بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی‌ مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی‌ أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العليّ العَظِيمِ

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ

 ن‌`وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لاَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَی‌' خُلُقٍ عَظِيمٍ. [1]

 تحدّثنا بإيجاز عن‌ هذه‌ الآيات‌ المباركة‌ في‌ الجزء الرابع‌ عشر من‌ كتابنا هذا، الدرس‌ 201، نقلاً عن‌ تفسير « الميزان‌ » لاُستاذنا الكبير الفقيد العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ تغمّده‌ الله‌ في‌ رضوانه‌ فلا حاجة‌ بنا هنا إلی‌ الشرح‌ والتفصيل‌ فيها.

الروايات‌ والآثار الواردة‌ في‌ فضيلة‌ الكتابة‌

 ونورد فيما يأتي‌ عدداً من‌ الاحاديث‌ والروايات‌ في‌ فضيلة‌ الكتابة‌ وأهمّيّتها وعظمتها استهداءً بكتاب‌ « معادن‌ الجواهر ونزهة‌ الخواطر » للمرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ. يقول‌ المرحوم‌ الامين‌:

 وفي‌ الحديث‌: لاَ تُفَارِقِ المِحْبَرَةَ! فَإنَّ الخَيْرَ فِيهَا وَفِي‌ أَهْلِهَا إلَی‌ يَوْمِ القِيَامَةِ. مَنْ مَاتَ وَمِيرَاثُهُ المَحَابِرُ وَالاَقْلاَمُ دَخَلَ الجَنَّةَ.

 وعن‌ الحسن‌ بن‌ عليّ علیهما السلام‌ أ نّه‌ دعا بنيه‌ وبني‌ أخيه‌ فقال‌: إنَّكُمْ صِغَارُ قَوْمٍ وَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا كِبَارَ قَوْمٍ آخَرِينَ، فَتَعَلَّمُوا العِلْمَ! فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ أَنْ يَحْفَظَهُ فَلْيَكْتُبْهُ وَلْيَضَعْهُ فِي‌ بَيْتِهِ.

 وقال‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌: اكْتُبُوا! فإنَّكُمْ لاَ تَحْفَظُونَ حَتَّي‌ تَكْتُبُوا . وقال‌ علیه‌ السلام‌: القَلْبُ يَتَّكِلُ عَلَی‌ الكِتَابَةِ.

 وقال‌ علیه‌ السلام‌: احْفَظُوا كُتُبَكُمْ فَإنَّكُمْ سَتَحْتَاجُونَ إلَیهَا.

 وقال‌ علیه‌ السلام‌ للمفضَّل‌ بن‌ عمر: اكْتُبْ وَبُثَّ عِلْمَكَ فِي‌ إخْوَانِكَ، فَإنْ مُتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ، فَإنَّهُ يَأْتِي‌ عَلَی‌ النَّاسِ زَمَانٌ هَرْجٌ لاَ يَأْنَسُونَ فِيهِ إلاَّ بِكُتُبِهِمْ!

 وذكر المرحوم‌ الامين‌ هنا معني‌ الهرج‌، فقال‌: الهرج‌ بسكون‌ الراء، مصدر. يقال‌: هَرَجَ النَّاسُ ( من‌ باب‌ ضرب‌ ) هَرْجاً: إذا وقعوا في‌ فتنة‌ واختلاط‌ وقتل‌. وأصل‌ الهرج‌ الكثرة‌ في‌ الشي‌ء والاتّساع‌. والهرج‌: الفتنة‌ في‌ آخر الزمان‌. وقال‌ ابن‌ قيس‌ الرُّقَيَّات‌ في‌ فتنة‌ ابن‌ الزبير:

 لَيْتَ شِعْرِي‌ أَأوَّلُ الهَرْجِ هَذَا                    أَمْ زَمَانٌ مِنْ فِتْنَةٍ غَيْرِ هَرْجِ؟!

 والمراد بالكتب‌ في‌ الحديثين‌ الآخرين‌، الاحاديث‌ المرويّة‌ عنهم‌ علیهم‌ السلام‌. وقوله‌ علیه‌ السلام‌: سَتَحْتَاجُونَ إلَیهَا، أي‌: لفقد من‌ تسألونه‌ من‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ من‌ جهة‌ شدّة‌ التقيّة‌ أو حصول‌ الغيبة‌ فينحصر أخذكم‌ للاحكام‌ من‌ الكتب‌.

 وكذا قوله‌ علیه‌ السلام‌: يأتي‌ علی‌ الناس‌ زمانٌ هرجٌ... إلی‌ آخره‌، أي‌: زمان‌ فتنة‌ وقتل‌ وخوف‌، فلا يكون‌ لهم‌ مفزع‌ في‌ أخذ الاحكام‌ إلاّ كتبهم‌. وربّما يُسْتَدَلُّ بذلك‌ علی‌ حُجّيّة‌ أخبار الثقات‌.

 وقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: إنَّ المُؤْمِنَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ وَرَقَةً وَاحِدَةً عَلَیهَا عِلْمٌ كَانَتِ الوَرَقَةُ سِتْرَاً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ[3]؛وَأَعْطَاهُ اللَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مدينةً أوْسَعَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.

 وَمَنْ جَلَسَ عِنْدَ العَالِمِ نَادَاهُ المَلِكُ: جَلَسْتَ إلَی‌ عَبْدِي‌، وَعِزَّتِي‌ وَجَلإلی‌ لاَسْكِنَنَّكَ الجَنَّةَ مَعَهُ وَلاَ أُبَإلی‌.

 وكفاك‌ في‌ هذا قول‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌:

 إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ جَمَعَ اللَهُ النَّاسَ فِي‌ صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَوُضِعَتِ المَوَازِينُ، فَيُوزَنُ دِمَاءُ الشُّهَداءِ مَعَ مِدَادِ العُلَمَاءِ، فَيُرَجَّحُ مِدَادُ العُلَمَاءِ عَلَی‌ دِمَاءِ الشُّهَدَاءِ.[4]

 قال‌ شيخنا الشهيد الثاني‌ رضوان‌ الله‌ علیه‌: وذلك‌ لانّ مداد العلماء يُنتَفَع‌ به‌ بعد موتهم‌ ودماء الشهداء لا يُنتَفَع‌ بها بعد موتهم‌.

 وأقول‌: دماء الشهداء بما هي‌ دماء لا نفع‌ لها في‌ حياتهم‌ ولابعد موتهم‌. وإنّما فضلها باعتبار ما يترتّب‌ علی‌ الجهاد من‌ نصرة‌ الدين‌ وإظهار الحقّ. وهذا يبقي‌ أثره‌ بعد الشهادة‌ غالباً. فالوجه‌: أنّ ما يترتّب‌ علی‌ كتابة‌ العلماء لعلوم‌ الدين‌ من‌ المنافع‌ في‌ حياتهم‌ وبعد موتهم‌ أعظم‌ ممّا يترتّب‌ علی‌ الجهاد والقتل‌ في‌ سبيل‌ الله‌.

 وعن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَة‌، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.

 المراد بالصدقة‌ الوقف‌ في‌ سبيل‌ الله‌ وبالعلم‌ كتب‌ العلم‌ أو ما يشملها. ويشمل‌ العلم‌ الذي‌ تعلّمه‌ غيره‌ منه‌ وانتفع‌ به‌ الناس‌ بعده‌ كما يدلّ علیه‌ بعض‌ الاخبار الآتية‌.

 ومن‌ كلمات‌ الحكماء وعلماء الكتابة‌، قالوا:

 لَوْ أَنَّ فِي‌ الصِّنَاعَاتِ صِنَاعَةً مَعْبُودَةً لَكَانَتِ الكِتَابَةُ رَبَّاً لِكُلِّ صِنَاعَةٍ.

 قَيِّدُوا العِلْمَ بِالكِتَابِ.

 العِلْمُ صَيْدٌ وَالكِتَابَةُ قَيْدُهُ.

 الخَطُّ لِسَانُ إلیدِ.

 تَسْوِيدٌ بِخَطِّ الكَاتِبِ أَمْلَحُ مِنْ تَوْرِيدٍ بِخَدِّ الكَاعِبِ.

 كَمْ مِنْ مَآثِرَ أثْبَتَتْهَا الاَقْلاَمُ فَلَمْ تَطْمَعْ فِي‌ دُرُوسِهَا الاَيَّامُ.

 مَنْ خَدَمَ المَحَابِرَ خَدَمَتْهُ المَنَابِرُ.

 وقال‌ الشاعر:

 مِدَادٌ مِثْلُ خَافِيَةِ الغُرَابِ                         وَأَقْلاَمٌ كَمُرْهَفَةِ الحِرَابِ

 وَقِرْطَاسٌ كَرَقْرَاقِ السَّرَابِ                     وَأَلْفَاظٌ كَأَيَّامِ الشَّبَابِ [5]

 وروي‌ الخطيب‌ البغدادي‌ّ بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ الحارث‌، عن‌ عليّ اميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: قَيِّدُوا العِلْمَ، قَيِّدُوا العِلْمَ ـمَرَّتَيْن‌!

 وكذلك‌ روي‌ بسنده‌ المتّصل‌ الآخر عن‌ حبيب‌ بن‌ جُرَي‌ قال‌: قال‌ عليّ علیه‌ السلام‌: قَيِّدُوا العِلْمَ بِالكِتَاب‌.

 وروي‌ أيضا بسنده‌ الآخر عن‌ المنذر بن‌ ثعلبة‌، عن‌ عليّ علیه‌ السلام‌ قال‌: مَنْ يَشْتَرِي‌ مِنِّي‌ عِلْماً بِدِرْهَمٍ؟! قال‌ أبو خيثمة‌: يقول‌: يَشْتَرِي‌ صَحِيفةً بِدِرْهَمٍ يَكْتُبُ فِيهَا العِلْمَ.

 وروي‌ بسنده‌ الآخر أيضاً عن‌ داود بن‌ عبدالجبّار، عن‌ أبي‌ إسحاق‌ الهمداني‌ّ، عن‌ الحارث‌، عن‌ عليّ اميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: مَنْ يَشْتَرِي‌ مِنِّي‌ عِلْماً بِدِرْهَمٍ؟! قَالَ: فَذَهَبْتُ فَاشْتَرَيْتُ صُحُفاً بِدِرْهَمٍ[6] ثُمَّ جِئْتُ بِهَا. [7]

 قال‌ المستشار عبدالحليم‌ الجندي‌ّ: وفي‌ حياة‌ النبي‌ّ أو حياة‌ علی‌ّ، اقتدت‌ بعليّشيعته‌ في‌ التدوين‌. أو قُل‌: هُدِيَتْ لتنفيذ أمر الرسول‌.

 والسيوطي‌ّ يروي‌ أنّ علیاً، والحسن‌ بن‌ عليّممّن‌ أباحوا كتابة‌ العلم‌ بين‌ الصحابة‌ وفعلوها.

 وأ لّف‌ أبو رافع‌ مولي‌ الرسول‌، وصاحب‌ بيت‌ مال‌ عليّبالكوفة‌ كتاب‌ « السُّنن‌ والاحكام‌ والقضايا » . يقول‌ موسي‌ بن‌ عبدالله‌ بن‌ الحسن‌: سأل‌ أبي‌ رجل‌ عن‌ التشهّد، فقال‌ أبي‌: هات‌ كتاب‌ أبي‌ رافع‌. فأخرجه‌ فأملاه‌ علینا.

 أمّا عليّبن‌ أبي‌ رافع‌ فكتب‌ كتاباً في‌ فنون‌ الفقه‌ علی‌ مذهب‌ أهل‌ البيت‌ ـأي‌: آراء عليّبن‌ أبي‌ طالب‌ـوكانوا يعظّمون‌ شأن‌ هذا الكتاب‌ ويحملون‌ شيعتهم‌ علیه‌.

 ومن‌ الشيعة‌ زيد الجهضمي‌ّ. حارب‌ مع‌ عليّوألّف‌ كتاباً يحوي‌ خطبه‌. ومنهم‌: ربيعة‌ بن‌ سُمَيع‌ له‌ كتاب‌ في‌ زكاة‌ النعم‌ . ومنهم‌ عبدالله‌بن‌ الحرّ الفارسي‌ّ، له‌ لمعة‌ في‌ الحديث‌ جمعها في‌ عهد رسول‌ الله‌. ومنهم‌ الاصبغ‌ بن‌ نُباتة‌ صاحب‌ علی‌ّ. روي‌ عنه‌ عهده‌ إلی‌ الاشتر النخعي‌ّ، ووصيّته‌ إلی‌ ابنه‌ محمّد ابن‌ الحنفيّة‌.

 وكذلك‌ أ لّف‌ عمرو بن‌ أبي‌ المقدام‌ جامعاً في‌ الفقه‌ يرويه‌ عن‌ الإمام‌ زين‌ العابدين‌. فلمّا صـارت‌ الإمامة‌ للصـادق‌، حـضّ علی‌ تدوين‌ العلم‌ أيّاً كان‌ موضوعه‌، دينيّاً أو دنيويّاً، فقه‌ عبادات‌ أو معاملات‌ أو علوماً تطبيقيّة‌. وكان‌ يقول‌: القَلْبُ يَتَّكِلُ عَلَی‌ الكِتَابَةِ.

 وكان‌ يملي‌ علی‌ تلاميذه‌. ويجيئهم‌ بالدواة‌ والقرطاس‌. ويقول‌: اكْتُبُوا فَإنَّكُمْ لاَ تَحْفَظُونَ حَتَّي‌ تَكْتُبُوا.

 ويلتمس‌ سفيان‌ الثوري‌ّ إلیه‌ أن‌ يحدّثه‌ بحديث‌ خطبة‌ الرسول‌ بمسجد الخيف‌. ويرجوه‌ ليأمر له‌ بقرطاس‌ ودواة‌ ليثبته‌، فيأمر له‌، ثمّ يمليه‌: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. خُطْبَةُ رَسُولِ اللَهِ فِي‌ مَسْجِدِ الخَيْفِ. نَضَّرَ اللَهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي‌ فَوَعَاهَا. وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ!

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ. وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَی‌ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ.

 وكتب‌ عبدالله‌ الحلبي‌ّ كتاباً عرضه‌ علی‌ الصادق‌ فصحّحه‌ واستحسنه‌. وسنري‌ حفيده‌ الإمام‌ العسكري‌ّ يعرض‌ علیه‌ يونس‌ بن‌ عبدالرحمن‌ كتاب‌ « يوم‌ وليلة‌ » فيصحّحه‌ ويأمر بالعمل‌ به‌.

 ولمّا غاب‌ المهدي‌ّ في‌ النصف‌ الثاني‌ من‌ القرن‌ الثالث‌ أحوجت‌ الغيبة‌ إلی‌ الرجوع‌ للمدوّنات‌ التي‌ تزخر بها خزائن‌ الشيعة‌، إذ لم‌يكن‌ لديهم‌ إمامٌ ظاهر يسألونه‌. وكثرت‌ الكتابة‌ عندهم‌ في‌ القرن‌ الرابع‌.[10]

 قال‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ الصدر في‌ كتاب‌ « الشيعة‌ وفنون‌ الإسلام‌ »: الصَّحِيفَةُ الثَّالِثَةُ: فِي‌ أَوَّلِ مِنْ صَنَّفَ الآثَارَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مِنَ الشِّيعَةِ.

 صنّف‌ هؤلاء في‌ عصر واحد. لا ندري‌ أيّهم‌ السابق‌ في‌ ذلك‌. وهم‌:

 عليّ بْنُ أَبِي‌ رَافِعٍ

 صاحب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وخازن‌ بيت‌ ماله‌، وكاتبه‌.

 قال‌ النجاشي‌ّ في‌ كتابه‌ في‌ أسماء الطبقة‌ الاُولي‌ من‌ المصنّفين‌ من‌ أصحابنا عند ذكره‌: تابعي‌ من‌ خيار الشيعة‌. كانت‌ له‌ صحبة‌ من‌ أميرالمؤمنين‌، وكان‌ كاتباً له‌، وحفظ‌ كثيراً، وجمع‌ كتاباً في‌ فنون‌ من‌ الفقه‌: الوضوء، والصلاة‌، وسائر الابواب‌. ثمّ أوصل‌ إسناده‌ إلی‌ روايته‌. [11] ولاخيه‌:

 عُبَيْدُ اللَهِ بْنُ أَبِي‌ رَافِعٍ

 كاتب‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، ] له‌ [كتاب‌ « قضايا أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ »، وَ كِتَابُ «تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَیه‌ ِالسَّلاَمُ الجَمَلَ وَصِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ» كما في‌ فهرست‌ الشيخ‌ أبي‌ جعفر الطوسي‌ّ قدّس‌ سرّه‌.

 وفي‌ تقريب‌ ابن‌ حجر كان‌ كاتب‌ علی‌ّ، وهو ثقة‌ من‌ الثالثة‌. [12]

 أَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ المُجَاشِعِي‌ُّ

 من‌ خاصّة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وعَمَّرَ بعده‌. روي‌ عنه‌ عهده‌ للاشتر. قال‌ النجاشي‌ّ: وهو كتاب‌ معروف‌. ووصيّته‌ إلی‌ ابنه‌ محمّد ابن‌ الحنفيّة‌. وزاد الشيخ‌ أبو جعفر الطوسي‌ّ في‌ « الفهرست‌ »: إنّ له‌ كتاب‌ مقتل‌ الحسين‌بن‌ عليّ علیهما السلام‌، رواه‌ عنه‌ الدَّوْرِي‌ُّ. [13]

 سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ الهِلالی‌ُّ

 أبو صادق‌، صاحب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، له‌ كتاب‌ جليل‌ عظيم‌. روي‌ فيه‌ عن‌ علی‌ّ، وسلمان‌ الفارسي‌ّ، وأبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ، والمقداد، وعمّاربن‌ ياسر، وجماعة‌ من‌ كبار الصحابة‌.

 قال‌ الشيخ‌ الإمام‌ أبو عبدالله‌ النعماني‌ّ المتقدّم‌ ذكره‌ في‌ أئمّة‌ التفسير، في‌ كتابه‌ في‌ الغيبة‌، بعد نقل‌ حديث‌ من‌ « كتاب‌ سُليم‌ بن‌ قيس‌ »، ما نصّه‌: وليس‌ بين‌ جميع‌ الشيعة‌ ممّن‌ حمل‌ العلم‌ ورواه‌ عن‌ الائمّة‌ خلاف‌ في‌ أنّ « كتاب‌ سُليم‌ بن‌ قيس‌ الهلإلی‌ّ » أصل‌ من‌ كتب‌ الاُصول‌ التي‌ رواها أهل‌ العلم‌ وحملة‌ حديث‌ أهل‌ البيت‌ وأقدمها ... إلی‌ أن‌ قال‌: وهو من‌ الاُصول‌ التي‌ ترجع‌ الشيعة‌ إلیها، وتعوّل‌ علیهاـانتهي‌.

 ومات‌ سُليم‌ بن‌ قيس‌ في‌ أوّل‌ إمارة‌ الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌ بالكوفة‌.

 مِيثَمُ بْنُ يَحْيَي‌ أَبُو صَالِحِ التَّمَّار

 من‌ خواصّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وصاحب‌ سرّه‌. له‌ كتاب‌ في‌ الحديث‌ جليل‌. أكثر النقل‌ عنه‌ الشيخ‌ أبو جعفر الطوسي‌ّ، والشيخ‌ أبو عمرو الكشّي‌ّ، والطبري‌ّ في‌ « بشارة‌ المصطفي‌ » . مات‌ ميثم‌ بالكوفة‌. قتله‌ عبيدالله‌بن‌ زياد علی‌ التشيّع‌. [14]

 مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ البَجَلِي‌ُّ

 له‌ كتاب‌ يرويه‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. ذكره‌ الشيوخ‌ في‌ التابعين‌ من‌ الشيعة‌، ورووا كتابه‌. وأسند الشيخ‌ أبو جعفر الطوسي‌ّ في‌ « الفهرست‌ » عن‌ عبيد بن‌ محمّد بن‌ قيس‌، قال‌: عرضنا هذا الكتاب‌ علی‌ أبي‌ جعفر محمّد بن‌ عليّبن‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ فقال‌: هذا قول‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌، وأوّل‌ الكتاب‌: كَانَ يَقُولُ: إذَا صَلَّي‌ قَالَ فِي‌ أَوَّلِ الصَّلاَةِ ـإلی‌ آخر الكتاب‌. [15]

 يَعلی‌ بْنُ مُرَّةِ

 له‌ نسخة‌ يرويها عن‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. والنجاشي‌ّ في‌ « الفهرست‌ » أوصل‌ إسناده‌ إلی‌ رواية‌ النسخة‌ عنه‌. [16]

 عُبَيْدُ اللَهِ بْنُ الحُرِّ الجُعْفِي‌ُّ الكُوفِي‌ّ

 التابعي‌ّ، الشـاعر، الفارس‌، الفاتـك‌ . له‌ نسـخة‌ يرويـها عن‌ أميـر المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. ومات‌ أيّام‌ المختار. ذكره‌ النجاشي‌ّ في‌ الطبقة‌ الاُولي‌ من‌ المصنّفين‌ في‌ الشيعة‌. [17]

 رَبِيعَةُ بْنُ سُمَيْعٍ

 له‌ كتاب‌ في‌ زكاة‌ النعم‌. ذكره‌ النجاشي‌ّ في‌ الطبقة‌ الاُولي‌ من‌ الشيعة‌ المصنِّفين‌، وأ نّه‌ من‌ كبار التابعين‌. [18]

 الحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَهِ الاَعْوَر الهَمْدَانِي‌ُّ

 أبو زهير، صاحب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، له‌ كتاب‌ يروي‌ فيه‌ المسائل‌ التي‌ أخبر بها أميرُ المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ إلیهودي‌َّ. يرويها عمرو ابن‌ أبي‌ المقدام‌، عن‌ أبي‌ إسحاق‌ السبيعي‌ّ، عن‌ الحارث‌ الهمداني‌ّ، عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، كما في‌ فهرست‌ الشيخ‌ أبي‌ جعفر الطوسي‌ّ. مات‌ في‌ خلافة‌ ابن‌ الزبير هذا. [19]

 وذكـر المرحـوم‌ السـيّد حسـن‌ الصـدر هذه‌ الموضـوعات‌ في‌ كتاب‌ « تأسـيـس‌ الشـيعة‌ لعلوم‌ الإسلام‌ » بنحـو أكثـر تفصـيلاً، كما أشـرنا في‌ الهوامش‌. [20]

 ومن‌ الجدير ذكره‌ أنّ لعليّبن‌ أبي‌ رافع‌ مقاماً ومنزلة‌ عظيمة‌ في‌ تدوين‌ الفقه‌ عند الشيعة‌ حتّي‌ أ نّهم‌ كانوا يعملون‌ بكتابه‌. وبإيجاز كانوا يحترمونه‌ كرسالة‌ عمليّة‌ من‌ رسائل‌ الفقهاء.

 وكان‌ آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ الصدر يذكره‌ في‌ مواضع‌ كثيرة‌ كما رأينا. وأورد في‌ الفصل‌ الثالث‌ الخاص‌ بتقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الفقه‌، من‌ كتابه‌ الجليل‌ المشار إلیه‌ سلفاً أنّ الصحيفة‌ الاُولي‌ المتعلّقة‌ بأوّل‌ مصنِّف‌ ومدوِّن‌ ومرتِّب‌ للفقه‌ علی‌ أبوابه‌ هي‌ لعليّبن‌ أبي‌ رافع‌ دون‌ غيره‌.

 وقال‌ بعد ترجمته‌: وجمع‌ كتاباً في‌ فنون‌ الفقه‌ الوضوء والصلاة‌ وسائر الابواب‌. تفقّه‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وجمعه‌ في‌ أيّامه‌. أوّله‌ ( باب‌ الوضوء »: إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِإلیمِينِ قَبْلَ الشِّمَالِ مِنْ جَسَدِهِ.

 قال‌ النجاشي‌ّ: وكانوا ] الشيعة‌ [ يعظّمون‌ هذا الكتاب‌. فهو أوّل‌ من‌ صنّف‌ فيه‌ من‌ الشيعة‌.

 وذكر جلال‌ الدين‌ السيوطي‌ّ أنّ أوّل‌ من‌ صنّف‌ ـيعني‌ من‌ أهل‌ السنّة‌ـفي‌ الفقه‌ الإمام‌ أبو حنيفة‌. لانّ تصنيف‌ عليّبن‌ أبي‌ رافع‌ في‌ ذلك‌ أيّام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ قبل‌ تولّد الإمام‌ أبي‌ حنيفة‌ بزمان‌ طويل‌. بل‌ صنّف‌ في‌ الفقه‌ قبل‌ أبي‌ حنيفة‌ جماعة‌ من‌ فقهاء الشيعة‌ كالقاسم‌ بن‌ محمّد ابن‌ أبي‌ بكر التابعي‌ّ، و سعيد بن‌ المُسَيِّب‌ الفقيه‌ القرشي‌ّ المدني‌ّ أحد الفقهاء السـتّة‌ المتوفّي‌ سـنة‌ 94 ه، وكانـت‌ ولادته‌ أيّام‌ خلافة‌ عمربن‌ الخطّاب‌. والقاسم‌بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ بكر مات‌ سنة‌ ستّ ومائة‌ علی‌ الصحيح‌.

وذكر عبدالله‌ الحميري‌ّ في‌ كتابه‌ « قرب‌ الإسناد » ما لفظه‌: ذُكر عند الرضا علیه‌ السلام‌ القاسم‌ بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ بكر، وسعيد بن‌ المسيِّب‌، فقال‌: كَانَا عَلَی‌ هَذَا الامْرِ ـ يعني‌ التشيّع‌.

 وحكي‌ الكليني‌ّ في‌ « الكافي‌ » في‌ باب‌ مولد أبي‌ عبدالله‌ الصادق‌ عن‌ يحيي‌بن‌ جرير قال‌: قال‌ أبو عبدالله‌ الصادق‌: كان‌ سعيدبن‌ المسيِّب‌، والقاسم‌بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ بكر، وأبو خالد الكابلي‌ّ من‌ ثقات‌ علی‌ّبن‌ الحسين‌. وفي‌ حديث‌: إنّهما من‌ حواري‌ عليّبن‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌. [22]

 وقال‌ المرحوم‌ الصدر في‌ « تأسيس‌ الشيعة‌... » أيضاً بعد شرح‌ يدور حول‌ أوّل‌ تصنيف‌ فقهي‌ّ لعليّبن‌ أبي‌ رافع‌ في‌ الإسلام‌:... وحينئذٍ فقد وهم‌ الجلال‌ السيوطي‌ّ في‌ قوله‌ في‌ كتاب‌ « الاوائل‌ »: « إنّ أوّل‌ من‌ صنّف‌ في‌ الفقه‌ الإمام‌ أبو حنيفة‌ »، فإنّ تولّده‌ كان‌ سنة‌ مائة‌ من‌ الهجرة‌، ومات‌ سنة‌ خمسين‌ ومائة‌، فكيف‌ يكون‌ أوّل‌ من‌ صنّف‌ فيه‌؟ اللهمّ إلاّ أن‌ يريد أوّل‌ من‌ صنّف‌ فيه‌ من‌ علماء أهل‌ السنّة‌ كما هو الظاهر، فلا ينافي‌ حينئذٍ ما ذكرناه‌ من‌ تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ ذلك‌. [23]

 الصحيفة‌ السجّاديّة‌ الكاملة‌ إنجيل‌ أهل‌ البيت‌، زبور آل‌ محمّد

  كُلُّ شَي‌ْءٍ مِنَ الجَمِيلِ جَمِيلُ

 ( 56 ) رَبِّ صَلِّ عَلَی‌ أَطَائِـبِ أَهْلِ بَيْـتِهِ الَّذِيـنَ اخْتَـرْتَـهُمْ لاَمْـرِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِينِكَ، وَخُلَفَاءَكَ فِي‌ أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلَی‌ عِبَادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإرادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمُ الوَسِيلَةَ إلَیكَ، وَالمَسْلَكَ إلَی‌ جَنَّتِكَ.

 ( 57 ) رَبِّ صَلِّ عَلَی‌ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تُجْـزِلُ لَهُـمْ بِهَا مِـنْ نِحَلِكَ وَكَرَامَتِكَ، وَتُكْمِلُ لَهُمُ الاَشْيَاءَ مِنْ عَطَايَاكَ وَنَوَافِلِكَ، وَتُوَفِّرُ عَلَیهِمُ الحَظَّ مِنْ عَوَائِدِكَ وَفَوَائِدِكَ.

 ( 58 ) رَبِّ صَـلِّ عَلَیهِ وَعَلَیهِـمْ صَلاَةً لاَ أَمَدَ فِي‌ أَوَّلِهَا، وَلاَ غَـأيةَ لاِمَدِهَا، وَلاَ نِهَايَةَ لآخِرِهَا.

 ( 59 ) رَبِّ صَلِّ عَلَیهِـمْ زِنَةَ عَرْشِـكَ وَمَا دُونَهُ، وَمِلاْ سَـمَاوَاتِكَ وَمَا فَوْقَهُنَّ، وَعَدَدَ أَرَضِيكَ وَمَا تَحْتَهُنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ، صَلاَةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْكَ زُلْفَي‌، وَتَكُونُ لَكَ وَلَهُمْ رِضيً، وَمُتَّصِلَةً بِنَظَائِرِهِنَّ أَبَداً.

 ( 60 ) اللَهُمَّ إنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي‌ كُلِّ أَوَانٍ بِإمَامٍ أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ، وَمَنَاراً فِي‌ بِلاَدِكَ بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وَجَعَلْتَهُ الذَّرِيعَةَ إلَی‌ رِضوَانِكَ، وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَالانْتِهَاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَأَلاَّ يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلاَ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ. فَهُوَ عِصْمَةُ اللاَّئِذِينَ، وَكَهْفُ المُؤْمِنِينَ، وَعُرْوَةُ المُتَمَسِّكِينَ، وَبَهَاءُ العَالَمِينَ.

 ( 61 ) اللَهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَیهِ، وَأَوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِيهِ، وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الاَعَزِّ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ، وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَانْصُرْهُ بِمَلاَئِكَتِكَ، وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الاَغْلَبِ.

 ( 62 ) وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَهُمَّ عَلَیهِ وَعَلَی‌ آلِهِ، وَأَحْي‌ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِينِكَ، وَاجْلُ بِهِ صَدَأَ الجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ، وَابْنِ بِهِ الضَّرَّاءَ مِنْ سَبِيلِكَ، وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ، وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً.

 ( 63 ) وَأَلِنْ جَانِبَهُ لاِوْلِيَائِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَی‌ أَعْدَائِكَ، وَهَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ، وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفي‌ رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَی‌ نُصْرَتِهِ وَالمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ، وَإلَیكَ وَإلَی‌ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَهُمَّ عَلَیهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ.

 ( 64 ) اللَهُمَّ وَصَلِّ عَلَی‌ أَوْلِيَائِهِمُ المُعْتَرِفِينَ بِمَقَامِهِمْ، المُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمْ، المُقْتَفِينَ آثَارَهُمْ، المُسْتَمْسِكِينَ بِعُروَتِهِمْ، المُتَمَسِّكِينَ بِوِلاَيَتِهِمْ، المُؤْتَمِّينَ بِإمَامَتِهِمْ، المُسَلِّمِينَ لاِمْرِهِمْ، المُجْتَهِدِينَ فِي‌ طَاعَتِهِمْ، المُنْتَظِرِينَ أَيَّامَهُمْ، المَادِّينَ إلَیهِمْ أَعْيُنَهُمْ، الصَّلَوَاتِ المُبَارِكَاتِ الزَّاكِيَاتِ النَّامِيَاتِ الغَادِيَاتِ الرَّائِحَاتِ.

 ( 65 ) وَسَلِّمْ عَلَیهِمْ وَعَلَی‌ أَرْوَاحِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَی‌ التَّقْوَي‌ أَمْرَهُمْ، وَأَصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ، وَتُبْ عَلَیهِمْ إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَخَيْرُ الغَافِرِينَ، وَاجْعَلْنَا مَعَهُمْ فِي‌ دَارِ السَّلاَمِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.[26]

 أجل‌، لمّا كان‌ كلامنا في‌ هذه‌ العُجالة‌ يدور حول‌ « الصحيفة‌ السجّاديّة‌ الإلهيّة‌ الكاملة‌ » التي‌ أنشأها وأملاها إمامنا الهُمام‌ سيّد العابدين‌ وزين‌الساجدين‌ عليّبن‌ الحسين‌ بن‌ عليّبن‌ أبي‌ طالب‌ علیهم‌ أفضل‌ الصلاة‌ وأتمّ التحيّة‌ والإكرام‌، [27] فلم‌ أجد كلاماً يأخذ بالاعناق‌ ويملك‌ القلوب‌ أفضل‌ من‌ الكلام‌ الوارد في‌ هذه‌ الفقرات‌ الدعائيّة‌ التي‌ أنشأها الإمام‌ علیه‌ السلام‌ يوم‌ عرفة‌ مبتهلاً بها إلی‌ الله‌ تعإلی‌. ولم‌ أجد ما قاله‌ العلماء والاُدباء والشعراء والمؤرّخون‌ والمفسّرون‌ والحكماء الاجلاّء والعرفاء ذوي‌ العزّة‌ والاعتبار منذ عصر الإمام‌ حتّي‌ الآن‌ كهذا الكلام‌ الذي‌ يناسب‌ كثيراً كتابنا الحإلی‌ الدائر حول‌ الإمامة‌ والإمام‌، والخلافة‌ والخليفة‌، والولاية‌ والولي‌ّ. وعلی‌ الرغم‌ من‌ أنّ البحث‌ في‌ « معرفة‌ الإمام‌ » وتعريف‌ حقيقته‌ وولايته‌ التي‌ ترشّحت‌ من‌ أعماقه‌ علی‌ شكل‌ عبائر دعائيّة‌ لاتنحصر بهذا الدعاء وفقراته‌، [28] بيد أ نّا إذا لاحظنا هذا المقدار المذكور يستبين‌ لنا كيف‌ أماط‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ اللثام‌ عن‌ حقيقة‌ الإمامة‌ والخلافة‌، وكيف‌ بيّن‌ مكانتها، وواجب‌ الاُمّة‌ حيالها، ولزوم‌ وجود الإمام‌ في‌ كلّ عصر وزمان‌! ويتسـنّي‌ لنا أن‌ نسـتنتج‌ ونسـتخرج‌ ونسـتنبط‌ جميـع‌ مضـامين‌ الادعية‌ والزيارات‌ التي‌ ذكرها الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌، وأبواب‌ التوحيد والولاية‌ المذكورة‌ في‌ هذه‌ الاخبار مفصّلاً من‌ هذه‌ الفقرات‌ القصيرة‌ المختصرة‌. ونجعلها في‌ الحقيقة‌ مصدراً وينبوعاً رائقاً سلسالاً نتمثّله‌ في‌ كلمات‌ الإمام‌ الباقر، والإمام‌ الصادق‌، والإمام‌ الرضا، وسائر الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌. ونأخذ منها الاحتجاجات‌ والاستشهادات‌ والشروح‌ المفصّلة‌ الدائرة‌ حول‌ مقام‌ الوحدة‌ الإلهيّة‌، والنبوّة‌ المصطفويّة‌ والولاية‌ المرتضويّة‌ حتّي‌ الإمام‌ الحجّة‌ ابن‌ الحسن‌ العسكري‌ّ أرواحنا فداه‌.

 ويواصل‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ حديثه‌ أيضاً في‌ هذا الدعاء المنيف‌، إلی‌ أن‌ يقول‌:

 وَإنِّي‌ وَإنْ لَمْ أُقَدِّمْ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الصَّالِحَاتِ فَقَدْ قَدَّمْتُ تُوحِيدَكَ وَنَفْي‌َ الاضْدادِ وَالاندادِ وَالاَشْباهِ عَنْكَ، وَأَتَيْتُكَ مِنَ الاَبْوَابِ الَّتِي‌ أَمَرْتَ أَنْ يُؤْتَي‌ مِنْهَا، وتَقَرَّبْتُ إلَیكَ بِمَا لاَ يَقْرُبُ أَحَدٌ مِنْكَ إلاَّ بِالتَّقَرُّبِ بِهِ.

 ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذَلِكَ بِالإنَابَةِ إلَیكَ، وَالتَّذَلُّلِ وَالاسْتِكَانَةِ لَكَ، وَحُسْنَ الظَّنِّ بِكَ، وَالثَّقَةِ بِمَا عِنْدَكَ، وَشَفَعْتُهُ بِرَجَائِكَ الَّذِي‌ قَلَّ مَا يَخِيبُ عَلَیهِ رَاجِيكَ [29]

 ويستمرّ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ في‌ دعائه‌ علی‌ هذا المنوال‌، إلی‌ أن‌ يقول‌:

 بِحَقِّ مَنِ انْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَبِمَنِ اصْطَفَيْتَهُ لِنَفْسِكَ!

 بِحَقِّ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ بَرِيَّتِكَ وَمَنِ اجْتَبْيتَ لِشَأْنِكَ!

 بِحَقِّ مَنْ وَصَلْتَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِكَ، وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ!

 بِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوالاتَهُ بِمُوالاَتِكَ، وَمَنْ نُطْتَ مُعَادَاتَهُ بِمَعَادَاتِكَ؛ تَغَمَّدْنِي‌ فِي‌ يَوْمِي‌ هَذَا بِمَا تَتَغَمَّدُ بِهِ مَنْ جَأَرَ إلَیكَ مُتَنَصِّلاً، وَعَاذَ بِاسْتِغْفَارِكَ تَائِباً! [30]

 هذا نموذج‌ من‌ « الصحيفة‌ السجّاديّة‌ الكاملة‌ » التي‌ تدهش‌ أُولي‌ الالباب‌، وتدفع‌ النابهين‌ إلی‌ التأمّل‌ والتفكير، وتستتبع‌ الحكماء العلماء، وترغم‌ العلماء ذوي‌ الدراية‌ علی‌ قبولها، وترغم‌ العارفين‌ من‌ أصحاب‌ الفكر الوقّاد علی‌ أن‌ يخضعوا ويخشعوا أمام‌ هذه‌ التعإلیم‌ العظيمة‌.

 حتّي‌ نجد أنّ ذلك‌ الرجل‌ الجليل‌ الحكيم‌ المتألّه‌ الفقيه‌ الخبير الشاعر المفلق‌ الاديب‌ الضليع‌ الجامع‌ للكمالات‌ الحسنة‌ كلّها، آية‌ الله‌ المرحوم‌ السيّد علی‌ خان‌ المدني‌ّ الشـيرازي‌ّ الكبير تغمّده‌ الله‌ برضـوانه‌ قد كتب‌ علیها شرحاً عظيماً برهن‌ فيه‌ علی‌ حاجة‌ أولي‌ الفضل‌ والعلم‌ إلیها، وكأنّ حقّها لم‌ يُوَفَّ بدونه‌، وكأ نّها لم‌ تظهر لارباب‌ الادب‌ والعرفان‌ بغيره‌. وكان‌ لعلماء باحثين‌ آخرين‌ جهود مشكورة‌ في‌ رحابها كالملاّ محمّد محسن‌ المعروف‌ بالفيض‌ الكاشاني‌ّ، إذ كتب‌ تعلیقة‌ علیها، والشيخ‌ بهاءالدين‌ العاملي‌ّ، والسيّد محمّد باقر الداماد المعروف‌ بالميرداماد، إذ لهما شروح‌ ممتعة‌ مفيدة‌ علیها. هذا ماعدا الشروح‌ الاُخري‌ التي‌ نهض‌ بأعبائها بعض‌ الاعلام‌ أخيراً كآية‌ الله‌ المدرّسي‌ّ الجهاردهي‌ّ، وآية‌ الله‌ الميرزا أبي‌ الحسن‌ الشعراني‌ّ الذي‌ كتب‌ تعلیقة‌ علیها.

 قال‌ آية‌ الله‌ أبو المعإلی‌ السـيّد شهاب‌ الديـن‌ المرعشـي‌ّ النجـفي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌: وإنّي‌ في‌ سنة‌ 1353 بعثت‌ نسخة‌ من‌ الصحيفة‌ الشريفة‌ إلی‌ العلاّمة‌ المعاصر الشـيخ‌ الجوهـري‌ّ الطنطاوي‌ّ ـصاحب‌ التفسـير المعروف‌ مفتي‌ الإسكندريّة‌ـ ليطـالعها . فكتب‌ إلی‌َّ من‌ القاهـرة‌ وصـول‌ الصحيفة‌، وشكرني‌ علی‌ هذه‌ الهديّة‌ السنيّة‌؛ وأطري‌ في‌ مدحها والثناء علیها، إلی‌ أن‌ قال‌:

 وَمِنَ الشَّقَاءِ أَ نَّا إلی‌ الآن‌ لَمْ نَقِفْ عَلَی‌ هَذَا الاَثَرِ القَيِّمِ الخَالِدِ مِنْ مَوَارِيثِ النُّبُوَّةِ وَأَهْلِ البَيْتِ.