معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام (المجلد الرابع‌عشر)
کتاب معرفة الامام / المجلد الرابع عشر / القسم الثالث: رد ادلة تحریف القرآن، جمع القرآن

كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ الكريم‌

 قال‌ سماحة‌ أُستاذنا الاكرم‌ فخر المفسّرين‌ وخاتمهم‌، ورأس‌ الحكماء المتأ لّهين‌ وقدوتهم‌، وعماد العرفاء الشامخين‌ وأصلهم‌ في‌ عصرنا هذا: آية‌ الله‌ المعظم‌ العلاّمة‌ السيّد محمّد حسين‌ الطباطبائيّ قدّس‌ سرّه‌:

 قَولُهُ تَعَالَي‌: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـ'فِظُونَ. [1] صدر الآية‌ مَسُوق‌ سَوق‌ الحصر؛ وظاهر السِّياق‌ أنّ الحصر ناظر إلی ما ذُكر من‌ ردّهم‌ القرآن‌ ( ردّ المشركين‌ ) بأ نّه‌ من‌ أهذار الجنون‌ وأ نّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مجنونٌ لا عبرةَ بما صنع‌ ولا حجر. ومن‌ اقتراحهم‌ أن‌ يأتيهم‌ بالملائكة‌ ليصدّقوه‌ في‌ دعوته‌، وأنّ القرآن‌ كتاب‌ سماوي‌ّ حقّ.

 والمعني‌ ـ علی هذا والله‌ أعلم‌ ـ أنّ هذا الذكر لم‌ تأتِ به‌ أنتَ من‌ عندك‌ حتّي‌ يعجزوك‌ ويُبطلوه‌ بعنادهم‌ وشدّة‌ بطشهم‌، وتتكلّف‌ لحفظه‌ ثمّ لاتقدر! وليس‌ نازلاً من‌ عند الملائكة‌ حتّي‌ يفتقر إلی نزولهم‌ وتصديقهم‌ إيّاه‌، بل‌ نحن‌ أنزلنا هذا الذكر إنزالاً تدريجيّاً وإنّا له‌ لحافظون‌ بما له‌ من‌ صفة‌ الذكر بما لنا من‌ العناية‌ الكاملة‌ به‌.

 فهو ذِكر حيّ خالد مصون‌ من‌ أن‌ يموت‌ ويُنسي‌ من‌ أصله‌، مَصون‌ من‌ الزيادة‌ عليه‌ بما يبطل‌ به‌ كَونه‌ ذِكراً، مَصون‌ من‌ النقص‌ كذلك‌، مَصون‌ من‌ التغيير في‌ صورته‌ وسياقه‌ بحيث‌ يتغيّر به‌ صفة‌ كَونه‌ ذِكراً للّه‌ مُبيّناً لحقائق‌ معارفه‌.

 فالآية‌ تدلّ علی كَون‌ كتاب‌ الله‌ محفوظاً من‌ التحريف‌ بجميع‌ أقسامه‌ من‌ جهة‌ كونه‌ ذِكراً للّه‌ سبحانه‌، فهو ذِكر حيٌّ خالد.

 ونظير الآية‌ في‌ الدلالة‌ علی كون‌ الكتاب‌ العزيز محفوظاً بحفظ‌ الله‌ مصوناً من‌ التحريف‌ والتصرّف‌ بأيّ وجه‌ كان‌ من‌ جهة‌ كونه‌ ذكراً له‌ سبحانه‌ قوله‌ تعالي‌: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ و لَكِتَـ'بٌ عَزِيزٌ* لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. [2]

 وقد ظهر بما تقدّم‌ أنّ اللام‌ في‌ الذِّكْر للعهد الذكريّ وأنّ المراد بالوصف‌ لحافظون‌ هو الاستقبال‌ كما هو الظاهر من‌ اسم‌ الفاعل‌، فيندفع‌ به‌ ما ربّما يورَد علی الآية‌ أ نّها لو دلّت‌ علی نفي‌ التحريف‌ من‌ القرآن‌ لا نّه‌ ذِكر، لدلّت‌ علی نفيه‌ من‌ التوراة‌ والإنجيل‌ أيضاً، لانّ كلاّ منها ذِكر مع‌ أنّ كلامه‌ تعالي‌ صريح‌ في‌ وقوع‌ التحريف‌ فيهما.

 وذلك‌ أنّ الآية‌ بقرينة‌ السياق‌ إنّما تدلّ علی حفظ‌ الذكر الذي‌ هو القرآن‌ بعد إنزاله‌ إلی الابد، ولا دلالة‌ فيها علی علِّيَّة‌ الذكر للحفظ‌ الإلهيّ ودوران‌ الحكم‌ مداره‌. [3]

 وتحدّث‌ سماحة‌ الاُستاذ هنا حديثاً وافياً راقياً حول‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ وذلك‌ بعد البحث‌ الروائيّ. ووفّي‌ الموضوع‌ حقّه‌ في‌ سبعة‌ فصول‌ تحت‌ عنوان‌: ( القرآن‌ مصون‌ عن‌ التحريف‌ ). وحطّم‌ سدّ الشبهات‌ وثغورها تماماً. ودخل‌ في‌ الموضوع‌ بمنطق‌ متين‌ ودليل‌ رصين‌ من‌ أجل‌ إثبات‌ ما يريده‌. وننتقي‌ من‌ كلامه‌ كثيراً من‌ المعلومات‌ التي‌ لها علاقة‌ مباشرة‌ ببحث‌ التحريف‌.

 الفصل‌ 1

كَلاَمٌ فِي‌ أَنَّ القُرآن‌ مَصُونٌ عَنِ التَّحرِيفِ فِي‌ فُصُولٍ

 من‌ ضروريّات‌ التأريخ‌ أنّ النبيّ العربيّ محمّداً صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ جاء قبل‌ أربعة‌ عشر قرناً ـ تقريباً ـ وادّعي‌ النبوّة‌ وانتهض‌ للدعوة‌ وآمن‌ به‌ أُمّةٌ من‌ العرب‌ وغيرهم‌. وأ نّه‌ جاء بكتاب‌ يسمّيه‌ القرآن‌ وينسبه‌ إلی ربّه‌، متضمّن‌ لجمل‌ المعارف‌ وكليّات‌ الشريعة‌ التي‌ كان‌ يدعو إليها. وكان‌ يتحدّي‌ به‌ ويعدّه‌ آية‌ لنبوّته‌. وأنّ القرآن‌ الموجود اليوم‌ بأيدينا هو القرآن‌ الذي‌ جاء به‌ وقرأه‌ علی الناس‌ المعاصرين‌ له‌ في‌ الجملة‌ بمعني‌ أ نّه‌ لم‌يضع‌ من‌ أصله‌ بأن‌ يفقد كلّه‌. ثمّ يوضع‌ كتاب‌ آخر يشابهه‌ في‌ نظمه‌ أو لايشابهه‌ ويُنسب‌ إليه‌ ويشتهر بين‌ الناس‌ بأ نّه‌ القرآن‌ النازل‌ علی النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌.

 فهذه‌ أُمور لا يرتاب‌ في‌ شي‌ء منها إلاّ مصابٌ في‌ فهمه‌ ولااحتمل‌ بعض‌ ذلك‌ أحد من‌ الباحثين‌ في‌ مسألة‌ التحريف‌ من‌ المخالفين‌ والمؤالفين‌.

 وإنّما احتمل‌ بعض‌ من‌ قال‌ به‌ من‌ المخالف‌ أو المؤالف‌ زيادة‌ شي‌ء يسير كالجملة‌ أو الآية‌، [4] أو النقص‌ أو التغيير في‌ جملة‌ أو آية‌ أو كلماتها أو إعرابها، وأمّا جُلّ الكتاب‌ الإلهيّ فهو علی ما هو في‌ عهد النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ لم‌ يضع‌ ولم‌ يفقد.

الاستدلال‌ بتحدّي‌ القرآن‌ علی عدم‌ تحريفه‌

 ثمّ إنّا نجد القرآن‌ يتحدّي‌ بأوصاف‌ ترجع‌ إلی عامّة‌ آياته‌، ونجد ما بأيدينا من‌ القرآن‌، أعني‌: مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ واجداً لما وصف‌ به‌ من‌ أوصاف‌ تحدّي‌ بها من‌ غير أن‌ يتغيّر في‌ شي‌ء منها أو يفوته‌ ويفقد.

 فنجده‌ يتحدّي‌ بالبلاغة‌ والفصاحة‌، ونجده‌ بأيدينا مشتملاً علی ذلك‌ النظم‌ العجيب‌ البديع‌ لا يعدله‌ ولا يشابهه‌ شي‌ء من‌ كلام‌ البلغاء والفصحاء المحفوظ‌ منهم‌ والمرويّ عنهم‌ من‌ شعر أو نثر أو خطبة‌ أو رسالة‌ أو محاورة‌ أو غير ذلك‌، وهذا النظم‌ موجود في‌ جميع‌ الآيات‌ سواء كِتَـ'بًا مُّتَشَـ'بِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ [5] الْجُلُودُ وَالْقُلُوبُ.

 ونجده‌ يتحدّي‌ بقوله‌: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَـ'فًا كَثِيرًا، [6] بعدم‌ وجود اختلاف‌ فيه‌. ونجد ما بأيدينا من‌ القرآن‌ يفي‌ بذلك‌ أحسن‌ الوفاء وأوفاه‌. فما من‌ إبهام‌ أو خلل‌ يتراءي‌ في‌ آية‌ إلاّ وترفعه‌ آية‌ أُخري‌. وما من‌ خلافٍ أو مناقضة‌ يتوهّم‌ بادي‌ الرأي‌ من‌ شطر إلاّ وهناك‌ ما يدفعه‌ ويفسّره‌.

 ونجده‌ يتحدّي‌ بغير ذلك‌ ممّا لا يختصّ فهمه‌ بأهل‌ اللغة‌ العربيّة‌، كما في‌ قوله‌: قُل‌ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ وَالْجِنُّ عَلَي‌'´ أَن‌ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـ'ذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. [7]

 وقوله‌: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ. [8]

 ثمّ نجد ما بأيدينا من‌ القرآن‌ يستوفي‌ البيان‌ في‌ صريح‌ الحقّ الذي‌ لامرية‌ فيه‌، ويهدي‌ إلی آخر ما يهتدي‌ إليه‌ العقل‌ من‌ أُصول‌ المعارف‌ الحقيقيّة‌ وكلّيّات‌ الشرائع‌ الفطريّة‌ وتفاصيل‌ الفضائل‌ الخلقيّة‌ من‌ غير أن‌ نعثر فيها علی شي‌ء من‌ النقيصة‌ والخلل‌ أو نحصل‌ علی شي‌ء من‌ التناقض‌ والزلل‌، بل‌ نجد جميع‌ المعارف‌ علی سعتها وكثرتها حيّة‌ بحياة‌ واحدة‌ مدبّرة‌ بروح‌ واحد هو مبدأ جميع‌ المعارف‌ القرآنيّة‌ والاصل‌ الذي‌ إليه‌ ينتهي‌ الجميع‌ ويرجع‌ وهو التوحيد فإليه‌ ينتهي‌ الجميع‌ بالتحليل‌، وهو يعود إلی كلّ منها بالتركيب‌.

 ونجده‌ يغوص‌ في‌ أخبار الماضين‌ من‌ الانبياء وأُممهم‌، ونجد ما عندنا من‌ كلام‌ الله‌ يورد قصصهم‌ ويفصّل‌ القول‌ فيها علی ما يليق‌ بطهارة‌ الدين‌ ويناسب‌ نزاهة‌ ساحة‌ النبوّة‌ وخلوصها للعبوديّة‌ والطاعة‌. وكلّما طبّقنا قصّة‌ من‌ القصص‌ القرآنيّة‌ علی ما يماثلها ممّا ورد في‌ العهدين‌ (العهد القديم‌ والعهد الجديد في‌ التوراة‌ والإنجيل‌ )، انجلي‌ ذلك‌ أحسن‌ الانجلاء.

 ونجده‌ يورد آيات‌ في‌ الملاحم‌، ويُخبر عن‌ الحوادث‌ الآتية‌ في‌ آيات‌ كثيرة‌ بالتصريح‌ أو بالتلويح‌، ثمّ نجدها فيما هو بأيدينا من‌ القرآن‌ علی تلك‌ الشريطة‌ صادقة‌ مصدّقة‌.

 ونجده‌ يصف‌ نفسه‌ بأوصاف‌ زاكية‌ جميلة‌ كما يصف‌ نفسه‌ بأنّه‌ نور وأنّه‌ هادٍ يهدي‌ إلی صراط‌ مستقيم‌، وإلي‌ الملّة‌ التي‌ هي‌ أقوم‌؛ ونجد ما بأيدينا من‌ القرآن‌ لا يفقد شيئاً من‌ ذلك‌ ولا يهمل‌ من‌ أمر الهداية‌ والدلالة‌ ولادقيقة‌.

 ومن‌ أجمع‌ الاوصاف‌ التي‌ يذكرها القرآن‌ لنفسه‌ أ نّه‌ ذِكر للّه‌ فإنّه‌ يذكر به‌ تعالي‌ بما أنّه‌ آية‌ دالّة‌ عليه‌ حيّة‌ خالدة‌؛ وبما أنّه‌ يصفه‌ بأسمائه‌ الحسني‌ وصفاته‌ العُليا، ويصف‌ سنّته‌ في‌ الصنع‌ والإيجاد، ويصف‌ ملائكته‌ وكتبه‌ ورسله‌، ويصف‌ شرائعه‌ وأحكامه‌، ويصف‌ ما ينتهي‌ إليه‌ أمر الخلقة‌، وهو المعاد ورجوع‌ الكلّ إليه‌ سبحانه‌، وتفاصيل‌ ما يؤول‌ إليه‌ أمر الناس‌ من‌ السعادة‌ والشقاء، والجنّة‌ والنار. ففي‌ جميع‌ ذلك‌ ذكر الله‌، وهو الذي‌ يرومه‌ القرآن‌ بإطلاق‌ القول‌ بأ نّه‌ ذِكر؛ ونجد ما بأيدينا من‌ القرآن‌ لايفقد شيئاً من‌ معني‌ الذِّكر.

 ولكون‌ الذِّكر من‌ أجمع‌ الصفات‌ في‌ الدلالة‌ علی شؤون‌ القرآن‌، عبّر عنه‌ بالذِّكر في‌ الآيات‌ التي‌ أخبر فيها عن‌ حفظه‌ القرآن‌ عن‌ البطلان‌ والتغيير والتحريف‌ كقوله‌ تعالي‌: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي‌´ ءَايَـ'تِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن‌ يُلْقَي‌' فِي‌ النَّارِ خَيْرٌ أَم‌ مَّن‌ يَأَتِي‌´ ءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ و بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ و لَكِتَـ'بٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. [9]

 فذكر تعالي‌ أنّ القرآن‌ من‌ حيث‌ هو ذِكر لا يغلبه‌ باطل‌ ولايدخل‌ فيه‌ حالاً ولا في‌ مستقبل‌ الزمان‌ لا بإبطال‌ ولا بنسخ‌ ولا بتغيير أو تحريف‌ يوجب‌ زوال‌ ذكريّته‌ عنه‌.

 وكقوله‌ تعالي‌: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـ'فِظُونَ. [10]

 فقد أطلق‌ الذكر وأطلق‌ الحفظ‌. فالقرآن‌ محفوظ‌ بحفظ‌ الله‌ عن‌ كلّ زيادة‌ ونقيصة‌ وتغيير في‌ اللفظ‌ أو في‌ الترتيب‌ يزيله‌ عن‌ الذكريّة‌ ويبطل‌ كونه‌ ذِكراً للّه‌ سبحانه‌ بوجه‌.

 ومن‌ سخيف‌ القول‌ إرجاع‌ ضمير « له‌ » إلی النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فإنّه‌ مدفوع‌ بالسياق‌. وإنّما كان‌ المشركون‌ يستهزؤون‌ بالنبي‌ّ لاجل‌ القرآن‌ الذي‌ كان‌ يدّعي‌ نزوله‌ عليه‌ كما يُشير إليه‌ بقوله‌ سابقاً: وَقَالُوا يَـ'´أَيُّهَا الَّذِي‌ نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ. [11]

 فقد تبيّن‌ ممّا فصّلناه‌ أنّ القرآن‌ الذي‌ أنزله‌ الله‌ علی نبيّه‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ووصفه‌ بأ نّه‌ ذكر محفوظ‌ علی ما أُنزل‌ مصون‌ بصيانة‌ إلهيّة‌ عن‌ الزيادة‌ والنقيصة‌ والتغيير كما وعد الله‌ نبيّه‌ فيه‌.

 وخلاصة‌ الحجّة‌ أنّ القرآن‌ أنزله‌ الله‌ علی نبيّه‌ ووصفه‌ في‌ آيات‌ كثيرة‌ بأوصاف‌ خاصّة‌. لو كان‌ تغيّر في‌ شي‌ء من‌ هذه‌ الاوصاف‌ بزيادة‌ أو نقيصة‌ أو تغيير في‌ لفظ‌ أو ترتيب‌ مؤثّر، فقد آثار تلك‌ الصفة‌ قطعاً لكنّا نجد القرآن‌ الذي‌ بأيدينا واجداً لآثار تلك‌ الصفات‌ المعدودة‌ علی أتمّ ما يمكن‌ وأحسن‌ ما يكون‌ فلم‌ يقع‌ فيه‌ تحريف‌ يسلبه‌ شيئاً من‌ صفاته‌. فالذي‌ بأيدينا منه‌ هو القرآن‌ المنزل‌ علی النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بعينه‌.

 فلو فرض‌ سقوط‌ شي‌ء منه‌ أو تغيّر في‌ إعراب‌ أو حرف‌ أو ترتيب‌ وجب‌ أن‌ يكون‌ في‌ أمر لا يؤثّر في‌ شي‌ء من‌ أوصافه‌ كالإعجاز، وارتفاع‌ الاختلاف‌، والهداية‌، والنوريّة‌، والذِّكريّة‌، والهيمنة‌ علی سائر الكتب‌ السماويّة‌ إلی غير ذلك‌، وذلك‌ كآية‌ مكرّرة‌ ساقطة‌ أو اختلاف‌ في‌ نقطة‌ أو إعراب‌، ونحوها.

 الفصل‌ 2

الاستدلال‌ بحديث‌ الثقلين‌ وأمثاله‌ علی عدم‌ تحريف‌ القرآن‌

 ويدلّ علی عدم‌ وقوع‌ التحريف‌ الاخبار الكثيرة‌ المرويّة‌ عن‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ طرق‌ الفريقين‌ الآمرة‌ بالرجوع‌ إلی القرآن‌ عند الفتن‌ وفي‌ حلّ عقد المشكلات‌.

 وكذا حديث‌ الثقلين‌ المتواتر من‌ طرق‌ الفريقين‌: إِنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌، مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي‌ أَبَداً ـ الحديث‌ فلا معني‌ للامر بالتمسّك‌ بكتاب‌ محرّف‌ ونفي‌ الضلال‌ أبداً ممّن‌ تمسّك‌ به‌. وكذا الاخبار الكثيرة‌ الواردة‌ عن‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وأئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ الآمرة‌ بعرض‌ الاخبار علی الكتاب‌، وما ذكره‌ بعضهم‌ أنّ ذلك‌ في‌ الاخبار الفقهيّة‌. ومن‌ الجائز أن‌ نلتزم‌ بعدم‌ وقوع‌ التحريف‌ في‌ خصوص‌ آيات‌ الاحكام‌. ولا ينفع‌ ذلك‌ سائر الآيات‌ مدفوع‌ بأنّ أخبار العرض‌ مطلقة‌، فتخصيصها بذلك‌ تخصيص‌ من‌ غير مخصّص‌.

 علی أنّ لسان‌ أخبار العرض‌ كالصريح‌ أو هو صريح‌ في‌ أنّ الامر بالعرض‌ إنّما هو لتمييز الصدق‌ من‌ الكذب‌، والحقّ من‌ الباطل‌. ومن‌ المعلوم‌ أنّ الدَّسَّ والوضع‌ غير مقصورَين‌ في‌ أخبار الفقه‌، بل‌ الدواعي‌ إلی الدسّ والوضع‌ في‌ المعارف‌ الاعتقاديّة‌ وقصص‌ الانبياء والاُمم‌ الماضية‌ وأوصاف‌ المبدأ والمعاد أكثر وأوفر. ويؤيّد ذلك‌ ما بأيدينا من‌ الإسرائيليّات‌، وما يحذو حذوها ممّا أمر الجعل‌ فيها أوضح‌ وأبين‌.

 وكذا الاخبار التي‌ تتضمّن‌ تمسّك‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ بمختلف‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ في‌ كلّ باب‌ علی ما يوافق‌ القرآن‌ الموجود عندنا حتي‌ في‌ الموارد التي‌ فيها آحاد من‌ الروايات‌ بالتحريف‌. وهذا أحسن‌ شاهد علی أنّ المراد في‌ كثير من‌ روايات‌ التحريف‌ من‌ قولهم‌ عليهم‌ السلام‌: كذا نزل‌ هو التفسير بحسب‌ التنزيل‌ في‌ مقابل‌ البطن‌ والتأويل‌.

 وكذا الروايات‌ الواردة‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ وسائر الائمّة‌ من‌ ذرّيّته‌ عليهم‌ السلام‌ في‌ أنّ ما بأيدي‌ الناس‌ قرآن‌ نازل‌ من‌ عند الله‌ سبحانه‌ وإن‌ كان‌ غير ما أ لّفه‌ علی عليه‌ السلام‌ من‌ المصحف‌. ولم‌ يشركوه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ التأليف‌ في‌ زمان‌ أبي‌ بكر ولا في‌ زمن‌ عثمان‌. ومن‌ هذا الباب‌ قولهم‌ عليهم‌ السلام‌ لشيعتهم‌: اقْرَؤُوا كَمَا قَرَأَ النَّاسُ.

 ومقتضي‌ هذه‌ الروايات‌ أن‌ لو كان‌ القرآن‌ الدائر بين‌ الناس‌ مخالفاً لما أ لّفه‌ علی عليه‌ السلام‌ في‌ شي‌ء، فإنّما يخالفه‌ في‌ ترتيب‌ السور أو في‌ ترتيب‌ بعض‌ الآيات‌ التي‌ لا يؤثّر اختلال‌ ترتيبها في‌ مدلولها شيئاً، ولافي‌ الاوصاف‌ التي‌ وصف‌ الله‌ سبحانه‌ بها القرآن‌ النازل‌ من‌ عنده‌ ما يختلّ به‌ آثارها.

 فمجموع‌ هذه‌ الروايات‌ علی اختلاف‌ أصنافها يدلّ دلالة‌ قاطعة‌ علی أنّ الذي‌ بأيدينا من‌ القرآن‌ هو القرآن‌ النازل‌ علی النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ غير أن‌ يفقد شيئاً من‌ أوصافه‌ الكريمة‌ وآثارها وبركاتها.

 الفصل‌ 3

أدلّة‌ الحشويّة‌ ومحدِّثي‌ الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ تحريف‌ القرآن‌

 ذهب‌ جماعة‌ من‌ محدّثي‌ الشيعة‌ والحشويّة‌ وجماعة‌ من‌ محدّثي‌ أهل‌ السُّنّة‌ إلی وقوع‌ التحريف‌ بمعني‌ النقص‌ والتغيير في‌اللفظ‌ أو الترتيب‌ دون‌ الزيادة‌، فلم‌ يذهب‌ إليها أحد من‌ المسلمين‌ كما قيل‌. واحتجّوا علی نفي‌ الزيادة‌ بالإجماع‌ وعلي‌ وقوع‌ النقص‌ والتغيير بوجوه‌ كثيرة‌.

 الوجه‌ الاوّل‌: الاخبار الكثيرة‌ المرويّة‌ من‌ طرق‌ الشيعة‌ وأهل‌ السُّنّة‌ الدالّة‌ علی سقوط‌ بعض‌ السور والآيات‌ وكذا الجمل‌ وأجزاء الجمل‌ والكلمات‌ والحروف‌ في‌ الجمع‌ الاوّل‌ الذي‌ أُ لِّف‌ فيه‌ القرآن‌ في‌ زمن‌ أبي‌بكر، وكذا في‌ الجمع‌ الثاني‌ الذي‌ كان‌ في‌ زمن‌ عثمان‌، وكذا التغيير.

 وهذه‌ روايات‌ كثيرة‌ روتها الشيعة‌ في‌ جوامعها المعتبرة‌ وغيرها. وقد ادّعي‌ بعضهم‌ أ نّها تبلغ‌ ألفي‌ حديث‌. وروتها أهل‌ السُّنّة‌ في‌ صحاحهم‌ كصحيحي‌ البخاريّ، ومسلم‌، وسنن‌ أبي‌ داود، والنسائيّ، وأحمد، وسائر الجوامع‌، وكتب‌ التفاسير، وغيرها. وقد ذكر الآلوسيّ في‌ تفسيره‌ أ نّها فوق‌ حدّ الإحصاء.

 وهذا غير ما يخالف‌ فيه‌ مصحف‌ عبد الله‌ بن‌ مسعود المصحف‌ المعروف‌ ممّا ينيف‌ علی ستّين‌ موضعاً، وما يخالف‌ فيه‌ مصحف‌ أُبي‌ّبن‌ كعب‌ المصحف‌ العثمانيّ، وهو في‌ بضع‌ وثلاثين‌ موضعاً. وما تختلف‌ فيه‌ المصاحف‌ العثمانيّة‌ التي‌ اكتتبها وأرسلها إلی الآفاق‌، وهي‌ خمسة‌ أو سبعة‌ أرسلها إلی مكّة‌، والشام‌، والبصرة‌، والكوفة‌، واليمن‌، والبحرين‌، وحبس‌ واحداً بالمدينة‌. والاختلاف‌ الذي‌ فيما بينها يبلغ‌ خمسة‌ وأربعين‌ حرفاً، وقيل‌: بضع‌ وخمسين‌ حرفاً. [12]

 وغير الاختلاف‌ في‌ الترتيب‌ بين‌ المصاحف‌ العثمانيّة‌. والجمع‌ الاوّل‌ في‌ زمن‌ أبي‌ بكر، فقد كانت‌ سورة‌ الانفال‌ في‌ التأليف‌ الاوّل‌ في‌ المثاني‌، وسورة‌ براءة‌ في‌ المئين‌، وهما في‌ الجمع‌ الثاني‌ موضوعتان‌ في‌ الطوال‌ علی ما ستجي‌ء روايته‌.

 وغير الاختلاف‌ في‌ ترتيب‌ السور الموجود بين‌ مصحفي‌ عبدالله‌بن‌ مسعود وأُبي‌ّبن‌ كعب‌ علی ما وردت‌ به‌ الرواية‌ وبين‌ المصاحف‌ العثمانيّة‌، وغير الاختلافات‌ القرائيّة‌ الشاذّة‌ التي‌ رويت‌ عن‌ الصحابة‌ والتابعين‌، فربّما بلغ‌ عدد المجموع‌ الالف‌ أو زاد عليه‌.

 الوجه‌ الثاني‌: أنّ العقل‌ يحكم‌ بأ نّه‌ إذا كان‌ القرآن‌ متفرّقاً متشتّتاً منتشراً عند الناس‌ وتصدّي‌ لجمعه‌ غير المعصوم‌ يمتنع‌ عادة‌ أن‌ يكون‌ جمعه‌ كاملاً موافقاً للواقع‌.

 الوجه‌ الثالث‌: ما روته‌ العامّة‌ والخاصّة‌ أنّ عليّاً عليه‌ السلام‌ اعتزل‌ الناس‌ بعد رحلة‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ولم‌ يرتدِ إلاّ للصلاة‌ حتّي‌ جمع‌ القرآن‌ ثمّ حمله‌ إلی الناس‌ وأعلمهم‌ أ نّه‌ القرآن‌ الذي‌ أنزله‌ الله‌ علی نبيّه‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌. وقد جمعه‌ فردّوه‌ واستغنوا عنه‌ بما جمعه‌ لهم‌ زيدبن‌ ثابت‌. ولو لم‌ يكن‌ بعض‌ ما فيه‌ مخالفاً لبعض‌ ما في‌ مصحف‌ زيد لم‌يكن‌ لحمله‌ إليهم‌ وإعلامهم‌ ودعوتهم‌ إليه‌ وجه‌. وقد كان‌ عليه‌ السلام‌ أعلم‌ الناس‌ بكتاب‌ الله‌ بعد نبيّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وقد أرجع‌ الناس‌ إليه‌ في‌ حديث‌ الثقلين‌ المتواتر، وقال‌ في‌ الحديث‌ المتّفق‌ عليه‌: علی مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ عَلِي‌ٍّ.

 الوجه‌ الرابع‌: ما ورد من‌ الروايات‌ أ نّه‌ يقع‌ في‌ هذه‌ الاُمّة‌ ما وقع‌ في‌ بني‌إسرائيل‌: حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَالقُذَّةِ بِالقُذَّةِ. [13] وقد حرّفت‌ بنو إسرائيل‌ كتاب‌ نبيّهم‌ علی ما يصرّح‌ به‌ القرآن‌ الكريم‌ والروايات‌ المأثورة‌، فلابدّ أن‌ يقع‌ نظيره‌ في‌ هذه‌ الاُمّة‌ فيحرفوا كتاب‌ ربّهم‌، وهو القرآن‌ الكريم‌.

 ففي‌ « صحيح‌ البخاريّ » عن‌ أبي‌ سعيد الخُدريّ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌: لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً بِذِرِاعٍ [14]، حَتَّي‌ لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَتَبِعْتُمُوهُ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَهِ! بِآبائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، اليَهُودُ وَالنَّصَارَي‌؟! قَالَ: فَمَنْ؟!

 والرواية‌ مستفيضة‌ مرويّة‌ في‌ جوامع‌ الحديث‌ عن‌ عدّة‌ من‌ الصحابة‌ كأبي‌سعيد الخُدريّ ـ كما مرّ ـ وأبي‌ هريرة‌، وعبد الله‌ بن‌ عمر، وابن‌عبّاس‌، وحُذيفة‌، وعبد الله‌ بن‌ مسعود، وسهل‌ بن‌ سعد، وعمروبن‌ عوف‌، وعمروبن‌ العاص‌، وشدّاد بن‌ أوس‌، والمستورد بن‌ شدّاد في‌ ألفاظ‌ متقاربة‌.

 وهي‌ مرويّة‌ مستفيضة‌ من‌ طرق‌ الشيعة‌ عن‌ عدّة‌ من‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ عن‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ كما في‌ « تفسير القمّيّ » لَتَرْكَبُنَّ سَبِيلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَالقُذَّةِ بِالقُذَّةِ، لاَ تُخْطِئُونَ طَرِيقَهُمْ وَلاَ تُخْطَأُ، شِبْرٌ بِشِبْرٍ، وَذِرَاعٌ بِذِرِاعٍ، وَبَاعٌ بِبَاعٍ؛ [15] حَتَّي‌ أَنْ لَوْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ.

 قَالُوا: اليَهودُ وَالنَّصَارَي‌ تَعْنِي‌ يَا رَسُولَ اللَهِ؟

 قَالَ: فَمَنْ أَعْنِي‌؟! لَتَنْفُضُنَّ عُرَي‌ الإسلام عُرْوَةً عُرْوَةً! فَيَكُونُ أَوَّلُ مَا تُنْفِضُونَ مِنْ دِينِكُمُ الاَمَانَةَ، وَآخِرُهُ الصَّلاَةَ!

الاستدلال‌ بالإجماع‌ علی عدم‌ التحريف‌ يستلزم‌ الدور

 أمّا الجواب‌ عن‌ استدلالهم‌ بإجماع‌ الاُمّة‌ علی نفي‌ تحريف‌ القرآن‌ بالزيادة‌ بأ نّها حجّة‌ مدخولة‌ لكونها دوريّة‌.

 بيان‌ ذلك‌: أنّ الإجماع‌ ليس‌ في‌ نفسه‌ حجّة‌ عقليّة‌ يقينيّة‌ بل‌ هو عند القائلين‌ باعتباره‌ حجّة‌ شرعيّة‌ لو أفاد شيئاً من‌ الاعتقاد فإنّما يفيد الظنّ سواء في‌ ذلك‌ محصّله‌ ومنقوله‌ علی خلاف‌ ما يزعمه‌ كثير منهم‌ أنّ الإجماع‌ المحصّل‌ مفيد للقطع‌، وذلك‌ أنّ الذي‌ يفيده‌ الإجماع‌ من‌ الاعتقاد لايزيد علی مجموع‌ الاعتقادات‌ التي‌ تفيدها آحاد الاقوال‌، والواحد من‌ الاقوال‌ المتوافقة‌ لايفيد إلاّ الظنّ بإصابة‌ الواقع‌، وانضمام‌ القول‌ الثاني‌ الذي‌ يوافقه‌ إليه‌ إنّما يفيد قوّة‌ الظنّ دون‌ القطع‌، لانّ القطع‌ اعتقاد خاصّ بسيط‌ مغاير للظنّ وليس‌ بالمركّب‌ من‌ عدّة‌ ظنون‌. وهكذا كلّما انضمّ قول‌ إلی قول‌ وتراكمت‌ الاقوال‌ المتوافقة‌ زاد الظنّ قوّة‌ وتراكمت‌ الظنون‌ واقتربت‌ من‌ القطع‌ من‌ غير أن‌ تنقلب‌ إليه‌ كما تقدّم‌.

 هذا في‌ المحصّل‌ من‌ الإجماع‌، وهو الذي‌ نحصّله‌ بتتبّع‌ جميع‌ الاقوال‌ والحصول‌ علی كلّ قول‌ قول‌. وأمّا المنقول‌ منه‌ الذي‌ ينقله‌ الواحد والاثنان‌ من‌ أهل‌ العلم‌ والبحث‌ فالامر فيه‌ أوضح‌، فهو كآحاد الروايات‌ لايفيد إلاّ الظنّ إن‌ أفاد شيئاً من‌ الاعتقاد.

 فالإجماع‌ حجّة‌ ظنّيّة‌ شرعيّة‌ دليل‌ اعتبارها عند أهل‌ السُّنَّة‌ مثلاً قوله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: لاَ تَجْتَمِعُ أُمَّتِي‌ عَلَی خَطَأٍ أَوْ ضَلاَلٍ. وعند الشيعة‌ دخول‌ قول‌ المعصوم‌ في‌ أقوال‌ المجمعين‌ أو كشف‌ أقوالهم‌ عن‌ قوله‌ بوجه‌.

 فحجّيّة‌ الإجماع‌ بالجملة‌ متوقّفة‌ علی صحّة‌ النبوّة‌، وذلك‌ ظاهر. وصحّة‌ النبوّة‌ اليوم‌ متوقّفة‌ علی سلامة‌ القرآن‌ من‌ التحريف‌ المستوجب‌ لزوال‌ صفات‌ القرآن‌ الكريمة‌ عنه‌ كالهداية‌ وفصل‌ القول‌. وخاصّة‌ الإعجاز فإنّه‌ لادليل‌ حيّاً خالداً علی خصوص‌ نبوّة‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ غير القرآن‌ الكريم‌ بكونه‌ آية‌ معجزة‌؛ ومع‌ احتمال‌ التحريف‌ بزيادة‌ أو نقيصة‌ أو أي‌ّ تغيير آخر لا وثوق‌ بشي‌ء من‌ آياته‌ ومحتوياته‌ أ نّه‌ كلام‌الله‌ محضاً. وبذلك‌ تسقط‌ الحجّة‌ وتفسد الآية‌. ومع‌ سقوط‌ كتاب‌ الله‌ عن‌ الحجّيّة‌ يسقط‌ الإجماع‌ عن‌ الحجّيّة‌.

 ولا ينفع‌ في‌ المقام‌ ما قدّمناه‌ في‌ أوّل‌ الكلام‌ أنّ وجود القرآن‌ المنزل‌ علی النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فيما بأيدينا من‌ القرآن‌ في‌ الجملة‌ من‌ ضروريّات‌ التأريخ‌، وذلك‌ لانّ مجرّد اشتمال‌ ما بأيدينا منه‌ علی القرآن‌ الواقعيّ لايدفع‌ احتمال‌ زيادة‌ أو نقيصة‌ أو أيّ تغيير آخر في‌ كلّ آية‌ أو جملة‌ أُريد التمسّك‌ بها لإثبات‌ مطلوب‌.

الاستدلال‌ بأخبار التحريف‌ وجوابها

 وأمّا الجواب‌ عن‌ الوجه‌ الاوّل‌ الذي‌ أُقيم‌ لوقوع‌ التحريف‌ بالنقص‌ والتغيير، وهو الذي‌ تمسّك‌ فيه‌ بالاخبار:

 أوّلاً: أنّ التمسّك‌ بالاخبار ـ بما أ نّها حجّة‌ شرعيّة‌ ـ يشتمل‌ من‌ الدور علی ما يشتمل‌ عليه‌ التمسّك‌ بالإجماع‌ بنظير البيان‌ الذي‌ تقدّم‌ آنفاً.

أخبار التحريف‌ المدسوسة‌

 فلايبقي‌ للمستدلّ بها إلاّ أن‌ يتمسّك‌ بها بما أ نّها أسناد ومصادر تأريخيّة‌ وليس‌ فيها حديث‌ متواتر ولا محفوف‌ بقرائن‌ قطعيّة‌ تضطرّ العقل‌ إلی قبوله‌، بل‌ هي‌ آحاد متفرّقة‌ متشتّتة‌ مختلفة‌، منها صحاح‌، ومنها ضعاف‌ في‌ أسنادها، ومنها قاصرة‌ في‌ دلالتها. فما أشذّ منها ما هو صحيح‌ في‌ سنده‌ تامّ في‌ دلالته‌.

 وهذا النوع‌ علی شذوذه‌ وندرته‌ غير مأمون‌ فيه‌ الوضع‌ والدسّ. فإنّ تسرُّب‌ الإسرائيليّات‌ وما يلحق‌ بها من‌ الموضوعات‌ والمدسوسات‌ بين‌ رواياتنا لاسبيل‌ إلی إنكاره‌. ولا حجّيّة‌ في‌ خبر لا يؤمَن‌ فيه‌ الدسّ والوضع‌.

 ومع‌ الغضّ عن‌ ذلك‌، فهي‌ تذكر من‌ الآيات‌ والسور ما لايشبه‌ النظم‌ القرآنيّ بوجه‌، ومع‌ الغضّ عن‌ جميع‌ ذلك‌ فإنّها مخالفة‌ للكتاب‌ مردودة‌.

 أمّا ما ذكرنا أنّ أكثرها ضعيفة‌ الاسناد، فيعلم‌ ذلك‌ بالرجوع‌ إلی أسانيدها فهي‌ مراسيل‌ أو مقطوعة‌ الاسناد أو ضعيفتها. والسالم‌ منها من‌ هذه‌ العلل‌ أقلّ قليل‌.

 وأمّا ما ذكرنا أنّ منها ما هو قاصر في‌ دلالته‌، فإنّ كثيراً ممّا وقع‌ فيها من‌ الآيات‌ المحكيّة‌ من‌ قبيل‌ التفسير وذكر معني‌ الآيات‌، لا من‌ حكاية‌ متن‌ الآية‌ المحرّفة‌. وذلك‌ كما في‌ « روضة‌ الكافي‌ » عن‌ أبي‌ الحسن‌ الاوّل‌ ( الإمام‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌ ) في‌ قول‌ الله‌: أُولَـ'ئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَهُ مَا فِي‌ قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فَقَدْ سَبَقَتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الشَّقَآءِ وَسَبَقَ لَهُمُ الْعَذَابُ وَقُل‌ لَّهُمْ فِي‌´ أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا.

 وما في‌ « الكافي‌ » عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: وَإن‌ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا قال‌: إنْ تَلْوُوا الاَمْرَ وَتُعْرِضُوا عَمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ، فَإنَّ اللَهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً. إلی غير ذلك‌ من‌ روايات‌ التفسير المعدودة‌ من‌ أخبار التحريف‌.

 ويلحق‌ بهذا الباب‌ ما لا يُحصي‌ من‌ الروايات‌ المشيرة‌ إلی سبب‌ النزول‌ المعدودة‌ من‌ أخبار التحريف‌ كالروايات‌ التي‌ تذكر هذه‌ الآية‌ هكذا: يَـ'´أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ فِي‌ علی. والآية‌ نازلة‌ في‌ حقّه‌ عليه‌ السلام‌. وما رُوي‌ أنّ وفد بني‌ تميم‌ كانوا إذا قدموا رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وقفوا علی باب‌ الحجرة‌ ونادوه‌ أن‌ اخرج‌ إلينا. فذكرت‌ الآية‌ فيها هكذا: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن‌ وَرَآءِ الْحُجُراتِ بَنُو تَمِيمٍ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ، فظُنَّ أنّ في‌ الآية‌ سقطاً.

 ويلحق‌ بهذا الباب‌ أيضاً ما لا يُحصي‌ من‌ الاخبار الواردة‌ في‌ جري‌ القرآن‌ وانطباقه‌، كما ورد في‌ قوله‌: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ءَالَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ. وما ورد من‌ قوله‌: وَمَنْ يُطِعِ اللَهَ وَرَسُولُهُ و فِي‌ وَلاَيَةِ علی وَالاَئِمَّةِ مِن‌ بَعْدِهِ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا، وهي‌ كثيرة‌ جدّاً.

 ويلحق‌ بها أيضاً ما أُتبع‌ فيه‌ القراءة‌ بشي‌ء من‌ الذِّكر والدعاء فتُوهِّم‌ أ نّه‌ من‌ سقط‌ القرآن‌ كما في‌ « الكافي‌ » عن‌ عبد العزيز بن‌ المهتدي‌ قال‌: سألتُ الرضا عليه‌ السلام‌ عن‌ التوحيد، فقال‌: كلّ من‌ قرأ: قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ وآمن‌ بها، فقد عرف‌ التوحيد. قال‌ ] قلتُ ظ‌ [: كيف‌ نقرؤها؟ قال‌: كما يقرأها الناس‌. وزاد فيه‌: كَذلِكَ اللَهُ رَبِّي‌ كَذَلِكَ اللَهُ رَبِّي‌.

 ومن‌ قبيل‌ قصور الدلالة‌ ما نجد في‌ كثير من‌ الآيات‌ المعدودة‌ من‌ المحرّفة‌ اختلاف‌ الروايات‌ في‌ لفظ‌ الآية‌ كالتي‌ وردت‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ. ففي‌ بعضها أنّ الآية‌ هكذا: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ ضُعَفَاءُ، وفي‌ بعضها: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ قَلِيلٌ.

 وهذا اختلاف‌ ربّماكان‌ قرينة‌ علی أنّ المراد هو التفسير بالمعني‌ كما في‌ الآية‌ المذكورة‌، ويؤيّده‌ ما ورد في‌ بعضها من‌ قوله‌ عليه‌ السلام‌: لاَ يَجُوزُ وَصْفُهُمْ بِأَ نَّهُمْ أَذِلَّةٌ وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

 وربّما لم‌ يكن‌ إلاّ من‌ التعارض‌ والتنافي‌ بين‌ الروايات‌ القاضي‌ بسقوطها كآية‌ الرجم‌ علی ما ورد في‌ روايات‌ الخاصّة‌ والعامّة‌، وهي‌ في‌ بعضها:

 إذَا زَني‌ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهْوَةَ!

 وفي‌ بعضها: بِمَا قَضَيَا مِنَ اللَّذَّةِ. وفي‌ بعضها آخرها: نَكَالاً مِنَ اللَهِ وَاللَهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وفي‌ بعضها: نَكَالاً مِنَ اللَهِ وَاللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

 وكآية‌ الكرسيّ علی التنزيل‌ التي‌ وردت‌ فيها روايات‌. فهي‌ في‌ بعضها هكذا: اللَهُ لآ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ و مَا فِي‌ السَّمَـ'وَ ' تِ وَمَا فِي‌ الاْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَي‌ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَی غَيْبِهِ أَحَدًا مَن‌ ذَا الَّذِي‌ يَشْفَعُ عِنْدَهُ ـ إلی قوله‌: وَهُوَ الْعَلِيُّ العَظِيمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ.

 وفي‌ بعضها ـ إلی قوله‌: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وفي‌ بعضها هكذا: لَهُ مَا فِي‌ السَّمَـ'وَ ' تِ وَمَا فِي‌ الاْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَي‌' عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَـ'نُ الرَّحِيمُ... إلی آخره‌. وفي‌ بعضها: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمـ'نُ الرَّحِيمِ بَدِيعُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ ذُو الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. وفي‌ بعضها: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

 وما ذكره‌ بعض‌ المحدّثين‌ أنّ اختلاف‌ هذه‌ الروايات‌ في‌ الآيات‌ المنقولة‌ غير ضائرٍ لاتّفاقها في‌ أصل‌ التحريف‌، مردود بأنّ ذلك‌ لايصلح‌ ضعف‌ الدلالة‌ ودفع‌ بعضها لبعض‌.

 وأمّا ما ذكرنا من‌ شيوع‌ الدسّ والوضع‌ في‌ الروايات‌، فلايرتاب‌ فيه‌ مَن‌ راجع‌ الروايات‌ المنقولة‌ في‌ الصنع‌ والإيجاد وقصص‌ الانبياء والاُمم‌ والاخبار الواردة‌ في‌ تفاسير الآيات‌ والحوادث‌ الواقعة‌ في‌ صدر الإسلام‌. وأعظم‌ ما يهمّ أمره‌ لاعداء الدين‌، ولا يألون‌ جهداً في‌ إطفاء نوره‌ وإخماد ناره‌ وإعفاء أثره‌ هو القرآن‌ الكريم‌ الذي‌ هو الكهف‌ المنيع‌ والركن‌ الشديد الذي‌ تأوي‌ إليه‌ ويتحصّن‌ به‌ المعارف‌ الدينيّة‌، والسند الحيّ الخالد لمنشور النبوّة‌ وموادّ الدعوة‌ لعلمهم‌ بأ نّه‌ لو بطلت‌ حجّة‌ القرآن‌، لفسد بذلك‌ أمر النبوّة‌ واختلّ نظام‌ الدين‌ ولم‌ يستقرّ من‌ بنيته‌ حجر علی حجر.

 والعجب‌ من‌ هؤلاء المحتجّين‌ بروايات‌ منسوبة‌ إلی الصحابة‌ أو إلی أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ علی تحريف‌ كتاب‌ الله‌ سبحانه‌ وإبطال‌ حجّيّته‌، وببطلان‌ حجّة‌ القرآن‌ تذهب‌ النبوّة‌ سدي‌ والمعارف‌ الدينيّة‌ لغي‌ لا أثر لها!

 وماذا يُغني‌ قولنا: إنّ رجلاً في‌ تأريخ‌ كذا ادّعي‌ النبوّة‌ وأتي‌ بالقرآن‌ معجزة‌، أمّا هو فقد مات‌، وأمّا قرآنه‌ فقد حُرِّفَ، ولم‌ يبق‌ بأيدينا ممّا يؤيّد أمره‌ إلاّ أنّ المؤمنين‌ به‌ أجمعوا علی صدقه‌ في‌ دعواه‌، وأنّ القرآن‌ الذي‌ جاء به‌ كان‌ معجزاً دالاّ علی نبوّته‌، والإجماع‌ حجّة‌، لانّ النبي‌ّ المذكور اعتبر حجّيّته‌، أو لا نّه‌ يكشف‌ مثلاً عن‌ قول‌ أئمّة‌ أهل‌ بيته‌؟

 وبالجملة‌ فاحتمال‌ الدسّ ـ وهو قريب‌ جدّاً مؤيّد بالشواهد والقرائن‌ـ يدفع‌ حجّيّة‌ هذه‌ الروايات‌ ويفسد اعتبارها، فلا يبقي‌ معه‌ لها لاحجّيّة‌ شرعيّة‌ ولا حجّيّة‌ عقلائيّة‌ حتّي‌ ماكان‌ منها صحيح‌ الإسناد. فإنّ صحّة‌ السند وعدالة‌ رجال‌ الطريق‌ إنّما يدفع‌ تعمّدهم‌ الكذب‌ دون‌ دسّ غيرهم‌ في‌ أُصولهم‌ وجوامعهم‌ ما لم‌ يرووه‌.

 وأمّا ما ذكرناه‌ أنّ روايات‌ التحريف‌ تذكر آيات‌ وسوراً لايشبه‌ نظمها النظم‌ القرآنيّ بوجه‌. فهو ظاهر لمن‌ راجعها فإنّه‌ يعثر فيها بشي‌ء كثير من‌ ذلك‌ كسورتي‌ الخَلْع‌ والحَفْد اللتين‌ رويتا بعدّةٍ من‌ طرق‌ أهل‌ السُّنّة‌. فسورة‌ الخلع‌ هي‌:

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اللَهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ. وَنُثْنِي‌ عَلَيْكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ. وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ.

 وسورة‌ الحفد هي‌: بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ. اللَهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي‌ وَنَسْجُدُ. وَإلَيْكَ نَسْعَي‌ وَنَحْفِدْ. نَرْجُو رَحْمَتَكَ. وَنَخْشَي‌ نِقْمَتَكَ. إنَّ عَذَابَكَ بِالكَافِرِينَ مُلْحَقٌ.

 وكذا ما أورده‌ بعض‌ الروايات‌ من‌ سورة‌ الولاية‌ وغيرها أقاويل‌ مختلفة‌ رام‌ واضعها أن‌ يقلّد النظم‌ القرآنيّ فخرج‌ الكلام‌ عن‌ الاُسلوب‌ العربيّ المألوف‌ ولم‌ يبلغ‌ النظم‌ الإلهيّ المعجز. فعاد يستبشعه‌ الطبع‌ وينكره‌ الذوق‌. ولك‌ أن‌ تراجعها حتّي‌ تشاهد صدق‌ ما ادّعيناه‌. وتقضي‌ أنّ أكثر المعتنين‌ بهذه‌ السور والآيات‌ المختلفة‌ إنّما دعاهم‌ إلی ذلك‌ التعبّد الشديد بالروايات‌ والإهمال‌ في‌ عرضها علی الكتاب‌. ولولا ذلك‌ لكفتهم‌ للحكم‌ بأ نّها ليست‌ بكلام‌ إلهيّ نظرة‌.

 وأمّا ما ذكرنا أنّ روايات‌ التحريف‌ علی تقدير صحّة‌ أسنادها مخالفة‌ للكتاب‌، فليس‌ المراد به‌ مجرّد مخالفتها لظاهر قوله‌ تعالي‌: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ و لَحَـ'فِظُونَ، وقوله‌: وَإِنَّهُ و لَكِتَـ'بٌ عَزِيزٌ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، حتّي‌ تكون‌ مخالفة‌ ظنّيّة‌ لكون‌ ظهور الالفاظ‌ من‌ الادلّة‌ الظنّيّة‌، بل‌ المراد مخالفتها للدلالة‌ القطعيّة‌ من‌ مجموع‌ القرآن‌ الذي‌ بأيدينا حسب‌ ما قرّرناه‌ في‌ الحجّة‌ الاُولي‌ التي‌ أقمناها لنفي‌ التحريف‌.

 كيف‌ لا؟ والقرآن‌ الذي‌ بأيدينا متشابه‌ الاجزاء في‌ نظمه‌ البديع‌ المعجز كاف‌ في‌ رفع‌ الاختلافات‌ المنظورة‌ بين‌ آياته‌ وأبعاضه‌ غير ناقص‌ ولاقاصر في‌ إعطاء معارفه‌ الحقيقيّة‌ وعلومه‌ الإلهيّة‌ الكلّيّة‌ والجزئيّة‌ المرتبطة‌ بعضها ببعض‌ المترتّبة‌ فروعها علی أُصولها المنعطفة‌ أطرافها علی أوساطها إلی غير ذلك‌ من‌ خواصّ النظم‌ القرآنيّ الذي‌ وصفه‌ الله‌ بها.

 والجواب‌ عن‌ الوجه‌ الثاني‌ أنّ دعوي‌ الامتناع‌ العادي‌ مجازفة‌ بيّنة‌. نعم‌، يجوّز العقل‌ عدم‌ موافقة‌ التأليف‌ في‌ نفسه‌ للواقع‌ إلاّ أن‌ تقوم‌ قرائن‌ تدلّ علی ذلك‌، وهي‌ قائمة‌ كما قدّمنا. وأمّا أن‌ يحكم‌ العقل‌ بوجوب‌ مخالفتها للواقع‌ كما هو مقتضي‌ الامتناع‌ العادي‌ّ، فلا.

 والجواب‌ عن‌ الوجه‌ الثالث‌ أنّ جمعه‌ عليه‌ السلام‌ القرآن‌ وحمله‌ إليهم‌ وعرضه‌ عليهم‌ لا يدلّ علی مخالفة‌ ما جمعه‌ لما جمعوه‌ في‌ شي‌ء من‌ الحقائق‌ الدينيّة‌ الاصليّة‌ أو الفرعيّة‌ إلاّ أن‌ يكون‌ في‌ شي‌ء من‌ ترتيب‌ السور أو الآيات‌ من‌ السور التي‌ نزلت‌ نجوماً بحيث‌ لا يرجع‌ إلی مخالفة‌ في‌ بعض‌ الحقائق‌ الدينيّة‌.

 ولو كان‌ كذلك‌، لعارضهم‌ عليه‌ السلام‌ بالاحتجاج‌ ودافع‌ فيه‌، ولم‌يقنع‌ بمجرّد إعراضهم‌ عمّا جمعه‌ واستغنائهم‌ عنه‌ كما رُوي‌ عنه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ موارد شتّي‌، ولم‌ ينقل‌ عنه‌ عليه‌ السلام‌ فيما رُوي‌ من‌ احتجاجاته‌ أ نّه‌ قرأ في‌ أمر ولايته‌، ولا غيرها آية‌ أو سورة‌ تدلّ علی ذلك‌، وأوجبهم‌ علی إسقاطها أو تحريفها. [16]

 وهل‌ كان‌ ذلك‌ حفظاً لوحدة‌ المسلمين‌، وتحرّزاً عن‌ شقّ العصا، فإنّما كان‌ يُتَصَوَّر ذلك‌ بعد استقرار الامر واجتماع‌ الناس‌ علی ما جمع‌ لهم‌، لاحين‌ الجمع‌ وقبل‌ أن‌ يقع‌ في‌ الايدي‌ ويسير في‌ البلاد.

 وليت‌ شعري‌ هل‌ يسعنا أن‌ ندّعي‌ أنّ ذاك‌ الجمّ الغفير من‌ الآيات‌ التي‌ يرون‌ سقوطها، وربّما ادّعوا أ نّها تبلغ‌ الاُلوف‌ كانت‌ جميعاً في‌ الولاية‌، أو كانت‌ خفيّة‌ مستورة‌ عن‌ عامّة‌ المسلمين‌ لا يعرفها إلاّ النزر القليل‌ منهم‌ مع‌ توفّر دواعيهم‌ وكثرة‌ رغباتهم‌ علی أخذ القرآن‌ كلّما نزل‌ وتعلمه‌، وبلوغ‌ اجتهاد النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ تبليغه‌ وإرساله‌ إلی الآفاق‌ وتعليمه‌ وبيانه‌؟!

 وقد نصّ علی ذلك‌ القرآن‌. قال‌ تعالي‌: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـ'بَ وَالْحِكْمَةَ. [17] وقال‌: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. [18] فكيف‌ ضاع‌؟ وأين‌ ذهب‌ ما يشير إليه‌ بعض‌ المراسيل‌ أ نّه‌ سقط‌ في‌ آية‌ من‌ أوّل‌ سورة‌ النساء بين‌ قوله‌: وَإِنْ خِفْتُم‌ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي‌ الْيَتَامَي‌'، وقوله‌ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم‌ مِّنَ النِّسَآءِ، أكثر من‌ ثلث‌ القرآن‌، أي‌: أكثر من‌ ألفي‌ آية‌، وما ورد من‌ طرق‌ أهل‌ السُّنّة‌ أنّ سورة‌ براءة‌ كانت‌ مبسملة‌ تعدل‌ سورة‌ البقرة‌، وأنّ الاحزاب‌ كانت‌ أعظم‌ من‌ البقرة‌، وقد سقطت‌ منها مائتا آية‌؟! إلی غير ذلك‌.

 أو أنّ هذه‌ الآيات‌ ـ وقد دلّت‌ هذه‌ الروايات‌ علی بلوغها في‌ الكثرة‌ـ كانت‌ منسوخة‌ التلاوة‌ كما ذكره‌ جمع‌ من‌ المفسّرين‌ من‌ أهل‌ السُّنّة‌ حفظاً لما ورد في‌ بعض‌ رواياتهم‌: إنَّ مِن‌ القُرْآنِ مَا أَنْسَاهُ اللَهُ وَنُسِخَ تِلاَوَتُهُ.

 فما معني‌ إنساء الآية‌ ونسخ‌ تلاوتها؟ أكان‌ ذلك‌ لنسخ‌ العمل‌ بها؟ فما هي‌ هذه‌ الآيات‌ المنسوخة‌ الواقعة‌ في‌ القرآن‌ كآية‌ الصدقة‌، وآية‌ نكاح‌ الزانية‌ والزاني‌، وآية‌ العدَّة‌، وغيرها؟ وهم‌ مع‌ ذلك‌ يقسّمون‌ منسوخ‌ التلاوة‌ إلی منسوخ‌ التلاوة‌ والعمل‌ معاً، ومنسوخ‌ التلاوة‌ دون‌ العمل‌ كآية‌ الرجم‌.

 أم‌ كان‌ ذلك‌ لكونها غير واجدة‌ لبعض‌ صفات‌ كلام‌ الله‌ حتّي‌ أبطلها الله‌ بامحاء ذكرها وإذهاب‌ أثرها، فلم‌ يكن‌ من‌ الكتاب‌ العزيز الذي‌ لايأتيه‌ الباطل‌ من‌ بين‌ يديه‌ ولا من‌ خلفه‌، ولا منزّها من‌ الاختلاف‌، ولاقولاً فصلاً ولاهادياً إلی الحقّ، وإلي‌ طريق‌ مستقيم‌، ولا معجزاً يتحدّي‌ به‌ ولا، ولا. فما معني‌ الآيات‌ الكثيرة‌ التي‌ تصف‌ القرآن‌ بأ نّه‌ في‌ لوح‌ محفوظ‌، وأ نّه‌ كتاب‌ عزيز لا يأتيه‌ الباطل‌ من‌ بين‌ يديه‌ ولا من‌ خلفه‌، وأ نّه‌ قول‌ فصل‌، وأ نّه‌ هديً، وأ نّه‌ نور، وأ نّه‌ فرقان‌ بين‌ الحقّ والباطل‌، وأ نّه‌ آية‌ معجزة‌، وأ نّه‌، وأ نّه‌؟

 فهل‌ يسعنا أن‌ نقول‌: إنّ هذه‌ الآيات‌ علی كثرتها وإباء سياقها عن‌ التقييد مقيّدة‌ بالبعض‌، فبعض‌ الكتاب‌ فقط‌، وهو غير المنسيّ ومنسوخ‌ التلاوة‌ لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ، و قَوْلٌ فَصْلٌ وهدي‌ ونور وفرقان‌ و معجزة‌ خالدة‌؟!

 وهل‌ جعل‌ الكلام‌ منسوخ‌ التلاوة‌ ونسياً منسيّاً غير إبطاله‌ وإماتته‌؟ وهل‌ صيرورة‌ القول‌ النافع‌ بحيث‌ لا ينفع‌ للابد، ولا يصلح‌ شأناً ممّا فسد غير إلغائه‌ وطرحه‌ وإهماله‌؟ وكيف‌ يجامع‌ ذلك‌ كون‌ القرآن‌ ذِكراً؟!

 فالحقّ أنّ روايات‌ التحريف‌ المرويّة‌ من‌ طرق‌ الفريقين‌، وكذا الروايات‌ المرويّة‌ في‌ نسخ‌ تلاوة‌ بعض‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ مخالفة‌ للكتاب‌ مخالفة‌ قطعيّة‌.

 والجواب‌ عن‌ الوجه‌ الرابع‌: أنّ أصل‌ الاخبار القاضية‌ بمماثلة‌ الحوادث‌ الواقعة‌ في‌ هذه‌ الاُمّة‌ لما وقع‌ في‌ بني‌ إسرائيل‌ ممّا لاريب‌ فيه‌، وهي‌ متضافرة‌ أو متواترة‌، لكن‌ هذه‌ الروايات‌ لا تدلّ علی المماثلة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌، وهو ظاهر، بل‌ الضرورة‌ تدفعه‌.

 فالمراد بالمماثلة‌ هي‌ المماثلة‌ في‌ الجملة‌ من‌ حيث‌ النتائج‌ والآثار. وحينئذٍ فمن‌ الجائز أن‌ تكون‌ مماثلة‌ هذه‌ الاُمّة‌ لبنيّ إسرائيل‌ في‌ مسألة‌ تحريف‌ الكتاب‌ إنّما هي‌ في‌ حدوث‌ الاختلاف‌ والتفرّق‌ بين‌ الاُمّة‌ بانشعابها إلی مذاهب‌ شتّي‌ يكفّر بعضهم‌ بعضاً وافتراقها إلی ثلاث‌ وسبعين‌ فرقة‌ كما افترقت‌ النّصاري‌ إلی اثنتين‌ وسبعين‌، واليهود إلی واحدة‌ وسبعين‌. وقد ورد هذا المعني‌ في‌ كثير من‌ هذه‌ الروايات‌ حتّي‌ ادّعي‌ بعضهم‌ كونها متواترة‌.

 ومن‌ المعلوم‌ أنّ الجميع‌ مستندون‌ فيما اختاروه‌ إلی كتاب‌ الله‌، وليس‌ ذلك‌ إلاّ من‌ جهة‌ تحريف‌ الكلم‌ عن‌ مواضعه‌، وتفسير القرآن‌ الكريم‌ بالرأي‌، والاعتماد علی الاخبار الواردة‌ في‌ تفسير الآيات‌ من‌ غير العرض‌ علی الكتاب‌ وتمييز الصحيح‌ منها من‌ السقيم‌.

 وبالجملة‌، فأصل‌ الروايات‌ الدالّة‌ علی المماثلة‌ بين‌ الاُمّتين‌ لايدلّ علی شي‌ء من‌ التحريف‌ الذي‌ يدّعونه‌. نعم‌، وقع‌ في‌ بعضها ذكر التحريف‌ بالتغيير والإسقاط‌، وهذه‌ الطائفة‌ علی ما بها من‌ السقم‌ مخالفة‌ للكتاب‌ كما تقدّم‌.

كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ جمع‌ القرآن‌

 ثمّ تحدّث‌ سماحة‌ الاُستاذ العلاّمة‌ الطباطبائيّ في‌ الفصل‌ الرابع‌ عن‌ جمع‌ القرآن‌ في‌ عصر أبي‌ بكر وبعد غزوة‌ اليمامة‌؛ وفي‌ الفصل‌ الخامس‌ عن‌ جمعه‌ ثانياً في‌ عهد عثمان‌ لاختلاف‌ المصاحف‌ وكثرة‌ القراءات‌. وتوسّع‌ في‌ الحديث‌ إلی أن‌ قال‌:

 وفيه‌ ( في‌ كتاب‌ « الإتقان‌ » للسيوطيّ ) أخرج‌ ابن‌ أبي‌ داود بسند صحيح‌ عن‌ سويد بن‌ غفلة‌ قال‌: قَالَ علی: لاَ تَقُولُوا فِي‌ عُثْمَانَ إلاَّ خَيْراً فَوَاللَهِ مَا فَعَلَ الَّذِي‌ فَعَلَ فِي‌ المَصَاحِفِ إلاَّ عَنْ مَلإ مِنَّا.

 قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي‌ هَذِهِ القُرَّاءِ؟! فَقَدْ بَلَغَنِي‌ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إنَّ قِرَاءَتِي‌ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِكَ! وَهَذَا يَكَادُ يَكُونُ كُفْراً.

 قَلْنَا: فَمَا تَرَي‌؟! ] قَالَ: أَرَي‌ ـ ظ‌ [ أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ عَلَی مُصْحَفٍ وَاحِدٍ فَلاَ يَكُونُ فُرْقَةٌ وَلاَ اخْتِلاَفٌ. قُلْنَا: فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ!

 وفي‌ تفسير « الدُّرّ المنثور »: أخرج‌ ابن‌ الضريس‌ عن‌ علباء بن‌ أحمر أنّ عثمان‌بن‌ عفّان‌ لمّا أراد أن‌ يكتب‌ المصاحف‌ أرادوا أن‌ يُلقوا الواو التي‌ في‌ سورة‌ براءة‌: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، قَالَ أُبَي‌ٌّ: لَتَلْحُقنَّها أَوْ لاَضَعَنَّ سَيْفِي‌ عَلَی عَاتِقي‌، فَأَلْحَقُوهَا.

 وفي‌ « الإتقان‌ » عن‌ أحمد، وأبي‌ داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن‌ حبّان‌، والحاكم‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ قال‌: قلتُ لعثمان‌: ما حملكم‌ علی أن‌ عمدتم‌ إلی الانفال‌ وهي‌ من‌ المثاني‌، وإلي‌ براءة‌ وهي‌ من‌ المئين‌ فقرّبتم‌ بينهما، ولم‌تكتبوا بينهما سطر بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌، ووضعتموهما في‌ السَّبع‌ الطوال‌؟! [19]

 فقال‌ عثمان‌: كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ تنزل‌ عليه‌ السورة‌ ذات‌ العدد. فكان‌ إذا أُنزل‌ عليه‌ الشي‌ء، دعا بعض‌ من‌ كان‌ يكتب‌، فيقول‌: ضعوا هذه‌ الآيات‌ في‌ السورة‌ التي‌ يذكر فيها كذا وكذا! وكانت‌ الانفال‌ من‌ أوائل‌ ما نزل‌ بالمدينة‌، وكانت‌ براءة‌ من‌ آخر القرآن‌ نزولاً، وكانت‌ قصّتها شبيهة‌ بقصّتها. فظننتُ أ نّها منها، فقُبض‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ ولم‌ يبيّن‌ لنا أنّها منها. فمن‌ أجل‌ ذلك‌ قرنت‌ بينهما، ولم‌ أكتب‌ بينهما سطر بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌ ووضعتها في‌ السبع‌ الطوال‌.

 أَقُولُ: السبع‌ الطوال‌ ـ علی ما يظهر من‌ هذه‌ الرواية‌ وروي‌ أيضاً عن‌ ابن‌ جبيرـ هي‌: البَقَرَةُ، وآلُ عِمْرَانَ، والنِّسَاءَ، وَالمَائِدَةُ، وَالانْعَامُ، وَالاعْرَافُ، وَيُونُسُ. وقد كانت‌ موضوعة‌ في‌ الجمع‌ الاوّل‌ علی هذا الترتيب‌. ثمّ غيّر عثمان‌ هذا الترتيب‌، فأخذ الانفال‌، وهي‌ من‌ المثاني‌، وبراءة‌ وهي‌ من‌ المئين‌ قبل‌ المثاني‌، فوضعهما بين‌ الاعراف‌ ويُونس‌ مُقَدِّماً الانفال‌ علی براءة‌.

 الفصل‌ 6

 الروايات‌ الموضوعة‌ في‌ الفصلين‌ السابقين‌ هي‌ أشهر الروايات‌ الواردة‌ في‌ باب‌ جمع‌ القرآن‌ وتأليفه‌ بين‌ صحيحة‌ وسقيمة‌، وهي‌ تدلّ علی أنّ الجمع‌ الاوّل‌ كان‌ جمعاً لشتات‌ السور المكتوبة‌ في‌ العُسُبِ، واللِّخَافِ، وَالاَكْتَافِ، والجُلُودِ، والرِّقَاعِ،[20] وإلحاق‌ الآيات‌ النازلة‌ متفرّقة‌ إلی سور تناسبها.

 وأنّ الجمع‌ الثاني‌ ـ وهو الجمع‌ العثماني‌ّـ كان‌ ردّ المصاحف‌ المنتشرة‌ عن‌ الجمع‌ الاوّل‌ بعد عروض‌ تعارض‌ النسخ‌ واختلاف‌ القراءات‌ عليها إلی مصحف‌ واحد مجمع‌ عليه‌ عدا ما كان‌ من‌ قول‌ زيد أ نّه‌ ألحق‌ قوله‌: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَهَ عَلَيهِ ـ الآية‌، في‌ سورة‌ الاحزاب‌ في‌ المصحف‌. فقد كانت‌ المصاحف‌ تُتلي‌ خمس‌ عشرة‌ سنة‌ وليست‌ فيها الآية‌.

 وقد روي‌ البخاريّ عن‌ ابن‌ الزبير قال‌: قلتُ لعثمان‌: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا، قد نسختها الآية‌ الاُخري‌ فلم‌ تكتبها أو تدعها؟ قال‌: يابن‌ أخي‌ لا أُغيّر شيئاً منه‌ من‌ مكانه‌.

 والذي‌ يعطيه‌ النظر الحرّ في‌ أمر هذه‌ الروايات‌ ودلالتها ـوهي‌ عمدة‌ ما في‌ هذا الباب‌ـ أ نّها آحاد غير متواترة‌، لكنّها محفوفة‌ بقرائن‌ قطعيّة‌. فقد كان‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يبلّغ‌ الناس‌ ما نُزِّل‌ إليه‌ من‌ ربّه‌ من‌ غير أن‌ يكتم‌ منه‌ شيئاً، وكان‌ يعلّمهم‌ ويبيّن‌ لهم‌ ما نُزِّل‌ إليهم‌ من‌ ربّهم‌ علی ما نصّ عليه‌ القرآن‌. ولم‌ يزل‌ جماعة‌ منهم‌ يعلّمون‌ ويتعلّمون‌ القرآن‌ تعلّم‌ تلاوة‌ وبيان‌. وهم‌ القُرَّاءُ الذين‌ قُتل‌ جمّ غفير منهم‌ في‌ غزوة‌ اليمامة‌.

 وكان‌ الناس‌ علی رغبة‌ شديدة‌ في‌ أخذ القرآن‌ وتعاطيه‌ ولم‌ يترك‌ هذا الشأن‌ ولا ارتفع‌ القرآن‌ من‌ بينهم‌ ولا يوماً أو بعض‌ يوم‌ حتّي‌ جُمع‌ القرآن‌ في‌ مصحف‌ واحد، ثمّ أجمع‌ عليه‌ فلم‌ يبتل‌ القرآن‌ بما ابتُليت‌ به‌ التوراة‌ والإنجيل‌ وكتب‌ سائر الانبياء.

 أضف‌ إلی ذلك‌ روايات‌ لا تُحصي‌ كثرة‌ وردت‌ من‌ طرق‌ الشيعة‌ وأهل‌ السُّنّة‌ في‌ قراءاته‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ كثيراً من‌ السور القرآنيّة‌ في‌ الفرائض‌ اليوميّة‌ وغيرها بمسمعٍ من‌ ملا الناس‌، وقد سُمّي‌ في‌ هذه‌ الروايات‌ جمّ غفير من‌ السور القرآنيّة‌ مكّيّتها ومدنيّتها.

 أضف‌ إلی ذلك‌ ما تقدّم‌ في‌ رواية‌ عثمان‌ بن‌ أبي‌ العاص‌ في‌ تفسير قَوْلِهِ تَعَالَي‌: «إِنَّ اللَهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَـ'نِ» إلی آخر الآية‌، [21] من‌ قوله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: إنَّ جَبْرِئِيلَ أَتَانِي‌ بِهَذِهِ الآيةِ وَأَمَرنِي‌ أَنْ أَضَعَهَا فِي‌ مَوْضِعِهَا مِنَ السُّورَةِ. ونظير الرواية‌ في‌ الدلالة‌ ما دلّ علی قراءته‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ لبعض‌ السُّور النازلة‌ نجوماً كآل‌ عمران‌، والنِّساء، وغيرهما. فيدلّ علی أ نّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ يأمر كُتّابَ الوحي‌ بإلحاق‌ بعض‌ الآيات‌ في‌ مواضعها.

 وأعظم‌ الشواهد القاطعة‌ ما تقدَّم‌ في‌ أوّل‌ هذه‌ الابحاث‌ أنّ القرآن‌ الموجود بأيدينا واجد لما وصفه‌ الله‌ تعالي‌ من‌ الاوصاف‌ الكريمة‌.

 وبالجملة‌، الذي‌ تدلّ عليه‌ هذه‌ الروايات‌ هو:

 أوّلاً: أنّ الموجود فيما بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ من‌ القرآن‌ هو كلام‌ الله‌ تعالي‌، فلم‌يزد فيه‌ شي‌ء، ولم‌ يتغيّر منه‌ شي‌ء. وأمّا النقص‌ فإنّه‌ لا يفي‌ بنفيه‌ نفياً قطعيّاً كما رُوي‌ بعدّة‌ طرق‌ أنّ عمر كان‌ يذكر كثيراً آية‌ الرجم‌، ولم‌تُكْتَب‌ عنه‌. وأمّا حملهم‌ الرواية‌ وسائر ما ورد في‌ التحريف‌ ـوقد ذكر الآلوسيّ في‌ تفسيره‌ أ نّها فوق‌ حدّ الإحصاء ـ علی منسوخ‌ التلاوة‌، فقد عرفتَ فساده‌ وتحقّقتَ أنّ إثبات‌ منسوخ‌ التلاوة‌ أشنع‌ من‌ إثبات‌ أصل‌ التحريف‌.

 علی أنّ من‌ كان‌ له‌ مصحف‌ غير ما جمعه‌ زيد أوّلاً بأمر من‌ أبي‌ بكر، وثانياً بأمر من‌ عثمان‌ كعلي‌ّ عليه‌ السلام‌، وأُبي‌ بن‌ كعب‌، وعبدالله‌بن‌ مسعود، لم‌ينكر شيئاً ممّا حواه‌ المصحف‌ الدائر غير ما نُقل‌ عن‌ ابن‌ مسعود أ نّه‌ لم‌ يكتب‌ في‌ مصحفه‌ المُعَوَّذَتَيْنِ، وكان‌ يقول‌: إنَّهُمَا عَوْذَتَانِ نَزَلَ بِهِمَا جِبْرِيلُ عَلَی رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِيُعَوِّذَ بِهِمَا الحَسَنَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ. وقد ردّه‌ سائر الصحابة‌. وتواترت‌ النصوص‌ من‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ علی أ نّهما سورتان‌ من‌ القرآن‌.

 وبالجملة‌، الروايات‌ السابقة‌ ـكما تري‌ـ آحاد محفوفة‌ بالقرائن‌ القطعيّة‌ نافية‌ للتحريف‌ بالزيادة‌ والتغيير قطعاً دون‌ النقص‌ إلاّ ظنّاً، ودعوي‌ بعضهم‌ التواتر من‌ حيث‌ الجهات‌ الثلاث‌ لا مستند لها.

 والتعويل‌ في‌ ذلك‌ علی ما قدّمناه‌ من‌ الحجّة‌ في‌ أوّل‌ هذه‌ الابحاث‌ أنّ القرآن‌ الذي‌ بأيدينا واجد للصفات‌ الكريمة‌ التي‌ وصف‌ الله‌ سبحانه‌ بها القرآن‌ الواقعيّ الذي‌ أنزله‌ علی رسوله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ككونه‌ قولاً فصلاً ورافعاً للاختلاف‌ وذكراً وهادياً ونوراً ومبيّناً للمعارف‌ الحقيقيّة‌ والشرائع‌ الفطريّة‌ وآية‌ معجزة‌ إلی غير ذلك‌ من‌ صفاته‌ الكريمة‌.

 ومن‌ الحري‌ّ أن‌ نعوّل‌ علی هذا الوجه‌، فإنّ حجّة‌ القرآن‌ علی كونه‌ كلام‌الله‌ المنزل‌ علی رسوله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ هي‌ نفسه‌ المتّصفة‌ بهاتيك‌ الصفات‌ الكريمة‌ من‌ غير أن‌ يتوقّف‌ في‌ ذلك‌ علی أمر آخر وراء نفسه‌ كائناً ما كان‌ فحجّته‌ معه‌ أينما تحقّق‌ وبيد من‌ كان‌ ومن‌ أيّ طريق‌ وصل‌.

 وبعبارة‌ أُخري‌: لا يتوقّف‌ القرآن‌ النازل‌ من‌ عند الله‌ إلی النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ كونه‌ متّصفاً بصفاته‌ الكريمة‌ علی ثبوت‌ استناده‌ إليه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بنقل‌ متواتر أو متضافر ـوإن‌ كان‌ واجداً لذلك‌ـ بل‌ الامر بالعكس‌ فاتّصافه‌ بصفاته‌ الكريمة‌ هو الحجّة‌ علی الاستناد، فليس‌ كالكتب‌ والرسائل‌ المنسوبة‌ إلی المصنّفين‌ والكتّاب‌، والاقاويل‌ المأثورة‌ عن‌ العلماء وأصحاب‌ الانظار المتوقّفة‌ صحّة‌ استنادها إلی نقل‌ قطعيّ وبلوغ‌ متواتر أو مستفيض‌ مثلاً، بل‌ نفس‌ ذاته‌ هي‌ الحجّة‌ علی ثبوته‌.

 وثانياً: أنّ ترتيب‌ السور إنّما هو من‌ الصحابة‌ في‌ الجمعين‌ الاوّل‌ والثاني‌. ومن‌ الدليل‌ عليه‌ ما تقدّم‌ في‌ الروايات‌ من‌ وضع‌ عثمان‌ الانفال‌ وبراءة‌ بين‌ الاعراف‌ ويونس‌، وقد كانتا في‌ الجمع‌ الاوّل‌ متأخّرتين‌.

 ومن‌ الدليل‌ عليه‌ ما ورد من‌ مغايرة‌ ترتيب‌ مصاحف‌ سائر الصحابة‌ لكلا الجمعين‌ الاوّل‌ والثاني‌، كما رُوي‌ أنّ مصحف‌ علی عليه‌ السلام‌ كان‌ مرتّباً علی ترتيب‌ النزول‌. فكان‌ أوّله‌ اقْرَأْ، ثمّ المُدَّثِّر، ثمّ النُّون‌، ثمّ المُزَّمِّل‌، ثمّ تَبَّتْ، ثمّ التَّكْوِير، وهكذا إلی آخر المكّي‌ّ والمدني‌ّ. نقله‌ السيوطيّ في‌ « الإتقان‌ » عن‌ ابن‌ فارس‌. وفي‌ « تاريخ‌ اليعقوبيّ » ترتيب‌ آخر لمصحفه‌ عليه‌ السلام‌.

 ونقل‌ عن‌ ابن‌ أشتة‌ في‌ المصاحف‌ بإسناده‌ عن‌ أبي‌ جعفر الكوفيّ ترتيب‌ مصحف‌ أُبيّ وهو يغاير المصحف‌ الدائر مغايرة‌ شديدة‌. وكذا عنه‌ فيه‌ بإسناده‌ عن‌ جرير بن‌ عبد الحميد ترتيب‌ مصحف‌ عبد الله‌ بن‌ مسعود آخذاً من‌ الطوال‌، ثمّ المئين‌، ثمّ المثاني‌، ثمّ المفصّل‌. وهو أيضاً مغاير للمصحف‌ الدائر.

 وقد ذهب‌ كثير منهم‌ إلی أنّ ترتيب‌ السور توقيفي‌ّ، وأنّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ هو الذي‌ أمر بهذا الترتيب‌ بإشارة‌ من‌ جبرئيل‌ بأمر من‌ الله‌ سبحانه‌ حتّي‌ أفرط‌ بعضهم‌ فادّعي‌ ثبوت‌ ذلك‌ بالتواتر. وليت‌ شعري‌ أين‌ هذا التواتر وقد تقدّمت‌ عمدة‌ روايات‌ الباب‌ ولا أثر فيها من‌ هذا المعني‌. وسيأتي‌ استدلال‌ بعضهم‌ علی ذلك‌ بما ورد من‌ نزول‌ القرآن‌ من‌ اللوح‌ المحفوظ‌ إلی السماء الدُّنيا جملة‌ ثمّ منها علی النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ تدريجاً.

 وثالثاً: أنّ وقوع‌ بعض‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ التي‌ نزلت‌ متفرّقة‌ موقعها الذي‌ هي‌ فيه‌ الآن‌ لم‌ يخل‌ عن‌ مداخلة‌ من‌ الصحابة‌ بالاجتهاد كما هو ظاهر روايات‌ الجمع‌ الاوّل‌، وقد تقدّمت‌.

 وأمّا رواية‌ عثمان‌ بن‌ أبي‌ العاص‌ عن‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: أتاني‌ جبريل‌ فأمرني‌ أن‌ أضع‌ هذه‌ الآية‌ بهذا الموضع‌ من‌ السورة‌: إِنَّ اللَهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَـ'نِ ـ الآية‌. فلا تدلّ علی أزيد من‌ فعله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ بعض‌ الآيات‌ في‌ الجملة‌ لا بالجملة‌.

 ويواصل‌ سماحة‌ الاُستاذ العلاّمة‌ قدّس‌ الله‌ روحه‌ الزكيّة‌ حديثه‌ إلی أن‌ يقول‌:

 أقول‌: ورُوي‌ ما يقرب‌ من‌ ذلك‌ في‌ عدّة‌ روايات‌ أُخر. وروي‌ ذلك‌ من‌ طرق‌ الشيعة‌ عن‌ الباقر عليه‌ السلام‌. والروايات‌ ـكما تري‌ـ صريحة‌ في‌ دلالتها علی أنّ الآيات‌ كانت‌ مرتّبة‌ عند النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بحسب‌ ترتيب‌ النزول‌. فكانت‌ المكّيّات‌ في‌ السورة‌ المكّيّة‌، والمدنيّات‌ في‌ السورة‌ المدنيّة‌، اللهمّ إلاّ أن‌ يفرض‌ سورة‌ نزل‌ بعضها بمكّة‌، وبعضها بالمدينة‌. ولا يتحقّق‌ هذا الفرض‌ إلاّ في‌ سورة‌ واحدة‌. ولازم‌ ذلك‌ أن‌ يكون‌ ما نشاهده‌ من‌ اختلاف‌ مواضع‌ الآيات‌ مستنداً إلی اجتهاد من‌ الصحابة‌.

 توضيح‌ ذلك‌: أنّ هناك‌ ما لا يُحصي‌ من‌ روايات‌ أسباب‌ النزول‌ يدلّ علی كون‌ آيات‌ كثيرة‌ في‌ السور المدنيّة‌ نازلة‌ بمكّة‌. وبالعكس‌. وعلي‌ كون‌ آيات‌ من‌ القرآن‌ نازلة‌ مثلاً في‌ أواخر عهد النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وهي‌ واقعة‌ في‌ سور نازلة‌ في‌ أوائل‌ الهجرة‌. وقد نزلت‌ بين‌ الوقتين‌ سور أُخري‌ كثيرة‌، وذلك‌ كسورة‌ البقرة‌ التي‌ نزلت‌ في‌ السنة‌ الاُولي‌ من‌ الهجرة‌، وفيها آيات‌ الربا. وقد وردت‌ الروايات‌ علی أنّها من‌ آخر ما نزلت‌ علی النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ حتّي‌ ورد عن‌ عمر أنّه‌ قال‌: مَاتَ رَسُولُ اللَهِ وَلَم‌ يُبَيِّنْ لَنَا آيَاتِ الرِّبَا. وفيها قوله‌ تعالي‌: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَی اللَهِ... إلی آخر الآية‌.[22] وقد ورد أ نّها آخر ما نزل‌ من‌ القرآن‌ علی النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌.

 فهذه‌ الآيات‌ النازلة‌ مفرّقة‌ الموضوعة‌ في‌ سور لا تجانسها في‌ المكّيّة‌ والمدنيّة‌ موضوعة‌ في‌ غير موضعها بحسب‌ ترتيب‌ النزول‌ وليس‌ إلاّ عن‌ اجتهاد من‌ الصحابة‌.

 ويؤيّد ذلك‌ ما في‌ « الإتقان‌ » عن‌ ابن‌ حجر: وَرَد عَنْ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَ نَّهُ جَمَعَ القُرْآنَ عَلَی تَرتِيبِ النُّزُولِ عِقَبَ مَوْتِ النَّبِي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. أخرجه‌ ابن‌ أبي‌ داود، وهو من‌ مسلّمات‌ مداليل‌ روايات‌ الشيعة‌.

 هذا ما يدلّ عليه‌ ظاهر روايات‌ الباب‌ المتقدّمة‌ لكن‌ الجمهور أصرّوا علی أنّ ترتيب‌ الآيات‌ توقيفي‌ّ. فآيات‌ المصحف‌ الدائر اليوم‌ وهو المصحف‌ العثمانيّ مرتّبة‌ علی ما رتّبها عليه‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بإشارة‌ من‌ جبرئيل‌. وأُوّلوا ظاهر الروايات‌ بأنّ جمع‌ الصحابة‌ لم‌يكن‌ جمع‌ ترتيب‌ وإنّما كان‌ جمعاً لما كانوا يعلمونه‌ ويحفظونه‌ عن‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ السور وآياتها المرتّبة‌ بين‌ دفّتين‌ وفي‌ مكان‌ واحد.

 وأنت‌ خبيرٌ بأنّ كيفيّة‌ الجمع‌ الاوّل‌ الذي‌ تدلّ عليه‌ الروايات‌ تدفع‌ هذه‌ الدعوي‌ دفعاً صريحاً. [23]

 هذه‌ معلومات‌ نقلناها عن‌ سماحة‌ الاُستاذ قدّس‌ سرّه‌ لمناسبة‌ البحث‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ عند الشيعة‌. ولمّا كان‌ حديثنا يدور حول‌ عقيدة‌ علماء الشيعة‌ الكبار في‌ صيانة‌ القرآن‌ من‌ التحريف‌، فإنّ إيراد مطالبه‌ النفيسة‌ والقيِّمة‌ يبدو ضروريّاً.

 وقد تحدّثنا عن‌ سائر الابحاث‌ القرآنيّة‌ في‌ كتابنا: «الشمس‌الساطعة‌»،[24] وفي‌ الجزء الثاني‌ عشر من‌ كتابنا هذا: « معرفة‌ الإمام‌ »[25]، والجزء الرابع‌ من‌ كتابنا « نور ملكوت‌ القرآن‌ »[26]، ولكن‌ لمّا كنّا لم‌ نعرض‌ حديثاً حول‌ الاعتقاد بعدم‌ تحريف‌ القرآن‌ خاصّة‌، فقد كان‌ ذكره‌ ضروريّاً لاسيّما ونحن‌ نتحدّث‌ عن‌ عقائد الشيعة‌ في‌ هذا المجال‌.

 * * *

كلام‌ الطبرسي‌ّ والسيِّد المرتضي‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌

 ومن‌ القائلين‌ بصيانة‌ القرآن‌ من‌ التحريف‌ والمتحدّثين‌ عمّا يُنسَب‌ إلی الشيعة‌ من‌ اعتقادهم‌ بوجود نقص‌ فيه‌ هو الشيخ‌ الاقدم‌ أبو علی الفضل‌بن‌ الحسن‌ الطبرسي‌ّ أحد أعلام‌ الإماميّة‌ الكبار في‌ القرن‌ السادس‌ الهجري‌ّ.

 يقول‌ هذا العالم‌ في‌ مقدّمة‌ تفسيره‌: ومن‌ ذلك‌ الكلام‌ في‌ زيادة‌ القرآن‌ ونقصانه‌ فإنّه‌ لا يليق‌ بالتفسير. فأمّا الزيادة‌ فيه‌، فَمُجْمَعٌ علی بطلانه‌. وأمّا النقصان‌ منه‌، فقد روي‌ جماعة‌ من‌ أصحابنا وقوم‌ من‌ حشويّة‌ العامّة‌ أنّ في‌ القرآن‌ تغييراً ونقصاناً. والصحيح‌ من‌ مذهب‌ أصحابنا خلافه‌. وهو الذي‌ نصره‌ المرتضي‌ قدّس‌ الله‌ روحه‌ واستوفي‌ الكلام‌ فيه‌ غاية‌ الاستيفاء في‌ جواب‌ « المسائل‌ الطرابلسيّات‌ » وذكر في‌ مواضع‌ أنّ العلم‌ بصحة‌ نقل‌ القرآن‌ كالعلم‌ بالبلدان‌ والحوادث‌ الكبار والوقائع‌ العظام‌ والكتب‌ المشهورة‌ وأشعار العرب‌ المسطورة‌. فإنّ العناية‌ اشتدّت‌ والدواعي‌ توفّرت‌ علی نقله‌ وحراسته‌. وبلغت‌ إلی حدّ لم‌ يبلغه‌ فيما ذكرناه‌، لانّ القرآن‌ معجزة‌ النبوّة‌ ومأخذ العلوم‌ الشرعيّة‌ والاحكام‌ الدينيّة‌ وعلماء المسلمين‌ قد بلغوا في‌ حفظه‌ وحمايته‌ الغاية‌ حتّي‌ عرفواكلّ شي‌ء اختلف‌ فيه‌ من‌ إعرابه‌ وقراءته‌ وحروفه‌ وآياته‌، فكيف‌ يجوز أن‌ يكون‌ مغيّراً أو منقوصاً مع‌ العناية‌ الصادقة‌ والضبط‌ الشديد؟

 وقال‌ أيضاً قدّس‌ الله‌ روحه‌: إنّ العلم‌ بتفصيل‌ القرآن‌ وأبعاضه‌ في‌ صحّة‌ نقله‌ كالعلم‌ بجملته‌، وجري‌ ذلك‌ مجري‌ ما علم‌ ضرورة‌ من‌ الكتب‌ المصنّفة‌ كـ « كتاب‌ سيبويه‌ » والمزني‌ّ. فإنّ أهل‌ العناية‌ بهذا الشأن‌ يعلمون‌ من‌ تفصيلهما ما يعلمونه‌ من‌ جملتهما حتّي‌ لو أنّ مدخلاً أدخل‌ في‌ « كتاب‌ سيبويه‌ » باباً في‌ النحو ليس‌ من‌ الكتاب‌، لَعُرِف‌ وميّز وعُلِم‌ أ نّه‌ ملحق‌، وليس‌ من‌ أصل‌ الكتاب‌. وكذلك‌ القول‌ في‌ كتاب‌ المزنيّ. ومعلوم‌ أنّ العناية‌ بنقل‌ القرآن‌ وضبطه‌ أصدق‌ من‌ العناية‌ بضبط‌ كتاب‌ سيبويه‌ ودواوين‌ الشعراء.

 وذكر أيضاً رضوان‌ الله‌ عليه‌ أنّ القرآن‌ كان‌ علی عهد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مجموعاً مؤلّفاً علی ما هو عليه‌ الآن‌. واستدلّ علی ذلك‌ بأنّ القرآن‌ كان‌ يُدَرَّس‌ ويُحْفَظ‌ جميعه‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌ حتّي‌ عَيَّنَ علی جماعة‌ من‌ الصحابة‌ في‌ حفظهم‌ له‌، وأ نّه‌ كان‌ يعرض‌ علی النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ويُتلي‌ عليه‌. وأنّ جماعة‌ من‌ الصحابة‌ مثل‌ عبدالله‌بن‌ مسعود، وأُبي‌ّبن‌ كعب‌، وغيرهما ختموا القرآن‌ علی النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ عدّة‌ ختمات‌.

 وكلّ ذلك‌ يدلّ بأدني‌ تأمّل‌ علی أ نّه‌ كان‌ مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولامبثوث‌. وذكر أنّ من‌ خالف‌ في‌ ذلك‌ من‌ الإماميّة‌ والحشويّة‌ لايعتدّ بخلافهم‌. فإنّ الخلاف‌ في‌ ذلك‌ مضاف‌ إلی قوم‌ من‌ أصحاب‌ الحديث‌ نقلوا أخباراً ضعيفة‌ ظنّوا صحّتها لا يرجع‌ بمثلها عن‌ المعلوم‌ المقطوع‌ علی صحّته‌. [27]

 

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[2] ـ الآيتان‌ 41 و 42، من‌ السورة‌ 41: حم‌ السجدة‌ (فصّلت‌).

[3] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 12، ص‌ 103 و 104.

[4] ـ كقول‌ بعض‌ من‌ غير المنتحلين‌ بالإسلام‌ إنّ قوله‌ تعالي‌: إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ من‌ وضع‌ أبي‌ بكر وضعه‌ حين‌ سمع‌ عمر وهو شاهر سيفه‌ يهدّد بالقتل‌ مَن‌ قال‌: إنّ النبي‌ّ مات‌، فقرأها علی عمر فصرفه‌.

[5] ـ اقتباس‌ من‌ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 39: الزمر. والآية‌ هي‌: اللَهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَـ'بًا مُّتَشَـ'بِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَي‌' ذِكْرِ اللَهِ ذَ ' لِكَ هُدَي‌ اللَهِ يَهْدِي‌ بِهِ مَن‌ يَشَآءُ وَمَن‌ يُضْلِلِ اللَهُ فَمَا لَهُ و مِنْ هَادٍ.

[6] ـ الآية‌ 82، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[7] ـ الآية‌ 88، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[8] ـ الآيتان‌ 13 و 14، من‌ السورة‌ 86: الطارق‌.

[9] ـ الآيات‌ 40 إلی 42، من‌ السورة‌ 41: حم‌ السجدة‌ (فصّلت‌).

[10] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[11] ـ الآية‌ 6، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[12] ـ ذكره‌ ابن‌ طاووس‌ في‌ «سعد السعود».

[13] ـ القُذَّة‌: ريش‌ السهم‌. السهم‌ الذي‌ كان‌ يوضع‌ سابقاً في‌ وتر القوس‌ ويُرمي‌ نحو الهدف‌ عبارة‌ عن‌ عصا أو قصبة‌ كان‌ يوضع‌ في‌ رأسها النصل‌، وتوضع‌ في‌ نهايتها ريشتان‌ ï ïمتساويتان‌ لكي‌ تتحرّك‌ باتّجاه‌ مستقيم‌. ويقطع‌ رأس‌ الريشتين‌ ونهايتهما بالتساوي‌ ويُنصبان‌ في‌ طرفيها من‌ أجل‌ أن‌ يتحرّك‌ السهم‌ باتّجاه‌ مستقيم‌ تماماً. ولهذا استعملت‌ هاتان‌ الريشتان‌ اللتان‌ تُعدّان‌ كالزوج‌ المتماثلين‌ من‌ كلّ جهة‌ كالنعلين‌ من‌ أجل‌ تشبيه‌ المماثلة‌ في‌ التنظير.

[14] ـ الذراع‌ من‌ طرف‌ المرفق‌ إلی طرف‌ الاءصبع‌ الوسطي‌. ومقدار الذراع‌ طوله‌ الذي‌ هو بطول‌ هذا المقدار.

[15] ـ الباع‌ قَدْرُ مَدِّ اليدينِ من‌ الاءنسان‌.

[16] ـ القراءة‌ المتواترة‌ عندنا هذا اليوم‌ هي‌ علی مصحف‌ زيد بن‌ ثابت‌ فحسب‌. وقال‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ قدّس‌ سرّه‌ في‌ تذكرته‌، في‌ باب‌ القراءة‌: ويجب‌ أن‌ يُقرأ بالمتواتر من‌ الآيات‌. وهو ما تضمّنه‌ مصحف‌ علی عليه‌ السلام‌، لانّ أكثر الصحابة‌ اتّفقوا عليه‌ ] لانّ ما كتبه‌ زيدبن‌ ثابت‌ يُطابق‌ مصحف‌ الإمام‌ [ وحرق‌ عثمان‌ ماعداه‌. فلا يجوز أن‌ يُقرأ بمصحف‌ ابن‌ مسعود، ولاأُبي‌ّ، ولا غيرهما.

[17] ـ الآية‌ 2، من‌ السورة‌ 62: الجمعة‌.

[18] ـ الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[19] ـ جاء في‌ اللغة‌ أنّ الطُّوال‌ بمعني‌ الطويل‌. واسم‌ التفضيل‌ منه‌ أطول‌ وجمعه‌ أطاول‌. ومؤنّثه‌ طُولَي‌، وجمعه‌ طُوَل‌. والسَّبع‌ الطُّوَل‌ سبع‌ سور من‌ القرآن‌ الكريم‌. وهي‌ السُّور الكبيرة‌ في‌ أوّل‌ القرآن‌ بعد الفاتحة‌ إذا اعتبرنا الانفال‌ والتوبة‌ سورة‌ واحدة‌ (لا نّهما نزلتا معاً في‌ غزوات‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، ولذلك‌ يقال‌ لهما: القرينتان‌ ولا بسملة‌ بينهما) أو اعتبرنا سورة‌ يونس‌ هي‌ السورة‌ السابعة‌. والمثاني‌ سبع‌ سور بعد هذه‌ السور المذكورة‌. وعُرفت‌ بهذا الاسم‌ لانّ مثني‌ كمعني‌ ومعاني‌ بمعني‌ الاءتيان‌ تعاقباً. وقد تطلق‌ المثاني‌ علی جميع‌ السور القرآنيّة‌ سواء الطوال‌ منها أم‌ القصار. والسور المئين‌ هي‌ السور التي‌ تبدأ بسورة‌ الاءسراء إلی سبع‌ سور. وسُميّت‌ بهذا الاسم‌ لانّ آيات‌ كلّ واحدة‌ منها تبلغ‌ قرابة‌ مائة‌ آية‌. ومئين‌ جمع‌ مائة‌. والمفصَّلات‌ ثماني‌ وستّون‌ سورة‌ بعد المئين‌ حسب‌ الحديث‌ المأثور عن‌ سعد الاءسكاف‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كما نقل‌ ذلك‌ الشيخ‌ محمّد حسن‌ في‌ «جواهر الكلام‌»، كتاب‌ الصلاة‌ عن‌ الكُلينيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌. والمشهور أنّ القرآن‌ يُقسم‌ إلی ثلاثة‌ أقسام‌ هي‌: الطُّوَل‌، والمئين‌، والمفصّلات‌. غاية‌ الامر أنّ سورة‌ النبأ فما تلاها إلی آخر القرآن‌ تعرف‌ بالسور القِصار.

[20] ـ العُسُب‌ مفردها عسيب‌: جريدة‌ من‌ النخل‌ كُشِطَ خوصُها. واللِّخاف‌ الواحدة‌ لَخْفَة‌، وهي‌ حجارة‌ بِيض‌ رقاق‌. والاكتاف‌ جمع‌ الكَتِف‌، وهي‌ عظم‌ عريض‌ خلف‌ المنكب‌. والجلود جمع‌ الجِلد وهو غشاء جسد الحيوان‌ بعد دبغه‌. والرِّقاع‌ (بكسر الراء) مفردها رُقعة‌، وهي‌ القطعة‌ من‌ الورق‌ التي‌ تكتب‌، وجمعها الآخر: رُقَع‌.

[21] ـ الآية‌ 90، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[22] ـ الآية‌ 281، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[23] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» لآية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ سرّه‌، ج‌ 12، ص‌ 106 إلی 133 في‌ سياق‌ بحثه‌ حول‌ تفسير الآية‌ الكريمة‌: إنّا نحْن‌ نزّلنا الذكر وإنّا له‌ لحافظون‌.

[24] ـ «الشمس‌ الساطعة‌» القسم‌ الثاني‌، حوار التلميذ والعلاّمة‌.

[25] ـ «معرفة‌ الإمام‌» ج‌ 12، ضمن‌ الدروس‌ 174 إلی 176.

[26] ـ «نور ملكوت‌ القرآن‌» ج‌ 4، البحث‌ الثاني‌ عشر، (من‌ سلسلة‌ أنوار الملكوت‌).

[27] ـ «مجمع‌ البيان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 1، ص‌ 15، طبعة‌ صيدا، سنة‌ 1333. وقال‌ الشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ في‌ ص‌ 314 من‌ كتاب‌ «مع‌ الشيعة‌ الإماميّة‌ رأي‌ صريح‌ في‌ حقيقة‌ التشيّع‌ وأُصوله‌ التي‌ ترتكز عليها المذاهب‌ الإسلاميّة‌» المطبوع‌ ضمن‌ مجموعة‌ بعنوان‌ «الشيعة‌ في‌ الميزان‌»: لاتحريف‌ في‌ القرآن‌، ويستحيل‌ أن‌ تناله‌ يد التحريف‌ بالزيادة‌ أو النقصـان‌ للآية‌ 9، الحجر: «إنّا نحن‌ نزّلنا الذِّكـر وإنّا له‌ لحافظـون‌»، والآية‌ 42، فُصّـلت‌: «لا يأْتِيهِ الباطل‌ من‌ بين‌ يديه‌ ولا من‌ خلفه‌ تنزيل‌ من‌ حكيم‌ حميد». ونُسب‌ إلی الإماميّة‌ افتراءً وتنكيلاً نقصان‌ آيات‌ من‌ آي‌ القرآن‌، مع‌ أنّ علماءهم‌ المتقدّمين‌ والمتأخّرين‌ الذين‌ هم‌ الحجّة‌ والعُمْدة‌ قد صرّحوا بأنّ القرآن‌ هو ما في‌ أيدي‌ الناس‌ لا غيره‌. فمن‌ المتقدّمين‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ «اعتقاد الشيعة‌ الإماميّة‌»، والسيّد المرتضي‌ في‌ كتاب‌ «المسائل‌ الطرابلسيّات‌»، والشيخ‌ الطوسيّ في‌ كتاب‌ «التبيان‌». ومن‌ المتأخّرين‌: الشيخ‌ جعفر النجفيّ في‌ كتاب‌ «كشف‌ الغطاء»، والسيّد محسن‌ البغداديّ في‌ «شرح‌ الوافية‌»، والشيخ‌ علی الكركيّ أ لّف‌ رسالة‌ خاصّة‌ في‌ نفي‌ الزيادة‌، والسيّد محسن‌ الامين‌ في‌ ج‌ 1، من‌ «أعيان‌ الشيعة‌»، والشيخ‌ محمّد جواد البلاغيّ في‌ ج‌ 1، من‌ «آلاء الرحمن‌». ونقل‌ الامين‌، والبلاغي‌ّ في‌ هذين‌ الكتابين‌ أنّ القائلين‌ بالنقصان‌ هم‌ أفراد من‌ شذّاذ الشيعة‌، والحشويّة‌ من‌ السنّة‌ لا يعتدّ بقولهم‌. إذن‌ نسبة‌ التحريف‌ إلی الشيعة‌ كنسبته‌ إلی السنّة‌، كلتاهما لم‌ تبن‌ علی أساس‌ من‌ الصحّة‌.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ والتسعون‌ بعد المائة‌ إلی المائتين‌
  أهمّيّة‌ التدريس‌ والكتابة‌
  تفسير آية‌ الدَّين‌ والتجارة‌ من‌ سورة‌ البقرة‌
  الاستشهاد بالآيات‌ القرآنيّة‌ علی وجوب‌ الكتابة‌
  الكتابة‌ في‌ عهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  أحاديث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ الامر بالكتابة‌
  كتابة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو للصحيفة‌ الصادقة‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌
  تعمّد الخطيب‌ عدم‌ نقل‌ أخبار حؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌
  حظر عمر الكتابة‌ ينطلق‌ من‌ أغراض‌ سياسيّة‌
  حظر عمر تدوين‌ الحديث‌ النبوي‌ّ
  ردّ العلاّمة‌ الاميني‌ّ علی عمر في‌ حظر تدوين‌ الحديث‌
  الصحابة‌ كانوا ينقلون‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  رأي‌ جولدتسيهر في‌ تدوين‌ الحديث‌
  آفات‌ الاعتقاد بقول‌ عمر: حسبنا كتاب‌ الله‌
  الحاجة‌ إلی الإمام‌ قائمة‌ مع‌ وجود السُّنّة‌
  كلام‌ أحمد أمين‌ في‌ الحاجة‌ إلی السُّنّة‌
  حوار آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء مع‌ أحمد أمين‌
  اعتراف‌ أحمد أمين‌ بحؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌ في‌ مرضه‌
  اعتراف‌ أحمد أمين‌ بمطاعن‌ عثمان‌
  كلام‌ المرحوم‌ المظفّر في‌ ترك‌ النصّ علی الخليفة‌
  كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ تقدّم‌ علی عليه‌ السلام‌
  كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ بشأن‌ مصحف‌ الإمام‌ علی عليه‌ السلام‌
  رفض‌ الناس‌ مصحف‌ أمير المومنين‌ علی عليه‌ السلام‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ الكريم‌
  الاستدلال‌ بتحدّي‌ القرآن‌ علی عدم‌ تحريفه‌
  الاستدلال‌ بحديث‌ الثقلين‌ وأمثاله‌ علی عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  >>أدلّة‌ الحشويّة‌ ومحدِّثي‌ الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ تحريف‌ القرآن‌
  الاستدلال‌ بالإجماع‌ علی عدم‌ التحريف‌ يستلزم‌ الدور.
  الاستدلال‌ بأخبار التحريف‌ وجوابها
  أخبار التحريف‌ المدسوسة‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ جمع‌ القرآن‌
  كلام‌ الطبرسي‌ّ والسيِّد المرتضي‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ آية‌ الله‌ الميرزا حسن‌ الآشتياني‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ الإمام‌ الهندي‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌(التعلیقة).
  نقل سورة محرّفة من« دبستان المذاهب»..
  ما نصّ عليه‌ كتاب‌ «دبستان‌ المذاهب‌» حول‌ عقائد الشيعة‌
  نقل‌ كلام‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ في‌ المذهب‌ الاخباري‌ّ
  انتقاد المذهب‌ الاخباري‌ّ
  انتقاد كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌» في‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ صاحب‌ «الذريعة‌» حول‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»..
  انتقاد المحدِّث‌ النوري‌ّ لتأليفه‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»..
  كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ (التعلیقة)
  كلام‌ السيّد محمّد التيجاني‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌
  بين‌ السنّة‌ مَن‌ یروی روایات التحريف‌
  بحث‌ علمي‌ّ مفصّل‌ للعلاّمة‌ البلاغي‌ّ حول‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  الدرس‌ الاوّل‌ بعد المائتين‌ إلی العاشر بعد المائتين‌ :تقدّم‌ الشيعة‌ ...
  تفسير آية‌: ن‌ والقلم‌ وما يسطرون‌
  مصحف‌ علی عليه‌ السلام‌
  الروايات‌ الواردة‌ في‌ صفة‌ كتاب‌ «الجامعة‌»..
  تفسير العلاّمة‌ المجلسي‌ّ لعلم‌ الائمّة‌ الاعظم‌
  روايات‌ «بصائر الدرجات‌» في‌ صفة‌ «الجامعة‌»..
  كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ الصدر حول‌ تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ التدوين‌
  الاحاديث‌ الواردة‌ في‌ الجفر.
  خصائص‌ كتاب‌ الجفر.
  بيان‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ حول‌ الجفر
  الاحاديث‌ الاُخري‌ الواردة‌ حول‌ الجفر
  أُصُول‌ الجفر وقواعده‌ صحيحه‌
  الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ استكشفوا المغيبات‌ من‌ الجفر
  كلام‌ العلماء حول‌ الجفر
  كلام‌ ابن‌ خلدون‌ حول‌ الجفر
  ترجمة‌ الفواطم‌ في‌ زمن‌ الهجرة‌
  تهم‌ الرافعي‌ّ ضدّ الشيعة‌ في‌ تفسير القرآن‌ علی أساس‌ علم‌ الجفر
  رؤيا النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ حكومة‌ الامويّين‌ (التعلیقة)
  ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی تُهم‌ الرافعي‌ّ
  تحريف‌ السيّد حسن‌ الامين‌ كتاب‌ أبيه‌ «أعيان‌ الشيعة‌»..
  تحريف‌ وجريمة‌ أُخري‌ للسيّد حسن‌ الامين‌
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ الجفر
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌
  نقد كلام‌ مغنية‌ وأمثاله‌ في‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌
  إثبات‌ علم‌ الغيب‌ بالجفر في‌ كلام‌ الإيجي‌ّ والمير السيّد شريف‌
  صعوبة‌ تصديق‌ كثير من‌ المسائل‌ الغيبيّة‌ لغير أهل‌ العرفان‌ من‌ العلماء
  إخبار آية‌ الله‌ بهجت‌ ما في‌ ضمير المؤلّف‌
  الصحيفة‌ التي‌ فيها أسماء الشيعة‌ عند الإمام‌ الصادق‌ هي‌ غير الجفر
  حديث‌ السيّد حسن‌ الصدر عن‌ كتاب‌ «الديات‌»
  روايات‌ البخاري‌ّ في‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  كلام‌ أبو ريّة‌ حول‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  روايات‌ الشيعة‌ حول‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  «صحيفة‌ الفرائض‌» من‌ تدوين‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الرابع‌
  «كتاب‌ الستّين‌» التدوين‌ الخامس‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی الرافعي‌ّ بشأن‌ «كتاب‌ السِّتِّين‌»
  «مصحف‌ فاطمة‌» من‌ مدوّنات‌ علی عليه‌ السلام‌
  الروايات‌ في‌ هويّة‌ «مصحف‌ فاطمة‌»
  كلام‌ العلاّمة‌ الامين‌ حول‌ عظمة‌ مصحف‌ فاطمة‌ عليها السلام‌
  كتابة‌ علی أسماء الائمّة‌ بإملاء رسول‌ الله‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ «مصحف‌ فاطمة‌»
  حديث‌ لوح‌ فاطمة‌ عليها السلام‌
  حديث‌ الرسائل‌ السماويّة‌ المختومة‌ في‌ ولاية‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر
  أبو رافع‌ أوّل‌ مؤلّف‌ بين‌ الشيعة‌ بعد أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  تقدّم‌ سنن‌ أبي‌ رافع‌ علی كتاب‌ سُلَيم‌
  التدوين‌ عند أهل‌ السنّة‌ كان‌ بعد قرنين‌
  ردّ محمّد عجّاج‌ الخطيب‌ علی السيّد حسن‌ الصدر
  كلام‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كيفيّة‌ التدوين‌ عند أهل‌ السنّة‌
  الادلّة‌ علی أنّ التدوين‌ عند العامّة‌ بدأ في‌ رأس‌ المائة‌ الثالثة‌
  كلام‌ أبو ريّة‌ حول‌ الإسرائيليّات‌ في‌ الحديث‌
  نهي‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ المؤكّد عن‌ رواية‌ الإسرائيليّات‌
  ضعف‌ روايات‌ أبي‌ هريرة‌ وعبد الله‌ بن‌ عمرو
  ردُّ أبي‌ ريّة‌ علی أحاديث‌ أبي‌ هريرة‌
  تفاهة‌ صحيفة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو وعدم‌ قيمتها
  دفاع‌ محمّد عجّاج‌ عن‌ «صحيفة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو»
  نقد كلام‌ محمّد عجّاج‌ في‌ ردّه‌ علی أبي‌ ريّة‌
  سلمان‌ الفارسي‌ّ وأبو ذرّ الغفاري‌ّ صحابيّان‌ مدوِّنان‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی