معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام (المجلد الثامن)
کتاب معرفة الامام / المجلد الثامن/ القسم التاسع: کتاب سر العالمین للغزالی، رد علی علیه السلام سنة الشیخین

حوار معاوية‌ مع‌ زياد بن‌ حصين‌ حول‌ اختلاف‌ المسلمين‌

 أجل‌، فإنَّ جميع‌ المفاسد والخلافات‌ قد انبثقت‌ عن‌ هذه‌ الشوري‌، وكلّ ما حلّ بالمسلمين‌ من‌ مصائب‌ كان‌ بسببها . ومن‌ الضروري‌ّ أن‌ نشير هنا إلی‌ قصّة‌ دقيقة‌ نقلها ابن‌ عبد ربّه‌ الاندلسي‌ّ في‌ «العقد الفريد» قال‌: «ذكروا أنَّ زياداً أوفد ابن‌ حصين‌ علی‌ معاوية‌ فأقام‌ عنده‌ ما أقام‌. ثمّ إنَّ معاوية‌ بعث‌ إلیه‌ فخلا به‌ فقال‌ له‌: يا بن‌ حصين‌ قد بلغني‌ أنَّ عندك‌ ذهناً وعقلاً! فأخبرني‌ عن‌ شي‌ء أسألك‌ عنه‌ ! قال‌: سلني‌ عمّا بدا لك‌. قال‌ [معاوية‌ ]: أخبرني‌ ما الذي‌ شتّت‌ أمر المسلمين‌ وأبلاهم‌ وخالف‌ بينهم‌؟ قال‌: قتل‌ الناس‌ عثمان‌ ! قال‌: ما صنعتَ شيئاً . قال‌ [ابن‌ حصين‌ ]: فمسير طلحة‌ والزبير وعائشة‌ وقتال‌ علی‌ّ إيّاهم‌ . قال‌: ما صنعتَ شيئاً. قال‌: ما عندي‌ غير هذا. قال‌ [معاوية‌ ]: فأنا أخبرك‌ به‌، إنَّه‌ لم‌ يشتّت‌ بين‌ المسلمين‌، ولافرّق‌ أهوإهم‌ إلاّ الشوري‌ التي‌ جعلها عمر إلی‌ ستّة‌ نفر. وذلك‌ أنَّ الله‌ بعث‌ محمّداً بالهدي‌ ودين‌ الحقّ ليظهره‌ علی‌ الدين‌ كلّه‌ ولو كره‌ المشركون‌، فعمل‌ بما أمره‌ الله‌ به‌ ثمّ قبضه‌ الله‌ إلیه‌، وقدّم‌ أبا بكر للصلاة‌ فرضوه‌ لامر دنياهم‌ إذ رضيه‌ رسول‌ الله‌ لامر دينهم‌.

 فعمل‌ أبو بكر بسنّة‌ رسول‌ الله‌، وسار بسيره‌ حتّي‌ قبضه‌ الله‌، واستخلف‌ عمر فعمل‌ بمثل‌ سيرته‌، ثمّ جعلها [عمر ] شوري‌ بين‌ ستّة‌ نفر فلم‌يكن‌ رجل‌ منهم‌ إلاّ رجاها لنفسه‌ ورجاها له‌ قومه‌ . وتطلّعت‌ إلی‌ ذلك‌ نفسه‌. ولو أنَّ عمر استخلف‌ علیهم‌ كما استخلف‌ أبو بكر ما كان‌ في‌ ذلك‌ اختلاف‌». [1]

 علمنا ممّا تقدّم‌ أنَّ تصرّف‌ عمر في‌ الدين‌ ليس‌ تصرّفاً في‌ مسائل‌ جزئيّة‌، بل‌ هو تصرّف‌ في‌ مسائل‌ جوهريّة‌ وجذريّة‌، ولازال‌ ذلك‌ التصرّف‌ قائماً بين‌ أتباعه‌ حيث‌ لا يزال‌ يأفل‌ نجم‌ الحقّ والولاية‌، وتتواري‌ الحقيقة‌ خلف‌ حجاب‌ الغيب‌ علی‌ كرور الايّام‌.

 ولمّا كانت‌ التغييرات‌ التي‌ أحدثها عمر في‌ الدين‌ يُنْظَر إلیها بوصفها تعإلیم‌ دينيّة‌، فإنَّ أتباعه‌ ينظرون‌ إلیه‌ بوصفه‌ قدّيساً، ويحترمون‌ سنّته‌ كاحترام‌ سنّة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، مع‌ أنَّ العقل‌ والشرع‌ والضمير، كلّ أُولئك‌ يحكم‌ بأن‌ لا شي‌ء جدير بالاتّباع‌ غير الوحي‌ الإلهي‌ّ . وما لزوم‌ اتّباع‌ الانبيإ إلاّ لانـّهم‌ يمثّلون‌ وسائط‌ الاتّصال‌ بعالم‌ الغيب‌ . وما عدا ذلك‌، فإنَّ التقليد الاعمي‌ مدان‌ في‌ جميع‌ المراحل‌ . ولقد تلاعب‌ عمر بمنهج‌ رسول‌الله‌، وأتي‌ بأشيإ من‌ عنده‌، عرفت‌ بسنّة‌ عمر، وإذا ألحقنا بها الاشيإ التي‌ أحدثها الخليفة‌ الاوّل‌، فإنَّها تعرف‌ بسنّة‌ الشيخين‌.

 ويستبين‌ من‌ هنا أنَّ ضرر عمر علی‌ الإسلام الحقيقي‌ّ والسنّة‌ المحمّديّة‌ كان‌ أشدّ من‌ ضرر أبي‌ سفيان‌، وأبي‌ لهب‌، وأبي‌ جهل‌، ونظائرهم‌. لانَّ هؤلإ ـمع‌ جميع‌ العراقيل‌ التي‌ وضعوها في‌ طريق‌ الرسالة‌، وكافّة‌ الحروب‌ والمصائب‌ التي‌ أنزلوها بالإسلام والمسلمين‌، لاسيّما برسول‌ الله‌ـ كانوا يقصدون‌ صدّ رسول‌ الله‌ عن‌ هدفه‌ ظاهراً، وعدم‌تقدّم‌ الإسلام في‌ حقل‌ الحكومة‌ والرئاسة‌ . وكانوا يطمحون‌ أن‌ يكونوا هم‌ الرؤسإ لا رسول‌ الله‌ . أمّا عمر فقد حال‌ دون‌ المعنويّة‌ والولاية‌ والعاطفة‌ الإسلام يّة‌ . وخلط‌ سنّته‌ بالدين‌، فقدّم‌ إلی‌ الاُمّة‌ مزيجاً مغشوشاً. وأحدث‌ عمر ثغرة‌ في‌ معنويّة‌ الإسلام ‌، وفرض‌ نهجه‌ علی‌ الناس‌ في‌ غِلالة‌ الدين‌. فلهذا نري‌ أنَّ نهج‌ أبي‌ سفيان‌ وأمثاله‌ قد امّحي‌ ولا نصير له‌ في‌ العالم‌، بَيدَ أنَّ نهج‌ عمر لا زال‌ قائماً، حتّي‌ تعذّر إقناع‌ المسلم‌ السنّي‌ّ بأنَّ نهجه‌ لايقوم‌ علی‌ دليل‌، وليس‌ له‌ حجّيّة‌ شرعيّة‌ . فالحجّة‌ كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ رسول‌الله‌ لاغير.

 من‌ هذا المنطلق‌، شُبِّه‌ عمر في‌ الروايات‌ الشيعيّة‌ بالسامري‌ّ في‌ قوم‌ موسي‌، لانَّ السامري‌ّ أحدث‌ في‌ دين‌ موسي‌ علی‌ الصعيد المعنوي‌ّ، ودعا ببني‌ إسرائيل‌ إلی‌ عبادة‌ العِجْل‌ . أنـَّه‌ لم‌ يكن‌ حاكماً متعطّشاً للحكومة‌ الظاهريّة‌ الشكليّة‌ فحسب‌، ذلك‌ أنَّ تأثير حبّ الرئاسة‌ علی‌ الناس‌، لاسيّما الرئاسة‌ المعنويّة‌، أكبر وأشدّ من‌ تأثير سائر المعاصي‌، وأنـَّه‌ يقتاد صاحبه‌ إلی‌ هاوية‌ السقوط‌ والبوار والهلاك‌ بأسرع‌ ما يكون‌، ويضيع‌ جميع‌ المتاعب‌ والجهود والعبادات‌ والجهاد فيما مضي‌، ويترك‌ ذلك‌ كلّه‌ طعمة‌ لحريق‌ الهوي‌.

كلام‌ الغزّإلی‌ّ في‌ الغدير وانحراف‌ الخلفإ المنتخَبِين‌

 نقرأ للإمام‌ محمّد الغَزَّإلی‌ّ بحثاً يحوم‌ حول‌ الترتيب‌ في‌ خلافة‌ الخلفإ، هل‌ هي‌ بالنصّ أو بالإرث‌، وذلك‌ في‌ المقالة‌ الرابعة‌ من‌ كتابه‌: «سِرّ العالمين‌» إلی‌ أن‌ يبلغ‌ قوله‌:

 لَكِنْ أَسْفَرَتِ الحُجَّةُ وَجْهَهَا وَأَجْمَعَ الجَمَاهِيرُ علی‌ مَتْنِ الحَدِيثِ فِي‌ يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ بِاتِّفَاقِ الجَمِيعِ، وَهُوَ يَقُولُ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی‌ٌّ مَوْلاَهُ» ؛ فَقَالَ عُمَرُ: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا أَبَا الحَسَنِ لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَوْلاَي‌َ وَمَوْلَي‌ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.

 فَهَذَا تَسْلِيمٌ وَرِضَيً وَتَحْكِيمٌ . ثُمَّ بَعْدَ هَذَا غَلْبُ الهَوَي‌ لِحُبِّ الرِّيَاسَةِ، وَحَمْلِ عَمُودِ الخِلاَفَةِ، وَعُقُودِ البُنُودِ، وَخَفَقَانِ الهَوَي‌ فِي‌ قَعْقَعَةِ الرَّايَاتِ، وَاشْتِبَاكِ ازْدِحَامِ الخُيُولِ، وَفَتْحِ الاَمْصَارِ سَقَاهُمْ كَأْسَ الهَوَي‌، فَعَادُوا إلی‌ الخِلاَفِ الاَوَّلِ، فَنَبَذُوهُ وَرَإ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ. [2]

 وَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَبْلَ وَفَاتِهِ: إيْتُونِي‌ بِدَوَاةٍ وَبَيَاضٍ لاِزِيلَ عَنْكُمْ إشْكَالَ الاَمْرِ، وَأَذْكُرَ لَكُمْ مَنِ المُسْتَحِقُّ لَهَا بَعْدِي‌.

 قَالَ عُمَرُ: دَعُوا الرَّجُلَ فَإنَّهُ لَيَهْجُرُ ـ وَقِيلَ: يَهْذُو. [3]

 لقد أعطي‌ الإمام‌ الغزّإلی‌ّ هذا الموضوع‌ حقّه‌ عبر كلامه‌ المقتضب‌ المارّ ذكره‌، وكشف‌ الحقيقة‌ . وكان‌ هذا الدرك‌ والفهم‌ ـطبعاًـ من‌ بركات‌ ترك‌ هوي‌ النفس‌، وحبّ الرئاسة‌، والتنازل‌ عن‌ مقامه‌ المتمثّل‌ بحجّة‌ الإسلام ‌، وترك‌ رئاسة‌ المدرسة‌ النظاميّة‌ ببغداد، وجميع‌ المناصب‌ الدنيويّة‌ من‌ تدريس‌، وإفتإ، وقضإ، وإصلاح‌ ذات‌ البين‌، وغيرها من‌ الشؤون‌ الدينيّة‌ علی‌ أساس‌ الفقه‌ الشافعي‌ّ، إذ اختار العزلة‌ في‌ الشام‌ عشر سنين‌، وانشغل‌ بالرياضات‌ الشرعيّة‌ لتصفية‌ باطنه‌، وجلا جوهر نفسه‌ بمخالفة‌ النفس‌ الشيطانيّة‌ والاستمداد من‌ النفحات‌ الرحمانيّة‌، واجتاز الموهومات‌ والتحق‌ بالحقّ، ونزع‌ عن‌ المجاز إلی‌ الحقيقة‌ . كما يستبين‌ ذلك‌ من‌ مطاوي‌ كتابه‌ الذي‌ حرّره‌ بعد رجوعه‌ من‌ الشام‌ علی‌ شكل‌ رسالة‌ أسماها: «المُنْقِذُ مِنَ الضَّلاَلِ» .

 ومن‌ الطبيعي‌ّ أنَّ الله‌ لا يضيع‌ جهود الرجال‌ الذين‌ يسعون‌ في‌ سبيله‌، وقد دلّهم‌ علی‌ طريق‌ السعادة‌، واقتادهم‌ إلی‌ الحياة‌ الطيّبة‌، وامتنّ علیهم‌ بالجزإ علی‌ أحسن‌ وجه‌، وذلك‌ وفقاً لمفاد قوله‌ تعإلی‌: وَالَّذِينَ جَـ'هَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ، [4] ومفاد قوله‌: مَنْ عَمِلَ صَـ'لِحًا مِّن‌ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَي‌' وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ و حَيَو'ةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم‌ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. [5]

 لا جرم‌ أنَّ الغزّإلی‌ّ كان‌ سنّيّاً، ومن‌ أنصار مدرسة‌ عمر، بل‌ ومن‌ المتعصّبين‌ لها، بَيدَ أنّ الاندفاع‌ إلی‌ تلمّس‌ الحقّ أضإ مصباح‌ الولاية‌ في‌ مشكاة‌ قلبه‌، وأنار زجاجة‌ نفسه‌ بهذا النبراس‌ . ولا ريب‌ أنـّه‌ انتهج‌ طريق‌ التشيّع‌، وخطا خطوته‌ في‌ صراط‌ الولاية‌. [6]

من‌ كبار الشيعة‌ والعامّة‌ الذين‌ يرون‌ أنَّ كتاب‌ «سرّ العالمين‌» للغزّإلی‌ّ

 وقال‌ فيه‌ المرحوم‌ الفقيه‌ المحدّث‌ الحكيم‌ المفسّر العارف‌ العظيم‌ المولي‌ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ: كان‌ عامّي‌ّ المذهب‌ حين‌ تصنيف‌ «إحيإ العلوم‌» ثمّ تشيّع‌ في‌ آخر عمره‌، وصنّف‌ كتاب‌ «سرّ العالمين‌». [7]

 ونفيد ممّا تقدّم‌ أنـّنا ينبغي‌ أن‌ لا نبإلی‌ بما يقوله‌ بعض‌ العلمإ المعاصرين‌ حول‌ كتاب‌ «سرّ العالمين‌» [8] إذ ينفون‌ نسبته‌ للغزّإلی‌ّ. لانـّه‌ مضافاً إلی‌ كثير من‌ الادلّة‌ التي‌ يذكرونها وهي‌ قابلة‌ للتبرير، فإنَّ بعضها لايمكن‌ أن‌ يعتبر إشكالاً ومؤاخذة‌ . ولا يمكن‌ بمجرّد الاستبعاد إنكار كتاب‌ أو رسالة‌ لشخص‌ هو مؤلّفها، علماً أنَّ أهل‌ الخبرة‌ في‌ علم‌ الرجال‌ والتراجم‌ وعلم‌ المصادر قد أيّدوا نسبة‌ ذلك‌ الكتاب‌ أو تلك‌ الرسالة‌ إلیه‌، ونقلوا الموضوعات‌ الواردة‌ فيهما منذ عصر المؤلّف‌ إلی‌ يومنا هذا في‌ كتبهم‌.

 ومن‌ هؤلإ الذين‌ نسبوا كتاب‌ «سرّ العالمين‌» إلی‌ الغزّإلی‌ّ: الذَّهَبِي‌ّ في‌ «ميزان‌ الاعتدال‌»، [9] وابن‌ حجر العسقلاني‌ّ في‌ «لسان‌ العرب‌»، [10] و سبط‌بن‌ الجوزي‌ّ في‌ «تذكرة‌ خواصّ الاُمّة‌»، [11] و جرجي‌ زيدان‌ في‌ «آداب‌ اللغة‌ العربيّة‌»، [12] و الملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ في‌ «المحجّة‌ البيضإ»، [13] و العلاّمة‌ محمّد باقر المجلسي‌ّ في‌ «بحار الانوار»، [14] و العلاّمة‌ عبدالحسين‌ الاميني‌ّ في‌ «الغدير» . [15]

 وقال‌ الطباطبائي‌ّ الحسني‌ّ في‌ مقدّمة‌ كتاب‌ «سرّ العالمين‌» طبعة‌ النجف‌: ومن‌ الذين‌ نسبوا كتاب‌ «سرّ العالمين‌» إلی‌ الغزّإلی‌ّ: القاضي‌ نورالله‌ التُّستري‌ّ في‌ «مجالس‌ المؤمنين‌»، و الشيخ‌ علی‌بن‌ عبدالعإلی‌ الكَرَكي‌ّ، وهو المحقّق‌ الثاني‌ فيما نقل‌ عنه‌، و المولي‌ محسن‌ الفيض‌ صاحب‌ «الوافي‌»، و الطريحي‌ّ في‌ «مجمع‌ البحرين‌» . وقال‌ العلاّمة‌ الطهراني‌ّ: ونسب‌ إلی‌ الغزّإلی‌ّ أيضاً في‌ «تاج‌ العروس‌»، و«الاتحاف‌ في‌ شرح‌ الإحيإ». [16]

 أجل‌، عندما أزلّ حبّ الرئاسة‌ طلحة‌ والزبير مع‌ سابقتهما اللامعة‌، حتّي‌ جمعا حولهما اثني‌ عشر ألف‌ مقاتل‌، ونكثا البيعة‌، وشهرا سيفهما بوجه‌ أميرالمؤمنين‌ الولي‌ّ الاعلی‌ في‌ عالم‌ الإمكان‌، مع‌ معرفتهما به‌ ومناصرته‌ ودعمه‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌ وبعده‌، وحرّضا علیه‌ الناس‌ المساكين‌ والمستضعفين‌ بتهمة‌ مظلوميّة‌ عثمان‌ وقتل‌ علی‌ّ إيّاه‌ ـمع‌ أنـّهما كانا من‌ أقطاب‌ المؤلّبين‌ علی‌ قتله‌ـ وأراقا الدمإ البريئة‌، عندما يكون‌ ذلك‌ كلّه‌، فلا نعجب‌ من‌ عمل‌ الشيخين‌ معه‌، وهما المعروفان‌ بسوابق‌ مخالفتهما لنهج‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ منذ إلیوم‌ الاوّل‌، وكان‌ ذلك‌ ملحوظاً منهما في‌ عصر رسول‌ الله‌.

 من‌ هذا المنطلق‌، تحرّم‌ مدرسة‌ التشيّع‌ رئاسة‌ مثل‌ هؤلإ الاشخاص‌، وتحصر الإمامة‌ بالولي‌ّ المعصوم‌ من‌ هوي‌ النفس‌ وحبّ الرئاسة‌ لكي‌ تسير الاُمور علی‌ أساس‌ الحقّ والواقع‌.

 وكلّما ازداد علم‌ الإنسان‌، ضؤل‌ هواه‌ . وكلّما كانت‌ سوابقه‌ أكثر، كانت‌ مكائد نفسه‌ أدقّ . وهنا تخطو النفس‌ خطوتها عبر طريق‌ مؤازرة‌ الدين‌، ووجوب‌ حماية‌ الشريعة‌، ورعاية‌ حقّ الفقرإ والمحتاجين‌، وحفظ‌ بيضة‌ الإسلام ‌، فتغصب‌ حقّ علی‌ّ باسم‌ الدين‌، وتسلب‌ فدكاً من‌ بضعة‌ رسول‌الله‌ تحت‌ غطإ حماية‌ الفقرإ والمساكين‌، وتكسر الباب‌، وتضغط‌ الزهرإ بين‌ الباب‌ والجدار، فتسقط‌ إلی‌ الارض‌ وتجهض‌ جنينها من‌ أجل‌ المحافظة‌ علی‌ كيان‌ المسلمين‌ . وتمّ ذلك‌ كلّه‌ باسم‌ الدين‌، وفي‌ غِلالة‌ المحافظة‌ علی‌ القانون‌ والشرع‌ وكتاب‌ الله‌ . ونتج‌ عنه‌ تضييع‌ الحقوق‌، وبروز ألوان‌ الظلم‌ والاعتدإ، وعدم‌ بلوغ‌ عامّة‌ الناس‌ منهل‌ الولاية‌ للارتوإ من‌ شريعة‌ الحياة‌ ونمير المعنويّة‌ سوإ في‌ ذلك‌ العصر أم‌ في‌ أيّام‌ حكومة‌ بني‌ أُميّة‌ وبني‌ العبّاس‌، أو في‌ العصور المتأخّرة‌ . وما كان‌ ذلك‌ إلاّ في‌ أعقاب‌ الانحراف‌ الاوّل‌ الذي‌ سبّب‌ في‌ تسلّط‌ حكّام‌ الجور علی‌ رقاب‌ الناس‌، وقطع‌ شريانهم‌ الحياتي‌ّ، وامتصاص‌ دمائهم‌، واستغلال‌ أموالهم‌ وأرواحهم‌ ونواميسهم‌، وذلك‌ للمحافظة‌ علی‌ عروشهم‌ وتشييد بلاطاتهم‌ وبيوتهم‌ والالتذاذ بألوان‌ الاطعمة‌ والاشربة‌.

 خشت‌ اوّل‌ چون‌ نهد معمار، كج‌                  تا ثريّا مي‌رود ديوار، كج‌ [17]

ردّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ سنّة‌ الشيخين‌

 لقد خلط‌ الشيخان‌ الدين‌ بنهجهما، وكدّرا المإ الزلال‌ النابع‌ من‌ العين‌ الصافية‌، وسقياه‌ الناس‌ كما يشتهيان‌، ولوّثا الهوإ المغبر بهوي‌ أنفسهما حتّي‌ يشمّه‌ الناس‌ كما يريدان‌.

 أمّا أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وهو القسطاس‌ المستقيم‌، فإنَّه‌ لايتجاوز كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌، وحتّي‌ في‌ كلامه‌ الظاهر لايقول‌ علی‌ سبيل‌ التورية‌: أحترم‌ سنّة‌ الشيخين‌، طمعاً في‌ الإعداد للحكومة‌ واستنقاذها من‌ أيدي‌ الجبابرة‌. وعندما أراد عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌ أن‌ يأخذ له‌ البيعة‌ بشرط‌ العمل‌ بكتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّة‌ وسيرة‌ الشيخين‌، قال‌: أعمل‌ بكتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌ واجتهادي‌ رأيي‌ . فقد تنازل‌ عن‌ الرئاسة‌ عندما تقوم‌ علی‌ سنّة‌ الشيخين‌، علماً أنَّ قيامها علی‌ سنّة‌ الشيخين‌ باطل‌، وكذلك‌ عندما أراد عبدالرحمن‌ أن‌ يشرط‌ علیه‌ عدم‌ تولية‌ بني‌ هاشم‌ علی‌ الناس‌، لم‌يقبل‌ وقال‌: من‌ كان‌ كفوءاً عندي‌ أُولّيه‌، سوإ كان‌ من‌ بني‌ هاشم‌ أو من‌ غيرهم‌.

 وذكر ابن‌ قتيبة‌ الدينوري‌ّ: ثُمَّ أَخَذَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِيَدِ علی‌ٍّ فَقَالَ لَهُ: أُبَايِعُكَ علی‌ شَرْطِ عُمَرَ أَنْ لاَ تَجْعَلْ أَحَدَاً مِنْ بَنِي‌ هَاشِمٍ علی‌ رِقَابِ النَّاسِ!

 فَقَالَ علی‌ٌّ عِنْدَ ذَلِكَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا إذَا قَطَعْتَهَا فِي‌ عُنُقِي‌؟! فَإنَّ علی‌َّ الاجْتِهَادَ لاِمَّةِ مُحَمَّدٍ . حَيْثُ عَلِمْتُ القُوَّةَ وَالاَمَانَةَ اسْتَعَنْتُ بِهَا، كَانَ فِي‌ بَنِي‌ هَاشِمٍ أَوْ غَيْرِهِمْ ! قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ وَاللَهِ حَتَّي‌ تُعْطِينِي‌ هَذَا الشَّرْطَ. قَالَ علی‌ٌّ: وَاللَهِ لاَ أَعْطِيكَهُ أَبَدَاً . فَتَرَكَهُ فَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ. [18]

 وينقل‌ ابن‌ قتيبة‌ أيضاً أنَّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ خطب‌ في‌ أهل‌ الكوفة‌ بعد التحكيم‌، وحرّضهم‌ علی‌ الجهاد ضدّ معاوية‌، وقال‌ في‌ بعضها: وإنّي‌ آمركم‌ أن‌ يكتب‌ إلی‌ّ رئيس‌ كلّ قوم‌ منكم‌ ما في‌ عشيرته‌ من‌ المقاتلة‌، وأبنائهم‌ الذين‌ أدركوا القتال‌، والعبدان‌ والموإلی‌ ! وارفَعوا ذلك‌ إلی‌ّ ننظر فيه‌ إن‌ شإ الله‌. فكان‌ أوّل‌ رئيس‌ قبيلة‌ قام‌ وأجاب‌ هو سَعْدبنُ قَيْس‌ الهَمْداني‌ّ . ثمّ قام‌ بعده‌ عَدِي‌ّ بن‌ حَاتَم‌، و حُجْر بن‌ عَدِي‌ّ وأشراف‌ القبائل‌، وأعلنوا كلّهم‌ عن‌ التسليم‌ والطاعة‌، وتهيّأ الجيش‌.

 ويواصل‌ ابن‌ قُتَيْبَة‌ كلامه‌ إلی‌ أن‌ يقول‌: فَبَايَعُوهُ علی‌ التَّسْلِيمِ وَالرِّضَا، وَشَرَطَ علیهِمْ كَتَابَ اللَهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ. فَجَإهُ رَجُلٌ مِنْ خُثْعَمٍ [19] فَقَالَ لَهُ علی‌ٌّ: بَايِعْ علی‌ كِتَابِ اللَهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ! قَالَ: لاَ ! وَلَكِنْ أُبَايِعُكَ علی‌ كِتَابِ اللَهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَسُنَّةِ أَبِي‌ بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ علی‌ٌّ: وَمَا يَدْخُلُ سُنَّةُ أَبِي‌ بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ كِتَابِ اللَهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ؟ إنَّمَا كَانَا عَامِلَيْنِ بِالحَقِّ حَيْثُ عَمِلاَ . فَأَبَي‌ الخُثْعَمِي‌ُّ إلاَّ سُنَّةَ أَبِي‌ بَكْرٍ وعُمَرَ، وَأَبَي‌ علی‌ٌّ أَنْ يُبَايِعَهُ إلاَّ علی‌ كِتَابِ اللَهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ [وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ.

 فَقَالَ لَهُ حَيْثُ أَلَحَّ علیهِ: تُبَايِعُ ؟! قَالَ: لاَ، إلاَّ علی‌ مَا ذَكَرْتُ لَكَ! فَقَالَ لَهُ علی‌ٌّ: أَمَا وَاللَهِ لَكَأَنـِّي‌ بِكَ قَدْ نَفَرْتَ فِي‌ هَذِهِ الفِتْنَةِ وَكَأَنـِّي‌ بِحَوَافِرِ خَيْلِي‌ قَدْ شَدَخَتْ وَجْهَكَ ! فَلَحِقَ بِالخَوَارِجِ فَقُتِلَ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ.

 قَالَ قُبَيْضَةُ: فَرَأَيْتُهُ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ قَتِيلاً، قَدْ وَطَأَتِ الخَيْلُ وَجْهَهُ، وَشَدَخَتْ رَأْسَهُ، وَمَثَّلَتْ بِهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ علی‌ٍّ وَقُلْتُ: للَّهِ دَرُّ أَبِي‌ الحَسَنِ! مَا حَرَّكَ شَفَتَيْهِ قَطُّ بِشَي‌ءٍ إلاَّ كَانَ كَذَلِكَ. [20]

 كان‌ الهمّ الوحيد لامير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وصحابته‌ الاوفيإ منذ البداية‌ إقرار قانون‌ القرآن‌ والسنّة‌ النبويّة‌، والوقوف‌ بوجه‌ كلّ تغيير وتبديل‌، ومواجهة‌ كلّ ظلم‌ وانتهاك‌. ولو أمعنّا النظر في‌ سيرة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ونهجه‌، ثمّ رأينا سيرة‌ صحابته‌ ونهجهم‌، لعلمنا أنَّ كلّ من‌ لم‌يتّخذ نهج‌ علی‌ّ دليلاً له‌، فلا يمكنه‌ أن‌ يكون‌ من‌ صحابته‌، وسيُنْبَذ شإ أم‌ أبي‌، ومثله‌ لا يلقي‌ ترحيباً في‌ جوّ علی‌ّ الزاخر بالمعنويّة‌ والاصالة‌، وفي‌ وسط‌ صحابته‌ المخلصين‌ . وكان‌ الإمام‌ يكرّر دائماً أنـّه‌ لا يريد إلاّ وجه‌ الله‌ وإقرار العدل‌، ويجهد في‌ سبيل‌ ذلك‌ حتّي‌ يأتيه‌ أجله‌ . ولا هدف‌ له‌ غيره‌، وهو لايتوقّع‌ رئاسة‌ وتزعّماً.

 ومن‌ خاصّته‌ المخلصين‌: الصحابي‌ّ الجليل‌ أبو ذرّ الغفاري‌ّ، ذلك‌ الصاحب‌ البرّ والمجاهد الصلب‌ الذي‌ لم‌ يعرف‌ الكلل‌ والفتور، وقف‌ وحده‌ في‌ الشام‌ أمام‌ مظالم‌ معاوية‌، وبعد أن‌ لاقي‌ من‌ صنوف‌ المحن‌ والعذاب‌ ما لاقي‌، أُرجع‌ إلی‌ المدينة‌، ولم‌ يسكت‌ بل‌ وقف‌ أمام‌ عثمان‌ وهو يحصي‌ مظالمه‌.

 وذكر المؤرّخ‌ الجليل‌ والمحدّث‌ الكبير والمنجّم‌ العظيم‌: المسعودي‌ّ في‌ «مروج‌ الذهب‌» نفي‌ أبي‌ ذرّ إلی‌ الرَّبَذَة‌، وقال‌: إنَّ عثمان‌ منع‌ مشايعته‌. وقال‌ أيضاً: شايعه‌ علی‌ّ والحسنان‌ علیهم‌ السلام‌، وعقيل‌، وعبدالله‌بن‌ جعفر، وعمّار بن‌ ياسر . وثقل‌ ذلك‌ علی‌ عثمان‌ . إلی‌ أنَّ قال‌: فَلَمَّا رَجَعَ علی‌ٌّ، اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ فَقَالُوا: إنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ علیكَ غَضْبَانُ لِتَشْييعِكَ أَبَاذَرٍّ، فَقَالَ علی‌ٌّ: غَضَبَ الخَيْلِ علی‌ اللُّجُمِ . [21] و [22] أي‌: لافائدة‌ في‌ غضبه‌.

 فلمّا كان‌ العشي‌ّ رأي‌ عثمان‌، واعترض‌ علیه‌ عثمان‌ كثيراً؛ وقال‌ في‌ بعض‌ ما قال‌: لم‌ رددت‌ أمري‌ ؟! فقال‌ الإمام‌: لم‌ أردّ أمرك‌! قال‌ عثمان‌: ألم‌ يبلغك‌ أنـّي‌ قد نهيت‌ الناس‌ عن‌ أبي‌ ذرّ وعن‌ تشييعه‌؟ فقال‌ الإمام‌: أَوَكُلُّ مَا أَمَرْتَنَا بِهِ مِنْ شَي‌ءٍ نَرَي‌ طَاعَةً لِلَّهِ وَالحَقَّ فِي‌ خِلاَفِهِ اتَّبَعْنَا فِيهِ أَمْرَكَ؟! بَاللَهِ لاَ نَفْعَلُ! [23]

رسالة‌ عشرة‌ من‌ الصحابة‌ إلی‌ عثمان‌ حول‌ انتهاكاته‌

 يقول‌ ابن‌ قتيبة‌ الدينوري‌ّ: وذكر المؤرّخون‌ وأهل‌ التحقيق‌: أنـّه‌ اجتمع‌ ناس‌ من‌ أصحاب‌ النبي‌ّ علیه‌ الصلاة‌ والسلام‌ فكتبوا كتاباً ذكروا فيه‌ ما خالف‌ فيه‌ عثمان‌ من‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌ وسنّة‌ صاحبيه‌ ؛ وما كان‌ من‌ هبته‌ خُمس‌ إفريقيا لمروان‌ [بن‌ الحكم‌ ] [24] وفيه‌ حقّ الله‌ ورسوله‌، ومنهم‌ ذووالقربي‌ وإلیتامي‌ والمساكين‌، وما كان‌ من‌ تطاوله‌ في‌ البنيان‌، حتّي‌ عدّوا سبع‌ دور بناها بالمدينة‌: داراً [لزوجته‌ ] نائلة‌، وداراً [لابنته‌ ] عائشة‌، وغيرهما من‌ أهله‌ وبناته‌ . وبنيان‌ مروان‌ القصور بذي‌ خَشَب‌، وعمارة‌ الاموال‌ بها من‌ الخُمس‌ الواجب‌ للّه‌ ولرسوله‌ ؛ وما كان‌ من‌ إفشائه‌ العمل‌ والولايات‌ في‌ أهله‌ وبني‌ عمّه‌ من‌ بني‌ أُميّة‌ أحداث‌ وغَلَمة‌ لاصحبة‌ لهم‌ من‌ الرسول‌ ولاتجربة‌ لهم‌ بالاُمور ؛ وما كان‌ من‌ الوليد بن‌ عقبة‌ بالكوفة‌ إذ صلّي‌ بهم‌ الصبح‌ وهو أمير علیها سكران‌ أربع‌ ركعات‌، ثمّ قال‌ لهم‌: إن‌ شئتم‌ أزيدكم‌ ركعة‌ زدتكم‌ ؛ وتعطيله‌ إقامة‌ الحدّ علیه‌، وتأخيره‌ ذلك‌ عنه‌، وتركه‌ المهاجرين‌ والانصار لا يستعملهم‌ علی‌ شي‌ء ولايستشيرهم‌، واستغني‌ برأيه‌ عن‌ رأيهم‌ ؛ وما كان‌ من‌ الحِمي‌ الذي‌ حمي‌ حول‌ المدينة‌ [ومنع‌ الناس‌ من‌ رعي‌ مواشيهم‌ فيه‌ ] ؛ وما كان‌ من‌ إدراره‌ القطائع‌ والارزاق‌ والاعطيات‌ علی‌ أقوام‌ بالمدينة‌ ليست‌ لهم‌ صحبة‌ من‌ النبي‌ّ علیه‌ الصلاة‌ والسلام‌ ثمّ لايغزون‌ ولايذبّون‌؛ وما كان‌ من‌ مجاوزته‌ الخيزران‌ إلی‌ السوط‌، وأنـَّه‌ أوّل‌ من‌ ضرب‌ بالسياط‌ ظهر الناس‌، وإنَّما كان‌ ضرب‌ الخليفتين‌ قبله‌ بالدرّة‌ والخيزران‌.

 ثمّ تعاهد القوم‌ ليدفعنّ الكتاب‌ في‌ يد عثمان‌، وكان‌ ممّن‌ حضر الكتاب‌: عمّار بن‌ ياسر والمقداد بن‌ الاسود، وكانوا عشرة‌. فلمّا خرجوا بالكتاب‌ ليدفعوه‌ إلی‌ عثمان‌، والكتاب‌ في‌ يد عمّار، جعلوا يتسلّلون‌ عن‌ عمّار حتّي‌ بقي‌ وحده‌، فمضي‌ حتّي‌ جإ دار عثمان‌.

 فاستأذن‌ علیه‌، فأذن‌ له‌ في‌ يوم‌ شاتٍ . فدخل‌ علیه‌ وعنده‌ مروان‌بن‌ الحكم‌ وأهله‌ من‌ بني‌ أُميّة‌، فدفع‌ إلیه‌ الكتاب‌.

 فقرأ عثمان‌ الكتاب‌، فقال‌ له‌: أنت‌ كتبت‌ هذا الكتاب‌؟! قال‌ [عمّار ]: نعم‌ ! قال‌ [عثمان‌ ]: ومن‌ كان‌ معك‌ ؟! قال‌ [عمّار ]: كان‌ معي‌ نفر تفرّقوا منك‌ ! قال‌ [عثمان‌ ]: من‌ هم‌ ؟! قال‌ [عمّار ]: لا أُخبرك‌ بهم‌. قال‌ [عثمان‌ ]: فَلِمَ اجترأت‌ علی‌َّ من‌ بينهم‌ ؟! فقال‌ مروان‌: يا أمير المؤمنين‌! إنَّ هذا العبد الاسود (يعني‌ عمّاراً) قد جرّأ علیك‌ الناس‌ ؛ وإنَّك‌ إن‌ قتلته‌ نكلت‌ به‌ مَن‌ ورإه‌.

 قال‌ عثمان‌: اضربوه‌ . فضربوه‌ وضربه‌ عثمان‌ معهم‌ حتّي‌ فتقوا بطنه‌، فغُشي‌ علیه‌. فجرّوه‌ حتّي‌ طرحوه‌ علی‌ باب‌ الدار.

 فأمرت‌ به‌ أُمّ سلمة‌ زوج‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، فأُدخل‌ منزلها. وغضب‌ فيه‌ بنو المغيرة‌ وكان‌ حليفهم‌، فلمّا خرج‌ عثمان‌ لصلاة‌ الظهر، عرض‌ له‌ هِشام‌ بن‌ الوليد بن‌ المغيرة‌، فقال‌: أما والله‌ لئن‌ مات‌ عمّار من‌ ضربه‌ هذا لاقتلنّ به‌ رجلاً عظيماً من‌ بني‌ أُميّة‌. فقال‌ عثمان‌: لست‌ هناك‌!

 ثمَّ خرج‌ عثمان‌ إلی‌ المسجد . فإذا هو بعلی‌ّ وهو شاك‌ معصوب‌ الرأس‌. فقال‌ له‌ عثمان‌: والله‌ يا أبا الحسن‌ ما أدري‌ أشتهي‌ موتك‌ أم‌ أشتهي‌ حياتك‌؟! فوالله‌ لئن‌ مِتّ، ما أُحبّ أن‌ أبقي‌ بعدك‌ لغيرك‌ ! لانـّي‌ لاأجد منك‌ خلفاً. ولئن‌ بقيت‌ لا أعدم‌ طاغياً يتّخذك‌ سلّماً وعضداً، ويعدّك‌ كهفاً وملجأ؛ لايمنعني‌ منه‌ إلاّ مكانه‌ منك‌ ومكانك‌ منه‌ ! فأنا منك‌ كالابن‌ العاقّ من‌ أبيه‌، إن‌ مات‌ فَجَعَهُ، وإن‌ عاش‌ عقّه‌ . فإمّا سلم‌ فنسالم‌! وإمّا حرب‌ فنحارب‌! فلاتجعلني‌ بين‌ السمإ والارض‌ ! فإنّك‌ والله‌ إن‌ قتلتني‌، لاتجد منّي‌ خلفاً! ولئن‌ قتلتك‌، لا أجد منك‌ خلفاً ! ولن‌ يلي‌ أمر هذه‌ الاُمّة‌ بادي‌ فتنة‌!

 فقال‌ علی‌ّ: إنَّ في‌ ما تكلّمتَ به‌ لجواباً، ولكنّي‌ عن‌ جوابك‌ مشغول‌ بوجعي‌! فأنا أقول‌ كما قال‌ العبد الصالح‌: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَهُ الْمُسْتَعَانُ علی‌' مَا تَصِفُونَ. [25] و [26]

خطبة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حول‌ نسف‌ السنن‌ المخالفة‌

 ولمّا أقبلت‌ الخلافة‌ علی‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ شمّر عن‌ ساعد الجدّ ما كان‌ ذلك‌ ميسّراً، ليزيل‌ البدع‌، ويُعيد الاوضاع‌ إلی‌ ما كانت‌ علیه‌ في‌ عصر رسول‌الله‌ وعلی‌ نهجه‌ . ومن‌ أعماله‌ التي‌ قام‌ بها إرجاع‌ الاراضي‌ التي‌ كان‌ عثمان‌ قد أقطعها، إلی‌ بيت‌ المال‌ . وخطب‌ في‌ إلیوم‌ الثاني‌ من‌ الخلافة‌ عندما بايعه‌ أهل‌ المدينة‌، وقال‌: أَلاَ كُلُّ قِطْعَةٍ أَقْطَعَهَا عُثْمَانُ وَكُلُّ مَالٍ أَعْطَاهُ مِنْ مَالِ اللَهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ فِي‌ بَيْتِ المَالِ ؛ فَإنَّ الحَقَّ القَدِيمَ لاَيُبْطِلُهُ شَي‌ءٌ. وَاللَهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تَزَوَّجَ بِهِ النِّسَإ وَمَلِكَ بِهِ الإمَإ، لَرَدَدْتُهُ؛ فَإنَّ فِي‌ العَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ علیهِ العَدْلُ فَالجَوْرُ علیهِ أَضْيَقُ. [27] أي‌: من‌ كان‌ عاجزاً عن‌ تدبير أُموره‌ بالعدل‌، فهو عن‌ تدبيرها بالجور والعدوان‌ أعجز، لانَّ في‌ الجور مظنّة‌ المقاومة‌ والممانعة‌، أمّا في‌ العدل‌، فلا.

 وعلی‌ الرغـم‌ مـن‌ كافّـة‌ الإمكانـات‌ التـي‌ كانـت‌ تـحـت‌ تـصـرّف‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ خلال‌ المدّة‌ القصيرة‌ من‌ خلافته‌ الظاهريّة‌ التي‌ دامت‌ زهإ خمس‌ سنين‌، بَيدَ أنـّه‌ لم‌ يستطع‌ إماتة‌ البدع‌ كلّها، وتقويض‌ سنّة‌ الشيخين‌، وإقناع‌ الناس‌ ببطلان‌ سنّة‌ أُخري‌ في‌ مقابل‌ كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌، لانَّ الناس‌ قد ألفوا تلك‌ السنن‌ القائمة‌ إلی‌ درجة‌ أنـّهم‌ كانوا يعتقدون‌ أن‌ تغييرها يعني‌ الإتيان‌ بدين‌ جديد ؛ والإعراض‌ عنها بحكم‌ الإعراض‌ عن‌ مقدّساتهم‌ الدينيّة‌.

 فلهذا كانوا يسعون‌ في‌ المحافظة‌ علی‌ تلك‌ السنن‌ والآداب‌. وكان‌ العامّة‌ يؤلّفون‌ أكثر جند أمير المؤمنين‌، وبين‌ الجند أفراد قلائل‌ ممّن‌ تربّي‌ في‌ مدرسة‌ الإمام‌. وكان‌ أُولئك‌ العامّة‌ يدافعون‌ عن‌ أحقّيّة‌ الشيخين‌ وسننهما بكلّ تحمّس‌. ويقال‌ لهؤلإ: شيعة‌ لوقوفهم‌ إلی‌ جانب‌ الإمام‌ في‌ مقابل‌ من‌ وقف‌ إلی‌ جانب‌ عثمان‌ كمعاوية‌ وبطانته‌، والمروانيّين‌ والمناوئين‌ الآخرين‌. وكانوا يرون‌ خلافة‌ الإمام‌ في‌ الدرجة‌ الرابعة‌ بعد خلافة‌ الثلاثة‌ الذين‌ سبقوه‌. ولذلك‌ كانوا يتّبعونه‌ في‌ الامر والنهي‌ والجهاد، مع‌ أنـّهم‌ كانوا يسيرون‌ علی‌ آداب‌ الشيخين‌ وسننهما جميعاً، ولم‌ يروا أنَّ الإمام‌ هو الخليفة‌ الاوّل‌، وهو الخليفة‌ الحقيقي‌ّ بعد رسول‌ الله‌، وأنَّ اتّباعه‌ يعني‌ اتّباع‌ مقام‌ الإمامة‌ والولاية‌ المنصوبة‌ من‌ قبل‌ رسول‌ الله‌ . فلهذا قال‌ الإمام‌ في‌ خطبة‌ له‌ بكلّ صراحة‌ إنَّه‌ لو حمل‌ الناس‌ علی‌ ترك‌ سنّة‌ الشيخين‌، بخاصّة‌ سنّة‌ عمر، لتفرّق‌ عنه‌ جنده‌ وخذلوه‌.

 روي‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكليني‌ّ في‌ «روضة‌ الكافي‌» عن‌ علی‌ّبن‌ إبراهيم‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ حمّاد بن‌ عيسي‌، عن‌ إبراهيم‌ بن‌ عثمان‌، عن‌ سُلَيم‌بن‌ قيس‌ الهلإلی‌ّ أنـّه‌ قال‌: خطب‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وحمد الله‌ وأثني‌ علیه‌ وصلّي‌ علی‌ النبي‌ّ، ثمّ قال‌:

 أَلاَ إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ علیكُمْ خُلَّتَانِ: اتِّبَاعُ الهَوَي‌ وَطُولُ الاَمَلِ. أَمَّا اتِّبَاعُ الهَوَي‌ فَيَصِدُّ عَنِ الحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الاَمَلِ فَيُنْسِي‌ الآخِرَةِ . إلی‌ أن‌ قال‌:

 إنِّي‌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَيْفَ أَنْتُمْ إذَا لَبَسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَهْرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ يَجْرِي‌ النَّاسُ علیهَا وَيَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً، فَإذَا غُيِّرَ مَنْهَا شَي‌ءٌ قِيلَ: قَدْ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ، وَقَدْ أَتَي‌ النَّاسُ مَنْكَرَاً. ثُمَّ تَشْتَدُّ البَلِيَّةُ وَتُسْبَي‌ الذُّرِّيَّةُ وَتَدُقُّهُمُ الفِتْنَةُ كَمَا تَدُقُّ النَّارُ الحَطَبَ وَكَمَا تَدُقُّ الرَّحَي‌ بِثُفَالِهَا، وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ العَمَلِ، وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ الآخِرَةِ.

 ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ فَقَالَ: قَدْ عَمِلَتِ الوُلاَةُ قَبْلِي‌ أَعْمَالاً خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُتَعَمِّدِينَ لِخِلاَفِهِ، نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ، مُغَيِّرِينَ لِسُنَّتِهِ؛ وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ علی‌ تَرْكِهَها وَحَوَّلْتُهَا إلی‌ مَوَاضِعِهَا وَإلی‌ مَـا كَانَتْ فِـي‌ عَهْدِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَتَفَرَّقَ عَنِّي‌ جُنْدِي‌ حَتَّي‌ أَبْقَي‌ وَحْدِي‌ أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِي‌ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي‌ وَفَرْضَ إمَامَتِي‌ مِنْ كِتَابِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

 ثمّ ذكر أسمإ كثير من‌ البدع‌ وعدّها واحدة‌ بعد الاُخري‌، ثمّ قال‌: لو غيّرتها وحوّلتها إلی‌ كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إذَاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي‌ . ثمّ قال‌: وَاللَهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لاَ يَجْتَمِعُوا فِي‌ شَهْرِ رَمَضَانَ إلاَّ فِي‌ فَرِيضَةٍ، وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي‌ النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ فَتَنَادَي‌ بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي‌ مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي‌: يَا أَهْلَ الإسلام غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ، يَنْهَانَا عَنِ الصَّلاَةِ فِي‌ شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعَاً ؛ [28] وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي‌ نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي‌. مَا لَقِيتُ مِنْ هَذِهِ الاُمَّةِ مِنَ الفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ وَالدُّعَاةِ إلی‌ النَّارِ ـالخطبة‌. [29]

 ومن‌ هنا نقف‌ علی‌ مدي‌ العنإ الذي‌ كان‌ يعيشه‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ علیهم‌ السلام‌ لإرجاع‌ الاوضاع‌ إلی‌ ما كانت‌ علیه‌ في‌ عصر رسول‌الله‌، ونقف‌ كذلك‌ علی‌ المشاكل‌ التي‌ كانوا يواجهونها، علی‌ تضحياتهم‌ الجسيمة‌ بالاموال‌ والارواح‌ وكلّ الاشيإ في‌ سبيل‌ ذلك‌.

 نقل‌ الطبري‌ّ في‌ تأريخه‌ رسالة‌ مُحَمَّد بن‌ عبد الله‌ المَحْض‌ صاحب‌ النفس‌ الزكيّة‌ إلی‌ المنصور الدوانيقي‌ّ، إلی‌ أن‌ قال‌: قال‌ محمّد: وَإنَّ أَبَانَا علیاً كَانَ الوَصِي‌َّ وَكَانَ الإمَامَ فَكَيْفَ وَرِثْتُمْ وَلاَيَتَهُ وَوُلْدُهُ أَحْيَإ؟!

 هذه‌ الرسالة‌ مفصّلة‌ . وكتب‌ أبو جعفر المنصور رسالة‌ مفصّلة‌ جدّاً في‌ جوابه‌، جإ في‌ بعضها: وَلَقَدْ طَلَبَهَا أَبُوكَ لِكُلِّ وَجْهٍ، فَأَخْرَجَهَا نَهَارَاً وَمَرَّضَهَا سِرَّاً وَدَفَنَهَا لَيْلاً فَأَبَي‌ النَّاسُ إلاَّ الشَّيْخَيْنِ وَتَفْضِيلَهُمَا. [30]

 ونقل‌ ابن‌ خلدون‌ رسالة‌ المنصور الدوانيقي‌ّ باختلاف‌ يسير، قال‌ فيه‌: وَلَقَدْ طَلَبَ بِهَا أَبُوكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَأَخْرَجَهَا تُخَاصِمُ ...إلی‌ آخره‌. [31]

 أجل‌، إنَّ هدفنا من‌ ورإ هذا البحث‌ هو أنـّنا نريد أن‌ نقول‌: إنَّ نهج‌ الشيخين‌ ترك‌ وقعه‌ علی‌ الناس‌ إلی‌ درجة‌ أنَّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لم‌يستطع‌ طيلة‌ الفترة‌ التي‌ حكم‌ فيها أن‌ يزيله‌، وظلّ الناس‌ علی‌ هذا النهج‌ في‌ عصر الإمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ . وكلّما تعاقبت‌ الايّام‌ فإنَّ البدع‌ القديمة‌ كانت‌ تترسّخ‌ أكثر وأكثر، وكانت‌ تضاف‌ إلیها بدع‌ جديدة‌، بواسطة‌ الامويّين‌ الذين‌ كان‌ علی‌ رأسهم‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ الذي‌ كان‌ لايفكّر إلاّ بأنانيّته‌، وكان‌ يعدّ العدّة‌ لمحو اسم‌ رسول‌ الله‌، وبلغت‌ صفاقته‌ حدّاً أنـّه‌ قال‌ للمغيرة‌بن‌ شعبة‌ بصراحة‌: لا يقرّ قراري‌ ما لم‌ أدفن‌ اسم‌ محمّد حتّي‌ لايُصاح‌ به‌ من‌ المآذن‌ كلّ يوم‌.

قول‌ معاوية‌: لا يقرّ قراري‌ ما لم‌ أدفن‌ اسم‌ محمّد حتّي‌ لا يُصاح‌ به‌...

 ذكر المسعودي‌ّ في‌ تأريخه‌ عند حديثه‌ عن‌ وقائع‌ سنة‌ اثنتي‌ عشرة‌ ومائتين‌ أنّ منادي‌ المأمون‌ نادي‌ في‌ هذه‌ السنة‌: برئت‌ الذمّة‌ من‌ أحد من‌ الناس‌ ذكر معاوية‌ بخير أو قدّمه‌ علی‌ أحد من‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، أو تكلّم‌ في‌ أشيإ من‌ التلاوة‌ أنـّها مخلوقة‌، وغير ذلك‌. وتنازع‌ الناس‌ في‌ السبب‌ الذي‌ من‌ أجله‌ أمر بالندإ في‌ أمر معاوية‌، فقيل‌ في‌ ذلك‌ أقاويل‌:

 منها: إنَّ بعض‌ سمّاره‌ حدّث‌ بحديث‌ عن‌ مطرف‌ بن‌ المغيرة‌بن‌ شعبة‌ الثقفي‌ّ، وقد ذكر هذا الخبر الزبير بن‌ بكّار في‌ كتابه‌ في‌ الاخبار المعروفة‌ بـ «الموفّقيّات‌» التي‌ صنّفها للموفّق‌ . قال‌ الزبير بن‌ بكّار: سمعت‌ المدائني‌ّ يقول‌: قال‌ مطرف‌ بن‌ المغيرة‌ بن‌ شعبة‌: وفدت‌ مع‌ أبي‌ المغيرة‌ إلی‌ معاوية‌ .

 فكان‌ أبي‌ يأتيه‌ يتحدّث‌ عنده‌ ثمّ ينصرف‌ إلی‌ّ فيذكر معاوية‌ ويذكر عقله‌ ويعجب‌ ممّا يري‌ منه‌ . إذ جإ ذات‌ ليلة‌ فأمسك‌ عن‌ العشإ. فرأيته‌ مغتمّاً، فانتظرته‌ ساعة‌، وظننت‌ أنـّه‌ لشي‌ء حدث‌ فينا أو في‌ عملنا.

 فقلت‌ له‌: ما لي‌ أراك‌ مغتمّاً منذ الليلة‌ ؟! قال‌: يا بُني‌ّ ! إنّي‌ جئت‌ من‌ عند أخبث‌ الناس‌! قلت‌ له‌: ما ذاك‌ ؟ قال‌: قلت‌ له‌ وقد خلوت‌ به‌: إنَّك‌ قد بلغت‌ منّا يا أمير المؤمنين‌ ! فلو أظهرت‌ عدلاً وبسطت‌ خيراً فإنَّك‌ قد كبرت‌! ولو نظرت‌ إلی‌ إخوتك‌ من‌ بني‌ هاشم‌ فوصلت‌ أرحامهم‌! فوالله‌ ما عندهم‌ إلیوم‌ شي‌ء تخافه‌! [32]

 قال‌ لي‌: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ !! مَلَكَ أَخُو تَيْمٍ فَعَدَلَ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ؛ فَوَاللَهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ، فَهَلَكَ ذِكْرُهُ إلاَّ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: أَبُو بَكْرٍ . ثُمَّ مَلَكَ أَخُو عَدِي‌ٍّ فَاجْتَهَدَ وَشَمَّرَ عَشْرَ سِنِينَ ؛ فَوَاللَهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ إلاَّ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: عُمَرُ . ثُمَّ مَلَكَ أَخُونَا عُثُمَانُ فَمَلَكَ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي‌ مِثْلِ نَسَبِهِ، فَعَمِلَ مَا عَمِلَ [وَعُمِلَ بِهِ ] ؛ فَوَاللَهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ وَذِكْرُ مَا فُعِلَ بِهِ.

 وَإنَّ أَخَا هَاشِمٍ يُصْرَخُ بِهِ فِي‌ كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُاللَهِ. فَأَي‌ُّ عَمَلٍ يَبْقَي‌ مَعَ هَذَا ؟ لاَ أُمَّ لَكَ ! وَاللَهِ إلاَّ دَفْنَاً دَفْنَاً. (أي‌: مع‌ وجود هذا الندإ، فإنَّ كلّ خير أفعله‌، لا أقطف‌ منه‌ ثمرة‌ إذ لايبقي‌ اسمي‌، فيموت‌ بموتي‌ . وأنا أبذل‌ قصاري‌ جهدي‌ في‌ سبيل‌ أن‌ لايبقي‌ اسم‌ محمّد علی‌ الارض‌، فمع‌ وجود اسمه‌، لا يبقي‌ قيمة‌ لكلّ أحد في‌ العالم‌، ولايظهر أي‌ّ عمل‌ خير في‌ مقابل‌ هذا الندإ . فرفع‌ هذا الاسم‌ من‌ مآذن‌ المساجد يتوقّف‌ علی‌ التشدّد علی‌ بني‌ هاشم‌ وإخماد أنفاسهم‌).

 يقول‌ المسعودي‌ّ: لمّا سمع‌ المأمون‌ هذا الخبر، بعثه‌ ذلك‌ علی‌ أن‌ أمر بالندإ علی‌ حسب‌ ما وصفنا: برئت‌ الذمّة‌ من‌ أحد من‌ الناس‌ ذكر معاوية‌ بخير أو قدّمه‌ علی‌ أحد من‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌. وأُنشئت‌ الكتب‌ [المأمون‌ ] إلی‌ الآفاق‌ بلعن‌ معاوية‌ علی‌ المنابر . فأعظم‌ الناس‌ ذلك‌ وأكبروه‌، واضطربت‌ العامّة‌ منه‌ فأُشير علیه‌ بترك‌ ذلك‌، فأعرض‌ عمّا كان‌ هَمَّ به‌. [33]

نظرة‌ معاوية‌ إلی‌ نبوّة‌ رسول‌ الله‌ علی‌ أنـّها سلطة‌ حكوميّة‌

 وقال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد بعد صلح‌ الإمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ مع‌ معاوية‌: روي‌ الاعمش‌، عن‌ عروة‌ بن‌ مُرَّة‌، عن‌ سعيد بن‌ سويد أنـّه‌ قال‌: كان‌ معاوية‌ يصلّي‌ الجمعة‌ في‌ النُّخَيْلَة‌، وخطب‌ فقال‌ في‌ خطبته‌: إنِّي‌ وَاللَهِ مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا وَلاَ لِتَصُومُوا وَلاَ لِتَحِجُّوا وَلاَ لِتُزَكُّوا ! إنَّكْمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ! إنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لاِتَأَمَّرَ علیكُمْ وَقَدْ أَعْطَانِي‌ اللَهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ.

 فكان‌ عبدالرحمن‌بن‌ شريك‌ إذا حدّث‌ بذلك‌ يقول‌: وَاللَهِ هَذَا هُوَ التَّهَتُّكُ. [34]

 تحدّث‌ رجل‌ ذات‌ يوم‌ مع‌ معاوية‌ بكلام‌ حادّ ولم‌ يردّه‌. وعندما آخذوه‌ علی‌ ذلك‌ قال‌: لا شغل‌ لنا بأحد ما لم‌ يتعرّض‌ لحكومتنا. ونفهم‌ من‌ هذا كلّه‌ أنَّ معاوية‌ جعل‌ نبوّة‌ رسول‌ الله‌ حكومة‌ وإمارة‌ مستلهماً ذلك‌ من‌ توجيهات‌ عمر. كما أنـّه‌ كان‌ ينظر إلی‌ المقدّسات‌ الإسلام يّة‌ بعين‌ الازدرإ. وقام‌ بعد ذلك‌ بنصب‌ يزيد حاكماً علی‌ الطريقة‌ المَلَكيّة‌، وأخذ له‌ البيعة‌ من‌ الناس‌. وقوّض‌ كيان‌ الإسلام الذي‌ قام‌ عوده‌ بجهاد رسول‌ الله‌ وجهاد رجال‌ مثل‌: حمزة‌، وعلی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ . وأطاح‌ بالسنّة‌ المحمّديّة‌ تماماً. وفي‌ ضوء كلامه‌ فإنَّ الصلاة‌، والصوم‌، والحجّ، والزكاة‌ للناس‌، ومارس‌ السياسة‌ الكسرويّة‌ والقيصريّة‌ مع‌ العرب‌ وعامّة‌ المسلمين‌. وبلغ‌ الامر حدّاً لم‌يعرفوا فضل‌ علی‌ّ وشرفه‌ وسوابقه‌ في‌ الإسلام ‌، والانكي‌ من‌ ذلك‌ أنـّهم‌ كانوا يرونه‌ إنساناً معتدياً وينظرون‌ إلیه‌ بعين‌ المنكر. وطمست‌ حقيقة‌ النبوّة‌ المتجلّية‌ في‌ الولاية‌، ولم‌ يبق‌ من‌ الإسلام‌ إلاّ اسمه‌ ومن‌ القرآن‌ إلاّ رسمه‌ . أي‌: أنَّ الاُمور كانت‌ تسير بشكل‌ يُخَال‌ فيه‌ الإسلام ظاهرة‌ تأريخيّة‌ قد طرأت‌ ثمّ عفي‌ أثرها علی‌ كرور الايّام‌.

نجدة‌ الإسلام بحركة‌ الإمام‌ الحسين‌ العمليّة‌ وحركة‌ الإمام‌ الباقر العلميّة‌

 وكان‌ الإسلام المحمّدي‌ّ بحاجة‌ إلی‌ هزّتين‌: هزّة‌ عمليّة‌، وأُخري‌ علميّة‌.

 أمّا الهزّة‌ العمليّة‌ فقد تحقّقت‌ علی‌ يد سيّد الشهدإ الحسين‌بن‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌. فكانت‌ كالصاعقة‌ علی‌ رؤوس‌ الجبابرة‌ إذ هزّت‌ السلطة‌ الامويّة‌ المتفرعنة‌، وأحدثت‌ ضجّة‌ كبيرة‌ كالبركان‌ . وكانت‌ صرخة‌ الإمام‌ قد بلغت‌ مبلغها بحيث‌ إنَّها أحيت‌ كلّ ميّت‌، وأيقظت‌ كلّ راقد، ودلّت‌ عمليّاً علی‌ أنَّ النظام‌ المحمّدي‌ّ قد بُدّل‌ بحكومة‌ طاغوتيّة‌. وأنَّ العالم‌ الإسلام ي‌ّ الممتدّ بين‌ الصين‌ وأقاصي‌ مصر وإفريقيا يحترق‌ بنار الظالمين‌ المعادين‌ للإسلام‌ والمعاندين‌ له‌ الذين‌ استبدلوا السنن‌ الجاهليّة‌ بالسنن‌ المحمّديّة‌، وفعلوا تلك‌ الافاعيل‌ باسم‌ الإسلام . ووقع‌ طائر الصدق‌ والامانة‌ والإيثار والولاية‌ والمحبّة‌، الطموح‌ بِيَدِ الصيّاد القاسي‌ّ مصّاص‌ الدمإ. ولايعقل‌ لهذه‌ الهزّة‌ طريق‌ أفضل‌ وخطّة‌ أعلی‌ وفكر أصوب‌ ونهج‌ أقوم‌ من‌ نهج‌ سيّد الشهدإ . وضرب‌ الإمام‌ ضربته‌ كما ينبغي‌ عبر اختيار هذه‌ الحركة‌ الغاضبة‌ المستعرة‌، وهذا الحبّ المتّقد الموخز، وحدّد أهدافه‌ وخططه‌ من‌ خلال‌ خطبته‌ التي‌ أعلن‌ فيه‌ قائلاً:

 اللَهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنـَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنَّا تَنَافُسَاً فِي‌ سُلْطَانٍ، وَلاَالْتِمَاسَاً مِنْ فُضُولِ الحُطَامِ، وَلَكِنْ لِنَرَي‌ المَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الإصْلاَحَ فِي‌ بِلاَدِكَ، وَيَأْمَنَ المَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَيُعْمَلُ بِفَرَائِضِكَ وَسُنَنِكَ وَأَحْكَامِكَ.

 فَإنْ لَمْ تَنْصُرُونَا وَتَنْصِفُونَا قَوِي‌َ الظَّلَمَةُ علیكُمْ وَعَمِلُوا فِي‌ إطْفَإ نُورِ نَبِيِّكُمْ، وَحَسْبُنَا اللَهُ وَعلیهِ تَوَكَّلْنَا وَإلیهِ المَصِيرُ. [35]

 وأمّا الهزّة‌ العلميّة‌ فقد تحقّقت‌ علی‌ يد الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌. إذ نقل‌ لنا التأريخ‌ أنَّ ظروف‌ الحكومة‌ والرئاسة‌ كانت‌ مهيّأة‌ للإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أكثر من‌ غيره‌، وأنَّ متطلّباتها ووسائلها كانت‌ ميسّرة‌ له‌ أفضل‌ من‌ الآخرين‌، وذلك‌ بعد ثورة‌ المسلمين‌ علی‌ الحكومة‌ الامويّة‌، وحركة‌ أبي‌ مسلم‌ الخراساني‌ّ ضدّ النظام‌ الاموي‌ّ . بَيدَ أنَّ الإمام‌ لم‌ يَخْطُ علی‌ هذا الطريق‌ خطوة‌ واحدة‌، لانـّه‌ كان‌ يعلم‌ جيّداً أنـّه‌ لو تسلّم‌ مقإلید الاُمور، فإنَّه‌ سيكرّس‌ وقته‌ كلّه‌ من‌ أجل‌ الإصلاحات‌ العمليّة‌ والمباشرة‌ في‌ تنظيم‌ البلاد والمدن‌، واستبدال‌ أهل‌ العدل‌ بأهل‌ الجور، وترتيب‌ شؤون‌ الديوان‌ والقضإ وسائر الشؤون‌ كالحرب‌ وقمع‌ المعارضين‌، فلايبقي‌ حينئذٍ مجال‌ للمدرسة‌ العلميّة‌ وتبيان‌ السنّة‌ المحمّديّة‌، والانشغال‌ بالفقه‌ والتفسير والحديث‌، واستبدال‌ السنن‌ المحمّديّة‌ بالسنن‌ الجاهليّة‌، وكشف‌ الحقائق‌ للناس‌، وعرض‌ الولاية‌، وحقيقة‌ النبوّة‌ علیهم‌، وطرح‌ الإسلام الصحيح‌ القويم‌ علی‌ الاجيال‌ جيلاً بعد جيل‌ حتّي‌ يوم‌ القيامة‌، وهذه‌ المدرسة‌ العلميّة‌ تحتاج‌ إلی‌ وقت‌ طويل‌ وجهاد عظيم‌ . فلهذا لم‌ يهدأ الإمام‌ لحظة‌ واحدة‌ علی‌ امتداد ثلاثين‌ سنة‌، إذ كان‌ يمارس‌ نشاطه‌ العلمي‌ّ ليل‌ نهار عبر جهاد النفس‌ والجهود التي‌ لم‌ تعرف‌ الكلل‌ والملل‌ . واستطاع‌ أن‌ يعرض‌ الدين‌ الصحيح‌، ويحيي‌ روح‌ النبي‌ّ وعلی‌ّ والولاية‌ . فلهذا عرفت‌ المدرسة‌ الشيعيّة‌ بالمدرسة‌ الجعفريّة‌، مع‌ أنَّ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ جميعاً كانوا حماة‌ هذا الدين‌ وهذا النظام‌ الصحيح‌، إلاّ أنَّ الظروف‌ العلميّة‌ كانت‌ مؤاتية‌ للإمام‌ أكثر من‌ غيره‌، بخاصّة‌ في‌ ذلك‌ العصر الذي‌ اهتمّ فيه‌ العلمإ من‌ شتّي‌ الاديان‌ والمذاهب‌ بنشر آثارهم‌ وبثّ علومهم‌ وعقائدهم‌ بكلّ حرّيّة‌، وكذلك‌ اهتمّ الحكمإ والمتكلّمون‌ والفلاسفة‌ من‌ كلّ مذهب‌ وفرقة‌ بما اهتمّ به‌ أُولئك‌ العلمإ. فاقتضت‌ إرادة‌ الله‌ أن‌ يكون‌ الإمام‌ هو فارس‌ الميدان‌ في‌ هذا المجال‌. فقام‌ بتشكيل‌ المدارس‌ العلميّة‌ في‌ المدينة‌ والعراق‌، وانبري‌ إلی‌ تربية‌ الطلاّب‌ وإعدادهم‌، وطرح‌ ما أراد طرحه‌، وكشف‌ الغطإ عمّا ينبغي‌ أن‌ يكشف‌ عنه‌ الغطإ وذلك‌ من‌ خلال‌ دروسه‌ الزاخرة‌ بالبحث‌ والاستدلال‌ والبرهان‌، التي‌ كان‌ يلقيها علی‌ آلاف‌ الطلاّب‌ والمحدّثين‌ والمفسّرين‌ والخطبإ والحكمإ حتّي‌ اعترف‌ الصديق‌ والعدوّ والمؤالف‌ والمخالف‌ بوفور علم‌ الإمام‌ وتقواه‌ وإعراضه‌ عن‌ زينة‌ الحياة‌ الدنيا، وعلوّ فكره‌، وقداسة‌ رأيه‌، وهمّته‌ العإلیة‌، ومدرسته‌ الرفيعة‌ السامية‌.

 يقول‌ الإمام‌ أبو الفتح‌ محمّد الشهرستاني‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 548ه، وهو من‌ العامّة‌ لامن‌ الشيعة‌، بل‌ ويقدح‌ بالشيعة‌ أيضاً، يقول‌ في‌ الإمام‌ الصادق‌:

 أَبُو عَبْدِ اللَهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ، ذُو عِلْمٍ غَزِيرٍ فِي‌ الدِّينِ، وَأَدَبٍ كَامِلٍ فِي‌ الحِكْمَةِ، وَزْهْدٍ بَالِغٍ فِي‌ الدُّنْيَا، وَوَرَعٍ تَامٍّ عَنِ الشَّهَوَاتِ. وَقَدْ أَقَامَ بِالمَدِينَةِ مُدَّةً يُفِيدُ الشِّيعَةَ المُنْتَمِينَ إلیهِ، وَيُفِيضُ علی‌ المُوَإلینَ لَهُ أَسْرَارَ العُلُومِ، ثُمَّ دَخَلَ العِرَاقَ وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً مَا تَعَرَّضَ لِلإمَامَةِ قَطُّ وَلاَنَازَعَ أَحَدَاً فِي‌ الخِلاَفَةِ ؛ وَمَنْ غَرِقَ فِي‌ بَحْرِ المَعْرِفَةِ لَمْ يَطْمِعْ فِي‌ شَطٍّ، وَمَنْ تَعلی‌ إلی‌ ذِرْوَةِ الحَقِيقَةِ لَمْ يَخَفْ مِنْ حَطٍّ . وَقِيلَ: مَنْ أَنِسَ بِاللَهِ تَوَحَّشَ عَنِ النَّاسِ، وَمَنِ اسْتَأْنَسَ بِغَيْرِ اللَهِ نَهَبَهُ الوَسْوَاسُ. [36]

 وكان‌ أحمد أمين‌ المصري‌ّ ينظر إلی‌ الشيعة‌ نظرة‌ سيّئة‌ حتّي‌ أنـّه‌ يتّهمهم‌، بَيدَ أنـّه‌ يقول‌ في‌ الإمام‌ الصادق‌ بعد عرض‌ ما قاله‌ الشهرستاني‌ّ: إنَّهُ مِنْ أَوْسَعِ النَّاسِ عِلْمَاً وَاطِّلاَعَاً . ولقّب‌ بالصادق‌ لصدقه‌ . عاش‌ بين‌ سنة‌ 83 و148ه. ولم‌ يرغب‌ في‌ الرئاسة‌ والحكومة‌، ومع‌ ذلك‌ لم‌يسلم‌ من‌ إيذإ المنصور الدوانيقي‌ّ . وكان‌ له‌ بستان‌ جميل‌ في‌ المدينة‌ يجتمع‌ إلیه‌ فيه‌ جميع‌ العلمإ علی‌ اختلاف‌ آرائهم‌ ومذاهبهم‌ . وروي‌ أنـّه‌ كان‌ من‌ تلامذته‌ أبو حنيفة‌، ومالك‌ بن‌ أنس‌ الفقيهان‌ المشهوران‌ . وكان‌ واصل‌ بن‌ عطإ المعتزلي‌ّ، وجابر بن‌ حيّان‌ الكيمياوي‌ّ المعروف‌ من‌ طلاّبه‌. ثمّ ينقل‌ أحمد أمين‌ بعضاً من‌ كلمات‌ الإمام‌ في‌ الإرادة‌ والقضإ والقدر، ويثني‌ علی‌ علم‌ الإمام‌ الكثير. [37]

 أجلّ، ينبغي‌ أن‌ تؤلّف‌ الكتب‌ حول‌ حركة‌ سيّد الشهدإ العمليّة‌ العسكريّة‌، وحركة‌ الإمام‌ الصادق‌ العلميّة‌ وترابط‌ الحركتين‌ بعضهما ببعض‌ كي‌ تستبين‌ حقيقة‌ الامر . وها نحن‌ قد قدّمنا بين‌ يدي‌ أرباب‌ البحث‌ نقاط‌ إثارة‌ كي‌ يتابعوا هذا الموضوع‌ بأنفسهم‌ ويقفوا علی‌ عظمته‌.

 والحمد للّه‌ وله‌ الشكر إذ تمّ الجزء الثامن‌ من‌ كتاب‌ «معرفة‌ الإمام‌» ضمن‌ دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلام يّة‌، وذلك‌ في‌ إلیوم‌ الثاني‌ عشر من‌ شهر رمضان‌ سنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وخمس‌ من‌ الهجرة‌ في‌ مدينة‌ مشهد المقدّسة‌ علی‌ مُقَدِّسها آلاف‌ التحيّة‌ والسلام‌ . والحمد للّه‌ وحده‌ وصلّي‌الله‌ علی‌ رسوله‌ وآله‌.

 

ارجاعات


[1] ـ «قضاء أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌» للتستري‌ّ ، ص‌ 281 و 282 ، الطبعة‌ العاشرة‌، بيروت‌ . 

[2] ـ الآية‌ 187 ، من‌ السورة‌ 3 : آل‌ عمران‌ . 

[3] ـ «سِرُّ العالمين‌» ص‌ 21 ، مطبعة‌ النعمان‌ ، النجف‌ الاشرف‌ ، سنة‌ 1385 ه . 

[4] ـ الآية‌ 69 ، من‌ السورة‌ 29 : العنكبوت‌ . 

[5] ـ الآية‌ 97 ، من‌ السورة‌ 16 : النحل‌ . 

[6] ـ إنَّ أفضل‌ دليل‌ علي‌ تشيّعه‌ كتابه‌ «سرّ العالمين‌» . ونقل‌ القاضي‌ نور الله‌ الشوشتري‌ّ في‌ كتابه‌ «مجالس‌ المؤمنين‌» أنَّ الغزّالي‌ّ التقي‌ الشريف‌ المرتضي‌ علم‌ الهدي‌ في‌ طريق‌ الحجّ، فرجع‌ عن‌ المذهب‌ السنّي‌ّ ، وتشيّع‌ ببركات‌ الشريف‌ ونفحاته‌ الطيّبة‌ . وقال‌:

 دوست‌ بر ما عرض‌ ايمان‌ كرد و رفت‌                  پير گبري‌ را مسلمان‌ كرد و رفت‌

 [ وتعريبه‌ : عرض‌ علينا محبّ ناصـح‌ الاءيمان‌ وولّي‌ ، وأدخل‌ شـيخاً مجوسـيّاً في‌ ï ïالاءسلام‌ وولّي‌ .

ثمّ قال‌ : كذّب‌ الشهيد الاوّل‌ أبو عبد الله‌ محمّد بن‌ مكّي‌ لقاء الغزّالي‌ّ مع‌ الشريف‌ المرتضي‌، واحتمل‌ القاضي‌ أنَّ لقاء الغزّالي‌ّ كان‌ مع‌ الشريف‌ المرتضي‌ أبي‌ أحمد نجل‌ الشريف‌ الرضي‌ . ونقل‌ ذلك‌ عن‌ «مجالس‌ المؤمنين‌» أيضاً «روضات‌ الجنّات‌» و«طرائق‌ الحقائق‌». ولمّا كان‌ الغزّالي‌ّ يعيش‌ بين‌ سنة‌ 450 و 505 ه ، والشريف‌ المرتضي‌ علم‌ الهدي‌ يعيش‌ بين‌ سنة‌ 355 و 436 ه فلهذا لا يمكن‌ أن‌ يتحقّق‌ مثل‌ ذلك‌ اللقاء . وبناءً علي‌ ما نقل‌ ابن‌ الاثير، فإنَّ أبا أحمد نجل‌ الشريف‌ الرضي‌ صار نقيباًللعلويّين‌ بعد الشريف‌ المرتضي‌، وتوفّي‌ سنة‌ 449 ه ، أي‌ : قبل‌ ولادة‌ الغزّالي‌ّ بسنة‌. فهو أيضاً لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ قد التقي‌ الغزّالي‌ّ. وقال‌ محمّد علي‌ الكرمانشاهي‌ّ نجل‌ الوحيد البهبهاني‌ّ في‌ كتاب‌ «قوامع‌ الفضل‌» في‌ جواب‌ من‌ سأله‌ عن‌ الغزّالي‌ّ، ومناظرته‌ مع‌ الشريف‌ المرتضي‌ في‌ طريق‌ مكّة‌ ، وتشيّعه‌، وتأليفه‌ كتاب‌ «سرّ العالمين‌»: كان‌ لقاء الغزّالي‌ّ مع‌ السيّد مرتضي‌ الرازي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «تبصرة‌ العوامّ».

 واحتمل‌ البعض‌ أنـّه‌ التقي‌ السيّد مرتضي‌ العلوي‌ّ المقتول‌ سنة‌ 480 ه. وهو محمّدبن‌ محمّد بن‌ زيد الحسيني‌ّ الذي‌ قُتِلَ بأمر خاقان‌ ما وراء النهر . (ملخّص‌ ص‌ 327 إلي‌ 329 من‌ كتاب‌ «غزالي‌ نامه‌») . 

[7] ـ «المحجّة‌ البيضاء» للفيض‌ الكاشاني‌ّ ، ج‌ 1 ، ص‌ 1 . 

[8] ـ «غزالي‌ نامه‌» (= كتاب‌ الغزّالي‌ّ) ترجمة‌ الاءمام‌ أبي‌ حامد محمّد بن‌ محمّدبن‌ أحمد الغزّالي‌ّ الطوسي‌ّ وآثاره‌ وعقائده‌ وأفكاره‌ الادبيّة‌ والدينيّة‌ والفلسفيّة‌ والعرفانيّة‌. تأليف‌ الاُستاذ جلال‌ الدين‌ همائي‌ ، ص‌ 272 إلي‌ 274 . 

[9] ـ ج‌ 1 ، ص‌ 50 ، قال‌ أبو حامد الغزّالي‌ّ في‌ كتاب‌ «سرّ العالمين‌» : شاهدت‌ قصّة‌ الحسن‌بن‌ صبّاح‌ ... إلي‌ آخره‌ .

[10] ـ ص‌ 215 : وقال‌ أبو حامد الغزّالي‌ّ في‌ كتاب‌ «سرّ العالمين‌» ... إلي‌ آخره‌ . 

[11] ـ ص‌ 36 : وذكر أبو حامد الغزّالي‌ّ في‌ كتاب‌ «سرّ العالمين‌ وكشف‌ ما في‌ الدارين‌»...إلي‌ آخره‌ . 

[12] ـ ج‌ 4 ، ص‌ 98 : ومن‌ كتب‌ الغزّالي‌ّ : 10 ـ «سرّ العالمين‌ وكشف‌ ما في‌ الدارين‌» يبحث‌ في‌ نظام‌ الحكومات‌ ـ نسخة‌ منه‌ خطّيّة‌ في‌ المكتبة‌ الخديويّة‌ ، ونسخة‌ في‌ مكتبة‌ برلين‌. 

[13] ـ ج‌ 1 ، ص‌ 1 : إنَّ أبا حامد كان‌ حين‌ تصنيف‌ «الاءحياء» عامّي‌ المذهب‌ ولم‌يتشيّع‌ بعد؛ وإنَّما رزقه‌ الله‌ هذه‌ السعادة‌ في‌ أواخر عمره‌ ، كما أظهره‌ في‌ كتابه‌ المسمّي‌ بـ«سرّ العالمين‌» وشهد به‌ ابن‌ الجوزي‌ّ الحنبلي‌ّ . 

[14] ـ ج‌ 9 ، ص‌ 236 ، طبعة‌ كمباني‌ : ولنعم‌ ما قال‌ الغزّالي‌ّ في‌ كتاب‌ «سرّ العالمين‌». 

[15] ـ ج‌ 1 ، ص‌ 391 ، الهامـش‌ : لا شـكّ في‌ نسـبة‌ الكتاب‌ إلي‌ الغزّالي‌ّ ، فقد نصّ ï ïعليه‌ الذهبي‌ّ في‌ «ميزان‌ الاعتدال‌» في‌ ترجمة‌ الحسن‌ بن‌ صبّاح‌ الاءسماعيلي‌ّ ، وينقل‌ عنه‌ قصّته‌؛ وصرّح‌ بها سبط‌ بن‌ الجوزي‌ّ في‌ «التذكرة‌» ص‌ 36 وشطراً من‌ الكلام‌ المذكور. 

[16] ـ «الذريعة‌» ج‌ 12 ، ص‌ 168 . وذكر في‌ هذه‌ الصفحة‌ أيضاً : «سرّ العالمين‌» كتاب‌ آخر أيضاً في‌ حقيقة‌ الدنيا والعقبي‌ ، للشيخ‌ الفقيه‌ المفسّر نعمة‌ الله‌ بن‌ يحيي‌ الديلمي‌ّ تلميذ الشيخ‌ البهائي‌ّ . وقال‌ في‌ «رياض‌ العلماء» : أُخذ اسم‌ هذا الكتاب‌ من‌ «سرّ العالمين‌» للغزّالي‌ّ. 

[17] ـ وتعريبه‌ : «إذا وضع‌ المعمار اللبنة‌ الاُولي‌ معوجّة‌ ، فإنَّ الجدار سيبقي‌ معوجّاً وإن‌ ارتفع‌ إلي‌ الثريّا» . 

[18] ـ «الاءمامة‌ والسياسة‌» ص‌ 25 . 

[19] ـ وهو ربيعة‌ بن‌ أبي‌ شدّاد الخثعمي‌ّ ، كان‌ مع‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الجمل‌ وصفّين‌. وخُثْعَم‌ ـبضمّ الخاء وسكون‌ الثاء وفتح‌ العين‌ـ اسم‌ قبيلة‌ . 

[20] ـ «الاءمامة‌ والسياسة‌» ص‌ 123 . 

[21] ـ «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 2 ، ص‌ 350 ، طبعة‌ مطبعة‌ السعادة‌ ، سنة‌ 1367 ه . 

[22] ـ غَضَبَ الخَيْلِ عَلَي‌ اللُّجُمِ . مثل‌ يضرب‌ عند العرب‌ للشخص‌ الذي‌ يغضب‌ في‌ غيرمحلّه‌. وغضب‌ منصوب‌ علي‌ المصدر ، أي‌ : غَضِبَ غَضَبَ الخَيْلِ. («مجمع‌ الامثال‌» للميداني‌ّ، ج‌ 2 ، ص‌ 56 ) . 

[23] ـ «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 2 ، ص‌ 351 . 

[24] ـ جاء في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد ، ج‌ 6 ، ص‌ 148 : هو مروان‌بن‌ الحكم‌بن‌ أبي‌ العبّاس‌ بن‌ أُميّة‌ بن‌ عبد شمس‌ بن‌ عبد مناف‌ . ولد في‌ السنة‌ الثانية‌ من‌ الهجرة‌. وتوفّي‌ رسول‌ الله‌ وعمره‌ ثمان‌ سنين‌ . نفي‌ رسول‌ الله‌ أباه‌ الحكم‌ إلي‌ الطائف‌ . وقيل‌: كان‌ مروان‌ طفلاً لا يعقل‌ ، وأنـّه‌ لم‌ يَرَ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ . وكان‌ الحكم‌ في‌ الطائف‌ حتّي‌ ولي‌ عثمان‌ ، فردّه‌ عثمان‌ هو وولده‌ إلي‌ المدينة‌ ، وفوّض‌ إليه‌ أُموره‌، واستولي‌ مروان‌ الحَدَث‌ علي‌ عثمان‌ . والحكم‌ بن‌ أبي‌ العاص‌ هو عمّ عثمان‌ ، كان‌ من‌ مسلمة‌ الفتح‌، ومن‌ المؤلّفة‌ قلوبهم‌ . توفّي‌ قبل‌ قتل‌ عثمان‌ بشهور . 

[25] ـ الاءمامة‌ والسياسة‌» ص‌ 30 و 31 . 

[26] ـ الآية‌ 18 ، من‌ السورة‌ 12 : يوسف‌ . والمراد بالعبد الصالح‌ نبي‌ّ الله‌ يعقوب‌ الذي‌ قال‌ هذا الكلام‌ لبنيه‌ عندما رجعوا من‌ الصحراء وأخبروه‌ أنَّ الذئب‌ أكل‌ يوسف‌. 

[27] ـ قوله‌ : والله‌ لو وجدته‌ ، حتّي‌ آخر الكلام‌ موجود في‌ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 15 . وروي‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ هذه‌ الكلمات‌ كلّها في‌ تعليقته‌ عن‌ الكلبي‌ّ مرفوعاً عن‌ أبي‌ صالح‌، عن‌ عبد الله‌ بن‌ عبّاس‌ ، وقال‌ : خطب‌ علي‌ّ عليه‌ السلام‌ وقال‌ كذا . 

[28] ـ أوصي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بصلاة‌ ألف‌ ركعة‌ مستحبّة‌ في‌ ليالي‌ شهر رمضان‌ ، واختلفوا في‌ كيفيّتها ، وأقرب‌ الاقوال‌ فيها كما يبدو ، ثماني‌ ركعات‌ بعد صلاة‌ المغرب‌، واثنتا عشرة‌ ركعة‌ بعد صلاة‌ العشاء في‌ العشرة‌ الاُولي‌ والثانية‌ ، واثنتان‌ وعشرون‌ ركعة‌ في‌ العشرة‌ الثالثة‌ ، فيكون‌ المجموع‌ سبعمائة‌ ركعة‌ ؛ وتضاف‌ مائة‌ ركعة‌ في‌ كلّ ليلة‌ من‌ ليالي‌ القدر ، فيصبح‌ المجموع‌ ألف‌ ركعة‌ . وكان‌ رسول‌ الله‌ يقيم‌ هذه‌ الصلوات‌ فرادي‌ حتّي‌ أنـّه‌ عندما كان‌ يصلّي‌ في‌ المسجد ويقتدي‌ به‌ الناس‌ من‌ غير علم‌ ، كان‌ ينهاهم‌ عن‌ ذلك‌. مضافاً إلي‌ هذا أنـّه‌ كان‌ يترك‌ الصلوات‌ في‌ الفواصل‌ التي‌ بينها ويذهب‌ إلي‌ بيته‌ تحاشياً من‌ الجماعة‌. ولمّا كانت‌ هذه‌ الصلوات‌ نوافل‌ فإنَّ إقامتها في‌ جماعة‌ حرام‌ . وكانت‌ تقام‌ فرادي‌ في‌ عصر أبي‌ بكر أيضاً إلي‌ أن‌ حانت‌ خلافة‌ عمر فأتي‌ ذات‌ ليلة‌ إلي‌ المسجد في‌ شهر رمضان‌ فوجد الناس‌ يصلّون‌ فرادي‌ ، فلم‌ يرقه‌ ذلك‌ ، وقال‌ : الافضل‌ لجماعة‌ الناس‌ أن‌ تقام‌ في‌ جماعة‌. ونصّب‌ إماماً للجماعة‌ ، فسار الناس‌ علي‌ سيرته‌ إذ يقيمون‌ هذه‌ الصلاة‌ جماعة‌ إلي‌ يومنا هذا . وهذه‌ الصلاة‌ مشهورة‌ ب صلاة‌ التراويح‌ . وهي‌ من‌ بدع‌ عمر المعروفة‌. 

[29] ـ «روضة‌ الكافي‌» ص‌ 58 إلي‌ 63 . 

[30] ـ «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 6 ، ص‌ 196 إلي‌ 198 ، طبعة‌ مطبعة‌ الاستقامة‌ ، سنة‌ 1358 ه. 

[31] ـ «تاريخ‌ ابن‌ خلدون‌» ج‌ 4 ، ص‌ 5 . 

[32] ـ قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 1 ، ص‌ 338 : وكان‌ معاوية‌ علي‌ أُسّ الدهر مبغضاً لعلي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ ، شديد الانحراف‌ عنه‌ . وكيف‌ لا يبغضه‌ وقد قتل‌ أخاه‌ حنظلة‌ يوم‌ بدر ، وخاله‌ الوليد بن‌ عتبة‌ ، وشرك‌ عمّه‌ حمزة‌ في‌ قتل‌ جدّه‌ عتبة‌، ï ïأوشركه‌ في‌ قتل‌ عمّه‌ شيبة‌ ، علي‌ اختلاف‌ الروايتين‌ . 

[33] ـ «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 4 ، ص‌ 40 و 41 ، طبعة‌ الاستقامة‌ ؛ و ج‌ 3 ، ص‌ 454 و 455 طبعة‌ دار الاندلس‌ . 

[34] ـ «بحار الانوار» ج‌ 10 ، ص‌ 112 ، طبعة‌ الكمباني‌ . 

[35] ـ «تحف‌ العقول‌» ص‌ 239 . 

[36] ـ «الملل‌ والنحل‌» للشهرستاني‌ّ ، في‌ هامش‌ كتاب‌ «الفصل‌» لابن‌ حزم‌ ج‌ 1 ، ص‌ 234 ، و ج‌ 2 ، ص‌ 2 ، طبعة‌ مصر سنة‌ 1317 ه . 

[37] ـ «ظهر الاءسلام‌» ج‌ 4 ، ص‌ 114 و 115 .

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ بعد المائة‌ إلی‌ التاسع‌ بعد المائة‌في‌ تفسير الآية‌: إلیومَ ...
  أشعار الطاهر والحميري‌ّ في‌ الآية‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
  روايات‌ الخطيب‌ البغدادي‌ّ وابن‌ عساكر وابن‌ مردويه‌ في‌ آيه‌ إكمال‌ الدين‌
  روايات‌ ابن‌ المغازلي‌ّ والحمّوئي‌ّ في‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌
  روايات‌ سبط‌ بن‌ الجوزي‌ّ والسيّد الرضي‌ّ في‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌ و ...
  عمل‌ الناس‌ بأربع‌، وتركوا الولاية‌
  العامّة‌ يقولون‌ غالباً: نزلت‌ آية‌ إكمال‌ الدين‌ في‌ يوم‌ عرفة‌
  عدم‌ نزول‌ آية‌ الإكمال‌ في‌ يوم‌ عرفة‌
  عرض‌ تفصيلي‌ّ حول‌ نزول‌ آية‌ الإكمال‌
  ما هو المراد بإلیوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟
  استنباط‌ معني‌ إلیوم‌ من‌ الآية‌ نفسها إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
  المراد من‌ خشية‌ الله‌، الخوف‌ في‌ مقام‌ الولاية‌
  الفرق‌ بين‌ الكمال‌ والتمام‌ في‌ كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌
  المراد من‌ النعمة‌ الولاية‌
  آية‌ إكمال‌ الدين‌ من‌ مصادق‌ الآية‌: وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ
  المراد من‌ إلیوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ يوم‌ الغدير
  يمكن‌ أن‌ يكون‌ نزول‌ آية‌ الولاية‌ في‌ يوم‌ عرفة‌، وتبليغها يوم‌ الغدير
  قول‌ إلیهود: لو كانت‌ آية‌ الإكمال‌ نازلة‌ علینا لاتّخذنا ذلك‌ إلیوم‌ عيداً
  كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌ سنّة‌ قائمة‌ لا تزول‌
  وقوع‌ آية‌ الإكمال‌ بين‌ آيات‌ محرّمات‌ الطعام‌ شي‌ء عجيب‌
  قصيدة‌ الملاّ علی‌ الخوئي‌ّ في‌ وصف‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  أبيات‌ لابي‌ بكر القريعي‌ّ
  الدرس‌ العاشر بعد المائة‌ إلی‌ الخامس‌ عشر بعد المائة‌ :التقديم‌ بين‌ يدي‌ الله‌ هو التخلّف‌ نفسه‌
  حوار بين‌ شيعي‌ّ وسنّي‌ّ حول‌ لزوم‌ الخلافة‌
  استعراض‌ تهنئة‌ الشيخين‌ في‌ كتاب‌ «المناقب‌» لابن‌ شهرآشوب‌
  أبيات‌ السيّد الحميري‌ّ في‌ تهنئة‌ الشيخين
  الروايات‌ الواردة‌ حول‌ عدم‌ رسوخ‌ الولاية‌ في‌ نفوس‌ شيوخ‌ قريش‌
  كلام‌ معارضي‌ الولاية‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌
  أبيات‌ البشنوي‌ّ في‌ كلام‌ المعارضين‌ الذين‌ قالوا لا نسلّم‌ الإمامة‌ لعلی‌ّ
  أعيان‌ من‌ علماء العامّة‌ ذكروا تهنئة‌ الشيخين‌
  كلام‌ صاحب‌ تفسير «المنار» في‌ أنَّ العامّة‌ يعتقدون‌ بالولاية‌
  التصويت‌ السرّي‌ّ المموّه‌ بالخداع‌ في‌ السقيفة‌
  إقصاء أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ الخلافة‌ بسبب‌ حداثة‌ السنّ
  تفنيد الإشكال‌ المثار حول‌ حداثة‌ سنّ الإمام‌ علیه‌ السلام‌
  نصّ رسول‌ الله‌ علی‌ إمارة‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ للمؤمنين‌
  أمير المؤمنين‌ لقب‌ خاصّ للإمام‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌
  أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ متحمّس‌ لهداية‌ الناس‌ كرسول‌ الله‌
  النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ حريصاً علی‌ هداية‌ الناس‌
  كلام‌ أمير المؤمنين‌ للعبّاس‌ وأبي‌ سفيان‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌
  الخطبة‌ الشقشقيّة‌ التي‌ ألقاها أمير المؤمنين‌ في‌ أيّام‌ خلافته‌
  كلام‌ عمر حول‌ لزوم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد
  جواب‌ ابن‌ عبّاس‌ الصارم‌ لعمر حول‌ عدم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌
  قصد عمر من‌ نسبة‌ الهجر إلی‌ رسول‌ الله‌ إثارة‌ اللغط‌ والضجيج‌
  اعتراف‌ عمر بأحقّيّة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ للخلافة‌
  الخلفاء المنتخبون‌ بعد رسول‌ الله‌ مدانون‌ في‌ محكمة‌ التأريخ‌
  بطلان‌ لزوم‌ عدم‌ الجمع‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد عقلاً
  قيام‌ الإجماع‌ علی‌ عدم‌ التنافي‌ بين‌ النبوّة‌ والخلافة‌ في‌ بيت‌ واحد
  فصل‌ النبوّة‌ عن‌ الخلافة‌ والإمارة‌ هو فصلها عن‌ السياسة‌
  فصل‌ الدين‌ عن‌ السياسة‌ يتعارض‌ مع‌ ضرورة‌ الإسلام ‌
  اصطلاح‌ الروحاني‌ّ والروحانيّة‌ اصطلاح‌ كَنَسي‌ّ وليس‌ إسلاميّاً
  قصّة‌ أبي‌ بكر وكيفيّة‌ أخذ البيعة‌، وإقصاء أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  لقاء أبي‌ بكر وعمر مع‌ العبّاس‌ ووعدهما إيّاه‌ بحصّة‌ من‌ الخلافة‌
  الدرسان‌ السادس‌ عشر والسابع‌ عشر بعد المائة‌ :أمير المؤمنين‌ ...
  في‌ تفسير: ال´م‌´ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن‌ ... باختبار الناس‌ في‌ أمير المؤمنين‌
  قيام‌ الصحابة‌ الكرام‌ في‌ مسجد رسول‌ الله‌ واحتجاجهم‌ علی‌ أبي‌ بكر
  احتجاج‌ خالد بن‌ سعيد بن‌ العاص‌ علی‌ أبي‌ بكر بسوابق‌ أمير المؤمنين‌
  احتجاج‌ أبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ في‌ مسجد النبي‌ّ علی‌ أبي‌ بكر وأعوانه‌
  احتجاج‌ عمّار بن‌ ياسر وقيس‌ بن‌ سعد في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  احتجاج‌ سهل‌ بن‌ حُنيف‌ وابن‌ التيّهان‌ في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  احتجاج‌ أبي‌ أيّوب‌ الانصاري‌ّ في‌ المسجد علی‌ أبي‌ بكر
  عدم‌ الإذن‌ بالقيام‌ بالسيف‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌
  إطلاق‌ حزب‌ علی‌ّ عنوان‌ الغاصب‌ علی‌ أبي‌ بكر منذ إلیوم‌ الاوّل‌ لخلافته‌
  كلام‌ المسعودي‌ّ في‌ مناصرة‌ أعيان‌ الشيعة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  تأمير أُسامة‌ بن‌ زيد علی‌ أبي‌ بكر وعمر
  اعتراض‌ أُسامة‌ بن‌ زيد وأبي‌ قُحافة‌ علی‌ أبي‌ بكر في‌ الخلافة‌
  الدرس‌ الثامن‌ عشر بعد المائة‌ إلی‌ العشرين‌ بعد المائة‌ :في‌ المدينة‌ الفاضلة‌‌...‌
  إضفاء عمر الصبغة‌ الدينيّة‌ علی‌ بِدَعِه‌
  تخطيط‌ عمر في‌ الشوري‌ لخلافة‌ عثمان‌
  شروط‌ عمر التعجيزيّة‌ تحول‌ دون‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌
  كان‌ واضحاً منذ أيّام‌ عمر أنَّ عثمان‌ هو الخليفة‌ بعده‌
  تعزيز عمر موقع‌ بني‌ أُميّة‌ أمام‌ بني‌ هاشم‌
  إنذار معاوية‌ المهاجرين‌ توطيداً لعثمان‌
  تفريط‌ عمر بالإسلام من‌ أجل‌ عزّة‌ العرب‌
  ثقل‌ إمارة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ عمر
  التخطيط‌ المسبق‌ للشوري‌ والحؤول‌ دون‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌
  الشوري‌ الخاضعة‌ لإشراف‌ عمر ليست‌ شوري‌ بل‌ هي‌ الاستبداد عينه‌
  حوار معاوية‌ مع‌ زياد بن‌ حصين‌ حول‌ اختلاف‌ المسلمين‌
  كلام‌ الغزّإلی‌ّ في‌ الغدير وانحراف‌ الخلفاء المنتخَبِين‌
  من‌ كبار الشيعة‌ والعامّة‌ الذين‌ يرون‌ أنَّ كتاب‌ «سرّ العالمين‌» للغزّإلی‌ّ
  ردّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ سنّة‌ الشيخين‌
  رسالة‌ عشرة‌ من‌ الصحابة‌ إلی‌ عثمان‌ حول‌ انتهاكاته‌
  خطبة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حول‌ نسف‌ السنن‌ المخالفة‌
  قول‌ معاوية‌: لا يقرّ قراري‌ ما لم‌ أدفن‌ اسم‌ محمّد حتّي‌ لا يُصاح‌ به‌...
  >>نظرة‌ معاوية‌ إلی‌ نبوّة‌ رسول‌ الله‌ علی‌ أنـّها سلطة‌ حكوميّة‌
  نجدة‌ الإسلام بحركة‌ الإمام‌ الحسين‌ العمليّة‌ وحركة‌ الإمام‌ الباقر العلميّة‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی