معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام (المجلد الرابع‌عشر)
کتاب معرفة الامام / المجلد الرابع عشر / القسم الثانی: الصحابة و نقل السنة، آفات الاعتقاد بـ: حسبنا کتاب الله، مصحف علی علیه السلام

94

رأي‌ الخليفة‌ في‌ الكتب‌

 أضف‌ إلی الحوادث‌ الاربعة‌ ـ حادث‌ مشكلات‌ القرآن‌، وحادث‌ السؤال‌ عمّا لم‌ يقع‌، وحادث‌ الحديث‌ عن‌ رسول‌ الله‌، وحادث‌ كتابة‌ السُّنن ‌ـ رأي‌ الخليفة‌ واجتهاده‌ حول‌ الكتب‌ والمؤلّفات‌. أتي‌ رجل‌ من‌ المسلمين‌ إلی عمر فقال‌: إنّا لمّا فتحنا المدائن‌ أصبنا كتاباً فيه‌ علم‌ من‌ علوم‌ الفرس‌ وكلامٌ معجبٌ. فدعا بالدَّرَّة‌ فجعل‌ يضربه‌ بها ثمّ قرأ: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ. [1] ويقول‌: ويلك‌! أقصص‌ أحسن‌ من‌ كتاب‌ الله‌؟! إنّما هلك‌ من‌ كان‌ قبلكم‌ لانّهم‌ أقبلوا علی كتب‌ علمائهم‌ وأساقفتهم‌ وتركوا التوراة‌ والإنجيل‌ حتّي‌ درسا وذهب‌ ما فيهما من‌ العلم‌!

 صورة‌ أُخري‌: عن‌ عمرو بن‌ ميمون‌، عن‌ أبيه‌ قال‌: أتي‌ عمربن‌ الخطّاب‌ رجل‌ فقال‌: يا أمير المؤمنين‌! إنّا لمّا فتحنا المدائن‌ أصبتُ كتاباً فيه‌ كلامٌ معجبٌ، قال‌: أمِنْ كتاب‌ الله‌؟ قال‌: لا! فدعا بالدرّة‌ فجعل‌ يضربه‌ بها، فجعل‌ يقرأ: الر تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَـ'هُ قُرْءَ'نًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. إلی قوله‌ تعالي‌: وَإِن‌ كُنتَ مِن‌ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَـ'فِلِينَ. [2] ثمّ قال‌: إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَ نَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَی كُتُبِ عُلَمَائِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ وَتَرَكُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ حَتَّي‌ دَرَسَا وَذَهَبَ مَا فِيهِمَا مِنَ العِلْمِ.

 وأخرج‌ عبد الرزّاق‌، وابن‌ الضريس‌ في‌ « فضائل‌ القرآن‌ »، والعسكريّ في‌ « المواعظ‌ »، والخطيب‌ عن‌ إبراهيم‌ النخعيّ قال‌: كان‌ بالكوفة‌ رجل‌ يطلب‌ كتب‌ دانيال‌. فجاء فيه‌ كتاب‌ من‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ أن‌ يُرفع‌ إليه‌، فلمّا قدم‌ علی عمر علاه‌ بالدرّة‌ ثم‌ جعل‌ يقرأ عليه‌: ال´ر تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ ـ حتّي‌ بلغ‌ـ الْغَـ'فِلِينَ. قال: فعرفتُ ما يريد. فقلتُ: ياأميرالمؤمنين‌! دعني‌ فوالله‌ لا أدع‌ عندي‌ شيئاً من‌ تلك‌ الكتب‌ إلاّ أحرقتُه‌ فتركه‌. ( راجع‌ « سيرة‌ عمر » لابن‌ الجوزي‌ّ » ص‌ 107؛ و « شرح‌ ابن‌ أبي‌ الحديد » ج‌ 3، ص‌ 122؛ و « كنز العمّال‌ » ج‌ 1، ص‌ 95 ).

 وجاء في‌ تاريخ‌ « مختصر الدُّوَل‌ » لابي‌ الفرج‌ الملطيّ المتوفّي‌ سنة‌ 684ه، ص‌ 180 من‌ طبعة‌ بوك‌ في‌ أُوكسونيا، سنة‌ 1663م‌، ما نصّه‌:

 وعاش‌ يحيي‌ الغراماطيقيّ إلی أن‌ فتح‌ عمرو بن‌ العاص‌ مدينة‌ الإسكندريّة‌ ودخل‌ علی عمرو وقد عرف‌ موضعه‌ من‌ العلوم‌ فأكرمه‌ عمرو وسمع‌ من‌ ألفاظه‌ الفلسفيّة‌ التي‌ لم‌ تكن‌ للعرب‌ بها أُنسة‌ ما هالَهُ ففتن‌ به‌. وكان‌ عمرو عاقلاً حسن‌ الاستماع‌ صحيح‌ الفكر فلازمه‌ وكان‌ لا يفارقه‌ ثمّ قال‌ له‌ يحيي‌ يوماً: إنّك‌ قد أحطتَ بحواصل‌ الإسكندريّة‌ وختمتَ علی كلّ الاصناف‌ الموجودة‌ بها، فما لك‌ به‌ انتفاع‌ فلا نعارضك‌ فيه‌، وما لاانتفاع‌ لك‌ به‌ فنحن‌ أولي‌ به‌. فقال‌ له‌ عمرو: ما الذي‌ تحتاج‌ إليه‌؟ قال‌: كتب‌ الحكمة‌ التي‌ في‌ الخزائن‌ الملوكيّة‌. فقال‌ عمرو: هذا ما لا يمكنني‌ أن‌ آمر فيه‌ إلاّ بعد استئذان‌ أمير المؤمنين‌ عمر بن‌ الخطّاب‌.

 فكتب‌ إلی عمر وعرّفه‌ قول‌ يحيي‌ فورد عليه‌ كتاب‌ عمر يقول‌ فيه‌: وَأَمَّا الكُتُبُ الَّتِي‌ ذَكَرْتَهَا، فَإنْ كَانَ فِيهَا مَا وَافَقَ كِتَابَ اللَهِ فَفِي‌ كِتَابِ اللَهِ عَنْهُ غِنيً. وَإنْ كَانَ فِيهَا مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَهِ فَلاَ حَاجَةَ إلَيْهِ فَتَقَدَّمْ بِإعْدَامِهَا.

 فشرع‌ عمرو بن‌ العاص‌ في‌ تفريقها علی حمّامات‌ الإسكندريّة‌ وإحراقها في‌ مواقدها فاستنفدت‌ في‌ مدّة‌ ستّة‌ أشهر فاسمع‌ ما جري‌ واعجب‌!

 هذه‌ الجملة‌ من‌ كلام‌ الملطي‌ّ ذكرها جرجي‌ زيدان‌ في‌ « تاريخ‌ التمدّن‌ الإسلامي‌ّ » ج‌3، ص‌ 40، برمّتها. فقال‌ في‌ التعليق‌ عليها: النسخة‌ المطبوعة‌ في‌ مطبعة‌ الآباء اليسوعيّين‌ في‌ بيروت‌ قد حُذفت‌ منها هذه‌ الجملة‌ كلّها لسبب‌ لانعلمه‌.

 وقال‌ عبد اللطيف‌ البغدادي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 629 ه في‌ « الإفادة‌ والاعتبار » ص‌28: رأيتُ أيضاً حول‌ عمود السواري‌ من‌ هذه‌ الاعمدة‌ بقايا صالحة‌ بعضها صحيح‌ وبعضها مكسور. ويظهر من‌ حالها أ نّها كانت‌ مسقوفة‌ والاعمدة‌ تحمل‌ السقف‌ وعمود السواري‌ عليه‌ قبّة‌ هو حاملها. وأري‌ أنّه‌ الرواق‌ الذي‌ كان‌ يدرس‌ فيه‌ ارسطوطاليس‌ وشيعته‌ من‌ بعده‌ وأنّه‌ دار المعلّم‌ التي‌ بناها الإسكندر حين‌ بني‌ مدينته‌، وفيها كانت‌ خزانة‌ الكتب‌ التي‌ أحرقها عمرو بن‌ العاص‌ بإذن‌ عمر. [3]

 استبان‌ ممّا عرضناه‌ باقتضاب‌ أنّ جملة‌ حَسْبُنا كتابُ اللَهِ لم‌تمثّل‌ رأي‌ عمر فحسب‌، بل‌ مثّلت‌ رأي‌ أبي‌ بكر وعثمان‌ أيضاً. وكذلك‌ رأي‌ الحكّام‌ الامويّين‌ الغاصبين‌. فالجميع‌ ساروا علی هذا النهج‌. وكان‌ تدوين‌ الحديث‌ محظوراً حتّي‌ عصر عمر بن‌ عبد العزيز حيث‌ انقضي‌ القرن‌ الاوّل‌ الهجري‌ّ، ولم‌ يُلْحَظْ أثر من‌ الحديث‌ والسنّة‌ والتدوين‌ حتّي‌ انقضي‌ قرن‌ ونصف‌ من‌ الزمان‌، ثمّ إنّ علماء العامّة‌ شرعوا بعد ذلك‌ يدوّنون‌ الاحاديث‌.

 لذلك‌ عمل‌ عمر بالحمل‌ الاوّلي‌ّ الذاتي‌ّ، أي‌ أ نّه‌ عمل‌ بمفهوم‌ ومفاد حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ، كما عمل‌ في‌ الخارج‌ بالحمل‌ الشائع‌ الصناعيّ أيضاً، وحال‌ دون‌ تدوين‌ الحديث‌ وبيان‌ السُّنَّة‌، فلم‌ يَبْقَ بِيَدِ الاُمّة‌ إلاّ ظاهر القرآن‌.

الصحابة‌ كانوا ينقلون‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌

 أمّا الشيعة‌ فإنّهم‌ بدأوا ببيان‌ الحديث‌ وتدوينه‌ علی حدّ سواء منذ زمن‌ الرسول‌ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. ومن‌ هنا فإنّهم‌ صنّفوا كتباً في‌ عهد النبي‌ّ نفسه‌. وقاموا بنشر الحديث‌ وتدوينه‌ بترتيب‌ وتسلسل‌ معيّنين‌ بعد النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 وطبّقوا السنّة‌ النبويّة‌ من‌ منطلق‌ الحديث‌ المتواتر المشهور: إنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي‌ يَرِدَا عَلَی الحَوْضَ. [4] وأخذوا بهذا الحديث‌ الذي‌ هو سنّة‌. وقاموا ببيان‌ الحديث‌ وتدوينه‌ قبل‌ أهل‌ السنّة‌ بقرن‌ ونصف‌.

 والآن‌ ينبغي‌ أن‌ نعلم‌ أ نّه‌ لماذا فكّر العامّة‌ بجمع‌ السنّة‌ بعد قرن‌ من‌ الزمان‌؟ والجواب‌ هو أ نّهم‌ رأوا أنّ كتاب‌ الله‌ وحده‌ لا يكفي‌ بغير السُّنّة‌ وأنّ مثلهم‌ في‌ الاقتصار علی الكتاب‌ كمثل‌ الطير الذي‌ يريد أن‌ يطير بجناحٍ واحد. ولاحظوا أنّ الاحكام‌ وردت‌ في‌ القرآن‌ بشكل‌ عامّ، أمّا الشؤون‌ اليوميّة‌ للناس‌ في‌ الجزئيّات‌ فإنّها تحتاج‌ إلی بيان‌؛ ولا بيان‌ لها إلاّ السُّنّة‌. ومن‌ جهة‌ أُخري‌، فقد نبّههم‌ دخول‌ العلوم‌ والقضايا المستجدّة‌ في‌ العالم‌ الإسلامي‌ّ، وشعروا بالحاجة‌ الماسّة‌ إلی العلم‌ والاطّلاع‌ علی السيرة‌ النبويّة‌ ومنهاج‌ الرسول‌ الاعظم‌ وكلامه‌ وأُسلوبه‌ العملي‌ّ، فرأوا أ نّهم‌ متخلّفون‌ جدّاً. إذ إنّ الإسلام‌ الذي‌ يجب‌ أن‌ يسخّر عالَم‌ العلم‌ والعمل‌ والتقوي‌ لمعناه‌ وحقيقته‌ يسـير القهقري‌، ولو لم‌ يُجْمَـع‌ شي‌ء من‌ بقايا السُّـنّة‌ النبـويّة‌ التي‌ تناقلتها بعض‌ الصدور شفويّاً لقرأنا عَلَی الإسلام السَّلاَمِ. وعند ذاك‌ أدركوا فكر الشيعة‌ ومنهاجهم‌، وعرفوا أنّ الطريق‌ المستقيم‌ طريقهم‌. وأدركوا أنّ عليهم‌ أن‌ يكتبوا الحديث‌ ويبيّنوه‌. لكن‌ متي‌؟ وأين‌؟ وكيف‌؟

 لقد تجاهل‌ علماء العامّة‌ ذلك‌ التوجّه‌ السقيم‌ بكلّ شهامة‌، وضربوا عن‌ قول‌ القائل‌: حَسْبُنَا كِتَابَ اللَهِ صفحاً، وطفقوا يكتبون‌ الكتب‌ والسنن‌ ناسخين‌ القول‌ المذكور علماً وعملاً. وسخر بعضهم‌ منه‌، وقالوا: هل‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ الكتاب‌ بلاسُنَّة‌؟!

 وألّف‌ محمّد عجّاج‌ الخطيب‌ كتاباً في‌ عظمة‌ السُّنّة‌، وحاول‌ جهده‌ أن‌ يغطّي‌ علی جرائم‌ عمر وأعوانه‌، ويصفهم‌ بالإصلاح‌ والتفكير بالمصلحة‌، وهو رجل‌ سنّي‌ّ متعصّب‌ فظّ، بَيدَ أ نّه‌ لم‌ يستطع‌ أن‌ يجد محملاً صحيحاً لذلك‌ القول‌ الذي‌ نطق‌ به‌ عمر، فجدَّ في‌ إثبات‌ السُّنّة‌ وصحّتها، وارتأي‌ ضرورة‌ بيان‌ الحديث‌ قائلاً:... فأخذوا ( الصحابة‌ ) بسنّته‌ عليه‌ الصلاة‌ والسلام‌، وتمسّكوا بها، وأبوا أن‌ يكونوا ذلك‌ الرجل‌ الذي‌ ينطبق‌ عليه‌ قوله‌ عليه‌ الصلاة‌ والسلام‌:

 يُوشَكُ الرَّجُلُ مُتّكِئاً عَلَی أِرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي‌ فَيقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلاَ وَإنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَهُ. [5]

 بل‌ وقفوا من‌ السُّنَّة‌ موقفاً عظيماً، وردّوا علی كلّ من‌ فَهِمَ ذَاكَ الفهم‌ ( حسبنا كتاب‌ الله‌ ).

 روي‌ أبو نَضْرَة‌ عن‌ عمران‌ بن‌ حصين‌ أنّ رجلاً أتاه‌ فسأله‌ عن‌ شي‌ء، فحدّثه‌، فقال‌ الرجل‌: حدّثوا عن‌ كتاب‌ الله‌ عزّ وجلّ، ولا تحدّثوا عن‌ غيره‌! فقال‌: إنَّكَ امْرُؤٌ أحْمَقُ! أُتَجِدُ فِي‌ كِتَابِ اللَهِ صَلاَةَ الظُّهْرِ أَرْبَعاً لايُجْهَرُ فِيهَا؟ وَعَدَّ الصَّلَواتِ، وَعَدَّ الزَّكَاةَ وَنَحْوَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَتَجِدُ مُفَسَّراً فِي‌ كِتَابِ اللَهِ؟! كِتَابُ قَدْ أَحْكَمَ ذَلِكَ، وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ ذَلِكَ. [6]

 وقال‌ رجـل‌ للتابعـي‌ّ الجلـيل‌ مُطَـرِّف‌ بن‌ عَبْـد الله‌ بـن‌ الشِّخـِّيـر: لاَ تُحَدِّثُونَا إلاَّ بِالقُرْآنِ. فقال‌ له‌ مطرّف‌: وَاللَهِ مَا نُرِيدُ بِالقُرْآنِ بَدَلاً، وَلِكَنْ نُرِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالقُرْآنِ مِنَّا. [7]

 ويحاول‌ الخطيب‌ في‌ بحث‌ تحت‌ عنوان‌: «احتياط‌ الصحابة‌ والتابعين‌ في‌ رواية‌ الحديث‌» توجيه‌ كلام‌ من‌ قال‌: أَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَهِ، توجيهاً لا يتنافي‌ مع‌ العقل‌، ولا يوصد باب‌ نقل‌ الحديث‌، والحقّ أنّ هذا وأمثاله‌ توجيهات‌ لا يرضي‌ بها صاحبها عمر. وعلي‌ هذا الاساس‌ يمرّون‌ علی حديث‌ مشايعة‌ عمر قرظة‌ بن‌ كعب‌ مرّ الكرام‌، ويمترون‌ في‌ سجن‌ الصحابة‌ الثلاثة‌ الكبار ـالواردة‌ أسماؤهم‌ في‌ رواية‌ الحافظ‌ الذهبيّ: ابن‌ مسعود، وأبي‌ الدرداء، وأبي‌ مسعود الانصاري‌ّـ بالمدينة‌ إلی أن‌ قُتل‌ عمر: كيف‌ نتصوّر أن‌ يصدر مثل‌ هذا العمل‌ المخالف‌ عن‌ خليفة‌ كأمير المؤمنين‌ عمر؟! وكيف‌ يقوم‌ عمر بمثل‌ هذا العمل‌ وهو مَن‌ هو في‌ سوابقه‌ وسيرته‌ في‌ الإسلام‌؟! كيف‌ يمكن‌ ذلك‌؟! ويختمون‌ الموضوع‌ بإثارة‌ هذه‌ الاسئلة‌ وأمثالها. وعلي‌ فرض‌ تحقّق‌ هذا الموضوع‌ يقولون‌: ليس‌ المراد من‌ قولهم‌: حَبَسَهُمْ فِي‌ المَدِينَةِ: سَجَنَهم‌، بل‌ منعهم‌ من‌ الحديث‌. حَبَسَهُم‌ أَي‌ْ: مَنَعَهُم‌. [8]

رأي‌ جولدتسيهر في‌ تدوين‌ الحديث‌

 ونري‌ الخطيب‌ يتغيّظ‌ ويمتعض‌ جدّاً من‌ كلام‌ المستشرق‌ الالماني‌ّ جولدتسيهر، إذ قال‌: « وليس‌ صحيحاً ما يقال‌ من‌ أ نّه‌ ـ أي‌ الحديث‌ـ وثيقة‌ للإسلام‌ في‌ عهده‌ الاوّل‌ عهد الطفولة‌، ولكنّه‌ أثر من‌ آثار جهود الإسلام‌ في‌ عصر النضوج‌ » حتّي‌ أ نّه‌ يكاد يشقّ أثوابه‌ من‌ الغيظ‌، في‌ حين‌ أنّه‌ كلام‌ سديد من‌ منظار تأريخ‌ العامّة‌ وحديثهم‌، لا من‌ منظار تأريخ‌ الشيعة‌ وحديثهم‌، لانّ الجميع‌ يعترفون‌ ـكما سنري‌ـ أنّ تدريس‌ الحديث‌ وبيانه‌ وتدوينه‌ عند الشيعة‌ بدأ منذ عصر خاتم‌ الانبياء صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، وأ نّهم‌ سبقوا السُّنَّة‌ في‌ تدوين‌ الحديث‌ وضبط‌ السنّة‌ النبويّة‌ بقرن‌ ونصف‌.

 وفيما يأتي‌ كلام‌ محمّد عجّاج‌ الخطيب‌: وَالسُّنَّةُ لَمْ تَكُنْ قَطُّ نَتِيجَةً لِلتَّطَوُّرِ الدِّينِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ لِلإسْلاَمِ فِي‌ القَرْنَيْنِ الاَوَّلِ وَالثَّانِي‌ كَمَا ادَّعي‌ ( جولدتسيهر ) الَّذِي‌ يُضِيفُ فَيَقُولُ: وَلَيْسَ صَحِيحاً مَا يُقَالُ مِنْ أَ نَّهُ ـأَي‌ِ الحَدِيثِـ وَثِيقَةً لِلإسْلاَمِ فِي‌ عَهْدِهِ الاوَّلِ عَهْدِ الطُّفُولَةِ وَلَكِنَّهُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ جُهُودِ الإسلام فِي‌ عَصْرِ النُّضُوجِ.

 راجع‌: « نظرة‌ عامّة‌ في‌ تاريخ‌ الفقه‌ الإسلامي‌ّ » عن‌ « دراسات‌ إسلاميّة‌ » لجولدتسيهر. كما ذكر غاستُون‌ ويت‌ هذا الرأي‌ لجولدتسيهر في‌ مقالته‌ عن‌ الحديث‌ في‌ « التاريخ‌ العامّ للديانات‌ » ج‌ 4، ص‌ 366 بالفرنسيّة‌.

 وذكر واضعو « دائرة‌ المعارف‌ الإسلاميّة‌ » قريباً من‌ هذا القول‌ عن‌ جولدتسيهر في‌ مادّة‌ ( حديث‌ )، نقلاً عن‌ كتابه‌: « دراسات‌ إسلاميّة‌ ». ويري‌ أنّ السُّنّةَ من‌ وضع‌ المسلمين‌. وهذا محض‌ افتراء سأتعرّض‌ له‌ في‌ باب‌ وضع‌ الحديث‌، فليراجع‌. [9]

 يقول‌ محمّد عجّاج‌ الخطيب‌ لإثبات‌ عمل‌ أبي‌ بكر بالسنّة‌ النبويّة‌: ومن‌ ذلك‌ ما رواه‌ الذهبي‌ّ من‌ مراسيل‌ ابن‌ أبي‌ مليكة‌ أنّ أبا بكر جمع‌ الناس‌ بعد وفاة‌ نبيّهم‌ فقال‌:

 إنَّكُـمْ تُحَـدِّثُـون‌ عَنْ رَسُـولِ اللَهِ صَلَّـي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِـهِ أَحَـادِيـثَ تَخْتَلِفُونَ فِيهَا؛ وَالنَّاسُ بَعْدَكُمْ أَشَدُّ اخْتِلاَفاً. فَلاَ تُحَدِّثُوا عَنْ رَسُولِ اللَهِ شَيْئاً! فَمَنْ سَـأَلَكُمْ فَقُولُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَهِ، فَاسْـتَحِلُّوا حَـلاَلَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ!

 ثمّ قال‌ الحافظ‌ الذهبي‌ّ: يدلّك‌ هذا أنّ مراد أبي‌ بكر التثبّت‌ في‌ الاخبار والتحرّي‌، لا سدّ باب‌ الرواية‌. ألا تراه‌ لمّا نزل‌ به‌ أمر الجِدَّة‌ ولم‌يجده‌ في‌ الكتاب‌ كيف‌ سأل‌ عنه‌ في‌ السُّنن‌؛ فلمّا أخبره‌ ما اكتفي‌ حتّي‌ استظهر بثقة‌ آخر، ولم‌ يقل‌: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ كما تقوله‌ الخوارج‌. [10]

 ونقل‌ حكم‌ إرث‌ الجدّة‌ عن‌ الذهبيّ كالآتي‌: كان‌ أبو بكر أوّل‌ مَن‌ احتاط‌ في‌ قبول‌ الاخبار. فروي‌ ابن‌ شهاب‌ عن‌ قبيصة‌ بن‌ ذؤيب‌ أنّ الجدّة‌ جاءت‌ إلی أبي‌ بكر تلتمس‌ أن‌ تُوَّرث‌، فقال‌: ما أجد لكِ في‌ كتاب‌ الله‌ شيئاً، وما علمتُ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ذكر لكِ شيئاً. ثمّ سأل‌ الناس‌، فقام‌ المغيرة‌ فقال‌: سمعتُ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يعطيها السُّدُسَ. فقال‌ له‌: هل‌ معك‌ أحد؟ فشهد محمّد بن‌ مسلمة‌ بمثل‌ ذلك‌. فأنفذه‌ لها أبو بكر. [11]

 نحن‌ لا نقدح‌ في‌ أنّ أبا بكر كان‌ يمتنع‌ غالباً من‌ قبول‌ السُّنَّة‌ المحقّقة‌، ويقول‌: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ، حتّي‌ يكون‌ توجيه‌ الذهبيّ ومحمّد عجّاج‌ سديداً، وإنّما قدحنا في‌ أبي‌ بكر، وعمر، وعثمان‌، والمغيرة‌، وأبي‌ عُبيدة‌ الجرّاح‌ ومن‌ شابَهَهُم‌ وماثَلَهُم‌ من‌ حيث‌ قلّة‌ اطّلاعهم‌ علی السُّنَّة‌ النبويّة‌. لهذا كانوا يقولون‌ عند مراجعة‌ أحد إيّاهم‌: لا نعلم‌! وإذا كنّا لا نعلم‌ فمرجعنا كتاب‌ الله‌!

آفات‌ الاعتقاد بقول‌ عمر: حسبنا كتاب‌ الله‌

 هذا كلام‌ غلط‌، لانّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ خلّف‌ بعده‌ رجلاً هو مرجع‌ العلوم‌ ومسندها ومصدرها وموردها، وهو باب‌ مدينة‌ العلم‌، وأقضي‌ الاُمّة‌، والعالم‌ بالكتاب‌ وتأويله‌ وتفسيره‌، والعارف‌ بالسُّنّة‌ حضراً وسفراً. وجعله‌ مرجعاً لمسائل‌ الناس‌ وحوادثهم‌ ووقائعهم‌. وخطب‌ في‌ الآلاف‌ المحتشدة‌ يوم‌ غدير خُمّ فنصبه‌ عَلَماً ومناراً وهادياً ومَعْلَماً ومربّيّاً ومكمّلاً ومتمّماً؛ فلماذا سلبتموه‌ حقّه‌ وعزلتموه‌ في‌ بيته‌، وتربّعتم‌ علی أريكة‌ الحكم‌ والامر والنهي‌ والفتوي‌ والقضاء والقرآن‌، ثمّ عجزتم‌ ولم‌تُحسنوا أداء المهمّة‌؟! إذ إنّكم‌ لا تعلمون‌! ويا عجباً فها أنتم‌ تعترفون‌ أنّ عليّاً هو الرجل‌ العليم‌ البصير، فَلِمَ ضَربتم‌ عنه‌ صفحاً وهجرتموه‌ ونأيتم‌ عنه‌ ليذهب‌ بمسحاته‌ خارج‌ المدينة‌ فيحرث‌ ويزرع‌ ويسقي‌ ويجري‌ القنوات‌ ويغرس‌ الاشجار والنخيل‌؟!

 ويلٌ لكم‌! لا ويلٌ واحد بل‌ ويل‌ كثير دائم‌ إلی يوم‌ القيامة‌! ويل‌ لكم‌ ما كان‌ لكلمة‌ الويل‌ من‌ معني‌ ومفهوم‌! كيف‌ راقكم‌ أن‌ يكون‌ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ بعيداً عن‌ الامر والنهي‌ والتفسير وبيان‌ السُّنّة‌ وإدارة‌ شؤون‌ الناس‌ خمساً وعشرين‌ سنة‌، وأنتم‌ الذين‌ تجهلون‌ أبسط‌ المسائل‌ الضروريّة‌ اللازمة‌ ترتقون‌ العرش‌ وتمتطون‌ صهواتكم‌ متباهين‌ بأنفسكم‌ أ نّكم‌ دحرتم‌ عليّاً، وذلّلتم‌ ذلك‌ الليث‌ الباسل‌، ووضعتم‌ الحبل‌ في‌ عنقه‌ واقتدتموه‌ إلی المسجد، وأخذتم‌ منه‌ البيعة‌ أمام‌ الملا العامّ؟!

 إنّنا نلزمكم‌ أنتم‌ الذين‌ لا علم‌ لكم‌ بالسُّنّة‌ ونقول‌: لماذا لم‌ترجعوا إلی علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ عندما لم‌ تجدوا حكماً في‌ كتاب‌ الله‌؟! وهو المرجع‌ في‌ المسائل‌ كلّها، وهو أعلم‌ الاُمّة‌ وأتقاها وأورعها علی ما قال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌. فاللمز والقدح‌ هنا! وأنتم‌ أيّها الذهبيّ والخطيب‌ وغيركما! والله‌ إنّكم‌ تعلمون‌ الحقّ فكفي‌! كفي‌! لا تخدعوا أنفسكم‌ والآخرين‌ بهذه‌ التمويهات‌!

 وإذا كان‌ أبو بكر مع‌ وجود مصدر الولاية‌ والعلم‌ المحيط‌، يقبع‌ في‌ دائرة‌ نفسه‌ ويُبدي‌ جهله‌ بالمسائل‌، ولا يراجع‌ ولا يسأل‌ مصدر الولاية‌، وكان‌ يحكم‌ بالنفي‌ بمجرّد عدم‌ عثوره‌ علی شي‌ء في‌ كتاب‌ الله‌، فماذا يعني‌ هذا؟ ألا يعني‌ العمل‌ بالمقولة‌ المعروفة‌: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ؟ وهل‌ يعني‌ شيئاً غيره‌؟!

 لقد حرص‌ رسول‌ الله‌ طوال‌ عمره‌ علی تعليم‌ علی. ثمّ قدّم‌ ذلك‌ البحر الزاخر بالعلم‌ إلی الاُمّة‌ وعرّفها به‌. فهو إذَن‌ عالَم‌ من‌ الحديث‌ والسنّة‌، ومكتبة‌ لمكاتيب‌ رسول‌ الله‌.

 لماذا حلتم‌ دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌ بقولكم‌: إنَّ الرَّجُلَ يَهْجُرُ، وهو الذي‌ أراد أن‌ يرفع‌ الضلال‌ عن‌ أُمّته‌ إلی الابد حين‌ قال‌ ائتوني‌ بقرطاس‌ وقلم‌؟! ولماذا اشتريتم‌ الضلالة‌ للاُمّة‌ البائسة‌ المسكينة‌ إلی موقف‌ العدل‌ الإلهي‌ّ!!

 إنّ وضع‌ الحديث‌ يساوي‌ إلغاء الحديث‌ الصحيح‌.

 وما الفرق‌ بين‌ أن‌ تجلسوا في‌ مجلس‌ النبي‌ّ فتنسبوا آلاف‌ الاحاديث‌ الموضوعة‌ إلی رسول‌ الله‌، وبين‌ أن‌ تحرموا الاُمّة‌ من‌ ذلك‌ الخير العميم‌ بزعمكم‌ كفاية‌ القرآن‌، وعدم‌ الحاجة‌ إلی الولاية‌؟!

 ويأسي‌ العالم‌ السنّي‌ّ النابه‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كتابه‌ « أضواء علی السُّنّة‌ المحمّديّة‌ » علی عدم‌ أمر النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بكتابة‌ الحديث‌ في‌ حياته‌ كما أمر بكتابة‌ القرآن‌. ولو كان‌ قد فعل‌ ذلك‌ لما طرأت‌ علی المسلمين‌ تلك‌ المشاكل‌ المؤلمة‌ الممضّة‌. ولو كانت‌ الاحاديث‌ قد دوّنت‌ بمحضره‌ ككتاب‌ الله‌، لعشنا عالماً من‌ الوحدة‌، ورخاء البال‌، والإيمان‌، والسكينة‌، والهدوء. [12]

 وهذا الكلام‌ غير سديد للاسباب‌ الآتية‌:

الحاجة‌ إلی الإمام‌ قائمة‌ مع‌ وجود السُّنّة‌

 أوّلاً: أنّ الحاجة‌ ستظلّ قائمة‌ إلی المعلّم‌ والمربّي‌ والمرشد والوليّ والقائم‌ بالامر حتّي‌ مع‌ تدوين‌ السنّة‌ التامّة‌ الكاملة‌، وإلاّ لظهرت‌ تفاسير مختلفة‌ لها كتفاسير القرآن‌. وحينئذٍ لا يُعقَل‌ وجود من‌ يفصل‌ الخصومة‌ ويرفع‌ الخلاف‌ سوي‌ الإمام‌ المنصوب‌ بالحقّ.

 ثانياً: كان‌ تدوين‌ مثل‌ هذه‌ السُّنّة‌ بِيَدِ الناس‌ محالاً في‌ عصر النبيّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، نظراً إلی ما يتمتّع‌ به‌ القرآن‌ الكريم‌ من‌ شأنٍ عند المسلمين‌ الذين‌ كانوا يسعون‌ في‌ حفظ‌ ألفاظه‌ وكلماته‌. وهذا نفسه‌ يعدّ أكبر معجزة‌ إلهيّة‌ من‌ معجزات‌ نبيّنا صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 ثالثاً: للسنّة‌ أحكام‌ مختلفة‌ في‌ شتّي‌ الموضوعات‌ حسب‌ الحالات‌ اللازمة‌، من‌ قبيل‌ موضوع‌ الضرر والحرج‌ والعُسر واليُسر وأمثالها التي‌ لها أحكام‌ متباينة‌ في‌ الموضوع‌ الواحد وفقاً لاختلاف‌ الظروف‌ والاحوال‌. وهذه‌ الاحكام‌ علی درجة‌ من‌ السعة‌ والكثرة‌ بحيث‌ يتعذّر إحصاؤها وتدوينها. ولا يحيط‌ بها إلاّ ذهن‌ الإمام‌ الوليّ القائم‌ بالامر وقوّته‌ المدركة‌ العاقلة‌ المشخِّصة‌ فحسب‌.

 رابعاً: لقد هيّأ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ هذا الكتاب‌ المدوّن‌ وهذه‌ السنّة‌ المضبوطة‌ التي‌ ينبغي‌ أن‌ تودَع‌ عند أكثر أفراد الاُمّة‌ خبرةً ومعرفةً، وقد أودعها صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ عند أكثرهم‌ خبرةً وعلماً ومعرفة‌. وذلك‌ هو نائبه‌ وخليفته‌ الذي‌ قال‌ في‌ حقّه‌: أنت‌ منّي‌ بمنزلة‌ هارون‌ من‌ موسي‌ إلاّ أ نّه‌ لا نبيّ بعدي‌. يضاف‌ إلی ذلك‌ أ نّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كانت‌ عنده‌ صحيفة‌ مدوّنة‌ فيها جميع‌ المسائل‌ العامّة‌ والمعضلات‌ والحوادث‌ والوقائع‌ والمنايا والبلايا. وقد أَراهَا أُمّتَه‌ من‌ خلال‌ قوله‌: ائتوني‌ بكتف‌ ودواة‌ أكتب‌ لكم‌ ما لاتضلّوا بعده‌ أبداً. فهذه‌ هي‌ السُّنّة‌ المدوَّنة‌ والاحاديث‌ المضبوطة‌ المسطورة‌!

 لقد أمر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بالكتابة‌ ليُسَجَّلَ هذا السند ويكتسب‌ صفة‌ رسميّة‌؛ بَيْدَ أَنّ القوم‌ حالوا دون‌ الكتاب‌ ورفعوا عقيرتهم‌ بقولهم‌: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ. وانقضت‌ اللحظات‌ الاخيرة‌ من‌ عمر النبي‌ّ الكريم‌ باللَّغط‌ والجَلَبة‌ والضوضاء في‌ ذلك‌ المجلس‌ الفوضوي‌ّ. وأمضي‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ تلك‌ اللحظات‌ من‌ وجوده‌ المقدّس‌ كَمَداً حتّي‌ التحق‌ بالرفيق‌ الاعلي‌.

 إنّ قوله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: إنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌، تعريف‌ لذلك‌ الكتاب‌ المسطور والسُّنّة‌ الحيّة‌ الثابتة‌، وقد أتحف‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الاُمّة‌ بهما معاً.

كلام‌ أحمد أمين‌ في‌ الحاجة‌ إلی السُّنّة‌

 يقول‌ الدكتور أحمد أمين‌ المصري‌ّ: وَأَمَّا السُّنَّةَ فَهِي‌َ أَهَمُّ مَصْدَرٍ بَعْدَ القُرْآنِ؛ وَقَدْ تَجَرَّأَ قَوْمٌ فَأَنْكَرُوهَا وَاكْتَفُوا بِالعَمَلِ بِالقُرْآنِ وَحْدَهُ. وَهَذَا خَطَأٌ. فَفِي‌ السُّنَّةِ تَفْسِيرٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّبِي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِلْقُرْآنِ. فَقَدْ كَانَ يُجِيبُ عَنْ أَسْئلَةِ الصَّحَابَةِ فِيمَا غَمَضَ عَلَيْهِمْ وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ. وَفِيهَا تَارِيخُ الإسلام وَتَارِيخُ أَعْمَالِ الصَّحَابَةِ وَطَرِيقُ تَنْفِيذِهِمْ لاِحْكَامِ القُرْآنِ وَكَيفِيَّةِ عَمَلِهِمْ بِهَا.

 فَمِنَ الحَدِيثِ نَعْلَم‌: كَيْفَ عَمِلَ الرَّسُولُ وَأَصْحَابِهِ بِالقُرْآنِ؟ وَكَيْفَ نَجَحُوا فِي‌ تَأْسِيسِ حُكُومَةٍ مَدَنِيَّةٍ عَلَی مَبَادِي‌ِ الإسلام. وَفِي‌ الحَدِيثِ أَخْبَارُ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ وَوَقَائِعُهُمْ إلَی غَيْرِ ذَلِكَ.

 وَقِسْمٌ مِنَ الاَحَادِيثِ أَخْلاَقِي‌ٌّ تَهْذِيبِي‌ٌّ يَحْتَوِي‌ عَلَی الحِكَمِ وَالآدَابِ وَالنَّصَائِحِ مِثْلُ مَدْحِ الصِّدْقِ وَالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَذَمِّ الكِذْبِ وَالظُّلْمِ وَالفِسْقِ وَالفسَادِ.

 وَقِسْمٌ يَشْتَمِلُ عَلَی أُصُولِ العَقَائِدِ المذكُورَةِ فِي‌ القُرْآنِ مِثْلُ التَّوحِيدِ وَالصِّفَاتِ الإلهيَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَالبَعْثِ وَجَزاءِ الاَعْمَالِ.

 وَقِسْمٌ آخَرٌ يَشْتَمِلُ عَلَی أَحْكَامٍ؛ وَقَدِ اشْتَرَطُوا فِي‌ أَحَادِيثِ الاَحْكَامِ صِحَّتَهَا. [13]

 إنّ أحمد أمين‌ هو العالم‌ المصري‌ّ المطّلع‌ المتضلّع‌ المشهور صاحب‌ كتب‌ « فجر الإسلام‌ »، و « ضُحي‌ الإسلام‌ »، و « ظُهْر الإسلام‌ ». التي‌ نشرها في‌ أرجاء العالم‌. ورحّبت‌ بها مدارس‌ السُّنَّة‌ عامّتها.

 بَيدَ أنّه‌ عدّ الشيعة‌ في‌ كتاب‌ « فجر الإسلام‌ »، و « ضحي‌ الإسلام» ولاسبابٍ سياسيّة‌، طائفة‌ شاذّة‌ خارجة‌ من‌ الإسلام‌، وتقوّل‌ عليهم‌ في‌ الاُصول‌ والفروع‌. ونجده‌ بعد مرور أربعة‌ عشر قرناً علی مظلوميّة‌ سيّدنا ومولانا علی عليه‌ السلام‌ في‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌، ومجلس‌ رسول‌ الله‌ في‌ يوم‌ الرزيّة‌، يتحامل‌ علی ولايته‌ ويهاجمها بنفس‌ تلك‌ السيوف‌ التي‌ سُلَّت‌ عليها يومئذٍ، دون‌ أن‌ يتورّع‌ عن‌ أيّ لون‌ من‌ ألوان‌ السبّ والشتم‌ والاتّهام‌.

 وقد قَدِم‌ إلی النجف‌ الاشرف‌ في‌ شهر رمضان‌ بعد سنة‌ 1360 ه في‌ جولةٍ سياحيّة‌ ومعه‌ لفيف‌ من‌ أصحابه‌، والتقي‌ بعلمائها الذين‌ فنّدوا مزاعمه‌ بحجج‌ قاطعة‌، وأثبتوا له‌ أنّ ما قاله‌ ضدّ الشيعة‌ تهم‌ جوفاء لا برهان‌ لها، وهي‌ تُهم‌ كانت‌ تُلصَقُ بالشيعة‌ منذ قديم‌ الزمن‌.

حوار آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء مع‌ أحمد أمين‌

 وكان‌ بين‌ العلماء الذين‌ زارهم‌ أحمد أمين‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ محمّد الحسين‌ آل‌ كاشف‌ الغطاء رحمه‌ الله‌ الذي‌ اجتمع‌ به‌ في‌ مدرسته‌ المعروفة‌ بمدرسة‌ كاشف‌ الغطاء. وكان‌ ذلك‌ بعد مضيّ ساعات‌ من‌ الليل‌. ودار بينهما الكلام‌، فقال‌ له‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء: إنّي‌ لاعجب‌ من‌ قيامك‌، مع‌ عدم‌ اطّلاعك‌ في‌ العقائد والآداب‌ والتأريخ‌ والرجال‌ والمذاهب‌، بتأليف‌ كتب‌ عديدة‌ بوصفك‌ أُستاذاً، فتنشرها في‌ أرجاء العالم‌، وترمي‌ الشيعة‌ الذين‌ يمثّلون‌ ركن‌ الإسلام‌، بل‌ ركنه‌ الاساسيّ بعقائد وتقاليد وآداب‌ لا تمتّ إليهم‌ بصلة‌ أبداً! وإنّ ما ورد حول‌ الشيعة‌ في‌ كتابَيكم‌: « فجر الإسلام‌ » و « ضحي‌ الإسلام‌ » تهم‌ محضة‌. دعنا عن‌ المؤاخذة‌ والسؤال‌ يوم‌ القيامة‌، وقل‌ لي‌: ما هي‌ مهمّة‌ مَن‌ يزعم‌ أ نّه‌ أُستاذ جامعيّ وينشر كتبه‌، أمام‌ الحقّ والحقيقة‌ والتنقيب‌ والتحقيق‌ في‌ الاديان‌ والمذاهب‌؟!

 فقال‌ أحمد أمين‌: أخذنا ما قلناه‌ من‌ المشهور ومن‌ الكتب‌ المدوّنة‌ ( وذكر أسماء الكتب‌ ) لذلك‌ لم‌ نسلك‌ سبيل‌ الخلاف‌!

 فقال‌ آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء: هل‌ هذا هو المشهور عند الشيعة‌ أم‌ عند معانديهم‌ الذين‌ تقوّلوا عليهم‌؟! وهل‌ هذه‌ الكتب‌ هي‌ كتب‌ الشيعة‌ أم‌ كتب‌ مخالفيهم‌ الذين‌ ناوؤهم‌ في‌ المنهج‌ والعقيدة‌؟!

 قال‌: أخذتُ من‌ الكتاب‌ الفلانيّ والفلاني‌ّ.

 قال‌ المرحوم‌ كاشف‌ الغطاء: هذه‌ الكتب‌ هي‌ من‌ مصادر التأريخ‌ عند أهل‌ السنّة‌، لا عند الشيعة‌؛ وقد كُتبتْ بدوافع‌ سياسيّة‌ وتعصّبات‌ مذهبيّة‌. ثمّ عدّ الشيخ‌ هذه‌ الدوافع‌ واحداً بعد الآخر، فتعجّب‌ أحمد أمين‌ لسعة‌ اطّلاعه‌.

 ثمّ قال‌ المرحوم‌ كاشف‌ الغطاء: إنّ القاعدة‌ في‌ تحقيق‌ عقائد كلّ قوم‌ وآدابهم‌ وتقاليدهم‌ وأعمالهم‌ هي‌ مراجعتهم‌ وسؤالهم‌ واستطلاعهم‌ لامراجعة‌ غيرهم‌ من‌ المخالفين‌. ولا خلاف‌ اليوم‌ بين‌ علماء العالم‌ في‌ هذا الاُسلوب‌ المسلَّم‌ به‌. فكلّ باحث‌ يرغب‌ في‌ التعرّف‌ علی عقائد جماعة‌ وآدابها، ومن‌ ثمّ الكتابة‌ عنها، يتحرّك‌ ويجتاز القارّات‌ والمسافات‌ الشاسعة‌ ليصل‌ إليها، فيشاهدها عن‌ كثب‌ ويتحقّق‌ منها فيما يريد. أنا أسألك‌ فأقول‌: أيّ كتابٍ طالعتَ من‌ كتب‌ الشيعة‌ المصنَّفة‌ منذ عصر صدر الإسلام‌ إلی الآن‌؟ هل‌ طالعتَ الكتاب‌ الفلاني‌ّ... والفلاني‌ّ... و... حتّي‌ يحلو لك‌ أن‌ تُطنب‌ وتُسهب‌ في‌ الحديث‌ عن‌ عقائد الشيعة‌ وآرائها؟!

 قال‌: كتب‌ الشيعة‌ ليست‌ في‌ متناول‌ أيدينا!

 فقال‌ آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء: هذه‌ هي‌ الطامّة‌ الكبري‌! لماذا هي‌ ليست‌ في‌ متناول‌ أيديكم‌؟! ولِمَ لا تكون‌ كذلك‌؟! أنا طالب‌ من‌ طلاّب‌ العلوم‌ الدينيّة‌ وأقتني‌ خمسة‌ آلاف‌ كتاب‌ في‌ مكتبة‌ هذه‌ المدرسة‌ المتواضعة‌، وهي‌ في‌ متناول‌ أيدي‌ الطلاّب‌ جميعهم‌. وعندنا أنواع‌ الكتب‌ من‌ صحاح‌ العامّة‌ وسننهم‌ وتواريخهم‌ بأقسامها المختلفة‌ وطبعاتها المتنوّعة‌. وهي‌ ضروريّة‌ لنا من‌ أجل‌ البحوث‌ والدراسات‌ الوافية‌. ألا ينبغي‌ لاهل‌ السُّنّة‌ في‌ مصر، ولجامعها الازهر أن‌ يقتنوا كتب‌ الشيعة‌، فيراجعوها في‌ دراساتهم‌ من‌ قرب‌؟!

 ثمّ أثبت‌ له‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء مواضع‌ خطأه‌ في‌ الكتابين‌ المذكورين‌ بالنسبة‌ إلی الشيعة‌ وعقائدهم‌. وتحدّث‌ له‌ مبرهِناً ومفصِّلاً. وطال‌ المجلس‌ حتّي‌ أُزوف‌ أذان‌ الفجر، فأقرّ أحمد أمين‌ بخطأه‌ في‌ ذلك‌ المجلس‌، ووعد بتصحيح‌ مواضع‌ الخطأ بعد عودته‌ إلی مصر.

 وعندما عاد إلی بلده‌، ألّف‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء كتابه‌ القيِّم‌ « أصل‌ الشيعة‌ وأُصولها » ونشره‌، بَيدَ أنّ أحمد أمين‌ لم‌ يفِ بوعده‌. ومضت‌ السنون‌ بلا شي‌ء يُذكر.

 وفقد أحمد أمين‌ بصره‌ في‌ الايّام‌ الاخيرة‌ من‌ حياته‌، فأملي‌ كتاباً سمّاه‌ « يوم‌ الإسلام‌ ». وذهب‌ في‌ مواضع‌ مختلفة‌ منه‌ إلی صحّة‌ عقائد الشيعة‌ بدون‌ أن‌ يذكر أخطاءه‌ أو يتطرّق‌ إلی كتابَيه‌: « فجر الإسلام‌»، و « ضُحي‌ الإسلام‌ ». ونفي‌ فيه‌ التهم‌ التي‌ كان‌ قد ألصقها بالشيعة‌، وأثبتها في‌ الاتّجاه‌ المعاكس‌ من‌ أجل‌ حقيقة‌ الامر، بحيث‌ إنّنا إذا ضممنا موضوعات‌ الكتاب‌ المتفرّقة‌ بعضها إلی بعض‌، عرفنا أ نّه‌ أبطل‌ أُصول‌ السُّنّة‌، وثبّت‌ أُصول‌ الشيعة‌.

 ونقل‌ العالم‌ الخبير الشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ ـالذي‌ توفّي‌ قبل‌ فترة‌ قريبة‌ـ مطالباً من‌ الكتاب‌ المذكور في‌ كتاب‌ « الشيعة‌ والتشيّع‌ » وهي‌ تدلّ علی ما قلناه‌.

 ونورد فيما يأتي‌ ما جاء فيه‌ بعد أن‌ طالعنا كتاب‌ « يوم‌ الإسلام‌ » بدقّة‌، وراجعنا ما نقله‌ الشيخ‌ مغنية‌ عنه‌:

اعتراف‌ أحمد أمين‌ بحؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌ في‌ مرضه‌

أَحْمَدُ أَمِينٌ يَعْتَرِفُ فِي‌ أَيَّامِهِ الاَخِيرَةِ

 هاجم‌ أحمد أمين‌ في‌ كتاب‌ « فجر الإسلام‌ »، و « ضُحي‌ الإسلام‌» الإماميّة‌ هجوماً عنيفاً، وردّ عليه‌ يومذاك‌ علماءهم‌ ردّاً منطقيّاً، وأثبتوا بشهادة‌ التأريخ‌ وكتبهم‌ العقائديّة‌ أ نّه‌ أحلّ العاطفة‌ محلّ العقل‌، والتعصّب‌ محلّ العدل‌، والخيال‌ محلّ الواقع‌. ومن‌ الذين‌ تصدّوا للردّ عليه‌ المرحوم‌ كاشف‌ الغطاء في‌ كتاب‌ « أصل‌ الشيعة‌ وأُصولها ».

 وبعد مضي‌ عشرين‌ عاماً، أو أكثر علی مهاجمته‌ تلك‌ أُصيب‌ بنظره‌، وعجز عن‌ القراءة‌ والكتابة‌، وفي‌ أيّامه‌ الاخيرة‌ ـسنة‌ 1952م‌ـ استعان‌ بغيره‌، وأملي‌ عليه‌ كتاباً أسماه‌ « يوم‌ الإسلام‌ » اعترف‌ فيه‌ من‌ حيث‌ لايحسّ ولايشعر بما كان‌ قد أنكره‌ علی الإماميّة‌، من‌ ذلك‌:

 استنكاره‌ مبدأ النصّ علی خليفة‌ الرسول‌، وزعمه‌ بأ نّه‌ بدعة‌ استوردها الشيعة‌ من‌ الخارج‌، وأنّ النبيّ أقرّ مبدأ الشوري‌ والانتخاب‌. ثمّ ناقض‌ نفسه‌، وردّ عليها بنفسه‌، حيث‌ اعْتَرَفَ في‌ كتاب‌ « يوم‌ الإسلام‌ » بِأَنَّ النَّبِي‌َّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِي‌ مَرَضِهِ الَّذِي‌ مَاتَ فِيهِ كِتَاباً يُعَيِّنُ مَنْ يَلِي‌ الاَمْرَ بَعْدَهُ، فَحَالَ عُمَرُ دُونَ إرَادَتِهِ.

 وهذا ما قاله‌ صاحب‌ « فجر الإسلام‌ » بالحرف‌ الواحد في‌ كتابه‌ الاخير « يوم‌ الإسلام‌ » ص‌ 41، طبعة‌ 1958م‌:

 أَرَادَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي‌ مَرَضِهِ الَّذِي‌ مَاتَ فِيهِ أَنْ يُعَيِّنَ مَنْ يَلِي‌ الاَمْرَ بَعْدَهُ، فَفِي‌ الصَّحِيحَيْنِ ـ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ لَمَّا احْتَضَرَ قَالَ:

 «هَلُمَّ أَكْتُبَ لَكُمْ كِتَاباً لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» وَكَانَ فِي‌ البَيْتِ رِجَالٌ مِنْهُمْ عُمَرُبْنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ رَسُولَ اللَهِ قَدْغَلَبَ عَلَيْهِالوَجَعُ[14]وَعِنْدَكُمُ القُرآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ!

 فَاخْتَلَفَ القَوْمُ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَرِّبُوا إلَيْهِ يَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: القَوْلُ مَا قَالَهُ عُمَرُ.

 فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاخْتِلاَفِ عِنْدَهُ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ لَهُمْ: قُومُوا؛ فَقَامُوا وَتَرَكَ الاَمْرَ مَفْتُوحاً لِمَنْ شَاءَ. جَعَلَ المُسْلِمِينَ طِوَالَ عَصْرِهِمْ يَخْتَلِفُونَ عَلَی الخَلاَفَةِ حَتَّي‌ عَصْرِنَا هَذَا بَيْنَ السُّعُودِيِّينَ وَالهَاشِمِيِّينَ. [15]

 وقال‌ في‌ ص‌ 53: اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ عَلَی مَنْ يَتَوَلَّي‌ الاَمْرَ بَعْدَ الرَّسُولِ وَكَانَ هَذَا ضَعْفَ لِيَاقَةٍ مِنْهُمْ، إذِ اخْتَلَفُوا قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ الرَّسُولُ. مَعَ العِلْمِ أَنَّ عَلِيَّاً كَانَ مَشْغُولاً بِتَجْهِيزِ النَّبِي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

 وقال‌ في‌ ص‌ 52: كَانَ مَجَالُ الخِلاَفِ الاَوَّلِ ـأَي‌ْ بَيْنَ الصَّحَابَةِـ فِي‌ بَيْتِ النَّبِي‌ِّ، وَالثَّانِي‌ فِي‌ سَقِيفَةِ بَنِي‌ سَاعِدَةَ؛ وَأَخِيراً تَمَّ الاَمْرُ لاِبِي‌ بَكْرٍ عَلَی مَضْضٍ.

 اعترف‌ أحمد أمين‌ في‌ « يوم‌ الإسلام‌ » بأنّ خلافة‌ أبي‌ بكر وعمر كانت‌ غير صحيحة‌، كما اعترف‌ بجرائم‌ عثمان‌.

 وقال‌ في‌ ص‌ 54: وَبَايَعَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ بَايَعَهُ النَّاسُ، وَكَانَ فِي‌ هَذَا مُخَالَفَةٌ لِرُكْنِ الشُّورَي‌. وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: إنَّهَا غَلْطَةٌ وَقَي‌ اللَهُ المُسْلِمِينَ شَرَّهَا؛ وَكَذَلِكَ كَانَتْ غَلْطَةُ بَيْعَةُ أَبِي‌ بَكْرٍ لِعُمَرَ.

اعتراف‌ أحمد أمين‌ بمطاعن‌ عثمان‌

 وقال‌ في‌ ص‌ 58: وَكَانَ أَهَمُّ مَا نَقَمَ النَّاسُ عَلَی عُثْمَانَ:

 1 ـ طَلَبَ مِنْهُ عَبْدُ اللَهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ الاَمَوِيّ صِلَةً، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعْمِائَةٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

 2 ـ أَعَادَ الحَكَمَ بْنَ العَاصِ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ رَسُولُ اللَهِ، وَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

 3 ـ تَصَدَّقَ رَسُولُ اللَهِ بِمَوْضِعِ سُوقِ المَدِينَةِ عَلَی المُسْلِمِينَ، فَأَعْطَاهُ عُثْمَانُ لِلْحَارِثِ الاَمَوِي‌ِّ.

 4 ـ أَعْطَي‌ مَرْوَانَ فَدَكاً، وَقَدْ كَانَتْ فَاطِمَةُ طَلَبَتْهَا بَعْدَ أَبِيهَا فَدُفِعَتْ عَنْهَا.

 5 ـ حَمِي‌َ المَرَاعِي‌ حَوْلَ المَدِينَةِ كُلَّهَا مِنْ مَوَاشِي‌ المُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ إلاَّ عَنْ بَنِي‌ أُميَّةَ.

 6 ـ أَعْطَي‌ عَبْدَ اللَهِ بْنَ أَبِي‌ السَّرْحِ جَمِيعَ مَا أَفَاءَ اللَهُ مِنْ فَتْحِ إفرِيقيَا بِالمَغْرِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَحَداً مِنَ المُسْلمِينَ.

 7 ـ أَعْطَي‌ أَبَا سُفْيَانَ مِائَتَي‌ أَلْفٍ وَمَرْوَانَ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ بَيْتِ المُسْلِمِينَ فِي‌ يَوْمٍ وَاحِدٍ.

 8 ـ أَتَاهُ أُبو مُوسي‌ الاَشْعَرِيُّ بِأَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنَ العِرَاقِ، فَقَسَّمَهَا كُلَّهَا فِي‌ بَنِي‌ أُمَيَّةَ.

 9 ـ تَزَوَّجَ الحَارِثُ بْنُ الحَكَمِ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ بَيْتِ المَالِ.

 10 ـ نَفَي‌ أَبَا ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَهِ إلَی الرَّبَذَةَ لِمُنَاهَضَتِهِ مُعَاوِيَةَ فِي‌ كَنْزِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.

 11 ـ ضَرَبَ عَبْدَ اللَهِ بْنَ مَسْعُودٍ، حَتَّي‌ كَسَرَ أَضْلاَعَهُ. [16]

 12 ـ عَطَّلَ الحُدُودَ، وَلَمْ يَرِدُّ المَظَالِمَ، وَلَمْ يَكُفَّ الاَيْدِي‌َ العَادِيَةِ.

 13 ـ كَتَبَ إلَی عَامِلِهِ فِي‌ مِصْرَ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ قَادَةِ الثَّورَةِ. [17]

 وقال‌ في‌ ص‌ 57: وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ الشَّخْصِيَّاتِ البَارِزَةِ فِي‌ مُحَارِبَتِهِ وَتَأْلِيبِ النَّاسِ عَلَيْهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي‌ بَكْرٍ.

 وقال‌ في‌ ص‌ 61: إنَّ قَتْلَ عُمَرَ وَعَلِيَّ كَانَ حَادِثَةً فَرْدِيَّةً وَمُؤَامَرَةً جُزْئِيَّةً أَمَّا مَقْتَلُ عُثْمَانَ فَقَد كَانَ ثَوْرَةً شَعْبِيَّةً لِلاْقْطَارِ الإسلاميَّةِ.

 وقال‌ في‌ ص‌ 53: كَرِهَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالخِلاَفَةِ، وَلِعِلْمِهِمْ بِشِدَّةِ علی فِي‌ الحَقِّ وَعَدَمِ تَسَاهُلِهِ.

 ولو عطفنا هذه‌ الاقوال‌ بعضها علی بعض‌ جاءت‌ النتيجة‌ كما يأتي‌:

 إنّ مبدأ النصّ علی الخليفة‌ مصدره‌ الاوّل‌ رسول‌ الله‌ دون‌ سواه‌، وإنّ الذين‌ خالفوه‌، وحالوا بينه‌ وبين‌ أن‌ ينصّ علی من‌ يليه‌ في‌ سجلّ مكتوب‌ لايقبل‌ التأويل‌ والتبديل‌ هم‌ بالذات‌ الذين‌ خالفوا تلك‌ النصوص‌ غير المكتوبة‌.

كلام‌ المرحوم‌ المظفّر في‌ ترك‌ النصّ علی الخليفة‌

 قال‌ الشيخ‌ محمّد رضا المظفّر في‌ كتاب‌ « السقيفة‌ »: وإذا كانوا في‌ حياته‌ لايُطيعون‌ أمره‌ في‌ هذه‌ السبيل‌، فكيف‌ إذَن‌ بعد وفاته‌؟

 وإنّ ترك‌ النصّ علی الخليفة‌ قد فرّق‌ الاُمّة‌، ومزّق‌ كلمتها، وأوقعها في‌ التطاحن‌ والتناحر إلی آخر يوم‌. والسبب‌ الوحيد في‌ ذلك‌ كلّه‌ هو الخليفة‌ الثاني‌، ومَن‌ آزره‌ في‌ رأيه‌، وأعانه‌ علی منع‌ الرسول‌ أن‌ يكتب‌ لهم‌ كتاباً لايضلّون‌ بعده‌ أبداً.

 وإنّ بيعة‌ أبي‌ بكر، وعمر لم‌ تكن‌ بالنصّ ولا بالشوري‌، وإنّما كانت‌ مجرّد غلطة‌. ومعني‌ غلطة‌ أ نّها علی غير الحقّ. أمّا عثمان‌، فخالف‌ الإسلام‌، ولذا ثارت‌ عليه‌ الاقطار الإسلاميّة‌ بتحريض‌ عائشة‌، فكانت‌ الثورة‌ عليه‌ شعبيّة‌ إسلاميّة‌، لا شعوبيّة‌، ولا من‌ الشُّذّاذ وقطّاع‌ الطرق‌، كما قيل‌.

 وإنّ الاصحاب‌ الذين‌ حالوا بين‌ علی والخلافة‌ إنّما فعلوا ذلك‌ لسببَين‌:

 الاوّل‌: أنّه‌ شديد في‌ الحقّ لا يتساهل‌ به‌ أبداً.

 الثاني‌: التعصّب‌ علی أهل‌ البيت‌، حيث‌ كرهوا أن‌ تجتمع‌ في‌ بيت‌ واحد، وهو بيت‌ محمّد، النبوّة‌ والخلافة‌.

 وإذا أبي‌ مَن‌ أبي‌ تعصّباً وعناداً أن‌ يعترف‌ لعلي‌ّ بالخلافة‌، لا لشي‌ إلاّ لانّه‌ علی حقّ ومن‌ أهل‌ البيت‌، فإنّ الشيعة‌ آمنوا بخلافته‌، لا نّهم‌ يؤمنون‌ بالحقّ، وأحبّوه‌، لا نّهم‌ يحبّون‌ النبي‌ّ وأهل‌ بيته‌ الاطهار.

 وبالإجمال‌ فإنّ ما قاله‌ الإماميّة‌ في‌ هذا الباب‌ لا يزيد في‌ حقيقته‌ شيئاً عمّا قاله‌ أحمد أمين‌ في‌ كتاب‌ « يوم‌ الإسلام‌ » الذي‌ أ لّفه‌ في‌ أيّامه‌ الاخيره‌، وبعد أن‌ أقام‌ الدنيا ولم‌ يقعدها علی الإماميّة‌ في‌ « فجر الإسلام‌ »، و « ضحي‌ الإسلام‌ ». [18]

 أجل‌، كان‌ حقيقاً بأحمد أمين‌ ـوفقاً لقواعد الشرف‌ والإنصاف‌ والعدل‌ والمروءة‌ـ أن‌ يُصَرِّح‌ بتوبته‌ في‌ كتاب‌ « يوم‌ الإسلام‌ »، ويعتذر عن‌ كتاباته‌ الكثيرة‌ المنتشرة‌ في‌ العالم‌ والموجودة‌ في‌ المكتبات‌ المختلفة‌. وهاهو يلجأ إلی السكون‌ والهدوء بعد الحركة‌، ويُخمِد نار الضجّة‌ التي‌ كان‌ قد أشعل‌ فتيلها بعد أن‌ أثار شرق‌ العالم‌ وغربه‌ ضدّ الإماميّة‌ في‌ كتابَيه‌ الآنفَي‌ الذكر.

 بَيدَ أ نّه‌ لم‌ يفعل‌، واكتفي‌ بإيراد ما نقلناه‌ عنه‌ في‌ تضاعيف‌ كتاب‌ «يوم‌ الإسلام‌ ». اللَهُمَّ احْشُرْهُ مَعَ مَنْ يَتَوَلاَّهُ وَيُحِبُّهُ، وَأَبْعِدْهُ مِمَّنْ يَتَبَرَّأُ مِنْهُ وَيُبْغِضُهُ.

 ولو كان‌ أحمد أمين‌ صرّح‌ بأخطائه‌ في‌ كتاب‌ أو عنوان‌ أو موضوع‌، لما ضلّ أحد من‌ الساذجين‌ بقراءة‌ « فجر الإسلام‌ » وضُحاه‌، ولكن‌ الجميع‌ ضلّوا إلاّ من‌ طالع‌ كتاب‌ « يوم‌ الإسلام‌ » بإمعانٍ. والذي‌ يطالعه‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ كالشيخ‌ البصير محمّد جواد مغنية‌ الذي‌ خبر الربط‌ بين‌ كتبه‌، واستخرج‌ تلك‌ النتيجة‌ من‌ الجمع‌ بين‌ موضوعاتها.

 ولو كان‌ عمر لم‌ يمنع‌ الإتيان‌ بالكتف‌ والدواة‌، لما ضلّ مسلم‌، ولما كانت‌ الولاية‌ للشيعة‌ فحسب‌، بل‌ لكان‌ العالم‌ كلّه‌ شيعيّاً منذ ذلك‌ الحين‌ إلی قيام‌ الساعة‌.

 لقد أمر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بالكتابة‌، وطلب‌ في‌ اللحظات‌ الاخيرة‌ من‌ عمره‌ الشريف‌ كتفاً ودواة‌ من‌ أجل‌ أن‌ يكتب‌ لاُولئك‌ القوم‌ وصاية‌ مولي‌ الموالي‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ أفضل‌ صلوات‌ المصلّين‌ وخلافته‌ بلافصل‌، وولايته‌ الإلهيّة‌ الكلّيّة‌. بَيدَ أنّ المعارضين‌ المناوئين‌ حالوا دون‌ ذلك‌، ولم‌ يرغبوا في‌ تحقيق‌ ولاية‌ الإمام‌، فضلّوا وأضلّوا أنفسهم‌ وأتباعهم‌. أمّا أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ فقد كان‌ يدوّن‌ جميع‌ الاحاديث‌ القدسيّة‌ والسنن‌ النبويّة‌ العلميّة‌ والعمليّة‌، مضافاً إلی كتابته‌ القرآنَ الكريم‌، وكلّ ذلك‌ كان‌ مضبوطاً عنده‌.

 ولا غرو فإنّه‌ ربيب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ مُذ كان‌ وليداً، وهو موضع‌ سرّه‌، بل‌ من‌ أخصّ الناس‌ به‌ في‌ حفظ‌ أسراره‌. وهو أنيسه‌ ومؤنسه‌ ونديمه‌ وعشيره‌ في‌ السفر والحضر، والحضور والغيبة‌، والحرب‌ والسلم‌، والإقامة‌ والهجرة‌، والسكون‌ والحركة‌. وكان‌ يقرأ عليه‌ كلّ آية‌ نازلة‌ وهو يكتبها حتّي‌ لو مضت‌ أيّام‌ علی نزولها. وكان‌ يقرأ تلك‌ الآية‌ لكُتّاب‌ الوحي‌، فيكتبونها أيضاً.

 وإنّما أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ دوّن‌ القرآن‌ كلّه‌ في‌ عهد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، وكان‌ ذلك‌ القرآن‌ المكتوب‌ بخطّه‌ مصدراً ومرجعاً.

كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ تقدّم‌ علی عليه‌ السلام‌

 قال‌ المستشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ رئيس‌ المجلس‌ الاعلي‌ للشؤون‌ الإسلاميّة‌ في‌ جمهوريّة‌ مصر في‌ الصفحة‌ الخامسة‌ والعشرين‌ من‌ كتابه‌ المعروف‌: « الإمام‌ جعفر الصادق‌ » وهو كتاب‌ حديث‌ التأليف‌. ويعدّ من‌ الكتب‌ النفيسة‌ والقيِّمة‌ حقّاً: مَنَعَ عُمَرُ تَدْوِينَ الحَدِيثِ ـ مَخَافَةَ أَنْ يُخْلَطَ القُرْآنِ بِشَي‌ءٍـ وَبِهَذَا أَبْطَأَ التَّدْوِينُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَرْناً بِتَمَامِهِ. وَانْفَتَحَتْ أَبْوَابٌ لِلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَلِلْوَضْعِ وَلِلضِّيَاعِ. أَمَّا علی فَدَوَّنَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ الرَّسُولُ. وَلَعَلَّهُ إذْ دَوَّنَ صَارَ مَرْجِعَ الصَّحَابَةِ بِمَا فِيهِمْ عُمَرُ. [19]

 وقال‌ هذا العالم‌ في‌ المذهب‌ الجعفريّ: أخرج‌ الحاكم‌ في‌ تاريخه‌ بالإسناد إلی أبي‌ بكر عن‌ رسول‌ الله‌ قال‌: مَنْ كَتَبَ عَلَی عِلْماً أَوْ حَدِيثاً لَمْ يَزَلْ يُكْتَبُ لَهُ الاَجْرُ مَا بَقِيَ ذَلِكَ العِلْمُ أَوِ الحَدِيثُ.

 وأجمع‌ أبو بكر أيّام‌ خلافته‌ علی تدوين‌ الحديث‌ فجمع‌ خمسمائة‌ حديث‌ فبات‌ ليلته‌ يتقلّب‌ كثيراً. قالت‌ عائشة‌: فغمّني‌ تقلّبه‌. فلمّا أصبح‌ قال‌ لي‌: أَي‌ْ بُنَيَّةُ! هَلُمِّي‌ الاَحَادِيثَ الَّتِي‌ عِنْدَكِ، فَجِئْتُ بِهَا فَأَحْرَقَهَا.

 وعن‌ الزهريّ، عن‌ عروة‌ أنّ عمر أراد أن‌ يكتب‌ السنن‌. فاستفتي‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ فأشاروا عليه‌ أن‌ يكتبها. فطفق‌ عمر يستخير الله‌ فيها شهراً ثمّ أصبح‌ يوماً فقال‌: إنِّي‌ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإنِّي‌ ذَكَرْتُ قَوْماً قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُباً فَأَكَبَّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَهِ، وَإنِّي‌ وَاللَهِ لاَ أَشُوبُ كِتَابَ اللَهِ بِشَي‌ءٍ أَبَداً.

 وَلَكِنْ عَلِيَّاً دَوَّنَ، وَخَلَّفَ فِي‌ شِيعَتِهِ طَرِيقَةَ التَّدْوِينِ. وَلَقَدْ كَانَ عَلَی ثِقَةٍ مِنْ طَرِيقَتِهِ. وَهُوَ الَّذِي‌ يَقُولُ فِيهِ الرَّسُولُ: علی مَعَ القُرْآنِ وَالقُرْآنُ مَعَ علی وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي‌ يَرِدَا عَلَی الحَوْضَ.

 وَعَنْهُ قَالَ الرَّسُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! وَاللَهِ لَيَبْعَثَنَّ اللَهُ عَلَيْكُمْ رَجُلاً مِنْكُمُ امْتَحَنَ اللَهُ قَلْبَهُ لِلإيمَانِ فَيَضْرِبُكُمْ عَلَی الدِّينِ.

 قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَهِ؟! قَالَ: لاَ! قَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَهِ؟! قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ ذَلِكَ الَّذِي‌ يَخْصِفُ النَّعْلَ. وكان‌ علی يخصف‌ نعلاً للنبي‌ّ عند ذلك‌. [20]

كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ بشأن‌ مصحف‌ الإمام‌ علی عليه‌ السلام‌

 وتحدّث‌ هذا الباحث‌ الحصيف‌، الحرّ في‌ البحث‌ والكلام‌ عن‌ المَدْرَسَة‌ الكُبْرَي‌، ويريد بها مدرسة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌. وقال‌ تحت‌ عنوان‌: المُصْحَفُ الخَاصُّ أَوْ كِتَابُ الاُصُولِ:

 إلی أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ علی نفسه‌ بعد الفراغ‌ من‌ تجهيز الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ألاّ يرتدي‌ إلاّ للصلاة‌ أو يجمع‌ القرآن‌. فجمعه‌ مرتّباً علی حسب‌ النزول‌. وأشار إلی عامّه‌ وخاصّه‌، ومطلقه‌ ومقيَّده‌، ومُحكمه‌ ومتشابهه‌، وناسخه‌ ومنسوخه‌، وعزائمه‌ ورُخَصه‌، وسُننه‌ وآدابه‌. ونبّه‌ علی أسباب‌ النزول‌ فيه‌.

 ومن‌ جلال‌ شأن‌ هذا الكتاب‌ قال‌ فيه‌ محمّد بن‌ سيرين‌: لَوْ أَصَبْتَ هَذَا الكِتَابَ كَانَ فِيهِ العِلْمُ. فهو كما يظهر من‌ محتوياته‌ مصحف‌ خاصّ وكتاب‌ أُصول‌ من‌ صُنع‌ علي‌ّ.

 و « الجامعة‌ » كتاب‌ طوله‌ سبعون‌ ذراعاً من‌ إملاء النبي‌ّ وخطّ علي‌ّ. فيه‌ ما يحتاجه‌ الناس‌ من‌ حلال‌ وحرام‌ وغيره‌، حتّي‌ ليصل‌ في‌ التفصيل‌ إلی أرش‌ الخدش‌ ( الدية‌ التي‌ يجب‌ علی الإنسان‌ أن‌ يدفعها إلی من‌ يخدشه‌ أو يخمشه‌ ). وقد وصفها بذلك‌ الباقر والصادق‌ عليهما السلام‌. وشهدها عندهما الثقات‌ من‌ أصحابهما، ومنهم‌ أبو بصير.

 قال‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌: أَمَا وَاللَهِ عِنْدَنَا مَا لاَ نَحْتَاجُ إلَی أَحَدٍ، وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَيْنَا. إنَّ عِنْدَنَا الكِتَابَ بِإِمْلاَءِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَخَطِّ علی بِيَدِهِ، صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً؛ فِيهَا كُلُّ حَلاَلٍ وَحَرَامٍ.

 وقال‌: إنَّ الجَامِعَةَ لَمْ تَدَعْ لاِحَدٍ كَلاَماً. فِيهَا الحَلاَلُ وَالحَرَامُ. إنَّ أَصْحَابَ القِيَاسِ طَلَبُوا العِلْمَ بِالقِيَاسِ فَلَمْ يَزِدْهُمْ مِنَ الحَقِّ إلاَّ بُعْداً. وَإنَّ دِينَ اللَهِ لاَ يُصَابُ بِالقِيَاسِ.

 قالوا: سُمِّيَت‌ الجامعة‌، و الصَّحيفة‌، و كتاب‌ علی، و الصحيفة‌ العتيقة‌.

 كان‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يخطب‌ الناس‌ فيقول‌:

 وَاللَهِ مَـا عِنـدَنَا كِتَابٌ نَقْـرَؤُهُ عَلَيْكُـمْ إلاَّ كِتَابُ اللَهِ تَعَـالَي‌ وَهَـذِهِ الصَّحِيفَةُ ـ وَكَانَـتْ مُعَلَّقَةً بِسَـيْفِهِ ـ أَخَذْتُهَا عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

 ولقد دعا الخليفة‌ أبو جعفر المنصور بكتاب‌ علی هذا، فجاء به‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وقرأ فيه‌ « إنّ النساء ليس‌ لهنّ من‌ عقار الرجل‌، إذا توفّي‌ عنهنّ، شي‌ء » وقال‌ أبو جعفر: هَذَا وَاللَهِ خَطُّ علی وَإمْلاَءُ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

 وأبو جعفر من‌ العلماء كما قال‌ عنه‌ مالك‌ إمام‌ المدينة‌، وكما أقرّ له‌ الجاحظ‌ كبير النقدة‌. فهو قد يقسم‌ لا نّه‌ قرأ كتابةً قبل‌ ذلك‌ لعلي‌ّ، أو لانّ لديه‌ من‌ العلم‌ ما يعرفه‌ أ نّها بإملاء النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 وكتاب‌ الديات‌: وهو يُغطّي‌ ما يُسَمّي‌ في‌ الفقه‌ المعاصر: (المسؤوليّة‌ المدنيّة‌ ) عن‌ الفعل‌ الضارّ بالجسم‌. أورد محتوياته‌ ابن‌ سعد في‌ كتابه‌ المعروف‌ بـ « الجامع‌ ». وروي‌ عنه‌ أحمد بن‌ حنبل‌ في‌ « المسند الاعظم‌ ». وذكره‌ البخاريّ ومسلم‌، ورويا عنه‌. [21]

 وقال‌ في‌ هذا الكتاب‌ التحقيقيّ أيضاً: كَانَ أَوَّلُ المُسْتَفِيدينَ بِالتَدْوِينِ البَاكِرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَلُوذُونَ بِالائمَّةِ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ فَيَتَعَلَّمُونَ شِفَاهاً أَوْ تَحْرِيراً. أَي‌ْ: مِنْ فَمٍ لِفَمٍ أَوْ بِالكِتَابَةِ.

 فَمَا تَنَاقَلَتْهُ كُتُبُ الشِّيعَةِ مِنَ الحَدِيثِ، هُوَ التُّرَاثُ النَّبَوِيُّ ـ فِي‌ صَمِيمِهِ ـ بَلَغَ الشِّيعَةَ فِي‌ يُسْرِ طَوْعٍ لِعِلْمِهِمُ الازْدِهَارِ؛ فِي‌ حِين‌ لَمْ يَجْمَعْ أَهْلُ السُّنَّةِ هَذَا التُّرَاثَ إلاَّ بَعْدَ أَنِ انْكَبَّ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهُمْ قَرْناً وَنِصْفَ قَرْنٍ حَتَّي‌ حَصَّلُوا مَا دَوَّنُوهُ فِي‌ المُدَوَّنَاتِ الاُولَي‌. ثُمَّ ظَلُّوا قُرُوناً أُخْرَي‌ يَجُوبُونَ الفَيَافِي‌ وَالقِفَارَ فِي‌ كُلِّ الاَمْصَارِ. [22]

رفض‌ الناس‌ مصحف‌ أمير المومنين‌ علی عليه‌ السلام‌

 كان‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أوّل‌ كاتب‌ في‌ الإسلام‌، كما كان‌ أوّل‌ ناطق‌ به‌. ولقد كتب‌ القرآن‌ كلّه‌ بخصوصيّات‌ نزوله‌ وتأويله‌ في‌ عصر رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ نفسه‌. ولم‌ يخرج‌ من‌ البيت‌ بعد وفاته‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ عملاً بوصيّته‌، ولم‌ يلتحق‌ بفئة‌ الخلفاء الغاصبين‌. ولم‌يضع‌ رداءه‌ علی كتفه‌. ولازم‌ بيته‌ ستّة‌ أشهر. ورتّب‌ القرآن‌ حسب‌ نزوله‌، وبيّن‌ جميع‌ ما يتعلّق‌ به‌، ثمّ لفّه‌ في‌ عباءة‌ ووضعه‌ علی بعير، وأتي‌ به‌ إلی المسجد، وقال‌ للحاضرين‌ فيه‌: هذا كتاب‌ الله‌، وأنا صاحب‌ الولاية‌! وهذان‌ الثقلان‌ ثقلا رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ إذ قال‌: إنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌، وَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي‌ يَرِدَا عَلَی الحَوْضَ. فقال‌ له‌ عمر: لا حاجة‌ بنا إليك‌ وعندنا كتاب‌ الله‌ فلا حاجة‌ لنا بكتابك‌.

 فأدار الإمام‌ عليه‌ السلام‌ راحلته‌ نحو منزله‌ وهو يقرأ هذه‌ الآية‌: وَإِذْ أَخَذَ اللَهُ مِيثَـ'قَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـ'بَ لَتُبَيِّنُنَّهُ و لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ و فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ. [23]

 وقال‌: أما إنّكم‌ لن‌ ترون‌ هذا الكتاب‌ أبداً! وكان‌ كما قال‌. واحتفظ‌ به‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ عنده‌ طوال‌ حياته‌. ثمّ صار إلی الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ كوديعة‌ من‌ ودائع‌ الإمامة‌ وخزائنها. وتحوّل‌ من‌ بعده‌ إلی سيّد الشهداء الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌؛ وهكذا ظلّ ينتقل‌ من‌ إمامٍ إلی آخر، حتّي‌ صار عند الإمام‌ المهديّ عجلّ الله‌ تعالي‌ فرجه‌ الشريف‌. وهاهو الآن‌ لديه‌ حتّي‌ يَظهر إن‌ شاء الله‌. فيُظهره‌ عندئذٍ ويُريه‌ الناسَ.

 هذه‌ هي‌ أحاديث‌ الشيعة‌. أمّا أحاديث‌ السُّنَّة‌ فإنّها تصرّح‌ أنّ الإمام‌ عندما جمع‌ القرآن‌، وأخذه‌ إليهم‌، قالوا: نحن‌ عندنا قرآن‌. ولا حاجة‌ بنا إلی قرآنك!

 ولابدّ لنا أن‌ نعرف‌ من‌ منظار الشيعة‌: هل‌ هناك‌ فرق‌ بين‌ قرآنهم‌ وبين‌ القرآن‌ الذي‌ دُوِّن‌ في‌ عهد أبي‌ بكر أوّلاً، ثمّ دوّن‌ في‌ عصر عثمان‌ ثانياً، أو لا فرق‌ بينهما؟!

 لا ريب‌ أنّ الفرقَ موجود، وإلاّ لرضوه‌، ولَمَا كان‌ هناك‌ خلاف‌. فأين‌ يكمن‌ الفرق‌؟! والجواب‌ هو، أوّلاً: أنّ الآيات‌ والسُّوَر في‌ قرآن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ مرتّبة‌ حسب‌ نزولها. ثانياً. أنّ قرآنه‌ عليه‌ السلام‌ يشتمل‌ علی شرح‌ وافٍ للناسخ‌ والمنسوخ‌، والعامّ والخاصّ والمجمل‌ والمبَيَّن‌، وغير ذلك‌، وقد أخذه‌ الإمام‌ من‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، وهو سُنَّة‌. ثالثاً: أنّ قرآنه‌ عليه‌ السلام‌ يصرّح‌ بشأن‌ نزول‌ الآيات‌ ومواطنها. رابعاً: أ نّه‌ يحتوي‌ علی الاحاديث‌ القدسيّة‌ الواردة‌ علی لسان‌ رسول‌الله‌ من‌ أجل‌ شرحه‌ وتفسيره‌ وتأويله‌. خامساً: يضمّ تأويل‌ الآيات‌ أي‌: مقصودها ومفادها وغايتها.

 أمّا القرآن‌ المدوَّن‌ بين‌ الدفّتين‌، الموجود بين‌ أيدينا، فهو يفتقد هذه‌ المزايا وليس‌ فيه‌ إلاّ السور والآيات‌ بلا تغيير ولا تبديل‌ ولا تحريف‌ بزيادة‌ أو نقصان‌.

 ولا مناص‌ لنا من‌ التوسّع‌ في‌ الحديث‌ لإثبات‌ هذا الادّعاء، وللبرهنة‌ علی عقيدة‌ علماء الإسلام‌ المحقّقين‌، والاساطين‌ من‌ مدقّقي‌ الفقهاء والمفسّرين‌ والحكماء والعرفاء، وعقيدتهم‌ تتمثّل‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ كتاب‌ الله‌ بزيادة‌ أو نقصان‌ ولو في‌ جملة‌ واحدة‌ أو كلمة‌ واحدة‌ قصيرة‌. ونتوسّع‌ في‌ الحديث‌ أيضاً من‌ أجل‌ أن‌ تستبين‌ عقيدة‌ الشيعة‌ في‌ هذا المجال‌ كما هي‌ حقّاً.

 

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[2] ـ الآيات‌ 1 إلی 3، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌. والآية‌ الثالثة‌ تامّة‌: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أُوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـ'ذَا الْقُرْءَانَ وَإِن‌ كُنتَ مِن‌ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَـ'فِلِينَ.

[3] ـ «الغدير» ج‌ 6، ص‌ 294 إلی 296، باب‌ نوادر الاثر في‌ علم‌ عمر. وقد تطرّقنا بإيجاز إلی موضوع‌ حرق‌ مكتبة‌ إيران‌ ومصر في‌ كتاب‌ «نور ملكوت‌ القرآن‌» من‌ سلسلة‌ أنوار الملكوت‌، ج‌ 4، البحث‌ التاسع‌. وذكرنا أنّ هذه‌ الاءشاعة‌ مكيدة‌ من‌ مكائد الاستعمار ولاسند لها تأريخيّاً.

[4] ـ تحدّثنا عن‌ هذا الحديث‌ المبارك‌ وحده‌ في‌الجزء الثالث‌ عشر من‌ كتابنا هذا: «معرفة‌ الإمام‌» من‌ سلسلة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌. وقد استغرق‌ حديثنا الكتاب‌ المذكور كلّه‌.

[5] ـ «سنن‌ ابن‌ ماجة‌» ج‌ 1، ص‌ 5؛ و«سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 6، رواه‌ المقدام‌بن‌ معديكرب‌.

 بالله‌ عليكم‌ انظروا، ألا يبيّن‌ هذا الحديث‌ النابع‌ من‌ نور النبوّة‌ حالة‌ أُخري‌ غير حالة‌ أبي‌ بكر وعمر وعثمان‌؟

[6] ـ «كتاب‌ العلم‌» للمقدسي‌ّ، ص‌ 51، مخطوطة‌ المكتبة‌ الظاهريّة‌ بدمشق‌؛ و«جامع‌ بيان‌ العلم‌ وفضله‌» ج‌ 2، ص‌ 191.

[7] ـ «جامع‌ بيان‌ العلم‌ وفضله‌» ج‌ 2، ص‌ 191؛ و«السُّنَّة‌ قبل‌ التدوين‌» ص‌ 78 و 79.

[8] ـ «السُّنَّة‌ قبل‌ التدوين‌» ص‌ 92 إلی 112.

[9] ـ «السُّنَّة‌ قبل‌ التدوين‌» هامش‌ ص‌ 46.

[10] ـ «السُّنَّة‌ قبل‌ التدوين‌» ص‌ 113، عن‌ «تذكرة‌ الحفّاظ‌» ج‌ 1، ص‌ 3 و 4؛ وفي‌ مقدّمة‌ «التمهيد» ص‌ 11، قال‌: قال‌ أبو بكر: إيّاكم‌ والكذب‌ فإنّه‌ مُجانب‌ الاءيمان‌!

[11] ـ «السُّنَّة‌ قبل‌ التدوين‌» ص‌ 112، عن‌ «تذكرة‌ الحفّاظ‌» ج‌ 1، ص‌ 3؛ و«معرفة‌ علوم‌ الحديث‌» ص‌ 15؛ و«الكفاية‌» ص‌ 26. وقد أخرجه‌ الإمام‌ مالك‌ في‌ «الموطّأ» ج‌ 2، ص‌ 513، كما أخرجه‌ أبو داود، والترمذي‌ّ، وابن‌ ماجة‌.

[12] ـ «أضواء علی السُّنّة‌ المحمّديّة‌» ص‌ 245.

[13] ـ «يوم‌ الإسلام‌» النسخة‌ الاصلية‌ الكاملة‌، ص‌ 12، الناشر: مؤسّسة‌ الخانجي‌ بمصر، المكتب‌ التجاري‌ّ ببيروت‌، مكتبة‌ المثنّي‌ ببغداد.

[14] ـ في‌ «صحيح‌ البخاري‌ّ» ج‌ 6، ص‌ 9، طبعة‌ 1314 ه: ما شأنه‌ ـأي‌: النبي‌ّـ أهَجَرَ؟

[15] ـ «يوم‌ الإسلام‌» ص‌ 41.

[16] ـ قال‌ سماحة‌ أُستاذنا الاكرم‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ أعلي‌ الله‌ درجته‌ في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 12، ص‌ 125، الفصل‌ الخامس‌ من‌ فصول‌ البحث‌ في‌ صيانة‌ كتاب‌ الله‌ من‌ التحريف‌: ï ïقال‌ اليعقوبي‌ّ: وكان‌ ابن‌ مسعود بالكوفة‌ ] حين‌ طلب‌ عثمان‌ المصاحف‌ [ فامتنع‌ أن‌ يدفع‌ مصحفه‌ إلی عبد الله‌ بن‌ عامر. وكتب‌ إليه‌ عثمان‌ أن‌ أشخصه‌ إن‌ لم‌ يكن‌ هذا الدين‌ خبالاً وهذه‌ الاُمّة‌ فساداً؛ فدخل‌ ] ابن‌ مسعود [ المسجد وعثمان‌ يخطب‌، فقال‌ عثمان‌: إنّه‌ قد قدمت‌ عليكم‌ دابّةُ سوء. فكلّم‌ ابن‌ مسعود بكلام‌ غليظ‌ فأمر به‌ عثمان‌ فجرّ برِجله‌ حتّي‌ كُسِر له‌ ضلعان‌ فتكلّمت‌ عائشة‌ وقالت‌ قولاً كثيراً.

[17] ـ «يوم‌ الإسلام‌» ص‌ 58 و 59، إلاّ أنّ الشيخ‌ مغنية‌ حذف‌ ممّا قاله‌ بعض‌ الجملات‌ اختصاراً ونحن‌ نوردها إتماماً للفائدة‌، وهي‌ علی ما يلي‌ مرتّباً: وكان‌ من‌ أهمّ: وَأقطع‌ مروان‌ فدك‌ وقد كانت‌ فاطمة‌ طلبتها بعد وفاة‌ أبيها تارةً بالميراث‌، وتارة‌ بالنِّحلة‌ فدُفعتْ عنها. وحمي‌ المراعي‌ حول‌ المدينة‌ كلّها من‌ مواشي‌ المسلمين‌ كلّهم‌، إلاّ عن‌ بني‌ أُميّة‌، وأعطي‌ عبدالله‌بن‌ أبي‌ السرح‌ جميع‌ ما أفاء الله‌ عليه‌ من‌ فتح‌ إفريقيا بالمغرب‌ ـوهي‌ من‌ طرابلس‌ إلی طنجة‌ـ من‌ غير أن‌ يشركه‌ فيه‌ أحد من‌ المسلمين‌. وأعطي‌ أبا سفيان‌ بن‌ حرب‌ مائتي‌ ألف‌ من‌ بيت‌ المال‌ في‌ اليوم‌ الذي‌ أمر فيه‌ لمروان‌ بن‌ الحكم‌ بمائة‌ ألف‌. وقد كان‌ زوّج‌ ابنته‌ أُمّ أبان‌. فجاء زيد بن‌ أرقم‌ صاحب‌ المال‌ بالمفاتيح‌ فوضعها بين‌ يَدَي‌ عثمان‌ وبكي‌. فقال‌ عثمان‌: أتبكي‌ أن‌ وصلتُ رحمي‌؟ قال‌: لا، ولكن‌ أبكي‌ لا نّي‌ أظنّك‌ أخذتَ هذا المال‌ عوضاً عمّا كنتَ أنفقتَه‌ في‌ سبيل‌ الله‌ في‌ حياة‌ رسول‌ الله‌! والله‌ لو أعطيتَ مروان‌ مائة‌ درهم‌ لكان‌ كثيراً. فقال‌: ألقِ المفاتيح‌ فإنّا سنجد غيرك‌. وأتاه‌ أبو موسي‌ الاشعريّ بأموال‌ كثيرة‌ من‌ العراق‌ فقسّمها كلّها في‌ بني‌ أُميّة‌. وزوّج‌ الحارث‌ بن‌ الحكم‌ بنت‌ عائشة‌ فأعطاه‌ مائة‌ ألف‌ من‌ بيت‌ المال‌ أيضاً. ونفي‌ أبا ذرّ رحمه‌ الله‌ إلی الربذة‌ لمناهضته‌ لمعاوية‌ في‌ الشام‌ في‌ كنز الذهب‌ والفضّة‌. وضرب‌ عبد الله‌ بن‌ مسعود حتّي‌ كسر أضلاعه‌. وعدل‌ عن‌ طريقة‌ عمر في‌ إقامة‌ الحدود وردّ المظالم‌ وكفّ الايدي‌ العادية‌ والانتصاب‌ لسياسة‌ الرعيّة‌. وختم‌ ذلك‌ كلّه‌ بما وجدوه‌ من‌ كتابه‌ إلی عامله‌ بمصر يأمره‌ بقتل‌ قادة‌ الثورة‌.

[18] ـ كتاب‌ «الشيعة‌ والتشيّع‌»، وقد طبعته‌ مكتبة‌ المدرسة‌، ودار الكتاب‌ اللبناني‌ّ للطباعة‌ والنشر في‌ بيروت‌، علی حِدَة‌، ص‌ 72 إلی 75. وطبع‌ أيضاً مع‌ كتابيه‌ الآخرين‌: «مع‌ الشيعة‌ الإماميّة‌»، و«الاثنا عشريّة‌» في‌ مجموعة‌ واحدة‌ تحت‌ عنوان‌: «الشيعة‌ في‌ الميزان‌»، طبعتها دار التعارف‌ للمطبوعات‌ في‌ بيروت‌، ص‌ 70 إلی 73.

[19] ـ «الإمام‌ جعفر الصادق‌» ص‌ 25، طبعة‌ القاهرة‌ سنة‌ 1397 ه بإشراف‌ محمّد توفيق‌ عويضة‌.

[20] ـ «الإمام‌ جعفر الصادق‌» لعبد الحليم‌ الجندي‌ّ، ص‌ 185 و 186.

[21] ـ «الإمام‌ جعفر الصادق‌» ص‌ 199 و 200.

[22] ـ «الإمام‌ جعفر الصادق‌» لعبد الحليم‌ الجنديّ، ص‌ 202 و 203.

[23] ـ الآية‌ 187، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ والتسعون‌ بعد المائة‌ إلی المائتين‌
  أهمّيّة‌ التدريس‌ والكتابة‌
  تفسير آية‌ الدَّين‌ والتجارة‌ من‌ سورة‌ البقرة‌
  الاستشهاد بالآيات‌ القرآنيّة‌ علی وجوب‌ الكتابة‌
  الكتابة‌ في‌ عهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  أحاديث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ الامر بالكتابة‌
  كتابة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو للصحيفة‌ الصادقة‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌
  تعمّد الخطيب‌ عدم‌ نقل‌ أخبار حؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌
  حظر عمر الكتابة‌ ينطلق‌ من‌ أغراض‌ سياسيّة‌
  حظر عمر تدوين‌ الحديث‌ النبوي‌ّ
  ردّ العلاّمة‌ الاميني‌ّ علی عمر في‌ حظر تدوين‌ الحديث‌
  الصحابة‌ كانوا ينقلون‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  رأي‌ جولدتسيهر في‌ تدوين‌ الحديث‌
  آفات‌ الاعتقاد بقول‌ عمر: حسبنا كتاب‌ الله‌
  الحاجة‌ إلی الإمام‌ قائمة‌ مع‌ وجود السُّنّة‌
  كلام‌ أحمد أمين‌ في‌ الحاجة‌ إلی السُّنّة‌
  حوار آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء مع‌ أحمد أمين‌
  اعتراف‌ أحمد أمين‌ بحؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌ في‌ مرضه‌
  اعتراف‌ أحمد أمين‌ بمطاعن‌ عثمان‌
  >>كلام‌ المرحوم‌ المظفّر في‌ ترك‌ النصّ علی الخليفة‌
  كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ تقدّم‌ علی عليه‌ السلام‌
  كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ بشأن‌ مصحف‌ الإمام‌ علی عليه‌ السلام‌
  رفض‌ الناس‌ مصحف‌ أمير المومنين‌ علی عليه‌ السلام‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ الكريم‌
  الاستدلال‌ بتحدّي‌ القرآن‌ علی عدم‌ تحريفه‌
  الاستدلال‌ بحديث‌ الثقلين‌ وأمثاله‌ علی عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  أدلّة‌ الحشويّة‌ ومحدِّثي‌ الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ تحريف‌ القرآن‌
  الاستدلال‌ بالإجماع‌ علی عدم‌ التحريف‌ يستلزم‌ الدور.
  الاستدلال‌ بأخبار التحريف‌ وجوابها
  أخبار التحريف‌ المدسوسة‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ جمع‌ القرآن‌
  كلام‌ الطبرسي‌ّ والسيِّد المرتضي‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ آية‌ الله‌ الميرزا حسن‌ الآشتياني‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ الإمام‌ الهندي‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌(التعلیقة).
  نقل سورة محرّفة من« دبستان المذاهب»..
  ما نصّ عليه‌ كتاب‌ «دبستان‌ المذاهب‌» حول‌ عقائد الشيعة‌
  نقل‌ كلام‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ في‌ المذهب‌ الاخباري‌ّ
  انتقاد المذهب‌ الاخباري‌ّ
  انتقاد كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌» في‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ صاحب‌ «الذريعة‌» حول‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»..
  انتقاد المحدِّث‌ النوري‌ّ لتأليفه‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»..
  كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ (التعلیقة)
  كلام‌ السيّد محمّد التيجاني‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌
  بين‌ السنّة‌ مَن‌ یروی روایات التحريف‌
  بحث‌ علمي‌ّ مفصّل‌ للعلاّمة‌ البلاغي‌ّ حول‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  الدرس‌ الاوّل‌ بعد المائتين‌ إلی العاشر بعد المائتين‌ :تقدّم‌ الشيعة‌ ...
  تفسير آية‌: ن‌ والقلم‌ وما يسطرون‌
  مصحف‌ علی عليه‌ السلام‌
  الروايات‌ الواردة‌ في‌ صفة‌ كتاب‌ «الجامعة‌»..
  تفسير العلاّمة‌ المجلسي‌ّ لعلم‌ الائمّة‌ الاعظم‌
  روايات‌ «بصائر الدرجات‌» في‌ صفة‌ «الجامعة‌»..
  كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ الصدر حول‌ تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ التدوين‌
  الاحاديث‌ الواردة‌ في‌ الجفر.
  خصائص‌ كتاب‌ الجفر.
  بيان‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ حول‌ الجفر
  الاحاديث‌ الاُخري‌ الواردة‌ حول‌ الجفر
  أُصُول‌ الجفر وقواعده‌ صحيحه‌
  الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ استكشفوا المغيبات‌ من‌ الجفر
  كلام‌ العلماء حول‌ الجفر
  كلام‌ ابن‌ خلدون‌ حول‌ الجفر
  ترجمة‌ الفواطم‌ في‌ زمن‌ الهجرة‌
  تهم‌ الرافعي‌ّ ضدّ الشيعة‌ في‌ تفسير القرآن‌ علی أساس‌ علم‌ الجفر
  رؤيا النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ حكومة‌ الامويّين‌ (التعلیقة)
  ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی تُهم‌ الرافعي‌ّ
  تحريف‌ السيّد حسن‌ الامين‌ كتاب‌ أبيه‌ «أعيان‌ الشيعة‌»..
  تحريف‌ وجريمة‌ أُخري‌ للسيّد حسن‌ الامين‌
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ الجفر
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌
  نقد كلام‌ مغنية‌ وأمثاله‌ في‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌
  إثبات‌ علم‌ الغيب‌ بالجفر في‌ كلام‌ الإيجي‌ّ والمير السيّد شريف‌
  صعوبة‌ تصديق‌ كثير من‌ المسائل‌ الغيبيّة‌ لغير أهل‌ العرفان‌ من‌ العلماء
  إخبار آية‌ الله‌ بهجت‌ ما في‌ ضمير المؤلّف‌
  الصحيفة‌ التي‌ فيها أسماء الشيعة‌ عند الإمام‌ الصادق‌ هي‌ غير الجفر
  حديث‌ السيّد حسن‌ الصدر عن‌ كتاب‌ «الديات‌»
  روايات‌ البخاري‌ّ في‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  كلام‌ أبو ريّة‌ حول‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  روايات‌ الشيعة‌ حول‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  «صحيفة‌ الفرائض‌» من‌ تدوين‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الرابع‌
  «كتاب‌ الستّين‌» التدوين‌ الخامس‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی الرافعي‌ّ بشأن‌ «كتاب‌ السِّتِّين‌»
  «مصحف‌ فاطمة‌» من‌ مدوّنات‌ علی عليه‌ السلام‌
  الروايات‌ في‌ هويّة‌ «مصحف‌ فاطمة‌»
  كلام‌ العلاّمة‌ الامين‌ حول‌ عظمة‌ مصحف‌ فاطمة‌ عليها السلام‌
  كتابة‌ علی أسماء الائمّة‌ بإملاء رسول‌ الله‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ «مصحف‌ فاطمة‌»
  حديث‌ لوح‌ فاطمة‌ عليها السلام‌
  حديث‌ الرسائل‌ السماويّة‌ المختومة‌ في‌ ولاية‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر
  أبو رافع‌ أوّل‌ مؤلّف‌ بين‌ الشيعة‌ بعد أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  تقدّم‌ سنن‌ أبي‌ رافع‌ علی كتاب‌ سُلَيم‌
  التدوين‌ عند أهل‌ السنّة‌ كان‌ بعد قرنين‌
  ردّ محمّد عجّاج‌ الخطيب‌ علی السيّد حسن‌ الصدر
  كلام‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كيفيّة‌ التدوين‌ عند أهل‌ السنّة‌
  الادلّة‌ علی أنّ التدوين‌ عند العامّة‌ بدأ في‌ رأس‌ المائة‌ الثالثة‌
  كلام‌ أبو ريّة‌ حول‌ الإسرائيليّات‌ في‌ الحديث‌
  نهي‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ المؤكّد عن‌ رواية‌ الإسرائيليّات‌
  ضعف‌ روايات‌ أبي‌ هريرة‌ وعبد الله‌ بن‌ عمرو
  ردُّ أبي‌ ريّة‌ علی أحاديث‌ أبي‌ هريرة‌
  تفاهة‌ صحيفة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو وعدم‌ قيمتها
  دفاع‌ محمّد عجّاج‌ عن‌ «صحيفة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو»
  نقد كلام‌ محمّد عجّاج‌ في‌ ردّه‌ علی أبي‌ ريّة‌
  سلمان‌ الفارسي‌ّ وأبو ذرّ الغفاري‌ّ صحابيّان‌ مدوِّنان‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی