معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام(المجلدالثاني‌عشر)
کتاب معرفة الامام / المجلد الثانی عشر / القسم الثالث: علی علیه السلام و الاخبار الغیبیة

ذمّ طلحة‌ والزبير وعائشة‌

فإن‌ قيل‌: لماذا قال‌ الإمام‌: « ولو لم‌ أكُ فيكم‌، لما قوتل‌ أهل‌ الجمل‌ وأهل‌ النهروان‌» ولم‌يذكر صفّين‌؟

 قيل‌: لانّ الشبهة‌ كانت‌ في‌ أهل‌ الجمل‌ وأهل‌ النهروان‌ ظاهرة‌ الالتباس‌، لانّ الزبير وطلحة‌ موعودان‌ بالجنّة‌، وعائشة‌ موعودة‌ أن‌ تكون‌ زوجة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ الآخرة‌، كما هي‌ زوجته‌ في‌ الدنيا. وحال‌ طلحة‌ والزبير في‌ السَّبْق‌ والجهاد والهجرة‌ معلومة‌. وحال‌ عائشة‌ في‌ محبّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ لها وثنائه‌ عليها، ونزول‌ القرآن‌ فيها ( في‌ قصّة‌ الإفك‌ ) معلومة‌. [1] وأمّا أهل‌ النهروان‌ فكانوا أهل‌ قرآن‌ وعبادة‌ واجتهاد، وعزوف‌ عن‌ الدنيا، وإقبال‌ علی أُمور الآخرة‌، وهم‌ كانوا قرّاء أهل‌ العراق‌ وزهّادهم‌. وأمّا معاوية‌ فكان‌ فاسقاً، مشهوراً بقلّة‌ الدين‌، والانحراف‌ عن‌ الإسلام‌. وكذلك‌ ناصره‌ ومظاهره‌ علی أمره‌ عمروبن‌ العاص‌، ومن‌ اتّبعهما من‌ طَغام‌ أهل‌ الشام‌ وأجلافهم‌ وجهّال‌ الاعراب‌. فلم‌يكن‌ أمرهم‌ خافياً في‌ جواز محاربتهم‌ واستحلال‌ قتالهم‌، بخلاف‌ حال‌ من‌ تقدّم‌ ذكره‌.

 فإن‌ قيل‌: ومن‌ هذا الرجل‌ الموعود به‌ الذي‌ قال‌ عليه‌ السلام‌ عنه‌: بأَبي‌ ابْنُ خِيَرَةِ الإمَاءِ؟ قيل‌: أمّا الإماميّة‌ فيزعمون‌ أ نّه‌ إمامهم‌ الثاني‌ عشر، وأ نّه‌ ابن‌ أَمَة‌ اسمها نَرْجِس‌.

الإخبار بقيام‌ إمام‌ العصر والزمان‌ عليه‌ السلام‌ وانقراض‌ بني‌ أُميّة‌

 وأمّا أصحابنا فيزعمون‌ أ نّه‌ فاطميّ يولد في‌ مستقبل‌ الزمان‌، لاُمّ ولد ( الاَمَة‌ التي‌ تنجب‌ بعد مواقعة‌ مولاها إيّاها ). وليس‌ بموجود الآن‌.

 فإن‌ قيل‌: فمن‌ يكون‌ من‌ بني‌ أُميّة‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌ موجوداً، حتّي‌ يقول‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أمرهم‌ ما قال‌ من‌ انتقام‌ هذا الرجل‌ منهم‌، حتّي‌ يودّوا لو أنّ عليّاً عليه‌ السلام‌ كان‌ المتولّي‌ لامرهم‌ عوضاً عنه‌؟ قيل‌: أمّا الإماميّة‌ فيقولون‌ بالرجعة‌، ويزعمون‌ أ نّه‌ سيعاد قوم‌ بأعيانهم‌ من‌ بني‌ أُميّة‌ وغيرهم‌، إذا ظهر إمامهم‌ المنتظر، وأ نّه‌ يقطع‌ أيدي‌ أقوام‌ وأرجلهم‌، ويسمل‌ عيون‌ بعضهم‌، ويصلب‌ قوماً آخرين‌، وينتقم‌ من‌ أعداء آل‌محمّد المتقدّمين‌ والمتأخرّين‌.

 وأمّا أصحابنا فيزعمون‌ أ نّه‌ سيخلق‌ الله‌ تعالي‌ في‌ آخر الزمان‌ رجلاً من‌ ولد فاطمة‌ عليها السلام‌ ليس‌ موجوداً الآن‌، وأ نّه‌ يملا الارض‌ عدلاً كما ملئت‌ جوراً وظلماً، وينتقم‌ من‌ الظالمين‌، وينكّل‌ بهم‌ أشدّ النكال‌، وأ نّه‌ لاِمّ وَلَد كما قد ورد في‌ هذا الاثر وفي‌ غيره‌ من‌ الآثار، وأنّ اسمه‌ محمّد كاسم‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، وأ نّه‌ إنّما يظهر بعد أن‌ يستولي‌ علی كثير من‌ الإسلام‌ ملك‌ من‌ أعقاب‌ بني‌ أُميّة‌، وهو السفيانيّ الموعود به‌ في‌ الخبر الصحيح‌.

 وهو من‌ ولد أبي‌ سفيان‌ بن‌ حرب‌ بن‌ أُميّة‌، وأنّ الإمام‌ الفاطميّ يقتله‌ ويقتل‌ أشياعه‌ من‌ بني‌ أُميّة‌ وغيرهم‌. وحينئذٍ ينزل‌ المسيح‌ عليه‌ السلام‌ من‌ السماء، وتبدو أشراط‌ الساعة‌، وتظهر دابّة‌ الارض‌، ويبطل‌ التكليف‌، ويتحقّق‌ قيام‌ الاجساد عند نفخ‌ الصور، كما نطق‌ به‌ الكتاب‌ العزيز.

 فإن‌ قيل‌: فإنّكم‌ قلتم‌ فيما تقدّم‌: إنّ الوعد إنّما هو بالسفّاح‌ وبعمّه‌ عبدالله‌بن‌ علي‌ّ، والمسوّدة‌، وما قلتموه‌ الآن‌ مخالف‌ لذلك‌. قيل‌: إنّ ذلك‌ التفسير هو تفسير ما ذكره‌ الرضي‌ّ رحمه‌ الله‌ من‌ كلام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ ». وهذا التفسير هو تفسير الزيادة‌ التي‌ لم‌يذكرها الرضي‌ّ، وهي‌ قوله‌: بِأَبِي‌ ابْنُ خَيرَةِ الإمَاءِ. وقوله‌: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ لَرَحِمَنَا. فلا مناقضة‌ بين‌ التفسيرين‌.[2]

 نقلنا هذا الشرح‌ كلّه‌ عن‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرحه‌، لا نّه‌ وثيقة‌ قويّة‌ ومعتبرة‌ ـ من‌ حيث‌ السندـ لمعجزات‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وإخباره‌ بالغيب‌، وإن‌ كان‌ ابن‌ أبي‌ الحديد عامّيّ المذهب‌، معتزليّ الاُصول‌، شافعيّ الفروع‌، بَيدَ أنّ له‌ مقاماً شامخاً حقّاً من‌ حيث‌ سعة‌ الاطّلاع‌، والقدرة‌ الادبيّة‌، والتمكّن‌ من‌ العربيّة‌ والشعر والعلم‌، والإلمام‌ بالتأريخ‌ والكلام‌ والجدل‌، وحبّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وعرفانه‌ عرفاناً يفوق‌ الوصف‌. اللّهُمَّ احْشُرْهُ مَعَ مَنْ يَتَولاَّهُ وَيُحِبُّهُ، وَأَبْعِدْهُ مِمَّنْ يَتَبَرَّأُ مِنْهُ وَيُبْغِضُهُ!

 وذكر المجلسيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ كتابه‌ الشريف‌ « بحار الانوار » في‌ « باب‌ معجزات‌ كلامه‌ من‌ إخباره‌ بالغائبات‌ وعلمه‌ باللغات‌ » هذه‌ التفاصيل‌ كلّها نقلاً عن‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ » لابن‌ أبي‌ الحديد، مع‌ إضافاته‌ حتّي‌ بداية‌ قوله‌: إن‌ قَلتَ، قلتُ، لفظاً بلفظ‌. [3]

كلام‌ العلاّمة‌ الخوئي‌ّ في‌ الرواية‌ الماضية‌

 وقال‌ العلاّمة‌ الميرزا حبيب‌ الله‌ الهاشميّ الخوئيّ في‌ شرحه‌ علی « نهج‌ البلاغة‌ » بعد نقله‌ شرح‌ ابن‌ أبي‌ الحديد برمّته‌: قال‌ شرّاح‌ « نهج‌ البلاغة‌ »: هذه‌ الفقرات‌ ثُمّ يُفَرِّجُ اللَهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الاَدِيمِ بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً وَيَسُوقُهُمْ عُنْفاً إشارة‌ إلی انقراض‌ دولة‌ بني‌ أُميّة‌ بظهور بني‌ العبّاس‌، كما هو مذكور في‌ كتب‌ السير والتواريخ‌. ولكنّ الاظهر بملاحظة‌ الزيادات‌ الآتية‌ في‌ رواية‌ سُليم‌بن‌ قيس‌ الهلالي‌ّ، وإبراهيم‌ الثقفيّ في‌ كتاب‌ « الغارات‌ » ـولم‌يذكرها السيّد الرضي‌ّ، ولا ابن‌ أبي‌ الحديدـ أ نّها إشارة‌ إلی ظهور السلطنة‌ الإلهيّة‌ والدولة‌ القائميّة‌. وعلي‌ هذا يكون‌ قول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: يَسُومُهُمْ خَسْفَاً إشارة‌ إلی خسف‌ الارض‌ بجيش‌ السفيانيّ في‌ البيداء، كما هو مروي‌ّ في‌ أخبار الرجعة‌.

 وعلي‌ الاستظهار، يكون‌ كلام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنَنِي‌ مَقَاماً وَاحِداً وَلَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ لاِقبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ اليَوْمَ بَعْضَهُ فَلاَيُعْطُونَنِي‌، الذي‌ فسّره‌ ابن‌ أبي‌ الحديد بكلام‌ مروان‌بن‌ محمّد يوم‌ الزاب‌ حين‌ رأي‌ جيش‌ عبدالله‌بن‌ محمّدبن‌ علي‌ّبن‌ عبدالله‌بن‌ عبّاس‌، إشارة‌ إلی ظهور الإمام‌ المهدي‌ّ، والتمنّي‌ الذي‌ يتحقّق‌ عند قيامه‌.

 ثمّ ذكر العلاّمة‌ الخوئيّ تحت‌ عنوان‌: تكملة‌، هذه‌ الخطبة‌ مع‌ جميع‌ إضافاتها عن‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ، عن‌ كتاب‌ « الغارات‌ » لإبراهيم‌بن‌ محمّد الثقفي‌ّ. وله‌ بيان‌ عن‌ « بحار الانوار » أيضاً، عن‌ كتاب‌ سليم‌بن‌ قيس‌ الهلالي‌ّ. [4] ومن‌ الواضح‌ في‌ هاتين‌ الروايتين‌ أنّ المراد من‌ القائم‌ علی الظالمين‌ وبني‌ أُميّة‌ هو السيّد الفاطمي‌ّ ابن‌ الاَمَة‌، وهو نفسه‌ المقصود في‌ كلتا الفقرتين‌، لا أ نّه‌ السفّاح‌ في‌ موضع‌، والقائم‌ عليه‌ السلام‌ في‌ موضع‌ آخر.

 وجاء في‌ رواية‌ إبراهيم‌ الثقفيّ وسُليم‌ أيضاً أنّ أهل‌ صفّين‌ ذكروا مع‌ أهل‌ الجمل‌، وأهل‌ النهروان‌: وَلَوْ لَمْ أَكُ فِيكُمْ مَا قُوتِلَ أصْحَابُ الجَمَلِ وَلاَ أَهْلُ صِفِّينٍ وَلاَ أَهْلُ النَّهْرُوَانِ. [5] ثُمّ قال‌ الخوئي‌ّ في‌ التعليقة‌ وهو يوضّح‌ معني‌ الزاب‌: الزاب‌ نهر بالموصل‌. وروي‌ الشارح‌ المعتزليّ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ الخطبة‌ المائة‌ والرابعة‌ أ نّه‌ لمّا نزل‌ مروان‌ بالزاب‌، جرّد من‌ رجاله‌ ممّن‌ اختاره‌ من‌ أهل‌ الشام‌، والجزيرة‌، وغيرها مائة‌ ألف‌ فارس‌ علی مائة‌ ألف‌ فارح‌، ثمّ نظـر إليهـم‌ وقال‌: إنَّها العُدَّةُ وَلاَ تَنْفَـعُ العُدَّةُ إذَا انْقَضَتِ المُدَّةُ.

 ولمّا أشرف‌ عبد الله‌ بن‌ علی يوم‌ الزاب‌ في‌ المسوّدة‌، وفي‌ أوائلهم‌ البنود السود تحملها الرجال‌ علی الجمال‌ البخت‌، أقبل‌ مروان‌ علی رجل‌ بجنبه‌ وقال‌: ألا تعرّفني‌ من‌ صاحب‌ جيشهم‌؟ فقال‌: عبدالله‌بن‌ محمّدبن‌ علي‌ّبن‌ عبدالله‌بن‌ العبّاس‌ بن‌ عبد المطلّب‌. قال‌ مروان‌: وَيْحَكَ! من‌ ولد العبّاس‌ هو؟! قال‌: نعم‌! قال‌: وَاللَهِ لَوَدَدْتُ أَنَّ عَلِي‌َّبْنَ أَبِي‌طَالِبٍ مَكَانَهُ فِي‌ هَذَا الصَفِّ.

 قال‌ ذلك‌ الرجل‌: تقول‌ هذا لعليّ مع‌ شجاعته‌ التي‌ ملا الدنيا ذكرها؟!

 قال‌ مروان‌: وَيْحَكَ! إنَّ عَلِيَّاً عَلَيهِ السَّلاَمُ مَعَ شَجَاعَتِهِ صَاحِبُ دِينٍ، وَالدِّينُ غَيْرُالمُلْكِ. [6]

 * * *

إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بعدم‌ هلاك‌ الخوارج

 ومن‌ الاُمور الغيبيّة‌ التي‌ أخبر بها أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ خبر يرتبط‌ ببقاء الخوارج‌، وعدم‌ هلاكهم‌ جميعهم‌.

 جاء في‌ « نهج‌ البلاغة‌ »: لمّا قُتِل‌ الخوارج‌، قيل‌ له‌: يَا أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ! هَلَكَ القَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ. فَقَالَ عَلَيهِ السَّلاَمُ: كَلاَّ! وَاللَهِ إنَّهُمْ نُطَفٌ فِي‌ أَصْلاَبِ الرِّجَالِ وَقَرارَاتِ النِّسَاءِ، كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ، قُطِعَ حَتَّي‌ يَكُونَ آخَرُهُمْ لَصُوصَاً سَلاَّبِينَ.

 ( أي‌: يبلغ‌ الخوراج‌ من‌ الوضاعة‌ حدّاً أ نّهم‌ لاينهضون‌ من‌ أجل‌ الحكومة‌ والرئاسة‌ ولايستندون‌ إلی مذهب‌، ولا يدعون‌ إلی عقيدة‌، شأنهم‌ شأن‌ اللصوص‌ والاشرار وقطّاعي‌ الطرق‌ ).

 وقال‌ عليه‌ السلام‌ فيهم‌: لاَ تَقْتُلُوا الخَوَارِجَ بَعْدِي‌! فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ البَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ. ( يعني‌ معاوية‌ وأصحابه‌ ) [7].

 وقال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد بعد أن‌ ذكر أشخاصاً كثيرين‌ من‌ الخوارج‌ ولدوا بعد أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، ولم‌ يسلكوا طريق‌ أسلافهم‌، بل‌ كان‌ همّهم‌ إخافة‌ السبيل‌ والفساد في‌ الارض‌، واكتساب‌ الاموال‌ من‌ غير حلّها؛ ومن‌ المشهورين‌ برأي‌ الخوارج‌ الذين‌ تمّ بهم‌ صدق‌ قول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السـلام‌: إنّهم‌ نطف‌ في‌ أصلاب‌ الرجـال‌ وقرارات‌ النسـاء: عكرمة‌ مولي‌ ابن‌عبّاس‌، ومالك‌ بن‌ أنَس‌ الاصبَحي‌ الفقيه‌.[8] يروي‌ عنه‌ أ نّه‌ كان‌ يذكر عليّاً عليه‌ السلام‌ وعثمان‌ وطلحة‌، والزبير، فيقول‌: والله‌ ما اقتتلوا إلاّ علی الثريد الاعفَر. [9]

 ونُسب‌ أبو العبّاس‌ محمّد بن‌ يزيد المبرّد إلی رأي‌ الخوارج‌ أيضاً لإطنابه‌ في‌ كتابه‌ المعروف‌ بـ « الكامل‌ » في‌ ذكرهم‌ وظهور الميل‌ منه‌ إليهم‌. [10]

 وقال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ كلام‌ الامام‌: لا تقتلوا الخوارج‌ بعدي‌: مراده‌ أنّ الخوارج‌ ضلّوا بشبهة‌ دخلت‌ عليهم‌. وكانوا يطلبون‌ الحقّ؛ ولهم‌ في‌ الجملة‌ تمسّـك‌ بالدين‌، ومحاماة‌ عن‌ عقيـدة‌ اعتقدوها، وإن‌ أخطـأوا فيها. وأمّا معاوية‌ فلم‌ يكن‌ يطلب‌ الحقّ. وإنّما كان‌ ذا باطل‌ لايحامي‌ عن‌ اعتقاد قد بناه‌ علی شبهة‌. وأحواله‌ كانت‌ تدلّ علی ذلك‌، فإنّه‌ لم‌يكن‌ من‌ أرباب‌ الدين‌، ولا ظهر عنه‌ نُسُك‌، ولا صلاح‌ حال‌. وكان‌ مترفاً يُذهب‌ مال‌ الفي‌ء في‌ مآربه‌، وتمهيد ملكه‌، ويصانع‌ به‌ عن‌ سلطانه‌. وكانت‌ أحواله‌ كلّها مؤذنة‌ بانسلاخه‌ عن‌ العدالة‌، وإصراره‌ علی الباطل‌. وإذا كان‌ كذلك‌، لم‌يَجُز أن‌ ينصُر المسلمون‌ سلطانه‌، وتحارب‌ الخوارج‌ عليه‌ وإن‌ كانوا أهل‌ ضلال‌، لا نّهم‌ أحسن‌ حالاً منه‌.

 فإنّهم‌ كانوا ينهون‌ عن‌ المنكر، ويرون‌ الخروج‌ علی أئمّة‌ الجور واجباً. وعند أصحابنا أنّ الخروج‌ علی أئمّة‌ الجور واجب‌. وعند أصحابنا أيضاً أنّ الفاسق‌ المتغلّب‌ بغير شبهة‌ يعتمد عليها لايجوز أن‌ ينصر علی من‌ يخرج‌ عليه‌ ممّن‌ ينتمي‌ إلی الدين‌، ويأمر بالمعروف‌، وينهي‌ عن‌ المنكر بل‌ يجب‌ أن‌ يُنصر الخارجون‌ عليه‌، وإن‌ كانوا ضالّين‌ في‌ عقيدة‌ اعتقدوها بشبهة‌ دينيّة‌ دخلت‌ عليهم‌، لا نّهم‌ أعدل‌ منه‌، وأقرب‌ إلی الحقّ، ولاريب‌ في‌ تلزّم‌ الخوارج‌ بالدين‌، كما لا ريب‌ في‌ أنّ معاوية‌ لم‌يظهر عنه‌ مثل‌ ذلك‌. [11]

 لا يصّح‌ ما ذكره‌ ابن‌ أبي‌ الحديد من‌ تقديم‌ الخوارج‌ علی الفاسق‌ المتغلّب‌ إلاّ إذا كانت‌ الشبهة‌ العارضة‌ للخوارج‌ ترتبط‌ بالمسائل‌ الفرعيّة‌. وأمّا في‌ المسائل‌ الاُصوليّة‌ كالتوحيد، والمعاد، والإمامة‌ والولاية‌، فلاريب‌ في‌ أنّ المؤمن‌ بالله‌ والمعاد، والرسالة‌، والولاية‌ مقدّم‌ علی الخوارج‌، وإن‌ ظهر منه‌ فسـق‌، ولا يمكن‌ نصر الخـوارج‌ عليه‌. وأمّا معاويـة‌ فقد كان‌ أميرالمؤمنين‌ يري‌ عليه‌ السلام‌ قتاله‌ واجباً بعده‌، لا قتال‌ الخوارج‌، فلانّ معاوية‌ لم‌يكن‌ له‌ دين‌، ولم‌ يعتقد بالله‌، والمعاد، والإسلام‌. وما آمن‌ إلاّ مكرهاً في‌ فتح‌ مكّة‌، وكان‌ يُحسَبُ من‌ المنافقين‌ حقّاً.

 * * *

 ومن‌ أخبار الإمام‌ الغيبيّة‌، خبره‌ في‌ مروان‌ بن‌ الحكم‌. فقد جاء في‌ « نهج‌ البلاغة‌ »: أُخذ مروان‌ بن‌ الحكم‌ أسيراً يوم‌ الجمل‌ فاستشفع‌ الحسن‌ والحسين‌ عليهما السلام‌ إلی أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. فكلّماه‌ فيه‌ فخلّي‌ سبيله‌.

 وعلي‌ هذا فمروان‌ بن‌ الحكم‌ طليق‌ الإمام‌. وفي‌ ضوء ذلك‌ لم‌يكن‌ أولاد أبي‌ سفيان‌ وحدهم‌ أبناء الطلقاء، بل‌ كان‌ بنو مروان‌ كافّة‌ أبناء الطلقاء أيضاً. فأُولئك‌ طلقاء النبي‌ّ، وهولاء طلقاء الوصي‌ّ.

 فقالا له‌: يبايعك‌ يا أمير المؤمنين‌.

 قَالَ عَلَيهِ السَّلاَمُ: أَوَ لَمْ يُبَايِعْنِي‌ بَعْدَ [12] قَتْلِ عُثمَانَ؟ لاَ حَاجَةَ لِي‌ فِي‌ بَيْعَتِهِ، إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ. لَوْ بَايَعَنِي‌ بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسُبَّتِهِ. أَمَا إِنَّ لَهُ إمْرَةً كَلَعْقَةِ الكَلْبِ أَنْفَهُ. وَهُوَ أَبُو الاَكْبُشِ الاَرْبَعَةِ، وَسَتَلْقَي‌ الاُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وَلَدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ. [13]

 قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: قد روي‌ هذا الخبر من‌ طرق‌ كثيرة‌، ورويت‌ فيه‌ زيادة‌ لم‌ يذكرها صاحب‌ « نهج‌ البلاغة‌ »، وهي‌ قوله‌ عليه‌ السلام‌ في‌ مروان‌: يَحْمِلُ رَايَةُ ضَلاَلَةٍ بَعْدَ مَا يَشِيبُ صُدْغَاهُ. وَإِنَّ لَهُ إمْرَةً... إلی آخر الكلام‌.

 ثمّ قال‌: والاكْبُش‌ الاربعة‌ بنو عبد الملك‌: الوليد، وسليمان‌، ويزيد، وهشام‌... ولم‌ يل‌ الخلافة‌ من‌ بني‌ أُميّة‌ ولا من‌ غيرهم‌ أربعة‌ إخوة‌ إلاّ هؤلاء؛ وكلّ الناس‌ فسّروا الاكبش‌ الاربعة‌ بما ذكرناه‌. وعندي‌ أ نّه‌ يجوز أن‌ يعني‌ به‌ بني‌ مروان‌ لصُلبه‌، وهم‌: عبد الملك‌، وعبدالعزيز، وبِشر، ومحمّد، وكانوا كباشاً أبطالاً أنجاداً. أمّا عبد الملك‌ فولي‌ الخلافة‌. وأمّا بشر فولي‌ العراق‌. وأمّا محمّد فولي‌ الجزيرة‌. وأمّا عبد العزيز فولي‌ مصر. ولكلّ منهم‌ آثار مشهورة‌. وهذا التفسير أولي‌، لانّ الوليد وإخوته‌ أبناء ابنه‌، وهؤلاء بنوه‌ لصُلبه‌.

 ويقال‌ لليوم‌ الشديد يوم‌ أحمر. وللسنة‌ ذات‌ الجدب‌: سنة‌ حمراء. وكلّ ما أخبر به‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ هذا الكلام‌ وقع‌ كما أخبر به‌. كذلك‌ قوله‌: يَحْمِلُ رَايَةَ ضَلاَلَةٍ بَعْدَ مَا يَشِيبُ صُدْغَاهُ. فإنّه‌ ولي‌ الخلافة‌ وهو ابن‌ خمس‌ وستّين‌ في‌ أعدل‌ الروايات‌. [14]

 وذكر المجلسيّ هذه‌ الخطبة‌ في‌ « بحار الانوار »، في‌ باب‌ إخبار الإمام‌ بالمغيّبات‌ وعلمه‌ باللغات‌، مع‌ كلا التفسيرين‌ المتعلّقين‌ ببني‌ مروان‌ لصُلبه‌، أو بني‌ عبدالملك‌ لصُلبه‌. [15]

 * * *

إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بحكومة‌ معاوية‌ في‌ الشام‌

 ومن‌ جملة‌ إخبار الإمام‌ بالغيب‌ خطبة‌ خطبها في‌ معاوية‌ وزعمه‌ ونعيقه‌ بالشام‌، ومن‌ ثمّ تحرّكه‌ إلی الكوفة‌ علی رأس‌ جيش‌ جرّار. وهذه‌ الخطبة‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ ». قال‌ عليه‌ السلام‌ فيها:

 الاَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ أوَّلٍ، وَالآخِرُ بَعْدَ كُلِّ آخِرٍ. بِأوَّلِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ أَوَّلَ لَهُ، وَبِآخِريَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ آخِرَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَهُ، شَهَادَةً يُوافِقُ فِيهَا السِّرُّ الإعْلاَنَ وَالقَلْبُ اللِّسَانَ.

 أَيُّهَا النَّاسُ! لاَ يَجْـرِمَنَّكُـمْ شِـقَاقِي‌، وَلاَ يَسْـتَهْوِيَنَّكُـمْ عِصْيَانِي‌، وَلاَتَتَرَامُوا بِالاَبْصَارِ عِنْدَ مَا تَسْتَمِعُونَهُ مِنِّي‌. فَوَالَّذِي‌ فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إنَّ الَّذِي‌ أُنَبِّئُكُمْ بِه‌ ِعَنِ النَّبِي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. مَا كَذَبَ المُبَلِّغُ ( رسول‌ الله‌ ) وَلاَجَهِلَ السَّامِعُ ( وهو أنا ).

 وَلَكَأَ نِّي‌ أَنْظُرُ إلی ظِلِّيلٍ نَعَقَ بِالشَّامِ وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي‌ ضَوَاحِي‌ كُوفَانَ. فَإذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ، وَاشْتَدَّتْ شَكِيمَتُهُ، وَثَقُلَتْ فِي‌ الاَرْضِ وَطْأَتُهُ. عَضَّتِ الفِتْنَةُ أبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا، وَمَاجَتِ الحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا، وَبَدَا مِنَ الاَيَّامِ كُلُوحُهَا، وَبَدَا مِنَ اللَّيَالِي‌ كُدُوحُهَا.

 فَإذَا أَيْنَعَ زَرْعُـهُ، وَقَامَ علی يَنْعِهِ، وَهَدَرَتْ شَـقَاشِـقُهُ، وَبَرَقَتْ بَوَارِقُهُ، عَقَدَتْ رَايَاتُ الفِتَنِ المُعْضِلَةِ وَأَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ المُظْلِمِ وَالبَحْرِ المُلْتَطِمِ. هَذَا وَكَمْ يَخْرِقُ الكُوفَةَ مِنْ قَاصِفٍ، وَيَمُرُّ عَلَيْهَا مِنْ عَاصِفٍ. وَعَنْ قَلِيلٍ تَلْتَفُّ القُرُونُ بِالقُرُونِ، وَيُحْصَدُ القَائِمُ، وَيُحْطَمُ المَحْصُودُ. [16]

 قال‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌: قيل‌: المراد بالضلّيل‌ معاوية‌. وقيل‌ أيضاً: السُّفيانيّ وقال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: المراد عبدالملك‌بن‌ مروان‌، لانّ هذه‌ الصفات‌ كانت‌ فيه‌ أتمّ منها في‌ غيره‌، لا نّه‌ أقام‌ بالشام‌ حين‌ دعا إلی نفسه‌، وهو معني‌ نعيقه‌. وفحصت‌ راياته‌ بالكوفة‌ تارة‌ حين‌ شخص‌ بنفسه‌ إلی العراق‌، وقتل‌ مصعباً. وتارة‌ لمّا استخلف‌ الاُمراء علی الكوفة‌، كأخيه‌ بشربن‌ مروان‌ وغيره‌، حتّي‌ انتهي‌ الامر إلی الحجّاج‌، وهو زمان‌ اشتداد شكيمة‌ عبدالملك‌ وثقل‌ وطأته‌.

 وحينئذٍ صعب‌ الامر جدّاً، وأقبلت‌ الفتن‌ واحدة‌ تلو الاُخري‌. إذ اصطدم‌ بالخوارج‌، وحارب‌ عبد الرحمن‌ بن‌ الاشعث‌. ولمّا كمل‌ أمر عبدالملك‌، هلك‌. وعقدت‌ رايات‌ الفتن‌ المعضلة‌ بعده‌ كحروب‌ أولاده‌ مع‌ بني‌ المهلّب‌، ومع‌ زيد بن‌ علی عليه‌ السلام‌. ومثل‌ الفتن‌ الواقعة‌ بالكوفة‌ أيّام‌ يوسف‌بن‌ عمر، وخالد القسريّ، وعمر بن‌ هُبَيرة‌، وغيرهم‌. وما حدث‌ في‌ عهدهم‌ من‌ ضروب‌ الفساد والظلم‌، وذهاب‌ النفوس‌، وتضييع‌ الاموال‌. [17]

 وقد قيل‌: إنّ الإمام‌ كنّي‌ عن‌ معاوية‌ وما حدث‌ في‌ أيّامه‌ من‌ الفتن‌، وما حدث‌ بعده‌ من‌ فتنة‌ يزيد، وعبيد الله‌ بن‌ زياد، وواقعة‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌. والاوّل‌ أرجح‌، لانّ معاوية‌ في‌ أيّام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ قد نعق‌ بالشام‌، ودعاهم‌ إلی نفسه‌. والكلام‌ يدلّ علی إنسان‌ ينعق‌ فيما بعد. ألا تراه‌ يقول‌: لَكَأنِّي‌ أَنْظُرُ إلی ضِلِّيلٍ قَدْ نَعِقَ بِالشَّامِ. [18]

 وقال‌ المجلسيّ بعد أن‌ فسّر كلمات‌ هذه‌ الخطبة‌: سيأتي‌ كثير من‌ الاخبار في‌ كتاب‌ « الفتن‌ » للبُرْسيّ، من‌ كتاب‌ « مشارق‌ أنوار اليقين‌».

إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بجلب‌ جنازة‌ من‌ اليمن‌

 وروي‌ عن‌ الاصبغ‌ بن‌ نُباتة‌ أ نّه‌ قال‌: كان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يوماً جالساً في‌ نجف‌ الكوفة‌، فقال‌ لمن‌ حوله‌: مَنْ يَرَي‌ مَا أري‌؟ فقالوا: وَمَا تَرَي‌ يَا عَيْنَ اللَهِ النَّاظِرَةَ فِي‌ عِبَادِهِ؟

 فقال‌ عليه‌ السلام‌: أري‌ بعيراً يحمل‌ جنازة‌ ورجلاً يسوقه‌ ورجلاً يقوده‌، وسيأتيكم‌ بعد ثلاثة‌ أيّام‌. فلمّا كان‌ اليوم‌ الثالث‌، قدم‌ البعير والجنازة‌ مشدودة‌ عليه‌، ورجلان‌ معه‌. فسلّما علی الإمام‌ وعلي‌ الجماعة‌. فقال‌ لهما أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بعد أن‌ حيّاهم‌: مَن‌ أنتم‌؟ ومِن‌ أين‌ أقبلتم‌؟ ومَن‌ هذه‌ الجنازة‌؟! ولماذا قدمتم‌؟!

 فقالوا: نحن‌ من‌ اليمن‌. وأمّا الميّت‌ فأبونا. وإنّه‌ عند الموت‌ أوصي‌ إلينا فقال‌: إذا غسّلتموني‌ وكفّنتموني‌ وصلّيتم‌ عَلَي‌َّ، فاحملوني‌ علی بعيري‌ هذا إلی العراق‌ فادفنوني‌ هناك‌ بنجف‌ الكوفة‌!

 فقال‌ لهما أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: هل‌ سألتماه‌ لماذا؟ فقالا: أجل‌ قد سألناه‌، فقال‌: يُدْفَنُ هُنَاكَ رَجُلٌ لَوْ شَفَعَ فِي‌ يَوْمِ القِيَامَةِ لاِهْلِ المَوْقِفِ لَشُفِّعَ. فقام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وقال‌: صَدَق‌؛ أَنَا وَاللَهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ. [19]

 * * *

إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بفتنة‌ صاحب‌ الزنج‌

 ومن‌ الاخبار الغيبيّة‌ للإمام‌ عليه‌ السلام‌ خبر يتعلّق‌ بصاحب‌ الزنج‌ الذي‌ عبّأ جيشاً نحو البصرة‌، وقتل‌ الناس‌، ودمّر الدور. ومنها خبر في‌ وصف‌ الاتراك‌ الذين‌ ارتكبوا مذابح‌ جماعيّة‌ بحقّ الناس‌.

 أمّا صاحب‌ الزنج‌، فقد قال‌ عليه‌ السلام‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » ضمن‌ وصف‌ الملاحم‌ والوقائع‌ التي‌ تحدث‌ في‌ البصرة‌: يَا أحْنَفُ، كَأَ نِّي‌ بِهِ وَقَدْ سَـارَ بِالجَيْـشِ الَّذِي‌ لاَ يَكُـونُ لَهُ غُبَـارٌ، وَلاَ لَجَبٌ، وَلاَ قَعقَعَةُ لُجُمٍ، وَلاَ حَمْحَمَةُ خَيْلٍ، يُثِيرُونَ الاَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَ نَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ (يُومِي‌ُ بِذَلِكَ إلی صَاحِبِ الزَّنْجِ. ثُمَّ قَالَ عَلَيهِ السَّلاَمُ:)

 وَيْلٌ لِسِكَكَكُمُ العَامِرَةِ وَالدُّورِ المُزَخْرَفَةِ الَّتِي‌ لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النُّسُـورِ، وَخَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيـمِ الفِيلَةِ، مِنْ أُولَئِـكَ الَّذِينَ لاَ يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ، وَلاَ يُفْتَقَدُ غَائِبُهُـمْ. أَنَا كَابُّ الدُّنْيَا لِوَجْهِهَا، وَقَادِرُهَـا بِقَدْرِهَـا، وَنَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا. [20]

 قال‌ المجلسيّ: قوله‌ عليه‌ السلام‌: « يثيرون‌ الارض‌ »؛ لانّ أقدامهم‌ في‌ الخشونة‌ كحوافر الخيل‌. وقيل‌: كناية‌ عن‌ شدّة‌ وطئهم‌ الارض‌ ليلائم‌ قوله‌: « لايكون‌ له‌ غبار ».

 وأمّا قوله‌ عليه‌ السلام‌: « كأ نّها أقدام‌ النعام‌ »؛ لمّا كانت‌ أقدام‌ الزنج‌ في‌ الاغلب‌ قصاراً عراضاً منتشرة‌ الصدر مفرّجات‌ الاصابع‌، فأشبهت‌ أقدام‌ النعام‌. وأجنحة‌ الدور التي‌ شبّهها بأجنحة‌ النسور رواشنها وما يعمل‌ من‌ الاخشاب‌ والبواري‌ بازرة‌ عن‌ السقوف‌ لوقاية‌ الحيطان‌ وغيرها من‌ الامطار وشعاع‌ الشمس‌. وخراطيمها ميازيبها التي‌ تطلي‌ بالقار تكون‌ نحواً من‌ خمسة‌ أذرع‌ ( مترين‌ ونصف‌ تقريباً ) تدلي‌ من‌ السطوح‌ حفظاً للحيطان‌. وأمّا قوله‌ عليه‌ السلام‌: « لا يُندب‌ قتيلهم‌ »؛ فقيل‌: إنّه‌ وصف‌ لهم‌ بشدّة‌ البأس‌ والحرص‌ علی القتال‌، وقيل‌: لا نّهم‌ كانوا عبيداً غرباء لم‌يكن‌ لهم‌ أهل‌ وولد وعشيرة‌. وقيل‌: « لا يفتقد غائبهم‌ »، وصف‌ لهم‌ بالكثرة‌، وإنّهم‌ إذا قتل‌ منهم‌ قتيل‌، سدّ مسدّه‌ غيره‌. [21]

 وتحدّث‌ ابن‌ أبي‌ الحديد بالتفصيل‌ عن‌ تاريخ‌ صاحب‌ الزنج‌ وظهوره‌ وهزيمته‌. [22] قال‌: فأمّا صاحب‌ الزنج‌ هذا فإنّه‌ ظهر في‌ فرات‌ البصرة‌ سنة‌ خمس‌ وخمسين‌ ومأتين‌ رجل‌ زعم‌ أ نّه‌ عليّ بن‌ محمّد بن‌ أحمدبن‌ عيسي‌ ابن‌زيدبن‌ علی بن‌ الحسين‌ بن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌، فتبعه‌ الزنج‌ الذين‌ كانوا يكسحون‌ السباخ‌ في‌ البصرة‌. وأكثر الناس‌ يقدحون‌ في‌ نسبه‌ وخصوصاً الطالبيّين‌ ( أبناء أبي‌ طالب‌ سواء كانوا فاطميّين‌ أم‌ سائر العلويّين‌ وغيرالعلويّين‌ )... وجمهور النسّابين‌ اتّفقوا علی أ نّه‌ من‌ عبدالقيس‌، وأ نّه‌ علي‌ّبن‌ محمّدبن‌ عبدالرحيم‌، وأُمّه‌ أسديّة‌ من‌ أسدبن‌ خزيمة‌، جدّها محمّدبن‌ حكيـم‌ الاسـدي‌ّ من‌ أهل‌ الكوفـة‌، أحد الخارجين‌ مـع‌ زيدبن‌ علي‌ّبن‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ علی هشام‌ بن‌ عبدالملك‌. فلمّا قتل‌ زيد، هرب‌ فلحق‌ بالري‌، وجاء إلی القرية‌ التي‌ يقال‌ لها ورزنين‌، فأقام‌ بها مدّة‌. وبهذه‌ القرية‌ ولد علي‌ّبن‌ محمّد صاحب‌ الزنج‌، وبها منشؤه‌. وكان‌ أبو أبيه‌ المسمّي‌ عبدالرحيم‌ رجلاً من‌ عبدالقيس‌، كان‌ مولده‌ بالطالقان‌، فقدم‌ العراق‌، واشتري‌ جارية‌ سنديّة‌، فأولدها محمّداً أباه‌.

 إلی أن‌ قال‌: وقد ذكر المسعوديّ في‌ كتابه‌ المسمّي‌ « مروج‌ الذهب‌ » أنّ أفعال‌ علي‌ّبن‌ محمّد صاحب‌ الزنج‌ تدلّ علی أ نّه‌ لم‌ يكن‌ طالبيّاً، وتصدّق‌ ما رُمـي‌ به‌ من‌ دعـوته‌ في‌ النسـب‌. لانّ ظاهـر حاله‌ كان‌ ذهابه‌ مذهب‌الازارقة‌ ( فرقة‌ من‌ فرق‌ الخـوارج‌ ) في‌ قتل‌ النسـاء، والاطفال‌، والشيخ‌ الفاني‌، والمريض‌. وقد روي‌ أ نّه‌ خطب‌ مرّة‌، فقال‌ في‌ أوّل‌ خطبته‌: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، وَاللَهُ أَكْبَرُ، اللَهُ أَكْبَرُ، لاَ حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ. وكان‌ يري‌ الذنوب‌ كلّها شركاً. ومن‌ الناس‌ من‌ يطعن‌ في‌ دينه‌ ويرميه‌ بالزندقة‌ والإلحاد، وهذا هو الظاهر من‌ أمره‌، لا نّه‌ كان‌ متشاغلاً في‌ بدايته‌ بالتنجيم‌ والسحر والاصْطُرْلاَب‌. [23]

 وذكر أبو جعفر محمّد بن‌ جرير الطبريّ أنّ عليّ بن‌ محمّد شخص‌ من‌ سامرّاء، وكان‌ يعلّم‌ الصبيان‌ بها، ويمدح‌ الكتاب‌، ويستميح‌ الناس‌ في‌ سنة‌ تسع‌ وأربعين‌ ومائتين‌ إلی البحرين‌، فادّعي‌ بها أ نّه‌ علي‌ّبن‌ محمّدبن‌ الفضل‌بن‌ الحسن‌بن‌ عبيدالله‌ بن‌ العبّاس‌ بن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌، ودعا الناس‌ بهَجَر إلی طاعته‌. [24]

 إلی أن‌ قـال‌: وذكـر عنه‌ أ نّه‌ عند مصيـره‌ إلی الباديّـة‌، أوهم‌ أهلهـا أ نّه‌ يحيي‌بن‌ عمربن‌ الحسين‌ بن‌ زيد بن‌ علی بن‌ الحسين‌ بن‌ علي‌ّبن‌ أبي‌طالب‌. [25]

 إلی أن‌ قال‌: ثمّ صار إلی بغداد، فأقام‌ بها سنة‌، وانتسب‌ في‌ هذه‌ السنة‌ إلی محمّدبن‌ أحمد بن‌ عيسي‌ بن‌ زيد. [26]

 إلی أن‌ قال‌: وانتسب‌ صاحب‌ الزنج‌ في‌ هذه‌ الايّام‌ إلی محمّدبن‌ محمّدبن‌ زيدبن‌ علی بن‌ الحسين‌، بعد انتسابه‌ الذي‌ كان‌ إلی أحمدبن‌ عيسـي‌بن‌ زيد. وذلـك‌ لا نّه‌ بعد إخرابـه‌ البصـرة‌، جـاء إليه‌ جماعـة‌ من‌ العلويّة‌ الذين‌ كانوا بالبصرة‌، وأتاه‌ فيمن‌ أتاه‌ منهم‌ قوم‌ من‌ ولد أحمدبن‌ عيسي‌بن‌ زيد. فلمّا خافهم‌ ترك‌ الانتساب‌ إلی أحمدبن‌ عيسي‌، وانتسب‌ إلی محمّدبن‌ زيد. [27] ثمّ انتقل‌ إلی يحيي‌ بن‌ زيد، وهو كاذب‌ لانّ الإجماع‌ واقع‌ علی أنّ يحيي‌بن‌ زيد مات‌ ولم‌ يعقب‌، ولم‌ يولد له‌ إلاّ بنت‌ واحدة‌ ماتت‌، وهي‌ ترضع‌. [28]

 إلی أن‌ قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: ذكر علی بن‌ الحسين‌ المسعوديّ في‌ « مروج‌ الذهب‌ » أنّ هذه‌ الوقعة‌ بالبصرة‌، هلك‌ فيها من‌ أهلها ثلاثمائة‌ ألف‌ إنسان‌. وأنّ علي‌ّبن‌ أبان‌ المهلّبي‌ّ بعد فراغه‌ من‌ الوقعة‌، نصب‌ منبراً في‌ الموضع‌ المعروف‌ ببني‌ يشكُر، صلّي‌ فيه‌ يوم‌ الجمعة‌، وخطب‌ لعلي‌ّبن‌ محمّد صاحب‌ الزنج‌، وترحّم‌ بعد ذلك‌ علی أبي‌ بكر، وعمر، ولم‌يذكر عثمان‌ ولاعليّاً عليه‌ السلام‌ في‌ خطبته‌. ولعن‌ أبا موسي‌ الاشعري‌ّ، وعمرو ابن‌العاص‌، ومعاوية‌ ابن‌ أبي‌ سفيان‌. قال‌ المسعودي‌ّ: وهذا يؤكّد ما ذكرناه‌ وحكيناه‌ من‌ رأيه‌، وإنّه‌ كان‌ يذهب‌ إلی قول‌ الازارقة‌. [29]

إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بغارة‌ التتر وجنكيزخان‌

 وأمّا جيش‌ الاتراك‌ المقصود به‌ جيش‌ جنكيزخان‌ التتري‌ّ، فقد قال‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » بعد كلامه‌ السابق‌: كَأَ نِّي‌ أَرَاهُمْ قَوْمَاً كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطَرَّقَةُ، يَلْبَسُونَ السَّرَقَ وَالدِّيبَاجَ، وَيَعْتَقِبُونَ الخَيْلَ العِتَاقَ. وَيَكُونُ هُنَاكَ اسْتِحْرَارُ قَتْلٍ حَتَّي‌ يَمْشِي‌َ المَجْرُوحُ علی المَقْتُولِ، وَيَكُونَ المُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ المَأْسُورِ.

 (فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَقَدْ أُعْطِيتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِلْمَ الغَيْبِ! فَضَحِكَ عَلَيهِ السَّلاَمُ وَقَالَ لِلرَّجُلِ (وَكَانَ كَلْبِيَّاً): يَا أَخَا كَلْبٍ! لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَإنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي‌ عِلْمٍ، وَإنَّمَا عِلْمُ الغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا عَدَّدَ اللَهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ اللَهَ عِندَهُ و عِلْمُ السَّاعَةِ» ] وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي‌ الاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِي‌ نَفسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي‌ نَفسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ [ ـالآيَةُ. [30] فَيَعْلَمُ سُبْحَانَهُ مَا فِي‌ الاْرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي‌، وَقَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ، وَسَخِي‌ٍّ أَوْ بَخِيلٍ، وَشَقِي‌ٍّ أَوْ سَعِيدٍ، وَمَنْ يَكُونُ فِي‌ النَّارِ حَطَباً أَوْ فِي‌ الجِنَانِ لِلنَّبيِّينَ مُرَافِقَاً. فَهَذَا عِلْمُ الغَيْبِ الَّذِي‌ لاَ يَعْلَمُهُ إلاَّ اللَهُ. وَمَا سِوَي‌ ذَلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللَهُ نَبِيَّهُ فَعَلَّمَنِيهِ وَدَعَا لِي‌ بِأَنْ يَعِيَهُ صَدْرِي‌ وَتَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحِي‌. [31]

 قال‌ المجلسيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ بعد هذا الكلام‌ الذي‌ نقله‌ في‌ باب‌ معجزات‌ كلامه‌ عليه‌ السلام‌ من‌ إخباره‌ بالغائبات‌: ضحكه‌ عليه‌ السلام‌ إمّا من‌ السرور بما آتاه‌ الله‌ من‌ العلم‌ أو للتعجّب‌ من‌ قول‌ القائل‌. ثمّ قال‌: وانطباقها علی قصص‌ جنكيزخان‌ وأولاده‌ لا يحتاج‌ إلی بيان‌[32].

 وتحدّث‌ ابن‌ أبي‌ الحديد حديثاً وافياً عن‌ فتنة‌ التتر وجنكيزخان‌ في‌ شرحه‌ لهذه‌ الخطبة‌. [33] وقال‌ في‌ تفرّد الله‌ تعالي‌ بعلم‌ هذه‌ الاشياء الخمسة‌ النازلة‌ في‌ الآية‌ المباركة‌:

 روي‌ أنّ إنساناً قال‌ لموسي‌ بن‌ جعفر عليه‌ السلام‌: إنّي‌ رأيت‌ الليلة‌ في‌ منامي‌ أنّي‌ سألتك‌: كم‌ بقي‌ من‌ عمري‌؟ فرفعتَ يدك‌ اليُمني‌، وفتحتَ أصابعها في‌ وجهي‌ مشيراً إليّ، فلم‌ أعلم‌ خمس‌ سنين‌، أم‌ خمسة‌ أشهر، أم‌ خمسة‌ أيّام‌! فقال‌: ولا واحدة‌ منهنّ، بل‌ ذاك‌ إشارة‌ إلی الغيوب‌ الخمسة‌ التي‌ استأثر الله‌ تعالي‌ بها في‌ قوله‌: إِنَّ اللَهَ عِندَهُ و عِلْمُ السَّاعِةِـ الآية‌.

 فإن‌ قلتَ: لِمَ ضحك‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لمّا قال‌ له‌ الرجل‌: لقد أُوتيتَ علم‌ الغيب‌. وهل‌ هذا إلاّ زهو في‌ النفس‌، وعُجب‌ بالحال‌؟

 قلتُ: قد رُوي‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ضحك‌ في‌ مناسب‌ هذه‌ الحال‌، لمّا استسقي‌ فسُقي‌ وأشرف‌ درور المطر. فقام‌ إليه‌ الناس‌ فسألوه‌ أن‌ يسأل‌ الله‌ تعالي‌ أن‌ يحبسه‌ عنهم‌. فدعا صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، وأشار بيده‌ إلی السحاب‌، فانجاب‌ حول‌ المدينة‌ كالإكليل‌، وهو يخطب‌ علی المنبر، فضحك‌ حتّي‌ بدت‌ نواجذه‌، وقال‌: أَشْهَدُ أَ نِّي‌ رَسُولُ اللَهِ.

 وسرّ هذا الامر أنّ النبي‌ّ أو الولي‌ّ إذا تحدث‌ عنده‌ نعمة‌ الله‌ سبحانه‌، أو عرف‌ الناس‌ وجاهته‌ عند الله‌، فلابدّ أن‌ يسرّ بذلك‌. وقد يحدث‌ الضحك‌ من‌ السرور، وليس‌ ذلك‌ بمذموم‌ إذا خلا من‌ التَّيه‌ والعُجْب‌، وكان‌ محض‌ السرور والابتهاج‌، وقد قال‌ تعالي‌ في‌ صفة‌ أوليائه‌: فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَب'هُمُ اللَهُ مِن‌ فَضْلِهِ. [34]

 فإن‌ قلتَ: فإنّ من‌ جملة‌ العلوم‌ الخمسة‌: وَمَا تَدْرِي‌ نَفسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وقد أعلم‌ الله‌ تعالي‌ نبيّه‌ بأُمـور يكسـبها في‌ غده‌ نحو قوله‌: سـتفتح‌ مكّة‌، وأعلم‌ نبيُّه‌ وصيَّهُ بما يكسبه‌ في‌ غده‌، نحو قوله‌ له‌: سَتُقَاتِلُ بَعْدِي‌َ النَّاكِثِينَ... ـالخبر.

 قلتُ: المراد بالآية‌ أ نّه‌ لا تدري‌ نفس‌ جميع‌ ما تكسبه‌ في‌ مستقبل‌ زمانها. وذلك‌ لا ينفي‌ جواز أن‌ يعلم‌ الإنسان‌ بعض‌ ما يكسبه‌ في‌ مستقبل‌ زمانه‌. [35]

 * * *

إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بالفتن‌ التي‌ تقع‌ في‌ آخر الزمان‌

 ومن‌ كلمات‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الجارية‌ مجري‌ الخطبة‌: الخطبة‌ المائة‌ من‌ « نهج‌ البلاغة‌ »:

 وَذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللَهُ فِيهِ الاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لِنِقاشِ الحِسَابِ وَجَزَاءِ الاعْمَالِ، خُضُوعاً قِيَامًا، قَدْ أَلْجَمَهُمُ العَرَقُ، وَرَجَفَتْ بِهِمْ الاَرْضُ. فَأَحْسَنُهُمْ حَالاً مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً وَلِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً.

 ويتعلّق‌ هذا المقدار من‌ كلامه‌ عليه‌ السلام‌ بيوم‌ القيامة‌.

 قال‌ المجلسيّ: وبعد هذا، كلامه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ فتنة‌ آخر الزمان‌ أو فتنة‌ صاحب‌ الزنج‌، إذ قال‌: [36] فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، لاَ تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ، وَلاَ تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ، تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً، يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا، وَيُجْهِدُهَا رَاكِبُهَا. أَهْلُهَا قَوْمٌ شَدِيدٌ كَلَبُهُمْ، قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ يُجَاهِدُهُمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ المُتَكِبِّرِينَ، فِي‌ الاَرْضِ مَجْهُولُونَ، وَفِي‌ السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ.

 فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْـرَةُ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ جَيْـشٍ مِنْ نِقَـمِ اللَهِ لاَ رَهَـجَ لَهُ وَلاَ حِسَّ، وَسَيُبْتَلَي‌ أَهْلُكِ بِالْمَوْتِ الاْحْمَرِ وَالجُوعِ الاَغْبَرِ. [37]

 قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: المراد من‌ الجيش‌ الذي‌ « لا رَهَجَ له‌ ولا حسّ » الجَدْب‌ والطاعون‌ يصيب‌ أهلها. و « الموت‌ الاحمر » الوباء و « الجوع‌ الاغبر » كناية‌ عن‌ الجوع‌ والمَحْل‌. وسمّي‌ الموت‌ الاحمر لشدّته‌، ومنه‌ الحديث‌: كُنَّا إذَا احْمَرَّ البَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَهِ. ووصف‌ الجوع‌ بأ نّه‌ أغبر، لانّ الجائع‌ يري‌ الآفاق‌ كأنّ عليها غبرة‌ وظلاماً.

 وفسّر قوم‌ هذا الكلام‌ بوقعة‌ صاحب‌ الزنج‌، وهو بعيد لانّ جيشه‌ كان‌ ذا حسّ ورهَج‌، ولا نّه‌ أنذر البصرة‌ بهذا الجيش‌ عند حدوث‌ تلك‌ الفتن‌، ألا تراه‌ قال‌: فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ ولم‌يكن‌ قبل‌ خروج‌ صاحب‌ الزنج‌ فتن‌ شديدة‌ علی الصفات‌ التي‌ ذكرها أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. [38]

 * * *

إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بانقراض‌ الامويّين‌ علی أيدي‌ أعدائهم‌

 ومن‌ إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بالغيب‌ خطبته‌ التي‌ يشكو فيها من‌ بني‌ أُميّة‌، ويَعِد بانقراضهم‌. وهذه‌ الخطبة‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ ». قال‌ عليه‌ السلام‌ بعد أن‌ بيّن‌ بعثة‌ رسول‌الله‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ شهيداً وبشيراً ونذيراً:

 فَالاْرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ، وَأَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ، وَأَيْدِي‌ القَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ، وَسُـيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مُسَـلَّطَةٌ، وَسُـيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ. أَلاَ وَإنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثَائِراً، وَلِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً، وَإنَّ الثَّائِرَ فِي‌ دِمَائِنَا كَالحَاكِمِ فِي‌ حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ اللَهُ الَّذِي‌ لاَ يُعْجِـزُهُ مَنْ طَلَبَ، وَلاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ. فَأُقْسِـمُ بِاللَهِ يَا بَنِـي‌ أُمَيَّـةَ عَمَّا قَلِيـلٍ لَتَعْـرِفُنَّهَـا فِي‌ أَيْـدِي‌ غَيْـرِكُـمْ وَفِي‌ دَارِ عَدُوِّكُمْ ـالخطبة‌. [39]

 قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرحه‌: قوله‌ عليه‌ السلام‌: سُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مُسَلَّطَةٌ، وَسُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ، كأ نّه‌ كان‌ يرمز إلی ما سيقع‌ من‌ قتل‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وأهله‌. وكأ نّه‌ عليه‌ السلام‌ يشاهد ذلك‌ عياناً، ويخطب‌ عليه‌ ويتكلّم‌ علی الخاطر الذي‌ سنح‌ له‌، والامر الذي‌ كان‌ أخبر به‌.

 ثمّ أقسم‌ عليه‌ السلام‌ وخاطب‌ بني‌ أُميّة‌ وصرّح‌ بذكرهم‌ أ نّهم‌ ليعرفنّ الدنيا عن‌ قليل‌ في‌ أيدي‌ غيرهم‌ وفي‌ دورهم‌، وأنّ الملك‌ سينزعه‌ منهم‌ أعداؤهم‌، ووقع‌ الامر بموجب‌ إخباره‌ عليه‌ السلام‌. فإنّ الامر بقي‌ في‌ أيدي‌ بني‌ أُميّة‌ قريباً من‌ تسعين‌ سنة‌؛ ثمّ عاد إلی البيت‌ الهاشميّ ( بني‌ العبّاس‌ )، وانتقم‌ الله‌ تعالي‌ منهم‌ علی أيدي‌ أشدّ الناس‌ عداوة‌ لهم‌.[40]

 * * *

إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بحكومة‌ الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌

 ومن‌ إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بالغيب‌ كلامه‌ حول‌ ظهور الحجّاج‌بن‌ يوسف‌ الثقفي‌ّ وانتقامه‌. فقد قال‌ عليه‌ السلام‌ ضمن‌ خطبة‌ له‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ »:

 وَلَوْدِدْتُ أَنَّ اللَهَ فَرَّقَ بَيْنِي‌ وَبَيْنَكُمْ وَأَلْحَقَنِي‌ بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِي‌ مِنْكُمْ. قَوْمٌ وَاللَهِ مَيَامِينُ الرَّأي‌، مَرَاجِيحُ الحِلْمِ، مَقَاوِيلُ بِالحَقِّ، مَتَارِيكُ لِلْبَغْي‌، مَضَوْا قُدُماً علی الطَّرِيقَةِ، وَأَوْجَفُوا علی المَحَجَّةِ، فَظَفَرُوا بِالعُقَبَي‌ الدَّائِمَةِ وَالكَرَامَةِ البَارِدَةِ.

 أَمَا وَاللَهِ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلاَمُ ثَقِيفٍ، الذَّيَّالُ المَيَّالُ، يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ وَيُذيِبُ شَحْمَتَكُمْ. إيهٍ أَبَا وَذَحَةَ. [41] ( كأنّ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ هنا يري‌ غلام‌ ثقيف‌ أمامه‌ ويخاطبه‌ ).

 قال‌ الشريف‌ الرضي‌ّ بعد هذه‌ الخطبة‌: الوذحة‌: الخنفساء ( حشرة‌ سوداء، لها أيدٍ وأقدام‌ طويلة‌ وكبيرة‌، بطيئة‌ السير جدّاً، وتجمع‌ النجاسة‌ فتصنع‌ منها شكلاً كرويّاً ). وهذا القول‌ يومي‌ به‌ إلی الحجّاج‌، وله‌ مع‌ الوذحة‌ حديث‌ ليس‌ هذا موضع‌ ذكره‌.

 قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرحه‌: إيهٍ: كلمة‌ يستزاد بها من‌ الفعل‌. تقديره‌: زد وهات‌ أيضاً ما عندك‌. وضدّها إيهاً، أي‌: كُفّ وأمسك‌. ثمّ قال‌: قال‌ السيّد الرضي‌ّ رحمه‌ الله‌: الوَذَحة‌ الخنفساء. ولم‌أسمع‌ هذا من‌ شيخ‌ من‌ أهل‌ الآداب‌. وما وجدته‌ في‌ كتاب‌ من‌ كتب‌ اللغة‌. ولا أدري‌ من‌ أين‌ نقل‌ الرضي‌ّ رحمه‌ الله‌ ذلك‌!

 ثمّ إنّ المفسّرين‌ بعد ] السيّد [ الرضي‌ّ رحمه‌ الله‌ قالوا في‌ قصّة‌ هذه‌ الخنفساء وجوهاً، منها: إنّ الحجّاج‌ رأي‌ خنفساء تدبّ إلی مصلاّه‌، فطردها، فعادت‌، ثمّ طردها فعادت‌. فأخذها بيده‌، وحذف‌ بها، فقرصته‌ قرصاً ورمَتْ يده‌ منه‌ ورماً كان‌ فيه‌ حتفه‌. قالوا: وذلك‌ لانّ الله‌ تعالي‌ قتله‌ بأهون‌ مخلوقاته‌، كما قتل‌ نمرود بن‌ كنعان‌ بالبقّة‌ التي‌ دخلت‌ في‌ أنفه‌، فكان‌ هلاكه‌.

 ومنها: إنّ الحجّاج‌ كان‌ إذا رأي‌ خُنفساء تدبّ قريبة‌ منه‌، يأمر غلمانه‌ بإبعادها. ويقول‌: هَذِهِ وَذَحَةٌ مِنْ وَذَحِ الشَّيْطَانِ. تشبيهاً لها بالبعرة‌. وكان‌ مغريً بهذا القول‌. والوَذَح‌: ما يتعلّق‌ بأذناب‌ الشاة‌ من‌ أبعارها فيجفّ.

 ومنها: إنّ الحجّاج‌ قال‌ وقد رأي‌ خنفساوات‌ مجتمعات‌: واعجبا لمن‌ يقول‌: إنّ الله‌ خلق‌ هذه‌! قيل‌: فمن‌ خلقها؟ قال‌: الشيطان‌. إنّ ربّكم‌ لاعظم‌ شـأناً أن‌ يخلق‌ هـذه‌ الوَذَح‌. فنُقل‌ قوله‌ هـذا إلی الفقهـاء، في‌ عصره‌، فأكفروه‌.

 ومنها: إنّه‌ كان‌ مِثْفاراً ( فيه‌ داء الاُبْنَة‌ ). وكان‌ يمسك‌ الخنفساء حيّةً ليشفي‌ بحركتها في‌ الموضع‌ حكاكه‌. قالوا: ولا يكون‌ صاحب‌ هذا الداء إلاّ شائناً مبغضاً لاهل‌ البيت‌. قالوا: ولسنا نقول‌: كلّ مبغض‌ فيه‌ هذا الداء، وإنّما قلنا: كلّ من‌ فيه‌ هذا الداء فهو مبغض‌.

 قالوا: وقد روي‌ أبو عمر الزاهد ـولم‌ يكن‌ من‌ الشيعة‌ـ في‌ أماليه‌ وأحاديثه‌ عن‌ السيّاري‌ّ، عن‌ أبي‌ خُزَيمة‌ الكاتب‌، قال‌ مَا فَتَّشْنَا أَحَدَاً فِيهِ هَذَا الدَّاءُ إلاَّ وَجَدْنَاهُ نَاصِبِيَّاً. قال‌ أبو عمر: وأخبرني‌ العطافي‌ من‌ رجاله‌، قالوا: سئل‌ جعفربن‌ محمّد عليه‌ السلام‌ عن‌ هذا الصنف‌ من‌ الناس‌، فقال‌: رَحِمٌ مَنْكُوسَةٌ يُؤْتَي‌ وَلاَ يَأْتِي‌، وَمَا كَانَتْ هَذِهِ الخَصْلَةُ فِي‌ وَلِي‌ِّ اللَهِ تَعَالي‌ قَطُّ وَلاَ تَكُونُ أَبَدَاً وَإنَّمَا تَكُونُ فِي‌ الكُفَّارِ وَالفُسَّاقِ وَالنَّاصِبِينَ لِلطَّاهِرِينَ. وكان‌ أبو جهل‌ عمرو بن‌ هشام‌ المخزوميّ من‌ القوم‌. وكان‌ أشدّ الناس‌ عداوة‌ لرسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌. قالوا: ولذلك‌ قال‌ له‌ عُتبة‌بن‌ ربيعة‌ يوم‌ بدر: يا مُصَفِّرَ إسْتِهِ.

 فهذا مجموع‌ ما ذكره‌ المفسّرون‌، وما سمعته‌ من‌ أفواه‌ الناس‌ في‌ هذا الموضع‌. ويغلب‌ علی ظنّي‌ أ نّه‌ ] عليه‌ السلام‌ [ أراد معني‌ آخر. وذلك‌ أنّ عادة‌ العرب‌ أن‌ تكنّي‌ الإنسان‌ إذا أرادت‌ تعظيمه‌ بما هو مظنّة‌ التعظيم‌، كقولهم‌: أبو الهَول‌، وأبو المِقدام‌، وأبو المِغوار. فإذا أرادت‌ تحقيره‌ والغضّ منه‌، كنّته‌ بما يستحقَر ويستهان‌ به‌، كقولهم‌ في‌ كنية‌ يزيدبن‌ معاوية‌: أبوزنَّة‌، يعنون‌ القرد. وكقولهم‌ في‌ كنية‌ سعيدبن‌ حفص‌ البخاريّ المحدّث‌: أبو الفار. وكقولهم‌ للطُّفيلي‌ّ: أبو لُقمة‌. وكقولهم‌ لعبدالملك‌: أبو الذبّان‌ لبَخرَه‌. وكقول‌ ابن‌ يسّام‌ لبعض‌ الرؤساء: أبو جَعْر ( الخنفساء )، و أبو النَتْن‌، و أبو الدَفْر، و أبو البعر.

 فلمّا كان‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يعلم‌ من‌ حال‌ الحجّاج‌ نجاسته‌ بالمعاصي‌ والذنوب‌ التي‌ لو شوهدت‌ بالبصر، لكانت‌ بمنزلة‌ البعر الملتصق‌ بشعر الشاء، كنّاه‌: أبو وَذَحَة‌. ويمكن‌ أيضاً أن‌ يكنّيه‌ بذلك‌ لدمامته‌ في‌ نفسه‌، وحقارة‌ منظره‌، وتشويه‌ خلقته‌. فإنّه‌ كان‌ قصيراً، دميماً، نحيفاً، أخفش‌ العينين‌ معوجّ الساقين‌، قصير الساعدين‌، مجدور الوجه‌، أصلع‌ الرأس‌، فكنّاه‌ الإمام‌ بأحقر الاشياء، وهو البعرة‌.

 وقد روي‌ قـوم‌ هذه‌ اللفظة‌ بصـيغة‌ أُخـري‌، فقالوا: إيهٍ أَبَا وَدَجَة‌. قالوا: واحدة‌ الاوداج‌، كنّاه‌ بذلك‌ لا نّه‌ كان‌ قتّالاً يقطع‌ الاوداج‌ بالسيف‌. ورواه‌ قوم‌: أَبَا وَحـرَةَ. وهي‌ دويبّة‌ تشـبه‌ الحِرباء[42] قصيـرة‌ الظهر، شـبّهه‌ بها.

 وهذا وما قبله‌ ضعيف‌، وما ذكرناه‌ نحن‌ أقرب‌ إلی الصواب‌. [43]

 وقال‌ ابن‌ شـهرآشـوب‌: قال‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السـلام‌ لاهل‌ البصرة‌: إنْ كُنْتُ قَدْ أَدَّيْتُ لَكُمُ الاَمَانَةَ وَنَصَحْتُ لَكُمْ بِالعَيْبِ، وَاتَّهْتُمُونِي‌ فَكَذَّبْتُمُونِي‌ فَسَلَّطَ اللَهُ عَلَيْكُمْ فَتَي‌ ثَقِيفٍ. قَالَ عَلَيهِ السَّلاَمُ: رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لِلَّهِ حُرْمَةً إلاَّ انْتَهَكَهَا، يَعْنِي‌ الحَجَّاجَ. [44]

 وروي‌ المجلسيّ عن‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ » لابن‌ أبي‌ الحديد، عن‌ عثمان‌ ابن‌ سعيد، عن‌ يحيي‌ التَّيْمي‌ّ، عن‌ الاعمش‌ قال‌: حدّثني‌ إسماعيل‌بن‌ رجاء، قال‌: قام‌ أعشي‌ باهلة‌ ـوهو غلام‌ يومئذٍ حَدَث‌ـ إلی أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، وهو يخطب‌، ويذكر الملاحم‌، فقال‌: يا أميرالمؤمنين‌! ما أشبه‌ هذا الحديث‌ بحديث‌ خرافة‌! فقال‌ عليه‌ السلام‌: إنْ كُنْتَ آثِماً فِيما قُلْتَ يَا غُلاَمُ فَرَمَاكَ اللَهُ بِغُلاَمِ ثَقِيفٍ. ثُمَّ سَكَتَ.

 فقال‌ رجل‌، فقال‌: ومن‌ غلام‌ ثقيف‌ يا أمير المؤمنين‌؟ قال‌: غُلاَمٌ يَمْلِكُ بَلْدَتَكُـمْ هَذِهِ، لاَ يَتْـرُكُ لِلَّهِ حُـرْمَةً إلاَّ انْتَهَكَهَا، يَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الغُلاَمِ بِسَيْفِهِ.

 قالوا: كم‌ يملك‌ يا أمير المؤمنين‌؟ قال‌: عِشْرِينَ إنْ بَلَغَهَا. قالوا: فَيُقتل‌ قتلاً أم‌ يموت‌ موتاً؟ قال‌: بل‌ يموت‌ حتف‌ أنفه‌ بِداء البطن‌، يثقب‌ سريره‌ لكثرة‌ ما يخرج‌ من‌ جوفه‌.

 قال‌ إسماعيل‌ بن‌ رجاء: فو الله‌ لقد رأيتُ بعيني‌ أعشي‌ باهلة‌، وقد أُحضر في‌ جملة‌ الاسري‌ الذين‌ أُسِروا من‌ جيش‌ عبدالرحمن‌بن‌ محمّدبن‌ الاشعث‌ بين‌ يدي‌ الحجّاج‌. فقرّعه‌ ووبّخه‌، واستنشده‌ شِعره‌ الذي‌ يحرّض‌ فيه‌ عبدالرحمن‌ علی الحرب‌. ثمّ ضرب‌ عنقه‌ في‌ ذلك‌ المجلس‌.[45]

 وأشار سيّد الشهداء الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ إلی هذا الغلام‌ الثقفيّ في‌ ختام‌ خطبته‌ المعروفة‌ والعجيبة‌ التي‌ خطبها يوم‌ عاشوراء إذ دعا علی أُولئك‌ القوم‌ بأن‌ يسلّط‌ الله‌ عليهم‌ غلام‌ ثقيف‌. قال‌ عليه‌ السلام‌: اللَهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّماءِ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي‌ يُوسُفَ، وَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلاَمَ ثَقِيفٍ فَيَسُومَهُمْ، كَأسَاً مُصَبَّرَةً، فَإنَّهُمْ كَذَّبُونَا وَخَذَلُونا، وَأَنْتَ رَبُّنَا عَلَيْكَ تَوكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ المَصِيرُ.[46]

 تولّي‌ الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌ أمر الكوفة‌ من‌ قبل‌ عبدالملك‌بن‌ مروان‌. وقتل‌ الناس‌ بسيفه‌ البتّار، وأحرق‌ الاخضر واليابس‌. وبلغ‌ عدد المقتولين‌ في‌ عهده‌ الذي‌ دام‌ عشرين‌ سنة‌ مائة‌ وعشرين‌ ألفاً. وكان‌ عدد السجناء يوم‌ هلاكه‌ خمسين‌ ألفاً من‌ الرجال‌، وثلاثين‌ ألفاً من‌ النساء. [47]

 * * *

 ومن‌ جملة‌ إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بالغيب‌ ما ذكره‌ ابن‌ شهرآشوب‌، ونقله‌ المجلسيّ عنه‌ أيضاً.

 قال‌ حُذَيْفَة‌ بن‌ اليمان‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ زمن‌ عثمان‌: إنّي‌ والله‌ ما فهمتُ قولك‌، ولا عرفت‌ تأويله‌ حتّي‌ بلغت‌ ليلتي‌ أتذكّر ما قلت‌ لي‌ بالحرّة‌ ( فرسخ‌ عن‌ المدينة‌ ) وإنّي‌ مُقيل‌: كَيْفَ أَنْتَ يَا حُذَيْفَةُ إذَا ظَلَمَتِ العُيُونُ العَيْنَ؟ والنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بين‌ أظهرنا. ولم‌أعرف‌ تأويل‌ كلامك‌ إلاّ البارحة‌، رأيتُ عتيقاً ( أبا بكر )، ثمّ عمر، تقدّما عليك‌، وأوّل‌ اسمهما عين‌.

 فقال‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: يَا حُذَيْفَةُ! نَسِيتَ عَبْدَالرَّحْمَنِ حَيْثُ مَالَ بِهَا إلی عُثْمَانَ. وأوّل‌ اسمه‌ عين‌.

 وفي‌ رواية‌ أ نّه‌ عليه‌ السلام‌ قال‌ له‌: وَسَيُضَمُّ إِلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ العَاصِ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ آكِلَةِ الاَكْبَادِ. فَهَؤْلاَءِ العُيُونُ المُجْتَمِعَةُ علی ظُلْمِي‌. [48]

 وكنتُ قد رأيتُ قديماً في‌ كتاب‌ « قصص‌ العلماء » للتنكابنيّ أنّ المؤلّف‌ نقل‌ عن‌ المرحوم‌ الميرزا محمود نظام‌ العلماء التبريزيّ حديثاً نصّه‌: لَعَنَ اللَهُ العُيُونَ فَإنَّهَا ظَلَمَتِ العَيْنَ الوَاحِدَةَ.

 وهذا الحديث‌ كان‌ من‌ جملة‌ الاسئلة‌ التي‌ وجّهها المرحوم‌ نظام‌ العلماء إلی السيّد علی محمّد الباب‌ رئيس‌ الفرقة‌ البابيّة‌ في‌ المجلس‌ الذي‌ عقد بتبريز مع‌ بقيّة‌ العلماء والمشايخ‌ لمحاكمة‌ الشخص‌ المذكور. فسكت‌ ولم‌يجد جواباً، كما عجز عن‌ جواب‌ سائر الاسئلة‌ التي‌ طرحها عليه‌. [49]

 وأنا أيضاً كلّما فكّـرتُ في‌ هذا الحديث‌، لم‌ يخطر ببالي‌ شي‌ء، إلی أن‌ وجدتُه‌ في‌ « المناقب‌ » فعـرفتُ كم‌ هو سـهل‌ ويسـير. أمّا السـبب‌ في‌ عدم‌فهمي‌ إيّاه‌ فهو أنّ هذا الحديث‌ من‌ الرموز، وما لم‌يعرف‌ الإنسان‌ مفتاح‌ الرمز، فلا يمكنه‌ حلّ الرمز. وأمّا السبب‌ الذي‌ دعا المرحوم‌ نظام‌ العلماء أن‌ يختار للباب‌ هذا السؤال‌، فهو أنّ الباب‌ كان‌ يزعم‌ أ نّه‌ باب‌ مدينة‌ العلم‌، ولذلك‌ ينبغي‌ أن‌ يعرف‌ جميع‌ أسرار الملكوت‌ ورموزه‌ وإشاراته‌. فاختار له‌ هذا الحديث‌ الذي‌ لا يحلّ رمزه‌ بمسألة‌ من‌ المسائل‌ العلميّة‌ والادبيّة‌ والاجتماعيّة‌ ما لم‌ يسبق‌ الذهن‌ إلی الرمز المذكور، حتّي‌ إذا أجاب‌ مدّعي‌ باب‌ العلم‌، يستبين‌ أ نّه‌ مطّلع‌ علی بواطن‌ الاُمور، وإلاّ فلا. بَيدَ أ نّه‌ لمّا قال‌: لا أعلم‌، فقد اتّضح‌ أ نّه‌ كاذب‌.

 

ارجاعات


[1] ـ إنّ ما ذكره‌ ابن‌ أبي‌ الحديد من‌ وعد طلحة‌ والزبير وعائشة‌ بالجنّة‌ ينطلق‌ من‌ مذهبه‌ وهو مذهب‌ العامّة‌. ولكنّ أصحابنا الإماميّة‌ لا يقرّون‌ بهذه‌ الاخبار، وأثبتوا بطلانها في‌ كتبهم‌ الكلاميّة‌ مفصّلاً. وتستبين‌ هذه‌ الحقيقة‌ أيضاً ممّا ذكرناه‌ في‌ أجزاء كتابنا هذا «معرفة‌ الإمام‌» من‌ دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌، لا نّنا لو فرضنا صحّة‌ الخبر القائل‌ بوعدهم‌ الجنّة‌، فإنّه‌ يدلّ علی حالهم‌ أو عملهم‌ الذي‌ يستوجبون‌ به‌ الجنّة‌، أي‌ في‌ خصوص‌ ذلك‌ الظرف‌، ولايدّل‌ أبداً علی أنّ ذلك‌ العمل‌ الجزئيّ يوجب‌ الخلود في‌ الجنّة‌، وإن‌ صدرت‌ بعده‌ أعمال‌ سيّئة‌ يستحقّ صاحبها النار. وبغضّ النظر عن‌ الروايات‌ التي‌ لاتحصي‌، وقد وضعها الوضّاعون‌ لتزكية‌ كثير من‌ الصحابة‌ الذين‌ يعنيهم‌ أمر الخلافة‌ والشهادة‌ لهم‌ بأ نّهم‌ من‌ أصحاب‌ الجنّة‌، كما دلّ ذلك‌ علی التأريخ‌ الصحيح‌، فإنّ رواية‌ ما لو وردت‌ في‌ مدحهم‌ أحياناً، فهو مدح‌ الجملة‌، وفي‌ زمن‌ خاصّ وظروف‌ خاصّة‌. ومن‌ الواضح‌ أنّ المدح‌ لامعني‌ له‌ إذا زالت‌ موجباته‌. مثلاً لو جاء غريب‌ إلی منزلك‌ يوماً، وتغدّي‌ عندك‌، وقام‌ بخدمة‌ لك‌ في‌ البيت‌ إذ كنسه‌، وسقي‌ الاوراد، وشذّب‌ الاشجار، فاستحسنتَ عمله‌ وباركته‌، فلايدلّ هذا علی أنّ جميع‌ أعماله‌ حسنة‌. وربّما قام‌ هذا الضيف‌ الغريب‌ ليلاً، وواقع‌ زوجتك‌. وذبح‌ ابنك‌، وسرق‌ ذهبك‌ وجواهرك‌ وولّي‌. فلو قبضتَ عليه‌، فإنّه‌ لابدّ أن‌ يرجم‌ لزناه‌ بزوجتك‌ قسراً، ولابدّ أن‌ يقتل‌ لقتله‌ ولدك‌، ولابدّ أن‌ تقطع‌ يده‌ لسرقته‌ مالك‌، وحينئذٍ ليس‌ له‌ أن‌ يقول‌ لك‌: أنت‌ مدحتني‌ ورحبّت‌ بعملي‌ وباركته‌. ومضافاً إلی أ نّه‌ ليس‌ من‌ حقّك‌ أن‌ تقتصّ منّي‌ وتعاقبني‌، فعليك‌ أن‌ تبيّتني‌ في‌ منزلك‌ الليلة‌ كما بتُّ فيه‌ البارحة‌ جزاء لما قمتُ به‌ ï ïمن‌عمل‌ حسن‌ لك‌.

 إنّ طلحة‌ والزبير آمنا برسول‌ الله‌ وجاهدا، ولكن‌ لو خالفا ونكثا البيعة‌، وقاما حبّاً للجاه‌ والمنصب‌ والتأمّر مع‌ معرفتهما التامّة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، فهل‌ يتركا، ولايعاقبا وإن‌ جمعا اثني‌ عشر ألف‌ مسلم‌ وأتيا بهم‌ إلی البصرة‌ للقتل‌؟ هل‌ يبقي‌ عملهما بلاعقوبة‌؟ إنّ جزاء قتل‌ المسلم‌ هو القصاص‌ والخلود في‌ جهنّم‌. أليس‌ جزاء تعريض‌ أكثر الناس‌ للقتل‌ الخلود في‌ جهنّم‌؟ فكيف‌ إذا كان‌ ذلك‌ بغياً وإشهاراً للسيف‌ بوجه‌ إمام‌ زمانهم‌ وحجّة‌ دهرهم‌؟ وذلك‌ هو في‌ حكم‌ محاربة‌ رسول‌ الله‌، بل‌ محاربة‌ الله‌ ذاته‌! وهنا يكمن‌ دليل‌ الشيعة‌ ومنطقهم‌ ذَ ' لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ. (الآية‌ 182، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌؛ والآية‌ 51، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌). وأمّا عائشة‌ بما حملته‌ من‌ حقد وضغن‌ علی أميرالمؤمنين‌، والزهراء عليهما السلام‌ خاصّة‌، فإنّها لو تحرّكت‌ من‌ الحرم‌ النبوي‌ّ قائدة‌ للجيش‌، وركبت‌ ناقتها متوجّهة‌ من‌ المدينة‌ ومكّة‌ إلی البصرة‌، وعرّضت‌ اثني‌ عشر ألفاً من‌ الناس‌ للقتل‌، فهل‌ تستحقّ الجنّة‌ ومجاورة‌ رسول‌ الله‌ والنوم‌ معه‌؟ وتلك‌ هي‌ عائشة‌ التي‌ لم‌تتب‌ من‌ عملها، وكانت‌ تتحسّر حتّي‌ آخر عمرها علی وصول‌ الخلافة‌ إلی أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، وفرحت‌ عندما سمعت‌ باستشهاده‌. وتلك‌ هي‌ عائشة‌ التي‌ فعلت‌ مع‌ بضعة‌ الرسول‌ ما فعلت‌، وسُرّت‌ بموتها، ولم‌ تحضر عزاءها متمارضة‌ كما نطق‌ بذلك‌ التأريخ‌ الصحيح‌. وتلك‌ هي‌ عائشة‌ التي‌ شوّشت‌ تأريخ‌ الإسلام‌ وقلبته‌، فهل‌ تدخل‌ الجنّة‌ يوم‌ القيامة‌؟ وتتّكي‌ مع‌ رسول‌ الله‌ علی سرير واحد؟ وتظهر هناك‌ عداوتها للزهراء أيضاً، وتقول‌: أنا حبيبة‌ رسول‌ الله‌، لا آذن‌ للحسن‌ أن‌ يدخل‌ بيت‌ رسول‌ الله‌ كما لا آذن‌ بدفنه‌ عند جدّه‌ في‌ الدنيا؟! وهنا ينبغي‌ لقرّائنا الكرام‌ من‌ أهل‌ السنّة‌ أن‌ يعيدوا النظر في‌ عقائدهم‌ عاجلاً، ولايشيّدوا الدين‌ القائم‌ علی العقل‌ والمنطق‌ علی عواطفهم‌ وأوهامهم‌. وفي‌ ضوء عقيدة‌ العامّة‌ ورواياتهم‌، نزلت‌ آيات‌ الإفك‌ (تهمة‌ الزنا) في‌ عائشة‌ فحسب‌. أمّا عند الشيعة‌، فقد نزلت‌ في‌ مارية‌ القبطيّة‌. وفي‌ كلتا الطائفتين‌ من‌ الروايات‌ إشكال‌ ذكره‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌الله‌ سرّه‌ في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 15، ص‌ 104 إلی 116 عند تفسير آيات‌ الإفك‌. وهب‌ أنّ آية‌ الإفك‌ نزلت‌ في‌ عائشة‌. فلا تدلّ علی شرف‌ وميزة‌ لها، بل‌ تدلّ علی أ نّه‌ لايجوز للمسلمين‌ أن‌ يقذفوا أحداً بالزنا. ومن‌ الثابت‌ أنّ الشيعة‌ ينزّهون‌ ساحة‌ أزواج‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ عن‌ مثل‌ هذه‌ الفواحش‌، سواء كانت‌ عائشة‌ أم‌ غيرها. بل‌ يطهّرون‌ ساحة‌ أزواج‌ ï ïالانبياء جميعهم‌ من‌ لوث‌ الزنا، وإلاّ لَتخلخل‌ تبليغ‌ الرسالة‌، وبطلت‌ دعوة‌ الرسول‌ لِتنفّر الناس‌ واسـتيائهم‌ منه‌. وبعبارة‌ أُخـري‌، أنّ آيات‌ الإفـك‌ تنفي‌ إثباتاً وثبوتاً قذف‌ حريـم‌ رسول‌الله‌ بالزنا، سواء كانت‌ عائشة‌ أم‌ مارية‌. ولاغمز في‌ هذا الموضوع‌، كما أ نّه‌ ليس‌ دليلاً علی منقبة‌ وفضيلة‌. وأنّ آلاف‌ النساء المسلمات‌ لايزنين‌، وعائشة‌ واحدة‌ منهنّ. بَيدَ أنّ في‌ القرآن‌ الكريم‌ سورة‌، وهي‌ سورة‌ التحريم‌ نزلت‌ في‌ ذمّ عائشة‌ وحفصة‌ وانتقادهما، قال‌ تعالي‌: إِن‌ تَتُوبَآ إلی اللَهِ فَقَد صَغَتْ قَلُوبُكُمَا وَإِن‌ تَظَـ'هَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَهَ هُوَ مَوْلَب'هُ وَجَبْرِيلُ وَصَـ'لِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَـ'نِءِكَةُ بَعْدَ ذَ ' لِكَ ظَهِيرٌ * عَسَي‌' رَبَّهُ و طَلَّقَكُنَّ أَن‌ يُبْدِلَهُ و´ أَزْوَ ' جًا خَيْرًا مِّنْكُنَّ مُسْلِمَـ'تٍ مُّوْمِنـ'تٍ قَـ'نِتَـ'تٍ تَـ'´نءِبَـ'تٍ عَـ'بِدَ ' تٍ سَـ'ئِحَـ'تٍ ثَيِّبَـ'تٍ وَأَبْكَارًا. إلی أن‌ بلغ‌ قوله‌ في‌ الآية‌ التي‌ يشبّه‌ فيها عائشة‌ وحفصة‌ بامرأتي‌ النبيّين‌ نوح‌ ولوط‌ اللتين‌ خانتا زوجيهما فقيل‌ لهما ادخلا جهنّم‌: ضَرَب‌ اللَهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَـ'لِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّ ' خِلِينَ.

 وورد في‌ تفاسير العامّة‌ والخاصّة‌ أنّ هذه‌ الآيات‌ نزلت‌ في‌ عائشة‌ وحفصة‌. وقال‌ الزمخشريّ في‌ تفسير «الكشّاف‌» ج‌ 2، ص‌ 471، الطبعة‌ الاُولي‌، طبعة‌ المطبعة‌ الشرفيّة‌، في‌ ذيل‌ الآية‌: إِن‌ تَتُوبَآ إلی اللَهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا: خطاب‌ لحفصة‌ وعائشة‌ علی طريقة‌ الالتفات‌، ليكون‌ أبلغ‌ في‌ معاتبتهما. وعن‌ ابن‌ عبّاس‌: لم‌ أزل‌ حريصاً علی أن‌ أسأل‌ عمر عنهما حتّي‌ حجّ وحججتُ معه‌. فلمّا كان‌ ببعض‌ الطريق‌، عدل‌ وعدلت‌ معه‌ بالإداوة‌. فسكبتُ الماء علی يده‌، فتوضّأ. فقلتُ: من‌ هما؟ فقال‌: عجباً يا ابن‌ عبّاس‌ ـكأ نّه‌ كره‌ ما سألتُه‌ عنه‌ـ ثمّ قال‌: هما حفصة‌، وعائشة‌ـ انتهي‌.

[2] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 2، ص‌ 174 إلی 179، طبعة‌ بيروت‌، دار المعرفة‌؛ وطبعة‌ مصر، دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌: ج‌ 7، ص‌ 44 إلی 60.

[3] ـ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 592 إلی 594، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[4] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» للخوئي‌ّ، ج‌ 7، ص‌ 69 إلی 96 الطبعة‌ الحديثة‌ واستظهاره‌ في‌ ص‌ 91. ووردت‌ كلمة‌ أهل‌ صفّين‌ في‌ ص‌ 93.

[5] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» للخوئي‌ّ، ج‌ 7، ص‌ 69 إلی 96 الطبعة‌ الحديثة‌ واستظهاره‌ في‌ ص‌ 91. ووردت‌ كلمة‌ أهل‌ صفّين‌ في‌ ص‌ 93.

[6] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» للخوئي‌ّ، ج‌ 7، ص‌ 92.

[7] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 59، ص‌ 107 و 108، طبعة‌ مصر مع‌ تعليقة‌ محمّد عبده‌.

[8] ـ ذكرنا ترجمة‌ عكرمة‌ مولي‌ عبد الله‌ بن‌ عبّاس‌ في‌ الجزء الثالث‌ من‌ كتابنا هذا عند شرح‌ آية‌ التطهير، في‌ الدرس‌ 40 إلی 45. وعلمنا أ نّه‌ كان‌ يري‌ رأي‌ الخوارج‌. وذهب‌ صاحب‌ «تنقيح‌ المقال‌» إلی هذا الرأي‌ أيضاً في‌ كتابه‌ المذكور: ج‌ 2، ص‌ 256. وأمّا مالك‌بن‌ أنس‌ الاصبحي‌ صاحب‌ كتاب‌ «المُوَطّأ» وأحد أئمّة‌ العامّة‌ الاربعة‌، فلم‌ يلاحظ‌ في‌ كتاب‌ ما أ نّه‌ خارجي‌ّ. وله‌ ترجمة‌ في‌ «روضات‌ الجنّات‌» ص‌ 583، الطبعة‌ الحجريّة‌، عدّه‌ مؤلّف‌ الكتاب‌ فيها أوّل‌ من‌ ابتدع‌ العمل‌ بالرأي‌ والقياس‌. ولد سنة‌ 95 ه ومات‌ سنة‌ 179 ه وله‌ من‌ العمر 84 سنة‌. وكان‌ يعيش‌ في‌ عصر الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌. وأخذ منه‌ الرواية‌ والعلم‌. وكما ï ïذكرالعلاّمة‌ المجلسيّ في‌ «بحار الانوار» عن‌ أبي‌ نعيم‌، فإنّ مالك‌ بن‌ أنس‌، وشعبة‌بن‌ الحجّاج‌، وسفيان‌ الثوريّ من‌ الائمّة‌ الذين‌ أخذوا العلم‌ من‌ الإمام‌. وقال‌ غير أبي‌ نعيم‌: إنّ مالكاً، والشافعي‌ّ، والحسن‌ بن‌ صالح‌، وأبا أيّوب‌ السجستانيّ، وعمربن‌ دينار، وأحمدبن‌ حنبل‌ أخـذوا العلـم‌ منه‌ عليه‌ السـلام‌. وقال‌ مالك‌ بن‌ أنـس‌: مَا رَأَتْ عَيْنٌ وَلاَ سَمِعَتْ أُذُنٌ وَلاَخَطَرَ علی قَلْبِ بَشَرٍ أَفْضَلَ مِنْ جَعْفَرٍ الصَّادِق‌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَضْلاً وَعِلْمَاً وَعِبَادَةً وَوَرَعَاً، إلی آخر ما ذكره‌ في‌ أفضليّة‌ الإمام‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌.

[9] ـ جاء في‌ الشرح‌ المطبوع‌ بمصر في‌ عشرين‌ جزءاً والمحقَّق‌ من‌ قبل‌ محمّد أبوالفضل‌ إبراهيم‌: الاعفر بالعين‌ المهملة‌. والاعفر نوع‌ من‌ الظباء وهو من‌ أبطأها عدواً. ولكن‌ في‌ الشرح‌ المطبوع‌ ببيروت‌ في‌ أربعة‌ أجزاء: الاغفر بالغين‌ المعجمة‌. ولمّا كان‌ الغَفْر والغُفر هو وعل‌ الجبل‌ الذي‌ له‌ قرنان‌ منحنيان‌، ويقال‌ للعِجل‌: غفر أيضاً، فإنّ معناه‌ هو أ نّهم‌ حاربوا من‌ أجل‌ الثريد الذي‌ فيه‌ لحم‌ الوعل‌ أو العجل‌.

[10] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 1، ص‌ 446 و 447، طبعة‌ بيروت‌، دار المعرفة‌؛ وطبعة‌ مصر، دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌: ج‌ 5، ص‌ 76 و 77.

[11] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 5، ص‌ 78 و 79، طبعة‌ مصر، دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌.

[12] ـ قال‌ محمّد عبده‌ في‌ التعليقة‌: جاء في‌ نسخة‌: قبل‌ قتل‌ عثمان‌.

[13] ـ الخطبة‌ 71. ومن‌ «نهج‌ البلاغة‌» طبعة‌ مصر بتعليقة‌ عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 123 و 124. وفي‌ عبارة‌ عبده‌: لَغَدَرَ بِسَبْتِهِ. وفسّرها بالإست‌. ولكنّ ابن‌ أبي‌ الحديد ذكرها في‌ شرحه‌ الذي‌ حقّقه‌ محمّد أبو الفضل‌ إبراهيم‌ كالآتي‌: بِسُبَّتِهِ. ومن‌ الواضح‌ أنّ معناها الإست‌. فالمعني‌ واحد في‌ كلتا الصورتين‌. ولمّا كان‌ الإنسان‌ يصرّ كثيراً علی إخفاء إسته‌ (حلقة‌ دبره‌)، فإنّ الإمام‌ استعمل‌ هذه‌ الكلمة‌ كناية‌ عن‌ غدر مروان‌ ومكره‌ الخفيّ تحقيراً له‌، إذ حتّي‌ لو بايع‌ بيده‌ علناً، فإنّ كفّه‌ يهوديّة‌. وهو يخفي‌ غدره‌ ومكره‌.

[14] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 6، ص‌ 146 إلی 148، طبعة‌ مصر، دار الإحياء.

[15] ـ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 594، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[16] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبـة‌ 99، ج‌ 1، ص‌ 194 و 195، تعليق‌ محمّد عبـده‌، طبعة‌ مصر.

[17] ـ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 595، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[18] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 7، ص‌ 99 و 100، طبعة‌ مصر، دار الإحياء.

[19] ـ «بحار الانوار»، ج‌ 9، ص‌ 595، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[20] ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 1، ص‌ 244 و 245، الخطبة‌ 126، طبعة‌ مصر بتعليقة‌ محمّد عبده‌. وذكر ابن‌ شهرآشوب‌ القسم‌ الاوّل‌ من‌ الخطبة‌ في‌ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 429، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[21] ـ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 590 و 591، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[22] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 125 إلی 214، طبعة‌ دار الإحياء وتحقيق‌ محمّد أبوالفضل‌ إبراهيم‌.

[23] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 126 إلی 129.

[24] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 129، طبعة‌ دار الإحياء.

[25] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 130، طبعة‌ دار الإحياء.

[26] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 133، طبعة‌ دار الإحياء.

[27] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 148، طبعة‌ دار الإحياء.

[28] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 149، طبعة‌ دار الإحياء.

[29] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 149 و 150، طبعة‌ دار الإحياء.

 وذكر الزركليّ في‌ «الاعلام‌» ج‌ 5، ص‌ 140 و 141 ترجمته‌، فقال‌: صاحب‌ الزنج‌ المقتول‌ سنة‌ 270 ه: علی بن‌ محمّد الورزنيني‌ّ العلوي‌ّ الملقّب‌ بصاحب‌ الزنج‌، من‌ كبار أصحاب‌ الفتن‌ في‌ العهد العبّاسيّ، وفتنته‌ معروفة‌ بفتنة‌ الزنج‌، لانّ أكثر أنصاره‌ منهم‌. ولد ونشأ في‌ ورزنين‌، إحدي‌ قري‌ الري‌. وظهر في‌ أيّام‌ المهتديّ العبّاسيّ سنة‌ 255 ه. وكان‌ يري‌ رأي‌ الازارقة‌. والتفّ حوله‌ سودان‌ أهل‌ البصرة‌ ورعاعها. فامتلكها، واستولي‌ علی الابلة‌، وتتابعت‌ لقتاله‌ الجيوش‌. فكان‌ يَظهرُ ويشتّتها. ونزل‌ البطائح‌، وامتلك‌ الاهواز، وأغار علی واسط‌، وبلغ‌ عدد جيشه‌ ثمانمائة‌ ألف‌ مقاتل‌. وجعل‌ مقامه‌ في‌ قصر اتّخذه‌ بالمختاره‌. وعجز عن‌ قتاله‌ الخلفاء حتّي‌ ظفر به‌ الموفّق‌ بالله‌، فقتله‌، وبعث‌ برأسه‌ إلی بغداد. قال‌ المرزباني‌ّ: تروي‌ له‌ أشعار كثيرة‌ في‌ البسالة‌ والفتك‌ كان‌ يقولها وينحلها غيره‌. وفي‌ نسبه‌ طعن‌ وخلاف‌.

 وقال‌ في‌ هامش‌ كتابه‌ المذكور: سمّاه‌ ابن‌ خلدون‌ في‌ تاريخه‌ ج‌ 4، ص‌ 18: علي‌ّبن‌ عبدالرحيم‌. وقال‌ هو من‌ بني‌ عبدالقيس‌، من‌ قرية‌ دريفن‌ من‌ قري‌ الري‌. سار إلی البحرين‌ سنة‌ 249 ه فادّعي‌ أ نّه‌ علوي‌ّ واتّبعه‌ كثير من‌ أهل‌ هَجَر، ثمّ تفرّقوا عنه‌، ولحق‌ بالبصرة‌، فكان‌ منه‌ ما كان‌.

 وقال‌ الشيخ‌ عبده‌ في‌ هامش‌ الخطبة‌ 100 من‌ «نهج‌ البلاغة‌»، طبعة‌ مصر، ص‌ 196: صاحب‌ الزنج‌ علی بن‌ عبد الرحيم‌ من‌ بني‌ القيس‌، ادّعي‌ أ نّه‌ علوي‌ّ... إلی آخر كلامه‌.

[30] ـ الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 31: لقمان‌.

[31] ـ الخطبة‌ 128 من‌ طبعة‌ عبده‌ ج‌ 1، ص‌ 245. وذكر ابن‌ شهرآشوب‌ أوّلها في‌ مناقبه‌، ج‌ 1، ص‌ 429.

[32] ـ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 591، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[33] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 215 إلی 243، طبعة‌ دار الإحياء.

[34] ـ الآية‌ 170، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[35] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 8، ص‌ 217 و 218، طبعة‌ دار الإحياء.

[36] ـ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 590، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[37] ـ «نهج‌ البلاغة‌»، الخطبة‌ 100، من‌ طبعة‌ مصر وتعليقة‌ محمّد عبده‌: ج‌ 1، ص‌ 196 و 197.

[38] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 7، ص‌ 104، طبعة‌ دار الإحياء.

[39] ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 1، ص‌ 201، قسم‌ من‌ الخطبة‌ 103، طبعة‌ مصر بتعليقة‌ محمّد عبده‌.

[40] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 7، ص‌ 120 و 121 طبعة‌ دار الإحياء.

[41] ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 1، ص‌ 230، قسم‌ من‌ الخطبة‌ 114، طبعة‌ مصر، تعليقة‌ محمّد عبده‌.

[42] ـ الحِرباء والحِرباءَة‌: ضرب‌ من‌ الزحافات‌ تتلوّن‌ في‌ الشمس‌ ألواناً مختلفة‌. وقال‌ الشاعر سعدي‌ في‌ كتابه‌ «گلستان‌» يصف‌ بستاناً أرضه‌ ملوّنة‌: «باد در ساية‌ درختانش‌ گسترانيده‌ فرش‌ بوقلمون‌»: بسط‌ النسيم‌ في‌ أفياء أشجاره‌ فراشاً ملوّناً.

[43] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 7، ص‌ 279 إلی 281، طبعة‌ دار الإحياء. ونقل‌ المجلسيّ هذه‌ المعلومات‌ كلّها عن‌ ابن‌ أبي‌ الحديد، في‌ كتابه‌ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 590، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[44] ـ «المناقب‌» لابن‌ شهرآشوب‌، ج‌ 1، ص‌ 429، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[45] ـ «بحار الانوار» في‌ طبعة‌ الكمباني‌ّ: ج‌ 9، ص‌ 592؛ وفي‌ الطبعة‌ الحديثة‌: ج‌ 41، ص‌ 341؛ و«شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 2، ص‌ 289، طبعة‌ دار الإحياء.

[46] ـ «اللهوف‌»، ص‌ 88؛ و«نفس‌ المهموم‌» ص‌ 150؛ و«مقتل‌ الخوارزمي‌ّ» ص‌ 7؛ و«تحف‌ العقول‌» ص‌ 242؛ و«الاحتجاج‌» ج‌ 2، ص‌ 25.

[47] ـ ذكرنا نبذة‌ يسيرة‌ من‌ ترجمة‌ الحجّاج‌ في‌ الجزء العاشر من‌ كتابنا هذا، الدرس‌ 136 إلی 141.

[48] ـ «المناقب‌»، ج‌ 1، ص‌ 425 و 426 الطبعة‌ الحجريّة‌؛ و«بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 585، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[49] ـ «قصص‌ العلماء» للتنكابنيّ، ص‌ 52، في‌ أحوال‌ السيّد الباب‌ الشيرازي‌ّ، الطبعة‌ الحجريّة‌.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ والستّون‌ بعد المائة‌ إلی السبعين‌ بعد المائة‌
  اختصاص‌ الله‌ تعالي‌ بعلم‌ الغيب‌ وإظهار الرسل‌ عليه‌
  معرفة‌ الانبياء علم‌ الغيب‌ الإلهي‌ّ
  علم‌ الإمام‌ والرسول‌ عين‌ علم‌ ذات‌ الحقّ
  إخبار رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بالغيب‌ علی لسان‌ القرآن‌
  الكلام‌ الغيبي‌ّ الذي‌ قاله‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لخولة‌ الحنفيّة‌
  قتل‌ خالد بن‌ الوليد مالك‌ بن‌ نويرة‌ وزناه‌ بزوجته‌
  قتل‌ خالد سعد بنَ عُبادة‌ ونسبته‌ القتل‌ إلی الجنّ
  إخبار أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بالمغيّبات‌
  إخباره‌ أُويس‌ القرني‌ّ ومجي‌ء ألف‌ رجل‌ من‌ الكوفة‌
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بقتل‌ ذي‌ الثديّة‌ بالنهروان‌
  شكّ جندب‌ بن‌ عبد الله‌ وإخبار الإمام‌ عن‌ أهل‌ النهروان‌
  كلام‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ إعجاز إخبار الإمام‌ بالغيب‌
  إخبار الإمام‌ بالحوادث‌ التي‌ ستقع‌ بعده‌ ـ إخباره‌ بفتن‌ بني‌ أُميّة‌
  عدد من‌ أخبار الإمام‌ الغيبيّة‌
  سبب‌ اعتقاد الناس‌ بأُلوهيّة‌ الإمام‌ دون‌ رسول‌ الله‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بقيام‌ الإمام‌ المهدي‌ّ عليه‌ السلام‌
  ذمّ طلحة‌ والزبير وعائشة‌
  الإخبار بقيام‌ إمام‌ العصر والزمان‌ عليه‌ السلام‌ وانقراض‌ بني‌ أُميّة‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الخوئي‌ّ في‌ الرواية‌ الماضية‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بعدم‌ هلاك‌ الخوارج
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بحكومة‌ معاوية‌ في‌ الشام‌
  >>إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بجلب‌ جنازة‌ من‌ اليمن‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بفتنة‌ صاحب‌ الزنج‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بغارة‌ التتر وجنكيزخان‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بالفتن‌ التي‌ تقع‌ في‌ آخر الزمان‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بانقراض‌ الامويّين‌ علی أيدي‌ أعدائهم‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بحكومة‌ الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ببقاء معاوية‌ بعده‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ببيعة‌ ثمانية‌ نفر ضبّاً
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بطول‌ عمر أبي‌ الدنيا
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ أهل‌ إصفهان‌، وتحدّثه‌ بلغتهم‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ مسجد براثا
  أخبار غيبيّة‌ في‌ شقّ الارض‌ وانبجاس‌ الماء في‌ طريق‌ صفین
  إسلام‌ الراهب‌ لمشاهدته‌ معجزات‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌
  قصيدة‌ الحميري‌ّ في‌ القصّة‌ الماضية‌
  إخبار الإمام‌ بمشاركة‌ حبيب‌ بن‌ جمار في‌ حرب‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بمقتل‌ جويرية‌
  إخبار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بواقعة‌ كربلاء
  قصيدة‌ القاضي‌ الجليس‌ في‌ واقعة‌ كربلاء
  الدرس‌ الحادي‌ والسبعون‌ بعد المائة‌ إلی الثالث‌ والسبعين‌ بعد المائة‌
  تفسير الآيات‌ الاُولي‌ من‌ سورة‌ العلق‌
  شدّة‌ اتّصال‌ أمير المؤمنين‌ برسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ منذ الطفولة
  معني‌ علم‌ المنايا والبلايا والاعمار والملاحم‌ والفتن
  إخبار الإمام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بأمر لعنه‌
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بمقتل‌ حُجر بن‌ عدي‌ّ
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بالحوادث‌ التي‌ ستقع‌ بعده‌
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بمواصفات‌ بني‌ العبّاس‌
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بخراب‌ المدن‌ وغارة‌ المغول
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بمواصفات‌ مدينة‌ الزوراء
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بمقتل‌ بعض‌ أصحابه‌
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ باستشهاد عمرو بن‌ الحَمِق‌ الخزاعي‌ّ
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ باستشهاد كميل‌ بن‌ زياد
  إخباره‌ عليه‌ السلام‌ بكيفيّة‌ استشهاد ميثم‌ التمّار
  إخباره‌ باستشهاده‌ عليه‌ السلام‌
  كيفيّة‌ استشهاده‌ عليه‌ السلام‌
  أبيات‌ شعريّة‌ منظومة‌ فيه‌ عليه‌ السلام‌
  الدرس‌ الرابع‌ والسبعون‌ بعد المائة‌ إلی السادس‌ والسبعين‌ بعد المائة‌
  تفسير الآية‌: يَرْفَعِ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَ...
  كلام‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ أنّ جميع‌ العلوم‌ تنتهي‌ إلی أمير المؤمنين‌
  تقدّم‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الفصاحة‌ والبلاغة‌
  جَمْعُ القرآن‌ من‌ قِبَل‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ التفسير
  قصّة‌ جَلد صُبَيْغ‌ بن‌ عَسَل‌ ومنع عمر إیّاه من‌ السؤال‌ عن‌ القرآن‌
  منع‌ عمر المسلمين‌ من‌ البحث‌ في‌ الآيات‌ القرآنيّة‌
  حديث‌ الثقلين‌ وعدم‌ افتراق‌ الإمام‌ عن‌ القرآن‌
  تقدّم‌ الإمام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الفقه‌
  تقدّم‌أميرالمؤمنين‌عليه‌السلام‌في‌علـم‌الروايـات‌(علـم‌الحديث‌)
  تقدّم‌ أميـر المؤمنين‌ عليه‌ السـلام‌ فـي‌ علم‌ الكلام‌ والجدل‌ والبحث‌ الفلسفي‌ّ
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ النحو
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الخطابة‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الفصاحة‌ والبلاغة‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الشعر
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ العَروض‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الوعظ‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الفلسفة‌ والحكمة‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الهندسة‌ والرياضيّات‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ النجوم‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الحساب‌
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الكيمياء
  تقدّم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ علم‌ الطبّ
  علم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بلغة‌ الحيوانات‌ والملائكة‌
  تفسير أمير المومنين‌ عليه‌ السلام‌ صوت‌ الناقوس‌
  جواب أمیر المؤمنین علی عليه‌ السلام‌ عن‌ أسئلة‌ ملك‌ الروم‌
  أبيات‌ الميرزا حبيب‌ الله‌ الخراساني‌ّ في‌ مدح‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌
  الدرس‌ السابع‌ والسبعون‌ بعد المائة‌ إلی الثمانين‌ بعد المائة‌
  لم‌ يكن‌ أحد عارفاً بالقرآن‌ بعد رسول‌ الله‌ كأمير المؤمنين‌
  فتح‌ ألف‌ باب‌ من‌ العلم‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ عليه‌ السلام‌
  أحوال‌ الشاعر الشيعي‌ّ الناشي‌ الاكبر (التعلیقة)
  تقرير الإمام‌ عليه‌ السلام‌ حول‌ علمه‌
  قوله‌: «سلوني‌» يرتبط‌ بحقائق‌ القرآن‌ وباطنه‌ لا بظاهره‌
  خطبة‌ الإمام‌ وقوله‌: «سلوني‌»
  سؤالُ ذِعْلِب‌ الإمام حولَ رؤية‌ الله‌
  كلام‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جواب‌ الاشعث‌ حول‌ المجوس‌
  جواب‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ للسائل‌ الذي‌ طلب‌ النجاة‌ من‌ النار
  كلام‌ الحسنين‌ عليهما السلام‌ وروايتهما حديثين‌ في‌ علم‌ علی
  خطبة‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ التوحيد جواباً علی سؤال‌ ذِعلِب‌
  خطبه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ التوحيد..
  توضيح‌ وتفسير التوحيد الحقّ الحقيقي‌ّ لذات‌ الحقّ تعالي‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ حول‌ خطب‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ التوحيد
  جواب‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ أسئلة‌ عبد الله‌ بن‌ الكوّاء
  مواطن‌ عديدة‌ نطق‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ فيها بقوله‌: «سلوني‌»
  فضيحة‌ قتادة‌ بعد قوله‌: سلوني‌
  عجز عمر في‌ المسائل‌ العلميّة‌
  المضامين‌ المتفاوتة‌ للروايات‌ المأثورة‌ في‌ «سلوني‌»
  الاشخاص‌ الذين‌ قال‌ كلّ منهم‌: سلوني‌، وافتضحوا
  قصور عمر وعجزه‌ عن‌ إدراك‌ المسائل‌ العلميّة‌
  معرفة‌ الإمام‌ أسمي‌ وسيلة‌ لبلوغ‌ التوحيد

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی