا لاتّخذنا ذلك‌ إلیوم‌ عيداً
  كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌ سنّة‌ قائمة‌ لا تزول‌
  وقوع‌ آية‌ الإكمال‌ بين‌ آيات‌ محرّمات‌ الطعام‌ شي‌ء عجيب‌
  قصيدة‌ الملاّ علی‌ الخوئي‌ّ في‌ وصف‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  أبيات‌ لابي‌ بكر القريعي‌ّ
  الدرس‌ العاشر بعد المائة‌ إلی‌ الخامس‌ عشر بعد المائة‌ :التقديم‌ بين‌ يدي‌ الله‌ هو التخلّف‌ نفسه‌
  حوار بين‌ شيعي‌ّ وسنّي‌ّ حول‌ لزوم‌ الخلافة‌
  استعراض‌ تهنئة‌ الشيخين‌ في‌ كتاب‌ «المناقب‌» لابن‌ شهرآشوب‌
  أبيات‌ السيّد الحميري‌ّ في‌ تهنئة‌ الشيخين
  الروايات‌ الواردة‌ حول‌ عدم‌ رسوخ‌ الولاية‌ في‌ نفوس‌ شيوخ‌ قريش‌
  كلام‌ معارضي‌ الولاية‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌
  أبيات‌ البشنوي‌ّ في‌ كلام‌ المعارضين‌ الذين‌ قالوا لا نسلّم‌ الإمامة‌ لعلی‌ّ
  أعيان‌ من‌ علماء العامّة‌ ذكروا تهنئة‌ الشيخين‌
  كلام‌ صاحب‌ تفسير «المنار» في‌ أنَّ العامّة‌ يعتقدون‌ بالولاية‌
  التصويت‌ السرّي‌ّ المموّه‌ بالخداع‌ في‌ السقيفة‌
  إقصاء أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ الخلافة‌ بسبب‌ حداثة‌ السنّ
  تفنيد الإشكال‌ المثار حول‌ حداثة‌ سنّ الإمام‌ علیه‌ السلام‌
  نصّ رسول‌ الله‌ علی‌ إمارة‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ للمؤمنين‌
  أمير المؤمنين‌ لقب‌ خاصّ للإمام‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌
  أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ متحمّس‌ لهداية‌ الناس‌ كرسول‌ الله‌
  النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ حريصاً علی‌ هداية‌ الناس‌
  كلام‌ أمير المؤمنين‌ للعبّاس‌ وأبي‌ سفيان‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌
  الخطبة‌ الشقشقيّة‌ التي‌ ألقاها أمير المؤمنين‌ في‌ أيّام‌ خلافته‌
  كلام‌ عمر حول‌ لزوم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد
  جواب‌ ابن‌ عبّاس‌ الصارم‌ لعمر حول‌ عدم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌
  قصد عمر من‌ نسبة‌ الهجر إلی‌ رسول‌ الله‌ إثارة‌ اللغط‌ والضجيج‌
  اعتراف‌ عمر بأحقّيّة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ للخلافة‌
  الخلفاء المنتخبون‌ بعد رسول‌ الله‌ مدانون‌ في‌ محكمة‌ التأريخ‌
  بطلان‌ لزوم‌ عدم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد عقلاً
  قيام‌ الإجماع‌ علی‌ عدم‌ التنافي‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد
  فصل‌ النبوّة‌ عن‌ الخلافة‌ والإمارة‌ هو فصلها عن‌ السياسة‌
  فصل‌ الدين‌ عن‌ السياسة‌ يتعارض‌ مع‌ ضرورة‌ الإسلام ‌
  اصطلاح‌ الروحاني‌ّ والروحانيّة‌ اصطلاح‌ كَنَسي‌ّ وليس‌ إسلاميّاً
  قصّة‌ أبي‌ بكر وكيفيّة‌ أخذ البيعة‌، وإقصاء أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  لقاء أبي‌ بكر وعمر مع‌ العبّاس‌ ووعدهما إيّاه‌ بحصّة‌ من‌ الخلافة‌
  الدرسان‌ السادس‌ عشر والسابع‌ عشر بعد المائة‌ :أمير المؤمنين‌ ...
  في‌ تفسير: ال´م‌´ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ ... باختبار الناس‌ في‌ أمير المؤمنين‌
  قيام‌ الصحابة‌ الكرام‌ في‌ مسجد رسول‌ الله‌ واحتجاجهم‌ علی‌ أبي‌ بكر
  احتجاج‌ خالد بن‌ سعيد بن‌ العاص‌ علی‌ أبي‌ بكر بسوابق‌ أمير المؤمنين‌
  احتجاج‌ أبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ في‌ مسجد النبي‌ّ علی‌ أبي‌ بكر وأعوانه‌
  احتجاج‌ عمّار بن‌ ياسر وقيس‌ بن‌ سعد في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  احتجاج‌ سهل‌ بن‌ حُنيف‌ وابن‌ التيّهان‌ في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  احتجاج‌ أبي‌ أيّوب‌ الانصاري‌ّ في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  عدم‌ الإذن‌ بالقيام‌ بالسيف‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌
  إطلاق‌ حزب‌ علی‌ّ عنوان‌ الغاصب‌ علی‌ أبي‌ بكر منذ إلیوم‌ الاوّل‌ لخلافته‌
  كلام‌ المسعودي‌ّ في‌ مناصرة‌ أعيان‌ الشيعة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  تأمير أُسامة‌ بن‌ زيد علی‌ أبي‌ بكر وعمر
  اعتراض‌ أُسامة‌ بن‌ زيد وأبي‌ قُحافة‌ علی‌ أبي‌ بكر في‌ الخلافة‌
  الدرس‌ الثامن‌ عشر بعد المائة‌ إلی‌ العشرين‌ بعد المائة‌ :في‌ المدينة‌ الفاضلة‌‌...‌
  إضفاء عمر الصبغة‌ الدينيّة‌ علی‌ بِدَعِه‌
  تخطيط‌ عمر في‌ الشوري‌ لخلافة‌ عثمان‌
  شروط‌ عمر التعجيزيّة‌ تحول‌ دون‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌
  كان‌ واضحاً منذ أيّام‌ عمر أنَّ عثمان‌ هو الخليفة‌ بعده‌
  تعزيز عمر موقع‌ بني‌ أُميّة‌ أمام‌ بني‌ هاشم‌
  إنذار معاوية‌ المهاجرين‌ توطيداً لعثمان‌
  تفريط‌ عمر بالإسلام من‌ أجل‌ عزّة‌ العرب‌
  ثقل‌ إمارة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ عمر
  التخطيط‌ المسبق‌ للشوري‌ والحؤول‌ دون‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌
  الشوري‌ الخاضعة‌ لإشراف‌ عمر ليست‌ شوري‌ بل‌ هي‌ الاستبداد عينه‌
  حوار معاوية‌ مع‌ زياد بن‌ حصين‌ حول‌ اختلاف‌ المسلمين‌
  كلام‌ الغزّإلی‌ّ في‌ الغدير وانحراف‌ الخلفاء المنتخَبِين‌
  من‌ كبار الشيعة‌ والعامّة‌ الذين‌ يرون‌ أنَّ كتاب‌ «سرّ العالمين‌» للغزّإلی‌ّ
  ردّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ سنّة‌ الشيخين‌
  رسالة‌ عشرة‌ من‌ الصحابة‌ إلی‌ عثمان‌ حول‌ انتهاكاته‌
  خطبة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حول‌ نسف‌ السنن‌ المخالفة‌
  قول‌ معاوية‌: لا يقرّ قراري‌ ما لم‌ أدفن‌ اسم‌ محمّد حتّي‌ لا يُصاح‌ به‌...
  نظرة‌ معاوية‌ إلی‌ نبوّة‌ رسول‌ الله‌ علی‌ أنـّها سلطة‌ حكوميّة‌
  نجدة‌ الإسلام بحركة‌ الإمام‌ الحسين‌ العمليّة‌ وحركة‌ الإمام‌ الباقر العلميّة‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی