معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام (المجلد الرابع‌عشر)
کتاب معرفة الامام / المجلد الرابع عشر / القسم الرابع: عدم تحریف القرآن، انتقاد المذهب الاخباری، حول کتاب فصل الخطاب

كلام‌ آية‌ الله‌ الميرزا حسن‌ الآشتياني‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌

 قال‌ الشيخ‌ الفقيه‌ الاُصولي‌ّ الحكيم‌ آية‌ الله‌ الميرزا محمّدحسن‌ الآشتيانيّ قدّس‌ سرّه‌ ـوهو أحد العلماء المتأخّرين‌ـ في‌ شرحه‌ العلمي‌ّ النفيس‌ علی رسائل‌ أُستاذه‌ الشيخ‌ مرتضي‌ الانصاريّ قدّس‌ سرّه‌ عند شرح‌ قوله‌: الثَّالِثُ إنَّ وُقُوعَ التَّحْرِيفِ عَلَی القَوْلِ بِهِ ـ إلی آخره‌: ينبغي‌ التكلّم‌ أوّلاً في‌ أصل‌ وقوع‌ التحريف‌ والتغيير والنقيصة‌ والزيادة‌ في‌ القرآن‌ بعض‌ الكلام‌ ثمّ تعقيبه‌ بالكلام‌ في‌ قدح‌ وقوع‌ التغيير بالمعني‌ الاعمّ في‌ حجّيّة‌ ظواهر آيات‌ الاحكام‌ وعدمه‌، فنقول‌:

 إنّه‌ لا خلاف‌ بين‌ علماء الشيعة‌ في‌ أ نّه‌ كان‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ وعلي‌ أخيه‌ الرسول‌ الامين‌ وأولادهما المنتجبين‌ ألف‌ سلام‌ وصلاة‌ وتحيّة‌، قرآناً مخصوصاً جمعه‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وقد عرضه‌ علی الناس‌ والمنحرفين‌ وأعرضوا قائلين‌ إنّه‌: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِ. فحجبه‌ عنهم‌ وأودعه‌ ولده‌ عليهم‌ السلام‌ يتوارثه‌ إمام‌ عن‌ إمام‌ كسائر خصائص‌ الإمامة‌ والرسالة‌. وهو الآن‌ عند الحجّة‌ وإمام‌ العصر عجّل‌ الله‌ فرجه‌، يظهر للناس‌ بعد ظهوره‌ ويأمرهم‌ بقراءته‌ وقد نطقت‌ به‌ الاخبار المستفيضة‌ بل‌ المتواترة‌ معنيً.

 كما أ نّه‌ لا خلاف‌ بينهم‌ في‌ مخالفته‌ لما في‌ أيدي‌ الناس‌ في‌ الجملة‌ ولو من‌ حيث‌ التأليف‌ وترتيب‌ السور والآيات‌، بل‌ الكلمات‌؛ وإلاّ لم‌يكن‌ معني‌ لكونه‌ من‌ خصائصه‌.

 ويدلّ عليه‌ مضافاً إلی وضوحه‌ مارواه‌ الشيخ‌ المفيد قُدّس‌ سرّه‌ في‌ محكي‌ إرشاده‌ عن‌ جابر، عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ قال‌:

 إذَا قَامَ قَائِمُ آل‌ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ضَرَبَ فَسَاطِيطَ لِمَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ القُرْآنَ عَلَی مَا أَنْزَلَهُ اللَهُ تَعَالَي‌. فَأَصْعَبُ مَا يَكُونُ عَلَی مَنْ حَفِظَهُ اليَوْمَ، لاِ نَّهُ يُخَالِفُ فِيهِ التَّأْلِيفَ ـ الخبر، وغيره‌.

 كما أ نّهم‌ لا ينكرون‌ مخالفته‌ لما في‌ أيدي‌ الناس‌ من‌ حيث‌ اشتماله‌ علی وجوه‌ التأويل‌ والتنزيل‌، والتفسير، والاحاديث‌ القدسيّة‌ كما صرّح‌ به‌ الصدوق‌ والمفيد عن‌ بعض‌ أهل‌ الإمامة‌، والسيّد الكاظميّ الشارح‌ لـ « الوافية‌ » وغيرهم‌ قدّس‌ سرّهم‌.

 ويواصل‌ آية‌ الله‌ الآشتيانيّ الموضوع‌، إلی أن‌ يقول‌: قال‌ الشيخ‌ الصدوق‌ قدّس‌ سرّه‌:

 اعْتِقَادُنَا أَنَّ القُرْآنَ الَّذِي‌ أَنْزَلَهُ اللَهُ تَعَالَي‌ عَلَی نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ هُوَ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ وَمَنْ نَسَبَ إلَيْنَا بِالقَوْلِ بِأَ نَّهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كَاذِبٌ ـ انتهي‌ كلامه‌ رُفع‌ مقامه‌.

 وأمّا الشيخ‌ المفيد وإن‌ كان‌ كلامه‌ المحكيّ أوّلاً عن‌ « المسائل‌ السرويّة‌ » ربّما يستظهر منه‌ وقوع‌ التغيير فيما نزل‌ إعجازاً إلاّ أنّ كلامه‌ أخيراً صريح‌ في‌ حمل‌ ما ورد في‌ هذا الباب‌ علی التغيير من‌ حيث‌ التأويل‌، والتنزيل‌، والتفسير، ناسباً له‌ إلی جماعةٍ من‌ أهل‌ الإمامة‌. حيث‌ قال‌ علی ما حُكي‌ عنه‌: وقال‌ جماعة‌ من‌ أهل‌ الإمامة‌: إنّه‌ لم‌ ينقص‌ من‌ كلمة‌، ولامن‌ آية‌، ولا من‌ سورة‌، لكن‌ حذف‌ ما كان‌ مثبتاً في‌ مصحف‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ تأويله‌ وتفسير معانيه‌ علی حقيقة‌ تنزيله‌. وذلك‌ كان‌ ثابتاً منزلاً وإن‌ لم‌ يكن‌ من‌ جملة‌ كلام‌ الله‌ تعالي‌ الذي‌ هو القرآن‌ المعجز. وقد يُسمّي‌ تأويل‌ القرآن‌ قرآناً. قال‌ الله‌ تعالي‌: وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن‌ قَبْلِ أَن‌ يُقْضَي‌'´ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل‌ رَّبِّ زِدْنِي‌ عِلْمًا. [1] فسمّي‌ تأويل‌ القرآن‌ قرآناً. وهذا ما ليس‌ فيه‌ بين‌ أهل‌ التفسير اختلاف‌ـ انتهي‌ كلامه‌ رُفع‌ مقامه‌.

 ويبسط‌ المحقّق‌ الآشتيانيّ القول‌، إلی أن‌ يقول‌:

 وبالجملة‌، مخالفة‌ ما عند الإمام‌ عليه‌ السلام‌ لما في‌ أيدي‌ الناس‌ في‌ الجملة‌ ممّا لا ينكره‌ أحد. إنّما الكلام‌ في‌ مخالفة‌ ما بين‌ الدفّتين‌ لما نزل‌ إعجازاً من‌ جهة‌ التحريف‌ والزيادة‌ والنقيصة‌.

 فعن‌ جمهور الاخباريّين‌ وجمع‌ من‌ المحدّثين‌ كالشيخ‌ الجليل‌ علي‌ّبن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ، وتلميذه‌ ثقة‌ الإسلام‌ الكلينيّ وغيرهما قدّس‌ الله‌ أسرارهم‌ حيث‌ إنّهم‌ نقلوا الاخبار الدالّة‌ علی التغيير من‌ غير قدح‌ فيها سيّما بملاحظة‌ عنوانهم‌ وقوع‌ التغيير مطلقاً. وعن‌ بعضهم‌ وقوع‌ التحريف‌ والنقيصة‌ دون‌ الزيادة‌ مدّعياً عدم‌ النزاع‌ فيها. وعن‌ بعضهم‌ كون‌ النزاع‌ في‌ زيادة‌ غير السورة‌ بل‌ الآية‌، فإنّ زيادتهما منافٍ لكون‌ ما بأيدينا إعجازاً يقيناً مضافاً إلی منافاته‌ لصريح‌ القرآن‌.

 والمشهور بين‌ المجتهدين‌ والاُصوليّين‌ بل‌ أكثر المحدّثين‌ عدم‌ وقوع‌ التغيير مطلقاً، بل‌ ادّعي‌ غير واحد الإجماع‌ علی ذلك‌ سيّما بالنسبة‌ إلی الزيادة‌. وعن‌ المولي‌ الفريد البهبهانيّ وجماعة‌ من‌ المتأخّرين‌ نفي‌ الزيادة‌.

 إلی أن‌ يقول‌: وممّن‌ صرّح‌ بالإجماع‌ علی عدم‌ التغيير عَلَم‌ الهُدي‌ قُدّس‌ سرّه‌.

 وينقل‌ المرحوم‌ الآشتيانيّ هنا نفس‌ عبارات‌ الشريف‌ المرتضي‌ كما نقلناها عن‌ الشيخ‌ الطبرسيّ. ثمّ يقول‌:

 وقال‌ شيخ‌ الطائفة‌ الطوسيّ قدّس‌ سرّه‌ في‌ محكيّ تبيانه‌: أمّا الكلام‌ في‌ زيادته‌ ونقصانه‌ ـ يعني‌ القرآن‌ ـ فممّا لا يليق‌ به‌، لانّ الزيادة‌ فيه‌ مجمع‌ علی بطلانها. والنقصان‌ منه‌ فالظاهر أيضاً من‌ مذهب‌ المسلمين‌ خلافه‌، وهو الاليق‌ بالصحيح‌ من‌ مذهبنا؛ كما نصره‌ المرتضي‌ قُدّس‌ سرّه‌. وهو الظاهر من‌ الروايات‌، [2] غير أ نّه‌ رويت‌ روايات‌ كثيرة‌ من‌ جهة‌العامّة‌ والخاصّة‌ بنقصان‌ كثير من‌ آي‌ القرآن‌، ونقل‌ شي‌ء منه‌ من‌ موضع‌ إلی موضع‌ لكن‌ طريقها الآحاد التي‌ لا توجب‌ علماً. فالاولي‌ الإعراض‌ عنها وترك‌ التشاغل‌ بها، لا نّه‌ يمكن‌ تأويلها.

 ولو صحّت‌ لما كان‌ ذلك‌ طعناً علی ما هو موجود بين‌ الدفّتين‌، فإنّ ذلك‌ معلوم‌ صحّته‌ لا يعترضه‌ أحد من‌ الاُمّة‌ ولا يدفعه‌. ورواياتنا متناصرة‌ بالبحث‌ علی قراءته‌ والتمسّك‌ بما فيه‌ وردّ ما يرد من‌ اختلاف‌ الاخبار في‌ الفروع‌ إليه‌ وعرضها عليه‌. فما وافقه‌ عمل‌ عليه‌، وما يخالفه‌ يجتنب‌ ولم‌يلتفت‌ إليه‌.

 وقد وردت‌ عن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ رواية‌ لايدفعها أحدأنّه‌ قال‌: إنِّي‌ مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌، وَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي‌ يَرِدَا عَلَی الحَوْضَ.

 وهذا يدلّ علی أ نّه‌ موجود في‌ كلّ عصر، لا نّه‌ لا يجوز أن‌ يأمر الاُمّة‌ بالتمسّك‌ بما لا يقدر علی التمسّك‌ به‌، كما أنّ أهل‌ البيت‌ ومن‌ يجب‌ اتّباع‌ قوله‌ حاصل‌ في‌ كلّ وقت‌. وإذا كان‌ الموجود بيننا مجمعاً علی صحّته‌ فينبغي‌ أن‌ يتشاغل‌ بتفسيره‌ وبيان‌ معانيه‌ وترك‌ ما سواه‌.

نقل سورة محرّفة من« دبستان المذاهب»

 ويواصل‌ الفقيه‌ المحقّق‌ الآشتيانيّ هذا الموضوع‌، إلی أن‌ يقول‌:

 ولنختم‌ الكلام‌ في‌ المسألة‌ بذكرالسورة‌التي‌حكاهاصاحب‌كتاب‌«دبستان‌ المذاهب‌ » بعد ذكر جملة‌ من‌ عقائد الشيعة‌ عن‌ بعض‌ علماء الشيعة‌ عند ذكر مطاعن‌ الثالث‌ حيث‌ إنّه‌ أحرق‌ المصاحف‌ وأتلف‌ السور التي‌ كانت‌ في‌ فضل‌ أمير المؤمنين‌ وأولاده‌ الطاهرين‌ عليهم‌ السلام‌.

 قال‌: فإنّ ما ذكروه‌ من‌ الكلمات‌ الساقطة‌ أو المحرَّفة‌ كثيرة‌ مذكورة‌ في‌ كثير من‌ كتب‌ علماء الشيعة‌. والسورة‌: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَن‌ الرَّحِيمِ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِالنّورَينِ أَنْزَلْنَاهُمَا يَتْلُوَانِ عَلَيْكُمْ آيَاتِي‌ وَيُحَذِّرَانِكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ.

 ويذكر هنا جملاً وألفاظاً علی هذا النحو. وهي‌ تشغل‌ قرابة‌ صفحتين‌ من‌ القطع‌ الوزيريّ، وآخرها: وَعَلَي‌ الَّذِينَ سَلَكُوا مَسْلَكَهُمْ مِنِّي‌ رَحْمَةٌ وَهُمْ فِي‌ الغُرُفَاتِ آمِنُونَ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 هذه‌ السورة‌ وإن‌ لم‌ أقف‌ عليها من‌ غير الكتاب‌ المذكور، ولكن‌ ظاهرها أ نّه‌ أخذها من‌ كتب‌ الشيعة‌. نعم‌، عن‌ الشيخ‌ محمّد بن‌ علي‌ّبن‌ شهرآشوب‌ المازندرانيّ المعروف‌ في‌ كتاب‌ « المثالب‌ » أ نّهم‌ أسقطوا من‌ القرآن‌ تمام‌ سورة‌ الولاية‌. ولا يبعد إرادة‌ هذه‌ السورة‌.

 ولكنّك‌ خبير بأ نّها ليست‌ من‌ القرآن‌ المنزل‌ إعجازاً قطعاً؛ إذ يقدر كلّ عارف‌ بلغة‌ العرب‌ أن‌ يأتي‌ بمثلها، مع‌ أنّه‌ قال‌ سبحانه‌: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسِ وَالْجِنِّ ـ الآية‌. [3]

 وذهب‌ الشيخ‌ المحقّق‌ موسي‌ بن‌ جعفر بن‌ أحمد التبريزيّ في‌ كتاب‌ « أوثق‌ الوسائل‌ في‌ شرح‌ الرسائل‌ » إلی ما ذهب‌ إليه‌ المحقّق‌ الآشتيانيّ تحقيقاً وتفصيلاً، عند شرح‌ تلك‌ الفقرة‌ من‌ عبارة‌ الشيخ‌ الانصاريّ: ثُمَّ إنَّ وُقُوعَ التَّحرِيفِ فِي‌ القُرْآنِ عَلَی القَوْلِ بِهِ... إلی آخره‌، والمختار من‌ كلامه‌ عدم‌ التحريف‌ زيادةً أو نقيصةً أو تغييراً. [4]

 وأمّاكتاب‌« دبستان‌ المذاهب‌ » المارّ ذكره‌ في‌ شرح‌ الرسائل‌، والواردة‌ فيه‌ سورة‌ ساقطة‌ من‌ كتاب‌ الله‌، فهو كتاب‌ مجهول‌، وصاحبه‌ مغمور لم‌يرد اسمه‌ بين‌ العلماء المشهورين‌.

 ولابدّ لنا من‌ أن‌ نعرض‌ ترجمة‌ لمؤلّفه‌ نقلاً عن‌ العالم‌ الكبير الشيخ‌ آغا بزرك‌ الطهرانيّ قدّس‌ سرّه‌، ثمّ نورد موضوعات‌ من‌ كتابه‌ نفسه‌ دليلاً علی ما نقول‌، وذلك‌ لكي‌ تنكشف‌ هويّة‌ هذا الكتاب‌ المجهول‌، ويظهر عدم‌ وثوق‌ وثائقه‌، ومنها نقل‌ السورة‌ الساقطة‌.

 يقول‌ المرحوم‌ الشيخ‌ آغا بزرك‌ قدّس‌ سرّه‌: « دبستان‌ المذاهب‌ » أو « دبستان‌ » في‌ الملل‌ والنحل‌، فارسيّ. طُبع‌ في‌ بومباي‌ سنة‌ 1262 مرتّب‌ علی اثني‌ عشر تعليماً. إلی أن‌ يقول‌:

 وبما أ نّه‌ لم‌ يذكر المؤلّف‌ اسمه‌ فيه‌، اختلف‌ في‌ مؤلّفه‌ كما ذكره‌ السيّد محمّد علی داعي‌ الإسلام‌ في‌ أوّل‌ « فرهنك‌ نظام‌ ». فحكي‌ عن‌ سرجان‌ ملكم‌ في‌ « تاريخ‌ إيران‌ » أنّ اسم‌ المؤلّف‌ محسن‌ الكشميري‌ّ المتخلّص‌ في‌ شعره‌ بـ فاني‌. وحكي‌ عن‌ مؤلّف‌ « مآثر الاُمراء » أنّ اسم‌ المؤلّف‌ ذوالفقار علی. وحكي‌ عن‌ هامش‌ نسخة‌ كتابتها سنة‌ 1260 أنّه‌ مير ذو الفقار علی الحسيني‌ّ المتخلّص‌ بـ هوشيار.

 واختار هو أ نّه‌ لبعض‌ السيّاح‌ في‌ أواسط‌ القرن‌ الحادي‌ عشر أدرك‌ كثيراً من‌ الدراويش‌ بالهند، وحكي‌ عنهم‌ الغثّ والسمين‌ في‌ كتابه‌ هذا.

 ويقول‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الطهرانيّ قدّس‌ سرّه‌: ويُحكي‌ عن‌ بعض‌ المستشرقين‌ أنّ في‌ مكتبة‌ بروكسل‌ نسخة‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » تأليف‌ محمّد فاني‌. وذكر فيه‌ أ نّه‌ ورد خراسان‌ سنة‌ 1056، ورأي‌ هناك‌ محمّد قُلي‌خان‌ المعتقد بنبوّة‌ مسيلمة‌ الكذّاب‌.

 وكما أ نّه‌ أخفي‌ المؤلّف‌ اسمه‌، كذلك‌ تعمّد في‌ إخفاء مذهبه‌ لئلاّ يحمل‌ كلامه‌ علی التعصّب‌. فقد قال‌ في‌ آخر الكتاب‌ ما معناه‌: إنّ بعض‌ الاعزّة‌ قال‌ لي‌: إنّ السيّد المرتضي‌ الرازيّ أ لّف‌ « تبصرة‌ العوام‌ » في‌ بيان‌ العقائد والمذاهب‌، لكن‌ يظهر منه‌ أ نّه‌ أخذ بجانب‌ وأيّد ذلك‌ الجانب‌، وبذلك‌ يتّهم‌ القائل‌ ويخفي‌ الحقائق‌، مع‌ أ نّه‌ قد أحدث‌ بعض‌ عقائد أُخر بعده‌ ولابدّ من‌ بيانها. فلذا أجبته‌ بهذا التأليف‌ وما أتيتُ فيه‌ إلاّ ما أثبته‌ أهل‌ الفرق‌ في‌ كتبهم‌ أو حدّثوه‌ لي‌ بأقوالهم‌ مع‌ مراعاة‌ التعبير عن‌ كلّ واحدٍ منهم‌ بعين‌ عباراتهم‌ وعين‌ ما يذكرون‌ به‌ أنفسهم‌ في‌ كتبهم‌، لكي‌ لاتخفي‌ الحقائق‌، ولا يحمل‌ علی التعصّب‌ والاخذ بجانب‌.

 قال‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الطهراني‌ّ قُدّس‌ سرّه‌: لكن‌ يستفاد من‌ أطراف‌ كلماته‌ وترتيب‌ مطالبه‌ وبيان‌ أدلّة‌ الاقاويل‌ أنّ الحقّ عنده‌ مذهب‌ الإماميّة‌. فإنّه‌ في‌ أوّل‌ التعليم‌ السادس‌ المتعلّق‌ بالملل‌ الإسلاميّة‌ قال‌: فيه‌ نظران‌. لانّ أهل‌ الإسلام‌ علی قسمين‌: سُنّي‌، وشيعيّ. ثمّ بدأ بذكر فرق‌ أهل‌ السُّنّة‌ إلی آخرهم‌؛ فشرع‌ في‌ النظر الثاني‌ في‌ الشيعة‌، وبدأ بالاثني‌ عشريّة‌ منهم‌ وذكر عقائدهم‌.

 قال‌: وسمعت‌ من‌ علماء الشيعة‌ أقاويلهم‌ وأدركت‌ منهم‌ في‌ لاهور في‌ سنة‌ 1503 المولي‌ محمّد معصوم‌، والمولي‌ محمّد مؤمن‌، والمولي‌ إبراهيم‌ المتعصّب‌ في‌ التشيّع‌. وذكر في‌ وجه‌ تعصّبه‌ أ نّه‌ رأي‌ الائمّة‌ في‌ المنام‌، فأمروه‌ باعتناق‌ الإسلام‌ واتّباع‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر من‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌. وذكر أنّ المروّج‌ للشيعة‌ الاخباريّة‌ في‌ عصره‌ كان‌ المولي‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ. ونقل‌ جملة‌ من‌ كلماته‌ في‌ كتبه‌: « الفوائد المدنيّة‌ »، « دانشنامه‌ شاهي‌ »، وغيرهما. وقال‌ المرحوم‌ صاحب‌ « الذريعة‌ » بعد بيان‌ مذاهب‌ الإسماعيليّة‌ عنه‌:

 وبالجملة‌، لا شكّ في‌ أنّ المؤلّف‌ من‌ شعراء أواسط‌ القرن‌ الحادي‌ عشر الذين‌ استوفي‌ جُلَّهم‌ النصر آباديّ في‌ تذكرته‌. ولم‌ يذكر فيهم‌ من‌ ينطبق‌ عليه‌ أحد المحتملات‌ التي‌ ذكرناها أوّلاً إلاّ الفاني‌ الكشميري‌ّ الذي‌ نقل‌ عنه‌ شعره‌ في‌ ص‌447.

 فلعلّ هذا الفاني‌ هو المؤلّف‌، وكان‌ اسمه‌ محسن‌ كما ذكره‌ سرجان‌ ملكم‌؛ وأ نّه‌ صُحِّف‌ بمحمّد في‌ نسخة‌ بروكسل‌ أو بالعكس‌. وأمّا ذو الفقار المتخلّص‌ ] وهو الذي‌ يختار اسماً مستعاراً له‌. ويشيع‌ ذلك‌ بين‌ الشعراء غالباً [بمؤبّد أو هوشيار، فلم‌ نجد له‌ أثراً. أوّله‌:

 اي‌ نام‌ تو سر دفتر اطفال‌ دبستان‌               ياد تو به‌ بالغ‌ خردان‌ شمع‌ شبستان‌ [5]

 وأمّا ما ذكر في‌ ذيل‌ « كشف‌ الظُّنون‌ » ص‌ 442 أنّه‌ تأليف‌ مؤبّدشاه‌ المهتدي‌، صنّفه‌ لاكبر شاه‌ المتوفّي‌ سنة‌ 1014، فلا وجه‌ له‌، لا نّه‌ يذكر فيه‌ قصصاً عن‌ سنوات‌ 1044 إلی 1063، منها أنّه‌ قال‌: رأيت‌ في‌ سنة‌ 1053 مرتاضاً يمدح‌ إيران‌ ولكنّه‌ يسبّ ملكها شاه‌ عبّاس‌ بن‌ خدابنده‌ ويقول‌: إنّه‌ يأخذ كلّ ولد أو بنت‌ جميل‌ غصباً. [6]

ما نصّ عليه‌ كتاب‌ «دبستان‌ المذاهب‌» حول‌ عقائد الشيعة‌

 هذا ما يتعلّق‌ بهويّة‌ كتاب‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » والاختلاف‌ في‌ جهل‌ مؤلّفه‌. أمّا الكتاب‌ نفسه‌، فإنّا نذكر هنا بعض‌ موضوعاته‌ في‌ حقل‌ التشيّع‌ تحقيقاً لهدفنا في‌ تعريف‌ صاحبه‌ مذهبيّاً:

 في‌ ذكر المذهب‌ الجعفريّ: أذكر ما سمعته‌ عن‌ المولي‌ محمّد معصوم‌، والمولي‌ محمّد مؤمن‌ توني‌، والمولي‌ إبراهيم‌ الذين‌ كانوا في‌ لاهور سنة‌ 1053، وجماعة‌ آخرين‌ غيرهم‌... إلی أن‌ قال‌:

 وقال‌ بعضهم‌: أحرق‌ عثمان‌ المصاحف‌، وأسقط‌ بعض‌ السُّور النازلة‌ في‌ فضل‌ علی وآله‌، ومن‌ هذه‌ السور ( وذكر هنا السورة‌ التي‌ نقلها المحقّق‌ الآشتياني‌ّ قدّس‌ سرّه‌ في‌ كتاب‌ « بحر الفوائد » نقلاً عن‌ الكتاب‌ المشار إليه‌، ثمّ قال‌: )

 وأصبح‌ المولي‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ هو المروّج‌ للطريقة‌ الاخباريّة‌ في‌ هذا العصر. وقيل‌ عنه‌: إنّه‌ توجّه‌ إلی مكّة‌ المعظّمة‌ بعد تحصيل‌ العلوم‌ العقليّة‌ والنقليّة‌، وأدرك‌ هذا الامر في‌ أعقاب‌ مقابلة‌ الحديث‌ وصنّف‌ كتاب‌ « الفوائد المدنيّة‌ »، وذكر في‌ « دانشنامه‌ قطب‌ شاهي‌» الذي‌ أ لّفه‌ لمحمّد قلي‌ قطب‌ شاه‌ الذي‌ كانت‌ له‌ حكومة‌ شبيهة‌ بحكومة‌ الإسكندر قائلاً: اعلم‌ أنّ المطلب‌ الاعلي‌ والمقصد الاقصي‌ معرفة‌ خصائص‌ المبدأ والمعاد... إلی أن‌ قال‌:

 افترق‌ الافاضل‌ في‌ تحصيل‌ هذا المقام‌ فرقاً: ففرقة‌ تري‌ أنّ تحصيله‌ يتمّ بالفكر والنظر؛ والتزم‌ جماعة‌ منها بعدم‌ مخالفة‌ أصحاب‌ الوحي‌، ويقال‌ لهم‌: المتكلّمون‌. لذلك‌ أسّسوا علم‌ الكلام‌ من‌ وحي‌ الافكار العقليّة‌، وأطالوا الكلام‌ في‌ كلام‌ ربّ العزّة‌. وجماعة‌ أُخري‌ لم‌ تلتزم‌، ويقال‌ لهم‌: الحكماء المشّاؤون‌. لذلك‌ كانوا في‌ البداية‌ يحذون‌ حذو أرسطو. وعندما أصبح‌ أرسطو وزيراً للإسكندر، وكان‌ يختلف‌ إلی مقرّ الحكومة‌ وأخذوا منه‌ العلم‌.

 وفرقة‌ أُخري‌ تذهب‌ إلی أنّ تحصيله‌ يتحقّق‌ عبر الرياضات‌. والتزم‌ جماعة‌ منها بعدم‌ مخالفة‌ أصحاب‌ الوحي‌، ويقال‌ لهم‌: الصوفيّة‌ المتشرّعون‌. ولم‌ تلتزم‌ جماعة‌ أُخري‌ بذلك‌، ويقال‌ لهم‌: الحكماء الإشراقيّون‌. وكان‌ أفلاطون‌ أُستاذ أرسطو يتعلّم‌ ويعلّم‌ عن‌ طريق‌ الرياضات‌.

 وفرقة‌ ثالثة‌ تعتقد أنّ تحصيل‌ هذا المقام‌ يتيسّر من‌ خلال‌ كلام‌ المعصومين‌. وألزموا أنفسهم‌ بالتمسّك‌ بأحاديث‌ المعصومين‌ في‌ كلّ مسألة‌ يمكن‌ أن‌ يخطأ فيها العقل‌ عادةً. ويُدعي‌ هؤلاء: الاخباريّين‌.

 وكان‌ أصحاب‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ جميعهم‌ قد حذوا حذوهم‌ ( حذو الاخباريّين‌ ). ونُقِل‌ أنّ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ نهوهم‌ عن‌ علم‌ الكلام‌، وعلم‌ أُصول‌ الفقه‌ المدوّن‌ من‌ وحي‌ العقل‌؛ وكذلك‌ نهوهم‌ عن‌ علم‌ الفقه‌ المدوّن‌ من‌ وحي‌ الاستنباطات‌ الظنّيّة‌، لانّ العاصم‌ من‌ الخطأ يقتصر علی التمسّك‌ بكلام‌ أهل‌ العصمة‌.

 ولهذا وقعت‌ اختلافات‌ وتناقضات‌ كثيرة‌ في‌ العلوم‌ الثلاثة‌. كما أنّ المشاهَد والمعلوم‌ هو أنّ النقيضين‌ ليسا علی حقّ، إذ إنّ أحدهما لابدّ أن‌ يكون‌ علی باطل‌. وقد علّم‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ أصحابهم‌ علم‌ الكلام‌، وعلم‌ أُصول‌ الفقه‌، وعلم‌ الفقه‌. وتختلف‌ هذه‌ العلوم‌ الثلاثة‌ في‌ كثير من‌ المسائل‌ عن‌ العلوم‌ التي‌ دوّنها العامّة‌. وقال‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌: ما كان‌ من‌ حقّ في‌ العلوم‌ الثلاثة‌ للعامّة‌، فقد وصلهم‌ مِنّا. وما كان‌ من‌ باطل‌، فقد صدر عن‌ أذهانهم‌.

 وكانت‌ طريقة‌ الاخباريّين‌ شائعة‌ في‌ أواخر الغيبة‌ الصغري‌، ودامت‌ ثلاثة‌ وسبعين‌ أو أربعة‌ وسبعين‌ عاماً حسب‌ اختلاف‌ الروايات‌. وقام‌ أصحاب‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ بتدوين‌ العلوم‌ الثلاثة‌ المذكورة‌ في‌ الكتب‌ بعد أن‌ أخذوها من‌ أئمّتهم‌ عليهم‌ السلام‌، لكي‌ يرجع‌ إليها الشيعة‌ في‌ عقائدهم‌ وأعمالهم‌ بأمر أئمّتهم‌ في‌ عصر الغيبة‌ الكبري‌. وانتهت‌ تلك‌ الكتب‌ إلی المتأخّرين‌ عن‌ طريق‌ التواتر.

 ويشتمل‌ كتاب‌ « الكافي‌ » الذي‌ أ لّفه‌ ثقة‌ الإسلام‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكُليني‌ّ قدّس‌ سرّه‌ علی العلوم‌ الثلاثة‌ المشار إليها.

 ولمّا ظهر محمّد بن‌ أحمد الجُنيد العامل‌ بالقياس‌، وحسن‌ بن‌ حسين‌ بن‌ أبي‌ عقيل‌ المعالي‌ المتكلّم‌ وتفقّها، كان‌ التعليم‌ في‌ المدارس‌ والمسـاجد يجري‌ علی مذهـب‌ العامّـة‌. وقد طالعا كتبهـم‌ في‌ الكلام‌ والاُصول‌ لفقرهما التامّ في‌ علمي‌ الاُصول‌، والكلام‌ المنقولين‌ عن‌ الائمّة‌. ووافقاهم‌ في‌ بعض‌ مباحث‌ الكلام‌ والاُصول‌، واختارا منهجاً هجيناً من‌ مذهب‌ الاخباريّين‌، ومذهب‌ العامّة‌، ووضعا أساس‌ الاجتهاد علی ذلك‌.

 وجاء بعدهما الشيخ‌ المفيد رحمه‌ الله‌ أي‌: الشيخ‌ أبو جعفر فوافقهما غفلةً منه‌ وحُسنَ ظنٍّ بهما. وسلك‌ في‌ الكلام‌ والاُصول‌ مذهباً يجمع‌ بين‌ مذهب‌ العامّة‌، والاخباريّين‌، والاُصوليّين‌. فانقسم‌ علماء الإماميّة‌ إلی أخباريّين‌ وأُصوليّين‌، كما ذكر ذلك‌ الشيخ‌ جمال‌ الدين‌ بن‌ المطهّر المعروف‌ بالعلاّمة‌ الحلّيّ في‌ بحث‌ خبر الواحد من‌ « النهاية‌ ». وقد صُرّح‌ بذلك‌ أيضاً في‌ آخر « شرح‌ المواقف‌ »، وأوائل‌ كتاب‌ « الملل‌ والنِّحل‌ ».

 ولمّاكان‌ الشيخ‌ المفيد أُستاذَ السيِّد المرتضي‌ علم‌ الهُدي‌، وشيخ‌ الطائفة‌ الطوسيّ، فقد انتشر ذلك‌ المذهب‌ بين‌ علماء الإماميّة‌، حتّي‌ وصل‌ الدور إلی علاّمة‌ المشارق‌ والمغارب‌ العلاّمة‌ الحلّيّ. ولمّا كان‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ أكثر تبحّراً من‌ ابن‌ الجنيد، وابن‌ أبي‌ عقيل‌، والشيخ‌ المفيد، فقد استطاع‌ أن‌ يوسّع‌ دائرة‌ المنهج‌ الهجين‌ في‌ الكتب‌ الكلاميّة‌ والاُصوليّة‌، وأرسي‌ دعائم‌ الاجتهادات‌ الفقهيّة‌ علی أساسه‌. ولمّا كانت‌ أحاديث‌ العامّة‌ خالية‌ من‌ القرائن‌ في‌ باب‌ خبر الواحد، فإنّه‌ قسّم‌ أحاديث‌ كتبه‌ وكتب‌ الطائفة‌ المحقّة‌ ( الشيعة‌ ) إلی أربعة‌ أقسام‌ مشهورة‌ غفلة‌ منه‌ عن‌ ذلك‌. مع‌ أنّ عَلَم‌ الهُدي‌، وشيخ‌ الطائفة‌، وثقة‌ الإسلام‌، وشيخنا الصدوق‌ محمّد بن‌ بابويه‌ القمّي‌ّ، وغيرهم‌ نصّوا علی أنّ الطائفة‌ المحقّة‌ أجمعت‌ علی صحّتها.

 ثمّ جاء بعده‌ الشيخ‌ محمّد مكّي‌ الشهير بالشهيد الاوّل‌ فاقتدي‌ بمنهجه‌ ووضع‌ صرح‌ تصانيفه‌ علی أساسه‌. وأعقبه‌ سلطان‌ المدقّقين‌ الشيخ‌ علی رحمه‌الله‌ فتأسّي‌ به‌. وكذلك‌ احتذي‌ به‌ العالم‌ الربّانيّ الشهيد الثاني‌ الشيخ‌ زين‌ الدين‌ العاملي‌ّ رحمه‌ الله‌.

 وهكذا تواترت‌ العصور حتّي‌ وصل‌ الدور إلی أعلم‌ العلماء المتأخّرين‌ في‌ علم‌ الحديث‌ وعلم‌ الرجال‌ وأورعهم‌ أُستاذ الجميع‌ الميرزا محمّد الاسترابادي‌ّ نوّر الله‌ مرقده‌ الشريف‌. وقد علّمني‌ علوم‌ الحديث‌ جميعها وأشار علی قائلاً: أحي‌ مذهب‌ الاخباريّين‌، وادفع‌ الشُّبهات‌ التي‌ تعارضه‌. ولقد دار في‌ خلدي‌ ذلك‌، لكنّ ربّ العزّة‌ شاء أن‌ يُجريه‌ علی قلمك‌.

 وبعد أن‌ أخذتُ العلوم‌ المتعارفة‌ كلّها من‌ أعاظم‌ العلماء، أقمتُ في‌ المدينة‌ المنوّرة‌ عددَ سنين‌ أُفكّر، وأتضرّع‌ إلی الله‌ تعالي‌، وأتوسّل‌ بأرواح‌ المعصومين‌ المقدّسة‌. وأُعيد النظر في‌ أحاديث‌ العامّة‌ وكتبهم‌، وهم‌ مخالفو الإماميّة‌، وأيضاً في‌ كتب‌ الخاصّة‌، وهم‌ الإماميّة‌، وذلك‌ بتأمّل‌ وتعمّق‌ تامّين‌. إلی أن‌ امتثلتُ أمر أُستاذي‌ فأ لّفتُ « الفوائد المدنيّة‌ » بتوفيق‌ الله‌ تعالي‌، وبركات‌ سيّد المرسلين‌ والائمّة‌ الطاهرين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌. وعرضتُه‌ عليه‌ فاستحسن‌ تأليفه‌ وأثني‌ علی رحمه‌ الله‌.

 ثمّ تحدّث‌ مؤلّف‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » قليلاً عن‌ النوّاب‌ الاربعة‌ وواجبات‌ الشيعة‌ في‌ عصر الغيبة‌. وقال‌ بعد ذلك‌: من‌ الجدير ذكره‌ أنّ الحديث‌ ينقسم‌ عند الشيعة‌ الإماميّة‌ الاُصوليّة‌ إلی أربعة‌ أقسام‌ هي‌: الصحيح‌، والحسن‌، والموثّق‌، والضعيف‌.

 وتوجّه‌ المولي‌ محمّد أمين‌ إلی مكّة‌ المعظّمة‌ بعد تحصيل‌ العلوم‌ العقليّة‌ والنقليّة‌ والشرعيّة‌. وأعلن‌ أنّ الاجتهاد لم‌ يكن‌ مألوفاً عند قدماء الشيعة‌. وأنّي‌ أكتب‌ ما سمعته‌ عن‌ أُمناء أسراره‌. ومن‌ استزاد، فله‌ الرجوع‌ إلی « الفوائد المدنيّة‌ ».

نقل‌ كلام‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ في‌ المذهب‌ الاخباري‌ّ

 ونقل‌ المؤلّف‌ هنا بعض‌ المطالب‌ عن‌ المولي‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ، إلی أن‌ بلغ‌ قوله‌: فالمذهب‌ الصحيح‌ هو ما كان‌ عليه‌ السلف‌ الصالح‌. وهو مذهب‌ الاخباريّين‌ الذين‌ عرفوا بهذا الاسم‌ لاعتمادهم‌ علی الاخبار وعملهم‌ بالاحاديث‌. وإنّي‌ أكتب‌ ما سمعته‌ عن‌ أُمناء هذا المذهب‌، وأحدهم‌ محمّد رضا القزوينيّ. وإنّما يسمّونهم‌ بالاخباريّين‌ إذ يستندون‌ إلی الاخبار ولا يجتهدون‌.

 وخاطب‌ الملاّ محمّد أمين‌ المجتهدين‌ المتأخّرين‌ قائلاً: أنتم‌ ترون‌ أنّ السلف‌ لم‌ يتبنّوا الاجتهاد. وإنّما كان‌ مذهبهم‌ أيّام‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ والائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ هو مذهب‌ الاخباريّين‌. فحسبنا ذلك‌ دليلاً، إذ إنّ طريقنا طريق‌ متواصل‌. فما هو دليلكم‌ علی جواز الاجتهاد؟ وقولوا لنا: بكلام‌ أي‌ّ معصوم‌ سلكتم‌ هذا الطريق‌؟! فلم‌ يأت‌ نبيّ بدينٍ بعد محمّد صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌. وكذلك‌ لم‌ يرد في‌ كتاب‌ الله‌ وأحاديث‌ النبي‌ّ والائمّة‌ أنّ الناقلين‌ يعملون‌ بالاخبار ويجتهدون‌ بعد غيبة‌ الإمام‌.

 فأصبح‌ واضحاً بكلّ تأكيد أنّكم‌ خلطتم‌ أُصولكم‌ بأُصول‌ أهل‌ السُّنّة‌ والجماعة‌. وأنّ مذهبكم‌ مثل‌ ( السكنجبين‌ ) [7] لا هو شهدٌ ولا هو خَلّ؛ وأ نّكم‌ لامن‌ السُّنّة‌ ولا من‌ الشيعة‌! ووجه‌ اجتهاد المتأخّرين‌ أ نّهم‌ عندما اشتدّت‌ التقيّة‌، أقبلوا علی كتب‌ المخالفين‌ لاخذ العلم‌ منها. فرسخت‌ تلك‌ الاُمور في‌ قلوبكم‌. فأطرحوا من‌ كتبهم‌ ما كان‌ مخزياً، ومزجوا بعضه‌ بمذهبهم‌.

 ويفصّل‌ المولي‌ محمّد أمين‌ الموضوع‌ هنا أيضاً، إلی أن‌ يقول‌: وممّا ينبغي‌ أن‌ يُذكر هو أنّ المجتهد يجب‌ أن‌ يعمل‌ بظنّه‌، والظنّ شبهة‌. وتعرف‌ الشُّبهة‌ بهذا الاسم‌ لالتباس‌ الحقّ فيها بالباطل‌. ويواصل‌ المذهب‌ الاخباريّ طريقه‌ بلا لِمَ ولاَ نُسَلِّم‌. أي‌: بلا مِرَاءٍ غَبيّ أحمق‌، إذ إنّ كلّ ما يُسمع‌ من‌ الإمام‌، فهو دليل‌ قطعيّ. فالعمل‌ بالمذهب‌ الاخباريّ طريق‌ قطعي‌ّ. وشتّان‌ ما بين‌ القطعيّ والظنّي‌ّ! وقال‌ المتأخّرون‌ من‌ الشيعة‌: يكون‌ الإنسان‌ مجتهداً إذا عمل‌ بظنّه‌، وعلي‌ الناس‌ إطاعة‌ ظنّه‌. ولم‌ يكن‌ هذا مسلك‌ القدماء فالعمل‌ بالاجتهاد سهو وخطأ. [8]

 أجل‌، يمكننا أن‌ نستنبط‌ تشيُّعَ مؤلّف‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » بل‌ مسلكه‌ الاخباريّ من‌ مواضع‌ عديدة‌ في‌ كتابه‌ كما يتبيّن‌ ذلك‌ من‌ عباراته‌ ومطالبه‌ التي‌ نقلناها نفسها هنا، وهذا هو ما نبّه‌ عليه‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الطهرانيّ رحمه‌الله‌ أيضاً.

 يضاف‌ إلی ذلك‌، وكما حكي‌ عنه‌ المرحوم‌ صاحب‌ « الذريعة‌ » فإنّ كتابه‌ لمّا كان‌ يدور حول‌ العقائد والملل‌ والنِّحل‌، فقد عدل‌ عن‌ منهج‌ السيّد مرتضي‌ الرازي‌ّ ـمؤلّف‌ كتاب‌ « تبصرة‌ العوامّ » الذي‌ دعمه‌ وانحاز إليه‌ دينيّاً خطأًـ وصنّف‌ هذا الكتاب‌ ليظلّ بعيداً عن‌ دعم‌ فئة‌ أو مذهب‌ معيّن‌، ويصبح‌ متحقّقاً بالحقّ.

 والانكي‌ من‌ ذلك‌ كلّه‌ أ نّه‌ عدّ المولي‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ مروّج‌ التشيّع‌ علی الإطلاق‌ في‌ عصره‌، وكأنّ الاُصوليّين‌ ـعنده‌ـ لا مسلمون‌ ولا شيعة‌، إذ لم‌ يذكر اسماً لمروّج‌ مذهبهم‌ يومئذٍ.

 ولم‌ يذكر أساطين‌ الشيعة‌ الاُصوليّين‌ آنذاك‌ كالميرداماد، والشيخ‌ البهائي‌ّ، والمجلسيّ الاوّل‌، والمحقّق‌ الكركيّ عبد العالي‌ صاحب‌ كتاب‌ « جامع‌ المقاصد »، وأمثال‌ هؤلاء الاعلام‌ والاساطين‌. فهل‌ نتصوّر تحيّزاً أكثر من‌ هذا؟

انتقاد المذهب‌ الاخباري‌ّ

 وإذا تغاضينا عن‌ ذلك‌ برمّته‌ فإنّ جميع‌ الاشكالات‌ التي‌ حكاها علی لسان‌ الاخباريّين‌ ضدّ الاُصوليّين‌، قد أجاب‌ عنها هؤلاء جواباً محكماً دقيقاً، وبرهنوا علی صحّة‌ مذهبهم‌؛ إذ إنّ مذهبهم‌ هو مذهب‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌. وهم‌ الذين‌ يرون‌ أنّ للعقل‌ قيمته‌. أمّا الاخباريّون‌ فإنّهم‌ يُسقطون‌ العقل‌ مقبلين‌ علی التعبّد بالاخبار دون‌ ملاحظة‌ سندها وصحّتها. فهل‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ هذا غير نَعَم‌ ونُسَلِّم‌ بحمقٍ وغباء حقّاً؟

 إنّ الاخباريّين‌ لا ينظرون‌ إلی متن‌ الخبر، هل‌ هو يغاير العلم‌، أو يناقض‌ الواقع‌، أو يباين‌ حكم‌ العقل‌؟ فهم‌ لا ينظرون‌ إلی هذه‌ الجوانب‌ أبداً، وإنّما يكتفون‌ بالنظر إلی سند الحديث‌، ويجتزئون‌ به‌ إذا كان‌ في‌ الاُصول‌ الاربعة‌ فحسب‌. وقد أبطل‌ الاُصوليّون‌ هذا الطريق‌، وأوصدوا منافذه‌، وأحرقوا كيانه‌، وذرّوا رماده‌ في‌ الهواء، حيث‌ يقولون‌: نحن‌ نميّز صحّة‌ السند من‌ صحّة‌ المتن‌ في‌ كثير من‌ الاوقات‌ ولا يحكم‌ الإسلام‌ والقرآن‌ المبتنيان‌ علی العلم‌ والحقّ والاصالة‌ بالباطل‌ ولو تعبّداً. وكان‌ الرسول‌ هو العقل‌ الاوّل‌ في‌ العالم‌، وأئمّة‌ الشيعة‌ هم‌ عقول‌ العالم‌ الرفيعة‌ الاُولي‌؛ فلا تعبّد أعمي‌ حينئذٍ في‌ الشريعة‌. فما هو موجود إنّما هو نور، وحقّ وأصالة‌، وحقيقة‌. وإنّنا نعمل‌ بالاخبار المتواترة‌ أو المستفيضة‌ أو المحفوفة‌ بقرائن‌ قطعيّة‌. ونعمل‌ بأخبار الآحاد الثابتة‌ حجّيّتها بالقطع‌ واليقين‌، لابكلّ خبر مقطوع‌ أو مرسل‌ في‌ الكتاب‌ الفلانيّ، مع‌ كثرة‌ الاخبار المنحولة‌ الموضوعة‌ المدسوسة‌ المبثوثة‌ في‌ هذه‌ الكتب‌.

 إنّ المجتهد لا يعمل‌ بالظنّ إلاّ أن‌ ينتهي‌ إلی اليقين‌ في‌ طريق‌ الوصول‌ إلی الحقّ. وإنّ قولهم‌: ظَنِّيَةُ الطَّرِيقِ لاَ يُنَافِي‌ قَطْعِيَّةَ الحُكْمِ يرتبط‌ بهذا الموضوع‌.

 ونحن‌ لا ننوي‌ هنا عدّ أخطاء الاخباريّين‌ واحداً بعد الآخر. فقد تصدّي‌ لهم‌ المرحوم‌ الآغا محمّد باقر البهبهاني‌ّ، وتلامذته‌ من‌ بعده‌، وتلامذتهم‌ الذين‌ أعقبوهم‌، ومنهم‌ أفضل‌ المحقّقين‌ الشيخ‌ مرتضي‌ الانصاريّ في‌ كتاب‌ « الرسائل‌ ». فقد ذكر هذا العَلَم‌ المسائل‌ الخلافيّة‌ بين‌ الاُصوليّين‌ والاخباريّين‌ ودرسها دراسة‌ عميقة‌. ونحمد الله‌ تعالي‌ إذ كَسَد سوق‌ الاخباريّين‌ في‌ عصرنا هذا.

 ولولا هؤلاء الاعلام‌ لتقدّم‌ الاخباريّون‌ في‌ عملهم‌ وساقوا العالم‌ الإسلامي‌ّ نحو الجهل‌ والعمي‌ من‌ خلال‌ هذه‌ العبارات‌ الساذجة‌ الخدّاعة‌: اتّباع‌ العقل‌ اتّباع‌ العامّة‌. و: الاقتداء بأهل‌ البيت‌ هو التّسليم‌ لاوامرهم‌ بلامِراء.

 و: أليس‌ الرجوع‌ إلی العقل‌ مذهب‌ العامّة‌؟ و: كُلُّ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ هَذَا البَيْتِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وأمثالها. ولولا أُولئك‌ العلماء لرسم‌ الاخباريّون‌ شبحاً مظلماً غامضاً للمستقبل‌ عبر مناوءة‌ الحكمة‌ والعرفان‌، وبعامّة‌ مناوءة‌ العلوم‌ العقليّة‌ جميعها.

 وقد انتشر المذهب‌ الاخباريّ منذ عصر المولي‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ إلی أن‌ لمسنا آثاره‌ عند الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ وأتباعه‌. ورأينا علومهم‌ ومعارفهم‌ التي‌ ينبغي‌ أن‌ نسمّيها سدّ العلوم‌ والمعارف‌ حقّاً. وهكذا تعاقبت‌ الايّام‌ حتّي‌ نهض‌ الشيخ‌ المجدّد ومحيي‌ المذهب‌ سماحة‌ الآغا محمّد باقر المعروف‌ بالوحيد البهبهاني‌ّ، فنسف‌ بنيانهم‌ من‌ القواعد عبر مدرسته‌ الاُصوليّة‌ المستقيمة‌ الرصينة‌. واستبان‌ أنّ الشيخ‌ المفيد، والسيّد المرتضي‌ عَلَم‌ الهُدي‌، والعلاّمة‌ الحلّيّ، وأشباههم‌ لم‌ يركنوا إلی الاُصول‌ غفلةً، بل‌ جنحوا إليها ونظروا فيها بوعي‌ وبصيرة‌ وإمعان‌.

 أجل‌، إنّ قصدنا من‌ هذا الكلام‌ هو أن‌ نعرف‌ أنّ مؤلّف‌ كتاب‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » أخباريٌّ محض‌، مع‌ أ نّه‌ مجهول‌، ولا يمكن‌ الحكم‌ علی شخصٍ معيّن‌ بنفسه‌. وقد ذكر في‌ كتابه‌ سورة‌ منحولة‌ موضوعة‌ هي‌ سورة‌ الولاية‌، زاعماً أ نّها ساقطة‌ من‌ القرآن‌، معرّفاً الشيعة‌ من‌ خلالها.

 وكلّ من‌ ينظر في‌ هذه‌ السورة‌، يعلم‌ بأدني‌ تأمّل‌ أ نّها موضوعة‌ مفتراة‌. وشتّان‌ ما بين‌ القرآن‌ الحكيم‌ العزيز والفرقان‌ المجيد المعجز، وبين‌ هذه‌ السورة‌ المبتذلة‌ التي‌ يستطيع‌ كلّ إنسان‌ عارف‌ باللغة‌ العربيّة‌ أن‌ يأتي‌ بمثلها كما قال‌ الآشتياني‌ّ!

 ومن‌ الثابت‌ أنّ هذه‌ السورة‌ وضعها بعض‌ الاخباريّين‌ الذين‌ تظاهروا بأ نّهم‌ أحرص‌ علی المذهب‌ من‌ غيرهم‌ وينطبق‌ عليهم‌ المثل‌ القائل‌: مَلَكِي‌ٌّ أكثر من‌ الملِك‌، وأ نّهم‌ تحمّسوا للذبّ عن‌ سيّدنا ومولانا أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وبيان‌ مثالب‌ اعدائه‌. وقد افتروا هذه‌ السورة‌ ونسبوها إلی الكلام‌ الإلهي‌ّ والعياذ بالله‌.

 ولهذا رأينا في‌ كلام‌ الآشتيانيّ أ نّها لم‌ تُلحَظ‌ في‌ كتاب‌ آخر غير « دبستان‌ المذاهب‌ ». وقد أشار ابن‌ شهر آشوب‌ إلی سورة‌ الولاية‌ الساقطة‌.

 وما جاء في‌ كتاب‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » من‌ آراء، جاء في‌ كتاب‌ « فصل‌ الخطاب‌ في‌ تحريف‌ كتاب‌ ربّ الارباب‌ » أيضاً. وهذا الكتاب‌ للمحدِّث‌ النوريّ صاحب‌ كتاب‌ « مستدرك‌ الوسائل‌ » الذي‌ يعدّ من‌ الكتب‌ المفيدة‌، وبخاصّة‌ خاتمته‌ الحاوية‌ مباحث‌ بكراً جديدة‌ ـعلي‌ الرغم‌ من‌ وجود الإشكال‌ في‌ كثير من‌ مواضعه‌ـ فقد أ لّف‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ كتابه‌ المذكور في‌ تحريف‌ القرآن‌. وأراد إثبات‌ التحريف‌ من‌ حيث‌ النقص‌ فحسب‌، لا من‌ حيث‌ التغيير والزيادة‌.

 ولقد استعرتُ الكتاب‌ المذكور من‌ أُستاذي‌ في‌ الحديث‌ والرجال‌ والدراية‌ سماحة‌ العلاّمة‌ الشيخ‌ آغا بزرك‌ الطهرانيّ قدّس‌ سرّه‌ أيّام‌ إقامتي‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌ لطلب‌ العلم‌. وطالعتُه‌ من‌ البداية‌ إلی النهاية‌ مع‌ رسالة‌ مثبّتة‌ في‌ بدايته‌ بخطّه‌ الشريف‌، وكان‌ المرحوم‌ النوري‌ّ قدّس‌ سرّه‌ قد كتبها تحت‌ عنوان‌: «ردّ كشف‌ الارتياب‌ ». وقال‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الطهراني‌ّ: قال‌ أُستاذنا النوريّ قدّس‌ سرّه‌: لا أرضي‌ عمّن‌ يطالع‌ « فصل‌ الخطاب‌ »، ويترك‌ النظر إلی هذه‌ الرسالة‌.

انتقاد كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌» في‌ تحريف‌ القرآن‌

 وعلي‌ كلّ تقدير فقد أراد المرحوم‌ المحدِّث‌ النوريّ أن‌ يثبت‌ النقص‌ في‌ كتاب‌ الله‌ المنزل‌ بستّة‌ أدلّة‌. ويدحض‌ وجود الزيادة‌ والتغيير فيه‌ ولو بكلمة‌ واحدة‌. وكتابه‌ ضخم‌ جمع‌ فيه‌ أحاديث‌ العامّة‌ والخاصّة‌ الواردة‌ في‌ هذا المقام‌: ولم‌ يدّخر وسعاً في‌ جمع‌ الاحاديث‌ والروايات‌. وعندما عدتُ من‌ النجف‌ الاشرف‌ وحدّثتُ أُستاذي‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ سرّه‌ بخصائص‌ الكتاب‌، ومطالعتي‌ إيّاه‌، وكثرة‌ الروايات‌ الواردة‌ فيه‌، قال‌: كُلَّمَا كَثُرَتْ فِيهِ الرِّوَايَاتُ ازْدَادَ بُعْداً عَنِ الوَاقِعِ.

 فهذه‌ الروايات‌ الكثيرة‌ ينبغي‌ أن‌ تُأوّل‌، وإذا كانت‌ غير قابلة‌ للتأويل‌ فهي‌ مرفوضة‌ بلا تأمّل‌. وكانت‌ الاجزاء الثلاثة‌ الاُولي‌ فقط‌ من‌ تفسير « الميزان‌ » مطبوعة‌ يومئذٍ. فوعد العلاّمة‌ أ نّه‌ سيتحدّث‌ في‌ المستقبل‌ في‌ الموضع‌ المناسب‌ عن‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ حديثاً وافياً حتّي‌ لو كان‌ نقصاً. ووفي‌ بوعده‌ إذ رأينا في‌ صفحات‌ متقدّمة‌ كيف‌ فنّد أدلّة‌ القائلين‌ بالتحريف‌ من‌ خلال‌ منطق‌ قويّ وأثبت‌ أنّ هذا القرآن‌ الذي‌ بأيدينا هو نفسه‌ كتاب‌ الله‌ المنزل‌ من‌ السماء، بلا تغيير.

 وحدّثتُه‌ ذات‌ يوم‌ بموضوع‌ آخر يماثل‌ الموضوع‌ المتقدّم‌ وقلتُ له‌: إنّ الشيخ‌ محمّد تقي‌ المحدِّث‌ الشوشتريّ صاحب‌ كتاب‌ « قاموس‌ الرجال‌ » أ لّف‌ كتاباً في‌ إثبات‌ سهو الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ وخطأهم‌.

 فقال‌ علی الفور: ليس‌ لهذا الضرب‌ من‌ الكتب‌ قيمة‌ علميّة‌. فالإمام‌ لايخطأ.

 قلتُ: جمع‌ فيه‌ أخباراً بعضها صحيحة‌ السند.

 قال‌: كيفما كانت‌ فهي‌ مرفوضة‌. إنّ الإمام‌ لايخطأ.

 وكان‌ المرحوم‌ النوريّ كمؤلّف‌ كتاب‌ « الاخبار الدخيلة‌ » ذا اتّجاه‌ أخباري‌ّ، ولم‌ يألُ جهداً في‌ الردّ علی الكلام‌ المعقول‌ والحكمة‌ والعرفان‌ بأي‌ّ وجه‌ كان‌.

 ولقد تردّي‌ في‌ الهاوية‌ التـي‌ سـقط‌ فيها صاحـب‌ كتاب‌ « دبسـتان‌ المذاهب‌ »، حيث‌ أقحما نفسـيهما في‌ بحث‌ وتنقيح‌ وجرح‌ وتعديل‌ أُمور تفوق‌ مستواهم‌ علميّاً، فلهذا يلاحظ‌ أنّ هؤلاء الاخباريّين‌ ـالذين‌ وضعوا أساس‌ اجتهادهم‌ وتحقيقاتهم‌ وآرائهم‌ علی التعبّد بظاهر الاخبار دون‌ تعمّق‌ في‌ المعني‌ـ كم‌ يشكّلون‌ ضرراً علی الإسلام‌ وعلي‌ المطالِع‌ لآثارهم‌! ولقد أثبت‌ المرحـوم‌ النـوري‌ّ في‌ كتابه‌ الذي‌ أ لّفه‌ في‌ ترجمة‌ سـلمان‌ الفارسـي‌ّ أفضليّة‌ سلمان‌ علی أبي‌ الفضل‌ العبّاس‌ عليه‌ السلام‌!

 إنّنا لا ننوي‌ هنا الحديث‌ عن‌ هذه‌ الاُمور، كما أنّ وقتنا لايسمح‌ لنا أنّ ننتقد آراء البعض‌؛ بَيدَ أ نّي‌ أكتفي‌ بالقول‌: إنّ مؤلّف‌ كتاب‌ « فصل‌ الخطاب‌ » ـ المضرّ الذي‌ لا قيمة‌ علميّة‌ له‌، والذي‌ لا يتفق‌ مع‌ آراء أساطين‌ المذهب‌ كالشيخ‌ الصدوق‌، والسيّد المرتضي‌، وشيخ‌ الطائفة‌ الحقّة‌ المحقّة‌، وأمثالهم‌ـ هو نفسه‌ مؤلّف‌ الكتاب‌ الذي‌ يتحدّث‌ فيه‌ عن‌ سلمان‌ الفارسيّ ويثبت‌ أفضليّته‌ علی قمر بني‌ هاشم‌.

 ألم‌ يكن‌ هناك‌ من‌ يقول‌ لهؤلاء السطحيّين‌: مَن‌ الذي‌ أجلسكم‌ مجلس‌ الإخلاص‌ والخلوص‌ والولاية‌ والشرف‌ والإمامة‌، والجرح‌ والتعديل‌، والجنّة‌ والنار لتقضوا بأنّ مقام‌ قمر بني‌ هاشم‌ دون‌ مقام‌ سلمان‌، وهو الذي‌ يجب‌ أن‌ يتشرّف‌ آلاف‌ مثل‌ سلمان‌ بخدمة‌ ضريحه‌ وزوّاره‌، وتنظيف‌ صحنه‌ وأروقته‌؟! إنّ كتاب‌ « فصل‌ الخطاب‌ » لا شأن‌ له‌ عند علماء الشيعة‌. وإنّه‌ ليحوي‌ آراء امري‌ ناكبٍ عن‌ الصراط‌. وما أكثر المعترضين‌ عليه‌ من‌ المسلمين‌ والشيعة‌ الذين‌ وجّهوا إليه‌ اعتراضاتهم‌ ولم‌ يُحر جواباً.

 وعندما كنتُ أُطالع‌ هذا الكتاب‌ في‌النجف‌ الاشرف‌ ذات‌ يوم‌، زارني‌ أحد العلماء الباحثين‌ [9] آنذاك‌، فقال‌ لي‌: ما هذا الكتاب‌ الذي‌ تطالعه‌؟!

 قلتُ: « فصل‌ الخطاب‌ » للمرحوم‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ.

 قال‌: دعه‌. ولا تضيّع‌ وقتك‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الموضوعات‌! وحينما أ لّف‌ المرحوم‌ النوريّ هذا الكتاب‌، كتب‌ شيخ‌ الإسلام‌ في‌ مصر رسالة‌ إلی المرحوم‌ المجدِّد آية‌ الله‌ العظمي‌ الشيرازيّ قدّس‌ سرّه‌ طلب‌ منه‌ فيها قطع‌ يده‌!

 قلتُ: من‌ الضروريّ للطالب‌ الذي‌ يروم‌ الاجتهاد أن‌ يطّلع‌ علی مضامين‌ هذه‌ الكتب‌. واليوم‌ هو يوم‌ الخميس‌، ويوم‌ عطلة‌. وأنت‌ تعلم‌ أ نّي‌ لاأمضي‌ أوقات‌ دراستي‌ في‌ غير العلوم‌ الحوزويّة‌.

 قال‌: أجل‌! لا إشكال‌ في‌ ذلك‌ إذاً.

كلام‌ صاحب‌ «الذريعة‌» حول‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»

 لقد كان‌ سماحة‌ الاُستاذ الشيخ‌ آغا بزرك‌ قدّس‌ سرّه‌ رجلاً عظيم‌ التقوي‌، أخلاقيّاً، مهذّباً. ذا خلق‌ حسن‌، ووجه‌ بشوش‌، ونفس‌ كريمة‌. ولم‌يرض‌ لاحدٍ قطّ أن‌ يتجرّأ علی أُستاذه‌ المرحوم‌ المحدِّث‌ الميرزا حسين‌ النوريّ نجل‌ المرحوم‌ الشيخ‌ محمّد تقيّ النوريّ. صاحب‌ كتاب‌ « فصل‌ الخطاب‌ »، وكان‌ يدافع‌ عنه‌ بكلّ تواضع‌ وخلق‌ رفيع‌ قائلاً: إنّ ما يثار ضدّه‌ يتعلّق‌ بكلّ ألوان‌ التحريف‌، بَيدَ أنّ ساحته‌ بريئة‌ من‌ هذه‌ التهمة‌، إذ إنّه‌ تحدّث‌ في‌ « فصل‌ الخطاب‌ » عن‌ وجود نقصٍ فيه‌ فقط‌، ودحض‌ وجود تحريفات‌ أُخري‌ كالتغيير والتبديل‌ والزيادة‌، وكان‌ يري‌ أنّ القرآن‌ منزّه‌ عن‌ هذه‌ التغييرات‌ إجماعاً.

 وقال‌ في‌ كتاب‌ « الذريعة‌ » فيما يخصّ الكتاب‌ المذكور:

 «الفصل‌ الخطاب‌ في‌ تحريف‌ الكتاب‌» لشيخنا الحاج‌ ميرزا حسين‌ النوري‌ّ الطبرستاني‌ّ ابن‌ المولي‌ محمّد تقي‌ بن‌ الميرزا علی محمّد النوري‌ّ المولود في‌ يالو من‌ قري‌ نور طبرستان‌ في‌ 1254 المتوفّي‌ في‌ العشرين‌ بعد الالف‌ والثلاثمائة‌، ليلة‌ الاربعاء لثلاث‌ بقين‌ من‌ جمادي‌ الآخرة‌. ودُفن‌ في‌ يومه‌ بالإيوان‌ الثالث‌ عن‌ يمين‌ الداخل‌ من‌ باب‌ القبلة‌ إلی الصحن‌ المرتضوي‌ّ.

 أثبت‌ فيه‌ عدم‌ التحريف‌ بالزيادة‌ والتغيير والتبديل‌ وغيرها، ممّا تحقّق‌ ووقع‌ في‌ غير القرآن‌، ولو بكلمة‌ واحدة‌، لا نعلم‌ مكانها، واختار في‌ خصوص‌ ماعدا آيات‌ الاحكام‌ وقوع‌ تنقيص‌ عن‌ الجامعين‌، بحيث‌ لانعلم‌ عين‌ المنقوص‌ المذخور عند أهله‌، بل‌ يعلم‌ إجمالاً من‌ الاخبار التي‌ ذكرها في‌ الكتاب‌ مفصّلاً، ثبوت‌ النقص‌ فقط‌.

انتقاد المحدِّث‌ النوري‌ّ لتأليفه‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»

 وردّ عليه‌ الشيخ‌ محمود الطهرانيّ الشهير بالمعرّب‌، برسالةٍ سمّاها «كشف‌ الارتياب‌ عن‌ تحريف‌ الكتاب‌». فلمّا بلغ‌ ذلك‌ الشيخ‌ النوريّ كتب‌ رسالةً فارسيّة‌ مفردة‌ في‌ الجواب‌ عن‌ شبهات‌ « كشف‌ الارتياب‌ » كما مرّ في‌ ج‌10، ص‌220. وكان‌ ذلك‌ بعد طبع‌ « فصل‌ الخطاب‌ » ونشره‌، فكان‌ شيخنا يقول‌: لاأرضي‌ عمّن‌ يطالع‌ « فصل‌ الخطاب‌ » ويترك‌ النظر إلی تلك‌ الرسالة‌.

 ذكر في‌ أوّل‌ الرسالة‌ الجوابيّة‌ ما معناه‌: أنّ الاعتراض‌ مبنيّ علی المغالطة‌ في‌ لفظ‌ التحريف‌، فإنّه‌ ليس‌ مرادي‌ من‌ التحريف‌ التغيير والتبديل‌، بل‌ خصوص‌ الإسقاط‌ لبعض‌ المنزل‌ المحفوظ‌ عند أهله‌. وليس‌ مرادي‌ من‌ الكتاب‌ القرآن‌ الموجود بين‌ الدفّتين‌، فإنّه‌ باق‌ علی الحالة‌ التي‌ وضع‌ بين‌ الدفّتين‌ في‌ عصر عثمان‌، لم‌ يلحقه‌ زيادة‌ ولا نقصان‌، بل‌ المراد الكتاب‌ الإلهيّ المنزل‌.

 وسمعتُ عنه‌ شفاهاً يقول‌: إنّي‌ أُثبت‌ في‌ هذا الكتاب‌ أنّ هذا الموجود المجموع‌ بين‌ الدفّتين‌ كذلك‌ باق‌ علی ما كان‌ عليه‌ في‌ أوّل‌ جمعه‌ كذلك‌ في‌ عصر عثمان‌، ولم‌ يطرأ عليه‌ تغيير وتبديل‌ كما وقع‌ علی سائر الكتب‌ السماويّة‌، فكان‌ حريّاً بأن‌ يسمّي‌ « فصل‌ الخطاب‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ الكتاب‌ » فتسميته‌ بهذا الاسم‌ الذي‌ يحمله‌ الناس‌ علی خلاف‌ مرادي‌، خطأ في‌ التسمية‌، لكنّي‌ لم‌ أُرِد ما يحملوه‌ عليه‌، بل‌ مرادي‌ إسقاط‌ بعض‌ الوحي‌ المنزل‌ الإلهي‌ّ. وإن‌ شئت‌ قلت‌ اسمه‌ «القَوْلُ الفَاصِلُ فِي‌ إسقَاطِ بَعْضِ الوَحْي‌ النَّازِل‌»....

 ومرّت‌ الرسالة‌ الجوابيّة‌ في‌ حرف‌ الراء بعنوان‌ « الرّد علی كشف‌ الارتياب‌ ».

 وأيّده‌ الحاج‌ مولي‌ باقر الواعظ‌ الكجوريّ الطهرانيّ بكتابه‌ « هداية‌ المرتاب‌ في‌ تحريف‌ الكتاب‌ ». ويأتي‌ « كشف‌ الحجاب‌ والنقاب‌ عن‌ وجه‌ تحريف‌ الكتاب‌ » للشيخ‌ محمّد بن‌ سليمان‌ بن‌ زوير السليمانيّ الخطيّ البحراني‌ّ، تلميذ المولي‌ أبي‌ الحسن‌ الشريف‌ العاملي‌ّ. وأورد ] الشيخ‌ هادي‌ [ الطهراني‌ّ محصّل‌ ما في‌ « فصل‌ الخطاب‌ » هذا في‌ كتابه‌ « محجّة‌ العلماء » المطبوع‌ في‌ سنة‌ 1318. وأن‌ أضرب‌ عليه‌ أخيراً دفعاً لما يوهمه‌ ظواهر الكلمات‌ والعنوانات‌. [10]

 وقال‌ في‌ هويّة‌ كتاب‌ الردّ علی « فصل‌ الخطاب‌ »:

 « كشف‌ الارتياب‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ الكتاب‌ » للفقيه‌ الشيخ‌ محمودبن‌ أبي‌القاسم‌ الشهير بالمعرّب‌ الطهرانيّ المتوفّي‌ أوائل‌ العشر الثاني‌ بعد الثلاثمائة‌ كتبه‌ ردّاً علی « فصل‌ الخطاب‌ » لشيخنا النوريّ. فلمّا عرض‌ علی الشيخ‌ النوريّ كتب‌ رسالة‌ مفردة‌ في‌ الجواب‌ عن‌ شبهاته‌. وكان‌ يوصي‌ كلّ من‌ كان‌ عنده‌ نسخة‌ من‌ « فصل‌ الخطاب‌ » بضمّ هذه‌ الرسالة‌ إليها، حيث‌ إنّها بمنزلة‌ المتمّمات‌ له‌....

 ورتّب‌ هذا الكتاب‌ علی مقدّمة‌ وثلاث‌ مقالات‌ وخاتمة‌. وأوّل‌ إشكالاته‌ أ نّه‌ إذا ثبت‌ تحريف‌ القرآن‌، يقول‌ اليهود: فلا فرق‌ بين‌ كتابنا وكتابكم‌ في‌ عدم‌ الاعتبار. فأجاب‌ في‌ الرسالة‌ بأنّ هذا مغالطة‌ لفظيّة‌ حيث‌ إنّ المراد من‌ التحريف‌ الواقع‌ في‌ الكتاب‌، غير ما حملت‌ ظاهراً للفظ‌، من‌ التغيير والتنقيص‌ المحقّق‌ جميعها في‌ كتب‌ اليهود وغيرهم‌، بل‌ المراد من‌ تحريف‌ الكتاب‌ هو خصوص‌ التنقيص‌ عنه‌ فقط‌، وفي‌ غير الاحكام‌ فقط‌. وأمّا الزيادة‌ فالإجماع‌ المحصّل‌ من‌ جميع‌ فرق‌ المسلمين‌ والاتّفاق‌ العامّ علی أ نّه‌ ما زيد في‌ القرآن‌، ولو بمقدار أقصر آية‌، وعدم‌ زيادة‌ كلمة‌ واحدة‌ في‌ القرآن‌ لا نعلم‌ مكانها.[11]

 وقال‌ في‌ هويّة‌ رسالة‌ الردّ علی « كشف‌ الارتياب‌ »: تأليف‌ شيخنا النوري‌ّ. وهي‌ فارسيّة‌ لم‌ تُطبع‌ بعد....

 وذكر جواب‌ النوريّ هنا مفصّلاً بأنّ هذا الكلام‌ مغالطة‌ لفظيّة‌، كما نقلناه‌ عنه‌ في‌ تعريف‌ « فصل‌ الخطاب‌ »، وتعريف‌ « كشف‌ الارتياب‌ ». وقال‌ في‌آخره‌: لا نّه‌ يثبت‌ فيه‌ من‌ أوّله‌ إلی آخره‌ عدم‌ وقوع‌ التحريف‌ بهذا المعني‌ فيه‌ أبداً. [12] ( أي‌: الزيادة‌والتغييروالتبديل‌).

 وقال‌ في‌ هويّة‌ كتاب‌ « محجّة‌ العلماء » الذي‌ ذكر فيه‌ أخبار « فصل‌ الخطاب‌ »، ثمّ ردّها:... في‌ أُصول‌ الفقه‌ في‌ مجلّدين‌... وهو تصنيف‌ الحجّة‌ الشيخ‌ هادي‌ بن‌ المولي‌ محمّد أمين‌ الطهرانيّ النجفيّ المتوفّي‌ بها عاشر شوّال‌ سنة‌ 1321... وهي‌ مطبوعة‌ علی الحجر بإيران‌ في‌ سنة‌ 1318. [13]

 ومن‌ الواضح‌ أنّ جواب‌ المرحوم‌ المحدِّث‌ النوريّ في‌ أنّ الإشكال‌ مبتنٍ علی مغالطة‌ لفظيّة‌ لايتمّ لا نّه‌ أفاد نفي‌ التحريف‌ بلحاظ‌ التغيير والتبديل‌ والزيادة‌.

 أمّا من‌ حيث‌ النقص‌ المزعوم‌ في‌ الكتاب‌ فإنّه‌ يعتقد به‌، وهو ما يستلزم‌ الإشكال‌.

 وأمّا ما أفاده‌ من‌ أنّ المراد من‌ كتاب‌ ربّ الارباب‌ الذي‌ ناله‌ التحريف‌ هو الكتاب‌ الذي‌ أنزله‌ جبريل‌ علی النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، لاهذا القرآن‌ المتداول‌ في‌ أيدينا اليوم‌، وهو نفسه‌ القرآن‌ الذي‌ جمعه‌ عثمان‌، فهو كلام‌ لا طائل‌ تحته‌ أيضاً. إذ لم‌ يقدح‌ أحد في‌ هذا القرآن‌ الموجود منذ عصر عثمان‌ إلی الآن‌ ولم‌ يقل‌ بتحريفه‌. فالقدحُ يُذكَر في‌ تحريف‌ القرآن‌ المنزل‌ من‌ السماء إلی النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، هل‌ جمعت‌ آياته‌ وسوره‌ نفسها بلا نقصٍ وزيادةٍ وتغييرٍ وتبديلٍ، فصار بهذا الشكل‌ الموجود؟ أو طرأ عليه‌ النقص‌ أو الزيادة‌ حين‌ الجمع‌ الاوّل‌ في‌ عهد أبي‌بكر، والجمع‌ الثاني‌ في‌ عصر عثمان‌؟

 تقول‌ الشيعة‌: إنّ القرآن‌ المنزَل‌ من‌ السماء هو نفسه‌ القرآن‌ الموجود حاليّاً بلا نقصٍ وزيادة‌. ونحن‌ نبيّن‌ ونثبت‌ في‌ هذا الكتاب‌ الذي‌ يدور حول‌ عقائد الشيعة‌، عقيدتهم‌ المتمثّلة‌ في‌ عدم‌ التحريف‌ زيادةً أو نقصاً أو تغييراً أو تبديلاً كما يلاحظ‌ في‌ هذا البحث‌. وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. [14]

 

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 114، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[2] ـ فنّد آية‌ الله‌ السيّد عبد الحسين‌ شرف‌ الدين‌ في‌ الفصل‌ الحادي‌ عشر من‌ كتاب‌ «الفصول‌ المهمّة‌» ص‌ 162 إلی 169، الطبعة‌ الخامسة‌، مزاعم‌ بعض‌ الكُتّاب‌ السُّنّة‌ الذين‌ تقوّلوا علی الشيعة‌ وافتروا عليهم‌ وهاجموهم‌ بشدّة‌ دعماً للحزب‌ الاُمويّ في‌ سوريا وقال‌ في‌ دحضهم‌: كنّا نظنّ العصبيّة‌ العمياء تقلّصت‌، وأيّامها الوحشيّة‌ تصرّمت‌. وأنّ المسلمين‌ أحسّوا اليوم‌ بما حلّ بهم‌ من‌ المنابذات‌ والمشاغبات‌ التي‌ تركتهم‌ طعمة‌ الوحوش‌ والحشرات‌... (ولكن‌ مع‌ ذلك‌) قام‌ من‌ حثالة‌ الامويّين‌ طغام‌ دأبهم‌ العهر والخمر يدعون‌ إلی سلفهم‌ الفاجر، يريدون‌ ليعيدوها أمويّة‌ يزيديّة‌... خطّ قرد يزيد في‌ خطّته‌ وفي‌ مجلّة‌ الامويّين‌ قوارص‌ ترتعد منها الفرائص‌، إذ قذف‌ الشيعة‌ بتهم‌ شائنة‌. وكم‌ أساء النشاشيبي‌ّ، والنصولي‌ّ، والكيّالي‌ إليهم‌! وكم‌ اتّهموهم‌ من‌ خلال‌ ما خطّته‌ أقلامهم‌ البذيئة‌... ولقد أسرف‌ منار الخوارج‌ بما أرجف‌ وأجحف‌، وبغي‌ وطغي‌ وبهت‌ الشيعة‌ بهتاناً عظيماً شنّها في‌ مجلّده‌ التاسع‌ والعشرين‌ غارة‌ ملحاحاً... وهناك‌ أفاضل‌ كالرافعيّ نحملهم‌ علی الصحّة‌ في‌ سوء ظنّهم‌ بالشيعة‌... حيث‌ أنسوا بناحية‌ من‌ تقدّمهم‌....

قال‌ الرافعي‌ّ في‌ ص‌ 161 من‌ كتابه‌ «تحت‌ راية‌ القرآن‌»:

 «إنّ الرافضة‌ شكّوا في‌ نصّ القرآن‌، وقالوا: إنّه‌ وقع‌ فيه‌ نقص‌ وزيادة‌، وتغيير وتبديل‌ـ انتهي‌». ولا جناح‌ علينا إذا سألناه‌ فقلنا له‌: مَن‌ تعني‌ هنا بالرافضة‌؟ أتعني‌ الإماميّة‌ أم‌ غيرهم‌؟ فإن‌ عنيتهم‌ فقد كذبك‌ من‌ أغراك‌. وكلّ من‌ نسب‌ إليهم‌ تحريف‌ القرآن‌ فإنّه‌ مفترٍ عليهم‌، ظالم‌ لهم‌، لانّ قداسة‌ القرآن‌ الحكيم‌ من‌ ضروريّات‌ دينهم‌ الإسلامي‌ّ، ومذهبهم‌ الإمامي‌ّ، ومَن‌ شكّ فيها من‌ المسلمين‌ فهو مرتدّ بإجماع‌ الإماميّة‌. فإذا ثبت‌ عليه‌ ذلك‌، قُتل‌ ثمّ لايُغسل‌، ولايُكفّن‌، ولايُصلّي‌ عليه‌، ولا يدفَنُ في‌ مقابر المسلمين‌. وظواهر القرآن‌ (فضلاً عن‌ نصوصه‌) من‌ أبلغ‌ حجج‌ الله‌ تعالي‌، وأقوي‌ أدلّة‌ أهل‌ الحقّ، بحكم‌ البداهة‌ الاوّليّة‌ من‌ مذهب‌ الإماميّة‌، ولذلك‌ تراهم‌ يضربون‌ بظواهر الاحاديث‌ المخالفة‌ للقرآن‌ عرض‌ الجدار، ولايأبهون‌ بها، وإن‌ كانت‌ صحيحة‌ ـ وتلك‌ كتبهم‌ في‌ الحديث‌ والفقه‌ والاُصول‌ صريحة‌ بما نقول‌. والقرآن‌ الحكيم‌ الذي‌ لا يأتيه‌ الباطل‌ من‌ بين‌ يديه‌ ولا من‌ خلفه‌ إنّما هو ما بين‌ الدفّتين‌، وهو ما في‌ أيدي‌ الناس‌، لا يزيد حرفاً ولا ينقص‌ حرفاً ولا تبديل‌ فيه‌ لكلمة‌ بكلمة‌، ولالحرف‌ بحرف‌، وكلّ حرف‌ من‌ حروفه‌ متواتر في‌ كلّ جيل‌ تواتراً قطعيّاً إلی عهد الوحي‌ والنبوّة‌. وكان‌ مجموعاً علی ذلك‌ العهد الاقدس‌ مؤلّفاً علی ما هو عليه‌ الآن‌، وكان‌ جبرائيل‌ عليه‌ السلام‌ يعارض‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بالقرآن‌ في‌ كلّ عام‌ مرّةً، وقد عارضه‌ به‌ عام‌ وفاته‌ مرّتين‌. والصحابة‌ كانوا يعرضون‌ ويتلونه‌ علی النبي‌ّ حتّي‌ ختموه‌ عليه‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مراراً عديدة‌. وهذا كلّه‌ من‌ الاُمور المعلومة‌ الضروريّة‌ لدي‌ المحقّقين‌ من‌ علماء الإماميّة‌، ولا عبرة‌ بالحشويّة‌ فإنّهم‌ لايفقهون‌.

كلام‌ الإمام‌ الهندي‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌

 والباحثون‌ من‌ أهل‌ السُّنّة‌ يعلمون‌ أنّ شأن‌ القرآن‌ العزيز عند الإماميّة‌ ليس‌ إلاّ ما ذكرناه‌ والمنصفون‌ منهم‌ يصرّحون‌ بذلك‌. قال‌ الإمام‌ الهمام‌ الباحث‌ المتتبّع‌ رحمة‌ الله‌ الهندي‌ّ رضي‌الله‌ عنه‌ في‌ ص‌ 89 من‌ النصف‌ الثاني‌ من‌ كتابه‌ النفيس‌ «إظهار الحقّ» ما هذا لفظه‌: ï ïالقرآن‌ المجيد عند جمهور علماء الشيعة‌ الإماميّة‌ الاثني‌ عشريّة‌ محفوظ‌ عن‌ التغيير والتبديل‌. ومن‌ قال‌ منهم‌ بوقوع‌ النقصان‌ فيه‌ فقوله‌ مردود غير مقبول‌ عندهم‌. (قال‌): قال‌ الشيخ‌ الصدوق‌ أبو جعفر محمّد بن‌ علی بن‌ بابويه‌ الذي‌ هو من‌ أعظم‌ علماء الإماميّة‌ الاثني‌ عشريّة‌ في‌ رسالته‌ الاعتقاديّة‌: اعتقادنا في‌ القرآن‌: أنّ القرآن‌ الذي‌ أنزل‌ الله‌ تعالي‌ علی نبيّه‌ هو ما بين‌ الدفّتين‌. وهو ما في‌ أيدي‌ الناس‌ ليس‌ بأكثر من‌ ذلك‌. ومبلغ‌ سوره‌ عند الناس‌ مائة‌ وأربع‌ عشرة‌ سورة‌، وعندنا والضحي‌ وألم‌ نشرح‌ سورة‌ واحدة‌، ولاءيلاف‌ وألم‌ تر سورة‌ واحدة‌. ومَن‌ نسب‌ إلينا أنّا نقول‌ إنّه‌ أكثر من‌ ذلك‌ فهو كاذب‌ ـ انتهي‌.

 قال‌ الإمام‌ الهنديّ: وفي‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌» الذي‌ هو تفسير معتبر عند الشيعة‌ ذكر السيّد الاجلّ المرتضي‌ علم‌ الهدي‌ ذو المجد...» (وذكر السيّد شرف‌ الدين‌ هنا كلام‌ الشريف‌ المرتضي‌ عن‌ لسان‌ الإمام‌ رحمة‌ الله‌ الهنديّ، وقد أوردناه‌ أيضاً، ثمّ قال‌:) قال‌ الإمام‌ رحمة‌الله‌ الهندي‌ّ: وقال‌ القاضي‌ نور الله‌ الشوشتريّ الذي‌ هو من‌ علمائهم‌ المشهورين‌ في‌ كتابه‌ المسمّي‌ بـ«مصائب‌ النواصب‌»: «ما نُسب‌ إلی الشيعة‌ الإماميّة‌ من‌ وقوع‌ التغيير في‌ القرآن‌ ليس‌ ممّا قال‌ به‌ جمهور الإماميّة‌، إنّما قال‌ به‌ شرذمة‌ قليلة‌ منهم‌ لا اعتداد بهم‌ فيما بينهم‌»ـ انتهي‌.

 وقال‌ الإمام‌ الهنديّ أيضاً: «وقال‌ الملاّ صادق‌ في‌ شرح‌ الكلينيّ: يظهر القرآن‌ بهذا الترتيب‌ عند ظهور الإمام‌ الثاني‌ عشر ويشهر به‌»ـ انتهي‌.

 وقال‌ الإمام‌ الهنديّ أيضاً: وقال‌ محمّد بن‌ الحسن‌ الحرّ العامليّ الذي‌ هو من‌ كبار المحدّثين‌ في‌ الفرقة‌ الإماميّة‌ في‌ رسالة‌ كتبها في‌ ردّ بعض‌ معاصريه‌: ] الكلام‌ بالفارسيّة‌ ونحن‌ ننقل‌ تعريبه‌ نصّاً [ «كلّ من‌ تتبّع‌ الاخبار وتفحّص‌ التواريخ‌ والآثار يعلم‌ علم‌ اليقين‌ أنّ القرآن‌ كان‌ في‌ غاية‌ التواتر وأعلي‌ درجته‌. وكان‌ آلاف‌ الصحابة‌ يحفظونه‌ وينقلونه‌. وكان‌ مجموعاً ومؤلَّفاً في‌ عهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌»ـ انتهي‌.

 وقال‌ الإمام‌ الهنديّ أيضاً: فظهر أنّ المذهب‌ المحقّق‌ عند علماء الفرقة‌ الإماميّة‌ الاثني‌ عشريّة‌ أنّ القرآن‌ الذي‌ أنزله‌ الله‌ علی نبيّه‌ هو ما بين‌ الدفّتين‌، وهو ما في‌ أيدي‌ الناس‌ ليس‌ بأكثر من‌ ذلك‌. وأ نّه‌ كان‌ مجموعاً مؤلّفاً في‌ عهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وحفظه‌ ونقله‌ أُلوف‌ من‌ الصحابة‌، وجماعة‌ من‌ الصحابة‌ كعبد الله‌ بن‌ مسعود، وأُبي‌ بن‌ كعب‌، وغيرهما ختموا القرآن‌ علی النبيّ عدّة‌ ختمات‌. ويظهر القرآن‌ ويشهر بهذا الترتيب‌ عند ظهور ï ïالإمام‌ الثاني‌ عشر رضي‌ الله‌ عنه‌. قال‌: والشرذمة‌ القليلة‌ التي‌ قالت‌ بوقوع‌ التغيير فقولهم‌ مردود عندهم‌، ولا اعتداد به‌ فيما بينهم‌. قال‌: وبعض‌ الاخبار الضعيفة‌ التي‌ رويت‌ في‌ مذهبهم‌ لايرجع‌ بمثلها عن‌ المعلوم‌ المقطوع‌ علی صحّته‌. قال‌: وهو حقّ، لانّ خبر الواحد إذا اقتضي‌ عِلماً ولم‌ يوجد في‌ الادلّة‌ القاطعة‌ ما يدلّ عليه‌ وجب‌ ردّه‌ علی ما صرّح‌ به‌ ابن‌ المطهّر الحلّي‌ّ في‌ كتابه‌ المسمّي‌ بـ«مبادي‌ الوصول‌ إلی علم‌ الاُصول‌»، وقد قال‌ الله‌ تعالي‌: إنّا نحن‌ نزّلنا الذِّكر وإنّا له‌ لحافظون‌. قال‌: ففي‌ تفسير «الصراط‌ المستقيم‌» الذي‌ هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة‌: أي‌: إنّا لحافظون‌ له‌ من‌ التحريف‌ والتبديل‌ والزيادة‌ والنقصان‌.

 هذا كلام‌ الإمام‌ الهنديّ عيناً. وإنّما اكتفينا بما نقله‌ من‌ كلام‌ أعلام‌ الشيعة‌ الإماميّة‌ المسطور في‌ كتبهم‌ المعتبرة‌، لانّ الاستقصاء يوجب‌ الخروج‌ عمّا أخذناه‌ علی أنفسنا من‌ اجتناب‌ الاءطناب‌ المملّ. ومَن‌ أراد النقل‌ عن‌ الطوائف‌ والاُمم‌ فليقتفِ أثر هذا الإمام‌ في‌ الاستناد إلی الكتب‌ المعتبرة‌ عند تلك‌ الاُمّة‌ أو الطائفة‌. ولا يُعَوَّل‌ في‌ النقل‌ عنها علی المرجفين‌ من‌ خصمائها، والالدّاء من‌ أعدائها. وأنا أُكبر السِّفر الجليل‌ «تحت‌ راية‌ القرآن‌» وأُقدّر قدر مؤلِّفه‌ (المصطفي‌ الصادق‌) وأعلم‌ أ نّه‌ بعيد الغاية‌، رزين‌ الحصاة‌. وكنتُ أربأ به‌ وبسفره‌ الثمين‌، المؤلَّف‌ لعموم‌ المسلمين‌، عن‌ جرح‌ عواطف‌ الشيعة‌، وهم‌ ركن‌ الدين‌، وشطر المسلمين‌. وفيهم‌ الملوك‌ والاُمراء، والعلماء، والاُدباء، والكَتَبَة‌، والشعراء، والساسة‌ المفكّرون‌، والدهاة‌ المدبّرون‌، وأهل‌ الحميّة‌ الإسلاميّة‌ والنفوس‌ العبقريّة‌، والشمَم‌ والكرم‌، والعزائم‌ والهمم‌. وقد انبثّوا في‌ الانحاء، وانتشروا في‌ الارض‌ انتشار الكواكب‌ في‌ السماء. فليس‌ من‌ الحكمة‌ ولا من‌ العقل‌ أن‌ يستهان‌ بهم‌، وهم‌ أهل‌ حول‌ وقوّة‌، وغني‌ وثروة‌، وأموال‌ مبذولة‌ في‌ سبيل‌ الدين‌، وأنفس‌ تتمنّي‌ أن‌ تكون‌ فداء المسلمين‌. وليس‌ من‌ التثبّت‌ أن‌ يُعْتَمَد في‌ مقام‌ النقل‌ عنهم‌ علی إرجاف‌ المرجفين‌، وإجحاف‌ المجحفين‌: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إن‌ جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُو´ا أَن‌ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَي‌' مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.

[3] ـ «بحر الفوائد في‌ شرح‌ الفرائد» ص‌ 98 إلی 101، مبحث‌ حجّيّة‌ الظنّ، حجّيّة‌ ظواهر الالفاظ‌، حجّيّة‌ كتاب‌ الله‌.

[4] ـ حاشية‌ «أوثق‌ الوسائل‌» بحث‌ حجّيّة‌ الظنّ، طبعة‌ حجريّة‌ صفحاتها غير مرقّمة‌.

[5] ـ يقول‌: «يا من‌ اسمه‌ مطلع‌ دفتر الطلاّب‌، إنّ ذكرك‌ شمع‌ محفل‌ أُولي‌ الالباب‌».

[6] ـ «الذريعة‌ إلی تصانيف‌ الشيعة‌» ج‌ 12، ص‌ 48 و 49، مادّة‌ دبس‌.

[7] ـ السكنجبين‌: كلمة‌ فارسيّة‌ أصلها «سركه‌ انگبين‌»، وهي‌ شراب‌ يتّخذ من‌ الخلّ والسكّر، يُمزجان‌ ويُغليان‌ حتّي‌ يذوب‌ السكّر في‌ الخلّ.(م‌)

[8] ـ كتاب‌ «دبستان‌ المذاهب‌» ص‌ 226 إلی 235، طبعة‌ بومباي‌، سنة‌ 1262.

[9] ـ هو المرحوم‌ عماد المحقّقين‌ العظام‌ آية‌ الله‌ الميرزا حسن‌ البجنورديّ قدّس‌ سرّه‌ صاحب‌ الكتاب‌ المفيد الممتع‌: «القواعد الفقهيّة‌» الذي‌ طُبع‌ في‌ سبعة‌ أجزاء.

[10] ـ «الذريعة‌ إلی تصانيف‌ الشيعة‌» ج‌ 16، ص‌ 231 و 232.

[11] ـ «الذريعة‌» ج‌ 18، ص‌ 9 و 10.

[12] ـ «الذريعة‌» ج‌ 10، ص‌ 220 و 221.

[13] ـ «الذريعة‌» ج‌ 20، ص‌ 146 و 147.

[14] ـ

كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌

يقول‌ الفقيه‌ المدافع‌ عن‌ أهل‌ البيت‌ المرحوم‌ السيّد محسن‌ الامين‌ الحسيني‌ّ العاملي‌ّ في‌ كتاب‌ «أعيان‌ الشيعة‌» ج‌ 1، ص‌ 121 إلی 123، الطبعة‌ الثانية‌ وهو يجيب‌ ابن‌ حزم‌ الذي‌ نسب‌ إلی الإماميّة‌ عقيدة‌ التغيير في‌ القرآن‌ بقوله‌:

 ومن‌ قول‌ الإماميّة‌ كلّها قديماً وحديثاً إنّ القرآن‌ مُبَدَّل‌، زِيد فيه‌ ما ليس‌ منه‌ كثير وبدّل‌ منه‌ كثير حاشا علی بن‌ الحسين‌ بن‌ موسي‌ بن‌ محمّد بن‌ إبراهيم‌ بن‌ موسي‌ بن‌ جعفربن‌ محمّدبن‌ علي‌ّبن‌ الحسين‌ بن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌. وكان‌ إماميّاً يظاهر بالاعتزال‌ مع‌ ذلك‌ فإنّه‌ كان‌ ينكر هذا القول‌ ويكفّر من‌ قاله‌. وكذلك‌ صاحباه‌: أبو يعلي‌ ميلاد الطوسيّ، وأبو القاسم‌ الرازي‌ّ.

 ونقول‌: لا يقول‌ أحدٌ من‌ الإماميّة‌ لا قديماً ولا حديثاً إنّ القرآن‌ مزيد فيه‌ قليل‌ أو كثير فضلاً عن‌ كلّهم‌، بل‌ كلّهم‌ متّفقون‌ علی عدم‌ الزيادة‌. ومن‌ يعتدّ بقوله‌ من‌ محقّقيهم‌ علی أ نّه‌ لم‌ينقص‌ منه‌. ويأتي‌ تفصيل‌ ذلك‌ عند ذكر كلام‌ الرافعي‌ّ. ومن‌ نسب‌ إليهم‌ خلاف‌ ذلك‌ فهو كاذِب‌ مفتر مجتري‌ علی الله‌ ورسوله‌، والذين‌ استثناهم‌ وقال‌: إنّهم‌ ينكرون‌ الزيادة‌ والنقصان‌ في‌ القرآن‌ ويكفّرون‌ من‌ قال‌ بذلك‌ هم‌ أجلاّء علماء الإماميّة‌. وإن‌ كذب‌ في‌ دعوي‌ التكفير الذي‌ يكيله‌ للناس‌ في‌ كتابه‌ بالصاع‌ الاوفي‌ وقد تعوّد عليه‌ قلمه‌ ولسانه‌. وعلي‌ّ بن‌ الحسين‌ المذكور في‌ كلامه‌ هو الشريف‌ المرتضي‌ عَلَم‌ الهُدي‌ ذو المجدين‌ من‌ أجلاّء علماء الإماميّة‌ وأئمّتهم‌ ومشاهيرهم‌ وأسقط‌ من‌ أجداده‌ موسي‌ بين‌ محمّد وإبراهيم‌. وقوله‌: كان‌ إماميّاً يظاهر بالاعتزال‌ طريف‌ جدّاً. فالإمامي‌ّ كيف‌ يكون‌ معتزليّاً؟ وكتاب‌ «الشافي‌» للمرتضي‌ هو ردّ علی «المغني‌» للقاضي‌ عبد الجبّار من‌ أشهر شيوخ‌ علماء المعتزلة‌. لكن‌ اعتاد جماعة‌ أن‌ ينسبوا جملة‌ من‌ محقّقي‌ علماء الإماميّة‌ إلی الاعتزال‌ بموافقتهم‌ للمعتزلة‌ في‌ بعض‌ المسائل‌ كمسألة‌ الرؤية‌ والحسن‌ والقبح‌ ونحوها. وهذا خطأ وغلط‌ من‌ قائله‌. فالمعتزلة‌ أقرب‌ إلی مَن‌ يُسمَّون‌ أهل‌ السُّنّة‌ منهم‌ إلی الشيعة‌ لموافقتهم‌ إيّاهم‌ في‌ أمر الخلافة‌، وفي‌ أخذ فروع‌ الدين‌ من‌ الائمّة‌ الاربعة‌.

 وأمّا أبو يعلي‌ ميلاد الطوسيّ فاسمٌ محرّف‌، وصوابه‌ أبو يعلي‌ سلاّر، ولكن‌ وصفه‌ بالطوسي‌ّ خطأ، بل‌ هو سلاّر الديلمي‌ّ. وللمرتضي‌ تلميذ آخر اسمه‌ الشريف‌ أبو يعلي‌ محمّدبن‌ الحسن‌ الجعفريّ. ومن‌ تلامذة‌ المرتضي‌ الشيخ‌ أبو جعفر محمّد بن‌ الحسن‌ الطوسي‌ّ؛ ولكن‌ ابن‌ حزم‌ لشدّة‌ تثبّته‌ حَرَفَ الاسمَ والوصف‌. أمّا أبو القاسم‌ الرازيّ فالظاهر أ نّه‌ محرّف‌ أيضاً. إذ لا نعلم‌ في‌ أصحاب‌ المرتضي‌ أحداً بهذا الاسم‌. وذكرنا في‌ البحث‌ الثامن‌ أنّ الصدوق‌ جعل‌ من‌ اعتقاد الإماميّة‌ عدم‌ النقص‌ وعدم‌ الزيادة‌ في‌ القرآن‌. وبذلك‌ عُلِمَ أنّ كلام‌ ابن‌ حزم‌ محض‌ افتراء. علی أنّ الاختلاف‌ في‌ بعض‌ آيات‌ القرآن‌ كان‌ موجوداً في‌ عصر الصحابة‌. فقد قرأ ابن‌ مسعود: فَمَا استمتعتم‌ به‌ منهنّ إلی أجل‌ مسمّي‌، حكاه‌ الطبري‌ّ في‌ تفسيره‌. ويأتي‌ عند ذكر كلام‌ ابن‌ حزم‌ قول‌ بعض‌ من‌ يسمّون‌ أهل‌ السُّنّة‌ بوقوع‌ النقص‌ في‌ القرآن‌. واختلف‌ المسلمون‌ في‌ البسملة‌ هل‌ هي‌ جزء من‌ السُّور؟ فنفي‌ ذلك‌ الإمام‌ أبوحنيفة‌، وأثبته‌ الإمام‌ الشافعيّ وأئمّة‌ أهل‌ البيت‌. وقال‌ علماء الاُصول‌: ما نقل‌ آحاداً فليس‌ بقرآن‌. وهو اعتراف‌ منهم‌ بوقوع‌ الخلاف‌. ولكن‌ ذلك‌ كلّه‌ شاذّ مسبوق‌ وملحوق‌ بالاءجماع‌ علی عدم‌ النقص‌ والزيادة‌.

 وقال‌ آية‌ الله‌ الامين‌ العاملي‌ّ في‌ ص‌ 141 إلی 146 من‌ هذا الكتاب‌: قال‌ الرافعي‌ّ في‌ كتاب‌ «إعجاز القرآن‌» ص‌ 185: أمّا الرافضة‌ ـأخزاهم‌ الله‌ـ فكانوا يزعمون‌ أنّ القرآن‌ بُدِّل‌ وغُيِّر وزِيدَ فيه‌ ونقص‌ منه‌ وحُرِّف‌ عن‌ مواضعه‌. وإنّ الاُمّة‌ فعلت‌ ذلك‌ بالسُّنن‌ أيضاً. وكلّ هذا من‌ مزاعم‌ شيخهم‌ وعالمهم‌ هشام‌ بن‌ الحكم‌ لاسباب‌ لا محلّ لشرحها هنا وتابعوه‌ عليها جهلاً وحماقة‌.

 ونقول‌: أمّا مسارعته‌ إلی الشتم‌ والسُّباب‌، فكلّ إناء بالذي‌ فيه‌ ينضحُ. وقديماً ما سبّ الذين‌ كفروا ربَّ العزّة‌، وسُبَّت‌ الانبياء والمرسلون‌. وسبّ سلفه‌ بنو أُميّة‌ الذين‌ يشيد بذكرهم‌ سلفَ الشيعة‌ وإمامَهم‌ أمير المؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ أخا الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وصنوه‌، فما ضرّهم‌ ذلك‌ شيئاً.

 وأمّا قوله‌: إنّهم‌ يزعمون‌ أنّ القرآن‌... إلی آخره‌، فهو كذب‌ وافتراء تبع‌ فيه‌ ابن‌ حزم‌ فيما مرّ من‌ كلامه‌ في‌ هذا البحث‌. ونصّ كبراء علماء الشيعة‌ ومحدّثيهم‌ علی خلافه‌ وقد بيّنا هناك‌ اتّفاق‌ الشيعة‌ عموماً علی عدم‌ الزيادة‌. واتّفاق‌ المحقّقين‌ ومن‌ يعتدّ بقوله‌ منهم‌ علی عدم‌ النقص‌، وأشرنا إلی أنّ القول‌ بالنقص‌ وقع‌ من‌ شاذّ من‌ أهل‌ السُّنّة‌ والشيعة‌، ولايختصّ بالشيعة‌ وأ نّه‌ مسبوق‌ وملحوق‌ بالاءجماع‌ من‌ الفريقين‌ علی عدم‌ النقص‌، فلا يعتدّ به‌. فأين‌ موضع‌ العيب‌ والنقد علينا أيّها المنصفون‌؟ ونزيد هنا بياناً بنقل‌ كلمات‌ بعض‌ الاجلاّء من‌ علماء الشيعة‌ الناصّة‌ علی ما قلناه‌.

 وذكر المرحوم‌ السيّد محسن‌ الامين‌ هنا كلام‌ الصدوق‌ في‌ «الاعتقادات‌»، وكلام‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ «مجمع‌ البيان‌»، وكلام‌ السيّد المرتضي‌ علم‌ الهدي‌ في‌ المسائل‌ «الطرابلسيّات‌»، وكلام‌ الشيخ‌ الطوسيّ في‌ أوّل‌ كتاب‌ «التبيان‌». ثمّ قال‌: وقال‌ الشيخ‌ جعفر النجفي‌ّ فقيه‌ عصره‌ في‌ «كشف‌ الغطاء»: لا ريب‌ أنّ القرآن‌ محفوظ‌ بحفظ‌ الملك‌ الديّان‌ كما دلّ عليه‌ صريح‌ القرآن‌ وإجماع‌ العلماء في‌ كلّ زمان‌، ولا عبرة‌ بالنادر. وقال‌ الشيخ‌ البهائي‌ّ: والصحيح‌ أنّ القرآن‌ العظيم‌ محفوظ‌ عن‌ ذلك‌ زيادة‌ كان‌ أو نقصاناً، ويدلّ عليه‌ قوله‌ تعالي‌: وَإنّا له‌ لحافظون‌. وعن‌ السيّد محسن‌ البغداديّ في‌ «شرح‌ الوافية‌»: الاءجماع‌ علی عدم‌ الزيادة‌. وأنّ المعروف‌ بين‌ أصحابنا حتّي‌ حكي‌ عليه‌ الاءجماع‌ علی عدم‌ النقيصة‌. وصنّف‌ الشيخ‌ علي‌ّبن‌ عبدالعال‌ الكركي‌ّ رسالة‌ في‌ نفي‌ النقيصة‌. وقال‌ الفاضل‌ المعاصر الشيخ‌ محمّدجواد البلاغي‌ّ النجفي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «الهُدي‌ إلی دين‌ المصطفي‌» في‌ مقدّمة‌ كتابه‌ «آلاء الرحمن‌ في‌ تفسير القرآن‌»: لم‌ يزل‌ القرآن‌ الكريم‌ بحسب‌ حكمة‌ التشريع‌ والمقتضيات‌ المتجدّدة‌ آناً يتدرّج‌ في‌ نزوله‌ نجوماً. وكلّما نزل‌ شي‌ء هتفت‌ إليه‌ قلوب‌ المسلمين‌، وانشرحت‌ له‌ صدورهم‌، وهبّوا إلی حفظه‌ بأحسن‌ الرغبة‌ والشوق‌ وأكمل‌ الاءقبال‌، وتناوله‌ حفظهم‌ بما امتازت‌ به‌ العرب‌ وعرفوا به‌ من‌ قوّة‌ الحافظة‌، وأثبتوه‌ في‌ قلوبهم‌ كالنقش‌ في‌ الحجر. وكان‌ شعار الإسلام‌ وسمة‌ المسلم‌ هو التجمّل‌ بحفظ‌ ما ينزل‌ من‌ القرآن‌ لكي‌ يتبصّر بحججه‌، وشرائعه‌، وأخلاقه‌ الفاضلة‌، وتأريخه‌ المجيد، وحكمته‌ الباهرة‌، وأدبه‌ العربي‌ّ الفائق‌ المعجز. واستمرّوا علی ذلك‌ حتّي‌ صاروا في‌ زمان‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يعدّون‌ بالاُلوف‌ وعشراتها، وكلّهم‌ من‌ حملة‌ القرآن‌ وحفّاظه‌. ولمّا توفّي‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فلايُرجي‌ للقرآن‌ نزول‌ تتمّة‌، رأي‌ المسلمون‌ أن‌ يسجّلوه‌ في‌ مصحف‌ جامع‌. فجمعوا مادّته‌ علی حين‌ إشراف‌ الاُلوف‌ من‌ حفّاظه‌، فاستمرّ علی هذا الاحتفال‌ العظيم‌ جيلاً بعد جيل‌. ولم‌يتّفق‌ لامر تأريخي‌ّ من‌ التواتر وبداهة‌ البقاء ما اتّفق‌ للقرآن‌ كما وعد الله‌ جلّت‌ آلاؤه‌ بقوله‌: إنّا نحن‌ نزّلنا الذِّكر وإنّا له‌ لحافظون‌. وقوله‌: إنّ علينا جَمْعَهُ وقرآنه‌. ولئن‌ سمعت‌ في‌ الروايات‌ الشاذّة‌ شيئاً في‌ ضياع‌ بعضه‌ فلا تقم‌ له‌ وزناً. وقل‌ ما يشاء العلم‌ في‌ اضطرابها ووهنها وضعف‌ رواتها ومخالفتها للمسلمين‌ وما ألصقته‌ بكرامة‌ القرآن‌ ممّا ليس‌ به‌ شبه‌.

 ثمّ أورد المرحوم‌ البلاغيّ شيئاً من‌ تلك‌ الروايات‌ وذكر في‌ الحاشية‌ ما روي‌ من‌ أ نّه‌ جمعه‌ في‌ زمان‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ معاذ بن‌ جبل‌، وعبادة‌ بن‌ الصامـت‌، وأُبي‌ّ ابن‌ كعب‌، وأبو أيّوب‌ الانصاريّ، وأبو الدرداء، وزيد بن‌ ثابت‌، وسعد بن‌ عبيد، وأبو زيد. وأنّ ممّن‌ ختمه‌ والنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسـلّم‌ حي‌ّ عثمان‌، وعلي‌ّ بن‌ أبي‌ طالـب‌، وعبدالله‌بن‌ مسـعود. وقول‌ زيـد بن‌ ثابت‌: كُنَّا عند رسـول‌ الله‌ (أو حول‌ رسـول‌ الله‌) صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ نؤلّف‌ القرآن‌ من‌ الرقاع‌.... وبذلك‌ تعلم‌ ما هي‌ قيمة‌ هذه‌ الاراجيف‌ التي‌ يرجف‌ بها هؤلاء علی الشيعة‌؟ وأنّ هذه‌ الروايات‌ الشاذّة‌ التي‌ لا يعوّل‌ عليها قد رواها شاذّ من‌ الفريقين‌.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ والتسعون‌ بعد المائة‌ إلی المائتين‌
  أهمّيّة‌ التدريس‌ والكتابة‌
  تفسير آية‌ الدَّين‌ والتجارة‌ من‌ سورة‌ البقرة‌
  الاستشهاد بالآيات‌ القرآنيّة‌ علی وجوب‌ الكتابة‌
  الكتابة‌ في‌ عهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  أحاديث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ الامر بالكتابة‌
  كتابة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو للصحيفة‌ الصادقة‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌
  تعمّد الخطيب‌ عدم‌ نقل‌ أخبار حؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌
  حظر عمر الكتابة‌ ينطلق‌ من‌ أغراض‌ سياسيّة‌
  حظر عمر تدوين‌ الحديث‌ النبوي‌ّ
  ردّ العلاّمة‌ الاميني‌ّ علی عمر في‌ حظر تدوين‌ الحديث‌
  الصحابة‌ كانوا ينقلون‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  رأي‌ جولدتسيهر في‌ تدوين‌ الحديث‌
  آفات‌ الاعتقاد بقول‌ عمر: حسبنا كتاب‌ الله‌
  الحاجة‌ إلی الإمام‌ قائمة‌ مع‌ وجود السُّنّة‌
  كلام‌ أحمد أمين‌ في‌ الحاجة‌ إلی السُّنّة‌
  حوار آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء مع‌ أحمد أمين‌
  اعتراف‌ أحمد أمين‌ بحؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌ في‌ مرضه‌
  اعتراف‌ أحمد أمين‌ بمطاعن‌ عثمان‌
  كلام‌ المرحوم‌ المظفّر في‌ ترك‌ النصّ علی الخليفة‌
  كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ تقدّم‌ علی عليه‌ السلام‌
  كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ بشأن‌ مصحف‌ الإمام‌ علی عليه‌ السلام‌
  رفض‌ الناس‌ مصحف‌ أمير المومنين‌ علی عليه‌ السلام‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ الكريم‌
  الاستدلال‌ بتحدّي‌ القرآن‌ علی عدم‌ تحريفه‌
  الاستدلال‌ بحديث‌ الثقلين‌ وأمثاله‌ علی عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  أدلّة‌ الحشويّة‌ ومحدِّثي‌ الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ تحريف‌ القرآن‌
  الاستدلال‌ بالإجماع‌ علی عدم‌ التحريف‌ يستلزم‌ الدور.
  الاستدلال‌ بأخبار التحريف‌ وجوابها
  أخبار التحريف‌ المدسوسة‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ جمع‌ القرآن‌
  كلام‌ الطبرسي‌ّ والسيِّد المرتضي‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ آية‌ الله‌ الميرزا حسن‌ الآشتياني‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ الإمام‌ الهندي‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌(التعلیقة).
  نقل سورة محرّفة من« دبستان المذاهب»..
  ما نصّ عليه‌ كتاب‌ «دبستان‌ المذاهب‌» حول‌ عقائد الشيعة‌
  نقل‌ كلام‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ في‌ المذهب‌ الاخباري‌ّ
  >>انتقاد المذهب‌ الاخباري‌ّ
  انتقاد كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌» في‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ صاحب‌ «الذريعة‌» حول‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»..
  انتقاد المحدِّث‌ النوري‌ّ لتأليفه‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»..
  كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ (التعلیقة)
  كلام‌ السيّد محمّد التيجاني‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌
  بين‌ السنّة‌ مَن‌ یروی روایات التحريف‌
  بحث‌ علمي‌ّ مفصّل‌ للعلاّمة‌ البلاغي‌ّ حول‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  الدرس‌ الاوّل‌ بعد المائتين‌ إلی العاشر بعد المائتين‌ :تقدّم‌ الشيعة‌ ...
  تفسير آية‌: ن‌ والقلم‌ وما يسطرون‌
  مصحف‌ علی عليه‌ السلام‌
  الروايات‌ الواردة‌ في‌ صفة‌ كتاب‌ «الجامعة‌»..
  تفسير العلاّمة‌ المجلسي‌ّ لعلم‌ الائمّة‌ الاعظم‌
  روايات‌ «بصائر الدرجات‌» في‌ صفة‌ «الجامعة‌»..
  كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ الصدر حول‌ تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ التدوين‌
  الاحاديث‌ الواردة‌ في‌ الجفر.
  خصائص‌ كتاب‌ الجفر.
  بيان‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ حول‌ الجفر
  الاحاديث‌ الاُخري‌ الواردة‌ حول‌ الجفر
  أُصُول‌ الجفر وقواعده‌ صحيحه‌
  الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ استكشفوا المغيبات‌ من‌ الجفر
  كلام‌ العلماء حول‌ الجفر
  كلام‌ ابن‌ خلدون‌ حول‌ الجفر
  ترجمة‌ الفواطم‌ في‌ زمن‌ الهجرة‌
  تهم‌ الرافعي‌ّ ضدّ الشيعة‌ في‌ تفسير القرآن‌ علی أساس‌ علم‌ الجفر
  رؤيا النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ حكومة‌ الامويّين‌ (التعلیقة)
  ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی تُهم‌ الرافعي‌ّ
  تحريف‌ السيّد حسن‌ الامين‌ كتاب‌ أبيه‌ «أعيان‌ الشيعة‌»..
  تحريف‌ وجريمة‌ أُخري‌ للسيّد حسن‌ الامين‌
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ الجفر
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌
  نقد كلام‌ مغنية‌ وأمثاله‌ في‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌
  إثبات‌ علم‌ الغيب‌ بالجفر في‌ كلام‌ الإيجي‌ّ والمير السيّد شريف‌
  صعوبة‌ تصديق‌ كثير من‌ المسائل‌ الغيبيّة‌ لغير أهل‌ العرفان‌ من‌ العلماء
  إخبار آية‌ الله‌ بهجت‌ ما في‌ ضمير المؤلّف‌
  الصحيفة‌ التي‌ فيها أسماء الشيعة‌ عند الإمام‌ الصادق‌ هي‌ غير الجفر
  حديث‌ السيّد حسن‌ الصدر عن‌ كتاب‌ «الديات‌»
  روايات‌ البخاري‌ّ في‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  كلام‌ أبو ريّة‌ حول‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  روايات‌ الشيعة‌ حول‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  «صحيفة‌ الفرائض‌» من‌ تدوين‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الرابع‌
  «كتاب‌ الستّين‌» التدوين‌ الخامس‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی الرافعي‌ّ بشأن‌ «كتاب‌ السِّتِّين‌»
  «مصحف‌ فاطمة‌» من‌ مدوّنات‌ علی عليه‌ السلام‌
  الروايات‌ في‌ هويّة‌ «مصحف‌ فاطمة‌»
  كلام‌ العلاّمة‌ الامين‌ حول‌ عظمة‌ مصحف‌ فاطمة‌ عليها السلام‌
  كتابة‌ علی أسماء الائمّة‌ بإملاء رسول‌ الله‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ «مصحف‌ فاطمة‌»
  حديث‌ لوح‌ فاطمة‌ عليها السلام‌
  حديث‌ الرسائل‌ السماويّة‌ المختومة‌ في‌ ولاية‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر
  أبو رافع‌ أوّل‌ مؤلّف‌ بين‌ الشيعة‌ بعد أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  تقدّم‌ سنن‌ أبي‌ رافع‌ علی كتاب‌ سُلَيم‌
  التدوين‌ عند أهل‌ السنّة‌ كان‌ بعد قرنين‌
  ردّ محمّد عجّاج‌ الخطيب‌ علی السيّد حسن‌ الصدر
  كلام‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كيفيّة‌ التدوين‌ عند أهل‌ السنّة‌
  الادلّة‌ علی أنّ التدوين‌ عند العامّة‌ بدأ في‌ رأس‌ المائة‌ الثالثة‌
  كلام‌ أبو ريّة‌ حول‌ الإسرائيليّات‌ في‌ الحديث‌
  نهي‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ المؤكّد عن‌ رواية‌ الإسرائيليّات‌
  ضعف‌ روايات‌ أبي‌ هريرة‌ وعبد الله‌ بن‌ عمرو
  ردُّ أبي‌ ريّة‌ علی أحاديث‌ أبي‌ هريرة‌
  تفاهة‌ صحيفة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو وعدم‌ قيمتها
  دفاع‌ محمّد عجّاج‌ عن‌ «صحيفة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو»
  نقد كلام‌ محمّد عجّاج‌ في‌ ردّه‌ علی أبي‌ ريّة‌
  سلمان‌ الفارسي‌ّ وأبو ذرّ الغفاري‌ّ صحابيّان‌ مدوِّنان‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی