معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام (المجلد الرابع‌عشر)
کتاب معرفة الامام / المجلد الرابع عشر / القسم السابع: کشف الائمة المغیبات من الجفر، کلام مغنیة حول علم الغیب عند الائمة

‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ استکشفوا‌ المغيبات‌ من‌ الجفر

 أجل‌، لقد ورد في‌ كثير من‌ الاحاديث‌ أنّ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ كانوا يكشفون‌ المغيبات‌ عبر الجفر. مثلاً، كتب‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ علی ظهر كتاب‌ عهد المأمون‌ أنّ الجامعة‌ والجفر يدلاّن‌ علی ضدّ ذلك‌.

 وكان‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ يكرّر أنّ خروج‌ بني‌ الحسن‌ علی العبّاسيّين‌ لا يحقّق‌ الهدف‌، وأنّ الدماء تراق‌ بلا مسوّغ‌، وأ نّهما لاتثمر شيئاً.

 وكان‌ عبد الله‌ المحض‌ بن‌ الحسن‌ المثنّي‌ بن‌ الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ يزعم‌ أنّ ولده‌ محمّداً هو المهديّ القائم‌. وعرّف‌ الناس‌ به‌ وبأخيه‌ إبراهيم‌ الغَمْر ـوكان‌ محمّد يُعرف‌ بصاحب‌ النفس‌ الزكيّة‌ـ وأخذ منهم‌ البيعة‌ لهما. حتّي‌ أ نّه‌ دعا الصادق‌ عليه‌ السلام‌ إلی بيعة‌ محمّد. وهذا موضوع‌ مفصّل‌ تطرّقت‌ إليه‌ كتب‌ التأريخ‌.

 وكان‌ محمّد وإبراهيم‌ شجاعين‌ سخيَّين‌ تقيّين‌، وكان‌ أبوهما عبدالله‌ من‌ أعاظم‌ بني‌ هاشم‌ والعلويّين‌ ورؤسائهم‌. بَيدَ أنّ علمهم‌ لم‌ يبلغ‌ مستوي‌ علم‌ الإمام‌ كما لم‌ يكونوا أهلاً للإمامة‌. ولم‌ ينقادوا للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ ولولايته‌ وكانوا يعرفونه‌ بالعلوم‌ الغريبة‌ والمغيبات‌، لكنّ اعترافهم‌ بذلك‌ يؤدّي‌ إلی كساد سوقهم‌، وإلي‌ بطلان‌ زعمهم‌ المهدويّة‌ فلم‌يظهروه‌. ولمّا أُثر عن‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أنّ اسم‌ المهديّ محمّد، وأ نّه‌ يظهر في‌ عصر طغيان‌ سلاطين‌ الجور، فإنّ عبد الله‌ كان‌ يقول‌: لا زمان‌ أسوأ من‌ هذا الزمان‌ الذي‌ تسلّط‌ فيه‌ العبّاسيّون‌، وغصب‌ فيه‌ الفتّاك‌ المتهوّر الجائر المنصور الدوانيقيّ حقَّ آل‌ محمّد. وأنّ اسم‌ ابني‌ محمّد، وهو شجاع‌ وحقيق‌ بالخروج‌ والإمارة‌ والحكومة‌ علی المسلمين‌، فهو المهدي‌ّ وعلي‌ الناس‌ أن‌ يسلّموا لامره‌.

 إنّ ما أراد أن‌ يخبر به‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ هؤلاء من‌ وحي‌ علومه‌ التي‌ كان‌ الجَفْر أحدها هو أنّ هذا الرجل‌ ( محمّد النفس‌ الزكيّة‌ ) ليس‌قائم‌ آل‌ محمّد؛ وأنّ خروجه‌ لا يثمر شيئاً. ولمّا كان‌ في‌ غير وقته‌، فإنّه‌ يُمني‌ بآلاف‌ الاخطاء، بَيدَ أ نّهُم‌ لم‌ يقبلوا ذلك‌ منه‌. حتّي‌ أ نّه‌ عليه‌ السلام‌ دلّ علی زمان‌ قتله‌ بِيَدِ ابن‌ عمّ المنصور الذي‌ يأتي‌ من‌ الشام‌ بجيش‌ جرّار، ويقتله‌ قرب‌ المدينة‌. كما أخبر عن‌ كيفيّة‌ قتله‌ وقتل‌ أخيه‌ إبراهيم‌ الذي‌ قُبض‌ عليه‌ بعده‌. وكان‌ عليه‌ السلام‌ يحذّرهم‌ من‌ الخروج‌ في‌ غير أوانه‌، ولكنّ تحذيره‌ لم‌يُجْدِ نفعاً. والانكي‌ من‌ ذلك‌ أنّهم‌ كانوا ممتعضين‌ من‌ تخلّف‌ الإمام‌ عنهم‌، وتفوّهوا بكلمات‌ بذيئة‌ عليه‌. وكانوا يقولون‌: فينا شروط‌ الإمامة‌، وعلينا النهوض‌، ولا يجوز التأخير.

 وكان‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ يعلم‌ أنّ الثورة‌ في‌ ذلك‌ الحين‌ كقطف‌ الثمرة‌ الفجّة‌ من‌ شجرتها. وكان‌ أُولئك‌ مبتهجين‌ لإقبال‌ الناس‌ عليهم‌ وبيعتهم‌ الظاهريّة‌ لهم‌؛ بيد أنّ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ يعلم‌ بحقيقة‌ الحال‌ وكان‌ ينظر إلی هذه‌ الاُمور كعالمٍ بالغيب‌، مستقرّ في‌ مصدر الامر والملكوت‌. ولم‌تؤت‌ نصيحته‌ أُكُلَها، فزادت‌ مصائب‌ الحسنيّين‌ في‌ سجن‌ المنصور، وقَتْلُهم‌ في‌ سجن‌ بغداد، ومقتل‌ محمّد وإبراهيم‌ مصائبه‌ عليه‌ السلام‌ مئات‌ الاضعاف‌. وكانت‌ تسيل‌ دموعه‌ رحمةً بهؤلاء القوم‌ الجامحين‌ الذين‌ لا إمام‌ ولا ولي‌ّ لهم‌، وكان‌ خروجهم‌ عقيماً.

 وكانوا يرون‌ أنّ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ذو علومٍ تفوق‌ علومهم‌، لكنّهم‌ لم‌ينقادوا لهذه‌ العلوم‌، وكانوا يتصرّفون‌ بجهل‌. ورأينا في‌ الاحاديث‌ الاخيرة‌ أنّ الكلام‌ دار كثيراً حول‌ أولاد الحسن‌ عليه‌ السلام‌، والمقصود هو عبدالله‌بن‌ الحسن‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌، وكان‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ يقول‌: عندنا علم‌ الجَفْر، وعندنا أيضاً علوم‌ هي‌ أسمي‌ من‌ أن‌ يدركها أولاد الحسن‌ المثنّي‌.

 ويستبين‌ من‌ استشهاد الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بإحرازهم‌ «الجامعة‌» وهي‌ علم‌ الاحكام‌ إلی يوم‌ القيامة‌، واستئثارهم‌ بالجفر، وهو العلم‌ بالوقائع‌ والحوادث‌ والمغيبات‌، إنّ الجفر يخصّ العلم‌ بحوادث‌ المستقبل‌ واستكشاف‌ الاُمور الغيبيّة‌، وهو ما يفتقده‌ بنو الحسن‌. ولهذا نلحظ‌ أنّ الرواة‌ ـبخاصّة‌ في‌ مقام‌ بيان‌ الجفرـ يسألون‌ الإمام‌: أترون‌ أنّ أولاد الحسن‌ مطّلعون‌ علی جفركم‌ أم‌ لا؟!

 إذن‌، ظهر لنا من‌ مجموع‌ الموضوعات‌ المتقدّمة‌ أنّ الجفر علم‌ مستقلّ لايرتبط‌ بمسائل‌ الحلال‌ والحرام‌، في‌ مقابل‌ «الجامعة‌»، ولايمكن‌ دمجهما معاً. ولمّا كانت‌ أُصوله‌ الصحيحة‌ بعيدة‌ المنال‌ في‌ واقعنا المعاصر، فلايتسنّي‌ لنا أن‌ ننكر أصله‌ الصحيح‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أيضاً، كما لايتيسّر لنا أن‌ ننكر أنّ له‌ كتاباً من‌ جلد، وفيه‌ خاصّيّة‌ استكشاف‌ المغيبات‌، ويتعذّر علينا أن‌ نُبطل‌ هذا الموضوع‌ الذي‌ يقرّ به‌ الشيعة‌ والعامّة‌، وهو أنّ أهل‌ البيت‌ كانوا ذوي‌ علوم‌ غيبيّة‌ تترشّح‌ عن‌ نفوسهم‌ المطهّرة‌.

كلام‌ العلماء حول‌ الجفر

 وذكر العالم‌ الجليل‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ الحسينيّ العامليّ في‌ كتاب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » فصلاً مبسوطاً حول‌ جفر أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. قال‌:

 من‌ مؤلّفات‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الجفر. في‌ « مجمع‌ البحرين‌ »: في‌ الحديث‌: أَمْلَي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَی أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الجَفْرَ وَالجَامِعَةَ.

 وفُسِّرا في‌ الحديث‌ بإهَابِ مَاعِزٍ وَإهَابِ كَبْشٍ. فيهما جميع‌ العلوم‌ حتّي‌ أرش‌ الخدشة‌ والجلدة‌ ونصف‌ الجلدة‌.

 ونقل‌ عن‌ المحقّق‌ الشريف‌ في‌ « شرح‌ المواقف‌ » أنّ « الجفر » و « الجامعة‌ » كتابان‌ لعليّ عليه‌ السلام‌. قد ذكر فيهما علی طريقة‌ علم‌ الحروف‌ الحوادث‌ إلی انقراض‌ العالم‌. وكان‌ الائمّة‌ المعروفون‌ من‌ أولاده‌ يعرفونهما ويحكمون‌ بهماـ انتهي‌.

 وفي‌ « القاموس‌ »: الجفر من‌ أولاد الشاة‌ ما عظم‌ واستكرش، وبلغ‌ أربعة‌ أشهرـ انتهي‌.

 وفي‌ « صحاح‌ اللغة‌ »: الجفر من‌ أولاد المعز ما بلغ‌ أربعة‌ أشهر وجفر جنباه‌ وفصل‌ عن‌ أُمّه‌، والاُنثي‌ جفرة‌ـ انتهي‌.

 فالجفر في‌ الحديث‌ علی حذف‌ مضاف‌، أي‌: جلد الجفر. ولعلّه‌ صار كالعَلَم‌ علی جلد مخصوص‌ لثور أو شاة‌ لكثرة‌ الاستعمال‌. والاخبار الواردة‌ في‌ الجفر فيها بعض‌ الاختلاف‌. ونحن‌ نشير إليها وإلي‌ الجمع‌ بينها.

 ونقل‌ المرحوم‌ الامين‌ هنا جميع‌ الاخبار الواردة‌ في‌ هذا الباب‌ عن‌ « بصائر الدرجات‌ ». وقال‌ في‌ آخرها: والمستفاد من‌ المجموع‌ أنّ الجفر منه‌ ما كُتب‌ فيه‌ العلم‌، ومنه‌ ما جُعِلَ وعاء للسلاح‌ أو له‌ وللكتب‌. ثمّ قال‌:

 وفي‌ « كشف‌ الظنون‌ »: ادّعي‌ طائفة‌ أنّ الإمام‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ وضع‌ الحروف‌ الثمانية‌ والعشرين‌ علی طريق‌ البسط‌ الاعظم‌ في‌ جلد الجفر، يستخرج‌ منها بطرق‌ مخصوصة‌ وشرائط‌ معيّنة‌ وألفاظ‌ مخصوصة‌ ما في‌ لوح‌ القضاء والقدر. وهذا علم‌ توارثه‌ أهل‌ البيت‌ ومَن‌ ينتمي‌ إليهم‌ ويأخذ منهم‌ من‌ المشائخ‌ الكاملين‌. وكانوا يكتمونه‌ عن‌ غيرهم‌ كلّ الكتمان‌. وقيل‌: لايفقه‌ في‌ هذا الكتاب‌ حقيقة‌ إلاّ المهديّ عليه‌ السلام‌ المنتظر خروجه‌ في‌ آخر الزمان‌.

 وورد هذا في‌ كتب‌ الانبياء عليهم‌ السلام‌ السالفة‌ كما نُقل‌ عن‌ عيسي‌ ابن‌ مريم‌ عليه‌ الصلاة‌ والسلام‌: نَحْنُ مَعَاشِرَ الاَنْبِيَاءِ نَأْتِيكُمْ بِالتَّنْزِيلِ، وَأَمَّا التَّأوِيلُ فَسَيَأْتِيكُمْ بِهِ البَارْقِليطُ الَّذِي‌ سَيَأْتِيكُمْ بَعْدِي‌!

 نُقل‌ أنّ الخليفة‌ المأمون‌ لمّا عهد بالخلافة‌ من‌ بعده‌ إلی علی بن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌ وكتب‌ إليه‌ كتاب‌ عهده‌، كتب‌ هو في‌ آخر ذلك‌ الكتاب‌: نَعَمْ إلاَّ أنَّ الجَفْرَ وَالجَامِعَةَ يَدُلاَّنِ عَلَی أَنَّ هَذَا الاَمْرَ لاَ يَتِمُّ.

 وكان‌ كما قال‌، لانّ المأمون‌ استشعر فتنة‌ من‌ بني‌ هاشم‌ فَسَمَّه‌، كذا في‌ « مفتاح‌ السعادة‌ ».

 قال‌ ابن‌ طلحة‌: « الجفر » و « الجامعة‌ » كتابان‌ جليلان‌، أحدهما: ذكره‌ الإمام‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ وهو يخطب‌ بالكوفة‌ علی المنبر. والآخر: أسرّه‌ إليه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وأمره‌ بتدوينه‌. فكتبه‌ حروفاً متفرّقة‌ علی طريق‌ سفر آدم‌ في‌ جفر، يعني‌ في‌ رقّ قد صُنع‌ من‌ جلد البعير، فاشتهر بين‌ الناس‌ به‌، لانّه‌ وجد فيه‌ ماجري‌ للاوّلين‌ والآخرين‌، إلی آخر ما ذكره‌ـ انتهي‌ ما أردنا نقله‌ من‌ « كشف‌ الظنون‌ ».

 ثمّ قال‌: ومن‌ الكتب‌ المصنّفة‌ فيه‌ ( أي‌: في‌ علم‌ الجفر ) «الجفر الجامع‌ والنور اللامع‌ » للشيخ‌ كمال‌ الدين‌ أبي‌ سالم‌ محمّد بن‌ طلحة‌ النصيبي‌ّ الشافعي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 652 ه مجلّد صغير ذكر فيه‌ أنّ الائمّة‌ من‌ أولاد جعفر يعرفون‌ الجفر، فاختار من‌ أسرارهم‌ فيه‌ـ انتهي‌.

كلام‌ ابن‌ خلدون‌ حول‌ الجفر

 وقال‌ ابن‌ خلدون‌ في‌ مقدّمته‌، في‌ فصل‌ ابتداء الدول‌ والاُمم‌. وقد يستندون‌ في‌ حدثان‌ الدول‌ علی الخصوص‌ إلی كتاب‌ « الجفر » ويزعمون‌ أنّ فيه‌ علم‌ ذلك‌ كلّه‌ من‌ طريق‌ الآثار والنجوم‌ لا يزيدون‌ علی ذلك‌، ولايعرفون‌ أصل‌ ذلك‌ ولا مستنده‌.

 قال‌: واعلم‌ أنّ كتاب‌ « الجفر » كان‌ أصله‌ أنّ هارون‌ بن‌ سعيد العجليّ ـوهو رأس‌ الزيديّة‌ـ كان‌ له‌ كتاب‌ يرويه‌ عن‌ جعفر الصادق‌. وفيه‌ علم‌ ما سيقع‌ لاهل‌ البيت‌ علی العموم‌، ولبعض‌ الاشخاص‌ منهم‌ علی الخصوص‌. وقع‌ ذلك‌ لجعفر ونظائره‌ من‌ رجالاتهم‌ علی طريق‌ الكرامة‌ والكشف‌ الذي‌ يقع‌ لمثلهم‌ من‌ الاولياء. وكان‌ مكتوباً عند جعفر في‌ جلد ثور صغير، فرواه‌ عنه‌ هارون‌ العجلي‌ّ، فكتبه‌ وسمّاه‌ الجفر باسم‌ الجلد الذي‌ كتب‌ منه‌، لانّ الجفر في‌ اللغة‌ هو الصغير. وصار هذا الاسم‌ عَلَماً علی هذا الكتاب‌ عندهم‌.

 وكان‌ فيه‌ تفسير القرآن‌ وما في‌ باطنه‌ من‌ غرائب‌ المعاني‌ مرويّة‌ عن‌ جعفر الصادق‌. وهذا الكتاب‌ لم‌ تتّصل‌ روايته‌ ولا عرف‌ عينه‌؛ وإنّما يظهر منه‌ شواذّ من‌ الكلمات‌ لا يصحبها دليل‌. ولو صحّ السند إلی جعفر الصادق‌ لكان‌ فيه‌ نعم‌ المستند من‌ نفسه‌ أو رجال‌ قومه‌. فهم‌ أهل‌ الكرامات‌. وقد صحّ عنه‌ أ نّه‌ كان‌ يحذّر بعض‌ قرابته‌ بوقائع‌ تكون‌ لهم‌ فتصحّ كما يقول‌. وقد حذّر يحيي‌ ابن‌ عمّه‌ زيد من‌ مصـرعه‌، وعصـاه‌. فخرج‌ وقُتل‌ بالجـوزجان‌ كما هو معروف‌.

ترجمة‌ الفواطم‌ في‌ زمن‌ الهجرة‌

 وإذا كانت‌ الكرامة‌ تقع‌ لغيرهم‌، فما ظنّك‌ بهم‌ عِلماً وديناً وآثاراً من‌ النبوّة‌ وعناية‌ من‌ الله‌ بالاصل‌ الكريم‌ تشهد لفروعه‌ الطيّبة‌؟! وقد ينقل‌ بين‌ أهل‌ البيت‌ كثير من‌ هذا الكلام‌ غير منسوب‌ إلی أحد. وفي‌ أخبار دولة‌ العُبَيْديّين‌ كثير منه‌. وانظر ما حكاه‌ ابن‌ الرقيق‌ في‌ لقاء أبي‌ عبدالله‌ الشيعي‌ّ لعبيدالله‌ المهديّ مع‌ ابنة‌ محمّد الحبيب‌، [1] وما حدّثاه‌ به‌، وكيف‌ بعثاه‌ إلي‌
 ابن‌ حوشب‌ داعيتهم‌ باليمن‌، فأمره‌ بالخروج‌ إلی المغرب‌، وبثّ الدعوة‌ فيه‌ علی علم‌ لقّنه‌ أنّ دعوته‌ تتمّ هناك‌. وأنّ عبيد الله‌ لمّا بني‌ المهديّة‌ بعد استفحال‌ دولتهم‌ بإفريقية‌ قال‌: بَنَيْتُهَا لِيَعْتَصِمَ بِهَا الفَوَاطِمُ سَاعَةً مِن‌ نَهَارٍ.
[2] وأراهم‌ موقف‌ صاحب‌ الحمار أبي‌ يزيد بالمهديّة‌. وكان‌ يسأل‌ عن‌ منتهي‌ موقفه‌ حتّي‌ جاء الخبر ببلوغه‌ إلی المكان‌ الذي‌ عيّنه‌ جدّه‌ عبيد الله‌. فأيقن‌ بالظفر وبرز من‌ البلد، فهزمه‌ واتّبعه‌ إلی ناحية‌ الزاب‌ فظفر به‌ وقتله‌. ومثل‌ هذه‌ الاخبار عندهم‌ كثيرـ انتهي‌.

 وقال‌ قبل‌ ذلك‌ بقليل‌ في‌ أوائل‌ هذا الفصل‌ بعدما ذكر أمر الإخبار عن‌ الحوادث‌ الآتية‌ ما لفظه‌:

 وَوَقَعَ لِجَعْفَر وَأَمْثَالِهِ مِن‌ أَهْلِ البَيْتِ كَثيرٌ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَنَدُهُمْ فِيهِ ـ وَاللَهُ أَعْلَمُ ـ الكَشْفُ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِن‌ الاَوْلِيَاءِ فِي‌ ذُوِيهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ ـ وَقَدْ قَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إنَّ فِيكُمْ مُحَدَّثِينَ ـ فَهُمْ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِهَذِهِ الرُّتَبِ الشَّرِيفَةِ وَالكَرَامَاتِ المَوهُوبَةِ.

تهم‌ الرافعي‌ّ ضدّ الشيعة‌ في‌ تفسير القرآن‌ علی أساس‌ علم‌ الجفر

 وقال‌ مصطفي‌ صادق‌ الرافعيّ المصريّ في‌ كتابه‌ « بلاغة‌ القرآن‌ »: إنّه‌ لايعرف‌ في‌ تأريخ‌ العالم‌ كتاب‌ بلغت‌ عليه‌ الشروح‌ والتفاسير ما بلغ‌ من‌ ذلك‌ علی القرآن‌ الكريم‌ حتّي‌ فسَّرَته‌ الروافض‌ بالجفر علی فساد ما يزعمون‌ وسخافة‌ ما يقولون‌ وعلي‌ سوء الدعوي‌ فيما يدّعون‌ من‌ علم‌ باطنه‌ بما وقع‌ إليهم‌ من‌ ذلك‌ الجفر. واستنبط‌ منه‌ غيرهم‌ إشارات‌ من‌ الغيب‌ بضروب‌ من‌ الحساب‌ كهذا الذي‌ ينسبونه‌ إلی الحسن‌ بن‌ علی من‌ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ رأي‌ في‌ رؤياه‌ ملوك‌ بني‌أُميّة‌ فساءه‌ ذلك‌ فأنزل‌ الله‌ عليه‌ ما يسري‌ عنه‌ من‌ قوله‌: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّـِن‌ أَلْفِ شَهْرٍ. وهي‌ مدّة‌ الدولة‌ الامويّة. فقد كانت‌ أيّامها خالصةً ثلاثاً وثمانين‌ سنةً وأربعة‌ أشهر مجموعها ألف‌ شهر سواء. [3]

 وقال‌ في‌ الحاشية‌ علی لفظ‌ الجفر: قال‌ ابن‌ قتيبة‌: هو جلد جفر ( معزي‌ أو شاة‌ أو عجل‌ ) ادّعوا أ نّه‌ قد كتب‌ لهم‌ الإمام‌ فيه‌ كلّ ما يحتاجون‌ إلی عمله‌ وكلّ ما يكون‌ إلی يوم‌ القيامة‌. ثمّ نقل‌ عنه‌ أمثلة‌ من‌ تفسيرهم‌ هي‌ من‌ الاكاذيب‌ المختلقة‌ لا نطيل‌ بنقلها. ثمّ أشار إلی ما في‌ « كشف‌ الظنون‌ » و « مقدّمة‌ ابن‌ خلدون‌ » ثمّ قال‌: وعندنا أنّ كلّ ذلك‌ موضوع‌ وباطل‌، وأنّ الكلام‌ فيه‌ أُسلوب‌ من‌ أساليب‌ القصص‌ والمبالغة‌. ولا نظنّ أنّ عِلم‌ ما كان‌ وما يكون‌ شي‌ء يسعه‌ أو يسع‌ الرمز إليه‌ جلد ثور. إلی آخر كلامه‌.

 قال‌ المرحوم‌ الامين‌: أقول‌: الظاهر من‌ الاخبار أنّ « الجفر» كتاب‌ فيه‌ العلوم‌ النبويّة‌ من‌ حلال‌ وحرام‌ وأحكام‌ وأُصول‌ ما يحتاج‌ الناس‌ إليه‌ في‌ أحكام‌ دينهم‌ وما يصلحهم‌ في‌ دنياهم‌. والاخبار عن‌ بعض‌ الحوادث‌. ويمكن‌ أن‌ يكون‌ فيه‌ تفسير بعض‌ المتشابه‌ من‌ القرآن‌ المجيد.

 وأمّا عدّ الجفر علماً من‌ العلوم‌ يُستنبَط‌ منه‌ علم‌ الحوادث‌ المغيبة‌ كما يفهم‌ من‌ « كشف‌ الظنون‌ » وغيره‌ ممّا مرّ وكما ارتكز في‌ أذهان‌ بعض‌ الناس‌، فلم‌ نطّلع‌ علی ما يؤيّده‌. وكيف‌ كان‌ فوجود كتاب‌ يسمّي‌ بـ « الجفر » منسوب‌ إلی أمير المؤمنين‌ علی عليه‌ السلام‌ متسالَمٌ عليه‌ بين‌ الشيعة‌ وأهل‌ السُّنّة‌، كما يعلم‌ ممّا سبق‌.

 فقول‌ الرافعي‌ّ: حتّي‌ فسَّـرَته‌ الروافـض‌ بالجفر إلی آخر ما نضـح‌ به‌ إناؤه‌ الذي‌ لا يمكن‌ أن‌ ينضـح‌ إلاّ بما فيه‌ سـخافة‌ منه‌ وسـوء دعـوي‌ فيما يدّعيه‌.

 أوّلاً: إنّ الشيعة‌ لم‌ تفسّر القرآن‌ بالجفر، وإنّما فسَّرَته‌ كما يفسّره‌ علماء المسلمين‌. ولم‌ يدّعوا علم‌ باطنه‌ بما وقع‌ إليهم‌ من‌ ذلك‌ الجفر، بل‌ لم‌يدّع‌ أحد منهم‌ أ نّه‌ وقع‌ إليه‌ ذلك‌ الجفر، ولا أنّه‌ رآه‌. نعم‌، رووا أ نّه‌ كان‌ عند أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌، فليأتنا الرافعيّ برجل‌ واحد من‌ الشيعة‌ قال‌: إنّ الجفر عنده‌، أو برجل‌ منهم‌ فسّر القرآن‌ بالجفر إن‌ كان‌ من‌ الصادقين‌. وهذه‌ تفاسير الشيعة‌ للقرآن‌ الكريم‌ معروفة‌ وأكثرها مطبوعة‌ كـ « تفسير القمّيّ »، و «مجمع‌البيان‌»، و « جوامع‌ الجامع‌ »، و « تفسير أبي‌ الفتوح‌ الرازي‌ّ »، و « البرهان‌ » للسيّد هاشم‌ البحرانيّ، و « التبيان‌ » للشيخ‌ الطوسيّ، و « تفسير العيّاشي‌ّ » وغيرها. فهل‌ يستطيع‌ الرافعيّ أن‌ يجد في‌ واحدٍ منها أنّ الشيعة‌ فسّرت‌ القرآن‌ بالجفر؟!

وأمّا قوله‌: واستنبط‌ منه‌ غيرهم‌ إشارات‌ من‌ الغيب‌... إلی آخره‌، فهو كسابقه‌ لاحقيقة‌ له‌. والحديث‌ الذي‌ أشار إليه‌ بقوله: كهذا الذي‌ ينسبونه‌ إلی الحسن‌... إلی آخره‌. معبّراً عنه‌ بعبارة‌ التوهين‌ والاستخفاف‌ هو حديث‌ يرويه‌ الثقات‌ عن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ أنّ الآية‌ الشريفة‌ نزلت‌ في‌ مدّة‌ ملك‌ بني‌ أُميّة‌، وليس‌ ذلك‌ مستنبطاً من‌ الجفر، ولابضروبٍ من‌ الحساب‌. [4]

ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی تُهم‌ الرافعي‌ّ

 فهذا الذي‌ ساء الرافعي‌ّ وعظم‌ عليه‌ أن‌ تكون‌ الآية‌ نازلة‌ في‌ ملك‌ أسياده‌ بني‌ أُميّة‌ الابرار الاتقياء أهل‌ الاعمال‌ المشهورة‌ في‌ الإسلام‌، فطفق‌ يعبّر بعبارة‌ الاستخفاف‌ بقوله‌: هَذَا الَّذِي‌ يَنْسِبُونَهُ... [5]

 وأمّا ما نقله‌ عن‌ ابن‌ قتيبة‌ وقلّده‌ فيه‌ كما هو الشأن‌ في‌ أكثر هذه‌ التقوّلات‌ التي‌ يودعونها كتبهم‌، فيقلّد فيها اللاحق‌ السابق‌ من‌ دون‌ تحقيق‌ ولاتمحيص‌. فقوله‌: « إنّهم‌ ادّعوا أ نّه‌ كتب‌ لهم‌ الإمام‌ فيه‌ كلّ ما يحتاجون‌ إلی علمه‌... إلی آخره‌ » غير صحيح‌، إذ لم‌ يدّع‌ أحد منهم‌ ذلك‌. وإنّما رويت‌ روايات‌ مسندة‌، ومرّ طرف‌ منها تتضمّن‌ وجود ذلك‌ عند أمير المؤمنين‌ والائمّة‌ من‌ ولده‌ عليه‌ وعليهم‌ السلام‌، فنقلوها كما رويت‌ لهم‌ ونقلها علماء أهل‌ السُّنّة‌ وأيّدوها كما سمعت‌ عن‌ « كشف‌ الظنون‌ » وابن‌ خلدون‌!

 ولكن‌ الشِّنشِنَةَ الاَخزَميَّةَ فيما إذا ورد شي‌ء فيه‌ كرامة‌ لاهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ أبت‌ أن‌ تقبل‌ ذلك‌ أو تسكت‌ عنه‌ أو تتناوله‌ بغير التكذيب‌ أو الاستبعاد أو القدح‌ أو نحو ذلك‌. فحملت‌ الرافعيَّ علی أن‌ يقول‌: وعندنا أنّ كلّ ذلك‌ موضوع‌ وباطل‌... إلی آخره‌، معرضاً عن‌ كلّ ما نقله‌ العلماء، وأيّده‌ ابن‌ خلدون‌ ممّا ليس‌ قابلاً للدفع‌ ممّا عرفتَ.

 ولا يظنّ الرافعيّ أنّ علم‌ ما كان‌ ويكون‌ يسعه‌ أو يسع‌ الرمز إليه‌ جلد ثور كأ نّه‌ يريد جميع‌ ما يحدث‌ في‌ الكون‌ حتّي‌ النفخ‌ في‌ الرماد، ولايكتفي‌ بالرمز إلی مهمّات‌ الاُمور. لا يظنّ الرافعيّ ذلك‌، لا نّه‌ منقول‌ عن‌ أهل‌ البيت‌، مفاتيح‌ باب‌ مدينة‌ العلم‌. ويقول‌ في‌ حاشية‌ كتابه‌ المذكور بعد هذا الكلام‌ بلافاصل‌ ما حاصله‌ أنّ الملك‌ نور الدين‌ محمود بن‌ زنكي‌ عمل‌ منبراً لبيت‌ المقدس‌ قبل‌ فتحه‌ بنيّف‌ وعشرين‌ سنة‌. وأنّ صاحب‌ الروضتين‌ ذكر أنّ هذا قد يكون‌ كرامة‌. وأنّه‌ اطّلع‌ علی ما ذكره‌ أبو الحكم‌ ابن‌ برجان‌ الاندلسيّ في‌ تفسيره‌، فإنّه‌ أخبر عن‌ فتح‌ القدس‌ في‌ سنة‌ كذا، وعمر نور الدين‌ إحدي‌ عشرة‌ سنة‌، فكان‌ كما أخبر؛ وأنّه‌ من‌ عجائب‌ ما اتّفق‌ لهذه‌ الاُمّة‌ المرحومة‌.

 كلّ هذا يعتقده‌ الرافعي‌ّ ويجزم‌ به‌. ولا يظنّ أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يمكن‌ أن‌ يملي‌ علی ابن‌ عمّه‌ وباب‌ مدينة‌ علمه‌ علم‌ ما كان‌ وما يكون‌ في‌ جلد ثور. وما أحسن‌ ما قال‌ المعرّي‌ّ:

لَقَدْ عَجِبُوا لاِهْلِ البَيْتِ لَمَّا                         أَرَوْهُمْ عِلْمَهُم‌ فِي‌ مَسْكِ جَفْرِ

وَمِرآةُ المُنَجِّمِ وَهِي‌َ صُغْرَي‌                  أَرَتْهُ كُلَّ عَامِرَةٍ وَقَفْرِ

 إنّ جميع‌ الموضوعات‌ التي‌ ذكرناها من‌ أوّل‌ الصفحة‌ إلی هنا نقلناها عن‌ كتاب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » لآية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العامليّ، ج‌1، ص‌338 إلی 350، الطبعة‌ الثانية‌، سنة‌ 1363 ه، مطبعة‌ ابن‌ زيدون‌ بدمشق‌. وكانت‌ هذه‌ الطبعة‌ في‌ حياة‌ ذلك‌ العالم‌ الجليل‌ وبإشرافه‌ ومباشرته‌.

تحريف‌ السيّد حسن‌ الامين‌ كتاب‌ أبيه‌ «أعيان‌ الشيعة‌»

 بَيْدَ أنّنا نلحظ‌ في‌ الطبعة‌ الرابعة‌ التي‌ تمّت‌ سنة‌ 1380 ه في‌ مطبعة‌ الإنصاف‌ ببيروت‌ بمسؤوليّة‌ نجله‌ السيّد حسن‌ الامين‌ بعد وفاة‌ والده‌، أنّ السيّد حسن‌ حصر تلك‌ الموضوعات‌ في‌ صفحة‌ وقسم‌ قليل‌ من‌ صفحة‌ ثانية‌، أي‌: من‌ آخر ص‌ 244 إلی أوائل‌ 246، من‌ الجـزء الاوّل‌. وطالـت‌ يد التحريف‌ تلك‌ الموضوعات‌ إلی درجة‌ أ نّنا لا نتصوّر أ نّها هي‌ نفسها.

 أوّلاً: حذف‌ السيّد حسن‌ في‌ أوّل‌ الموضوع‌، ص‌ 338، عبارة‌ المحقّق‌ الشريف‌ في‌ « شرح‌ المواقف‌ »، إذ يقول‌: إنَّ الجَفْر وَالجَامِعَةَ كِتَابَانِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ ذُكِرَ فِيهِمَا عَلَی طَرِيقَةِ عِلْمِ الحُرُوفِ الحَوَادِثُ إلَی انْقِضَاءِ العَالَمِ، وَكَانَ الاَئِمَّةُ المَعْرُوفُونَ مِنْ أَوْلاَدِهِ يَعْرِفُونَهُمَا وَيَحْكُمُونَ بِهِمَا ـ انتهي‌. في‌ حين‌ أنّ كلامه‌ هنا مهمّ جدّاً وله‌ قيمته‌ التامّة‌ من‌ حيث‌ الاستناد إليه‌.

 ثانياً: أسقط‌ جميع‌ الاحاديث‌ الواردة‌ التي‌ نُقلت‌ من‌ « بصائر الدرجات‌ » للاستشهاد بها علی الموضوع‌، وهي‌ التي‌ استوعبت‌ الصفحات‌ 339 إلی 343 ما عدا ص‌ 340 التي‌ يقول‌ فيها: ومنها ما يدلّ علی أ نّه‌ جلد ثَوْر... إلی آخره‌.

 ثالثاً: حذف‌ عبارته‌ في‌ أواخر ص‌ 343: بعضها علی أنّه‌ جلد شاةٍ أو جلد بعير، إلی ما يقرب‌ من‌ نصف‌ صفحة‌.

 رابعاً: أسقط‌ كلام‌ صاحب‌ « كشف‌ الظنون‌ »، وكلام‌ ابن‌ خلدون‌ في‌ مقدّمته‌، في‌ حين‌ أنّه‌ شغل‌ ثلاث‌ صفحات‌ تامّة‌ من‌ الكتاب‌. وكلّه‌ تصديق‌ بالعلوم‌ الغيبيّة‌ والمكاشفات‌ الإلهيّة‌ للائمّة‌ الطاهرين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌. ويعدّ دليلاً قويّاً ثابتاً يتوكّأ عليه‌ الشيعة‌ للردّ علی كلام‌ العامّة‌.

 خامساً: حذف‌ كلام‌ مصطفي‌ صادق‌ الرافعيّ المصريّ في‌كتاب‌ « بلاغة‌ القرآن‌ » الذي‌ تجرّأ فيه‌ علی الشيعة‌، وعدّ تفاسيرهم‌ مستوحاة‌ من‌ الجفر، وذكر سبطَ النبيّ الاكرم‌ الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ بالاستخفاف‌ والامتهان‌، وكان‌ المرحوم‌ والده‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ قد فنّد كلامه‌ بعد ذكره‌، وأخزاه‌ في‌ ثلاث‌ صفحاتٍ تامّة‌، وكشف‌ عن‌ مختلقاته‌ وأحابيله‌ وأباطيله‌ كما لاحظنا ذلك‌ في‌ سطور متقدّمة‌، ولقد دافع‌ عن‌ ساحة‌ الولاية‌ وحريم‌ التشيّع‌ حقّاً.

 وصفوة‌ القول‌ أ نّه‌ بتر موضوعات‌ المرحوم‌ والده‌ البالغة‌ اثنتي‌ عشرة‌ صفحة‌ تامّة‌، واختزلها في‌ صفحة‌ وعدد من‌ السطور، بل‌ مثّل‌ بها إن‌ صحّ التعبير.

 ولا مسوّغ‌ لهذا العمل‌ إلاّ خيانة‌ الحقّ والحقيقة‌، وتحريف‌ كلام‌ الاب‌، ولمز التشيّع‌، والانحياز إلی جانب‌ المخالفين‌. وهل‌ يمكننا أن‌ نتصوّر شيئاً غير هذا؟!

 ولم‌ يزوّر هذا الموضوع‌ فحسب‌، بل‌ زوّر جميع‌ مباحث‌ المرحوم‌ السيّد محسن‌ الامين‌ في‌ كتاب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » بأجزائه‌ كلّها. وحذف‌ المطالب‌ النفيسة‌ التي‌ تصون‌ معقل‌ التشيّع‌، وتذبّ عنه‌ هجمات‌ المناوئين‌. حتّي‌ نلحظ‌ أنّه‌ بدّل‌ وغيّر بعض‌ العبارات‌، ولا يُحْمَل‌ ذلك‌ إلاّ علی التحريف‌ والتصحيف‌ الصريح‌.

 والانكي‌ من‌ ذلك‌ كلّه‌ والاعجب‌ والافظع‌ هو تجرّؤه‌ علی إسقاط‌ اسم‌ الإمام‌ المهديّ عليه‌ السلام‌. وقد حذف‌ بحث‌ المرحوم‌ والده‌ حول‌ الإمام‌ المهديّ عليه‌ السلام‌ من‌ كتاب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » بشكل‌ صريح‌ وواضح‌. وعدّ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ أحد عشر إماماً، إذ ختم‌ باب‌ الإمامة‌ في‌ كلام‌ أبيه‌ بالإمام‌ الحسن‌ العسكري‌ّ عليه‌ السلام‌.

 وكان‌ المرحوم‌ السيّد محسن‌ الامين‌ قدجعل‌ الجزء الرابع‌ من‌ كتابه‌ قسمين‌: الاوّل‌: في‌ سيرة‌ الحسن‌، والحسين‌، وزين‌ العابدين‌، والباقر، والصادق‌ عليهم‌ السلام‌. الثاني‌: في‌ سيرة‌ الائمّة‌ الآخرين‌ اعتباراً من‌ الإمام‌ الكاظم‌ حتّي‌ الإمام‌ المهدي‌ّ صاحب‌ الزمان‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌.

 ويتحدّث‌ القسم‌ الثاني‌ الذي‌ يبدأ من‌ الصفحة‌ الاُولي‌ حتّي‌ الصفحة‌ 325، عن‌ سيرة‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر، والائمّة‌ من‌ بعده‌ حتّي‌ الإمام‌ العسكريّ عليهم‌ السلام‌ جميعاً. وقد استوعب‌ الصحفه‌ 326 حتّي‌ آخر الكتاب‌ حيث‌ الصفحة‌ 540 من‌ الطبعة‌ الاُولي‌ سنة‌ 1356 ه بمطبعة‌ ابن‌ زيدون‌ بدمشق‌. وطبع‌ الكتاب‌ بهذه‌ المواصفات‌ في‌ زمن‌ المرحوم‌ السيّد الامين‌.

 أمّا بعد وفاته‌، فإنّ نجله‌ السيّد حسن‌ الذي‌ أعاد طبع‌ الكتاب‌، قد حذف‌ البحث‌ الذي‌ يدور حول‌ الإمام‌ المهديّ عليه‌ السلام‌ بأكمله‌، وختم‌ الكتاب‌ بسيرة‌ الإمام‌ الحسن‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌.

 ولمّا كان‌ ينبغي‌ أن‌ تحذف‌215 صفحة‌ من‌ القسم‌ الثاني‌ من‌ الجزء الرابع‌، ممّا سيجعل‌ الكتاب‌ صغيراً عندئذٍ، فإنّه‌ أورد مقداراً من‌ القسم‌ الاوّل‌ في‌ القسم‌ الثاني‌ لئلاّ يشعر أحد بالمقدار المحذوف‌.

 في‌ ضوء ذلك‌ نلحظ‌ في‌ الطبعة‌ الثالثة‌ للكتاب‌ التي‌ تمّت‌ بعد وفاة‌ المؤلّف‌ أنّ القسم‌ الاوّل‌ من‌ الجزء الرابع‌ يحوم‌ حول‌ سيرة‌ الحسن‌، والحسين‌، وزين‌ العابدين‌ عليهم‌ السلام‌. أمّا القسم‌ الثاني‌ فإنّه‌ يدور حول‌ سيرة‌ سائر الائمّة‌ اعتباراً من‌ الباقر حتّي‌ العسكريّ عليهم‌ السلام‌.

 ولهذا نجد في‌ الطبعة‌ المذكورة‌ التي‌ أنجزتها مطبعة‌ الإنصاف‌ ببيروت‌ سنة‌ 1380ه أنّ السيّد حسن‌ ختم‌ القسم‌ الثاني‌ من‌ الجزء الرابع‌، ص‌ 194 بسيرة‌ الإمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌. وذكر في‌ هذه‌ الصفحة‌ قصّة‌ سرقة‌ حرم‌ الإمامين‌ العسكريّين‌ عليهما السلام‌. وفيها كانت‌ خاتمة‌ الكتاب‌.

 إنّها لخيانة‌ عظمي‌ وذنب‌ لايغتفر، إذ يتلاعب‌ الإنسان‌ بكتابٍ صنّفه‌ عالم‌ جليل‌، ويطبعه‌ باسمه‌ وبإملائه‌. ثمّ لمّا كان‌ هذا الإنسان‌ لايقرّ بإمام‌ العصر والزمان‌، فإنّه‌ ينسب‌ ذلك‌ إلی أبيه‌ العالم‌ الشيعي‌ّ المجاهد المعاني‌ المتوفّي‌ العاجز عن‌ الكلام‌، ويختم‌ الإمامة‌ بالعسكري‌ّ علی لسانه‌ وقلمه‌، ويعرّف‌ العالم‌ بأبيه‌ علی أ نّه‌ أَحَدَ عَشَرِيّ ( يؤمن‌ بأحد عشر إماماً ).

 هل‌ تعلم‌ أنّ هذه‌ القضيّة‌ في‌ منتهي‌ الاهمّيّة‌؟! ولا أخال‌ أنّ جريمة‌ تفوق‌ هذه‌ الجريمة‌ شدّة‌ ونُكراً!

 أوه‌ يا عزيزي‌! إذا كنتَ لا تقرّ بإمام‌ العصر والزمان‌، فلا تقرّ به‌! طوبي‌ لك‌! وإن‌ كانت‌ عينك‌ لا تبصر، فلتكن‌ كذلك‌! واعلم‌ أنّ أحداً لايريد منك‌ ومن‌ أمثالك‌ المتغرّبين‌ أن‌ تفهموا ذلك‌ وتعوه‌؛ ولكن‌ لماذا تنسب‌ ذلك‌ إلی عالم‌ جليل‌، ومرجع‌ عظيم‌، ومؤلّف‌ مشهور من‌ مؤلّفي‌ الشيعة‌، ورجل‌ قد كابد وعاني‌ وتجاوز عمره‌ الثمانين‌ بين‌ الكتب‌ والمكتبات‌ والتصنيف‌ والعبادات‌ والزيارات‌ و...؟!

 لماذا تحذف‌ اسم‌ الإمام‌ المهديّ مفترياً ذلك‌ علی لسانه‌ وقلمه‌؟! ولماذا تشطب‌ علی ذلك‌ باطلاً؟! انكر ما شئت‌ في‌ المؤتمرات‌ واللقاءات‌ التي‌ تجمعك‌ مع‌ أترابك‌ البيروتيّين‌ والجامعيّين‌ المتفرنجين‌ المتغرّبين‌! وأ لِّف‌ باسمك‌ كتاباً ودائرة‌ معارف‌ ولا تذكر اسم‌ الإمام‌! فلن‌ يؤاخذك‌ ولم‌يتعرّض‌ لك‌ أحد. ولِمَ ذاك‌؟ لا نّنا شهدنا هذا وأمثاله‌ من‌ ضروب‌ الهتك‌ والامتهان‌ حتّي‌ أنّ الإنسان‌ ليخجل‌ من‌ متابعة‌ ذلك‌ والجواب‌ عنه‌ ومحاججته‌ بسبب‌ عزّة‌ وجوده‌، وشرف‌ عمره‌ ووقته‌.

 بَيدَ أنْ نسبته‌ إلی السيّد محسن‌ الامين‌ صاحب‌ « أعيان‌ الشيعة» ذلك‌ المجتهد الجليل‌ الواعي‌، وتحريف‌ كلامه‌، وحذف‌ 225 صفحة‌ من‌ كتابه‌ وهي‌ التي‌ تحوم‌ حول‌ قائم‌ آل‌ محمّد، والحطّ من‌ شأن‌ هذه‌ الموسوعة‌ الاصيلة‌ التي‌ خطّها يراعه‌، وتعريفه‌ للعالم‌ علی أنّه‌ أحد عشريّ، كلّ ذلك‌ ذنب‌ لايغتفر. وأيم‌ الله‌ إنّها خيانة‌ عظمي‌.

 ومن‌ الطبيعيّ أنّي‌ لا أظنّ انفرادي‌ بالاطّلاع‌ علی هذه‌ الاُمور بعد سنين‌ طويلة‌ من‌ الفحص‌ والتتبّع‌ والمقابلة‌ بين‌ طبعات‌ صاحب‌ « الاعيان‌ » وطبعات‌ وَلَدِهِ. فكتاب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » كتاب‌ عالميّ، يعدّ من‌ أُمّهات‌ المصادر الشيعيّة‌، فلا ريب‌ في‌ أنّ الكثيرين‌ قد اطّلعوا علی هذه‌ الجريمة‌، ومارسوا ضغوطهم‌ علی معيد طبع‌ الكتاب‌ ليري‌ نفسه‌ مضطراً إلی الحديث‌ عن‌ سيرة‌ الإمام‌ المهديّ صاحب‌ الزمان‌ عليه‌ السلام‌. ولكنّه‌ لمّا كان‌ قد ختم‌ القسم‌ الثاني‌ من‌ الجزء الرابع‌ بسيرة‌ الإمام‌ الحسن‌ العسكري‌ّ عليه‌ السلام‌. فإنّه‌ جعل‌ هذا البحث‌ في‌ القسم‌ الثالث‌ من‌ الجزء المذكور مقسوراً علی ذلك‌. وطبعه‌ في‌ مطبعة‌ دار التعارف‌ للمطبوعات‌ ببيروت‌ تحت‌ عنوان‌: القسم‌ الثالث‌ من‌ الجزء الرابع‌ بلا تأريخ‌. بَيدَ أنّه‌ حذف‌ وغيّر وبدّل‌ أيضاً. وهذه‌ حقيقة‌ ملحوظة‌ من‌ خلال‌ تطبيق‌ هذا القسم‌ مع‌ الاصل‌. وطبع‌ هذا القسم‌ في‌ كتاب‌ ذي‌ 155 صفحة‌ وخُتم‌ بتوقيع‌ المؤلِّف‌ في‌ الهامش‌ الاخير.

تحريف‌ وجريمة‌ أُخري‌ للسيّد حسن‌ الامين‌

جريمة‌ جديدة‌ مبتكرة‌

 يبدو أنّ عقدة‌ السيّد حسن‌ الامين‌ من‌ إنكار إمام‌ العصر والزمان‌ ظلّت‌ ملازمة‌ له‌ حتّي‌ مع‌ طبعه‌ الاضطراري‌ّ لسيرة‌ الإمام‌؛ لهذا قام‌ بتدوين‌ دائرة‌ معارف‌ مستقلّة‌ باسمه‌، لا باسم‌ أبيه‌. وإنّي‌ أقتني‌الطبعة‌ الاُولي‌ لهذه‌ الموسوعة‌ البالغة‌ ثمانية‌ أجزاء وعنوانها: « دائرة‌ المعارف‌ الإسلاميّة‌ الشيعيّة‌ ». وأُعيد طبع‌ الجزء الاوّل‌ في‌ بيروت‌ سنة‌ 1393 ه، والجزء الثامن‌ فيها أيضاً سنة‌ 1394ه.

 وقد خصّص‌ الجزء الثاني‌ كلّه‌ [6] لسيرة‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌، وقال‌ في‌ أوّله‌: هذا هو الجزء الثاني‌ من‌ «دائرة‌ المعارف‌ الإسلاميّة‌ الشيعيّة‌» يتضمّن‌ بقيّة‌ سِيَر الائمّة‌ ثمّ نبتدي‌ البحوث‌ مرتَّبةً علی حروف‌ المعجم‌.

 ثمّ بدأ يتحدّث‌ عن‌ سيرة‌ الزهراء عليها السلام‌، فالحسن‌ المجتبي‌، فالائمّة‌ من‌ بعده‌ حتّي‌ الإمام‌ العسكريّ عليهم‌ السلام‌ جميعاً. وتشتمل‌ كلّ صفحة‌ علی ثلاثة‌ أعمدة‌. وختم‌ سيرة‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ بالإمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌ في‌ ص‌ 4، ولم‌ يذكر كلمة‌ واحده‌ عن‌ إمام‌ العصر والزمان‌ وبعد أن‌ تحدّث‌ عن‌ السيّد محمّد باقر الصدر تحت‌ عنوان‌: دور الائمّة‌ في‌ الحياة‌ الإسلاميّة‌، وختم‌ حديثه‌ في‌ الصفحة‌ 97، فإنّه‌ شرع‌ بالحديث‌ من‌ ص‌98 حسب‌ حروف‌ المعجم‌، وجعل‌ أوّل‌ حرف‌ من‌ حروف‌ المعجم‌: « آب‌ حيات‌ ». ثمّ واصل‌ كلامه‌ وفقاً لترتيب‌ حروف‌ المعجم‌.

 أجل‌، إنّه‌ لم‌ يذكر اسم‌ بقيّة‌ الله‌ الاعظم‌، وختم‌ حديثه‌ عن‌ أئمّة‌ الشيعة‌ بالإمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌ في‌ أنّ عنوان‌ كتابه‌: « دائرة‌ المعارف‌ الشيعيّة‌ »، وهو للتعريف‌ بمذهب‌ الشيعة‌، والقصد من‌ الشيعة‌ هنا هم‌ الشيعة‌ الاثنا عشريّة‌ لا الاحد عشريّة‌.

 هل‌ من‌ الصحيح‌ أن‌ يؤلّف‌ الإنسان‌ دائرة‌ معارف‌ باسم‌ طائفة‌ من‌ الطوائف‌. ثمّ يتصرّف‌ في‌ معتقداتها من‌ عنده‌، ثمّ ينسب‌ ذلك‌ إليها؟!

 إنّ كلامنا مع‌ هذا الرجل‌ بل‌ كلام‌ كلّ إنسان‌ عادي‌ّ عامي‌ّ معه‌ هو: لاتعتقد بوجود إمام‌ العصر والزمان‌! لكن‌ لماذا تنسب‌ ذلك‌ إلی الشيعة‌؟! وتختم‌ كلامك‌ في‌ التعريف‌ بأئمّة‌ الشيعة‌ عليهم‌ السلام‌ بالإمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌؟!

 نحن‌ لا نقول‌ لك‌: كن‌ شيعيّاً اثني‌ عشريّاً! ولا نقول‌: كن‌ مسلماً! نفرض‌ أ نّك‌ يهوديّ أو نصرانيّ لا يعتقد بالرسالة‌ الإسلاميّة‌ أبداً، فضلاً عن‌ الاعتقاد بولاية‌ وخاتميّة‌ بقيّة‌ الله‌ الاعظم‌ عجلّ الله‌ تعالي‌ فرجه‌ المبارك‌، فإنّ اليهوديّ أو النصرانيّ إذا أراد أن‌ يكتب‌ عن‌ عقيدة‌ قوم‌ ما، فإنّه‌ لايستطيع‌ أن‌ يُدخل‌ عقائده‌ الخاصّة‌ فيها، ويعدّ عقيدتهم‌ مزيجاً منها ومن‌ عقيدته‌، ومن‌ ثم‌ يقدّمها إلی المجتمع‌. وعلي‌ الشعوب‌ المختلفة‌ أن‌ تراعي‌ هذه‌ القاعدة‌ الصحيحة‌ في‌ التفتيش‌ عن‌ عقائد كلّ قوم‌ وتقاليدهم‌.

 ولا وزن‌ للمستشرقين‌ الذين‌ قاموا ببحث‌ عقائد الشرقيّين‌ وتحريرها وتقريرها وتدوينها فأضافوا إليها أشياء من‌ عندهم‌ أو نقّصوا منها أو غيّروا في‌ بيانها. فأمثال‌ هؤلاء بلا هويّة‌ ولا شخصيّة‌ في‌ دنيا العِلم‌. ويأتي‌ مستشرق‌ آخر فيبطل‌ كلام‌ المستشرق‌ الذي‌ سبقه‌، ويدلّ علی مواضع‌ تحريفه‌. أمّا المستشرقون‌ الاُصلاء ـوهم‌ قليلون‌ جدّاًـ فإنّهم‌ لايدعون‌ البحث‌ والتنقيب‌، وما لم‌ يوقنوا في‌ استقرائهم‌ وفحصهم‌، فلا ينسبون‌ شيئاً إلی قومٍ ما، ويتّخذون‌ موقف‌ الحياد تماماً، ولا يضيفون‌ إلی عقائد الآخرين‌ شيئاً من‌ آرائهم‌ وأفكارهم‌ وأهوائهم‌، ولا يمزجون‌ عقائدهم‌ بها؛ فكيف‌ بشخصٍ إذا كانت‌ له‌ شخصيّته‌ وسمعته‌ فبفضل‌ أبيه‌ العظيم‌ الذي‌ لو قُطِّع‌ إرباً إرباً لَما أنكر صاحب‌ الامر والزمان‌؟! ثمّ يأتي‌ هذا الشخص‌، فيحطّم‌ أصل‌ ذلك‌ وركنه‌ ودعامته‌ في‌ دائرة‌ معارفه‌ الشيعيّة‌، ويزعم‌ أنّ الشيعة‌ بُتر لاولي‌ّ لهم‌ ولاقيِّم‌ يقيم‌ شؤونهم‌ ولا صاحب‌ اختيار يتولّي‌ أمرهم‌ خلافاً للنصوص‌ الصريحة‌ المأثورة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ والائمّة‌ واحداً بعد الآخر، وعلي‌ عكس‌ مشاهدة‌ أصحاب‌ اليقين‌ ولقائهم‌، ثمّ ينسب‌ هذه‌ العقيدة‌ إليهم‌. إنّ هذا المنطق‌ عند أُولي‌ البصائر منطق‌ عفن‌ برائحة‌ التجدّد والتغرّب‌ والانسلاخ‌ عن‌ الاصالة‌ العائليّة‌، وملوّث‌ بالآراء السخيفة‌ لزعانف‌ ضيّقي‌ الاُفق‌.

 ويبدو أيضاً أنّ السيّد حسن‌ الامين‌ شعر أ نّه‌ سيواجه‌ انتقادات‌ بسبب‌ حذفه‌ اسم‌ بقيّة‌ الله‌ الاعظم‌ من‌ دائرة‌ معارفه‌، فذكر سبعة‌ أسطر قصيرة‌ عن‌ الإمام‌ ليصون‌ نفسه‌ من‌ هجمات‌ المهاجمين‌، وكان‌ ذلك‌ في‌ الطبعة‌ المعادَة‌ الواقعة‌ في‌ ثلاثة‌ مجلّدات‌ ضخمة‌ تشمل‌ اثني‌ عشر جزءاً، ويستوعب‌ المجلّد الاوّل‌ منها أربعة‌ أجزاء من‌ الطبعة‌ الاُولي‌. وهذه‌ الطبعة‌ هي‌ الطبعة‌ الثالثة‌ التي‌ أنجزتها دار التعارف‌ ببيروت‌ سنة‌ 1401 ه. وذكر السيّد ذلك‌ في‌ المجلّد الاوّل‌، القسم‌ الثاني‌ بعد أن‌ أورد نفس‌ المعلومات‌ الموجودة‌ في‌ الطبعة‌ الاُولي‌ عن‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ حتّي‌ الإمام‌ الحسن‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌. وختمها في‌ ص‌ 62. ثمّ قال‌ بعدها ما نصّه‌:

مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ المَهْدِي‌ّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

 « ولد سنة‌ 255 ه بسامرّاء في‌ أيّام‌ المعتمد، ولم‌ يخلّف‌ أبوه‌ ولداً غيره‌ وكانت‌ سنّه‌ عند وفاة‌ أبيه‌ خمس‌ سنين‌. وكان‌ سفراؤه‌ في‌ الغيبة‌ الصغري‌ عثمان‌ بن‌ سعيد، ثمّ ابنه‌ محمّد بن‌ عثمان‌، ثمّ الحسين‌ بن‌ روح‌، ثمّ علي‌ّبن‌ محمّد السَّمُريّ. وكان‌ مولده‌ وانقطاع‌ السفارة‌ أربع‌ وسبعين‌ سنة‌ ».

 ويُلاحَظ‌ في‌ هذا الكلام‌ أنّ المؤلّف‌ لم‌ يذكر فيه‌ لقب‌ صاحب‌ الامر أو صاحب‌ الزمان‌ أو بقيّة‌ الله‌ وأمثالها، ولم‌ يُشِرْ إلی حياته‌ وطول‌ عمره‌ وما وقع‌ له‌، و غير ذلك‌ في‌ حين‌ نجد أ نّه‌ ملا المجلّدات‌ الثلاثة‌ الضخمة‌ لدائرة‌ معارفه‌ البالغة‌ اثني‌ عشر جزءاً من‌ الطبعة‌ الاُولي‌ بشتّي‌ الموضوعات‌.

 أجل‌، إنّ قصدنا من‌ ذكر هذا الموضوع‌ هو أن‌ يعلم‌ الاصدقاء والاحبّة‌ من‌ طلاّب‌ العلوم‌ الدينيّة‌ الاعزّاء أنّ طبعات‌ كتاب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » التي‌ أنجزها السيّد حسن‌ كلّها محرّفة‌ ولا اعتبار لها. وعليهم‌ أن‌ يراجعوا الطبعات‌ الاُولي‌ التي‌ تمّت‌ في‌ حياة‌ المرحوم‌ والده‌ من‌ أجل‌ دراساتهم‌ وتحقيقاتهم‌، ويتّخذوها مصدراً لابحاثهم‌ العلميّة‌.

 ويجب‌ أن‌ لا نتوقّع‌ من‌ السيّد حسن‌ الامين‌ أكثر من‌ هذا، وهو الذي‌ صدّر الكتاب‌ بصورته‌ التي‌ يُشاهَد فيها هندامه‌ الغربيّ، وذقنه‌ الحليق‌، ورباطه‌ النصرانيّ. وينبغي‌ التثبّت‌ من‌ موضوعاته‌ المنقولة‌ ومقايستها بموضوعات‌ صاحب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ »، وإلاّ فهي‌ كلّها لا وزن‌ لها. يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إِن‌ جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو´ا أَن‌ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَـ'لَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَي‌' مَا فَعَلْتُمْ نَـ'دِمِينَ. [7]

كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ الجفر

 لقد ذكر الشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ الجَفر في‌ كتاب‌ « الشيعة‌ والتشيّع‌ » فقال‌:

 جاء في‌ بعض‌ مؤلّفات‌ السُّنّة‌ والشيعة‌ أنّ عند أهل‌ البيت‌ عِلم‌ الجفر، وأ نّهم‌ يتوارثونه‌ إماماً عن‌ إمام‌ إلی جدّهم‌ الرسول‌ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. ومِن‌ كُتب‌ السنّة‌ التي‌ جاء فيها ذكر الجفر: « المواقف‌ » للإيجيّ، وشرحه‌ للجرجانيّ الحنفيّ، و « الفصول‌ المهمّة‌ » لابن‌ الصبّاغ‌ المالكيّ. وقال‌ أبو العلاء المعرّي‌ّ....

 ( ونقل‌ المرحوم‌ مغنية‌ بيتَي‌ الشاعر المذكور، وكنّا قد أوردناهما سابقاً عن‌ « أعيان‌ الشيعة‌ »، ثمّ قال‌ بعد ذلك‌: ) ونفي‌ أفراد من‌ السنّة‌ والشيعة‌ ذلك‌، ولم‌يعتقدوا بشي‌ء يسمّي‌ الجفر عند أهل‌ البيت‌، ولا عند غيرهم‌.

 ما هو علم‌ الجفر؟

 واختلف‌ القائلون‌ بوجود الجفر في‌ تفسير معناه‌: فمن‌ قائل‌ بأنّه‌ نوع‌ من‌ علم‌ الحروف‌ تستخرج‌ به‌ معرفة‌ ما يقع‌ من‌ الحوادث‌ في‌ المستقبل‌. ومن‌ قائل‌ بأ نّه‌ كتاب‌ من‌ جلد، [8] فيه‌ بيان‌ الحلال‌ والحرام‌، وأُصول‌ ما يحتاج‌ إليه‌ الناس‌ من‌ الاحكام‌ التي‌ فيها صلاح‌ دينهم‌ و دنياهم‌. [9] وعلي‌ هذا فلايمتّ الجفر إلی الغيب‌ بصلة‌.

 ومن‌ الطريف‌ أن‌ يقول‌ عالم‌ كبير من‌ علماء الاحناف‌، وهو الشريف‌ الجرجانيّ بالاوّل‌، وأنّ الجفر الذي‌ عند أهل‌ البيت‌ تستخرج‌ منه‌ الحوادث‌ الغيبيّة‌، وأن‌ يخالفه‌ في‌ ذلك‌ عالم‌ كبير من‌ الإماميّة‌، وهو السيّد محسن‌ الامين‌، ويقول‌ بالثاني‌، وإنّه‌ علم‌ الحلال‌ والحرام‌ فقط‌.

 قال‌ الجرجانيّ في‌ كتاب‌ « المواقف‌ » وشرحه‌، ج‌ 6، ص‌ 22، ما نصّه‌ بالحرف‌:

 « الجفر » و « الجامعة‌ » كتابان‌ لعليّ رضي‌ الله‌ عنه‌، وقد ذكر فيهما علی طريقة‌ علم‌ الحروف‌ الحوادث‌ إلی انقراض‌ العالم‌. وكان‌ الائمّة‌ المعروفون‌ من‌ أولاده‌ يعرفونهما ويحكمون‌ بهما.

 وقال‌ السيّد محسن‌ الامين‌ في‌ كتاب‌ « نقض‌ الوشيعة‌ » ص‌295: ليس‌ الجفر علماً من‌ العلوم‌ وإن‌ توهّم‌ ذلك‌ كثيرون‌، ولا هو مبنيّ علی جداول‌ الحروف‌، ولا ورد به‌ خبر ولا رواية‌ ـ إلی أن‌ قال‌: ـ ولكنّ الناس‌ توسّعوا في‌ تفسيره‌، وقالوا فيه‌ أقاويل‌ لا تستند إلی مستند. شأنهم‌ في‌ أمثال‌ ذلك‌.

 وقال‌ في‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » القسم‌ الاوّل‌، ج‌ 1، ص‌ 246، طبعة‌ 1960م‌: الظاهر من‌ الاخبار أنّ الجفر كتاب‌ فيه‌ العلوم‌ النبويّة‌ من‌ حلال‌ وحرام‌، وما يحتاج‌ إليه‌ الناس‌ في‌ أحكام‌ دينهم‌، وصلاح‌ دنياهم‌. [10]

 السيّد الامين‌ الذي‌ تثق‌ الإماميّة‌ كافّة‌ بعلمه‌ ودينه‌ ينفي‌ الجفر بمعني‌ علم‌ الغيب‌ عن‌ أهل‌ البيت‌، ويثبته‌ عَلَمٌ من‌ أعلام‌ الاحناف‌، ويقول‌: عِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا يَحْدُثُ إلَی انْقِرَاضِ العَالَمِ.

 وبهذا يتبيّن‌ ما في‌ قول‌ الشيخ‌ أبي‌ زهرة‌ وغيره‌ من‌ الذين‌ جعلوا القول‌ بالجفر من‌ اختصاص‌ الإماميّة‌، ونسبوا لهم‌ الزعم‌ بأنّ أهل‌ البيت‌ يستخرجون‌ منه‌ علم‌ الغيب‌. إنّ غير الإماميّة‌ من‌ الفرق‌ الإسلاميّة‌ يدّعون‌ أمثال‌ ذلك‌، ثمّ ينسبونه‌ إلی الإماميّة‌، لا لشي‌ء إلاّ ليشنّعوا، ويهوّشوا، وكذلك‌ فعلوا في‌ دعوي‌ تحريف‌ القرآن‌ والنقص‌ منه‌، ودعوي‌ الإيحاء والإلهام‌.

 هذا، إلاّ أنّ مسألة‌ الجفر ليست‌ من‌ أُصول‌ الدين‌ ولا المذهب‌ عند الإماميّة‌، وإنّما هي‌ أمر نقلي‌ّ تماماً كمسألة‌ الرجعة‌، يؤمن‌ بها من‌ تثبت‌ عنده‌، ويرفضها إذا لم‌ تثبت‌، وهو في‌ الحالين‌ مسلم‌ سنّيّ إن‌ كان‌ سنّيّاً، ومسلم‌ شيعي‌ّ إن‌ كان‌ شيعيّاً. [11]

 ونلاحظ‌ في‌ كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌، والشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ نفي‌ علم‌ الجفر بمعني‌ خصوص‌ علم‌ الغيب‌ بطريق‌ الاستكشاف‌ للحوادث‌ المقبلة‌. علماً أ نّنا عرفنا أنّ عبارة‌ « الإخبار عن‌ بعض‌ الحوادث‌ » قد أُضيفت‌ في‌ « أعيان‌ الشيعة‌» ولكنّها حُذفت‌ في‌ « نقض‌ الوشيعة‌ » علی ما نقل‌ مغنية‌. وفي‌ هذا كلّه‌ مواضع‌ للتأمّل‌ والإشكال‌. وقبل‌ أن‌ نستعرض‌ تلك‌ المواضع‌، نري‌ من‌ الضروريّ أن‌ نبيّن‌ كلام‌ مغنية‌ في‌ علوم‌ الإمام‌، ثمّ نطرح‌ الإشكالات‌ المثارة‌ عليه‌، ونعرّج‌ بعد ذلك‌ علی الإشكال‌ الدائر حول‌ موضوع‌ بحثنا المتمثّل‌ بعلم‌ الجفر.

كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌

قال‌ مغنية‌ في‌ كتاب‌ « الشيعة‌ والتشيّع‌ » بعد كلام‌ موجز عن‌ علوم‌ الإمام‌: قال‌ الشريف‌ المرتضي‌ في‌ « الشافي‌ » ص‌ 188، ما نصّه‌ بالحرف‌: معاذ الله‌ أن‌ نوجب‌ للإمام‌ من‌ العلوم‌ إلاّ ما تقتضيه‌ ولايته‌، وأُسند إليه‌ من‌ الاحكام‌ الشرعيّة‌. وعلم‌ الغيب‌ خارج‌ عن‌ هذا.

 وقال‌ في‌ ص‌ 189: لا يجب‌ أن‌ يعلم‌ الإمام‌ بالحِرَف‌ والمهن‌ والصناعات‌، وما إلی ذاك‌ ممّا لا تعلّق‌ له‌ بالشريعة‌. إنّ هذه‌ يُرجَع‌ فيها إلی أربابها، وإنّ الإمام‌ يجب‌ أن‌ يعلم‌ الاحكام‌، ويستقلّ بعلمه‌ بها، ولايحتاج‌ إلی غيره‌ في‌ معرفتها، لا نّه‌ وليّ إقامتها وتنفيذها.

 وقال‌ الطوسي‌ّ في‌ « تلخيص‌ الشافي‌ » المطبوع‌ مع‌ الكتاب‌ المذكور، ص‌321: « يجب‌ أن‌ يكون‌ الإمام‌ عالماً بما يلزم‌ الحكم‌ فيه‌، ولايجب‌ أن‌ يكون‌ عالماً بما لا يتعلّق‌ بنظره‌ » كالشؤون‌ التي‌ لا تخصّه‌ ولا يُرجع‌ إليه‌ فيها.

 وهذا يتّفق‌ تماماً مع‌ قول‌ الشيعة‌ الإماميّة‌ بأنّ الإمام‌ عبد من‌ عبيدالله‌، وبشر في‌ طبيعته‌، وصفاته‌، وليس‌ ملكاً، ولا نبيّاً. أمّا رئاسته‌ العامّة‌ للدين‌ والدنيا فإنّها لا تستدعي‌ أكثر من‌ العلم‌ بأحكام‌ الشريعة‌، وسياسة‌ الشؤون‌ العامّة‌.

 وكيف‌ يُنسَب‌ إلی الشيعة‌ الإماميّة‌ القول‌ بأنّ أئمّتهم‌ يعلمون‌ الغيب‌، وهم‌ يؤمنون‌ بكتاب‌ الله‌، ويتلون‌ قوله‌ تعالي‌ حكاية‌ عن‌ نبيّه‌: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ. [12] وقوله‌: إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ. [13] وقوله‌: قُل‌ لاَّ يَعْلَمُ مَن‌ فِي‌ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَهُ. [14]

 وقال‌ الشيخ‌ الطبرسيّ في‌ « مجمع‌ البيان‌ » عند تفسير الآية‌ 123، من‌ السورة‌11: هود: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ: لقد ظلم‌ الشيعة‌ الإماميّة‌ مَن‌ نسب‌ إليهم‌ القول‌ بأنّ الائمّة‌ يعلمون‌ الغيب‌. ولا نعلم‌ أحداً منهم‌ استجاز الوصف‌ بعلم‌ الغيب‌ لاحدٍ من‌ الخلق‌. فأمّا ما نُقل‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، ورواه‌ عنه‌ الخاصّ والعامّ من‌ الاخبار بالغائبات‌ في‌ خطب‌ الملاحم‌ وغيرها، مثل‌ الإيماء إلی صاحب‌ الزنج‌، وإلي‌ ما ستلقاه‌ الاُمّة‌ من‌ بني‌ مروان‌، وما إلی ذلك‌ ممّا أخبر به‌ هو وأئمّة‌ الهدي‌ من‌ ولده‌. أمّا هذه‌ الاخبار فإنّها متلقّاة‌ عن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ممّا أطلعه‌ الله‌ عليه‌. فلامعني‌ لنسبة‌ من‌ يروي‌ عنهم‌ هذه‌ الاخبار المشهورة‌ إلی أ نّه‌ يعتقد كونهم‌ عالمين‌ الغيب‌، وَهَلْ هَذَا إلاَّ سَبٌّ قَبِيحٌ وَتَضْلِيلٌ لَهُمْ، بَلْ تَكْفِيرٌ، لاَ يَرْتَضِيهِ مَنْ هُوَ بِالمَذَاهِبِ خَبِيرٌ، وَاللَهُ هُوَ الحَاكِمُ وَإلَيْهِ المَصِيرُ.

 وإن‌ افترض‌ وجود خبر أو قول‌ ينسب‌ علم‌ الغيب‌ إلی الائمّة‌، وجب‌ طرحه‌ باتّفاق‌ المسلمين‌. قال‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌: لاَ تَقْبَلُوا عَلَيْنَا خِلاَفَ القُرْآنِ؛ فَإنَّا إن‌ تَحَدَّثْنَا حَدَّثْنَا بِمُوافَقَةِ القُرْآنِ وَمُوافَقَةِ السُّنَّةِ. إنَّا عَنِ اللَهِ وَعَنْ رَسُولِهِ نُحَدِّثُ، وَلاَ نَقُولُ: قَالَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ.

 فَإذَا أَتَاكُمْ مَنْ يُحَدِّثُكُمْ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فَرُدُّوهُ! إنَّ لِكَلاَمِنَا حَقِيقَةً، وَإنَّ عَلَيْهِ لَنُوراً؛ فَمَا لاَ حَقِيقَةَ لَهُ وَلاَ نُورَ عَلَيْهِ فَذَاكَ قَوْلُ الشَّيْطَانِ.

 وبكلمة‌، إنّ علوم‌ الائمّة‌ وتعاليمهم‌ يحدّها ـفي‌ عقيدة‌ الشيعة‌ـ كتابُ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌. وإنّ كلّ إمام‌ من‌ الاوّل‌ إلی الثاني‌ عشر قد أحاط‌ إحاطة‌ شاملة‌ كاملة‌ بكلّ ما في‌ هذين‌ الاصلين‌ من‌ الالف‌ إلی الياء، بحيث‌ لا يشذّ عن‌ علمهم‌ معني‌ آية‌ من‌ آي‌ الذِّكر الحكيم‌ تنزيلاً وتأويلاً، ولا شي‌ء من‌ سنّة‌ رسول‌الله‌ قولاً وفعلاً وتقريراً، وكفي‌ بمن‌ أحاط‌ بعلوم‌ الكتاب‌ والسُّنّة‌ فضلاً وعلماً! إنّ هذه‌ المنزلة‌ لا تتسنّي‌ ولن‌ تتسنّي‌ لاحدٍ غيرهم‌. ومن‌ هنا كانوا قدوة‌ الناس‌ جميعاً بعد جدّهم‌ الرسول‌.

 وقد أخذ أهل‌ البيت‌ علوم‌ الكتاب‌ والسنّة‌ وفهموها ووعوها عن‌ رسول‌الله‌ تماماً، كما أخذها ووعاها رسول‌ الله‌ عن‌ جبرائيل‌، وكما وعاها جبرائيل‌ عن‌ الله‌، ولا فرق‌ أبداً في‌ شي‌ءٍ إلاّ بالواسطة‌ فقط‌ لا غير. ونظم‌ الشاعر الإمامي‌ّ هذا المعني‌ فقال‌:

إذَا شئتَ أَنْ تَبْغِي‌ لِنَفْسِكَ مَذْهَباً                         يُنَجِّيكَ يَوْمَ البَعْثِ مِنْ لَهَبِ النَّارِ

فَدَعْ عَنْكَ قَوْلَ الشَّافِعيِّ وَمَالِك‌                           وَأَحْمَدَ وَالمَرْوِيَّ عَنْ كَعْبِ أحْبَارِ

وَوَالِ أُنَاساً نَقْلُهُمْ وَحِديثُهُمْ                                 رَوَي‌ جَدُّنَا عَنْ جَبْرَئِيلَ عَنِ البَارِي‌

 أخذ علی عن‌ النبي‌ّ، وأخذ الحسنان‌ عن‌ أبيهما، وأخذ علي‌ّبن‌ الحسين‌ عن‌ أبيه‌. و هكذا كلّ إمام‌ يأخذ العلم‌ عن‌ إمام‌. ولم‌يرو أصحاب‌ السِّير والتواريخ‌ أنّ أحداً من‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر أخذ عن‌ صحابي‌ّ أو تابعي‌ّ أو غيره‌. فقد أخذ الناس‌ العلم‌ عنهم‌، ولم‌ يأخذوه‌ عن‌ أحد.

 قال‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌: عَجَباً للنَّاسِ يَقُولُون‌: أَخَذُوا عِلْمُهُمْ كُلَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَهِ، فَعَلِمُوا وَاهْتَدُوا، وَيَرونَ أَ نَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ نَأْخُذْ عِلْمَهُ وَلَمْ نَهْتَدِ بِهِ، وَنَحْنُ أَهْلُهُ وَذُرِّيَّتَهُ؛ فِي‌ مَنَازِلِنَا أُنْزِلَ الوَحْيُ، وَمِنْ عِنْدِنَا خَرَجَ العِلْمُ إلَی النَّاسِ، أَفْتَرَاهُمْ عَلِمُوا وَاهْتَدُوا، وَجَهِلْنَا وَضَلَلْنَا؟!

 وقال‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌: لَوْ كُنَّا نُحَدِّثُ النَّاسَ بِرَأْيِنَا وَهَوَانَا لَهَلْكَنا؛ وَلَكِنَّا نُحَدِّثُهُمْ بِأَحَادِيثَ نَكْنِزُهَا عَنْ رَسُولِ اللَهِ، كَمَا يَكْنِزُ هَؤْلاَءِ ذَهَبَهُمْ وَفِضَّتَهُمْ.

 وبهذا يتبيّن‌ الجهل‌، أو الدسّ في‌ قول‌ من‌ قال‌ بأنّ الشيعة‌ يزعمون‌ أنّ علم‌ الائمّة‌ إلهاميّ، وليس‌ بكسبيّ؛ وترقّي‌ بعضهم‌ فنسب‌ إلی الشيعة‌ القول‌ بنزول‌ الوحي‌ علی الائمّة‌. ويردّ هذا الزعم‌ مضافاً إلی ما نقلناه‌ من‌ أحاديث‌ الائمّة‌ الاطهار ما قاله‌ الشيخ‌ المفيد في‌ كتاب‌ « أوائل‌ المقالات‌ »: قَامَ الاتِّفاقُ عَلَی أَنَّ مَنْ يَزْعَمُ أَنَّ أَحَداً بَعْدَ نَبِيِّنَا يُوحَي‌ إلَيْهِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَفَرَ. [15]

 كان‌ هذا كلام‌ مغنية‌ الذي‌ كتبه‌ حول‌ علم‌ الإمام‌ من‌ وحي‌ حبّه‌ ودفاعه‌ عن‌ حريم‌ التشيّع‌. ولكن‌ ينبغي‌ أن‌ لا يُفضي‌ هذا الحبّ والإشفاق‌ إلی نسيان‌ بعض‌ المزايا والفضائل‌ الاصيلة‌ التي‌ كان‌ يتّصف‌ بها الائمّة‌، دفعاً لكلام‌ أهل‌ السنّة‌ وإخماداً لنائرة‌ غوغائهم‌ وافتعالهم‌ المواقف‌ وشغبهم‌.

 

ارجاعات


[1] ـ قال‌ ابن‌ خلدون‌ في‌ مقدّمته‌، ص‌ 201: ثمّ انتقلـت‌ الإمامة‌ من‌ إسـماعيل‌ إلی ï ïابنه‌ محمّد المكتوم‌، قالوا: وبعد محمّد المكتوم‌ ابنه‌ جعفر الصادق‌، وبعده‌ ابنه‌ محمّد الحبيب‌، وبعده‌ ابنه‌ عبد الله‌ المهديّ. وقال‌ في‌ تاريخه‌، ج‌ 4، ص‌ 34، طبعة‌ بولاق‌: ولمّا توفّي‌ محمّد الحبيب‌ بن‌ جعفر بن‌ محمّد بن‌ إسماعيل‌، عهد إلی ابنه‌ عبيد الله‌ وقال‌ له‌: أنت‌ المهدي‌ّ!

[2] ـ المراد من‌ الفواطم‌ ثلاث‌ نساء يحملن‌ هذا الاسم‌، أخذهنّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ معه‌ إلی المدينة‌ بعد هجرة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ مكّة‌ إلی المدينة‌، وكان‌ قد لبث‌ في‌ مكّة‌ أيّاماً بأمر النبي‌ّ ليؤدّي‌ مواعيده‌. واستطاع‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ أن‌ يوصلهنّ إلی المدينة‌ بعد أن‌ اعترضته‌ قريش‌ في‌ الطريق‌، إذ لم‌ يرق‌ لها خروجهنّ من‌ مكّة‌. وقد تصدّي‌ الإمام‌ لهذه‌ الجماعة‌ المؤلّفة‌ من‌ عدّة‌ رجال‌ مسلّحين‌، فعقل‌ الاءبل‌ إلی الارض‌ واستعدّ لمهاجمتهم‌، ففرّوا. واستطاع‌ في‌ آخر المطاف‌ من‌ إيصالهنّ إلی المدينة‌ رغم‌ الخوف‌ الذي‌ كان‌ مستحوذاً عليهن‌، إذ لم‌ يأمنَّ ملاحقة‌ الكفّار إيّاهنّ حتّي‌ المدينة‌. وكانت‌ هذه‌ الصفوة‌ مشغولة‌ بذكر الله‌ وتسبيحه‌ علی طول‌ الطريق‌ الذي‌ كان‌ يقدّر بتسعين‌ فرسخاً تقريباً، بخاصّة‌ في‌ الليالي‌ الظلماء التي‌ كانت‌ السماء فيها صافية‌ مليئة‌ بالنجوم‌ والكواكب‌ في‌ تلك‌ المناطق‌ التي‌ تتميّز بطبيعة‌ رائعة‌ باهرة‌. وبلغ‌ من‌ عبادة‌ هذه‌ الصفوة‌ وإقامتها صلاة‌ الليل‌، وقيامها وسجودها وذكرها وتلاوتها القرآن‌ وتعلّقها بالله‌ وولعها بالجمال‌ الإلهي‌ّ الازلي‌ّ أنّ الله‌ تعالي‌ أخبر نبيّه‌ الكريم‌ بخبرها علی لسان‌ جبرئيل‌. وهي‌ لم‌ تصل‌ إلی المدينة‌ بعد. وقدّر لها الثواب‌ البارز من‌ خلال‌ الآيات‌ الكريمة‌ في‌ آخر سورة‌ آل‌ عمران‌. قال‌ تعالي‌: إِنَّ فِي‌ خَلْقِ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ وَاخْتِلَـ'فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لاَيَـ'تٍ لاّولِي‌ الاْلْبَـ'بِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَهَ قِيَـ'مًا وَقُعُودًا وَعَلَي‌' جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي‌ خَلْقِ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـ'ذَا بَـ'طِلاً سُبْحَـ'نَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن‌ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ و وَمَا لِلظَّـ'لِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ* رَبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي‌ لِلاْءيمَـ'نِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَـَامَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الاْبْرَارِ * رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَي‌' رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَ نِّي‌ لآ أُضِيعُ عَمَلَ عَـ'مِلٍ مِّنكُم‌ مِّن‌ ï ï ذَكَرٍ أَوْ أُنثَي‌' بَعْضُكُم‌ مِّن‌ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن‌ دِيَـ'رِهِمْ وَأُوذُوا فِي‌ سَبِيلِي‌ وَقَـ'تَلُوا وَقُتِلُوا لاَكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَهِ وَاللَهُ عِندَهُ و حُسْنُ الثَّوَابِ.

 (الآيات‌ 190 إلی 195، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌).

 قال‌ سماحة‌ أُستاذنا الاكرم‌ آية‌ الله‌ المعظّم‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته‌ المباركة‌ في‌ بحثه‌ الروائي‌ّ علی هذه‌ الآيات‌، في‌ «تفسير الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 95 و 96:

 وورد من‌ طرق‌ الشيعة‌ أنّ قوله‌: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا إلی آخر الآية‌، نزلت‌ في‌ علی عليه‌ السلام‌ لمّا هاجر ومعه‌ الفواطم‌: فاطمة‌ بنت‌ أسد، وفاطمة‌ بنت‌ محمّد صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، و فاطمة‌ بنت‌ الزبير، ثمّ لحق‌ بهم‌ في‌ ضجنان‌ أُمّ أيمن‌ ونفر من‌ ضعاف‌ المؤمنين‌ فساروا وهم‌ يذكرون‌ الله‌ في‌ جميع‌ أحوالهم‌ حتّي‌ لحقوا بالنبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، وقد نزلت‌ الآيات‌.

 وليعلم‌ أنّ عبيد الله‌ لمّا بني‌ المهديّة‌ قال‌: بنيتُها ليعتصم‌ بها الفواطم‌ ساعة‌ من‌ نهار. وتكون‌ ملجأً ومأمناً لهنّ في‌ ليالي‌ الهجرة‌ والخوف‌ والدهشة‌ التي‌ أمضينها في‌ العبادة‌. نلحظ‌ في‌ العبارة‌ نقاطاً بديعة‌ كثيرة‌، أنّ فواطم‌ جمع‌ مؤنّث‌ ومفردها فاطمة‌ كطوالب‌ وطالبة‌. وصار إطلاق‌ الفواطم‌ في‌ التواريخ‌ والسير علی هؤلاء النساء الثلاث‌ اللائي‌ هاجرن‌ من‌ مكّة‌ إلی المدينة‌، حتّي‌ يمكننا أن‌ نقول‌: أصبح‌ لهنّ علَماً بالغلبة‌. لهذا فإنّ عبيد الله‌ الذي‌ وضع‌ أساس‌ المهديّة‌ وبناها أراد أن‌ يبيّن‌ أنّ ثورتهم‌ علی الاعداء نتيجة‌ لهجرة‌ رسول‌ الله‌ وفواطمه‌. وها هي‌ الآن‌ تتحقّق‌ عمليّاً. وعندما يُسكن‌ ذراري‌ رسول‌ الله‌ في‌ هذه‌ المدينة‌ الجديدة‌ فإنّ الفواطم‌ المعذَّبة‌ المهاجرة‌ إلی المدينة‌ الطيّبة‌ التي‌ تورّمت‌ أقدامها تسكن‌ فيها حقّاً فتسرّ أرواحهنّ وتَسْكُن‌. وهذا التعبير فيه‌ نوع‌ من‌ الاستعارة‌. وإلاّ لقال‌: فاطميّون‌ جمع‌ فاطمي‌ّ.

[3] ـ جاء في‌ «رياض‌ السالكين‌» ص‌ 24 و 25، طبعة‌ سنة‌ 1317 ه، و: ج‌ 1، ص‌ 171 و 172، طبعة‌ جماعة‌ المدرّسين‌: مضمون‌ هذا الحديث‌ ورد من‌ طرق‌ العامّة‌ أيضاً: قال‌ الفخر الرازيّ في‌ تفسيره‌ الكبير: روي‌ القاسم‌ بن‌ الفضل‌، عن‌ عيسي‌ بن‌ ماذرة‌ قال‌: قلتُ للحسن‌: يَا مُسَوِّدَ وُجُوه‌ المؤمنين‌ عَمَدْتَ إلی هذا الرجل‌ فبايعته‌! يعني‌: معاوية‌، فقال‌: إنّ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أُري‌َ في‌ منامه‌ بني‌ أُميّة‌ يطأون‌ منبره‌ واحداً بعد واحد. وفي‌ رواية‌ ينزون‌ علی منبره‌ نزو القردة‌، فشقّ ذلك‌ عليه‌، فأنزل‌ الله‌ تعالي‌: إِنَّا أَنزَلْنَـ'هُ فِي‌ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، إلی قوله‌: خَيْرٌ مِّنْ أَ لْفِ شَهْرٍ. يعني‌: ملك‌ بني‌ أُميّة‌. قال‌ القاسم‌: فحسبنا ملك‌ بني‌ أُميّة‌ فإذا هو ألف‌ شهر لايزيد ولا ينقص‌ـ انتهي‌.

 قال‌ الفخر الرازيّ: طعن‌ القاضي‌ في‌ هذا الوجه‌ فقال‌: ما ذكر من‌ ألف‌ شهر ليس‌ في‌ أيّام‌ بني‌ أُميّة‌، لا نّه‌ تعالي‌ لا يذكر فضلها بذكر ألف‌ شهر مذمومة‌، وأيّام‌ بني‌أُميّة‌ مذمومة‌. ï ïقال‌: وهذا الطعن‌ باطل‌، لانّ أيّام‌ بني‌ أُميّة‌ كانت‌ أيّاماً عظيمة‌ بحسب‌ السعادات‌ الدنيويّة‌، فلايمتنع‌ أن‌ يقول‌ الله‌ تعالي‌: إنّي‌ أعطيتك‌ ليلة‌ هي‌ في‌ السعادات‌ الدينيّة‌ أفضل‌ من‌ تلك‌ الايّام‌ في‌ السعادات‌ الدنيويّة‌. («التفسير الكبير» للفخر الرازيّ، ج‌ 32، ص‌ 31، مع‌ اختلاف‌ يسير في‌ العبارة‌).

[4] ـ نقل‌ السيّد علی خان‌ الكبير في‌ شرحه‌ علی «الصحيفة‌ السجّاديّة‌» ص‌ 25، الطبعة‌ الحجريّة‌، عن‌ ابن‌ الاثير في‌ «جامع‌ الاُصول‌» أنّ مدّة‌ ولاية‌ بني‌ أُميّة‌ كانت‌ ألف‌ شهر. وإنّما هي‌ التي‌ أراد الله‌ تعالـي‌ بقـوله‌: ليلة‌ القـدر خير من‌ ألف‌ شـهر. وألف‌ شـهر هي‌: ثلاث‌ وثمانون‌ سنة‌ وأربعة‌ أشـهر. وكان‌ أوّل‌ استقلال‌ بني‌ أُميّة‌ وانفرادهم‌ بالامر منذ بيعة‌ الحسـن‌ ابن‌ علی عليهما السلام‌ لمعاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌، وذلك‌ علی رأس‌ أربعين‌ سنة‌ من‌ الهجرة‌. وكان‌ انقضاء دولتهم‌ علی يد أبي‌ مسلم‌ الخراسانيّ في‌ سنة‌ اثنتين‌ وثلاثين‌ ومائة‌. وذلك‌ ï ïاثنتان‌ وتسعون‌ سنة‌ تسقط‌ منها خلافة‌ عبد الله‌ بن‌ الزبير، وهي‌ ثمان‌ سنين‌ وثمانية‌ أشهر، تبقي‌ ثلاث‌ وثمانون‌ سنة‌ وأربعة‌ أشهر، وهي‌ ألف‌ شهر.

[5] ـ رؤيا النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ حكومة‌ الامويّين‌

روي‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكلينيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ «روضة‌ الكافي‌» ص‌ 345، بسنده‌ عن‌ جميل‌ بن‌ درّاج‌، عن‌ زُرارة‌، عن‌ أحد الصادقين‌ عليهما السلام‌ قال‌: أَصبَحَ رَسول‌ الله‌ صلَّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يوماً كئيباً حزيناً. فقال‌ له‌ علی عليه‌ السلام‌: ما لي‌ أراك‌ يا رسول‌ الله‌ كئيباً حزيناً؟! فقال‌: وكيف‌ لا أكون‌ كذلك‌ وقد رأيتُ في‌ ليلتي‌ هذه‌ أنّ بني‌ تيم‌ وبني‌ عديّ وبني‌ أُميّة‌ يصعدون‌ منبري‌ هذا، يردّون‌ الناس‌ عن‌ الإسلام‌ القهقري‌؟! فقلتُ: يا ربّ في‌ حياتي‌ أو بعد موتي‌؟! فقال‌: بعد موتك‌!

 وقال‌ الحكيم‌ المحقّق‌ السيّد محمّد باقر المعروف‌ بالميرداماد في‌ شرحه‌ علی «الصحيفة‌ السجّاديّة‌» ص‌ 66، طبعة‌ مهديّة‌ ميرداماد، إصفهان‌، بعد نقل‌ هذه‌ الرواية‌: وقد تضافرت‌ الروايات‌ البالغة‌ حدّ التواتر من‌ طرق‌ العامّة‌ والخاصّة‌ أ نّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بعد هذه‌ الرؤيا أسرّ إلی أبي‌ بكر، وعمر أمر بني‌ أُميّة‌، واستكتمهما علی ذلك‌، فأفشي‌ عمر عليه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ سرّه‌ وحكاه‌ للحكم‌ بن‌ أبي‌ العاص‌، وأسرّ إلی حفصة‌ أمر أبي‌ بكر، وعمر، وقال‌ لها: إنّ أباكِ وأبا بكر يملكان‌ أمر أُمّتي‌، فاكتمي‌ علی هَذا، فأفشت‌ عليه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، ونبّأت‌ به‌ عائشة‌. فجاء بذلك‌ الوحي‌، ونزلت‌ فيه‌ سورة‌ التحريم‌، ولذلك‌ بَسْطٌ يضيق‌ عنه‌ درع‌ المقام‌، فليطلب‌ ممّا أخرجناه‌ في‌ مظانّه‌ـ انتهي‌ كلام‌ الميرداماد.

 وجاء في‌ «رياض‌ السالكين‌» ص‌ 23 و 24، طبعة‌ سنة‌ 1317 ه، و: ج‌ 1، ص‌ 163 إلی 166، طبعة‌ جماعة‌ المدرّسين‌: قوله‌: (يعني‌ بني‌ أُميّة‌) تفسير للشجرة‌ الملعونة‌. وعلي‌ هذا فلايخفي‌ ما في‌ قوله‌ تعالي‌: فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَـ'نًا كَبِيرًا (الآية‌ 60، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء) من‌ اللطف‌.

 واعلم‌ أنّ هذا الحديث‌ ثابت‌ الصحّة‌ متواتر النقل‌ بين‌ الفريقين‌. أمّا من‌ طريق‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ فقد ثبت‌ عند الخاصّة‌ من‌ طرق‌ كثيرة‌ («الكافي‌» ج‌ 4، ص‌ 159، ï ïالحديث‌ 10 ). وأمّا من‌ طريق‌ الجمهور، فقال‌ الفخر الرازيّ في‌ تفسيره‌ الكبير: قال‌ سعيد ابن‌ المسيِّب‌: رأي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بني‌ أُميّة‌ ينزون‌ علی منبره‌ نزو القردة‌ فساءه‌ ذلك‌. («التفسير الكبير» للفخر الرازيّ، ج‌ 20، ص‌ 236 ).

 وقال‌ البيضاوي‌ّ في‌ تفسير الرؤيا: قيل‌: رأي‌ قوماً من‌ بني‌ أُميّة‌ يرقون‌ منبره‌، وينزون‌ عليه‌ نزو القردة‌، فقال‌: هذا حظّهم‌ من‌ الدُّنيا يعطونه‌ بإسلامهم‌، وعلي‌ هذا كان‌ المراد بقوله‌: إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ ما حدث‌ في‌ أيّامهم‌. («أنوار التنزيل‌» للبيضاويّ، ج‌ 1، ص‌ 590 ). وروي‌ الحاكم‌ في‌«المستدرك‌» عن‌ مسلم‌ الربعيّ، عن‌ العلا، عن‌ أبيه‌، عن‌ أبي‌ هريرة‌ قال‌: إنّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌: أُريتُ في‌ منامي‌ كأنّ بني‌ الحكم‌ بن‌ أبي‌ العاص‌ ينزون‌ علی منبري‌ كما تنزو القردة‌ فما رُؤي‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ مستجمعاً ضاحكاً حتّي‌ مات‌. («المستدرك‌ علی الصحيحين‌» للحاكم‌ النيسابوريّ، ج‌ 4، ص‌ 480، مع‌ اختلاف‌ يسير في‌ بعض‌ الالفاظ‌). ثمّ قال‌: صحيح‌ الاءسناد علی شرط‌ مسلم‌. ذكر ذلك‌ الدميريّ في‌ «حياة‌ الحيوان‌». («حياة‌ الحيوان‌» للدميريّ، ج‌ 2، ص‌ 245 ). وقال‌ الرازيّ في‌ تفسير الشجرة‌ الملعونة‌: قال‌ ابن‌ عبّاس‌: الشجرة‌ الملعونة‌ في‌ القرآن‌ المراد بها: بنو أُميّة‌، الحكم‌ بن‌ أبي‌ العاص‌ وولده‌، قال‌: رأي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ المنام‌ أن‌ وُلد مروان‌ يتداولون‌ منبره‌. فقصّ رؤياه‌ علی أبي‌ بكر، وعمر، وقد خلا في‌ بيته‌ معهما. فلمّا تفرّقوا سمع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الحكم‌ يخبر برؤيا رسول‌ الله‌ فاشتدّ عليه‌ ذلك‌، فاتّهم‌ عمر في‌ إفشاء سرّه‌. ثمّ ظهر أنّ الحكم‌ كان‌ يتسمّع‌ إليهم‌، فنفاه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، قال‌: وممّا يؤكّد هذا التأويل‌ قول‌ عائشة‌ لمروان‌: لَعَنَ اللَه‌ أَباكَ وَأَنتِ فِي‌ صُلْبِهِ، فَأَنتَ بَعْضُ مَنْ لَعَنَ اللَهُ («التفسير الكبير» للفخر الرازيّ، ج‌ 20، ص‌ 237 ). وقال‌ النيسابوري‌ّ عن‌ ابن‌ عبّاس‌: الشجرة‌ الملعونة‌: بنو أُميّة‌. («غرائب‌ القرآن‌» للنيسابوري‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 459 ). وفي‌ الكتاب‌ الذي‌ كتبه‌ المعتضد بالله‌ العبّاسيّ حين‌ عزم‌ علی لعن‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ علی المنابر في‌ سنة‌ 284 ه وذكر فيه‌ بني‌ أُميّة‌، فقال‌: ثمّ أنزل‌ الله‌ كتاباً فيما أنزله‌ علی رسوله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يذكر فيه‌ شـأنهم‌ وهو قوله‌ تعالي‌: والشَّجرة‌ الملعونة‌ في‌ القرآن‌. ولا خلاف‌ بين‌ أحـدٍ أ نّه‌ تبارك‌ وتعالي‌ أراد بها بني‌ أُميّة‌. («تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 8، ص‌ 85 )ـ انتهي‌.

[6] ـ وطبع‌ هذا الجزء في‌ بيروت‌ أيضاً سنة‌ 1393 ه. ولم‌ يذكر اسم‌ المطبعة‌ في‌ الاجزاء كلّها.

[7] ـ الآية‌ 6، من‌ السورة‌ 49: الحجرات‌.

[8] ـ قال‌ في‌ الهامش‌: الجفر في‌ أصل‌ اللغة‌ وَلَدُ الشاة‌ إذا عظم‌ واستكرش‌، ثمّ أُطلق‌ علی جلد الشاة‌.

[9] ـ أضاف‌ المرحوم‌ السيّد محسن‌ الامين‌ إليه‌ قوله‌: «والاءخبار عن‌ بعض‌ الحوادث‌» وذلك‌ في‌ الطبعة‌ الثانية‌ من‌ أعيانه‌ المطبوع‌ سنة‌ 1363 ه، ج‌ 1، ص‌ 347. وفيما يأتي‌ نصّ كلامه‌: أقول‌: الظاهر من‌ الاخبار أنّ الجفر كتاب‌ فيه‌ العلوم‌ النبويّة‌ من‌ حلال‌ وحرام‌ وأحكام‌ وأُصول‌ ما يحتاج‌ الناس‌ إليه‌ في‌ أحكام‌ دينهم‌ وما يصلحهم‌ في‌ دنياهم‌ والاءخبار عن‌ بعض‌ الحوادث‌. فلا يتمّ حينئذٍ ما نقله‌ مغنية‌ عنه‌ في‌ «أعيان‌ الشيعة‌».

[10] ـ ولكنّا عرفنا في‌ هامش‌ قريب‌ متقدّم‌ أنّ قوله‌ والاءخبار عن‌ بعض‌ الحوادث‌، قد أُضيف‌ في‌ «أعيان‌ الشيعة‌» وأسقطه‌ مغنية‌.

[11] ـ كتاب‌ «الشيعة‌ في‌ الميزان‌» قسم‌ الشيعة‌ والتشيّع‌، ص‌ 56 و 57، طبعة‌ دار التعارف‌ ببيروت‌. وفي‌ الطبعة‌ المستقلّة‌ لكتاب‌ «الشيعة‌ والتشيّع‌» ص‌ 57 و 58، مكتبة‌ المدرسة‌ ودار الكتاب‌ اللبنانيّ، بيروت‌.

[12] ـ الآية‌ 188، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[13] ـ الآية‌ 20، من‌ السورة‌ 10: يونس‌. فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُو´ا إِنِّي‌ مَعَكُم‌ مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ.

[14] ـ الآية‌ 65، من‌ السورة‌ 27: النمل‌.

[15] ـ كتاب‌ «الشيعة‌ في‌ الميزان‌» قسم‌ الشيعة‌ والتشيّع‌، ص‌ 42 إلی 45، طبعة‌ دار التعارف‌ بيروت‌، وفي‌ الطبعة‌ المستقلّة‌: ص‌ 42 إلی 45 أيضاً.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ والتسعون‌ بعد المائة‌ إلی المائتين‌
  أهمّيّة‌ التدريس‌ والكتابة‌
  تفسير آية‌ الدَّين‌ والتجارة‌ من‌ سورة‌ البقرة‌
  الاستشهاد بالآيات‌ القرآنيّة‌ علی وجوب‌ الكتابة‌
  الكتابة‌ في‌ عهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  أحاديث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ الامر بالكتابة‌
  كتابة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو للصحيفة‌ الصادقة‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌
  تعمّد الخطيب‌ عدم‌ نقل‌ أخبار حؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌
  حظر عمر الكتابة‌ ينطلق‌ من‌ أغراض‌ سياسيّة‌
  حظر عمر تدوين‌ الحديث‌ النبوي‌ّ
  ردّ العلاّمة‌ الاميني‌ّ علی عمر في‌ حظر تدوين‌ الحديث‌
  الصحابة‌ كانوا ينقلون‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  رأي‌ جولدتسيهر في‌ تدوين‌ الحديث‌
  آفات‌ الاعتقاد بقول‌ عمر: حسبنا كتاب‌ الله‌
  الحاجة‌ إلی الإمام‌ قائمة‌ مع‌ وجود السُّنّة‌
  كلام‌ أحمد أمين‌ في‌ الحاجة‌ إلی السُّنّة‌
  حوار آية‌ الله‌ كاشف‌ الغطاء مع‌ أحمد أمين‌
  اعتراف‌ أحمد أمين‌ بحؤول‌ عمر دون‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌ في‌ مرضه‌
  اعتراف‌ أحمد أمين‌ بمطاعن‌ عثمان‌
  كلام‌ المرحوم‌ المظفّر في‌ ترك‌ النصّ علی الخليفة‌
  كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ تقدّم‌ علی عليه‌ السلام‌
  كلام‌ المستشار عبد الحليم‌ بشأن‌ مصحف‌ الإمام‌ علی عليه‌ السلام‌
  رفض‌ الناس‌ مصحف‌ أمير المومنين‌ علی عليه‌ السلام‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ الكريم‌
  الاستدلال‌ بتحدّي‌ القرآن‌ علی عدم‌ تحريفه‌
  الاستدلال‌ بحديث‌ الثقلين‌ وأمثاله‌ علی عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  أدلّة‌ الحشويّة‌ ومحدِّثي‌ الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ تحريف‌ القرآن‌
  الاستدلال‌ بالإجماع‌ علی عدم‌ التحريف‌ يستلزم‌ الدور.
  الاستدلال‌ بأخبار التحريف‌ وجوابها
  أخبار التحريف‌ المدسوسة‌
  كلام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ جمع‌ القرآن‌
  كلام‌ الطبرسي‌ّ والسيِّد المرتضي‌ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ آية‌ الله‌ الميرزا حسن‌ الآشتياني‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ الإمام‌ الهندي‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌(التعلیقة).
  نقل سورة محرّفة من« دبستان المذاهب»..
  ما نصّ عليه‌ كتاب‌ «دبستان‌ المذاهب‌» حول‌ عقائد الشيعة‌
  نقل‌ كلام‌ محمّد أمين‌ الاسترابادي‌ّ في‌ المذهب‌ الاخباري‌ّ
  انتقاد المذهب‌ الاخباري‌ّ
  انتقاد كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌» في‌ تحريف‌ القرآن‌
  كلام‌ صاحب‌ «الذريعة‌» حول‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»..
  انتقاد المحدِّث‌ النوري‌ّ لتأليفه‌ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌»..
  كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ في‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌ (التعلیقة)
  كلام‌ السيّد محمّد التيجاني‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌
  بين‌ السنّة‌ مَن‌ یروی روایات التحريف‌
  بحث‌ علمي‌ّ مفصّل‌ للعلاّمة‌ البلاغي‌ّ حول‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌
  الدرس‌ الاوّل‌ بعد المائتين‌ إلی العاشر بعد المائتين‌ :تقدّم‌ الشيعة‌ ...
  تفسير آية‌: ن‌ والقلم‌ وما يسطرون‌
  مصحف‌ علی عليه‌ السلام‌
  الروايات‌ الواردة‌ في‌ صفة‌ كتاب‌ «الجامعة‌»..
  تفسير العلاّمة‌ المجلسي‌ّ لعلم‌ الائمّة‌ الاعظم‌
  روايات‌ «بصائر الدرجات‌» في‌ صفة‌ «الجامعة‌»..
  كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ الصدر حول‌ تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ التدوين‌
  الاحاديث‌ الواردة‌ في‌ الجفر.
  خصائص‌ كتاب‌ الجفر.
  بيان‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ حول‌ الجفر
  الاحاديث‌ الاُخري‌ الواردة‌ حول‌ الجفر
  أُصُول‌ الجفر وقواعده‌ صحيحه‌
  الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ استكشفوا المغيبات‌ من‌ الجفر
  كلام‌ العلماء حول‌ الجفر
  كلام‌ ابن‌ خلدون‌ حول‌ الجفر
  >>ترجمة‌ الفواطم‌ في‌ زمن‌ الهجرة‌
  تهم‌ الرافعي‌ّ ضدّ الشيعة‌ في‌ تفسير القرآن‌ علی أساس‌ علم‌ الجفر
  رؤيا النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ حكومة‌ الامويّين‌ (التعلیقة)
  ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی تُهم‌ الرافعي‌ّ
  تحريف‌ السيّد حسن‌ الامين‌ كتاب‌ أبيه‌ «أعيان‌ الشيعة‌»..
  تحريف‌ وجريمة‌ أُخري‌ للسيّد حسن‌ الامين‌
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ الجفر
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌
  نقد كلام‌ مغنية‌ وأمثاله‌ في‌ علم‌ الغيب‌ عند الائمّة‌
  إثبات‌ علم‌ الغيب‌ بالجفر في‌ كلام‌ الإيجي‌ّ والمير السيّد شريف‌
  صعوبة‌ تصديق‌ كثير من‌ المسائل‌ الغيبيّة‌ لغير أهل‌ العرفان‌ من‌ العلماء
  إخبار آية‌ الله‌ بهجت‌ ما في‌ ضمير المؤلّف‌
  الصحيفة‌ التي‌ فيها أسماء الشيعة‌ عند الإمام‌ الصادق‌ هي‌ غير الجفر
  حديث‌ السيّد حسن‌ الصدر عن‌ كتاب‌ «الديات‌»
  روايات‌ البخاري‌ّ في‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  كلام‌ أبو ريّة‌ حول‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  روايات‌ الشيعة‌ حول‌ «صحيفة‌ الديات‌»
  «صحيفة‌ الفرائض‌» من‌ تدوين‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الرابع‌
  «كتاب‌ الستّين‌» التدوين‌ الخامس‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  ردّ العلاّمة‌ الامين‌ علی الرافعي‌ّ بشأن‌ «كتاب‌ السِّتِّين‌»
  «مصحف‌ فاطمة‌» من‌ مدوّنات‌ علی عليه‌ السلام‌
  الروايات‌ في‌ هويّة‌ «مصحف‌ فاطمة‌»
  كلام‌ العلاّمة‌ الامين‌ حول‌ عظمة‌ مصحف‌ فاطمة‌ عليها السلام‌
  كتابة‌ علی أسماء الائمّة‌ بإملاء رسول‌ الله‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌
  كلام‌ الشيخ‌ مغنية‌ حول‌ «مصحف‌ فاطمة‌»
  حديث‌ لوح‌ فاطمة‌ عليها السلام‌
  حديث‌ الرسائل‌ السماويّة‌ المختومة‌ في‌ ولاية‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر
  أبو رافع‌ أوّل‌ مؤلّف‌ بين‌ الشيعة‌ بعد أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  تقدّم‌ سنن‌ أبي‌ رافع‌ علی كتاب‌ سُلَيم‌
  التدوين‌ عند أهل‌ السنّة‌ كان‌ بعد قرنين‌
  ردّ محمّد عجّاج‌ الخطيب‌ علی السيّد حسن‌ الصدر
  كلام‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كيفيّة‌ التدوين‌ عند أهل‌ السنّة‌
  الادلّة‌ علی أنّ التدوين‌ عند العامّة‌ بدأ في‌ رأس‌ المائة‌ الثالثة‌
  كلام‌ أبو ريّة‌ حول‌ الإسرائيليّات‌ في‌ الحديث‌
  نهي‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ المؤكّد عن‌ رواية‌ الإسرائيليّات‌
  ضعف‌ روايات‌ أبي‌ هريرة‌ وعبد الله‌ بن‌ عمرو
  ردُّ أبي‌ ريّة‌ علی أحاديث‌ أبي‌ هريرة‌
  تفاهة‌ صحيفة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو وعدم‌ قيمتها
  دفاع‌ محمّد عجّاج‌ عن‌ «صحيفة‌ عبد الله‌ بن‌ عمرو»
  نقد كلام‌ محمّد عجّاج‌ في‌ ردّه‌ علی أبي‌ ريّة‌
  سلمان‌ الفارسي‌ّ وأبو ذرّ الغفاري‌ّ صحابيّان‌ مدوِّنان‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی