معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام(المجلد الخامس‌عشر)
کتاب معرفة الامام / المجلد الخامس عشر / القسم العاشر: قیام و مقام زید بن علی، قیام ابنی عبد الله محض، خروج زید النار

نهضة‌ زيد بن‌ عليّ وبكاء الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ علیه‌

 وروي‌ فيه‌ أيضاً بإسناده‌ عن‌ الفضيل‌ بن‌ يسار [1] قال‌: انتهيتُ إلی‌ زيد ابن‌ عليّ علیه‌ السلام‌ صبيحة‌ يوم‌ خرج‌ بالكوفة‌ فسمعته‌ يقول‌: مَنْ يُعِينُنِي‌ مِنْكُمْ عَلَی‌ قِتَالِ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ؟! فَوَالَّذِي‌ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ بِالحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً لاَ يُعِينُنِي‌ عَلَی‌ قِتَالِهِمْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ بِإذْنِ اللَهِ تَعَإلَی‌.

 فلمّا قُتِل‌، اكتـريتُ راحـلةً وتوجّـهتُ نحو المديـنة‌ فدخـلتُ علی‌ أبي‌عبدالله‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌، فقلتُ في‌ نفسي‌: والله‌ لا أخبرته‌ بقتل‌ زيدبن‌ عليّفيجزع‌ علیه‌. فلمّا دخلتُ علیه‌، قال‌: مَا فَعَلَ عَمِّي‌ زَيْدٌ؟! فخنقتني‌ العَبرة‌. فقال‌: قَتَلُوهُ؟! قلتُ: إي‌ وَاللَهِ قَتَلُوهُ! قال‌: فَصَلَبُوهُ؟! قلتُ: إي‌ وَاللَهِ صَلَبُوهُ! فَأَقْبَلَ يَبْكِي‌ وَدُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ عَلَی‌ دِيبَاجَتَي‌ْ [2]خَدِّهِ كَأَ نَّهَا الجُمَانُ.

 ثمّ قال‌: يا فضيل‌! شَهِدْتَ مَعَ عَمِّي‌ زَيْدٍ قِتَالَ أَهْلِ الشَّامِ؟! قلتُ: نعم‌!

 قال‌: كَمْ قَتَلْتَ مِنْهُمْ؟! قُلْتُ: سِتَّةً.

 قال‌: فَلَعَلَّكَ شَاكٌّ فِي‌ دِمَائِهِمْ؟!

 قلتُ: لَوْ كُنْتُ شَاكَّاً فِي‌ دِمَائِهِمْ مَا قَتَلْتُهُمْ!

 قال‌ الفضيل‌: فسمعته‌ يقول‌: أَشْرَكَنِي‌ اللَهُ فِي‌ تِلْكَ الدِّمَاءِ. مَضَي‌ عَمِّي‌ زَيْدٍ وَأَصْحَابُهُ شُهَدَاءَ مِثْلَ مَا مَضَي‌ عَلَیهِ علی بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ وَأَصْحَابُهُ. [3]

 ومنها ما في‌ بعض‌ المراسيل‌ من‌ أ نّه‌ لمّا أقبلت‌ الشيعة‌ إلیه‌ وبايعته‌، خرج‌ سنة‌ إحدي‌ وعشرين‌ ومائة‌. فلمّا صفّقت‌ الراية‌ علی‌ رأسه‌ قال‌: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ أَكْمَلَ لِي‌ دِيـنَهُ. إنِّي‌ كُنْـتُ أَسْـتَحـيِي‌ مِنْ رَسُـولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ أَنْ أَرِدَ عَلَیهِ الحَوْضَ غَداً وَلَمْ آمُرْ فِي‌ أُمّتِهِ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ أَنْهَي‌ عَنْ مُنْكَرٍ.

نهضة‌ زيد بن‌ عليّ لمقارعة‌ الظلم‌، لا لدعوة‌ الناس‌ إلی‌ إمامته‌

 وفي‌ رواية‌ عمير بن‌ المتوكّل‌ بن‌ هارون‌ البجلي‌ّ، عن‌ أبيه‌ المتوكّل‌بن‌ هارون‌ أ نّه‌ لقي‌ يحيي‌ بن‌ زيد بعد قتل‌ أبيه‌ وهو متوجّه‌ إلی‌ خراسان‌، وقال‌ له‌ يحيي‌: سَمِعْتُ أَبِي‌ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ علی عَلَیهِمَا السَّلاَمُ، قَالَ: وَضَعَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ يَدَهُ عَلَی‌ صُلْبِي‌ فَقَالَ: يَا حُسَيْنُ! يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ زَيْدٌ يُقْتَلُ شَهِيداً، فَإذَا كَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَتَخَطي‌ هُوَ وَأَصْحَابُهُ رِقَابِ النَّاسِ وَيَدْخُلُ الجَنَّةَ؛ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ كَمَا وَصَفَنِي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

 قَالَ: رَحِمَ اللَهُ أَبِي‌ زَيْداً، كَانَ وَاللَهِ أَحَدَ المُتَعَبِّدينَ، قَائِمٌ لَيْلُهُ، صَائِمٌ نَهَارُهُ، مُجَاهِدٌ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ جِهَادِهِ.

 فَقُلْتُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ! هَكَذَا يَكُونَ الإمام بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟!

 فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَهِ! إنَّ أَبِي‌ لَمْ يَكُنْ بِإمَامٍ وَلَكِنْ مِنَ السَّادَةِ الكِرَامِ وَزُهَّادِهِمْ وَكَانَ مِنَ المُجَاهِدِينَ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ.

 قُلْتُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ! إنَّ أَبَاكَ قَدِ ادَّعَي‌ الإمامةَ وَخَرَجَ مُجَاهِداً وَقَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ ادَّعَـي‌ الإمامةَ كَاذِباً.

 فَقَالَ: مَهْ يَا عَبْدَ اللَهِ! إنَّ أَبِي‌ كَانَ أَعْقَلَ مِنْ أَنْ يَدَّعِي‌ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ. وَإنَّمَا قَالَ: أَدْعُوكُمْ إلَی‌ الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ. عَنَي‌ بِذَلِكَ عَمِّي‌ جَعْفَراً.

 قُلْتُ: فَهُوَ إلیوْمَ صَاحِبُ الاَمْرِ؟!

 قَالَ: نَعَمْ، هُوَ أَفْقَهُ بَنِي‌ هَاشِمٍ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَهِ! إنِّي‌ أُخْبِرُكَ عَنْ أَبِي‌ ـ إلَی‌ آخِرِ مَا نَقَلَهُ مِنْ زُهْدِ أَبِيهِ وَعِبَادَتِهِ! [4]

 ذكرنا إلی‌ هنا مجملاً لبعض‌ الروايات‌ الواردة‌ في‌ « تنقيح‌ المقال‌ » . وذلك‌ بحث‌ حامَ حول‌ زيد الشهيد.

 وننقل‌ فيما يأتـي‌ مجـملاً لبحـث‌ السـيّد ابـن‌ طاووس‌ في‌ كتاب‌ « الإقبال‌ »، في‌ أعمال‌ محرّم‌ الحرام‌، أعمال‌ عاشوراء، حول‌ بني‌ الحسن‌. وفيه‌ استنتج‌ أ نّهم‌ جميعاً كانوا يعترفون‌ بإمامة‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌. ثمّ نتحدّث‌ عن‌ هذا الموضوع‌ بإيجاز.

رسالة‌الإمام الصادق‌ إلی‌ عبد الله‌ المحض‌ عند تحرّكه‌ إلی‌ بغداد

استشهاد ابن‌ طاووس‌ برواية‌ الصادق‌ علی‌ حسن‌ حال‌ بني‌ الحسن‌

 تحدّث‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ في‌ هذا المجال‌ مفصّلاً. وأورد في‌ بداية‌ حديثه‌ ـ بأسناد متعدّدة‌ـ رسالة‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ التي‌ كان‌ قد كتبها إلی‌ بني‌ الحسن‌ عند سوقهم‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ الربذة‌ والكوفة‌. وفيها:

 بِسمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إلَی‌ الخَلَفِ الصَّالِحِ وَالذُّرِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ مِنْ وَلْدِ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ.

 أَمَّا بَعْدُ؛ فَلَئِنْ كُنْتَ تَفَرَّدْتَ أَنْتَ وَأَهْلَ بَيْتِكَ مِمَّنْ حُمِلَ مَعَكَ بِمَا أَصَابَكُمْ، مَا انْفَرَدْتَ بِالحُزْنِ وَالغِبْطَةِ وَالكَآبَةِ وَإلیمِ وَجَعِ القَلْبِ دُونِي‌! فَلَقَدْ نَالَنِي‌ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الجَزَعِ وَالقَلَقِ وَحَرِّ المُصِيبَةِ مِثْلُ مَا نَالَكَ، وَلَكِنْ رَجَعْتُ إلَی‌ مَا أَمَرَ اللَهُ جَلَّ جَلاَلُهُ بِهِ المُتَّقِينَ مِنَ الصَّبْرِ وَحُسْنِ العَزَاءِ حِينَ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ: «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا»! [5]

 ويذكر الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أربع‌ عشرة‌ آيةً قرآنيّة‌ ـ مع‌ هذه‌ الآية‌ـ في‌ فضيلة‌ الصبر، ويأتي‌ بشاهد ومثال‌، ثمّ يقول‌:

 وَاعْلَمْ أَي‌ْ عَمِّ وَابْنَ عَمِّ! أَنَّ اللَهَ جَلَّ جَلاَلُهُ لَمْ يُبَالِ بِضُرِّ الدُّنْيَا لِوَلِيِّهِ سَاعَةً قَطُّ وَلاَ شَي‌ْءَ أَحَبُّ إلَیهِ مِنَ الضُّرِّ وَالجُهْدِ وَالاَذَاءِ مَعَ الصَّبْرِ. وَأَ نَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَإلَی‌ لَمْ يُبَالِ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا لِعَدُوِّهِ سَاعَةً قَطُّ.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا كَانَ أَعْدَاؤُهُ يَقْتُلُونَ أَوْلِيَاءَهُ وَيُخْيفُونَهُمْ، [6] وَيَمْنَعُونَهُمْ وَأَعْدَاؤُهُ آمِنُونَ مُطمَئِنُّونَ عَالُونَ ظَاهِرُونَ.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا قُتِلَ زَكَرِيَّا وَاحْتُجِبَ يَحْيَي‌ ظُلْماً وَعُدْوَاناً فِي‌ بَغِي‌ِّ مِنَ البَغَايَا.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا قُتِلَ جَدُّكَ عليّبْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ لَمَّا قَامَ بِأَمْرِ اللَهِ جَلَّ وَعَزَّ ظُلْماً، وَعَمُّكَ الحُسَيْنُ ابْنُ فَاطِمَةَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِمَا اضْطِهَاداً وَعُدْوَاناً.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا قَالَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي‌ كِتَابِهِ: «وَلَوْلآ أَن‌ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَ ' حِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن‌ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـ'نِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن‌ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَیهَا يَظْهَرُونَ». [7]

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا قَالَ فِي‌ كِتَابِهِ: «أَيَحْسَبُونَ أَ نَّمَا نُمِدُّهُم‌ بِهِ مِن‌ مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي‌ الْخَيْرَ ' تِ بَل‌ لاَّ يَشْعُرُونَ». [8]

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا جَاءَ فِي‌ الحَدِيثِ: لَوْلاَ أَنْ يَحْزَنَ المُؤْمِنُ لَجَعَلْتُ لِلكَافِرِ عِصَابَةً مِنْ حَدِيدٍ لاَ يُصْدَعُ رَأْسُهُ أَبَداً.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا جَاءَ فِي‌ الحَدِيثِ: إنَّ الدُّنْيَا لاَ تُسَاوِي‌ عِنْدَ اللَهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا سَقَيَ كَافِراً مِنْهَا شُرْبَةً مِنْ مَاءٍ.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا جَاءَ فِي‌ الحَدِيثِ: لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً عَلَی‌ قُلَّةِ جَبَلٍ لَبَعَثَ اللَهُ لَهُ كَافِراً أَوْ مُنَافِقَاً يُؤْذِيهِ.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا جَاءَ فِي‌ الحَدِيثِ: إنَّهُ إذَا أَحَبَّ اللَهُ قَوْماً أَوْ أَحَبَّ عَبْداً صَبَّ عَلَیهِ البَلاَءَ صَبَّاً، فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ غَمٍّ إلاَّ وَقَعَ فِي‌ غَمٍّ.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا جَاءَ فِي‌ الحَدِيثِ: مَا مِنْ جُرْعَتَيْنِ أَحَبَّ إلَی‌ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْرَعَهُمَا عَبْدُهُ المُؤْمِنُ فِي‌ الدُّنْيَا مِنْ جُرْعَةِ كَظْمِ غَيْظٍ، وَجُرْعَةِ حُزْنٍ عِنْدَ مُصِـيبَةٍ صَبَرَ عَلَیهَا بِحُسْـنِ عَزَاءٍ وَاحْتِسَابٍ.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ يَدْعُونَ عَلَی‌ مَنْ ظَلَمَهُمْ بِطُولِ العُمْرِ وَصِحَةِ البَدَنِ وَكَثْرَةِ المَالِ وَالوَلَدِ.

 وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ كَانَ إذَا خَصَّ رَجُلاً بِالتَّرحُّمِ عَلَیهِ وَالاسْتِغْفَارِ اسْتُشْهِدَ. فَعَلَیكُمْ يَا عَمِّ وَابْنَ عَمِّ وَبَنِي‌ عُمُومَتِي‌ وَإخْوَتِي‌ بِالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ إلَی‌ اللَهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالرِّضَا وَالصَّبْرِ عَلَی‌ قَضَائِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِطَاعَتِهِ وَالنُّزُولِ عِنْدَ أَمْرِهِ!

 أَفْرَغَ اللَهُ عَلَینَا وَعَلَیكُمُ الصَّبْرَ، وَخَتَمَ لَنَا وَلَكُمْ بِالاَجْرِ وَالسَّعَادَةِ، وَأَنْقَذَكُمْ وَإيَّانَا مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ بِحَوْلِهِ وَقَوَّتِهِ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، وَصَلَّي‌ اللَهُ عَلَی‌ صَفْوَتِهِ مِنْ خَلْفِهِ مُحَمَّدٍ النَّبِي‌ِّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ. [9]

 ثمّ قال‌ السيّد عليُ بن طاووس‌: وهذا آخر التعزية‌ بلفظها من‌ أصل‌ صحيح‌ بخطّ محمّد بن‌ عليُ بن مَهْجَناب‌ البزّاز. تأريخه‌ في‌ صفر سنة‌ ثمان‌ وأربعين‌ وأربعمائة‌. وقد اشتملت‌ هذه‌ التعزية‌ علی‌ وصف‌ عبدالله‌بن‌ الحسن‌ بالعبد الصالح‌ . وهذا يدلّ علی‌ أنّ هذه‌ الجماعة‌ المحمولين‌ كانوا عند مولانا الصادق‌ علیه‌ السلام‌ معذورين‌ وممدوحين‌ ومظلومين‌ وبحبّه‌ عارفين‌.

 ثمّ قال‌ بعد ذلك‌: وقد يوجد في‌ الكتب‌ أ نّهم‌ كانوا للصادقين‌ علیهما السلام‌ مفارقين‌ وذلك‌ محتملٌ للتقيّة‌ لئلاّ يُنسب‌ إظهارهم‌ لإنكار المنكر إلی‌ الائمّة‌ الطاهرين‌.

 وذكر خبراً عن‌ خلاّد بن‌ عُمير الكندي‌ّ ( مولي‌ آل‌ حُجر بن‌ عدي‌ّ ) دليلاً علی‌ هذه‌ الموضوع‌. قال‌ خلاّد: دخلتُ علی‌ أبي‌ عبد الله‌ علیه‌ السلام‌، فقال‌: هل‌ لكم‌ عِلمٌ بآل‌ الحسن‌ الذين‌ خرج‌ بهم‌ ممّا قبلنا؟! وكان‌ قد اتّصل‌ بنا عنهم‌ خبر، فلم‌ نحبّ أن‌ نبدأه‌ به‌، فقلنا: نَرْجُوا أن‌ يُعافِيهُمُ اللَهُ: فقال‌: وَأَيْنَ هُمْ مِنَ العَافِيَةِ؟! ( أي‌: كم‌ هم‌ بعيدون‌ عن‌ بلوغ‌ العافية‌!) .

 ثُمّ بَكَي‌ حَتَّي‌ عَلاَ صَوْتُهُ وَبَكِينَا.

 ثمّ قال‌: حدّثني‌ أبي‌ عن‌ فاطمة‌ ابنة‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌، قالت‌: حدّثني‌ أبي‌ صلوات‌ الله‌ علیه‌ يقول‌: يُقْتَلُ مِنْكِ ـ أَوْ يُصَابُ مِنْكِ ـ نَفَرٌ بِشَطِّ الفُرَاتِ مَا سَبَقَهُمُ الاَوَّلُونَ، وَلاَ يُدْرِكُهُمُ الآخِرُونَ! وَإنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ وُلْدِهَا غَيْرُهُمْ.

 وأيضاً ما رواه‌ أبو الفرج‌ الإصفهاني‌ّ عن‌ يحيي‌ بن‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ الذي‌ سلم‌ من‌ الذين‌ تخلّفوا في‌ الحبس‌ من‌ بني‌ حَسَن‌، فقال‌: حدّثنا عبدالله‌ ابن‌ فاطمة‌، عن‌ أبيها، عن‌ جدّتها فاطمة‌ ابنة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قالت‌: قال‌ لي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: يُدْفَنُ مِنْ وُلْدِي‌ سَبْعَةٌ بِشَطِّ الفُرَاتِ لَمْ يَسْبِقْهُمُ الاَوَّلُونَ وَلَمْ يُدْرِكْهُمُ الآخِرُونَ.

 ( يقول‌ يحيي‌ بن‌ راوي‌ الرواية‌ عبد الله‌ بن‌ فاطمة‌، ابن‌ حسن‌بن‌ حسن‌ ـعبدالله‌ المحض‌ـ: لمّا قرأ عبد الله‌ هذه‌ الرواية‌ ) قلتُ له‌: نَحْنُ ثَمَانِيَةٌ.

 قال‌: هَكَذَا سَمِعْتُ.

 فلمّا فتحوا الباب‌، وجدوهم‌ موتي‌. وأصابوني‌ وبي‌ رَمَقٌ، وسقوني‌ ماءً، وأخرجوني‌، فعِشتُ.

 ذكر ابن‌ طاووس‌ هنا عدداً من‌ الروايات‌ مفـادها أنّ بني‌ الحسـن‌ لم‌يقولوا بمهدويّة‌ محمّد النفس‌ الزكيّة‌، بل‌ كانوا يرون‌ أنّ خروجه‌ من‌ باب‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر. [10]

نتيجة‌ البحث‌ حول‌ الثائرين‌ بالسيف‌ من‌ بني‌ فاطمة‌ علیها السلام‌

 يقول‌ الحقير: يتبلور البحث‌ حول‌ الخارجين‌ بالسيف‌ من‌ العلويّين‌ في‌ خمسة‌ أقسام‌:

 الاوّل‌: سجناء بني‌ الحسن‌ الذين‌ سجنهم‌ المنصور، كعبدالله‌ المحض‌، وإبراهيم‌ الغمر، والحسن‌ المثلّث‌، وغيرهم‌.

 الثاني‌: محمّد وإبراهيم‌ ابنا عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ الحسن‌.

 الثالث‌: الحسين‌ بن‌ عليُ بن الحسن‌ المثلّث‌: شهيد واقعة‌ فَخّ.

 الرابع‌: زيد بن‌ موسي‌ بن‌ جعفر، أخو الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌.

 الخامس‌: زيد بن‌ عليُ بن الحسين‌ الشهيد المصلوب‌ في‌ الكوفة‌.

 أمّا أولاد الحسن‌ المثنّي‌: عبد الله‌، وإبراهيم‌، والحسن‌ المثلّث‌، وأولاد الحسن‌ وسائر المحبوسين‌ في‌ سجن‌ الدوانيقي‌ّ، فلم‌ تصلنا الاخبار في‌ ذمّهم‌، بل‌ وصلتنا أخبار تمدحهم‌ وتثني‌ علیهم‌. وتسرد لنا شكوي‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ من‌ أنصار المدينة‌ إذ بايعوا رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ علی‌ أن‌ ينصروا ولده‌، ويذبّوا بني‌ الحسن‌. وهذا كلّه‌، مع‌ بكاء الإمام‌ علیه‌ السلام‌ وعزائه‌ علیهم‌، يدلّ علی‌ ظُلامتهم‌. [11]

 إنّ أُولئك‌ لم‌ يخرجوا بالسيف‌، ولم‌ يفعلوا شيئاً بغير إذن‌ الإمام‌. ولقد سجنهم‌ المنصور لا نّهم‌ لم‌ يدلّوا علی‌ محمّد وإبراهيم‌، ثمّ قتلهم‌ في‌ آخر المطاف‌.

 ومن‌ الطـبيعي‌ّ أ نّهم‌ ـ جملةً ـ لم‌ يطـيعوا الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ ولم‌ينقادوا إلیه‌، ولم‌ يروه‌ إماماً مفترض‌ الطاعة‌، بَيدَ أنّ سجنهم‌ كان‌ من‌ وحي‌ الظـلامة‌، والدفـاع‌ عن‌ المظلـوم‌، والتغلّـب‌ علی‌ الظـالم‌، والامر بالمعروف‌، والنهي‌ عن‌ المنكر. إنّهم‌ كانوا كفوئين‌ متعبّدين‌ متهجّدين‌ قارئين‌ للقرآن‌ حافظين‌ له‌ مستقيمين‌ صامدين‌، وكانوا يرون‌ أنفسهم‌ أُولي‌ دراية‌ وفهم‌ وإدراك‌ بصورة‌ مستقلّة‌، ويعتقدون‌ أنّ لهم‌ شأناً ومكانةً ومنزلةً . وفي‌ الوقت‌ نفسه‌ كانوا يقرّون‌ للإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ بالفضل‌ والعلم‌ والبصيرة‌. [12]

 وأمّا محمّد الملقّب‌ بالنفس‌ الزكيّة‌، فالاخبار تنصّ علی‌ مخالفته‌ للإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ كما يُستشفّ ذلك‌ من‌ طلبه‌ البيعة‌، وسجنه‌ الإمام‌ بإشارة‌ من‌ عيسي‌ بن‌ زيد بن‌ عليُ بن الحسين‌، وقتل‌ إسماعيل‌ بن‌ عبدالله‌ ابن‌جعفر بسبب‌ عدم‌ البيعة‌، وكلام‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ فيه‌:

 إنَّهُ الاَحْوَلُ الاَكْشَفُ الاَخْضَرُ المَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ عِنْدَ بَطْنِ مَسِيلِهَا .

 وكلامه‌ الآخر أيضاً: فَوَ اللَهِ إنِّي‌ لاَرَاهُ أَشَأَمَ سَلْحَةٍ أَخْرَجَتْهَا أَصْلاَبُ الرِّجَالِ إلَی‌ أَرْحَامِ النِّسَاءِ .

 وخروجه‌ العقيم‌ الذي‌ سبّب‌ إراقة‌ دماء المسلمين‌ علی‌ أساس‌ توهّم‌ المهدويّة‌ فيه‌. كلّ ذلك‌ يدلّ علی‌ مثلبته‌.

 وأمّا أخوه‌ إبراهيم‌، فقد خرج‌ أيضاً ثأراً لاخيه‌ وصدّاً للظلم‌ . ولم‌ يرد قَدْحٌ فيه‌. ومن‌ الواضح‌ أ نّه‌ لم‌ يستطع‌ أن‌ يدّعي‌ المهدويّة‌ بعد قتل‌ أخيه‌ محمّد.

 وأمّا ما قاله‌ السيّد ابن‌ طاووس‌: إنّ خروجهم‌ كان‌ بعلم‌ الإمام‌، وإنّهم‌ لم‌ينسبوه‌ إلیه‌ تقيّةً، فلا ينسجم‌ مع‌ الاخبار الكثيرة‌ والشواهد التأريخيّة‌ التي‌ لاتُحصي‌. ولا يمكن‌ قبوله‌ أبداً. ويمكن‌ أن‌ نعدّ جرأة‌ ذينك‌ الاخوَين‌ علی‌ الخروج‌ ضدّ العبّاسيّين‌ ناتجة‌ من‌ دعوة‌ أبيهما عبد الله‌. ذلك‌ أ نّه‌ كان‌ مصرّاً علی‌ رأيه‌ في‌ هذا المجال‌.

 وأمّا ما جاء في‌ الحديث‌: لَمْ يَسْبِقْهُمُ الاَوَّلُونَ وَلَمْ يُدْرِكْهُمُ الآخِرُونَ، فهو يرتبط‌ بالمقتولين‌ في‌ شطّ الفرات‌ وسجن‌ المنصور. أي‌: السجناء من‌ بني‌ الحسن‌، لا محمّد وإبراهيم‌، لانّ هذين‌ لم‌ يُسْجَنَا، بل‌ خرجا بالسيف‌ وقُتِلا. [13]

 وأمّا الحسين‌ بن‌ عليُ بن الحسن‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌: شهيد فخّ، فالاخبار الواردة‌ تمدحه‌ وتثني‌ علیه‌. وهو لم‌يخرج‌ من‌ أجل‌ أن‌ يترأس‌ أو يتحكّم‌، بل‌ خرج‌ من‌ أجل‌ أن‌ يصدّ الظلم‌، إذ إنّ العُمَري‌ّ ( من‌ أحفاد عمر بن‌ الخطّاب‌ ) قد ضيّق‌ الخناق‌ علی‌ العلويّين‌ في‌ المدينة‌، حتّي‌ قال‌: إذا لم‌ تأتوا بالعلوي‌ّ الفلاني‌ّ الذي‌ غاب‌ ولم‌ يعرّف‌ نفسه‌ كلّ يوم‌ فسأقتلكم‌!

 وحينئذٍ لم‌ يجد العلويّون‌ بُدّاً من‌ الخروج‌ بعدما ضُيِّق‌ علیهم‌. فتحرّكوا قاصدين‌ مكّة‌، ولم‌ يكن‌ لهم‌ شغل‌ بأحد، فباغتهم‌ جيش‌ موسي‌ الهادي‌ّ ( حفيد المنصور الدوانيقي‌ّ ) وأفناهم‌ عن‌ آخرهم‌. وحدثت‌ هذه‌ الواقعة‌ في‌ أرض‌ فخّ بين‌ التنعيم‌ ومكّة‌، أي‌: علی‌ فرسخ‌ من‌ مكّة‌ سنة‌ 169 ه.

خروج‌ زيد النار في‌ المدينة‌

 وأمّا زيد بن‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌، فحسبنا ما ذكره‌ الشيخ‌ عبدالله‌ المامقاني‌ّ في‌ « تنقيح‌ المقال‌ » . قال‌: زيد بن‌ موسي‌ الكاظم‌ علیه‌ السلام‌: لم‌ أقف‌ فيه‌ إلاّ علی‌ رواية‌ الكليني‌ّ رحمه‌ الله‌ في‌ باب‌ ما يفصل‌ به‌ بين‌ الحقّ والباطل‌ من‌ باب‌ الإمامة‌ من‌ « الكافي‌ » عن‌ موسي‌ بن‌ محمّدبن‌ إسماعيل‌بن‌ عبد الله‌ بن‌ عبيد الله‌ بن‌ العبّاس‌ بن‌ عليُ بن أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: حدّثني‌ جعفر بن‌ زيد بن‌ موسي‌ عن‌ أبيه‌، عن‌ آبائه‌ علیهم‌ السلام‌.

وزيد هذا هو المعروف‌ بزيد النار، خرج‌ بالمدينة‌، فأحرق‌ وقتل‌، ثمّ مضي‌ إلی‌ البصرة‌ سنة‌ 196 . وقال‌ أبو الفرج‌: لمّا مات‌ محمّد بن‌ إبراهيم‌ ابن‌إسماعيل‌ طباطبا بن‌ إبراهيم‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ الحسن‌ مع‌ أبي‌ السرايا بالكوفة‌. وكان‌ محمّد هذا إمام‌ الزيديّة‌ وصاحب‌ الدعوة‌. ولي‌ الناس‌ بعده‌ محمّدبن‌ زيد بن‌ عليّ علیه‌ السلام‌، وبايعه‌ الزيديّة‌ وفرّق‌ في‌ الآفاق‌ عمّاله‌. فولي‌ زيدبن‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌ الاهواز، فمرّ بالبصرة‌ وعلیها علی‌ّبن‌ جعفر بن‌ محمّد، فأحرق‌ دور العبّاسيّين‌ فلقّب‌ بذلك‌ وسمّي‌ زيد النارـ انتهي‌.

 ويظهر من‌ بعض‌ أهل‌ السير ما ينافي‌ ذلك‌، حيث‌ قال‌: لمّا ظهر أمر أبي‌ السـرايا بالكوفة‌، قدم‌ علیه‌ فولاّه‌ علیها. فلمّا كان‌ من‌ أمر أبي‌ السـرايا ما كان‌ وتفرّق‌ أصحابه‌، استتر زيد هذا فطلبه‌ الحسن‌ بن‌ سهل‌، فدلّ علیه‌، فحبسه‌. فلم‌ يزل‌ في‌ الحبس‌ ببغداد حتّي‌ ظهر إبراهيم‌ المهدي‌ّ المعروف‌ بـ ابن‌ شَكْلَة‌ فجسّر أهل‌ بغداد بالحسن‌ فأخرجوا زيداً من‌ حبسه‌. فمضي‌ إلی‌ المدينة‌ فأحرق‌ وقتل‌، ودعا لبيعة‌ محمّد بن‌ جعفر بن‌ محمّد. فبعث‌ إلیه‌ المأمون‌، فأسر وحمل‌ إلیه‌. فقال‌ له‌: يا زيد! خرجتَ بالبصرة‌ وتركت‌ أن‌ تبدأ بدور أعدائنا من‌ أُميّة‌ وثقيف‌ وغني‌ وباهلة‌ وآل‌ زياد، وقصدتَ دور بني‌ عمّك‌؟!

 فقال‌ ـ وكان‌ مزّاحاً ـ: أخطأت‌ يا أميرالمؤمنين‌ من‌ كلّ جهة‌، وإن‌ عدتُ للخروج‌ بدأتُ بأعدائنا! فضحك‌ المأمون‌ وبعثه‌ إلی‌ أخيه‌ الرضا علیه‌ السلام‌ وقال‌: قد وهبتُ لك‌ جرمه‌، فأحسن‌ أدبه‌! فلمّا جاؤوا به‌، عنّفه‌، وخلّي‌ سبيله‌، وحلف‌ أن‌ لا يكلّمه‌ أبداً ما عاش‌.

 وقد أورد الصدوق‌ رحمه‌ الله‌ في‌ « العيون‌ » أخباراً كثيرةً تدلّ علی‌ ذمّه‌ وسوء حاله‌. لكنّ المفيد رحمه‌ الله‌ في‌ « الإرشاد » لم‌ يستثنه‌ من‌ قوله‌ فيه‌: لكلّ واحد من‌ ولد أبي‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ فضل‌ ومنقبة‌ مشهورة‌، وكان‌ الرضا علیه‌ السلام‌ المقدّم‌ علیهم‌ في‌ الفضل‌.

 وعاش‌ زيد هذا إلی‌ آخر حكومة‌ المتوكّل‌، وكان‌ ينادم‌ المنتصر، وكان‌ في‌ لسانه‌ فضل‌. قال‌ الصدوق‌ رحمه‌ الله‌ في‌ « العيون‌ »: وكان‌ زيدبن‌ موسي‌ هذا زيديّاً. وكان‌ ينزل‌ بغداد علی‌ نهر كَرْخَايَا. [14] وهو الذي‌ خرج‌ بالكوفة‌ أيّام‌ أبي‌ السرايا فولّوه‌ علیها.

 قال‌ المامقاني‌ّ: أشار بقوله‌: في‌ لسانه‌ فضل‌ إلی‌ كونه‌ مزّاحاً بلسانه‌. ومراده‌ من‌ كونه‌ زيديّاً أ نّه‌ يذهب‌ مذهب‌ الزيديّة‌ في‌ الخروج‌، لا أ نّه‌ يعتقد إمامة‌ الخارج‌ كما هو مذهبهـم‌. ولكن‌ كفي‌ بخـروجه‌ وقتله‌ وحرقه‌ مسـقطاً له‌، فضـلاً عن‌ منادمته‌ للخلفاء وحضـوره‌ معـهم‌ في‌ مجالسـهم‌ المشـهورة‌، فلااعتماد علی‌ خبره‌.

 نعم‌، قد أُمرنا بعدم‌ التعرّض‌ لذرّيّتهم‌ وعدم‌ الانتقاص‌ لاحدٍ منهم‌. وورد عنهم‌ علیهم‌ السلام‌ أ نّهم‌ قالوا: إنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لاَ يَخْرُجُ أَحَدُنَا مِنَ الدُّنْيَا حَتَّي‌ يُقِرَّ لِكُلِّ ذِي‌ فَضْلٍ بِفَضْلِهِ. [15]

كيفيّة‌ خروج‌ زيد بن‌ عليّ علیه‌ السلام‌

 وأمّا زيد بن‌ عليّ الشهيد، [16] فالاخبار الواردة‌ في‌ مدحه‌ والثناء علیه‌ فاقت‌ حدّ الاسـتفاضة‌. بل‌ يمكن‌ القول‌: هي‌ في‌ درجـة‌ التواتر. وكان‌ زيد ذا شخصيّة‌ عظيمة‌، وهو أفضل‌ أولاد الإمام‌ زين‌ العابدين‌ علیه‌ السلام‌ بعد الإمام‌ الباقر علیه‌ السلام‌.وكان‌ يعتقد بعظمة‌ ومنزلة‌ أخيه‌ وابن‌ أخيه‌ ( الصادقين‌ علیهماالسلام‌)بَيْدَ أَنّ نفسه‌ ليست‌ كنفس‌ المعصوم‌ في‌ تحمّل‌ الظلم‌ والجور. فقد نفد صبره‌ ولجأ إلی‌ السيف‌ وثار علی‌ حكومة‌ هشام‌بن‌ عبدالملك‌ الذي‌ شتمه‌ وأساء إلیه‌ علناً في‌ مجلسه‌. وكان‌ خروجه‌ من‌ منطلق‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر.

 وإذا كان‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ قد منعه‌ من‌ الخروج‌، فلم‌يمنعه‌ لانّ الحكومة‌ الجائرة‌ لا تستحقّ أن‌ يُطاح‌ بها، بل‌ منعه‌ لشعوره‌ بخسارة‌ فقده‌ ولم‌يُرِد أن‌ يُقْتَلَ سديً وهو رجل‌ ذو فضل‌ ووقار. وكان‌ يري‌ أنّ استشهاده‌ لايثمر كما أثمر استشهاد سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌. وكان‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ طالما يوازن‌ بين‌ خروج‌ زيد، وبين‌ النتيجة‌ الحاصلة‌ منه‌. ويلحظ‌ أنّ كفّة‌ وجوده‌ وحياته‌ الغإلیة‌ أرجح‌ وأكثر قيمةً. فلهذا كان‌ يأسي‌ ويأسف‌ علی‌ قتله‌، كما كان‌ حزيناً متوجّعاً علی‌ صلبه‌.

كان‌ زيد بن‌ عليّ في‌ درجة‌ متأخّرة‌ عن‌ المعصوم‌

 كان‌ زيد من‌ أُولي‌ الفضل‌ والتقوي‌ والعلم‌، ومن‌ علماء آل‌ محمّد. وفي‌ الولاية‌ والعصمة‌ كان‌ تإلی‌ تلو المعصوم‌. ومَثَلُه‌ مَثَلُ إسماعيل‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌، ومحمّد بن‌ عليّ الهادي‌ّ علیهما السلام‌ في‌ استحقاقهم‌ الإمامة‌ لولا ما حصل‌ من‌ البداء. وكان‌ ذا قابليّة‌ ولائيّة‌ وسعة‌ وجوديّة‌، بَيدَ أ نّه‌ لم‌يحز درجة‌ العصمة‌ والولاية‌ المطلقة‌. ورأيه‌ الخروج‌ بالسيف‌ لمقارعة‌ الظلم‌. وليس‌ في‌ هذا الرأي‌ مثلبة‌ لزيد، بل‌ إنّ نسبة‌ رأيه‌ إلی‌ رأي‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ كنسبة‌ التامّ إلی‌ الاتمّ، والكامل‌ إلی‌ الاكمل‌.

 إنّ أئمّتنا سلام‌ الله‌ علیهم‌ أجمعين‌ مع‌ ولايتهم‌ وعصمتهم‌، وتوحيدهم‌ وطهارتهـم‌ كانـت‌ أسـإلیبهم‌ في‌ العمل‌ متباينة‌ تبعـاً للظـروف‌ المكانيّة‌ والزمانيّة‌ والطبعيّة‌ والطبيعيّة‌. والقاسم‌ المشترك‌ بينهم‌ جميعاً هو الوصول‌ إلی‌ الولاية‌ والتوحيد والفناء المحض‌ في‌ الذات‌ الاحديّة‌ والتحقّق‌ بحاقّ الحقيقة‌. وإذا كان‌ زيد لم‌ يبلغ‌ هذه‌ الدرجة‌ من‌ الولاية‌، فإنّه‌ طوي‌ مراحل‌ عظـيمة‌ من‌ العبوديّة‌، وكان‌ جامعاً لكمالات‌ جمّة‌ من‌ عـوالم‌ التجـرّد. ولم‌يَحْتج‌ إلاّ إلی‌ كشف‌ حجاب‌ واحد يجعله‌ في‌ درجة‌ المعصوم‌.

 وحينئذٍ لم‌ يكن‌ شيعيّا عاديّاً، بل‌ كان‌ في‌ السنام‌ الاعلی‌ من‌ العرفان‌ والتوحيد وكان‌ منغمراً في‌ مقام‌ العبوديّة‌. ولا يتسنّي‌ لنا أبداً أن‌ نقيس‌ به‌ كثيراً من‌ الشيعة‌ الذين‌ يدلّ ظاهرهم‌ علی‌ تسليمهم‌ وطاعتهم‌ المحضة‌ لإمامهم‌، وليس‌ لمقاماتهم‌ العرفانيّة‌ وكمالاتهم‌ الولائيّة‌ والتوحيديّة‌ أهمّيّة‌ تُذكر. [17]

 إنّ نهي‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ زيداً عن‌ الخروج‌ لم‌ يكن‌ نهياً إلزاميّاً، بل‌ كان‌ نهياً إعافيّاً وتنزيهيّاً، بل‌ نهياً إرشاديّاً لا تُبعد مخالفتُه‌ زيداً عن‌ مقامه‌، بل‌ ـمع‌ وجود غيرة‌ زيد وعزّته‌ وإبائه‌ـ تهبه‌ درجة‌ ومقاماً ومنزلةً، وتُدخله‌ في‌ رَوْحٍ وريحان‌ ومقعد صدق‌، لكنّها لا تجعله‌ في‌ درجة‌ المعصوم‌، وتوقفه‌ عند درجة‌ أوطأ في‌ مجال‌ دقائق‌ مراحل‌ السلوك‌ العرفاني‌ّ ومنازل‌ التجرّد ولطائفها وظرائفها.

 هذه‌ حقيقة‌ ما عرفناه‌ عن‌ زيد الشهيد سلام‌ الله‌ علیه‌. ومن‌ هنا يتبيّن‌ لنا خطأ التوجيه‌ الذي‌ ذهب‌ إلیه‌ الكثيرون‌ من‌ أنّ خروجه‌ كان‌ بأمر الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وأنّ ما ورد من‌ النهي‌ والاخبار كان‌ تقيّةً لئلاّ يُنسب‌ إلیه‌ علیه‌ السلام‌. كتوجيه‌ المامقاني‌ّ واستنتاجه‌ إذ ذهب‌ إلی‌ أنّ خروجه‌ كان‌ بإذن‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌. وقال‌ بعد بحث‌ مفصّل‌ حول‌ ترجمة‌ زيد وسيرته‌:

 وَمُلَخَّصُ المَقَال‌: إنّي‌ أعتبر زيداً ثقةً وأخباره‌ صحاحاً اصطلاحاً بعد كون‌ خروجه‌ بإذن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ لمقصد عقلائي‌ّ عظيم‌، وهو مطالبة‌ حقّ الإمامة‌ إتماماً للحجّة‌ علی‌ الناس‌، وقطعاً لعذرهم‌ بعدم‌ مطالبٍ له‌. [18]

 أجل‌، زيد صحيح‌ الرواية‌ ومعتبر القول‌، لكن‌ ليس‌ بسبب‌ الدليل‌ الذي‌ أورده‌، بل‌ بسبب‌ ما ذكرناه‌ من‌ معلومات‌ عنه‌، إذ بلغ‌ مقاماً شامخاً ودرجةً رفيعةً حتّي‌ كاد أن‌ يكون‌ معصوماً. فالحديث‌ حول‌ صدق‌ كلامه‌ ووثوقه‌ يعدّ خروجاً عن‌ حدّ راوٍ ومحدِّثٍ ورجإلی‌ٍّ.

 هنا إذ دار الكلام‌ حول‌ مقام‌ زيد ودرجته‌ ومقايسة‌ ذلك‌ بمقام‌ الإمام‌ المعصوم‌ ودرجته‌، فمن‌ المناسب‌ أن‌ نورد بحثاً مجملاً حول‌ خصوصيّة‌ صفات‌ المعصـوم‌ وأعماله‌ لكي‌ تُرفـع‌ بعض‌ الشـبهات‌ بحـول‌ الله‌ تعإلی‌ وقوّته‌.

 

ارجاعات


[1] ـ يبدو أنّ الصحيح‌ هو فُضَيل‌ الرسّان‌، كما نقلنا ذلك‌ آنفاً عن‌ المامقاني‌ّ، عن‌ الكشّي‌ّ، لا نّنا نستبعد من‌ الفضيل‌ بن‌ يسار ـ علی‌ ما هو علیه‌ من‌ منزلة‌ رفيعة‌ ـ أن‌ يكون‌ في‌ الكوفة‌ ولاينصر زيداً ولا يُستَشْهَد معه‌، ويتعرّض‌ لمؤاخذة‌ الإمام‌ حتّي‌ يقول‌ له‌: لعلّك‌ شاكٌّ في‌ قتال‌ أهل‌ الشام‌. والفُضَيل‌ هذا هو الذي‌ قال‌ الإمام‌ له‌ ولثلاثة‌ من‌ أصحابه‌ كانوا مقيمين‌ بمكّة‌ المكرّمة‌: أنتم‌ واللهِ نـور الله‌ في‌ ظلمات‌ الارض‌ . أجـل‌ هذه‌ الرواية‌ المرويّة‌ عـن‌ الفضيل‌بن‌ يسار رواها صاحب‌ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 1، ص‌ 468 عن‌ الصدوق‌ في‌ «العيون‌» عن‌ محمّدبن‌ الحسين‌ (الحسن‌ ظ‌) بن‌ أحمد بن‌ الوليد، عن‌ محمّد بن‌ حسن‌ الصفّار، عن‌ أحمد ابن‌ أبي‌ عبد الله‌ البرقي‌ّ، عن‌ أبيه‌، عن‌ محمّد بن‌ حسن‌ بن‌ ميمون‌، عن‌ عبد الله‌ بن‌ سنان‌، عن‌ الفضيل‌بن‌ يسار. وتلك‌ الرواية‌ المرويّة‌ عن‌ فضيل‌ الرسّان‌ رواها في‌ هذا الموضوع‌ عن‌ الكشّي‌ّ في‌ ترجمة‌ الحِميري‌ّ، عن‌ نصر بن‌ صبّاح‌، عن‌ إسحاق‌ بن‌ محمّد البصري‌ّ، عن‌ عليُابن‌إسماعيل‌، عن‌ فُضَيل‌ الرسّان‌، والتفاوت‌ بينهما ملحوظ‌ وإن‌ كان‌ مضمونهما واحداً، ويقوي‌ احتمال‌ تعدّد الرواية‌ عن‌ راوِيَيْنِ، بَيدَ أنّ ذلك‌ المضمون‌ بعيد عن‌ الفضيل‌بن‌ يسار كما ذكرنا، والله‌ العالم‌.

[2] ـ قال‌ في‌ «أقرب‌ الموارد» الديباجة‌: الوجه‌، يقال‌: فلان‌ يصون‌ ديباجته‌ ويبذل‌ ديباجته‌، أي‌: وجهه‌. فصون‌ الديباجة‌ كنايةٌ عن‌ شرف‌ النفس‌، وبذلها كناية‌ عن‌ الدناءة‌.

[3] ـ

ترجمة‌ زيد بن‌ عليّ

تحدّث‌ المامقاني‌ّ في‌ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 1، ص‌ 247 إلی‌ 271 عن‌ زيد بن‌ علی‌ّبن‌ الحسين‌ علیهم‌ السلام‌. فقال‌: هذا هو زيد المجاهد المعروف‌ الذي‌ يُنسب‌ إلیه‌ الزيديّة‌ أخو الباقر علیه‌ السلام‌. وحيث‌ إنّ في‌ أذهان‌ بعض‌ القاصرين‌ منه‌ شيئاً، يلزمنا شرح‌ حاله‌ حسب‌ الوسع‌ فنقول‌: قد عدّه‌ الشيخ‌ رحمه‌ الله‌ في‌ رجاله‌ تارةً من‌ أصحاب‌ أبيه‌ السجّاد علیه‌ السلام‌ بالعنوان‌ المذكور، وأُخري‌ من‌ أصحاب‌ الباقر علیه‌ السلام‌ مضيفاً إلی‌ ما في‌ العنوان‌ قوله‌: أبوالحسين‌ أخوه‌، يعني‌: أ نّه‌ الباقر علیه‌ السلام‌، وثالثة‌ من‌ أصحاب‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ مضيفاً إلی‌ ما في‌ العنوان‌ قوله‌: أبوالحسين‌ مدني‌ّ تابعي‌ّ قُتل‌ سنة‌ إحدي‌ وعشرين‌ ومائة‌، وله‌ اثنتان‌ وأربعون‌ سنةًـانتهي‌.

 وقال‌ في‌ «التكملة‌»: اتّفق‌ علماء الإسلام‌ علی‌ جلالته‌ وثقته‌ وورعه‌ وعلمه‌ وفضله‌. وقد رُوي‌ في‌ ذلك‌ أخبار كثيرة‌ حتّي‌ عقد ابن‌ بابويه‌ في‌ «العيون‌» باباً لذلك‌ـ(انتهي‌). وصرّح‌ الشهيد رحمه‌ الله‌ في‌ قواعده‌ في‌ بحث‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر بأنّ خروجه‌ كان‌ بإذن‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌. وقال‌ الشيخ‌ المفيد رحمه‌ الله‌ في‌ إرشاده‌: كان‌ زيد بن‌ علی‌ّبن‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ عين‌ إخوته‌ بعد أبي‌ جعفر علیه‌ السلام‌ وأفضلهم‌ وكان‌ ورعاً عابداً فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهر بالسيف‌ يأمر بالمعروف‌ وينهي‌ عن‌ المنكر، ويطلب‌ بثارات‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌. أخبرني‌ الشريف‌ أبو محمّد الحسن‌ بن‌ محمّد عن‌ جدّه‌، عن‌ الحسن‌ (الحسين‌ خ‌ل‌)بن‌ يحيي‌، عن‌ الحسن‌ بن‌ الحسين‌، عن‌ يحيي‌ بن‌ مساور، عن‌ أبي‌ الجارود قال‌: قدمتُ المدينة‌ فجعلتُ كلّما سألتُ عن‌ زيدبن‌ عليُعلیه‌ السلام‌، قيل‌ لي‌: ذاك‌ حليف‌ القرآن‌.

 وروي‌ هشيم‌ قال‌: سألتُ خالد بن‌ صفوان‌ عن‌ زيد بن‌ عليُعلیهما السلام‌ وكان‌ يحدّثنا عنه‌، فقلتُ: أين‌ لقيته‌؟! قال‌: بالرصافة‌ * . فقلتُ: أي‌ّ رجل‌ كان‌؟! قال‌: كان‌ ما علمت‌ يبكي‌ من‌ خشية‌ الله‌ حتّي‌ تختلط‌ دموعه‌ بمخاطه‌. واعتقد كثير من‌ الشيعة‌ فيه‌ الإمامة‌، وكان‌ سبب‌ اعتقادهم‌ ذلك‌ فيه‌ خروجه‌ بالسيف‌ يدعو إلی‌ الرضا من‌ آل‌ محمّد. فظنّوه‌ يريد بذلك‌ نفسه‌، ولم‌يكن‌ يريدها به‌ لمعرفته‌ باستحقاق‌ أخيه‌ الإمامة‌ من‌ قبله‌، ووصيّته‌ عند وفاته‌ إلی‌ أبي‌ عبدالله‌ علیه‌ السلام‌ (الإمام‌ الصادق‌). وكان‌ سبب‌ خروج‌ أبي‌ الحسين‌ زيد رضي‌ الله‌ عنه‌ أ نّه‌ دخل‌ علی‌ هشام‌بن‌ عبد الملك‌، وقد جمع‌ له‌ هشام‌ أهل‌ الشام‌ وأمر أن‌ يتضايقوا في‌ المجلس‌ حتّي‌ لايتمكّن‌ من‌ الوصول‌ إلی‌ قربه‌، فقال‌ له‌ زيد: إنّه‌ ليس‌ من‌ عباد الله‌ أحدٌ فوق‌ أن‌ يوصي‌ بتقوي‌ الله‌، ولا من‌ عباده‌ أحد دون‌ أن‌ يوصي‌ بتقوي‌ الله‌ وأنا أُوصيك‌ بتقوي‌ الله‌ ياأميرالمؤمنين‌! فاتّقه‌. فقال‌ له‌: أنت‌ المؤهّل‌ نفسك‌ للخلافة‌ الراجي‌ لها؟! وما أنت‌ وذاك‌ لا أُمّ لك‌! وإنّما أنت‌ ابن‌ أَمَة‌! فقال‌ له‌ زيد: إنّي‌ لا أعلم‌ أحداً أعظم‌ منزلةً عند الله‌ من‌ نبيّه‌ وهو ابن‌ أمَة‌. فلو كان‌ ذلك‌ يقصر عن‌ منتهي‌ غاية‌، لم‌ يبعث‌ وهو إسماعيل‌بن‌ إبراهيم‌!

 فالنبوّة‌ أعظم‌ منزلة‌ عند الله‌ أم‌ الخلافة‌ يا هشام‌؟! وبعد فما يقصر برجلٍ أبوه‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌، وهو ابن‌ عليُ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ أن‌ يكون‌ ابنَ أمة‌. فوثب‌ هشام‌ عن‌ مجلسه‌ ودعا قهرمانه‌ وقال‌: لا يبيتنّ هذا في‌ عسكري‌. فخرج‌ زيد وهو يقول‌: إنّه‌ لم‌يكره‌ قومٌ قطُّ حرّ السيوف‌ إلاّ ذَلّوا . فلمّا وصل‌ الكوفة‌ اجتمع‌ إلیه‌ أهلها، فلم‌يزالوا به‌ حتّي‌ بايعوه‌ علی‌ الحرب‌. ثمّ نقضوا بيعته‌ وأسلموه‌ فقُتل‌ علیه‌ السلام‌ وصُلب‌ بينهم‌ أربـع‌ سنين‌ لاينكر أحد منهم‌ ولا يغيّر بِيَدٍ ولا لسـان‌، ولمّا قُتِل‌ بلغ‌ ذلك‌ أبا عبدالله‌ علیه‌السلام‌ كلّ مبلغ‌ وحزن‌ له‌ حزناً شديداً عظيماً حتّي‌ بان‌ علیه‌ وفرّق‌ من‌ ماله‌ علی‌ عيال‌ مَن‌ أُصيب‌ مع‌ زيد من‌ أصحابه‌ ألف‌ دينار. وكان‌ مقتله‌ يوم‌ الاثنين‌ لليلتين‌ خلتا من‌ صفر سنة‌ عشرين‌ ومائة‌، وكان‌ سنّه‌ يومئذٍ اثنتين‌ وأربعين‌ سنةًـانتهي‌ ما في‌ «الإرشاد».

 وعدّه‌ ابن‌ داود من‌ رجاله‌ ورمز لما سمعتَه‌ من‌ فقرات‌ رجال‌ الشيخ‌ رحمه‌ الله‌. ثمّ قال‌: شهد له‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ بالوفاء وترحّم‌ علیه‌. وذكر في‌ «عمدة‌ الطالب‌» نحواً ممّا في‌ «الإرشاد» إلی‌ قوله‌: لا يكره‌ قوم‌ قطّ حَرَّ السيوف‌ إلاّ ذلّوا. ثمّ قال‌: فحملت‌ كلمته‌ إلی‌ هشام‌، فقال‌: ألستم‌ تزعمون‌ أنّ أهل‌ هذا البيت‌ قد بادوا؟ ولعمري‌ ما انقرضوا من‌ مثل‌ هذا خلفهم‌. فلمّا رجع‌ زيد إلی‌ الكوفة‌، أقبلت‌ الشيعة‌ تختلف‌ إلیه‌ يبايعونه‌ حتّي‌ أحصي‌ ديوانه‌ خمسة‌ عشر ألف‌ رجل‌ من‌ أهل‌ الكوفة‌ سوي‌ أهل‌ المدائن‌، والبصرة‌، وواسط‌، والموصل‌، وخراسان‌، والري‌ّ، وجرجان‌، والجزيرة‌ـ(انتهي‌).

 ويواصل‌ المامقاني‌ّ كلامه‌ إلی‌ أن‌ يقول‌: فأتي‌ رسول‌ بسّام‌ الصيرفي‌ّ بكتاب‌ فيه‌: أمّا بعد؛ فإنّ زيد بن‌ عليُقد خرج‌ يوم‌ الاربعاء غرّة‌ صفر ومكث‌ الاربعاء والخميس‌، وقُتل‌ يوم‌ الجمعة‌، وقُتل‌ معه‌ فلان‌ وفلان‌. فدخلنا علی‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ فدفعنا إلیه‌ الكتاب‌. فقرأه‌ وبكي‌، ثمّ قال‌: إنّا للّه‌ وإنّا إلیه‌ راجعون‌، عند الله‌ أحتسب‌ عمّي‌، إنّه‌ كان‌ نِعْمَ العمّ، إنّ عمّي‌ كان‌ رجل‌ لدنيانا وآخرتنا، مضي‌ والله‌ عمّي‌ شهيداً كشهداء استُشهدوا مع‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وعلی‌ّ، والحسن‌، والحسين‌ علیهم‌ السلام‌.

 إلی‌ أن‌ قال‌: ما رواه‌ الكشّي‌ّ رحمه‌ الله‌ في‌ ترجمة‌ سليمان‌ بن‌ خالد، حتّي‌ يصل‌ السند إلی‌ عمّار الساباطي‌ّ قال‌: كان‌ سليمان‌ بن‌ خالد خرج‌ مع‌ زيد بن‌ علی‌ّ. حين‌ خرج‌ قال‌: فقال‌ له‌ رجل‌ ونحن‌ وقوف‌ في‌ ناحية‌ وزيد واقف‌ في‌ ناحية‌: ما تقول‌ في‌ زيد، هو خير أم‌ جعفر علیه‌ السلام‌؟! قال‌ سليمان‌: قلتُ: والله‌ ليوم‌ من‌ جعفر خير من‌ زيد أيّام‌ الدنيا. قال‌: فحرّك‌ دابّته‌ وأتي‌ زيداً وقصّ علیه‌ القصّة‌. قال‌: ومضيت‌ نحوه‌ فانتهيت‌ إلی‌ زيد وهو يقول‌: جعفر إمامنا في‌ الحلال‌ والحرام‌.

 إلی‌ أن‌ قال‌: ومنها ما رواه‌ في‌ «الامإلی‌» ] أمإلی‌ الصدوق‌ [ بسنده‌ إلی‌ ابن‌ أبي‌ عمير: عن‌ حمزة‌بن‌ حمران‌ قال‌: دخلتُ علی‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ فقال‌: من‌ أين‌ أقبلتَ؟ فقلتُ: من‌ الكوفة‌. فبكي‌ حتّي‌ بلّت‌ دموعه‌ لحيته‌. فقلتُ له‌: يابن‌ رسول‌ الله‌! ما لك‌ أكثرتَ من‌ البكاء؟! فقال‌: ذكرتُ عمّي‌ زيداً وما صُنع‌ به‌ فبكيت‌. فقلتُ: وما الذي‌ ذكرتَ منه‌؟! قال‌: مقتله‌، وقد أصاب‌ جبينه‌ سهم‌ فجاء ابنه‌ يحيي‌ فانكبّ علیه‌ وقال‌ له‌: أبشر يا أبتاه‌، فإنّك‌ ترد علی‌ رسول‌الله‌ وعليُوفاطمة‌ والحسن‌ والحسين‌ علیهم‌ السلام‌، قال‌: أجل‌، يا بُني‌ّ. ثمّ دعا بحدّاد فنزع‌ السهم‌ من‌ جبينه‌، فكانت‌ نفسه‌ معه‌. فجي‌ء به‌ إلی‌ ساقية‌ تجري‌ إلی‌ بستان‌ زائدة‌، فحُفر له‌ فيها ودُفن‌ وأُجري‌ علیه‌ الماء، وكان‌ معهم‌ غلام‌ سندي‌ّ. فذهب‌ إلی‌ يوسف‌ بن‌ عمر لعنه‌الله‌ من‌ الغد فأخبره‌ بدفنهم‌ إيّاه‌. فأخرجه‌ يوسف‌ وصلبه‌ في‌ الكناسة‌ أربع‌ سنين‌. ثمّ أمر به‌ فأُحرق‌ بالنار وذُري‌ في‌ الرياح‌. فلعن‌ الله‌ قاتله‌ وخاذله‌! إلی‌ الله‌ جلّ اسمه‌ أشكو ما نزل‌ بنا أهل‌ بيت‌ نبيّه‌ بعد موته‌ وبه‌ نستعين‌ علی‌ عدوّنا وهو خير مستعان‌.

 إلی‌ أن‌ قال‌: ودلّ غيره‌ من‌ الاخبار بأ نّه‌ خرج‌ غضباً للّه‌ وأمراً بالمعروف‌ ونهياً عن‌ المنكر ودعوةً إلی‌ الرضا من‌ آل‌ محمّد. وروي‌ في‌ «كشف‌ الغمّة‌» عن‌ «دلائل‌» الحميري‌ّ، عن‌ جابر قال‌: سمعتُ أبا جعفر علیه‌ السلام‌ يقول‌: لا يخرج‌ علی‌ هشام‌ أحد إلاّ قتله‌. فقلنا لزيد هذه‌ المقالة‌. فقال‌: إنّي‌ شهدتُ هشاماً ورسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ يُسَبُّ عنده‌، فلم‌ينكر ذلك‌ ولم‌ يغيّره‌. فو الله‌ لو لم‌ يكن‌ إلاّ أنا وآخر لخرجت‌ علیه‌.

 إلی‌ أن‌ قال‌: بقي‌ الإشکال من‌ وجه‌ آخر، وهو أ نّه‌ إذا كان‌ يعتقد بإمامة‌ الصادقين‌. علیهما السلام‌، فما هذه‌ الفتاوي‌ الغريبة‌، بل‌ الموافق‌ أكثرها للعامّة‌؟ قال‌ الفاضل‌ المجلسي‌ّ رحمه‌ الله‌: والغالب‌ من‌ أخباره‌ الموافقة‌ للعامّة‌ فهي‌ إمّا التقيّة‌ من‌ زيد أو لكذب‌ الحسين‌بن‌ علوان‌ وعمروبن‌ خالد علیه‌ـ(انتهي‌).

 وقال‌ المحقّق‌ الوحيد البهبهاني‌ّ رحمه‌ الله‌ بعد نقله‌: لعلّ الاظهر الاوّل‌ لعدم‌ تمكّن‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ من‌ إظهار الحقّ إلی‌ أن‌ اشتغل‌ بنو أُميّة‌ ببني‌ العبّاس‌ وزيد، وإن‌ كان‌ حين‌ خروجه‌ لايتّقي‌، لكن‌ لعلّه‌ ما كان‌ يري‌ المصلحة‌ أو صدرت‌ الروايات‌ عنه‌ قبله‌، لكن‌ يظهر من‌ الاخبار أنّ مثل‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ وغيره‌ من‌ أهل‌ البيت‌ ما كان‌ مطّلعاً علی‌ حقّ حكم‌ الله‌ في‌ جميع‌ المسائل‌، وليس‌ ذلك‌ ببعيد أيضاً. ولعلّه‌ لابعد في‌ كون‌ زيداً أيضاً كذلك‌. قال‌ المامقاني‌ّ رحمه‌ الله‌: ما ذكره‌ لا يخلو من‌ وجه‌ إلاّ ما يظهر منه‌ من‌ إفتاء زيد بما لا يعلم‌، فإنّ ذلك‌ في‌ غاية‌ البعد. إلی‌ آخر حديثه‌ حول‌ هذا الموضوع‌.  * ـ قال‌ المامقاني‌ّ في‌ الهامش‌: الرصافة‌ هذه‌ هي‌ رصافة‌ هشام‌ بن‌ عبد الملك‌، وهي‌ غير رصافة‌ أبي‌ جعفر المنصور.

[4] ـ«تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 1، مقتطف‌ ممّا ورد في‌ ص‌ 467 إلی‌ 471 .

[5] ـ الآية‌ 48، من‌ السورة‌ 52: الطور: وَاصْبِرْ ....

[6] ـ في‌ النسخة‌ البدل‌: ويحيفونهم‌ (بالحاء المهملة‌) من‌ حيفَ بمعني‌ ظَلَمَ وَجَارَ.

[7] ـ الآية‌ 33، من‌ السورة‌ 43: الزخرف‌.

[8] ـ الآيتان‌ 55 و 56، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌.

[9] ـ«الإقبال‌» للسـيّد ابن‌ طاووس‌، ص‌ 578 إلی‌ 581، أعمال‌ شـهر محرّم‌، أعمال‌ يوم‌ عاشوراء.

[10] ـ«الإقبال‌» ص‌ 582 و 583، أعمال‌ يوم‌ عاشوراء.

[11] ـ قال‌ السيّد نعمة‌ الله‌ الجزائري‌ّ في‌ شرح‌ الصحيفة‌ السجّاديّة‌: «نور الانوار» ص‌ 17، الطبعة‌ الحجريّة‌: أرسـل‌ إلیهم‌ الدوانيقي‌ّ فقيّدوهم‌ وحملـوهم‌ في‌ محامل‌ لا وطـاء لها وأوقفوهم‌ بالمصلّي‌ لكي‌ يشتمهم‌ الناس‌. فكفّ الناس‌ عنهم‌ ورقّوا لحالهم‌. ثمّ لمّا أُتي‌ بهم‌ إلی‌ باب‌ المسجد الباب‌ الذي‌ يقال‌ له‌ باب‌ جبرئيل‌ أطلع‌ علیهم‌ أبو عبد الله‌ علیه‌ السلام‌ وعامّة‌ ردائه‌ مطروحة‌ بالارض‌، ثمّ أطلع‌ من‌ باب‌ المسجد فقال‌: لعنكم‌ الله‌ يا معاشر الانصار ـثلاثاًـما علی‌ هذا عاهدتم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ ولا بايعتموه‌. أما والله‌ إن‌ كنتُ حريصـاً ولكنّني‌ غُلِبْتُ وليـس‌ للقضـاء مدفع‌ . ثمّ إنّه‌ دخل‌ بيته‌ فحُمَّ عشـرين‌ ليلةً لم‌يزل‌ يبكي‌ فيها الليل‌ والنهار حتّي‌ خيف‌ علیه‌. ولو لم‌ يكن‌ إلاّ بكاؤه‌ علیه‌ السلام‌ لكان‌ كافياً في‌ عدم‌جواز تناول‌ أعراضهم‌ باللعن‌ والسبّ.

[12] ـ

كلام‌ السيّد نعمة‌ الله‌ الجزائري‌ّ حول‌ الثائرين‌ من‌ بني‌ الحسن‌

نقرأ في‌ شرح‌ الصحيفة‌ السجّاديّة‌ المسمّي‌ «نور الانوار» ص‌ 7 و 8، الطبعة‌ الحجريّة‌، حديثاً لافتاً للنظر أدلي‌ به‌ المحدِّث‌ السيّد نعمة‌ الله‌ الجرائري‌ّ رحمه‌ الله‌ حول‌ محمّد وإبراهيم‌. قال‌: محمّد وإبراهيم‌. روي‌ الكليني‌ّ حديثاً طويلاً. وفيه‌ أنّ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ منعهما من‌ الخروج‌ أشدّ المنع‌. ومنه‌ استدلّ بعض‌ المعاصرين‌ علی‌ أ نّهما ملعونان‌ مطرودان‌ من‌ رحمة‌ الله‌ سبحانه‌. وحمل‌ التشبيه‌ المذكور فيما سيأتي‌ من‌ قوله‌: إنِّي‌ لاَعْلَمُ أَ نَّكُمَا سَتَخْرُجَانِ كَمَا خَرَجَ، علی‌ مطلق‌ الخروج‌ والقتل‌، لا في‌ الحقيقة‌. فإنّ زيداً محقّ قطعاً. وهو غير جيّد، لا نّه‌ إن‌ أراد الحقيقة‌ في‌ الواقع‌، فهما وزيد سواء لورود النهي‌ بالنسبة‌ إلیهم‌ جميعاً. وإن‌ أرادها بالنسبة‌ إلی‌ الاعتقاد، فكذلك‌ أيضاً، فإنّه‌ لم‌ يخرج‌ أحد من‌ هؤلاء إلاّ لطلب‌ ثأر الحسين‌ علیه‌ السلام‌، أو لرفع‌ تسلّط‌ الظلمة‌ عن‌ بني‌ هاشم‌، أو ليكون‌ خليفة‌ وحاكماً. ولاريب‌ أ نّهم‌ أحقّ من‌ بني‌ أُميّة‌ بها نظراً إلی‌ الواقع‌ والاعتقاد، وإن‌ كان‌ أصلها لغيرهم‌ وهم‌ المعصومون‌ منهم‌ علیهم‌ السلام‌. نعم‌ يفرّق‌ بينهما وبين‌ زيد بإيذائهما للإمام‌ علیه‌ السلام‌ وعدم‌ إيذاء زيد له‌. وقد عرفتَ الجواب‌ عنه‌!

 وقال‌ في‌ ص‌ 5: وأمّا غير زيد من‌ أصحاب‌ الخروج‌ كيحيي‌ ومحمّد وإبراهيم‌ فقد استشكل‌ أصحابنا حالهم‌ لما صدر منهم‌ من‌ الإضرار بالإمام‌ علیه‌ السلام‌. والحقّ أنّ بكاءه‌ علیهم‌ بعد قتلهم‌ وتأسّفه‌ علیهم‌ عند أسرهم‌ ممّا يرفعان‌ الإشکال عن‌ حالهم‌.

 وأي‌ّ فرد من‌ أفراد الشيعة‌ لم‌ يصدر منه‌ الإضرار بالإمام‌ ولو لم‌ يكن‌ إلاّ بارتكابنا للمعاصي‌ فإنّه‌ من‌ أشدّ الضرر علی‌ طباعهم‌ المباركة‌، لكن‌ شفقتهم‌ علینا توجب‌ الصفح‌ عن‌ مثله‌. كيف‌ لا وقد رُوي‌ أنّ الله‌ تعإلی‌ غضب‌ علی‌ الشيعة‌ بإفشائهم‌ أسرار الائمّة‌ وأراد أن‌ يستأصلهم‌ بالعذاب‌، فأخبر موسي‌ الكاظم‌ علیه‌ السلام‌ بأ نّي‌ مستأصل‌ شيعتك‌ هذه‌ السنة‌. فقال‌ علیه‌ السلام‌: يا ربّ! أُحبّ أن‌ أفدي‌ شيعتي‌ بنفسي‌ ويبقون‌ هم‌ علی‌ الارض‌.

 فإذا كان‌ هذا حالهم‌ مع‌ الاجانب‌، فكيف‌ مع‌ أولادهم‌ وأقاربهم‌؟! مع‌ أنّ خروجهم‌ إنّما كان‌ بعد أن‌ هُتكت‌ حرمتهم‌ ونُهبت‌ أموالهم‌ وسُبيت‌ ذراريهم‌ ولقّبوهم‌ بالخوارج‌، وقالوا لهم‌: لو كان‌ جدّكم‌ علی‌ الحقّ، لما فعل‌ بكم‌ ما ترون‌! ومثل‌ هذا يوجب‌ أعمال‌ الغيرة‌ من‌ أراذل‌ الناس‌، فكيف‌ من‌ بني‌ هاشم‌؟ مع‌ أ نّه‌ روي‌ عن‌ الرضا علیه‌ السلام‌ صريحاً النهي‌ عن‌ تناول‌ عِرض‌ العبّاس‌ بن‌ موسي‌ الكاظم‌ علیه‌ السلام‌، مع‌ أ نّه‌ صدر منه‌ بالنسبة‌ إلی‌ أخيه‌ الرضا علیه‌ السلام‌، وإلی‌ أُمّ أحمد زوجة‌ أبيه‌ من‌ الاذيّة‌ والاسـتخفاف‌ ما لم‌ يصـدر من‌ غيره‌. فتكلّم‌ بعض‌ علمائنا في‌ أعراضهم‌ جرأة‌ علی‌ ذرّيّة‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ الصلاة‌ والسلام‌.

[13] ـ

ترجمة‌ محمّد وإبراهيم‌ ابنَي‌ عبد الله‌ المحض‌

 قال‌ في‌ «رياض‌ السالكين‌» ص‌ 15 و 16، طبعة‌ سنة‌ 1334، وفي‌ طبعة‌ جماعة‌ المدرّسين‌: ج‌ 1، ص‌ 116 إلی‌ 119: محمّد وإبراهيم‌ ابنا عبد الله‌ المذكوران‌ هما الخارجان‌ علی‌ أبي‌ جعفر المنصور. قال‌ الشهرستاني‌ّ في‌ كتاب‌ «الملل‌ والنحل‌»: كان‌ يحيي‌ بن‌ زيد قد فوّض‌ الامر إلیهما فخرجا بالمدينة‌، ومضي‌ إبراهيم‌ إلی‌ البصرة‌ واجتمع‌ الناس‌ علیهما فقُتِلاـ(انتهي‌). أمّا محمّد فيلقّب‌ بالنفس‌ الزكيّة‌، ويُكنّي‌ أبا عبد الله‌، وقيل‌: أبا القاسم‌. وكان‌ تمتاماً، أحول‌، بين‌ كتفيه‌ خال‌ أسود كالبيضة‌. ولُقِّب‌ بالمهدي‌ّ للحديث‌ المشهور عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: إنَّ المهدي‌ّ من‌ ولدي‌، اسمه‌ اسمي‌ واسم‌ أبيه‌ اسم‌ أبي‌. حُكي‌ أنّ المنصور أخذ بركابه‌ ذات‌ يوم‌ فقيل‌ له‌: من‌ هذا الذي‌ تفعل‌ به‌ هذا؟! فقال‌ للسائل‌: ويحك‌! هذا مهديّنا أهل‌ البيت‌! هذا محمّد بن‌ عبد الله‌! وتطلّعت‌ إلیه‌ نفوس‌ بني‌ هاشم‌ وعظّموه‌. وكان‌ المنصور قد بايع‌ له‌ ولاخيه‌ إبراهيم‌ في‌ جماعة‌ من‌ بني‌ هاشم‌. فلمّا بويع‌ لبني‌ العبّاس‌ واستبدّوا بالامر، اختفي‌ محمّد وإبراهيم‌ مدّة‌ خلافة‌ السفّاح‌. فلمّا مَلَكَ المنصور، علم‌ أ نّهما علی‌ عزم‌ الخروج‌. فجدّ في‌ طلبهما وقبض‌ علی‌ أبيهما وجماعة‌ من‌ أهلهما. فيُحكي‌ أ نّهما أتيا أباهما وهو في‌ الحبس‌ في‌ زي‌ّ بدويّين‌، فقالا له‌: يُقْتَلُ رجلان‌ من‌ آل‌محمّد خيرٌ مِن‌ أن‌ يُقْتَلُ ثمانية‌. فقال‌ لهما: إن‌ منعكما أبو جعفر أن‌ تعيشا كريمين‌ فلايمنعكما أن‌ تموتا كريمين‌!

 روي‌ ثقة‌ الإسلام‌ في‌ كتاب‌ «الروضة‌» عن‌ معلی‌ بن‌ خنيس‌ قال‌: كنتُ عند أبي‌ عبدالله‌ علیه‌ السلام‌، إذ أقبل‌ محمّد بن‌ عبد الله‌، فرقّ له‌ أبو عبد الله‌ علیه‌ السلام‌ ودمعت‌ عيناه‌، فقلتُ له‌: لقد رأيتك‌ صنعتَ به‌ ما لم‌ تكن‌ تصنع‌! فقال‌: رققتُ له‌، لا نّه‌ ينسب‌ لامرٍ ليس‌ له‌، لم‌أجده‌ في‌ كتاب‌ علی علیه‌ السلام‌ من‌ خلفاء هذه‌ الاُمّة‌ ولا من‌ ملوكهاـ(انتهي‌). وكان‌ أقبح‌ ما صنعه‌ محمّد لمّا ظهر بالمدينة‌ أن‌ دعا الصادق‌ علیه‌ السلام‌ إلی‌ بيعته‌، فأبي‌ علیه‌ إباءً شديداً، فأمر بحبسه‌ واصطفي‌ ما له‌ وما كان‌ له‌ ولقومه‌ ممّن‌ لم‌يخرج‌ معه‌، فلم‌ يمهله‌الله‌ حتّي‌ قُتِل‌ صاغراً.

 وروي‌ من‌ جملة‌ حديث‌ عن‌ الباقر علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌ في‌ صفته‌: الاحوَلُ مشؤومُ قومِهِ مِن‌ آلِ الحَسَنِ يَدْعُو إلی‌ نَفْسِهِ قد تسمّي‌ بغير اسمه‌ . ولمّا عزم‌ علی‌ الخروج‌ واعد أخاه‌ إبراهيم‌ علی‌ الخروج‌ في‌ يوم‌ واحد. فذهب‌ إبراهيم‌ إلی‌ البصرة‌، واتّفق‌ أ نّه‌ مرض‌ فخرج‌ محمّد بالمديـنة‌. فلمّا أيل‌ (بـري‌) إبراهيـم‌ من‌ مرضـه‌، أتاه‌ خبـر أخـيه‌ أ نّه‌ قُتل‌. وكان‌ المنصور قد أرسل‌ لقتال‌ محمّد، عيسي‌ بن‌ موسي‌ بن‌ عليُ بن‌ عبد الله‌ بن‌ العبّاس‌ في‌ جيش‌ كثيف‌. فحاربهم‌ محمّد خارج‌ المدينة‌ وتفرّق‌ أصحابه‌ عنه‌ حتّي‌ بقي‌ وحده‌. فلمّا أحسّ الخذلان‌، دخل‌ داره‌ وأمر بالتنّور فسجّر، ثمّ عمد إلی‌ الدفتر الذي‌ أثبت‌ فيه‌ أسماء من‌ بايعه‌ فألقاه‌ في‌ التنّور فاحترق‌. ثمّ خرج‌ فقاتل‌ حتّي‌ قُتل‌ بأحجار الزيت‌. وكان‌ ذلك‌ علی‌ ما يزعمون‌ مصداق‌ تلقيبه‌ بالنفس‌ الزكيّة‌، لما رُوي‌ عن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أ نّه‌ قال‌: يُقْتَلُ بأحجار الزيت‌ مِن‌ وُلدي‌ نفسٌ زكيّة‌ . وكان‌ قتله‌ سنة‌ 145 في‌ شهر رمضان‌. وقيل‌: في‌ الخامـس‌ والعشرين‌ من‌ رجب‌، وهو ابن‌ خمس‌ وأربعين‌ سنة‌، وهذا أشهر، لا نّه‌ ولد سنة‌ مائة‌ بلاخلاف‌.

 وأمّا إبراهيم‌، فيُكنّي‌ أبا الحسن‌. كان‌ شديد الايد والقوّة‌، وكان‌ متفنّناً في‌ كثير من‌ العلوم‌. قيل‌: كان‌ يري‌ مذهب‌ الاعتزال‌. وكان‌ ظهوره‌ بالبصرة‌ ليلة‌ الاثنين‌ غرّة‌ شهر رمضان‌ سنة‌ خمس‌ وأربعين‌ ومائة‌. وبايعه‌ وجوه‌ الناس‌، وتلقّب‌ بأمير المؤمنين‌، وعظم‌ شأنه‌ وأحبّ الناس‌ ولايته‌ وارتضوا سيرته‌. وكان‌ أبو حنيفة‌ قد أفتي‌ الناس‌ بالخروج‌ معه‌، وكتب‌ إلیه‌: أمّا بعد! فإنّي‌ جهّزت‌ إلیك‌ أربعة‌ آلاف‌ درهم‌ ولم‌ يكن‌ عندي‌ غيرها. ولولا أمانات‌ للناس‌ عندي‌، لَلَحقت‌ بك‌! فإذا لقيتَ القوم‌ وظفرتَ بهم‌ فافعل‌ كما فعل‌ أبوك‌ في‌ أهل‌ صفّين‌! اقتُل‌ مدبرهم‌! وأجهز علی‌ جريحهم‌! ولا تفعل‌ كما فعل‌ في‌ أهل‌ الجمل‌، فإنّ القوم‌ لهم‌ فئة‌ (جماعة‌ متظاهرة‌ يرجع‌ بعضها إلی‌ بعض‌ في‌ التعاضد والتعاون‌).

 ويقال‌: إنّ هذا الكتاب‌ وقع‌ إلی‌ المنصور، فكان‌ سبب‌ تغيّره‌ علی‌ أبي‌ حنيفة‌. ولمّا بلغ‌ المنصور خروج‌ إبراهيم‌، ندب‌ عيسي‌ بن‌ موسي‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ قتاله‌. وسار إبراهيم‌ من‌ البصرة‌ حتّي‌ التقيا بباخمري‌، قرية‌ قريبة‌ من‌ الكوفة‌، فنشبت‌ الحرب‌ بينهم‌، وانهزم‌ عسكر عيسي‌بن‌ موسي‌. فنادي‌ إبراهيم‌: لا يتبعنَّ أحد منهزماً. فعاد أصحابه‌، فظنّ أصحاب‌ عيسي‌ أ نّهم‌ انهزموا، فكرّوا علیهم‌ فقتلوه‌ وقتلوا أصحابه‌ إلاّ قليلاً. ولمّا اتّصل‌ بالمنصور انهزام‌ عسكره‌، قلق‌ قلقاً عظيماً. ثمّ جاءه‌ بعد ذلك‌ خبر الظفر وجي‌ء برأس‌ إبراهيم‌ فوُضع‌ في‌ طست‌ بين‌ يديه‌. فلمّا نظر إلیه‌ قال‌: وددت‌ أ نّه‌ فاء إلی‌ طاعتي‌. وكان‌ قتله‌ لخمس‌ بقين‌ من‌ ذي‌القعدة‌، وقيل‌: في‌ ذي‌ الحجّة‌ سنة‌ خمس‌ وأربعين‌ ومائة‌، وهو ابن‌ ثمان‌ وأربعين‌ سنة‌، والله‌ أعلم‌.

[14] ـ قال‌ المامقاني‌ّ في‌ الهامش‌: قال‌ في‌ «القاموس‌»: كرخايا شرب‌ يفيض‌ الماء إلیه‌ من‌ عمود نهر عيسي‌.

[15] ـ«تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 1، ص‌ 471 .

[16] ـ نقل‌ السيّد علی‌ خان‌ المدني‌ّ في‌ «رياض‌ السالكين‌» ص‌ 8 و 9، الطبعة‌ الحجريّة‌ الرحليّة‌، سنة‌ 1334، وفي‌ الطبعة‌ الحديثة‌ لجماعة‌ المدرّسين‌: ج‌ 1، ص‌ 73 إلی‌ 75، كلام‌ الشيخ‌ المفيد حول‌ زيد بن‌ عليُعلیهما السلام‌، ثمّ قال‌: وقال‌ أهل‌ التأريخ‌: كان‌ السبب‌ في‌ خروجه‌ وخلعه‌ طاعة‌ بني‌ مروان‌ أ نّه‌ وفد علی‌ هشام‌ بن‌ عبد الملك‌ شاكياً من‌ خالدبن‌ عبدالملك‌بن‌ الحرث‌ بن‌ الحكم‌، أمير المدينة‌ فجعل‌ هشام‌ لا يأذن‌ له‌. وزيد يرفع‌ إلیه‌ القصص‌. وكلّما رفع‌ إلیه‌ قصّة‌، كتب‌ هشام‌ في‌ أسفلها! ارْجِعْ إلی‌ أرضك‌! فيقول‌ زيد: والله‌ لا أرجع‌ إلی‌ ابن‌ الحرث‌ أبداً. ثمّ أذِن‌ له‌ بعد حبس‌ طويل‌. فلمّا قعد بين‌ يديه‌، قال‌ له‌ هشام‌: بلغني‌ أ نّك‌ تذكر الخلافة‌ وتتمنّاها! ولستَ هناك‌ لا نّك‌ ابن‌ أمة‌، فقال‌ زيد: إنّ لك‌ جواباً! قال‌: تكلّم‌. قال‌: إنّه‌ ليس‌ أحد أولي‌ بالله‌ من‌ نبيٍّ بعثه‌، وهو إسماعيل‌ بن‌ إبراهيم‌، وهو ابن‌ أمة‌ قد اختاره‌ الله‌ لنبوّته‌، وأخرج‌ منه‌ خَيْرَ البَشَرِ، فقال‌ هشام‌: فما يصنع‌ أخوك‌ البقرة‌؟ فغضب‌ زيد حتّي‌ كاد يخرج‌ من‌ إهابه‌. ثمّ قال‌: سمّاه‌ رسول‌ الله‌ الباقر وتسمّيه‌ أنت‌ البقرة‌! لشدّما اختلفتما! ولتخالفنّه‌ في‌ الآخرة‌ كما خالفته‌ في‌ الدنيا فيرد الجنّة‌ وترد النار . فقال‌ هشام‌: خذوا بِيَدِ هذا الاحمق‌ المائق‌ (شديد الغيظ‌ والغضـب‌) فأخـرجـوه‌! فأُخـرج‌ زيد وأُشخص‌ إلی‌ المدينة‌ ومعه‌ نفر يسير حتّي‌ طردوه‌ عن‌ حدود الشام‌. فلمّا فارقوه‌ عدل‌ إلی‌ العراق‌ ودخل‌ الكوفة‌. فبايعه‌ أكثر أهلها، والعامل‌ علیها وعلی‌ العراق‌ يوسف‌ بن‌ عمر الثقفي‌ّ فكان‌ بينهما من‌ الحرب‌ ما هو مذكور في‌ كتب‌ التواريخ‌. وخذل‌ أهل‌ الكوفة‌ زيداً وثبت‌ معه‌ ممّن‌ بايعه‌ نفر يسير، وأبلي‌ بنفسه‌ بلاءً حسناً وجاهد جهاداً عظيماً حتّي‌ أتاه‌ سهم‌ غرب‌ فأصاب‌ جانب‌ جبهته‌ إلیسري‌ فثبت‌ في‌ دماغه‌، فحين‌ نزع‌ عنه‌ مات‌. وكان‌ مقتله‌ يوم‌ الاثنين‌ لليلتين‌ خلتا من‌ صفر سنة‌ إحدي‌ وعشرين‌ ومائة‌، وله‌ اثنان‌ وأربعون‌ سنة‌، ثمّ صُلب‌ جسده‌ الشريف‌ بكناسة‌ الكوفة‌ أربعة‌ أعوام‌، فسدّت‌ العنكبوت‌ علی‌ عورته‌. وبُعث‌ برأسه‌ إلی‌ المدينة‌ ونُصب‌ عند قبر النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ يوماً وليلة‌. وعن‌ جرير بن‌ أبي‌ حازم‌ قال‌: رأيت‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ في‌ المنام‌ كان‌ مستنداً إلی‌ خشبة‌ زيدبن‌ عليُوهو يقول‌: هكذا تفعلون‌ بولدي‌؟! ولمّا هلك‌ هشام‌، وولّي‌ بعده‌ الوليد بن‌ يزيد، كتب‌ إلی‌ يوسف‌بن‌ عمر: أمّا بعد، فإذا أتاك‌ كتابي‌ فاعمد إلی‌ عجل‌ أهل‌ العراق‌ فَحرِّقه‌ ثُمَّ انْسِفْهُ فِي‌ إلیمِّ نَسْفاً! فأنزله‌ وحرّقه‌ ثمّ ذرّاه‌ في‌ الهواء. ولمّا قال‌ الحكم‌ بن‌ عبّاس‌ الكلبي‌ّ:

 صَلَبْنا لَكُمْ زَيْداً علی‌ جِذْعِ نَخْلَةٍ                              وَلَمْ أَرَ مَهْدِيَّاً علی‌ الجِذْعِ يُصْلَبُ

 فبلغ‌ قوله‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌، رفع‌ يديه‌ إلی‌ السماء وهما ترعشان‌ فقال‌: اللَهُمّ إن‌ كان‌ عبدُكَ كاذِباً فَسَلِّطْ علیه‌ كَلْبَكَ! فبعثه‌ بنو أُميّة‌ إلی‌ الكوفة‌ فافترسه‌ الاسد واتّصل‌ خبره‌ بالصادق‌ علیه‌ السلام‌ فخرّ ساجداً وقال‌: الحمُد للّهِ الذي‌ أنجز لنا ما وَعدنَا. *

 * ـ«بحار الانوار» ج‌ 46، ص‌ 192 .

[17] ـ قال‌ أحمد أمين‌ المصري‌ّ في‌ «فجر الإسلام‌» ص‌ 272: فالزيديّة‌ أتباع‌ زيد بن‌ حسن‌ * بن‌ عليُ بن‌ الحسين‌ بن‌ عليُ بن‌ أبي‌ طالب‌. ومذهبهم‌ أعدل‌ مذاهب‌ الشيعة‌ وأقربها إلی‌ السنّة‌. ولعلّ هذا راجع‌ إلی‌ أنّ زيداً إمام‌ الزيديّة‌ تتلمذ لواصل‌ بن‌ عطاء رأس‌ المعتزلة‌ وأخذ عنه‌ كثيراً من‌ تعإلیمه‌. فزيد يري‌ جواز إمامة‌ المفضول‌ مع‌ وجود الافضل‌. فقال‌: كان‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ أفضل‌ من‌ أبي‌ بكر، وعمر، ولكن‌ مع‌ هذا إمامة‌ أبي‌ بكر وعمر صحيحة‌.

 وقال‌ أيضاً في‌ كتاب‌ «ظهر الإسلام‌» ج‌ 4، ص‌ 109: ومن‌ أشدّ الخصومات‌ ما كان‌ بين‌ المعتزلة‌ والروافض‌ لما رُوي‌ من‌ أنّ جماعة‌ كثيرة‌ جاءت‌ زيد بن‌ عليُلتبايعه‌، وألحّوا علیه‌ في‌ قبول‌ البيعة‌ ومحاربة‌ بني‌ مروان‌. فلمّا أراد زيد أن‌ يجاهر بالامر، جاء إلیه‌ بعض‌ رؤسائهم‌ وقالوا له‌: ما قولك‌ في‌ أبي‌ بكر وعمر؟! قال‌ زيد: رحمهما الله‌ وغفر لهما. ما سمعتُ أحداً من‌ أهل‌ بيتي‌ يتبرّأ منهما ولا يقول‌ فيهما إلاّ خيراً، وأشدّ ما أقول‌: إنَّا كُنَّا أحَقَّ بِسُلْطَانِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَإنَّ القَوْمَ اسْتَأْثَرُوا علینَا وَدَفَعُونَا عَنْهُ. وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِهِمْ كُفْراً. قَدْ وَلَّوْا فَعَدَلُوا فِي‌ النَّاسِ وَعَمِلُوا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . فلم‌تعجبهم‌ هذه‌ الاجوبة‌. فنكثوا عن‌ البيعة‌ له‌ ورفضوه‌. فقال‌ زيد: رَفَضْتُمُونِي‌ فِي‌ أَشَدِّ سَاعَاتِ الحَاجَةِ! فسُمّوا بالروافض‌ عند ذلك‌. وقد يُسَمَّون‌ بالرافضة‌ أيضاً وهو اسم‌ مكروه‌.

 وهناك‌ طوائف‌ غير الرافضة‌ بعضهم‌ أكثر غلوّاً، وبعضهم‌ أكثر اعتدالاً، ومن‌ أعدلهم‌ الزيديّة‌. كذلك‌ من‌ أعدلهم‌ من‌ جَمَعَ بين‌ الشيعة‌ والاعتزال‌ـانتهي‌ كلام‌ أحمد أمين‌. وأقول‌: إنّ ما نُسب‌ إلی‌ زيد ـ تبعاً لبعض‌ المؤرّخين‌ ـ ترحّمه‌ علی‌ الشيخين‌، وعدم‌ براءته‌ منهما، وجواز إمامتهما مع‌ وجود من‌ هو أفضل‌ منهما خلاف‌ صريح‌ لمذهب‌ الشيعة‌ وأهل‌ البيت‌، وزيد خرّيج‌ مدرسة‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ فلا يمكن‌ أن‌ يخالفهم‌ أبداً. ومن‌ المحتمل‌ أنّ كلامه‌ في‌ تلك‌ المعركة‌ كان‌ من‌ منطلق‌ التقيّة‌. وإذا قال‌ البعض‌: لاتقيّة‌ عند الخروج‌ بالسيف‌، فجوابه‌: كان‌ خروجه‌ علی‌ بني‌ مروان‌، لا علی‌ الشيخين‌. ولعلّ كثيراً من‌ جنده‌ كانوا يتولّونهما. فإنكاره‌ لهما وبراءته‌ منهما في‌ تلك‌ الظروف‌ الحسّاسة‌ يغايران‌ العقل‌ والاحتياط‌. وكان‌ زيد بن‌ عليُأحد الاثنين‌ اللذين‌ رويا «الصحيفة‌ السجّاديّة‌». وفي‌ ضوء كلام‌ ابنه‌ يحيي‌، كان‌ يقرأ «الصحيفة‌»، وكان‌ من‌ الملتزمين‌ بقراءة‌ أدعيتها. ونقرأ في‌ الدعاء الثامن‌ والاربعين‌ الخاصّ بعيد الاضحي‌ ويوم‌ الجمعة‌ أنّ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ يدخل‌ ميدان‌ الجدال‌ في‌ مقام‌ الردّ علی‌ الخلفاء الاُوَل‌ وغصبهم‌ الخلافة‌ فيقول‌: اللَهُمَّ إنَّ هَذَا المَقَامِ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ وَمَوَاضِعِ أُمَنَائِكَ فِي‌ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي‌ اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا، وَأَنْتَ المُقَدِّرُ لِذَلِكَ، لاَيُغَالَبُ أَمْرُكَ وَلاَ يُجَاوَزُ المَحْتُومُ مِنْ تَدْبِيرِكَ كَيْفَ شِئْتَ وَأَ نَّي‌ شِئْتَ، وَلِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ علی‌ خَلْقِكَ وَلاَ لإرَادَتِكَ حَتَّي‌ عَادَ صَفْوتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّينَ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلاً، وَكِتَابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أَشْرَاعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً.

 * ـ(حسن‌) زائدة‌ . وزيد هو نجل‌ الإمام‌ زين‌ العابدين‌ علیه‌ السلام‌ بلافصل‌.

[18] ـ«تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 1، ص‌ 467 إلی‌ 471 . ذكر ترجمة‌ زيد بن‌ عليُعلیه‌ السلام‌ مفصّلاً، ونقلنا عنه‌ استنتاجه‌، وملخّص‌ مقاله‌ هو في‌ آخر ص‌ 469 .

      
  
الفهرس
  درس‌ الحادي‌ عشر بعد المائتين‌ إلی‌ الخامس‌ والعشرين‌ بعد المائتين‌
  الروايات‌ والآثار الواردة‌ في‌ فضيلة‌ الكتابة‌
  أسماء الشيعة‌ من‌ التابعين‌ الذين‌ دوّنوا كتاباً
  قرابة‌الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ من‌ القاسم‌ بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ بكر
  «الصحيفة‌ السجّاديّة‌ الكاملة‌» ودعاءالإمام السجّاد حول‌ الخلافة‌
  نبذة‌ من‌ سيرة‌الإمام السجّاد علیه‌ السلام‌(التعلیقة
  أهمّيّة‌ الصحيفة‌ السجّاديّة‌
  كلام‌ الجوهري‌ّ الطنطاوي‌ّ حول‌ «الصحيفة‌»
  كلام‌ السيّد علی‌ خان‌ المدني‌ّ الكبير حول‌ «الصحيفة‌»
  ‌ نقل‌ ابن‌ النديم‌، وعبد الرحمن‌ المرشدي‌ّ بعض‌ أدعية‌ «الصحيفة‌»
  رؤيا المجلسي‌ّ الاوّل‌ رحمه‌ الله‌ في‌ «الصحيفة‌»
  تواتر «الصحيفة‌ الكاملة‌ السجّاديّة‌»
  ملحقات‌ «الصحيفة‌ السجّاديّة‌»
  «الصحيفة‌ السجّاديّة‌ الثانية‌» تدوين‌ صاحب‌ «الوسائل‌» الشيخ‌ محمّد بن‌ حسن‌ الحرّ العاملي‌ّ
  «الصحيفة‌ الثالثة‌ السجّاديّة‌» تدوين‌ الميرزا عبد الله‌ الافندي‌
  «الصحيفة‌ الرابعة‌ السجّاديّة‌»، تدوين‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ بن‌ محمّد تقي‌
  «الصحيفة‌ الخامسة‌»، تدوين‌ السيّد محسن‌ الامين‌ الحسيني‌ّ العاملي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 1371ه
  كلام‌ الامين‌ في‌ نحل‌ المناجاة‌ المنظومة‌ المنسوبة‌ إلی‌الإمام السجّاد
  «الصحيفة‌ السجّاديّة‌ الجامعة‌» تدوين‌ موضوعي‌ّ
  الردّ علی‌ كيفيّة‌ جمع‌ «الصحيفة‌ السجّاديّة‌ الجامعة‌»
  كثرة‌ طرق‌ «الصحيفة‌ السجّاديّة‌»
  نقد علی‌ التبويب‌ الموضوعي‌ّ للصحيفة‌ السجّاديّة‌
  قصّة‌ الشَّرَق‌، لا الخمر ولا العَرَق‌
  شرعيّة‌ حقّ التإلیف‌ وحقّ الترجمة‌
  أقدم‌ نسخة‌ من‌ «الصحيفة‌ السجّاديّة‌» ومواصفاتها
  نقص‌ «الصحيفة‌» المُكتشفة‌
  طبع‌ «الصحيفة‌» المكتشفة‌ مع‌ مقدّمة‌ آية‌ الله‌ الفهري‌ّ بالشام‌
  نقد المزايا المذكورة‌ لـ «الصحيفة‌» المكتشفة‌
  إشكالات‌ الصحيفة‌ المكتشفة‌ في‌ موضوع‌ الصلوات‌
  روايات‌ العامّة‌ حول‌ لزوم‌ ذكر «الآل‌» في‌ الصلاة‌ علی‌ النبي‌ّ
  اتّحاد نفوس‌ الائمّة‌ مع‌ رسول‌ الله‌ مقتضي‌ ذِكر الآل‌
  ممارسة‌ أهل‌ السنّة‌ للتعصّب‌ وتحريفهم‌ الروايات‌
  ارتكاب‌ بعض‌ السنّة‌ المذابح‌ الجماعيّة‌ ضدّ الشيعة‌ وحرق‌ مكتباتهم‌
  حرق‌ مرقد الإمامین موسي‌ الكاظم‌ ومحمّد الجواد من‌ قبل‌ الحنابلة‌
  سبب‌ هجرة‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ من‌ بغداد إلی‌ النجف‌ الاشرف‌
  مقتل‌ السيّد تاج‌ الدين‌ الزيدي‌ّ بسبب‌ تشيّعة‌
  حول‌ الصلاة‌ البتراء
  سند الصحيفة‌ المكتشفة‌ مقدوح‌ فيه‌
  رواية‌ الصحيفة‌ من‌ قبل‌ عميد الرؤساء وابن‌ السكون‌
  رواة‌ «الصحيفة‌» غير ابن‌ السكون‌ وعميد الرؤساء
  كلام‌ الشيخ‌ آغا بزرك‌ الطهراني‌ّ حول‌ القائل‌: «حدّثنا»
  طرق‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ رواية‌ «الصحيفة‌»
  البحث‌ في‌ سند «الصحيفة‌» هو للتيمّن‌ فحسب‌
  انتساب‌ «الصحيفة‌» إلی‌الإمام السجّاد علیه‌ السلام‌ قطعي‌ٌّ
  اشتهار «الصحيفة‌» بين‌ العلماء السابقين‌
  ترجمة‌ رجال‌ سند «الصحيفة‌» (التعلیقة)
  تفصيل‌ اللقاء بين‌ المتوكّل‌ بن‌ هارون‌ ويحيي‌ بن‌ زيد
  إعطاءالإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ الصحيفة‌ لمحمّد وإبراهيم‌
  رؤيا رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ بني‌ أُميّة‌ علی‌ منبره‌
  الجواب‌ عن‌ المزايا الوهميّة‌ في‌ «الصحيفة‌» المكتشفة‌
  توجيه‌ الروايات‌ الدالّة‌ علی‌ عقم‌ النهضة‌ قبل‌ قيام‌ القائم‌ علیه‌ السلام‌
  سبب‌ تسمية‌ «الصحيفة‌» بـ «الكاملة‌»
  مصنّفات‌ زيد بن‌ علي ّبن‌ الحسين‌ علیهما السلام‌
  شرح‌ حول‌ كتاب‌ «المجموع‌» لزيد بن‌ عليّ
  مكانة‌ زيد بن‌ عليّ علیه‌ السلام‌ وعلمه‌ وفضله‌ وزهده‌
  الاشعار الرفيعة‌ لشعراء أهل‌ البيت‌ في‌ مدح‌ زيد ورثائه‌
  شعر لشعراء البلاط‌ المرواني‌ّ في‌ ذمّ زيد
  قتل‌ الطالبيّين‌ علی‌ يد العبّاسيّين‌
  توبيخ‌الإمام الرضا علیه‌ السلام‌ زيد بن‌ موسي‌ علی‌ خروجه‌
  إخبارالإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ حكومة‌ السفّاح‌ والمنصور
  جرائم‌ المنصور الشنيعة‌ ضدّ بني‌ الحسن‌
  ترجمة‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ (التعلیقة)
  بعث‌ المنصور رأس‌ الديباج‌ إلی‌ خراسان‌ مكان‌ رأس‌ النفس‌ الزكيّة‌
  جدول‌ ذكر البعض‌ من‌ الشجرة‌ ممّن‌ هو موضع‌ الحاجة‌ في‌ التأريخ‌
  رواية‌ «الكافي‌» في‌ تعييب‌ محمّد وإبراهيم‌
  دفاع‌ ابن‌ طاووس‌ عن‌ أعمال‌ محمّد وإبراهيم‌ ابنَي‌ عبد الله‌ المحض‌
  رواية‌ «الكافي‌» في‌ رفض‌الإمام الباقر علیه‌ السلام‌ أخاه‌ زيداً
  إدانة‌الإمام الرضا علیه‌ السلام‌ خروج‌ أخيه‌ زيد بن‌ موسي‌
  نهضة‌ زيد بن‌ عليّ وبكاءالإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ علیه‌
  ترجمة‌ زيد بن‌ عليّ(التعلیقة)
  نهضة‌ زيد بن‌ عليّ لمقارعة‌ الظلم‌، لا لدعوة‌ الناس‌ إلی‌ إمامته‌
  رسالة‌الإمام الصادق‌ إلی‌ عبد الله‌ المحض‌ عند تحرّكه‌ إلی‌ بغداد
  استشهاد ابن‌ طاووس‌ برواية‌ الصادق‌ علی‌ حسن‌ حال‌ بني‌ الحسن‌
  نتيجة‌ البحث‌ حول‌ الثائرين‌ بالسيف‌ من‌ بني‌ فاطمة‌ علیها السلام‌
  كلام‌ السيّد نعمة‌ الله‌ الجزائري‌ّ حول‌ الثائرين‌ من‌ بني‌ الحسن‌ (التعلیقة)
  ترجمة‌ محمّد وإبراهيم‌ ابنَي‌ عبد الله‌ المحض‌ (التعلیقة)
  >>خروج‌ زيد النار في‌ المدينة‌
  كيفيّة‌ خروج‌ زيد بن‌ عليّ علیه‌ السلام‌
  كان‌ زيد بن‌ عليّ في‌ درجة‌ متأخّرة‌ عن‌ المعصوم‌
  كلام‌ الميرزا عبد الله‌ الإصفهاني‌ّ في‌ التفاوت‌ بين‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌
  اختلاف‌ النفوس‌ والاعمال‌ عند الائمّة‌ الطاهرين‌ حتمي‌ّ
  فعل‌ ولي‌ّ الله‌ عين‌ الحقّ
  الخلقة‌ المجرّدة‌ والنورانيّة‌ للائمّة‌ مقارنة‌ للاختيار
  انتقاد رأي‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ في‌ عدم‌ ذكر بعض‌ الحقائق‌ التأريخيّة‌
  زواج‌ عمر بأُمّ كلثوم‌ ابنة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌
  خِطبة‌ معاوية‌ ابنة‌ عبد الله‌ بن‌ جعفر وزينب‌ علیها السلام‌
  المشاعر والعواطف‌ البشريّة‌ عند الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌
  مشاعر سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ وعواطفه‌ يوم‌ عاشوراء
  استشهاد الطفل‌ الرضيع‌ يوم‌ الطفّ
  فضائل‌ عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ واستشهاده‌
  عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ من‌ منظار معاوية‌
  حوار عليّ الاكبر مع‌الإمام الحسين‌ علیهما السلام‌ حول‌ الشهادة‌
  نماذج‌ نادرة‌ من‌ الامويّين‌ كانوا من‌ الموإلین‌ للإمام‌ عليّ علیه‌ السلام‌
  جعل‌الإمام عليّ علیه‌ السلام‌ محمّدَ ابن‌ الحنفيّة‌ درعاً للحسنين‌
  عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ تلميذ مدرسة‌ الحسنين‌ علیهما السلام‌
  قصّة‌ إنشاد الفرزدق‌ قصيدته‌ في‌الإمام السجّاد علیه‌ السلام‌
  قصيدة‌ الفرزدق‌ في‌الإمام السجّاد علیه‌ السلام‌
  تقديرالإمام السجّاد علیه‌ السلام‌ للفرزدق‌
  بعض‌ الذين‌ نقلوا هذه‌ القصيدة‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی