معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام (المجلد الثامن)
کتاب معرفة الامام / المجلد الثامن/ القسم السابع: احتجاج اعاظم الصحابة علی ابی بکر

 

 بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللهُ علی‌ محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی‌ّ العظيم‌

 

 في‌ تفسير: ال´م‌´ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ ... باختبار الناس‌ في‌ أمير المؤمنين‌

قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 ال´م‌´ * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ يُتْرَكُو´ا أَن‌ يَقُولُو´ا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَيُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَـ'ذِبِينَ* أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَاتِ أَن‌ يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ* مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَهِ لاَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعلیمُ* وَمَن‌ جَـ'هَدَ فَإِنَّمَا يُجَـ'هِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَـ'لَمِينَ. [1]

 وجاء في‌ «نهج‌ البلاغة‌» ضمن‌ خطبة‌ خاطب‌ بها أهل‌ البصرة‌، أنَّ رجلاً قام‌ أمامه‌، وقال‌: يا أمير المؤمنين‌، أخبرنا عن‌ الفتنة‌ ! وهل‌ سألتَ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ عنها ؟ فقال‌ علیه‌ السلام‌: لَمَّا أَنْزَلَ اللَهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ: «ال´م‌´ * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ يُتْرَكُو´ا أَن‌ يَقُولُو´ا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَيُفْتَنُونَ» عَلِمْتُ أَنَّ الفِتْنَةُ لاَ تَنْزِلُ بِنَا وَرَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ ! مَا هَذِهِ الفِتْنَةُ الَّتِي‌ أَخْبَرَكَ اللَهُ تَعَإلی‌ بِهَا ؟ فَقَالَ: يَا علی‌ُّ ! إنَّ أُمَّتِي‌ سَيُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِي‌ . فَقُلْتُ: يَارَسُولَاللَهِ! أَوَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي‌ يَوْمَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ المُسْلِمِينَ وَحِيزَتْ عَنِّي‌ الشَّهَادَةُ فَشَقَّ ذَلِكَ علی‌َّ فَقُلْتَ لِي‌: أَبْشِرْ فَإنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ؟ فَقَالَ لِي‌: إنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ إذَاً ؟ فَقُلْتُ: يَارَسُولَ اللَهِ! لَيْسَهَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ وَلَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ البُشْـرَي‌ وَالشُّـكْرِ فَقالَ: يَاعلی‌ُّ! إنَّ القَوْمَ لَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَيَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ علی‌ رَبِّهِمْ وَيَتَمَنَّونَ رَحْمَتَهُ وَيَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ وَيَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الكَاذِبَةِ وَالاَهْواءِ السَّاهِيَةِ، فَيَسْتَحِلُّونَ الخَمْرَ بِالنَّبِيذِ وَالسُّحْتَ بِالهَدِيَّةِ وَالرِّبَا بِالبَيْعِ. قُلْتُ: يَارَسُولَاللَهِ! بِأَي‌ِّ المَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ؟ أَبِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ! فَقَالَ: بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ. [2]

 وروي‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أنَّ معني‌ يُفْتَنُونَ [هو أنَّ الناس‌ ] يبتلون‌ في‌ أموالهم‌ وأنفسهم‌.

 وروي‌ أيضاً عن‌ العيّاشي‌ّ بسنده‌ عن‌ الإمام‌ أبي‌ الحسن‌ الكاظم‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: جاء العبّاس‌ إلی‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ فقال‌ له‌: امش‌ حتّي‌ يبايع‌ لك‌ الناس‌ . فقال‌ [له‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ]: أوَ تراهم‌ فاعلین‌؟ قال‌: نعم‌ . قال‌: فأين‌ قوله‌ عزّ وجلّ: ال´م‌´ * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ يُتْرَكُو´ا أَن‌ يَقُولُو´ا ... الآية‌. [3]

 وروي‌ الملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ، مضافاً إلی‌ هذه‌ الرواية‌، ورواية‌ «نهج‌ البلاغة‌» عن‌ رسول‌ الله‌، قال‌: لمّا نزلت‌ هذه‌ الآية‌ قال‌: لابدّ من‌ فتنة‌ تبتلي‌ بها الاُمَّة‌ بعد نبيّها ليتعيّن‌ الصادق‌ من‌ الكاذب‌، لانَّ الوحي‌ قد انقطع‌، وبقي‌ السيف‌ وافتراق‌ الكلمة‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌. [4]

 ونقل‌ السيّد هاشم‌ البحراني‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ «غاية‌ المرام‌» أربع‌ روايات‌ عن‌ طريق‌ العامّة‌، وخمس‌ روايات‌ عن‌ طريق‌ الخاصّة‌: جاء عن‌ رسول‌الله‌ والائمّة‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ علیهم‌ أجمعين‌ في‌ تفسير هذه‌ الآية‌ المباركة‌ المذكورة‌ أنَّ الله‌ يفتن‌ الناس‌ في‌ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ واتّباعه‌ . ومن‌ هذه‌ الروايات‌: عن‌ ابن‌ شهرآشوب‌، عن‌ أبي‌ طالب‌ الهروي‌ّ بإسناده‌ عن‌ علقمة‌ وأبي‌ أيّوب‌ أنـّه‌ فما نزل‌ قوله‌: ال´م‌´ * أَحَسِبَ النَّاسُ [إلی‌ آخر ] الآيات‌، قَالَ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ: إنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي‌ هَنَاةٌ، حَتَّي‌ يَخْتَلِفَ السَّيْفُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَحَتَّي‌ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَحَتَّي‌ يَتَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. فَإذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَعلیكَ بِهَذَا الاَصْلَعِ عَنْ يَمِينِي‌ علی‌ِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ، فَإنْ سَلَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَادِيَاً فَاسْلُكْ وَادِي‌َ علی‌ٍّ، وَحُلْ عَنِ النَّاسِ.

 يَا عَمَّارُ ! إنَّ علیاً لاَ يَرُدُّكَ عَنْ هُدَي‌، وَلاَ يَرُدُّكَ إلی‌ رَدَي‌. يَاعَمَّارُ! طَاعَةُ علی‌ٍّ طَاعَتِي‌، وَطَاعَتِي‌ طَاعَةُ اللَهِ . [5]

 ومنها عن‌ طريق‌ العامّة‌ أيضاً في‌ قوله‌ تعإلی‌: ال´م‌´ * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ يُتْرَكُو´ا أَن‌ يَقُولُو´ا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَيُفْتَنُونَ، قَالَ علی‌ٌّ علیهِ السَّلاَمُ: قُلْتُ يَارَسُولَاللَهِ! مَا هَذِهِ الفِتْنَةُ ؟ قَالَ يَا علی‌ُّ ! بِكَ، وإنَّكَ المُخَاصَمُ، فَأَعِدَّ لِلْخَصُومَةِ! وَقَالَ علی‌ٌّ علیهِ السَّلاَمُ «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتـ'بَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا» نَحْنُ أُولَئكَ. [6]س

 ومنها عن‌ طريق‌ الخاصّة‌، عن‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌ قال‌: حدّثني‌ أبي‌ عن‌ محمّد بن‌ الفضيل‌، عن‌ أبي‌ الحسن‌ [موسي‌ بن‌ جعفر ] علیهما السلام‌ قال‌: جاء العبّاس‌ إلی‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وقال‌: انطلق‌ يبايع‌ لك‌ الناس‌ . فقال‌ له‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌: أتراهم‌ فاعلین‌؟ قال‌: نعم‌.

 فقال‌ [السمام‌ ]: فأين‌ قول‌ الله‌: ال´م‌´ * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ يُتْرَكُو´ا أَن‌ يَقُولُو´ا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَيُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ (أي‌: اخْتَبَرْنَاهُمْ) فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَـ'ذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَاتِ أَن‌ يَسْبِقُونَا سَإ مَا يَحْكُمُونَ * مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَإ اللَهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَهِ لاَتٍ...؟!

 قال‌ الله‌: من‌ أحبّ لقإ الله‌، جإه‌ الاجل‌ ؛ ومن‌ جاهد نفسه‌ عن‌ اللذات‌ والشهوات‌ والمعاصي‌، فإنّما يجاهد لنفسه‌ ؛ إنَّ الله‌ لغني‌ّ عن‌ العالمين‌. [7]

 ومنها عن‌ محمّد بن‌ العبّاس‌، عن‌ أحمد بن‌ هُوذة‌، عن‌ إبراهيم‌بن‌ إسحاق‌، عن‌ عبد الله‌ بن‌ حمّاد، عن‌ سماعة‌ بن‌ مهران‌، قال‌: قَالَ [8]رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي‌ المَسْجِدِ، فَلَمَّا كَانَ قُرْبُ الصُّبْحِ، دَخَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ علیهِ السَّلاَمُ فَنَادَاهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ فَقَالَ: يَا علی‌ُّ ! قَالَ: لَبَّيْكَ . قَالَ: هَلُمَّ إلی‌َّ . فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ: يَاعلی‌ُّ! بِتُّ اللَّيْلَةَ حَيْثُ تَرَانِي‌، فَقَدْ سَأَلْتُ رَبِّي‌ أَلْفَ حَاجَةٍ فَقَضَاهَا لِي‌؛ وَسَأَلْتُ لَكَ رَبِّي‌ أَنْ يَجْمَعَ لَكَ أُمَّتِي‌ مِنْ بَعْدِي‌ ؛ فَأَبَي‌ علی‌َّ رَبِّي‌، فَقَالَ: ال´م‌´* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ يُتْرَكُو´ا أَن‌ يَقُولُو´ا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ. [9]

 ومنها عن‌ الحسين‌ بن‌ علی‌ّ، عن‌ أبيه‌ علیهما السلام‌، قال‌: لَمَّا نَزَلتْ: «ال´م‌´* أَحَسِبَ النَّاسُ» فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَهِ ! مَا هَذِهِ الفِتْنَةُ ؟ قَالَ: يَاعلی‌ُّ! إنَّكَ مُبْتَلَي‌ وَمُبْتَلَي‌ بِكَ ؛ وَإنَّكَ مُخَاصَمٌ، فَأَعِدَّ لِلْخُصُومَةِ. [10]

قيام‌ الصحابة‌ الكرام‌ في‌ مسجد رسول‌ الله‌ واحتجاجهم‌ علی‌ أبي‌ بكر

 ولمّا غصبت‌ الخلافة‌ من‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بعد وفاة‌ النبي‌ّ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ تعرّض‌ الناس‌ لفتنة‌ عظيمة‌، وكانت‌ حقّاً فتنة‌ عظيمة‌ ومليئة‌ بالاخطار .

 ونهضت‌ ثلّة‌ من‌ الصحابة‌ المناصرة‌ لامير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وعددهم‌ ليس‌ قليلاً . كما نهضت‌ ثلّة‌ لمناصرة‌ مناوئيه‌، ودار نقاش‌ كثير؛ وبلغ‌ الامر أنَّ عدداً من‌ الصحابة‌ الكبار ذهبوا إلی‌ المسجد، وناقشوا أبا بكر بحضور الناس‌ ؛ فلم‌ يحر جواباً، ونزل‌ من‌ المنبر، وذهب‌ إلی‌ داره‌. وكانت‌ الفوضي‌ تعمّ المدينة‌ ثلاثة‌ أيّام‌ . إلی‌ أن‌ جلب‌ عمر أبا بكر إلی‌ المسجد. وانتدب‌ عثمان‌، والمغيرة‌ بن‌ شعبة‌، ومُعاذاً ومع‌ كلّ واحد منهم‌ مسلّح‌، لحماية‌ أبي‌ بكر، فشهر هؤلإ سيوفهم‌ متأهّبين‌ للذبّ عن‌ أبي‌ بكر.

 فلو نهض‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ومعه‌ المخلصون‌ من‌ الصحابة‌ للمطالبة‌ بحقّه‌، وشهر سيفه‌ لاسترجاع‌ حقّه‌ المغتصب‌، فلا ريب‌ أنَّ الدمإ ستراق‌ من‌ الطرفين‌، وستثار الاضطرابات‌ وأعمال‌ الشغب‌ في‌ المدينة‌ بمجرّد وفاة‌ النبي‌ّ، وتبقي‌ الاشتباكات‌ حامية‌ مدة‌ طويلة‌، ويستغلّ الكفّار والمشركون‌ الفرصة‌ وهم‌ الذين‌ كانوا يتربّصون‌ الدوائر بالإسلام وأهله‌ لإضعاف‌ شوكة‌ الدين‌، وتتّسع‌ شقّة‌ الارتداد عن‌ الدين‌ إلی‌ الجاهليّة‌ الاُولي‌، وبالتإلی‌، ينعي‌ الإسلام ناعوه‌، وتذهب‌ جهود الرسول‌ الاعظم‌ أدراج‌ الرياح‌.

 فلهذا عمل‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بوصيّة‌ رسول‌ الله‌، إذ أوصاه‌ أن‌ لايشهر سيفه‌ إن‌ لم‌ يجد العدد الكافي‌ من‌ الناصرين‌ له‌، ولم‌يقدر علی‌ حسم‌ الاُمور حالاً، ورأي‌ المدينة‌ غارقة‌ في‌ الاضطراب‌ والفوضي‌. فصبر صلوات‌الله‌ علیه‌ علی‌ تلك‌ المصائب‌ الفادحة‌ صبراً عبّر عنه‌ أنـّه‌ أَمَرُّ مِنَ العَلْقَمِ، [11] وذلك‌ من‌ أجل‌ حفظ‌ الإسلام ‌، وإلاّ لو أُريقت‌ الدمإ، وقُتِل‌ القرّإ والصحابة‌ الكبار في‌ تلك‌ الاشتباكات‌ والصراعات‌، لما كان‌ هناك‌ شي‌ء يذكر، ولما ظلّ للإسلام‌ أثر في‌ العالم‌ إلاّ ما يقال‌ إنَّه‌ كان‌ حدثاً تأريخيّاً جزئيّاً ظهر وزال‌ وامّحي‌ أثره‌.

 ويمكننا حقّاً أن‌ نتلمّس‌ شجاعة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وشهامته‌ وسخإه‌ وعقله‌ وحزمه‌ وإيثاره‌ وعبوديّته‌ الخالصة‌ للّه‌ في‌ هذا اللون‌ من‌ الصبر والتحمّل‌، ونفهم‌ جيّداً أنَّ هذا العمل‌ أعظم‌ وأضخم‌ من‌ ألف‌ سيف‌ كان‌ يضرب‌ به‌ يوم‌ بدر، وأُحد، والاحزاب‌، وحُنين‌ . وهذا هو مقام‌ ولي‌ّالله‌ إذ آثر رضا محبوبه‌ علی‌ هوي‌ نفسه‌ .

 جإ في‌ كتاب‌ «بعض‌ فضائح‌ الروافض‌» ضمن‌ بيان‌ الفضيحة‌ الخمسين‌ ما نصّه‌: لو كان‌ رسول‌ الله‌ نصّ علی‌ علی‌ّ بالخلافة‌ كما تزعم‌ الشيعة‌، لما غاب‌ ذلك‌ عن‌ نسإ النبي‌ّ، وابن‌ عبّاس‌، وأبي‌ذرّ، وسلمان‌، وعمّار ـالذين‌ يحتجّ بهم‌ الرافضة‌ـ ولقالوا ذلك‌ إلیوم‌: ما خطبكم‌؟! لقد نصّ رسول‌الله‌ علی‌ علی‌ّ بالخلافة‌، وهذا كلامه‌ . فلم‌ تتنازعون‌ في‌ الخلافة‌؟

 كيف‌ أخفوا ذلك‌ النصّ مع‌ ما علیه‌ من‌ الوضوح‌ والإشراق‌؟! وكيف‌ خافوا كلّهم‌ من‌ أبي‌ بكر وعمر ؟ وكيف‌ نسوا قول‌ الله‌ ورسوله‌، وحجبوا عين‌ الشمس‌؟ وكيف‌ خافوا من‌ ابن‌ أبي‌ قحافة‌ التيمي‌ّ، وابن‌ الخطّاب‌؟ وهل‌ ما رآه‌ أبو جعفر بن‌ بابويه‌، وأبو جعفر الطوسي‌ّ الحيران‌، وشيطان‌ الطاق‌، ويونس‌ بن‌ عبد الرحمن‌ الرافضي‌ّ بعد مضي‌ّ خمسمائة‌ سنة‌ لم‌يره‌ الصحابة‌ الاطهار؟ أو أنـّهم‌ رأوه‌، وأخفوه‌ ؟ وهل‌ عجز علی‌ّ، والعبّاس‌ وجميع‌ بني‌ هاشم‌ من‌ ذلك‌ ؟ وشهدت‌ أُمّ سلمة‌ وآخرون‌ علیه‌؟! [12]

 ونجد الجواب‌ عن‌ هذه‌ الشبهة‌ مفصّلاً في‌ كتاب‌ «نقض‌ مثالب‌ النواصب‌» لابن‌ أبي‌ الحسين‌ بن‌ أبي‌ الفضل‌ القزويني‌ّ الرازي‌ّ الذي‌ ردّ فيه‌ علی‌ كتاب‌ «فضائح‌ الروافض‌» في‌ نفس‌ الفترة‌ التي‌ صدر فيها الكتاب‌ المذكور، وصاحبه‌ كان‌ لا يزال‌ حيّاً . [13] ويضمّ الكتاب‌ المشار إلیه‌ جميع‌ هذه‌ الاُمور والإشكالات‌ التي‌ حوتها كتب‌ أهل‌ السنّة‌، وبخاصّة‌ الحنابلة‌، هي‌ مثبّتة‌ في‌ المكتبات‌.

 وننقل‌ فيما يلي‌ عبارات‌ الكتاب‌ نصّاً، مع‌ أنـّي‌ ترجمت‌ بعض‌ العبارات‌ العربيّة‌ الواردة‌ في‌ الكتاب‌ إلی‌ الفارسيّة‌ لقرّإ الفارسيّة‌. أمّا سائر العبارات‌ فأنقلها كما هي‌ بدون‌ أدني‌ تغيير.

 ذكر صاحب‌ الكتاب‌ في‌ البداية‌ بعض‌ الموضوعات‌، إلی‌ أن‌ قال‌:... والاخبار في‌ إمامة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وولايته‌ وفرض‌ طاعته‌ وقربته‌ وقرابته‌ وسخائه‌ وفضله‌ وجهاده‌ وأُخوّته‌ ومناقبه‌ هي‌ أكثر من‌ أن‌ يرويها سنّي‌ّ أو حنفي‌ّ أو شيعي‌ّ . وهي‌ لا تخفي‌ ولا تبطل‌ بقول‌ خارجي‌ّ أو ناصبي‌ّ مبتدع‌ حتّي‌ لو كان‌ عددهم‌ مائة‌ ألف‌ . وعلی‌ الطالب‌ المتتبّع‌ أن‌ يبذل‌ قصاري‌ جهده‌ ويصطبر فيذهب‌ إلی‌ مكتبات‌ ساوة‌، وهمدان‌، وقزوين‌، وإصفهان‌ حيث‌ لا يجد فيها رافضيّاً، ويسمع‌ من‌ رواة‌ السنّة‌ الثقاة‌، ليعلم‌ أنَّ هذه‌ الاخبار ليست‌ من‌ مبتدعات‌ أبي‌ جعفر بن‌ بابويه‌، ولا من‌ ذخائر أبي‌ جعفر الطوسي‌ّ. لعن‌ الله‌ أعدإهما، وأعدإ الشريف‌ المرتضي‌ والمفيدين‌ مائة‌ ألف‌ مرّة‌.

 والاخبار بالاسناد المذكورة‌ مسطورة‌ في‌ كتب‌ الائمّة‌، لاهي‌ خرافات‌، ولاتُرّهات‌؛ رضي‌ بها الائمّة‌ كلّهم‌، وزكّاها أصحاب‌ الحديث‌ جميعهم‌، ثكلت‌ النواصب‌ أُمّهاتهم‌ . لا يختدمون‌ عقولهم‌، ويجهلون‌ أنَّ الإمامة‌ تتعيّن‌ بالنصّ . أفلا يقرأون‌ القرآن‌ إذ يحصر الإمامة‌ بالمعصوم‌؟ أفلايلاحظون‌ الاخبار التي‌ تؤكّد علی‌ أنَّ الإمام‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ أعلم‌ الاُمّة‌ بأحكام‌ الشريعة‌.

 ونجيب‌ علی‌ ما أثاره‌ من‌ شبهة‌ تتمثّل‌ بقوله‌: لمّا توفّي‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ تحدّث‌ الصحابة‌ في‌ الخلافة‌ ؛ وذلك‌ أظهر من‌ الشمس‌، ولو كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ نصّ علی‌ علی‌ّ بالخلافة‌، فَلِمَ لَمْ ينكر الصحابة‌ بيعة‌ أبي‌ بكر، ولم‌ يقولوا: الحقّ مع‌ علی‌ّ، وقد نصّ رسول‌ الله‌، وهم‌ كانوا حاضرين‌ في‌ المسجد يوم‌ البيعة‌؟ أي‌ّ عمل‌ هذا؟! ونقول‌:

 أوّلاً: يبيّن‌ لنا هذا القائل‌ مرّة‌ أُخري‌ أنـَّه‌ أعمي‌ من‌ غيره‌ بالحساب‌، وأجهل‌ منه‌ بأحوال‌ يوم‌ السقيفة‌ . ولو علم‌ بذلك‌ لقال‌ . ونحن‌ نجيب‌ عن‌ هذه‌ الشبهة‌ بمقدار الضرورة‌ . والحقيقة‌ التي‌ ننقلها من‌ الكتب‌ والآثار هي‌ أوضح‌ من‌ الشمس‌ . والروايات‌ في‌ ذلك‌ متنوّعة‌ . منها ما رواه‌ بعض‌ الثقات‌ المعروفين‌ عن‌ علی‌ّ بن‌ جعفر الاهر مرواني‌ّ، قال‌: لمّا بويع‌ أبو بكر في‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌ وفد عدد من‌ المهاجرين‌ والانصار وكبرإ أهل‌ البيت‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وقالوا جميعهم‌: يَاأَمِيرَالمُؤْمِنِينَ! تَرَكْتَ حَقَّاً أَنْتَ أَوْلَي‌ بِهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ نُنْزِلَهُ عَنْ مِنْبَرِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

 واستأذنوه‌ . ثمّ ذهبوا إلی‌ المسجد، وكان‌ أبو بكر علی‌ المنبر. فقام‌ المهاجرون‌ في‌ البداية‌ علی‌ هذا النسق‌، وتحدّثوا بحضور بضعة‌ آلاف‌، وأنكروا علی‌ أبي‌ بكر بيعته‌.

احتجاج‌ خالد بن‌ سعيد بن‌ العاص‌ علی‌ أبي‌ بكر بسوابق‌ أمير المؤمنين‌

 وأوّل‌ من‌ قام‌ وتكلّم‌ هو خالد بن‌ سَعيد بن‌ العاص‌ قال‌ بصوت‌ عال‌ بعد حمد الله‌ والثنإ علیه‌ والصلاة‌ علی‌ نبيّة‌ المصطفي‌: يَاأَبَابَكْرٍ! اتَّقِ اللَهَ وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ لِعلی‌ٍّ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِي‌َّ قَالَ لَنَا فِي‌ يَوْمِ بَنِي‌ قُرَيْظَةَ ـوَقَدْ قَتَلَ علی‌ٌّ عِدَّةً مِنْ رِجَالِهِمْ وَأُولِي‌ النَّجْدَةِ مِنْهُمْـ:

 مَعَاشِرَ النَّاسِ ! أُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظُوهَا، وَمُودِعٌ إلیكُمْ سِرَّاً فَلاَتُضَيِّعُوهُ: أَلاَ وَإنَّ علیاً إمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي‌، وَخَلِيفَتِي‌ فِيكُمْ، بِذَلِكَ أَوْصَانِي‌ جَبْرَئِيلُ عَنْ رَبِّي‌ .

 أَلاَ وَإنْ لَمْ تَحْفَظُونِي‌ فِيهِ، وَتُوَازِرُوهُ وَتَنْصُرُوهُ اخْتَلَفْتُمْ فِي‌ أَحْكَامِكُمْ، وَاضْطَرَبَ علیكُمْ أَمْرُ دِينِكُمْ، وَوَلِي‌َ علیكُمْ شِرَارُكُمْ! أَخْبَرَنِي‌ جَبْرَئِيلُ عَنْ رَبِّي‌.

 أَلاَ وَإنَّ أَهْلَ بَيْتِي‌ هُمُ الوَارِثُونَ لاِمْرِي‌، وَالقَائِمُونَ بِأَمْرِ أُمَّتِي‌. اللَهُمَّ فَمَنْ أَطَاعَهُمْ مِنْ أُمَّتِي‌ وَحَفِظَ فِيهِمْ وَصِيَّتِي‌ [فَاحْشُرْهُمْ فِي‌ زُمْرَتِي‌، وَاجْعَلْ لَهْمْ نَصِيبَاً مِنْ مُرَافَقَتِي‌ يُدْرِكُونَ بِهِ نُورَ الآخِرَةِ . اللَهُمَّ وَمَنْ أَسَإ خِلاَفَتِي‌ فِي‌ أَهْلِ بَيْتِي‌ فَاحْرِمْهُ ] الجَنَّةَ الَّتِي‌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالاَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.

 فالكلام‌ الذي‌ يتّسم‌ بهذه‌ النبرة‌ والقوّة‌ والبلاغة‌، ويفهم‌ تفسيره‌ النابهون‌ العارفون‌، وهو منقول‌ في‌ ذلك‌ التجمّع‌ عن‌ كلام‌ مشفوع‌ بالحجّة‌ من‌ كلام‌ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ردّ علی‌ بيعة‌ أبي‌ بكر. فما ظنّك‌؟ إنَّ الخواجة‌ الناصبي‌ّ قلّما يقبل‌ ما لا يتلإم‌ وذوقه‌ . حتّي‌ قام‌ عمربن‌ الخطّاب‌، وقال‌: اسْكُتْ يَا خَالِدُ ! فَلَسْتَ مِنْ أَهْلِ المَشُورَةِ . فأجابه‌ خالد قائلاً: بَلِ اسْكُتْ أَنْتَ يَا بْنَ الخَطَّابِ، فَوَ اللَهِ مَا لَكَ فِي‌ قُرَيْشٍ مُفْتَخَرٌ . فجلس‌ عمر.

احتجاج‌ أبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ في‌ مسجد النبي‌ّ علی‌ أبي‌ بكر وأعوانه‌

 وقام‌ بعده‌ أبو ذرّ الغفاري‌ّ

 فحمد الله‌ تعإلی‌، وأثني‌ علی‌ نبيّه‌ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وقال‌: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ ! قَدْ عَلِمْتُمْ وَعَلِمَ أَخْيَارُكُمْ أَنَّ النَّبِي‌َّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ الاَمْرُ مِنْ بَعْدِي‌ لِعلی‌ِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ، ثُمَّ لِلْحَسَنِ، ثُمَّ لِلْحُسَيْنِ، ثُمَّ لِلاَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ فَتَرَكْتُمْ قَوْلَهُ، وَنَبَذْتُمْ أَمْرَهُ وَوَصِيَّتَهُ؛ وَكَذَلِكَ تَرَكَتِ الاُمَمُ الَّتِي‌ كَفَرَتْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهَا فَغَّرَتْ وَبَدَّلَتْ، فَحَاذَيْتُمُوهَا حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَالقُذَّةِ بِالقُذَّةِ، وَعَمَّا قَلِيلٍ تَذُوقُونَ وَبَالَ أَمْرِكُمْ وَجَزَإ مَا قَدْ قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، وَأَنَّ اللَهَ لَيْسَ ظَلاَّمَاً لِلعَبِيدِ.

 ثمّ جلس‌ . فما ظنّك‌ ؟ هل‌ هو كلام‌ أبي‌ جعفر، أو كلام‌ الشيخ‌ المفيد؟ لا هذا ولا ذاك‌ ! بل‌ هو كلام‌ أبي‌ ذرّ الصحابي‌ّ المعروف‌. حتّي‌ لايقول‌ الخواجة‌ الناصبي‌ّ: لِمَ لَمْ ينكروا، ولم‌ يقيموا الحجّة‌ ؟ إنَّ الخواجة‌ أعمي‌ وأصمّ.

 وقام‌ بعده‌ سلمان‌ الفارسي‌ّ

 وقال‌ بعد أن‌ حمد الله‌ تعإلی‌ وأثني‌ علی‌ حبيبه‌ المصطفي‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌:

 يَا أَبَا بَكْرٍ إلی‌ مَنْ تُسْنِدُ أَمْرَكَ إذَا نَزَلَ بِكَ القَضَإ ! وَإلی‌ مَنْ تَنْزَعُ إذَا سُئِلْتَ عَمَّا لاَ تَعْلَمُ [مَا عُذْرُكَ فِي‌ التَّقَدُّمِ ] وَفِي‌ القَوْمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ! وَأَقْرَبُ بِرَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَرَابَةً مِنْكَ . قَدَّمَهُ النَّبِي‌ُّ فِي‌ حَيَاتِهِ، وَأَوْعَزَ إلیكُمْ عِنْدَ وَفَاتِهِ، فَنَبَذْتُمْ قَوْلَهُ، وَتَنَاسَيْتُمْ وَصِيَّتَهُ ! فَعَمَّا قَلِيلٍ يَصْفُرُ لَكَ الاَمْرُ وَقَدْ أَثْقَلْتَ ظَهْرَكَ بِالاَوْزَارِ، وَحَمَلْتَ إلی‌ قَبْرِكَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ، فَإنَّكَ سَمِعْتَ مَا سَمِعْنَا، وَرَأَيْتَ مَا رَأَيْنَا ـ إلی‌ آخره‌. [14]

 بعد ذلك‌ قام‌ المقداد بن‌ الاسود الكندي‌ّ، وقال‌:

 يَا أَبَا بَكْرٍ ! إرْبَعْ علی‌ ظَلْعِكَ [وَقِسْ شِبْرَكَ [15] بِفِتْرِكَ ] وَالْزَمْ بَيْتَكَ! وَابْكِ علی‌ خَطِيئَتِكَ ! وَارْدُدْ هَذَا الاَمْرَ [إلی‌ ] مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ ! فَلاَ تَغْتَرِرْ بِدُنْيَاكَ! وَلاَ تُغْرِرْكَ قُرَيْشٌ [وَغَيْرُهَا ] فَعَمَّا قَلَيلٍ تَضْمَحِلُّ عَنْكَ دُنْيَاكَ! وَتَصِيرُ إلی‌ آخِرَتِكَ ! وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ علیاً صَاحِبُ هَذَا الاَمْرِ، فَأَعْطِهِ مَا جَعَلَهُ اللَهُ وَرَسُولُهُ لَهُ فَإنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ [لَكَ ] فِي‌ دُنْيَاكَ، وَأَسْلَمُ لَكَ فِي‌ آخِرَتِكَ!

 وسكت‌ . ثكلت‌ النواصب‌ أُمّهاتهم‌ . فهذا كلام‌ في‌ غاية‌ البلاغة‌، زاخر بالنصيحة‌ والموعظة‌، وليس‌ هو كلام‌ رافضة‌ ورامين‌ [مدينة‌ من‌ مدن‌ إيران‌ ] . فليعلم‌ أنَّ الحقّ بحمد الله‌ ظاهر، وكان‌ بيّناً وظاهر، والحجّة‌ ثابتة‌، وعلیاً علیه‌ السلام‌ هو الإمام‌.

 وقام‌ بعده‌ بُرَيدَةُ الاَسْلَمِي‌ّ رحمة‌ الله‌ علیه‌

 وقال‌ بعد حمد الله‌، والثنإ علی‌ نبيّه‌ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 يَا أَبَا بَكْرٍ أَنَسِيتَ أَمْ تَنَاسَيْتَ ؟! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِي‌َّ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أنْ نُسَلِّمَ علی‌ علی‌ٍّ بِإمْرَةِ المُؤْمِنِينَ فِي‌ حَيَاتِهِ، فَسَلَّمْنَا علیهِ وَأَنْتَ مَعَنَا وَالنَّبِي‌ُّ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ فَرَحَاً لِمَا يَدْرِي‌ مِنْ طَاعَةِ أُمَّتِهِ لاِبْنِ عَمِّهِ؟ فَلَوْ عَمِلْتُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَكَانَ خَيْرَاً لَكُمْ فِي‌ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، وَقَدْ سَمِعْتَ مَا سَمِعْنَا، وَرَأَيْتَ مَا رَأَيْنَا، وَالسَّلاَمُ.

 فليعلم‌ النَّاصِبي‌ّ المُبْطِل‌ أنَّ هذا الكلام‌ المشفوع‌ بالحجّة‌، المنطوق‌ به‌ أمام‌ أبي‌ بكر يوم‌ البيعة‌ ليس‌ كلام‌ رافضة‌ ساري‌ وإرَمْ، لئلاّ ينكره‌، ويصحر بعدإ علی‌ّ المرتضي‌ علیه‌ السلام‌.

احتجاج‌ عمّار بن‌ ياسر وقيس‌ بن‌ سعد في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر

 تلاه‌ عمّار بن‌ ياسر، إذ قام‌

 وقال‌ بعد حمد الله‌ وثنائه‌، وتمجيد نبيّه‌ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ! قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أَقْرَبُ بِرَسُولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَرَابَةً مِنْكُمْ ! فَرُدُّوا هَذَا الاَمْرَ إلی‌ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكُمْ! وَلاَ تَرْتَدُّوا علی‌ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ.

 أظنّ أنَّ كلاماً كهذا ليس‌ كلام‌ الحسكاني‌ّ، وأبي‌ طالب‌ بن‌ بابويه‌، قالاه‌ بعد مضي‌ خمسمائة‌ سنة‌ . بل‌ هو كلام‌ إنسان‌ قاله‌ في‌ إلیوم‌ الاوّل‌ الذي‌ رقي‌ فيه‌ أبو بكر المنبر ؛ فالحقّ مع‌ حيدر الكرّار.

 وأعقبه‌ قَيس‌ بن‌ سَعْد بن‌ عُبَادة‌ فقام‌

 وقال‌، بعد أن‌ حمد الله‌، وصلّي‌ علی‌ الحبيب‌ المصطفي‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 يَا أَبَا بَكْرٍ ! اتَّقِ اللَهَ، وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ لِعلی‌ٍّ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ! وَارْدُدْ هَذَا الاَمْرَ إلی‌ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ ! وَلاَتَكُنْ أَوَّلَ مَنْ عَصَي‌ مُحَمَّدَاً صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي‌ أَهْلِ بَيْتِهِ ! وَارْدُدْ هَذَا الاَمْرَ إلیهِمْ، تَخِفَّ ذُنُوبُكَ، وَتَقِلَّ أَوْزَارُكَ ؛ وَتَلْقَي‌ مُحَمَّدَاً صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاضٍ عَنْكَ أَحَبُّ إلی‌َّ مِنْ أَنْ تَلْقَاهُ وَهُوَ علیكَ سَاخِطٌ!

 قال‌ كلاماً مطوّلاً لم‌ يحتمله‌ المقام‌ قطّ . وتفصيل‌ ذلك‌ كلّه‌ حجّة‌ ودلالة‌ علی‌ إمامة‌ المرتضي‌ علیه‌ السلام‌، وإنكار بيعة‌ غيره‌ . أحسب‌ أنـّه‌ ليس‌ من‌ [بنات‌ أفكار ] الغإلین‌، وشيطان‌ الطاق‌، ويونس‌ بن‌ عبد الرحمن‌. إنَّه‌ كلام‌ المهاجرين‌ والانصار.

 وقام‌ بعده‌ خُزَيْمَة‌ بنَ ثَابِت‌ ذو الشَّهَادَتَين‌، وقال‌:

 مَعَاشِرَ النَّاسِ ! أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ النَّبِي‌َّ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ شَهَادَتَي‌ وَحْدِي‌ وَلَمْ تَزِدْ مَعِي‌ غَيْرِي‌ ؟ قَالُوا: بَلَي‌، فَاشْهَدْ بِمَا تَشْهَدُ! قَالَ: أَشْهَدُ علی‌ رَسُولِ اللَهِ أَنـَّهُ قَالَ: أَهْلُ بَيْتِي‌ كَالنُّجُومِ، فَقَدِّمُوهُمْ، فَإنَّكُمْ إنْ قَدَّمْتُمُوهُمْ [سَلَكُوا بِكُمْ طَرِيقَ الهُدَي‌، وَإنْ تَقَدَّمْتُمُوهُمْ ] سَلَكْتُمْ طَرِيقَ الضَّلاَلَةِ . ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: علی‌ٌّ فِيكُمْ كَسَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكَبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ . وَعلی‌ٌّ فِيكُمْ كَهَارُونَ فِي‌ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ [خَلَّفْتُهُ علیكُمْ ] كَمَا خَلَّفَهُ مُوسَي‌ علی‌ قَوْمِهِ وَمَضَي‌ إلی‌ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ.

 أظنّ أنَّ الخواجة‌ يقبل‌ شهادة‌ خُزَيْمة‌ وإن‌ كانت‌ زوراً . بينما نقرأ أنَّ القاضي‌ حسن‌ الاسترابادي‌ّ ما كان‌ يقبل‌ شهادة‌ الشيعة‌. والحبيب‌ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قاضي‌ الدنيا والآخرة‌، كان‌ وحده‌ يقبل‌ شهادة‌ خزيمة‌ الشيعي‌ّ ـعلی‌ رغم‌ أنف‌ الخواجة‌ الناصبي‌ّـ وعند ذاك‌ تزول‌ هذه‌ الشبهة‌.

 وقام‌ بعده‌ أُبَي‌ بنُ كَعْب‌، وقال‌:

 مَعَاشِرَ النَّاسِ ! إنِّي‌ لاَعِظُكُمْ * بِمَا كَثِيرَاً مَا وَعَظَكُمْ بِهِ رَسُولُاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلاَ تَسْمَعُونَ مِنِّي‌ إلاَّ أَكْبَرَ مَا سَمِعْتُمْ مِنْ نَبِيِّكُمْ [16] * اشْهَدُوا علی‌ أَنـِّي‌ أَشْهَدُ علی‌ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنـِّي‌ رَأَيْتُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي‌ هَذَا المَكَانِ وَكَفُّ علی‌ٍّ فِي‌ كَفِّهِ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا إمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي‌ وَخَلِيفَتِي‌ فِيكُمْ، فَقَدِّمُوهُ وَلاَتُقَدَّمُوهُ! وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا . فَإنَّكُمْ إنْ أَطَعْتُمُوهُ دَخَلْتُمُ الجَنَّةِ، وَإنْ عَصَيْتُمُوهُ دَخَلْتُمُ النَّارَ!

 فعلی‌ الخواجة‌ أن‌ يعلم‌ أنَّ الصحابة‌ لم‌ يغفلوا عن‌ كلام‌ بليغ‌ مبالغ‌ فيه‌ كهذا الكلام‌ الدالّ علی‌ تعيين‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ والإنكار علی‌ القوم‌.

احتجاج‌ سهل‌ بن‌ حُنيف‌ وابن‌ التيّهان‌ في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر

 وقام‌ بعده‌ سَهْل‌ بن‌ حُنَيْف‌ الانصاري‌ّ، وقال‌:

 يَا مَعَاشِرَ النَّاسِ ! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: علی‌ٌّ إمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي‌ وَخَلِيفَتِي‌ فِيكُمْ، [بِذَلِكَ ] أَوْصَانِي‌ جَبْرَئِلُ عَنْ رَبِّي‌. أَلاَ إنَّ علیاً هُوَ الذَّائِدُ عَنْ حَوْضِي‌ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهُوَ قَسِيمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ؛ يُدْخِلُ الجَنَّةَ مَنْ أَحَبَّهُ وَتَوَلاَّهُ، وَيُدْخِلُ النَّارَ مَنْ أَبْغَضَهُ وَقَلاَهُ.

 تكلّم‌ المهاجرون‌ والانصار بهذا الكلام‌ الصائب‌ البليغ‌ علی‌ رؤوس‌ الاشهاد [لإثبات‌ إمامة‌ ] أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وإنكار إمامة‌ غيره‌؛ حتّي‌ يعلم‌ الخواجة‌ أنَّ مذهب‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ عريق‌ صائب‌ في‌ أعماق‌ التأريخ‌، وليس‌ من‌ مبتدعات‌ الجَهْم‌ بن‌ صَفْوان‌، ولا من‌ وضع‌ هذا وذاك‌، ولاهو كمذهب‌ الخوارج‌ والنواصب‌.

 وقام‌ بعده‌ أبو الهَيْثَم‌ بنُ التَّيِّهان‌ رحمة‌ الله‌ علیه‌ وقال‌:

 يَا مَعَاشِرَ النَّاسِ ! اشْهَدُوا علی‌ أَنـِّي‌ أَشْهَدُ علی‌ رَسُولِاللَه‌ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنـِّي‌ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی‌ٌّ مَوْلاَهُ.

 ولمّا سمع‌ الانصار هذا الكلام‌ من‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قالوا: يريد بذلك‌ الخلافة‌ ؛ وقالت‌ قريش‌: يريد الموالاة‌.

 وحينما علم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ بذلك‌ الخلاف‌؛ خرج‌ من‌ الحجرة‌ عند الصبح‌، وأخذ بيد علی‌ّ، وقال‌: مَعَاشِرَ النَّاسِ! إنَّ علیاً فِيكُمْ كَالسَّمَإ السَّابِعَةِ فِي‌ السَّمَاوَاتِ . وَعلی‌ٌّ فِيكُمْ كَالشَّمْسِ فِي‌ الفَلَكِ، بِهَا تَهْتَدِي‌ النُّجُومُ . وَعلی‌ٌّ إمَامُكُمْ وَخَلِيفَتِي‌ فِيكُمْ ؛ بِذَلِكَ أَوْصَانِي‌ جَبْرَئِيلُ علیهِ السَّلاَمُ عَنْ رَبِّي‌ ؛ وَأَخَذَ اللَهُ مِثَاقَهُ علی‌ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرَضِينَ مِنَ الجِنِّ وَالإنْسِ وَالمَلاَئِكَةِ ؛ فَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَآمَنَ بِهِ كَانَ مُؤْمِنَاً [وَهُوَ ] فِي‌ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ ؛ وَمَنْ أَنْكَرَهُ وَجَحَدَهُ كَانَ كَافِرَاً [وَهُوَ ] فِي‌ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ ... إلی‌ آخره‌. هذا كلام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وناقله‌ أبو الهَيْثَم‌، إذ قاله‌ بحضور أبي‌ بكر، وعمر، وكافّة‌ المهاجرين‌ والانصار. وفيه‌ دلالة‌ علی‌ تعيين‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ بالنصّ وعلی‌ إمامته‌. ولم‌يكن‌ من‌ مبتدعات‌ رافضة‌ قم‌ وكاشان‌؛ حتّي‌ يعلم‌ الخواجة‌ أنـّه‌ كان‌ نصّاً بيّناً جليّاً، وليس‌عملاً مكتوماً مخفيّاً.

احتجاج‌ أبي‌ أيّوب‌ الانصاري‌ّ في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر

وقام‌ بعده‌ أبو أيُّوب‌ الانصاري‌ّ

 وقال‌ بعد أن‌ حمد الله‌ وأثني‌ علی‌ الحبيب‌ المصطفي‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: يَا مَعَاشِرَ النَّاسِ ! أَقُولُ: اتَّقُوا اللَهَ فِي‌ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَلاَتَظْلِمُوهُمْ فَقَدْ سَمِعْتُمْ مَا أَعَدَّ اللَهُ لِلظَّالِمِينَ [فَإنَّهُ كَمَا قَالَ «إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ ] نَارًا أَحَاطَ بِهَا سُرَادِقُهَا» ؛ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ [يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ إلیتَامَي‌' ظُلْمًا إِنَّمَا ] يَأْكُلُونَ فِي‌ بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَونَ سَعِيرًا».

 ولمّا بلغ‌ الكلام‌ هذا الموضع‌، ضجّ أهل‌ المسجد بالبكإ والعويل‌، وخرجوا من‌ المسجد جميعهم‌ علی‌ غرّة‌ . وتسمّر أبو بكر علی‌ المنبر حائراً. وجإ أبو عُبَيدة‌ بن‌ الجرّاح‌ ومعه‌ جماعة‌ فأخذ أبا بكر إلی‌ البيت‌، وماجت‌ المدينة‌ بالفتن‌ والقلاقل‌ ثلاثة‌ أيّام‌ . وفي‌ إلیوم‌ الثالث‌ جإ عثمان‌بن‌ عفّان‌، والمغيرة‌ بن‌ شعبة‌، ومعاذ بن‌ جبل‌، ومع‌ كلّ واحد منهم‌ مائة‌ رجل‌، وشهروا سيوفهم‌ متأهّبين‌ للقتال‌. [17]

 ولمّا كان‌ مصنّف‌ الكتاب‌ يزعم‌ أنـّه‌ عالم‌ بالتأريخ‌، فلاينبغي‌ له‌ أن‌ يغفل‌ عن‌ هذه‌ الواقعة‌ . وفي‌ ذلك‌ الحشد الغفير أخذ عمر بن‌ الخطّاب‌ بيد أبي‌ بكر، وأتي‌ به‌ إلی‌ المسجد، وهدّد تلك‌ الثلّة‌ التي‌ تحدّثت‌ أمس‌ الاوّل‌ وعرضت‌ حججها الدامغة‌ التي‌ لا مرإ فيها، حتّي‌ قام‌ خَالِد بن‌ سَعيدبن‌ العاص‌ مرّة‌ أُخري‌، وقال‌: يَا عُمَرُ ! أَفَبِأَسْيَافِكُمْ تُهَدِّدُونَا؟ أَمْ بِجَمْعِكُمْ تُفَزِّعُونَا؟ وَاللَهِ لَوْلاَ أَنـِّي‌ أَعْلَمُ أنَّ طَاعَةَ إمَامِي‌ أَوْجَبُ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّي‌ إذَاً لَضَرَبْتُكُمْ بِسَيْفِي‌ هَذَا!

 ثُمَّ قال‌: إئْذَنْ لِي‌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فِي‌ جِهَادِ أَعْدَائِكَ!

عدم‌ الإذن‌ بالقيام‌ بالسيف‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌

 بَيْدَ أنَ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لم‌ يأذن‌ له‌ وأجلسه‌ وهدّأه‌ مراعاة‌ للمصلحة‌، وإبلاغاً للحجّة‌، وخشية‌ من‌ أعدإ الدين‌، وخوفاً من‌ خطر المشركين‌ وإلیهود والمجوس‌ والنصاري‌، ولانـّهم‌ كانوا قريبي‌ عهد بوفاة‌ الحبيب‌ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ . واقتدي‌ في‌ عمله‌ هذا بالانبيإ إذ صبروا منذ إلیوم‌ الاوّل‌ الذي‌ بدأوا فيه‌ عملهم‌ . ثمّ قام‌ كلّ واحد من‌ أُولئك‌ العظام‌ المشار إلیهم‌، وتحدّثوا بلهجة‌ حادّة‌، يطول‌ بنا المقام‌ في‌ ذكر التفاصيل‌، وإن‌ كان‌ كلّ ما قالوه‌ حقّاً لا غبار علیه‌.

 طلب‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ من‌ الجميع‌ أن‌ يسكتوا. وطاعته‌ واجبة‌ علیهم‌، فأطاعوه‌ وجلسوا ساكتين‌ . غير أنـّهم‌ كانوا قد قاموا بواجبهم‌ في‌ بيان‌ حقّه‌ في‌ الخلافة‌ بالدليل‌ والحجّة‌ . وهل‌ يظنّ الخواجة‌ أنَّ هذا العمل‌ قليل‌، وأنـّه‌ مذهب‌ مبتدَع‌، وأنَّ الحقّ يبطل‌ بكلام‌ شِرذمة‌ من‌ الخوارج‌ والناصبين‌ والمبتدعين‌ والضإلین‌؟

 نحمد الله‌ أنَّ علی‌ّ المرتضي‌ علیه‌ السلام‌ لم‌ يتّق‌ ولم‌ يداهن‌، وكذلك‌ العبّاس‌، وصحابة‌ أمير المؤمنين‌.

 أوّلاً: انَّ أوّل‌ دليل‌ علی‌ تعيين‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ بالنصّ هو العقل‌. فالعقل‌ يحكم‌ بعدم‌ خلوّ الزمان‌ من‌ إمام‌ هادٍ مرشد بعد ثبوت‌ التكليف‌، واحتمال‌ صدور الخطأ من‌ المكلّفين‌.

 ثانياً: القرآن‌ هو الحجّة‌، إذ نطقت‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ بتعيين‌ علی‌ّ.

 ثالثاً: الاخبار المأثورة‌ عن‌ الحبيب‌ المصطفي‌.

 رابعاً: إجماع‌ الشيعة‌ المُحِقَّة‌.

 ولا يتسنّي‌ لنا في‌ هذا الكتاب‌ أن‌ نشرح‌ جميع‌ الادلّة‌. وإنكار الإمام‌ نفسه‌ إمامة‌ تلك‌ الجماعة‌ بيّن‌ ظاهر، علی‌ عكس‌ ما يقوله‌ الناصبي‌ّ الاحمق‌.

 أوّلاً: قوله‌ في‌ أوّل‌ تلك‌ الخطبة‌ المعروفة‌: أَمَا وَاللَهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي‌ قُحَافَةَ وَإنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي‌ مِنْهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَي‌. وقوله‌ عندما جإ دور عمر: فَيَا عَجَبَاً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي‌ حَيَاتِهِ إذْ عَقَدَهَا لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وإنكاره‌ ما قام‌ به‌ عمر من‌ تعيين‌ الشوري‌ بقوله‌: جَعَلَهَا فِي‌ جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنـِّي‌ أَحَدُهُمْ، فَيَا للَّهِ وَلِلشُّورَي‌ . وقوله‌ في‌ عثمان‌: إلی‌ أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ نَافِجَاً حِضْنَيْهِ ... إلی‌ آخر الخطبة‌.

 فهذا كلّه‌ دليل‌ علی‌ تعيينه‌ هو بالذات‌، وعلی‌ إنكار ما اختاره‌ القوم‌ لانفسهم‌.

 فما ظنّك‌ هل‌ الحلاّج‌ والمشّاط‌ كانا يران‌ ويعلمان‌ ـبعد تصرّم‌ خمسمائة‌ سنة‌ـ؟ أمّا علی‌ّ علیه‌ السلام‌، والعبّاس‌، وسلمان‌، وأبو ذرّ، والمهاجرون‌، والانصار، فلم‌ يستطيعوا الرؤية‌ والعلم‌؟ [بل‌ العقلإ يحكمون‌ عكس‌ ذلك‌ ] ولم‌ يروا أنَّ كلّ إجماع‌ يخالف‌ علی‌ّ المرتضي‌ علیه‌ السلام‌ خطأ وتجاوز . وكلّ اتّفاق‌ يخالف‌ الحسن‌ والحسين‌ باطل‌، وكلّ حجّة‌ تقام‌ ضدّ سلمان‌، وأبي‌ ذرّ، والمقداد، وخزيمة‌، وأبي‌ أيّوب‌ شبهات‌ داحضة‌. أَلاَ إنَّ الحَقَّ مَعَ علی‌ٍّ، وَعلی‌ٌّ مَعَ الحَقِّ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ.

 هذا هو مذهب‌ أهل‌ الحقّ، وهذا هو جواب‌ المُشَبِّه‌ الخارجي‌ّ. والإمام‌ بعد المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ هو علی‌ّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بلافصل‌ ونزاع‌، وهذا هو نصّ ربّ العالمين‌، ونَفَس‌ خير المرسلين‌ [و ] الحمد للّه‌ ربّ العالمين‌. [18]

 ولابدّ أن‌ نعلم‌ أنَّ اعتراض‌ المهاجرين‌ والانصار علی‌ أبي‌ بكر في‌ مسجد النبي‌ّ، وكلام‌ كلّ واحد منهما علی‌ النسق‌ الذي‌ ذكرناه‌ مع‌ اختلاف‌ في‌ العبارات‌، قد نقله‌ ـمضافاً إلی‌ عبد الجليل‌ القزويني‌ّ الذي‌ تقدّم‌ ذكر كلامه‌ـ عدد من‌ أعاظم‌ المذهب‌ الجعفري‌ّ الإمامي‌ّ وعلمائه‌ في‌ كتبهم‌ مرويّاً عن‌ طريق‌ الشيعة‌ والعامّة‌.

 وأوّل‌ هؤلإ هو الشيخ‌ الجليل‌ أبو جعفر: أحمد بن‌ محمّد بن‌ خالدبن‌ عبدالله‌ البرقي‌ّ، من‌ ( بَرق‌ رود ) التابعة‌ لمدينة‌ قم‌، وكان‌ من‌ ثقاة‌ المذهب‌ ورؤسائه‌، وهو كوفي‌ّ الاصل‌ . توفّي‌ سنة‌ 280 ه أو قبلها بستّ سنين‌. [19]

 ذكر هذا الشيخ‌ الجليل‌ في‌ كتابه‌ الرجإلی‌ّ المعروف‌ بـ«رجال‌ البرقي‌ّ» أسمإ الاثني‌ عشر الذين‌ أنكروا بيعة‌ أبي‌ بكر تحت‌ عنوان‌: أسمإ المنكرين‌ علی‌ بيعة‌ أبي‌ بكر . وهم‌ ستّة‌ من‌ المهاجرين‌، وستّة‌ من‌ الانصار.

 أمّا المهاجرون‌، فهم‌: خَالِد بن‌ سَعِيد بن‌ العاص‌ من‌ بني‌ أُميّة‌، وأبوذَرّ الغِفَاري‌ّ، وسَلْمَان‌ الفارسي‌ّ، والمِقْداد بن‌ الاسْود، وبُرَيْدَة‌ الاسْلَمِي‌ّ، وعَمَّار بن‌ يَاسِر . وأمّا الانصار، فهم‌: خُزَيْمَة‌بن‌ ثَابِت‌، وسَهْل‌بن‌ حُنَيْف‌، وأبو الهَيْثَم‌ بن‌ التَّيِّهان‌، وقَيْس‌ بن‌ سَعْدبن‌ عُبَادَة‌ الخَزْرَجِي‌ّ، وأُبَي‌ بن‌ كَعْب‌، وأبو أيُّوب‌ الانصاري‌ّ . ثمّ يقول‌: ذهب‌ هؤلإ إلی‌ المسجد يوم‌ الجمعة‌ وتكلّموا واحداً واحداً، وأبو بكر علی‌ المنبر واقف‌ لخطبة‌ الجمعة‌، وأنكروا علیه‌ خلافته‌، وأيّدوا خلافة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وتحدّثوا عنها مفصّلين‌ ومستدلّين‌ علی‌ النحو الذي‌ ذكرناه‌، إلی‌ أن‌ انتهي‌ كلام‌ آخرهم‌، وهو أبو أيّوب‌ الانصاري‌ّ الذي‌ قال‌: اتَّقِ اللَهَ [20] وَرُدُّوا الاَمْرَ إلی‌ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ ؛ فَقَدْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْنَا ؛ إنَّ القَّائِمَ مَقَامَ نَبِيِّنَا بعْدَهُ علی‌ُّ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ علیهِ السَّلاَمُ، وَإنَّهُ لاَيُبَلِّغُ عَنْهُ إلاَّ هُوَ، وََلاَيَنْصَحُ لاِمَّتِهِ غَيْرُهُ.

 فنزل‌ أبو بكر من‌ المنبر . فلمّا كان‌ يوم‌ الجمعة‌ المقبلة‌ سلّ عمر سيفه‌ وقال‌: لا أسمع‌ رجلاً يقول‌ مثل‌ مقالته‌ تلك‌ إلاّ ضربت‌ عنقه‌، ثمّ مضي‌ هو وسالم‌ مولي‌ أبي‌ حذيفة‌، ومعاذ بن‌ جبل‌، وأبو عُبيدة‌ شاهرين‌ سيوفهم‌ حتّي‌ أخرجوا أبا بكر من‌ الدار وأصعدوه‌ المنبر. [21]

 الثاني‌: الشيخ‌ الجليل‌ أبو جعفر محمّد بن‌ علی‌ّ بن‌ الحسين‌بن‌ بابويه‌ القمّي‌ّ: هو الشيخ‌ الصدوق‌ المتوفّي‌ سنة‌ 381 ه . ذكر هذا الرجل‌ العظيم‌ في‌ كتاب‌ «الخصال‌» تلك‌ الرواية‌ عن‌ ابن‌ حفيد البرقي‌ّ . قال‌: حدّثني‌ علی‌ّبن‌ أحمدبن‌ عبد الله‌ بن‌ أحمد بن‌ أبي‌ عبد الله‌ البرقي‌ّ، قال‌ حدّثني‌ أبي‌، عن‌ جدّي‌، أحمد بن‌ أبي‌ عبد الله‌ البرقي‌ّ، قال‌ حدّثني‌ النهيكي‌ّ، عن‌ أبي‌محمّد خَلَف‌بن‌ سالم‌، عن‌ محمّد بن‌ جعفر، عن‌ شُعْبة‌، عن‌ عثمان‌بن‌ المُغيرة‌، عن‌ زَيْدبن‌ وَهَب‌، قال‌: الذين‌ أنكروا علی‌ أبي‌ بكر جلوسه‌ في‌ الخلافة‌ وتَقَدُّمه‌ علی‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ اثنا عشر من‌ المهاجرين‌ والانصار. وساق‌ الرواية‌ علی‌ هذا النمط‌ . إلاّ أنـّه‌ ذكر اسم‌ عَبْدَاللَهِ بن‌ مَسْعُود بدل‌ قَيْس‌ بن‌ سَعْد بن‌ عُبَادَة‌ . [22]

 الثالث‌: الشيخ‌ الجليل‌: أبو منصور، أحمد بن‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ الطبرسي‌ّ، وهو من‌ أعاظم‌ علمإ المذهب‌ الإمامي‌ّ . كان‌ يعيش‌ في‌ أواسط‌ القرن‌ السادس‌ الهجري‌ّ، لانـّه‌ كان‌ معاصراً لابي‌ الفتوح‌ الرازي‌ّ، والفضل‌بن‌ الحسن‌ الطَّبَرْسِي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «مجمع‌ البيان‌» المتوفّي‌ سنة‌ 548ه. وكان‌ محمّد بن‌ علی‌ّ بن‌ شهرآشوب‌ المتوفّي‌ سنة‌ 588ه تلميذه‌.

 ذكر هذه‌ الرواية‌ مفصّلاً في‌ كتاب‌ «الاحتجاج‌» في‌ باب‌ «ذكر طُرف‌ مِمَّا جَرَي‌ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَهِ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ الجاج‌ والحجاج‌ في‌ أمر الخلافة‌». ورواها عن‌ أبان‌ بن‌ تغلب‌، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌. وعندما عدّ أسمإ الاثني‌ عشر، ذكر عثمان‌ بن‌ حُنَيف‌ أخا سهل‌، مع‌ سهل‌ بدل‌ قَيْس‌ بن‌ سَعْد بن‌ عُبَادة‌ . [23]

 الرابع‌: السيّد الجليل‌ الشريف‌ النقيب‌: رضي‌ّ الدين‌ أبو القاسم‌ علی‌ّبن‌ موسي‌ بن‌ طاووس‌ الحسيني‌ّ الحلّي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 664ه، المشهور بين‌ العلمإ: ابن‌ طاووس‌.

 يقول‌ في‌ كتاب‌ «كَشْفُ إلیقِينِ فِي‌ اخْتِصَاصِ مَوْلاَنَا علی‌ٍّ بِإمْرَةِ المُؤْمِنِينَ» المسمّي‌ «كتاب‌ إلیقين‌» [24] أيضاً: هذا الفصل‌ في‌ بيان‌ ما نذكره‌ عن‌ أحمدبن‌ محمّد القبري‌ّ المعروف‌ بالخليلي‌ّ من‌ رواة‌ العامّة‌ ورجالهم‌ فيما رواه‌ من‌ إنكار اثني‌ عشر نفساً علی‌ أبي‌ بكر بصريح‌ مقالهم‌ عقيب‌ ولايته‌ علی‌ المسلمين‌؛ فيما ذكره‌ بعض‌ الصحابة‌ بما عرف‌ من‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ أنَّ علی‌ّ [بن‌ أبي‌ طالب‌ ] أمير المؤمنين‌. ورواه‌ أيضاً محمّدبن‌ جرير الطبري‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «التاريخ‌» في‌ كتاب‌ «مناقب‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌» ويزيد بعضهم‌ أشيإ علی‌ ما ذكره‌ الطبري‌ّ.

 [ثمّ قال‌ ]: اعلم‌ أنَّ هذا الحديث‌ روته‌ الشيعة‌ متواترين‌؛ ولولا كانت‌ هذه‌ الرواية‌ برجال‌ الشيعة‌، ما نقلناه‌ ؛ لانـّهم‌ عند مخالفتهم‌ [من‌ العامّة‌ ] متّهمين‌، ولكن‌ نذكره‌ حيث‌ هو من‌ طريقهم‌ الذي‌ يعتمدون‌ علیه‌ ودرك‌ و [تبعة‌ ] ذلك‌ علی‌ من‌ رواه‌ وصنّفه‌ في‌ كتابه‌ . ثمّ قال‌: قال‌ أحمدبن‌ محمّد الطبري‌ّ ما هذا لفّظه‌: خير الاثني‌ عشر الذين‌ أنكروا علی‌ أبي‌ بكر جلوسه‌ في‌ مجلس‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ [وسلّم‌ ]: حدّثنا أبو الحسن‌بن‌ علی‌ّبن‌ النحّاس‌ الكوفي‌ّ العدل‌ الاسدي‌ّ ؛ قال‌: حدّثنا أحمدبن‌ أبي‌ حسين‌ العامِري‌ّ؛ قال‌: حدّثني‌ عمّي‌ أبو معمّر شُعبة‌ بن‌ خيثم‌ الاسدي‌ّ: قال‌: حدّثني‌ عثمان‌ الاعْشَي‌، عن‌ زيد بن‌ وَهَب‌ . ثمّ نقل‌ هذه‌ القصّة‌ إلی‌ آخرها [25]

 ونقل‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ إنكار الاثني‌ عشر بالتفصيل‌ علی‌ النحو المشار إلیه‌، وذلك‌ عن‌ ثلاثة‌ كتب‌ هي‌: «الخصال‌»، و«الاحتجاج‌»، و«كشف‌ إلیقين‌» . ثمّ انبري‌ إلی‌ شرحه‌ وتفسيره‌. [26]

 وذكر المرحوم‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ عبد الله‌ المامقاني‌ّ في‌ «تنقيح‌ المقال‌» فصلاً تحت‌ عنوان‌ «إنكار الاثني‌ عشر نفراً من‌ المهاجرين‌ والانصار علی‌ أبي‌ بكر». ونقل‌ فيه‌ رواية‌ «الخصال‌» عن‌ «بحار الانوار» للمجلسي‌ّ. وأشار بعد ذلك‌ إلی‌ رواية‌ «الاحتجاج‌» أيضاً. [27]

إطلاق‌ حزب‌ علی‌ّ عنوان‌ الغاصب‌ علی‌ أبي‌ بكر منذ إلیوم‌ الاوّل‌ لخلافته‌

 أجل‌، فإنَّ معارضة‌ الخاصّة‌ من‌ صحابة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وشيعة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لخلافة‌ أبي‌ بكر، وعمر، وعثمان‌ أظهر من‌ الشمس‌. وليس‌ فيها موضع‌ للشكّ كما جإ في‌ التأريخ‌ وكُتب‌ السِّيَر. وكان‌ أتباع‌ أهل‌ البيت‌ منذ البداية‌ ينظرون‌ إلی‌ خلافة‌ الخلفإ الثلاثة‌ علی‌ أنـّها غصب‌، ويعتبرون‌ الخلفإ غاصبين‌.

 يقول‌ عبد الله‌ عنان‌ المُحامي‌ّ: وَكَانَ لِعلی‌ٌّ حِزْبٌ يُنَادِي‌ بِخِلاَفَتِهِ عَقْبَ النَّبِي‌ِّ مُبَاشَرَةً، وَيَرَي‌ أَنـَّهُ هُوَ وَبَنُوهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا. ويواصل‌ حديثه‌ عن‌ هذا النوع‌، إلی‌ أن‌ يقول‌:

 وَمِنَ الخَطَأِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الشِّيعَةَ إنَّمَا ظَهَرُوا لاِوَّلِ مَرَّةٍ عِنْدَ انْشِقَاقِ الخَوَارِجِ، وَإنَّهُمْ سُمُّوا كَذَلِكَ لِبَقَائِهِمْ إلی‌ جَانِبِ علی‌ٍّ. فَشِيعَةُ علی‌ٍّ ظَهَرُوا مُنْذُ وَفَاةِ النَّبِي‌ِّ كَمَا قَدَّمْنَا. [28]

 وقال‌ ابن‌ خلدون‌: مَبْدَأُ دَوْلَةِ الشِّيعَةِ: اعْلَمْ أَنَّ مَبْدَأَ هَذِهِ الدَّوْلَةِ أَنَّ أَهْلَ البَيْتِ لَمَّا تُوُفِّي‌َ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَونَ أَنـَّهُمْ أَحَقُّ بِالاَمْرِ، وَأَنَّ الخِلاَفَةَ لِرِجَالِهِمْ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.

 إلی‌ أن‌ قال‌: وَفِي‌ الصَّحِيحِ أَيْضَاً أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ قَالَ فِي‌ مَرَضِهِ الَّذِي‌ تُوُفِّي‌َ فِيهِ: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابَاً لَنْتَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدَاً . فَاخْتَلَفُوا عِنْدَهُ فِي‌ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَلَمْيَتِمَّ الكِتَابُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الرَّزِيَةُ كُلُّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ وَبَيْنَ ذَلِكَ الكِتَابِ لاِخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ . حتَّي‌ لَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الشِّيعَةِ إلی‌ أَنَّ النَّبِي‌َّ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ أَوْصَي‌ فِي‌ مَرَضِهِ ذَلِكَ لِعلی‌ٍ وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ يُعَوَّلُ علیهِ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الوَصِيَّةَ عَائِشَةُ وَكَفَي‌ بِإنْكَارِهَا. [29]

 إلی‌ أن‌ قال‌: وَفِي‌ قِصَّةِ الشُّورَي‌ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَتَشَيَّعُونَ لِعلی‌ٍ، وَيَرَوْنَ اسْتِحْقَاقَهُ علی‌ غَيْرِهِ، وَلَمَّا عُدِلَ بِهِ إلی‌ سِوَاهُ تَأَفَّفُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَسِفُوا لَهُ، مِثْلُ الزُّبَيْرِ وَمَعَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَالمِقْدَادُبْنُ الاَسْوَدِ وَغَيْرُهُمُ، إلاَّ أَنَّ القَوْمَ لِرُسُوخِ قَدَمِهِمْ فِي‌ الدِّينِ وَحِرْصِهِمْ علی‌ الاُلْفَةِ لَمْ يَزِيدُوا فِي‌ ذَلِكَ علی‌ النَّجْوَي‌ بِالتَّأَفُّفِ وَالاَسَفِ. [30]

كلام‌ المسعودي‌ّ في‌ مناصرة‌ أعيان‌ الشيعة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌

 وقال‌ المؤرّخ‌ الجليل‌ والرحّالة‌ الكبير: أبو الحسن‌ علی‌ّبن‌ حسين‌ المسعودي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 346 من‌ الهجرة‌:

 وَقَدْ كَانَ عَمَّارٌ حِينَ بُويِعَ عُثْمَانُ، بَلَغَهُ قَوْلُ أَبِي‌ سُفْيَانَ: صَخْرَبْنَ حَرْبٍ فِي‌ دَارِ عُثْمَانَ، عُقَيبَ الوَقْتِ الَّذِي‌ بُويِعَ فِيهِ عُثْمَانُ وَدَخَلَ دَارَهُ وَمَعَهُ بَنُو أُمَيَّةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ ؟ ـوَقَدْ كَانَ أَعْمَي‌ـ [31] قَالُوا: لاَ ! قَالَ: يَا بَنِي‌ أُمَيَّةَ ! تَلَقَّفُوهَا تَلَقُّفَ الكُرَةِ! فَوَالَّذِي‌ يَحْلِفُ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ مَا زِلْتُ أَرْجُوهَا لَكُمْ، وَلَتَصِيرَنَّ إلی‌ صِبْيَانِكُمْ وِرَاثَةً!فَانْتَهَرَهُ عُثْمَانُ وَسإهُُ مَا قَالَ.

 وَنَمَي‌ هَذَا القَوْلُ إلی‌ المُهَاجِرِينَ وَالاَنْصَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ الكَلاَمِ.

 فَقَامَ عَمَّارٌ فِي‌ المَسْجِدِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ! أَمَا إذَا صَرَفْتُمْ هَذَا الاَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ هَهُنَا مَرَّةً وَهَهُنَا مَرَّةً، فَمَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ أَنْ يَنْزَعَهُ اللَهُ مِنْكُمْ، فَيَضَعَهُ فِي‌ غَيْرِكُمْ كَمَا نَزَعْتُمُوهُ مِنْ أَهْلِهِ وَوَضَعْتُمُوهُ فِي‌ غَيْرِ أَهْلِهِ!

 وَقَامَ المِقْدَادُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُوذِي‌َ بِهِ أَهْلُ هَذَا البَيْتِ بَعْدَ نَبِيِّهِم‌. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ يَا مِقْدَادَبْنَ عَمْرٍو؟!

 فَقَالَ: إنَّي‌ وَاللَهِ لاَحِبُّهُمْ لِحُبِّ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ ؛ وَإنَّ الحَقَّ مَعَهُمْ وَفِيهِم‌ . يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ! أَعْجَبُ مِنْ قُرَيْشٍ ـوَإنَّمَا تُطَوِّلُهُمْ علی‌ النَّاسِ بَفَضْلِ أَهْلِ هَذَا البَيْتِـ قَدِ اجْتَمَعُوا علی‌ نَزْعِ سُلْطَانِ رَسُول‌ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ بَعْدَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ! أَمَا وَأَيْمُاللَهِ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَوْ أَجِدُ علی‌ قُرَيْشٍ أَنْصَارَاً لَقَاتَلْتَهُمْ كَقِتَإلی‌ إيَّاهُمْ مَعَ النَّبِي‌ِّ علیهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَجَرَي‌ بَيْنَهُمْ مِنَ الكَلاَمِ خَطْبٌ طَوِيلٌ قَدْ أَتَيْنَا علی‌ ذِكْرِهِ فِي‌ كِتَابِنَا «أَخْبَار الزَمَانِ» [32] فِي‌ أَخْبَارِ الشُّورَي‌ وَالدَّارِ. [33]

 وروي‌ ابن‌ عساكر بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ عمر بن‌ علی‌ّبن‌ الحسين‌، عن‌ علی‌ّبن‌ الحسين‌، قال‌: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الحَكَمِ: مَا كَانَ فِي‌ القَوْمِ أَحَدٌ أَدْفَعَ عَنْ صَاحِبِنَا مِنْ صَاحِبِكُمْ ـيَعْنِي‌ علیاً عَنْ عُثْمَانَـ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَمَا لَكُمْ تَسُبُّونَهُ علی‌ المَنَابِرِ ؟! قَالَ: لاَ يَسْتَقِيمُ الاَمْرُ إلاَّ بِذَلِكَ. [34]

 قال‌ أحمد أمين‌ المصري‌ّ: وَقَدْ بَدَأَ التَّشَيُّعُ مَنْ فِرْقَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا مُخْلِصِينَ فِي‌ حُبِّهِمْ لِعلی‌ٍّ يَرَوْنَهُ أَحَقُّ بِالخِلاَفَةِ لِصِفَاتٍ رَأَوْهَا فِيهِ؛ مِنْ أَشْهَرِهِمْ سَلْمَانُ الفَارِسي‌ُّ وَأَبُو ذَرٍّ الغِفَارِي‌ُّ وَالمِقْدَادُ بْنُ الاَسْوَدِ. وَتَكَاثَرَتْ شِيعَتُهُ لَمَّا نَقَمَ النَّاسُ علی‌ عُثْمَانَ فِي‌ السَّنَوَاتِ الاَخِيرَةِ مِنْ خِلاَفَتِهِ ثُمَّ لَمَّا وَلِي‌َ الخِلاَفَةَ. [35]

 واعترض‌ أُسامة‌ بن‌ زيد علی‌ خلافة‌ أبي‌ بكر، وقال‌ له‌ في‌ كتاب‌ بعثه‌ إلیه‌: أنـّي‌ لك‌ هذا المقام‌؟

تأمير أُسامة‌ بن‌ زيد علی‌ أبي‌ بكر وعمر

 قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: لمّا مرض‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ مرض‌ الموت‌، دعا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَة‌، فقال‌: سر إلی‌ مقتل‌ أبيك‌، فأوطئهم‌ الخيل‌ ! فقد ولّيتك‌ علی‌ هذا الجيش‌ ؛ وإن‌ أظفرك‌ الله‌ بالعدوّ، فأقلل‌ اللبث‌! وبثّ العيون‌ ! وقدّم‌ الطلائع‌ ! فلم‌ يبق‌ أحد من‌ وجوه‌ المهاجرين‌ والانصار إلاّ كان‌ في‌ ذلك‌ الجيش‌ ؛ منهم‌ أبو بكر وعمر.

 فتكلّم‌ القوم‌ وقالوا: يستعمل‌ هذا الغلام‌ علی‌ جلّة‌ المهاجرين‌ والانصار! فغضب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لمّا سمع‌ ذلك‌، وخرج‌ عاصباً رأسه‌، فصعد المنبر وعلیه‌ قطيفة‌.

 فقال‌: أَيُّهَا النَّاسُ ! مَا مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِي‌ عَنْ بَعْضِكُمْ فِي‌ تَأْمِيرِي‌ أُسَامَةَ، لَئِنْ طَعَنْتُمْ فِي‌ تَأْمِيرِي‌ أُسَامَةَ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي‌ تَأْمِيرِي‌ أَبَاهُ مِنْ قَبْلِهِ. وَأَيْمُاللَهِ أَنْ كَانَ لَخَلِيقَاً بِالإمَارَةِ، وَابْنُهُ مِنْ بَعْدِهِ لَخَلِيقٌ بِهَا، وَإنَّهُمَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلی‌َّ ! فَاسْتَوصُوا بِهِ خَيْرَاً فَإنَّهُ مِنْ خِيَارِكُمْ.

 ثمّ نزل‌ ودخل‌ بيته‌، وجإ المسلمون‌ يودّعون‌ رسول‌الله‌، ويمضون‌ إلی‌ عسكر أُسامة‌ ب الجُرْف‌ .

 وثقل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ واشتدّ ما يجده‌، وهو لم‌يزل‌ يؤكّد علی‌ التحاق‌ أكابر قريش‌ بجيش‌ أُسامة‌، وقال‌: اغْدُ علی‌ بَرَكَةِ اللَهِ! وَجَعَلَ يَقُولُ: انْفُذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ ! وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ، فَوَدَّعَ رَسُولَاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. [36]

 فقال‌ أُسامة‌ لرسول‌ الله‌: بأبي‌ أنت‌ وأُمّي‌ يا رسول‌ الله‌! أتأذن‌ لي‌ في‌ المقام‌ أيّاماً حتّي‌ يشفيك‌ الله‌ ؟! فإنّي‌ متي‌ خرجت‌ وأنت‌ علی‌ هذه‌ الحالة‌، خرجت‌ وفي‌ قلبي‌ منك‌ قرحة‌!

 فقال‌ [رسول‌ الله‌ ]: انفذ يا أُسامة‌ لما أمرتك‌ ؛ فإنَّ القعود عن‌ الجهاد لايجب‌ في‌ حال‌ من‌ الاحوال‌. [37]

 نجد هنا أنَّ رسول‌ الله‌ أمر وجوه‌ قريش‌ وسراتهم‌ ومستكبريهم‌ كأبي‌بكر، وعمر، وأبي‌ عبيدة‌ الجرّاح‌، والمغيرة‌ بن‌ شعبة‌، وعثمان‌بن‌ عفّان‌، ومعاذ بن‌ جبل‌، وسائر الشخصيّات‌ المعروفة‌ من‌ المهاجرين‌ والانصار أن‌ يلتحقوا بجيش‌ أُسامة‌ بعدما ذكرهم‌ بأسمائهم‌. وأمّا أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ فلم‌ يشمله‌ هذا الامر ولم‌ يكن‌ في‌ عداد الجيش‌ بإجماع‌ الفريقين‌ وتواتر الاحاديث‌ في‌ التواريخ‌ وكتب‌ السير والتراجم‌، ولم‌يأمره‌ رسول‌ الله‌ بالخروج‌ مع‌ أُسامة‌.

 

ارجاعات


1] ـ الآيات‌ 1 إلي‌ 6 ، من‌ السورة‌ 29 : العنكبوت‌ . 

[2] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 154 . 

[3] ـ «تفسير مجمع‌ البيان‌» ج‌ 4 ، ص‌ 272 ، طبعة‌ صيدا . 

[4] ـ «تفسير الصافي‌ّ» ج‌ 1 ، ص‌ 282 ، الطبعة‌ الحجريّة‌ . 

[5] ـ «غاية‌ المرام‌» القسم‌ الثاني‌ ، ص‌ 403 و 404 ، الحديث‌ 3 و 4 . 

[6] ـ «تفسير البرهان‌» ج‌ 2 ، ص‌ 802 ، الطبعة‌ الحجريّة‌ ؛ وفي‌ «غاية‌ المرام‌» : نَحْنُ أَوْلِيَاؤكَ ، وفيه‌ تصحيف‌ طبعاً . 

[7] ـ «غاية‌ المرام‌» القسم‌ الثاني‌ ، ص‌ 404 ، حديث‌ 1 و 4 عن‌ العامّة‌ . والرواية‌ الاُولي‌ في‌ «تفسير القمّي‌ّ» ، ص‌ 494 . 

[8] ـ جاءت‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «غاية‌ المرام‌» ، و «تفسير البرهان‌» الطبعة‌ الحجريّة‌ ج‌ 2 ، ص‌ 802 هكذا : قال‌ رسول‌ الله‌ . ولا جرم‌ أنَّ فيها إسقاطاً ؛ وينبغي‌ أن‌ تكون‌ هكذا : قال‌ أبو عبدالله‌ عليه‌ السلام‌ : أو قال‌ أبو الحسن‌ عليه‌ السلام‌ : قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ـإلي‌ آخره‌. لانَّ العبارة‌ لا تصحّ في‌ غير هذه‌ الصورة‌ . ولمّا كان‌ سماعة‌ بن‌ مهران‌ من‌ أصحاب‌ الصادق‌ والكاظم‌ عليهما السلام‌ ، فلهذا تستبين‌ العبارة‌ المسقطة‌ ، وفيها اسم‌ أحد هذين‌ الاءمامين‌ العظيمين‌ . 

[9] ـ «غاية‌ المرام‌» القسم‌ الثاني‌ ، ص‌ 404 ، الحديث‌ الرابع‌ عن‌ العامّة‌ . والرواية‌ الاُولي‌ موجودة‌ في‌ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 494 . 

[10] ـ «غاية‌ المرام‌» القسم‌ الثاني‌ ، ص‌ 404 ، حديث‌ 5 عن‌ العامّة‌ . 

[11] ـ جاء في‌ معجم‌ «دهخدا» [ معجم‌ فارسي‌ّ [ كتاب‌ «ص‌» ، ص‌ 132 أنَّ الصبر بفتح‌ الصاد وكسر الباء . ولا يجوز تسكين‌ الباء إلاّ في‌ الضرورة‌ الشعريّة‌ . والصبر عصارة‌ مرّة‌ تستخرج‌ من‌ شجرة‌ تعرف‌ باللغة‌ الهنديّة‌ « ايلوا . أمّا ما يستبين‌ من‌ «القاموس‌» فهو أنَّ شعراء العرب‌ جوّزوا سكون‌ الباء للضرورة‌ . وحينئذٍ فليس‌ من‌ تصرّف‌ الفرس‌ عندما يقرأون‌ الكلمة‌ بسكون‌ الباء

[12] ـ كتاب‌ «النقض‌» ص‌ 652 و 653 . 

[13] ـ كما قال‌ صاحب‌ كتاب‌ «النقض‌» نفسه‌ وهو عبد الجليل‌ بن‌ أبي‌ الحسين‌ القزويني‌ّ، قال‌ في‌ مقدّمة‌ الكتاب‌ : نقل‌ هذا الكتاب‌ عنه‌ في‌ شهر ربيع‌ الاوّل‌ سنة‌ 556 ه . ويبدو أنـّه‌ كان‌ في‌ تلك‌ الايّام‌ (أي‌ : كتاب‌ «فضائح‌ الروافض‌») . ويلوح‌ أيضاً أنَّ المرحوم‌ القزويني‌ّ أجاب‌ عنه‌ في‌ تلك‌ الفترة‌ نفسها ، وسمّي‌ كتابه‌ «بعض‌ مثالب‌ النواصب‌ في‌ نقض‌ بعض‌ فضائح‌ الروافض‌» . 

[14] ـ بناء علي‌ رواية‌ الطبرسي‌ّ في‌ «الاحتجاج‌» ج‌ 1 ، ص‌ 99 و 100 فإنَّ سلمان‌ لمّا قام‌ للاحتجاج‌، قال‌ : فعلتم‌ ولم‌ تفعلوا ! وقد كان‌ امتنع‌ من‌ البيعة‌ قبل‌ ذلك‌ حتّي‌ وُجي‌ عنقه‌، ونحن‌ ذكرنا في‌ الدرس‌ 110 إلي‌ 115 من‌ كتابنا هذا رواية‌ عن‌ سُلَيم‌ بن‌ قيس‌، عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ حول‌ وجوب‌ الرجوع‌ إلي‌ الاعلم‌ . 

[15] ـ الشِّبْرُ ما بين‌ طرف‌ الاءبهام‌ وطرف‌ الخِنْصِر ممتدّين‌ . والفِتْر مَا بين‌ طرف‌ الاءبهام‌ وطرف‌ السبّابة‌ إذا فُتحت‌ اليد . ومعني‌ قوله‌ : قِسْ شِبْرَكَ بِفِتْرِكَ ، انشغل‌ بأُمورك‌! ولاتتجاوز حدّك‌! وفسّره‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ : كما أنَّ فترك‌ لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ بقدر شبرك‌، ï ïفكذامراتب‌ الرجال‌ مختلفة‌ بحسب‌ القابليّة‌ ، ولا يمكن‌ للادني‌ الترقّي‌ إلي‌ درجة‌ الاعلي‌. («بحار الانوار» ج‌ 8 ، ص‌ 43 طبعة‌ كمباني‌ الحجريّة‌) . 

[16] ـ يقول‌ مصحّح‌ كتاب‌ «النقض‌» والمعلّق‌ عليه‌ بالفارسيّة‌ [ وهو السيّد جلال‌ الدين‌ حسين‌ أُرموي‌ [ طبعة‌ سنة‌ 1371 ه : العبارة‌ الواقعة‌ بين‌ النجمتين‌ هي‌ في‌ النسخة‌ الموجودة‌ كالآتي‌: «بأكثر وعظكم‌ رسول‌ الله‌ صلَّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم‌ ، ولا يسمعوا أُمَّتي‌ أكبر ما سمعتم‌ من‌ نبيّكم‌». 

[17] ـ وفقاً للرواية‌ الواردة‌ في‌ «الاحتجاج‌» للشيخ‌ الطبرسي‌ّ ج‌ 1 ، ص‌ 104 ، فقد جاء ï ïخالدبن‌ الوليد ومعه‌ ألف‌ رجل‌ ، وسالم‌ مولي‌ أبي‌ حُذيفة‌ ومعه‌ ألف‌ رجل‌ ، ومعاذبن‌ جبل‌ ومعه‌ ألف‌ أيضاً ؛ فما زال‌ يجتمع‌ إليهم‌ رجل‌ رجل‌ حتّي‌ اجتمع‌ أربعة‌ آلاف‌ رجل‌. 

[18] ـ كتاب‌ «النقض‌» المعروف‌ بـ «بَعْض‌ مَثَالِبِ النَّوَاصِبِ في‌ نَقَض‌ بَعْضِ فَضَائحِ الرَّافِضَة‌» ص‌ 654 إلي‌ 669 . 

[19] ـ «الذريعة‌ إلي‌ تصانيف‌ الشيعة‌» للعلاّمة‌ الشيخ‌ آقا بزرك‌ الطهراني‌ّ ، ج‌ 2 ، ص‌ 122 . وهذا الرجل‌ الجليل‌ صاحب‌ كتاب‌ في‌ الرجال‌ ، وله‌ كتاب‌ «المحاسن‌» الذي‌ يعتبر من‌ الكتب‌ الخاصّة‌ بأُصول‌ الشيعة‌ . ولمّا كانت‌ وفاة‌ الكليني‌ّ سنة‌ 328 أو 329 ه ، فلهذا يروي‌ عنه‌ الكليني‌ّ بالواسطة‌ . وهو في‌ الحقيقة‌ من‌ مشايخ‌ مشايخ‌ الكليني‌ّ . 

[20] ـ قوله‌ «اتّق‌ الله‌» موجّه‌ إلي‌ أبي‌ بكر ، وقوله‌ : «ردّوا الامر» موجّه‌ إلي‌ كافّة‌ أقطاب‌ السقيفة‌. 

[21] ـ «رجال‌ البرقي‌ّ» ص‌ 63 إلي‌ 66 . روي‌ في‌ هذا الحديث‌ كلام‌ المهاجرين‌ والانصار الاثني‌ عشر عن‌ طريق‌ البديعي‌ّ ، يُنظر ويلاحظ‌ . 

[22] ـ «الخصال‌» للصدوق‌ ، ص‌ 461 إلي‌ 465 ، طبعة‌ مطبعة‌ الحيدري‌ّ ، باب‌ الواحد إلي‌ اثني‌ عشر ، تحت‌ عنوان‌ : الذين‌ أنكروا علي‌ أبي‌ بكر جلوسه‌ في‌ الخلافة‌ وتقدّمه‌ علي‌ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ اثنا عشر . 

[23] ـ «الاحتجاج‌» ج‌ 1 ، ص‌ 97 إلي‌ 105 . 

[24] ـ «الذريعة‌» ج‌ 18 ، ص‌ 69 ، رقم‌ 720 . وقال‌ أيضاً ذُكر كتاب‌ «كشف‌ اليقين‌» لابن‌ طاووس‌ في‌ تضاعيف‌ «بحار الانوار» وجعل‌ رمزه‌ «شَفْ» ولكنّ المجلسي‌ّ ظنَّ أنَّ الكتاب‌ للعلاّمة‌ الحلّي‌ّ فنسبه‌ إليه‌ ، مع‌ أنَّ كتاب‌ العلاّمة‌ : «كشف‌ اليقين‌» المطبوع‌ خالٍ من‌ هذه‌ الاحاديث‌ المذكورة‌ في‌ «بحار الانوار» . وللعلاّمة‌ الحلّي‌ّ كتاب‌ يُدعي‌ : «كشف‌ اليقين‌ في‌ فضائل‌ أمير المؤمنين‌» مذكور تحت‌ الرقم‌ « 721 » في‌ كتاب‌ «الذريعة‌» . 

[25] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8 ، ص‌ 42 و 43 ، طبعة‌ كمباني‌ ، باب‌ كيفيّة‌ غَصْب‌ لصوص‌ الخلافة‌ وأهل‌ الجلافة‌ . 

[26] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8 ، ص‌ 38 إلي‌ 44 . 

[27] ـ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 1 ، ص‌ 198 إلي‌ 200 ، الفائدة‌ الثانية‌ عشرة‌ . 

[28] ـ «تاريخ‌ الجمعيّات‌ السرّيّة‌ والحركات‌ الهدّامة‌» ، ص‌ 26 . 

[29] ـ لا شكّ ولا شبهة‌ في‌ وصيّة‌ رسول‌ الله‌ لامير المؤمنين‌ عليهما السلام‌ في‌ المرض‌ الذي‌ توفّي‌ فيه‌ . وذكرها الاعاظم‌ والاعلام‌ في‌ كتب‌ السير والتأريخ‌ ، بَيدَ أنَّ عائشة‌ أنكرتها لِبُنُوَّتِها أبا بكر ، وبغضها الشديد عليّاً عليه‌ السلام‌ . وهذا الاءنكار هو الذي‌ دفع‌ ابن‌ خلدون‌ السنّي‌ّ، الذي‌ يثني‌ علي‌ عائشة‌ إلي‌ حدّ التقديس‌ ، أن‌ يقول‌ بعدم‌ الوصيّة‌ ، ويهمل‌ الروايات‌ والاحاديث‌ الجمّة‌ المأثورة‌ عن‌ أُمّ سلمة‌ : الزوجة‌ ذات‌ الاُرومة‌ الرفيعة‌ ، وعن‌ الصدّيقة‌ الطاهرة‌ فاطمة‌ الزهراء بنت‌ رسول‌ الله‌ ، وأهل‌ البيت‌ ، وغيرهم‌ ، وهي‌ لا تحصي‌ . 

[30] ـ «تاريخ‌ ابن‌ خلدون‌» ج‌ 3 ، ص‌ 170 و 171 . 

[31] ـ أي‌ : أنَّ أبا سفيان‌ أراد أن‌ يتحدّث‌ بحضور بني‌ أُميّة‌ لا غيرهم‌ بحيث‌ إنَّ شخصاً واحداً من‌ أنصار بني‌ هاشم‌ لا يحضر بينهم‌ ، حتّي‌ يبقي‌ كلامه‌ سرّيّاً ، ولا يُفصِح‌ عنه‌، ونحن‌ نقلنا كلام‌ أبي‌ سفيان‌ بعبارة‌ أُخري‌ في‌ الدرس‌ 91 ـ 93 ، من‌ دروس‌ «معرفة‌ الاءمام‌» ج‌ 7 .

 وروي‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ الجزء الثاني‌ من‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ص‌ 44 عن‌ أحمدبن‌ عبدالعزيز، قال‌ : إنَّ أبا سفيان‌ ، قال‌ لمّا بويع‌ عثمان‌ : كان‌ هذا الامر في‌ تَيْم‌ ؛ وأنـّي‌ لتيم‌ هذا الامر؟ ثمّ صار إلي‌ إلي‌ عدي‌ّ ، فأبعد وأبعد ؛ ثمّ رجعتْ إلي‌ منازلها واستقرَّ الامر قراره‌، فتلقّفوها تلقّف‌ الكرة‌ .

 وروي‌ عنه‌ أيضاً في‌ ص‌ 45 : إنَّ أبا سفيان‌ قال‌ لعثمان‌ : بأبي‌ أنت‌ أنفق‌ ولا تكن‌ كأبي‌ حجر! وتداولوها يا بني‌ أُميّة‌ تداول‌ الولدان‌ الكرة‌ ! فو الله‌ ما من‌ جنّة‌ ولا نار . وكان‌ الزبير حاضراً، فقال‌ عثمان‌ لابي‌ سفيان‌ أُعزُبْ ! فقال‌ : يا بني‌ّ أههنا أحد ؟! قال‌ الزبير: نعم‌ والله‌ لاكتمتها عليك‌ !

 يقول‌ راوي‌ هذه‌ الرواية‌ : المغيرة‌ بن‌ محمّد المهلّبي‌ّ : عندما ذاكرت‌ إسماعيل‌بن‌ إسحاق‌ القاضي‌ بهذا الحديث‌ ، قال‌ : هذا باطل‌ . قلت‌ : وكيف‌ ذلك‌ ؟ قال‌ : ما أنكر هذا من‌ أبي‌ سفيان‌، ولكن‌ أنكر أن‌ يكون‌ سمعه‌ عثمان‌ ، ولم‌ يضرب‌ عنقه‌ . (أي‌ : لو كان‌ أبو سفيان‌ قد قال‌ ذلك‌، لضرب‌ عثمان‌ عنقه‌) . 

[32] ـ جاء في‌ كتاب‌ «كشف‌ الظنون‌» ج‌ 1 ، ص‌ 27 ما نصّه‌ : «أخبار الزمان‌ ومن‌ أباده‌ الحَدَثان‌»: في‌ التأريخ‌ ، للاءمام‌ أبي‌ الحسن‌ علي‌ّ بن‌ محمّد بن‌ الحسين‌ (علي‌ّبن‌ الحسين‌بن‌ علي‌ّ) المسعودي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 346 ه . وهو تأريخ‌ كبير قدّم‌ القول‌ بهيئة‌ الارض‌ ومدنها وجبالها وأنهارها ومعادنها وأخبار الابنية‌ العظيمة‌ وشأن‌ البدء وأصل‌ النسل‌ وانقسام‌ الاقاليم‌ وتباين‌ الناس‌ . ثمّ أتبع‌ بأخبار الملوك‌ الغابرة‌ والاُمم‌ الداثرة‌ والقرون‌ الخالية‌ وأخبار الانبياء. ثمّ ذكر الحوادث‌ سنة‌ سنة‌ إلي‌ وقت‌ تأليف‌ «مروج‌ الذهب‌» سنة‌ 332 ه . ثمّ أتبعه‌ كتاب‌ «الاوسط‌» فيه‌ فجعله‌ إجمال‌ ما بسطه‌ فيه‌ ، ثمّ رأي‌ اختصار ما وسطه‌ في‌ كتاب‌ سمّاه‌ «مروج‌ الذهب‌» ورتّب‌ أخبار الزمان‌ علي‌ ثلاثين‌ فنّاً. 

[33] ـ «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 2 ، ص‌ 342 و 343 ، طبعة‌ دار الاندلس‌ ، و ج‌ 2 ، ص‌ 351 و 352 ، طبعة‌ مطبعة‌ السعادة‌ بمصر ، سنة‌ 1367 ه . 

[34] ـ «تاريخ‌ دمشق‌» ج‌ 3 ، ص‌ 98 ، ترجمة‌ الاءمام‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ . 

[35] ـ «ضحي‌ الاءسلام‌» ، ج‌ 3 ، ص‌ 209 . 

[36] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 1 ، 159 و 160 ؛ و «الاحتجاج‌» للطبرسي‌ّ ، ج‌ 1 ، ص‌ 90 . 

[37] ـ «الاحتجاج‌» ج‌ 1 ، ص‌ 90 ، باب‌ ما جري‌ بعد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. 

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ بعد المائة‌ إلی‌ التاسع‌ بعد المائة‌في‌ تفسير الآية‌: إلیومَ ...
  أشعار الطاهر والحميري‌ّ في‌ الآية‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
  روايات‌ الخطيب‌ البغدادي‌ّ وابن‌ عساكر وابن‌ مردويه‌ في‌ آيه‌ إكمال‌ الدين‌
  روايات‌ ابن‌ المغازلي‌ّ والحمّوئي‌ّ في‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌
  روايات‌ سبط‌ بن‌ الجوزي‌ّ والسيّد الرضي‌ّ في‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌ و ...
  عمل‌ الناس‌ بأربع‌، وتركوا الولاية‌
  العامّة‌ يقولون‌ غالباً: نزلت‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌ في‌ يوم‌ عرفة‌
  عدم‌ نزول‌ آية‌ الإكمال‌ في‌ يوم‌ عرفة‌
  عرض‌ تفصيلي‌ّ حول‌ نزول‌ آية‌ الإكمال‌
  ما هو المراد بإلیوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟
  استنباط‌ معني‌ إلیوم‌ من‌ الآية‌ نفسها إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
  المراد من‌ خشية‌ الله‌، الخوف‌ في‌ مقام‌ الولاية‌
  الفرق‌ بين‌ الكمال‌ والتمام‌ في‌ كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌
  المراد من‌ النعمة‌ الولاية‌
  آية‌ إكمال‌ الدين‌ من‌ مصادق‌ الآية‌: وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ
  المراد من‌ إلیوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ يوم‌ الغدير
  يمكن‌ أن‌ يكون‌ نزول‌ آية‌ الولاية‌ في‌ يوم‌ عرفة‌، وتبليغها يوم‌ الغدير
  قول‌ إلیهود: لو كانت‌ آية‌ الإكمال‌ نازلة‌ علینا لاتّخذنا ذلك‌ إلیوم‌ عيداً
  كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌ سنّة‌ قائمة‌ لا تزول‌
  وقوع‌ آية‌ الإكمال‌ بين‌ آيات‌ محرّمات‌ الطعام‌ شي‌ء عجيب‌
  قصيدة‌ الملاّ علی‌ الخوئي‌ّ في‌ وصف‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  أبيات‌ لابي‌ بكر القريعي‌ّ
  الدرس‌ العاشر بعد المائة‌ إلی‌ الخامس‌ عشر بعد المائة‌ :التقديم‌ بين‌ يدي‌ الله‌ هو التخلّف‌ نفسه‌
  حوار بين‌ شيعي‌ّ وسنّي‌ّ حول‌ لزوم‌ الخلافة‌
  استعراض‌ تهنئة‌ الشيخين‌ في‌ كتاب‌ «المناقب‌» لابن‌ شهرآشوب‌
  أبيات‌ السيّد الحميري‌ّ في‌ تهنئة‌ الشيخين
  الروايات‌ الواردة‌ حول‌ عدم‌ رسوخ‌ الولاية‌ في‌ نفوس‌ شيوخ‌ قريش‌
  كلام‌ معارضي‌ الولاية‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌
  أبيات‌ البشنوي‌ّ في‌ كلام‌ المعارضين‌ الذين‌ قالوا لا نسلّم‌ الإمامة‌ لعلی‌ّ
  أعيان‌ من‌ علماء العامّة‌ ذكروا تهنئة‌ الشيخين‌
  كلام‌ صاحب‌ تفسير «المنار» في‌ أنَّ العامّة‌ يعتقدون‌ بالولاية‌
  التصويت‌ السرّي‌ّ المموّه‌ بالخداع‌ في‌ السقيفة‌
  إقصاء أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ الخلافة‌ بسبب‌ حداثة‌ السنّ
  تفنيد الإشكال‌ المثار حول‌ حداثة‌ سنّ الإمام‌ علیه‌ السلام‌
  نصّ رسول‌ الله‌ علی‌ إمارة‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ للمؤمنين‌
  أمير المؤمنين‌ لقب‌ خاصّ للإمام‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌
  أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ متحمّس‌ لهداية‌ الناس‌ كرسول‌ الله‌
  النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ حريصاً علی‌ هداية‌ الناس‌
  كلام‌ أمير المؤمنين‌ للعبّاس‌ وأبي‌ سفيان‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌
  الخطبة‌ الشقشقيّة‌ التي‌ ألقاها أمير المؤمنين‌ في‌ أيّام‌ خلافته‌
  كلام‌ عمر حول‌ لزوم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد
  جواب‌ ابن‌ عبّاس‌ الصارم‌ لعمر حول‌ عدم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌
  قصد عمر من‌ نسبة‌ الهجر إلی‌ رسول‌ الله‌ إثارة‌ اللغط‌ والضجيج‌
  اعتراف‌ عمر بأحقّيّة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ للخلافة‌
  الخلفاء المنتخبون‌ بعد رسول‌ الله‌ مدانون‌ في‌ محكمة‌ التأريخ‌
  بطلان‌ لزوم‌ عدم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد عقلاً
  قيام‌ الإجماع‌ علی‌ عدم‌ التنافي‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد
  فصل‌ النبوّة‌ عن‌ الخلافة‌ والإمارة‌ هو فصلها عن‌ السياسة‌
  فصل‌ الدين‌ عن‌ السياسة‌ يتعارض‌ مع‌ ضرورة‌ الإسلام ‌
  اصطلاح‌ الروحاني‌ّ والروحانيّة‌ اصطلاح‌ كَنَسي‌ّ وليس‌ إسلاميّاً
  قصّة‌ أبي‌ بكر وكيفيّة‌ أخذ البيعة‌، وإقصاء أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  لقاء أبي‌ بكر وعمر مع‌ العبّاس‌ ووعدهما إيّاه‌ بحصّة‌ من‌ الخلافة‌
  الدرسان‌ السادس‌ عشر والسابع‌ عشر بعد المائة‌ :أمير المؤمنين‌ ...
  في‌ تفسير: ال´م‌´ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ ... باختبار الناس‌ في‌ أمير المؤمنين‌
  قيام‌ الصحابة‌ الكرام‌ في‌ مسجد رسول‌ الله‌ واحتجاجهم‌ علی‌ أبي‌ بكر
  >>احتجاج‌ خالد بن‌ سعيد بن‌ العاص‌ علی‌ أبي‌ بكر بسوابق‌ أمير المؤمنين‌
  احتجاج‌ أبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ في‌ مسجد النبي‌ّ علی‌ أبي‌ بكر وأعوانه‌
  احتجاج‌ عمّار بن‌ ياسر وقيس‌ بن‌ سعد في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  احتجاج‌ سهل‌ بن‌ حُنيف‌ وابن‌ التيّهان‌ في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  احتجاج‌ أبي‌ أيّوب‌ الانصاري‌ّ في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  عدم‌ الإذن‌ بالقيام‌ بالسيف‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌
  إطلاق‌ حزب‌ علی‌ّ عنوان‌ الغاصب‌ علی‌ أبي‌ بكر منذ إلیوم‌ الاوّل‌ لخلافته‌
  كلام‌ المسعودي‌ّ في‌ مناصرة‌ أعيان‌ الشيعة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  تأمير أُسامة‌ بن‌ زيد علی‌ أبي‌ بكر وعمر
  اعتراض‌ أُسامة‌ بن‌ زيد وأبي‌ قُحافة‌ علی‌ أبي‌ بكر في‌ الخلافة‌
  الدرس‌ الثامن‌ عشر بعد المائة‌ إلی‌ العشرين‌ بعد المائة‌ :في‌ المدينة‌ الفاضلة‌‌...‌
  إضفاء عمر الصبغة‌ الدينيّة‌ علی‌ بِدَعِه‌
  تخطيط‌ عمر في‌ الشوري‌ لخلافة‌ عثمان‌
  شروط‌ عمر التعجيزيّة‌ تحول‌ دون‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌
  كان‌ واضحاً منذ أيّام‌ عمر أنَّ عثمان‌ هو الخليفة‌ بعده‌
  تعزيز عمر موقع‌ بني‌ أُميّة‌ أمام‌ بني‌ هاشم‌
  إنذار معاوية‌ المهاجرين‌ توطيداً لعثمان‌
  تفريط‌ عمر بالإسلام من‌ أجل‌ عزّة‌ العرب‌
  ثقل‌ إمارة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ عمر
  التخطيط‌ المسبق‌ للشوري‌ والحؤول‌ دون‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌
  الشوري‌ الخاضعة‌ لإشراف‌ عمر ليست‌ شوري‌ بل‌ هي‌ الاستبداد عينه‌
  حوار معاوية‌ مع‌ زياد بن‌ حصين‌ حول‌ اختلاف‌ المسلمين‌
  كلام‌ الغزّإلی‌ّ في‌ الغدير وانحراف‌ الخلفاء المنتخَبِين‌
  من‌ كبار الشيعة‌ والعامّة‌ الذين‌ يرون‌ أنَّ كتاب‌ «سرّ العالمين‌» للغزّإلی‌ّ
  ردّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ سنّة‌ الشيخين‌
  رسالة‌ عشرة‌ من‌ الصحابة‌ إلی‌ عثمان‌ حول‌ انتهاكاته‌
  خطبة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حول‌ نسف‌ السنن‌ المخالفة‌
  قول‌ معاوية‌: لا يقرّ قراري‌ ما لم‌ أدفن‌ اسم‌ محمّد حتّي‌ لا يُصاح‌ به‌...
  نظرة‌ معاوية‌ إلی‌ نبوّة‌ رسول‌ الله‌ علی‌ أنـّها سلطة‌ حكوميّة‌
  نجدة‌ الإسلام بحركة‌ الإمام‌ الحسين‌ العمليّة‌ وحركة‌ الإمام‌ الباقر العلميّة‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی