معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام(المجلد السادس‌عشر والسابع‌عشر)
کتاب معرفة الامام / المجلد السادس عشر و السابع عشر / القسم السادس: الاحادیث النبویة فی لزوم التشیع، مسار العلوم و تاریخ الشیعة

الاحاديث‌ النبويّة‌ في‌ لزوم‌ التشيّع‌

 وكانت‌ دعوة‌ رسول‌ الله‌ إلی‌ القرآن‌، ودعوته‌ إلی‌ ولاية‌ مولي‌ المتّقين‌ وسيّد الاحرار وأميرالمؤمنين‌ عليّ بن‌ أبي‌ طالب‌ دعوة‌ واحدة‌. وكان‌ لزوم‌ اتّباعه‌ عليه‌ السلام‌ من‌ اللوازم‌ التي‌ لا تتجزّأ عن‌ الإسلام‌. وكان‌ شيعته‌ في‌ عصر الرسول‌ الاكرم‌ معروفين‌ بارزين‌ لا معين‌. وكان‌ الحزب‌ المخالف‌ منذ ذلك‌ العصر معروفاً بتخطيطه‌، وعرقلته‌ للامور، ومخالفته‌ للحقّ، ووقوفه‌ أمام‌ الصواب‌ والحقّ.

 قال‌ ابن‌ الاثير: وفي‌ حديث‌ عليٍّ عليه‌ السلام‌ قال‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: سَتَقْدَمُ علی اللَهِ أَنْتَ وَشِيعَتُكَ رَاضِينَ مَرْضِيِّنَ، وَيَقْدَمُ عَلَيْهِ عَدُوُّكَ غِضَاباً مُقْمَحِينَ! ثُمَّ جَمَعَ يَدَهُ إلی‌ عُنُقِهِ يُرِيهِمْ كَيْفَ الإقْمَاحُ؟!

 ثمّ قال‌ ( ابنُ الاثير »: أَقْمَحَهُ الغُلُّ: إذَا تَرَكَ رَأْسَهُ مَرْفُوعاً مِنْ ضِيقِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَإلی‌: «إِنَّا جَعَلْنَا فِي‌´ أَعْنَـ'قِهِمْ أَغْلَـ'لاً فَهِيَ إلی‌ الاْذْقَانِ فَهُمْ مُّقْمَحُونَ». [1]

 وفي‌ « غاية‌ المرام‌ » عن‌ المغازليّ بسنده‌ عن‌ أنس‌ بن‌ مالك‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتي‌ الجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفاً [2] لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ الْتَفَتَ إلی‌ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: هُمْ شِيعَتُكَ وَأَنْتَ إمَامُهُمْ. [3]

 وفيه‌ عنه‌ أيضاً بسنده‌ عن‌ كثير بن‌ زيد قال‌: دخل‌ الاعمش‌ علی المنصور، وهو جالسٌ للمظالم‌. فلمّا بصر به‌ قال‌ له‌: يا سليمان‌! تَصَدَّرْ! قال‌: أنا صَدْرٌ حيث‌ جلستُ! إلی‌ أن‌ قال‌ في‌ حديثه‌: قال‌:

 حدّثني‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، قَالَ: أَتَانِي‌ جَبْرَئيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ آنِفاً، فَقَالَ: تَخَتَّمُوا بِالعَقِيقِ فَإنَّهُ أَوَّلُ حَجَرٍ شَهِدَ لِلَّهِ بِالوَحْدَانِيَّةِ، وَلِي‌ بِالنُّبُوَّةِ، وَلِعَلِيٍّ بِالوَصِيَّةِ، وَلِوُلْدِهِ بِالإمامةِ، وَلِشِيعَتِهِ بِالجَنَّةِ. [4]

 ويستفاد من‌ هذه‌ الاحاديث‌ الكثيرة‌ وما يماثلها أنّ لفظ‌ الشيعة‌ استعمله‌ صاحب‌ الشريعة‌ فيمن‌ تولّي‌ عترته‌ وآله‌. فمن‌ يومه‌ كان‌ هذا اللفظ‌ إذا أُطلق‌ عند الاستعمال‌، يُفهَم‌ منه‌ أنّ المعنيّ به‌ مَنْ وإلی‌ عليّاً وبنيه‌ عليهم‌ السلام‌.

 وكانت‌ الدعوة‌ إلی‌ التشيّع‌ لابي‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌ من‌ صاحب‌ الرسالة‌ تواكب‌ دعوتَه‌ للشهادتين‌. ومن‌ ثمّ كان‌ أبو ذرّ الغفاريّ شيعة‌ عليّ عليه‌ السلام‌، وهو رابع‌ الإسلام‌ أو سادسهم‌. [5]

 ولقد كفانا مؤنة‌ التدليل‌ علی ما نريد محمّد كُرْد علی في‌ كتابه‌ (« خطط‌ الشام‌ » ج‌ 5، ص‌ 251 إلی‌ 256 ).

 قال‌: عُرِفَ جماعة‌ من‌ كبار الصحابة‌ بموالاة‌ عليٍّ في‌ عصر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، مثل‌ سلمان‌ الفارسيّ القائل‌: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَهِ علی النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالإئتِمَامِ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ وَالمُوَالاَةِ لَهُ.

 ومثل‌ أبي‌ سعيد الخُدريّ الذي‌ يقول‌: أُمِرَ النَّاسُ بِخَمْسٍ، فَعَمِلُوا بِأَرْبَعٍ وَتَرَكُوا وَاحِدَةً. وَلَمَّا سُئِلَ عَنِ الاَرْبَعِ قَالَ: الصَّلاَةُ، وَالزَّكَاةُ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالحَجُّ.

 قِيلَ: فَمَا الوَاحِدَةُ الَّتي‌ تَرَكُوهَا؟! قَالَ: وِلاَيَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ!

 قِيلَ لَهُ: وَإنَّهَا لَمَفْرُوضَةٌ مَعَهُنَّ؟! قَالَ: نَعَمْ! هِيَ مَفْروضَةٌ مَعَهُنَّ.

 ومثل‌ أبي‌ذرّ الغفاريّ، وعمّار بن‌ ياسر، وحُذيفة‌ بن‌ إلیمان‌، وذي‌ الشهادتين‌ خُزَيمة‌ بن‌ ثابت‌، وأبي‌ أيّوب‌ الانصاريّ، وخالد بن‌ سعيدبن‌ العاص‌، وقيس‌ بن‌ سعد بن‌ عبادة‌.

 وأمّا ما ذهب‌ إلیه‌ بعض‌ الكتّاب‌ من‌ أنّ مذهب‌ التشيّع‌ من‌ بدعة‌ عبدالله‌ بن‌ سبأ المعروف‌ بابن‌ السوداء، فهم‌ وَهْمٌ، وقلّة‌ معرفة‌ بحقيقة‌ مذهبهم‌. ومَن‌ علم‌ منزلة‌ هذا الرجل‌ عند الشيعة‌ وبراءتهم‌ منه‌ ومن‌ أقواله‌ وأعماله‌، وكلام‌ علمائهم‌ في‌ الطعن‌ فيه‌ بلا خلافٍ بينهم‌، عَلِمَ مبلغ‌ هذا القول‌ من‌ الصواب‌.. لا ريب‌ في‌ أنّ أوّل‌ ظهور الشيعة‌ كان‌ في‌ الحجاز بلد المتشيّع‌ له‌. وفي‌ دمشق‌ يرجع‌ عهدهم‌ إلی‌ القرن‌ الاوّل‌ للهجرة‌.

 إنّ محمّد كُرد عليّ ليس‌ من‌ الشيعة‌، ولا من‌ أنصارهم‌، غير أ نّه‌ رأي‌ أنّ من‌ الامانة‌ إبداء هذه‌ الحقيقة‌ ناصعة‌ دون‌ أن‌ يشوبها بغرض‌، ودون‌ أن‌ يركن‌ إلی‌ النزعات‌ المذهبيّة‌ التي‌ أضاعت‌ الحقّ وشوّهت‌ الحقيقة‌.

 فهذا كُرد علی بوجيز كلامه‌ واستدلاله‌ علی نبوغ‌ التشيّع‌ أيّام‌ صاحب‌ الشريعة‌ أغناناً عن‌ المضيّ في‌ التدليل‌ علی هذا الامر! [6]

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌

 تبيّن‌ من‌ جميع‌ المطالب‌ المتقدّمة‌ كالآيات‌ القرآنيّة‌، وحديث‌ الغدير، وحديث‌ الثقلين‌، وحديث‌ العشيرة‌، وحديث‌ الطير المشويّ، وقبول‌ الإسلام‌ بشرط‌ قبول‌ الولاية‌ وأمثالها، أنّ نفس‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ يدعو الاُمّة‌ إلی‌ اتّباع‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، وأنّ التشيّع‌ له‌ كان‌ منذ ذلك‌ العصر، وأنّ رجالاً من‌ الصحابة‌ من‌ أُولي‌ العلم‌ والفهم‌ والحكمة‌ اتّبعوه‌ ورضوه‌ وليّا لهم‌، فعرفوا بشيعته‌ منذ ذلك‌ الحين‌. وهو عليه‌ السلام‌ وشيعته‌ هؤلاء هم‌ الذين‌ تولّوا أمر الكتابة‌ والتدوين‌ والتصنيف‌ في‌ عصر الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 وبعد وفاة‌ رسول‌ الله‌، ووقوع‌ الحوادث‌ الإلیمة‌، وإقالة‌ مولي‌ الموإلی‌، والاغتصاب‌ الصريح‌ لمقام‌ الإمامة‌، والخلافة‌، وإمارة‌ الاُمّة‌، ومنع‌ التدوين‌ والتصنيف‌ وبيان‌ الاخبار والاحاديث‌ والسنّة‌ النبويّة‌ والتفسير ومعني‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ المباركة‌ بعنفٍ شديد، وتحكّم‌ تامّ، انعزل‌ الشيعة‌ ومولاهم‌. وأمّا أُولئك‌ فإنّهم‌ مع‌ رواج‌ سوقهم‌، وحروبهم‌ وغاراتهم‌ وفتحهم‌ الامصار واجتذاب‌ قلوب‌ العامّة‌ بزخارف‌ الدنيا وحطامها، والتّبرّع‌ بالمناصب‌، لم‌ يسمحوا لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أن‌ يدخل‌ معهم‌ بوصفه‌ أعلم‌ الاُمّة‌، ولم‌ ينضووا تحت‌ لواء آرائه‌ وأفكاره‌ وتوجيهاته‌ في‌ حين‌ كانوا هم‌ المتربّعين‌ علی أريكة‌ الحكم‌.

 وعندما كانوا يستشيرونه‌ في‌ بعض‌ المواطن‌ القليلة‌، فإنّ هذه‌ الاستشارة‌ ليست‌ من‌ منطلق‌ لزوم‌ اتّباع‌ للعالم‌، بل‌ من‌ منطلق‌ الاسترشاد برأيه‌ في‌ مقام‌ الاستشارة‌.

 ولا يمكن‌ للإمام‌ عليه‌ السلام‌ طبعاً وعقلاً مع‌ سعة‌ علمه‌ ودرايته‌ أن‌ يخضع‌ لفهمهم‌ القاصر ونظرتهم‌ الضيّقة‌. لهذا لم‌ يجد بدّاً من‌ أن‌ يحمل‌ المسحاة‌ والمعول‌، ويزرع‌، ويُجري‌ القنوات‌ خمساً وعشرين‌ سنة‌. هذا وهم‌ يعتبون‌ عليه‌ أ نّه‌ لم‌ يذهب‌ إلی‌ الحرب‌! ويتساءلون‌:

 لماذا لم‌ يستعدّ أن‌ نعقد له‌ لواءً للحرب‌؟ ولماذا لم‌ يتوجّه‌ إلی‌ القتال‌ كسائر القادة‌ والاُمراء أمثال‌ سعد بن‌ أبي‌ وقّاص‌ وخالد بن‌ الوليد، فيقتل‌، ويقمع‌، ويفتح‌، ويوسّع‌ أرض‌ المسلمين‌ كما في‌ عصر رسول‌ الله‌؟! ولماذا لم‌يرحل‌ معنا في‌ سفرنا إلی‌ الشام‌؟!

 أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَقُولُونَ وَتَتَوَّهَمُونَ وَمَا تَصِيِرُونَ إلیهِ وَتَزْعُمُونَ!

 كيف‌ يكون‌ العُقاب‌ المحلِّق‌ في‌ السماء خاضعاً لامر الغراب‌ والحدأة‌؟! وأنتم‌ الذين‌ كسرتم‌ جناحه‌، بَيدَ أ نّه‌ ظلّ عقاباً محلِّقاً، فلاهو بحاجةٍ إلی‌ دنياكم‌، ولا هو يطمع‌ في‌ الإمارة‌ عليكم‌!

 هو عقاب‌، وهو ليث‌ العلم‌ والحلم‌ والفهم‌ والتمكين‌. فكيف‌ ينقاد لاوامركم‌ ونواهيكم‌؟!

 لهذا ترك‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ وعلی أولاده‌ وأبنائه‌ الطيّبين‌ أفضل‌ السلام‌ والصلاة‌ من‌ الحيّ القيّوم‌ ربّ العالمين‌ الحسّاد وشأنهم‌، وأكبّ هو وشيعته‌ علی التفسير والتدوين‌، وكَتَبَ السنّة‌ النبويّة‌ للاُمّة‌ والاجيال‌ القادمة‌.

 أمّا أُولئك‌ الثمالی‌ بخمرة‌ النزعات‌ والغرور، فقد اقتنعوا بظاهر من‌ الإسلام‌، وخالوا أنفسهم‌ علی سطح‌ القمر والشمس‌. ولكن‌ شتّان‌ بين‌ ذلك‌ وهؤلاء!

 نه‌ هر كه‌ چهره‌ برافروخت‌ دلبري‌ داند                        نه‌ هر كه‌ آينه‌ سازد سكندري‌ داند

 نه‌ هر كه‌ طرف‌ كُلَه‌ كج‌ نهاد و تند نشست‌                     كلاهداري‌ و آئين‌ سروري‌ داند

 هزار نكتة‌ باريكتر ز مو اينجاست                                 ‌ نه‌ هر كه‌ سر نتراشد قلندري‌ داند

 تو بندگي‌ چو گدايان‌ به‌ شرط‌ مزد مكن                     ‌ كه‌ خواجه‌ خود روشن‌ بنده‌ پروري‌ داند

 غلام‌ همّت‌ آن‌ رند عافيت‌ سوزم‌                                     كه‌ در گدا صفتي‌ كيمياگري‌ داند

 وفا و عهد نكو باشد ار بياموزي                               ‌ و گرنه‌ هر كه‌ تو بيني‌ ستمگري‌ داند[7]

 به‌ قد و چهره‌، هر آنكس‌ كه‌ شاه‌ خوبان‌ شد                      جهان‌ بگيرد اگر دادگستري‌ داند

 به‌ قدر مردم‌ چشم‌ من‌ است‌ غوطة‌ خون‌                  درين‌ محيط‌ نه‌ هر كس‌ شناوري‌ داند

 بباختم‌ دل‌ ديوانه‌ و ندانستم‌                                          كه‌ آدمي‌ بچه‌اي‌ شيوة‌ پري‌ داند

 مدار نقطة‌ بينش‌ ز خال‌ توست‌ مرا                                      كه‌ قدر گوهر يكدانه‌ گوهري‌ داند

 ز شعر دلكش‌ حافظ‌ كسي‌ بود آگاه‌                              كه‌ لطف‌ نكته‌ و سِرِّ سخنوري‌ داند [8]

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌

 قال‌ المحقّق‌ الخبير والعالم‌ المتضلّع‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ المظفّر: فلو كان‌ الامر بعد الرسول‌ لعليٍّ عليهما وآلهما السلام‌، لكان‌ الناس‌ كلّهم‌ شيعة‌ عليٍّ بعد هذا البيعة[9] ( بيعة‌ الغدير )، وبعد تلك‌ الآيات‌ النازلة‌ والروايات‌ الواردة‌ في‌ فضله‌.

 ولمّا أن‌ حالت‌ الحوائل‌ دون‌ انتهاء الخلافة‌ إلیه‌، وفوجي‌ الناس‌ بأمر لم‌يحتسبوه‌. فما عتّم‌ الامر إلاّ وأبو بكر خليفة‌، كيف‌ ننتظر من‌ الناس‌ اتّباع‌ السلطان‌ أن‌ يبقوا علی الولاء والتشيّع‌ لاهل‌ البيت‌؟! أجل‌، غير فئة‌ تعدّ بالاصابع‌ لم‌ يغير ذلك‌ الزلزال‌ المفاجي‌ ثباتها علی الولاء والإمامة‌.

 فانقبع‌ التشيّع‌ بانقباع‌ أبي‌ الحسن‌ في‌ بيته‌. وما كان‌ انتشاره‌ بعدئذٍ في‌ البلاد العريضة‌ إلاّ كدبيب‌ النمل‌ الصفا من‌ دون‌ حسٍّ أو جلبة‌. فلم‌ تبق‌ قبيلة‌ أو بلد إلاّ وألقي‌ التشيّع‌ بجرانه‌ فيها وهو هادي‌ وديع‌.

 لايري‌ الشيعة‌ خلافة‌ إلهيّة‌ لغير عليٍّ وبنيه‌ عليهم‌ السلام‌. فمن‌ ثمّ لاتسمح‌ السلطات‌ بانتشاره‌، ولا تري‌ أن‌ ينتشق‌ النسيم‌ الطلق‌ فهي‌ تخنقه‌ ما استطاعت‌، لانّ بظهوره‌ وقوّته‌ الخوف‌ علی عروشهم‌.

 أشغلت‌ الدنيا عثمان‌ وبني‌ أُميّة‌ عن‌ الحيلولة‌ دون‌ ظهور التشيّع‌، فوجد أنصاره‌ فسحة‌ الدعوة‌ إلیه‌ وتذكير الناس‌ بيوم‌ الغدير وفضائل‌ المرتضي‌ وأهل‌ بيت‌ النبوّة‌ عليهم‌ السلام‌، والقلوب‌ يومئذٍ حاقدة‌ علی عثمان‌ ورهطه‌ باستنثاره‌ بالفي‌ء، وتأميرهم‌، وإقطاعهم‌ الضياع‌، وإيثارهم‌ بالخمس‌ والصفايا.

 ومتي‌ كان‌ يتسنّي‌ لامثال‌ أبي‌ذرّ رضي‌ الله‌ عنه‌ أن‌ يذكّر الناس‌ معلناً بولاء المرتضي‌ ويطوف‌ علی بيوت‌ المدينة‌ صائحاً:

 أَدِّبُوا أَوْلاَدَكُمْ علی حُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ! وَمَنْ أَبِي‌ فَانْظُرذوا فِي‌ شَأْنِ أُمِّهِ!

 وعلی منواله‌ ينسج‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاريّ. ومتي‌ كان‌ أبو ذرّ وغيره‌ يطيقون‌ إنكار المنكر والفساد في‌ الارض‌، فكان‌ ذلك‌ منه‌ عاملاً في‌ نفي‌ أبي‌ذرّ إلی‌ الشام‌. فدأب‌ في‌ الشام‌ علی سيرته‌، ولم‌ يثنه‌ الوعد ولاالوعيد عن‌ خطّته‌، فكان‌ الصراخه‌ في‌ الشام‌ أثر محمود. وخشي‌ معاوية‌ أن‌ تنقلب‌ عليهم‌ الشام‌ وتذهب‌ أمانيه‌ العِذاب‌ سدي‌، إن‌ استمرّ أبو ذرّ علی هتافه‌. فأعاده‌ إلی‌ المدينة‌ علی أخشن‌ مركب‌ مجدّين‌ به‌ السير، وهو شيخ‌ ضعيف‌ القوي‌، فتناثر لحم‌ فخذيه‌.

 فلمّا لم‌ يجد عثمان‌ حيلة‌ في‌ سكوته‌ من‌ نفي‌ أو إغراء بالمال‌ أو ترهيب‌، نفاه‌ إلی‌ الربذة‌ ـ داره‌ قبل‌ الإسلام‌ ـ حتّي‌ مات‌ جوعاً. [10]

 اللَهُ أكْبَرُ! ما يفعل‌ قول‌ الحقّ بالمرء؟! وما يلاقيه‌ من‌ جرّاء الامر بالمعروف‌ والردع‌ عن‌ المنكر؟!

 ولا بِدع‌، فإنّ من‌ يريد أن‌ لا تأخذه‌ في‌ الله‌ لومة‌ لائم‌، وطّن‌ نفسه‌ علی احتمال‌ المكاره‌ والتنكيل‌ والتعذيب‌، وَذَلِكَ فِي‌ ذَاتِ اللَهِ قَلِيلٌ.

 حقّاً إنّه‌ لقليل‌، فقد لاقي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قبله‌ ما هو أنكي‌ وأشدّ، والحسين‌ عليه‌ السلام‌ بعده‌ ما هو أوجع‌ وأفجع‌. وهكذا كلّ من‌ أراد إحقاق‌ الحقّ وإبطال‌ الباطل‌. وما خلّد ذكر أُولئك‌ الابطال‌ إلاّ تلك‌ا لتضحية‌ الغإلیة‌. وإنّهم‌ لنا أحسن‌ قدوة‌ ومثال‌، لا سيّما في‌ هذا الوقت‌ الذي‌ انتشرت‌ فيه‌ الموبقات‌ والضلالة‌، وَلَكِنْ أَيْنَ العَامِلُونَ؟!

 فكان‌ التجاهر بالتشيّع‌ أيّام‌ عثمان‌. ولم‌ يطق‌ أن‌ يمحقه‌ بتسفير أبي‌ذرّ، وبعقاب‌ عمّار وكسر أضلاعه‌. ولهما أمثال‌ في‌ الناس‌. وكيف‌ يزال‌ وقد ثبتت‌ قدمه‌ راسخةً، لا سيّما في‌ المدينة‌ ومصر والكوفة‌. [11]

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌

 عرفنا في‌ المباحث‌ السابقة‌ أنّ الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ أحد الذين‌ دعوا إلی‌ كتابة‌ الحديث‌ وتدوين‌ السنّة‌ النبويّة‌. وكان‌ هذا مشهوراً ومشهوداً بين‌ المخالفين‌ ولكن‌ من‌ المؤسف‌ أ نّنا لا نلحظ‌ له‌، ولالسيّد الشهداء عليهما السلام‌ في‌ باب‌ الفقه‌، والتفسير، والسنّة‌ إلاّ أحاديث‌ معدودة‌.

 هل‌ يتسنّي‌ لنا أن‌ نقول‌: لم‌ يصدر من‌ الإمام‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ حديث‌ بعد استشهاد أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ إلی‌ يوم‌ استشهاده‌، في‌ حين‌ دامت‌ تلك‌ المدّة‌ عشر سنين‌؟! وكذلك‌ الامر بالنسبة‌ إلی‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ الذي‌ عاش‌ عشر سنين‌ أُخري‌. فصار المجموع‌ إلی‌ يوم‌ وقعة‌ الطفّ عشرين‌ سنة‌، فهل‌ كان‌ مثله‌ مثل‌ أخيه‌ لم‌ يصدر منه‌ حديث‌، وهما اللذان‌ كانا مرجعَي‌ الناس‌ وإمامَي‌ الاُمّة‌؟!

 لا! لانحتمل‌ هذا أبداً. وما نظنّه‌ ظنّاً قريباً من‌ إلیقين‌ هو أنّ الحكم‌ خلال‌ تلك‌ الفترة‌ كلّها كان‌ لمعاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ عليه‌ الهاوية‌ والخذلان‌، وهو الذي‌ تحدّثت‌ عنه‌ كتب‌ التأريخ‌ جميعها أ نّه‌ قد ضيّق‌ الخناق‌ علی المسلمين‌ لئلاّ يجرؤ أحد علی نقل‌ الحديث‌ وبيانه‌، فضلاً عن‌ تدوينه‌ وكتابته‌.

 وفي‌ سفره‌ إلی‌ المدينة‌ حاور قيس‌ بن‌ سعد بن‌ عبادة‌، وعبدالله‌ بن‌ عبّاس‌، وبعد هذا الحوار أمر أن‌ يؤذّن‌ في‌ المدينة‌ أن‌: بَرِئَتْ ذمّة‌ ( الخليفة‌ » مِن‌ كلّ مَن‌ نقل‌ حديثاً أو رواية‌ في‌ فضل‌ أبي‌ تراب‌. وأنّ دمه‌ وماله‌ وعِرضه‌ حلال‌. من‌ هنا، لم‌ يجرؤ أحد علی نقل‌ الحديث‌ وروايته‌. يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ أ نّه‌ كتب‌ إلی‌ جميع‌ عمّاله‌ وولاته‌ وأئمّة‌ الجمعة‌ والجماعة‌ أن‌ لايتحدّثوا بشي‌ء من‌ فضل‌ عليّ بن‌ أبي‌ طالب‌، وليت‌ الامر اقتصر علی ذلك‌، فقد فرض‌ علی الجميع‌ سبّه‌ بعد كلّ صلاة‌.

 وتحدّث‌ المرحوم‌ المظفّر عن‌ أساس‌ حكومة‌ معاوية‌، وما ارتكبه‌ من‌ ظلم‌ بحقّ الإمام‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌، فقال‌:

 ما انقضت‌ علی الشيعة‌ تلك‌ الايّام‌ الغضّة‌ الجميلة‌، المشرقة‌ بنور الحقّ، حتّي‌ فأجاهم‌ عصر الظلم‌ والظلمة‌ عصر معاوية‌. فما رأت‌ الشيعة‌ فيه‌ إلاّ الجور والاعتساف‌ والاضطهاد. فكأنّما تأمّر ليقضي‌ عليهم‌، وكأنّما تشيّعوا ليستقبلوا بنحورهم‌ سهام‌ جوره‌. فاضطرّ أبو محمّد الحسن‌ عليه‌ السلام‌ لموادعة‌ معاوية‌ حين‌ خذله‌ الناس‌. يقول‌ الباقر عليه‌ السلام‌ كما في‌ « شرح‌ النهج‌ » ج‌ 3، ص‌ 15:

 وَمَا لَقِينَا مِنْ ظُلْمِ قُرَيْشٍ إيَّانَا وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْنَا؟! وَمَا لَقِيَ شِيعَتُنَا وَمُحِبُّونَا مِنَ النَّاسِ؟! إنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قُبِضَ وَقَدْ أَخْبَرَ أَ نَّا أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالنَّاسِ. فَتَمَالاَتْ عَلَيْنَا قُرَيْشٌ حَتَّي‌ أَخْرَجَتِ الاَمْرَ عَنْ مَعْدِنِهِ، وَاحْتَجَّتْ علی الانْصَارِ بِحَقِّنَا وَحُجَّتِنَا. ثُمز تَدَاوَلَتْهَا قُرَيْشٌ وَاحِداً بَعْدَ آخَرَ حَتَّي‌ رَجَعَتْ إلینَا. فَنَكَثتْ بَيْعَتَنَا، وَنَصَبَتِ الحَرْبَ لَنَا، وَلَمْ يَزَلْ صَاحِبُ الاَمْرِ فِي‌ صَعُودٍ كَؤُودٍ حَتَّي‌ قُتِلَ.

 فَبُويعَ الحَسَنُ سَلاَمُ اللَهِ عَلَيْهِ، وَعُوهِدَ ثُمَّ غُدِرَ بِهِ وَأُسْلِمَ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ العِرَاقِ حَتَّي‌ طُعِنَ بِخَنْجَرٍ فِي‌ جَنْبِهِ، وَنُهِبَ عَسْكَرُهُ، وَعُولِجَتْ خَلإلیلُ أُمَهَّاتِ أَوْلاَدِهِ، فَوَادَعَ مُعَاوِيَةَ، وَحَقَنَ دَمَهُ وَدِمَاءَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُمْ قَلِيلٌ حَقَّ قَلِيلٍ.

 وحين‌ وادعه‌ أبو محمّد عليه‌ السلام‌، اشترط‌ عليه‌ شروطاً كثيرة‌، منها: أن‌ يكفّ عن‌ سباب‌ من‌ قام‌ الإسلام‌ بحسامه‌، وتأسّست‌ بقوائمه‌ قواعد الحكم‌ لمعاوية‌ وغيره‌؛ وأن‌ لا ينال‌ شيعته‌ بسوء. فلمّا وصل‌ معاوية‌ النخيلة‌ أو دخل‌ الكوفة‌ واعتلي‌ المنبر، قال‌: أَلاَ إنِّي‌ قَدْ مَنَّيْتُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ شُرُوطاً، وَكُلُّهَا تَحْتَ قَدَمِيَّ هَاتَيْنِ! [12]

 يقول‌ أبو الفرج‌ في‌ « المقاتل‌ »: صلّي‌ معاوية‌ الجمعة‌ بالنخيلة‌، ثمّ خطب‌، فقال‌: إنِّي‌ مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا، وَلاَ تَصُومُوا، وَلاَ لِتَحُجُّوا، وَلاَ لِتُزكُّوا! إنَّكُمْ لَتَغْفَلُونَ ذَلِكَ! إنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لاِتَأمَّرَ عَلَيْكُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيَ اللَهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ!

 قال‌ شريك‌ في‌ حديثه‌: هَذَا هُوَ التَّهَتُّكُ!

 إنّ أبا محمّد عليه‌ السلام‌ ليعلم‌ أنّ معاوية‌ لا يفي‌ بشي‌ء من‌ الشروط‌، ولكن‌ ما اشترط‌ عليه‌ إلاّ ليتجلّي‌ للناس‌ غدره‌ ونكثه‌ بالعهود.

 فكأنّما صالحه‌ علی أن‌ يجتهد في‌ سبّ المرتضي‌ وتتبّع‌ شيعته‌ ما استطاع‌. وما اكتفي‌ بسبّه‌ بنفسه‌ حتّي‌ كتب‌ إلی‌ عمّاله‌ أن‌ يسبّوه‌ علی المنابر ودبر كلّ صلاة‌. ولمّا عوتب‌ علی ذلك‌، قال‌: لاَ وَاللَهِ حَتَّي‌ يَرْبُو عَلَيْهِ الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ الكَبِيرُ.

 فما زال‌ سبّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ سنّة‌ في‌ دولة‌ بني‌ أُميّة‌ إلی‌ أن‌ انقرضت‌، سوي‌ أيّام‌ الخليفة‌ ابن‌ عبدالعزيز في‌ بعض‌ البلاد. وزاد معاوية‌ علی السبّ أن‌ كتب‌ لعمّاله‌: برئت‌ الذمّة‌ ممّن‌ روي‌ حديثاً في‌ فضل‌ أبي‌ تراب‌. [13]

 وما زال‌ متتبّعاً أثر شيعته‌ حتّي‌ انتهك‌ منهم‌ كلّ حرمة‌ وارتكب‌ كلّ محرّم‌. يقول‌ المدائنيّ كما في‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ » ج‌ 3، ص‌ 15: وكان‌ أشدّ الناس‌ بلاءً أهل‌ الكوفة‌ لكثرة‌ من‌ فيها من‌ شيعة‌ عليّ عليه‌ السلام‌، فاستعمل‌ عليهم‌ زياد بن‌ أبيه‌ وضمّ إلیه‌ البصرة‌. فكان‌ يتبع‌ الشيعة‌ وهو بهم‌ عارف‌، لا نّه‌ كان‌ منهم‌ أيّام‌ عليٍّ عليه‌ السلام‌، فقتلهم‌ تحت‌ كلّ حجر ومدر، وأخافهم‌، وقطع‌ الايدي‌ والارجل‌، وسمل‌ العيون‌، وصلبهم‌ علی جذوع‌ النخل‌، وطردهم‌ وشرّدهم‌ عن‌ العراق‌، فلم‌ يبق‌ بها معروف‌ منهم‌.

 هذه‌ بعض‌ سيرة‌ معاوية‌ مع‌ الشيعة‌. فكان‌ لا يجهر أحد بالولاء لابي‌ الحسن‌ ولآل‌ محمّد الاطهار إلاّ حمل‌ خشبة‌ الصلب‌ علی عاتقة‌، وسنّ الحسام‌ لعنقه‌ بيده‌. وما حيلة‌ البعض‌ منهم‌، وهو جهير بالتشيّع‌ معروف‌ فيه‌ لايستطيع‌ كتمه‌ ولا دفعه‌، أمثال‌ حجر بن‌ عديّ وأصحابه‌، وعمرو بن‌ الحمق‌ الخزاعيّ وأضرابه‌؟!

 وما وقف‌ معاوية‌ عند هذا الحدّ من‌ شقائه‌ حتّي‌ أراد أن‌ يقتل‌ إمام‌ الشيعة‌ أبا محمّد الحسن‌ عليه‌ السلام‌ فدسّ إلیه‌ السمّ علی يدي‌ زوجته‌ جعدة‌ ابنة‌ الاشعث‌، فنال‌ بذلك‌ منه‌ ما أراد. [14]

 وحسب‌ معاوية‌ أن‌ بمطاردة‌ الشيعد والقضاء عليهم‌ والقتل‌ لإمامهم‌ يغالب‌ القدر، فيمحو ذكر أهل‌ البيت‌ ويقضي‌ علی شريعة‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ خصمه‌ الدّ، ولكن‌ يَأْبَي‌ اللَهُ إِلآ أَن‌ يُتِمَّ نُورَهُ. [15] فإنّه‌ بالرغم‌ من‌ تلك‌ الجهود العظيمة‌ التي‌ كانت‌ لمعاوية‌ ومن‌ جري‌ علی سيرته‌ في‌ حرب‌ أهل‌ البيت‌، كان‌ شأن‌ أهل‌ البيت‌ لا يزداد إلاّ رفعة‌ وسناءً كما تراه‌ إلیوم‌. فإنّ أيّام‌ معاوية‌ في‌ سلطانه‌ بلغت‌ عشرين‌ عاماً وقضاها مجدّاً بالقضاء علی أهل‌ البيت‌ وشأوهم‌ الرفيع‌ حتّي‌ خُيِّل‌ لمن‌ لا يعرف‌ عواقب‌ الاُمور أنّ رعاة‌ الدين‌ لم‌ يبق‌ منهم‌ نافخ‌ ضرمة‌. وأنّ المنكر قد تغلّبت‌ رجاله‌ حتّي‌ لم‌ يبق‌ من‌ رجال‌ المعروف‌ أحد يعرف‌، ولكن‌ ما مضت‌ الايّام‌ إلاّ وانهار كلّ ما بناه‌ معاوية‌ وأسّسه‌ غيره‌، وشاده‌ أعقابه‌، وعلا الحقّ مرتفعاً في‌ حجّته‌ وآثاره‌، وَالحَقُّ يَعْلُو وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.

 وهذا أمر بارز للعيان‌ ينتبه‌ إلیه‌ أهل‌ البصائر في‌ كلّ أوان‌ وقد أخبروا عنه‌ أهل‌ العصور الاُوزل‌. يقول‌ الشعبيّ لولده‌، وهو المتّهم‌ بالانحراف‌ عن‌ عليٍّ عليه‌ السلام‌:

 يَا بُنَيَّ! مَا بَنَي‌ الدِّينُ شَيئاً فَهَدَمَتْهُ الدُّنْيَا، وَمَا بَنَتِ الدُّنْيَا شَيئاً إلاَّ وَهَدَمَهُ الدِّينُ. انْظُرْ إلی‌ عَلِيٍّ وَأَوْلاَدِهِ! فَانٍ بَنِي‌ أُمَيَّةَ لَمْ يَزَالُوا يَجْهَدُونَ فِي‌ كَتْمِ فَضَائِلِهِمْ وَإخْفَاءِ أَمْرهِمْ وَكَأَنَّمَا يَأْخُذُونَ بِضِبْعِهِمْ إلی‌ السَّمَاءِ. وَمَا زَالُوا يَبْذُلُونَ مَسَاعِيَهُمْ فِي‌ نَشْرِ فَضَائِلِ أَسْلاَفِهِمْ وَكَأَنَّمَا يَنْشُرُونَ مِنْهُمْ جِيفَةً!

 ويقول‌ عبدالله‌ بن‌ عروة‌ بن‌ الزبير لابنه‌: يَا بُنَيَّ! عَلَيْكَ بِالدِّينِ، فَإنَّ الدُّنْيَا مَا بَنَتْ شَيئاً إلاَّ هَدَمَهُ الدِّينُ. وَإذَا بَنَي‌ الدِّينُ شَيئاً لَمْ تَسْتطِعِ الدُّنْيَا هَدْمَهُ. أَلاَ تَرَي‌ عَلِيَّ بْنز أَبِي‌ طَالِبٍ وَمَا يَقُولُ فِيهِ خُطَبَاءُ بَنِي‌ أُمَيَّةَ مِنْ ذَمِهِ وَعَيْبِهِ وَغِيبَتِهِ! وَاللَهِ لَكَأَنَّمَا يَأْخُذُونَ بِنَاصِيَتِهِ إلی السَّمَاءِ!

 أَلاَ تَرَاهُمْ كَيْفَ يَنْدُبُونَ مَوْتَاهُمْ وَيَرْثِيهِمْ شُعَرَاؤُهُمْ! وَاللَهِ لَكَأنَّمَا يَنْدُبُونَ جِيَفَ الحُمُرِ! [16]

 ولا غرابة‌ فإنّ الله‌ لا يُخزي‌ أولياءه‌ وقد ضحّوا بنفوسهم‌ ونفيسهم‌ في‌ ذاته‌. وكيف‌ ينصر أعداءه‌ وهم‌ حرب‌ له‌ ولاوليائه‌؟ إنَّ اللَهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم‌ مُّحْسِنُونَ. [17]

مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌عصر سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ [18]

 كان‌ عصر إمامته‌ عليه‌ السلام‌، بعد سمّ أخيه‌ الإمام‌ الممتحن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ واستشهاده‌، عصيباً مضطرباً حتّي‌ عشر سنين‌ كان‌ معاوية‌ فيها حيّاً قد تربّع‌ علی العرش‌ وتسلّط‌ غاصباً بكلّ ما أُوتي‌ من‌ اقتدار. وكانت‌ الغنائم‌ والاموال‌ تنهال‌ علی دمشق‌، ومعاوية‌ يصرفها لإشباع‌ أطماعه‌. ولم‌يدّخر وسعاً من‌ أجل‌ تثبيت‌ حكومته‌ واستقرارها. وكان‌ يمنح‌ الجوائز والصلات‌ الكثيرة‌ لمن‌ يشاء، وبالعكس‌ فقد ترك‌ بني‌ هاشم‌ وذراري‌ رسول‌الله‌ ـ علی أساس‌ تلك‌ السياسة‌ ـ جياعاً عطاشي‌ عراة‌، دون‌ أن‌ يقيم‌ لهم‌ وزناً، إلی‌ درجة‌ أنّ بناتهم‌ حين‌ كنّ يبلُغنَ لم‌ يستطعن‌ الزواج‌، وكذلك‌ شبابهم‌ فإنّهم‌ كانوا غير قادرين‌ علی الزواج‌. وكان‌ فتيانهم‌ يمضون‌ أعمارهم‌ عمّالاً، وفتياتهم‌ حوائك‌ خلف‌ عيدان‌ الحياكة‌ والنسيج‌. وكان‌ التحديث‌ بفضائل‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ جرماً لايُغتفر. فلا رواية‌ ولاتفسير، ولا علم‌ ولا دراية‌. وكان‌ زمام‌ الاُمور بيدِ حكّام‌ المدينة‌، والولاة‌ وأئمّة‌ الجمعة‌ والجماعة‌ الذين‌ كان‌ يعيّنهم‌ بنفسه‌. وكان‌ سبّ أبي‌ تراب‌ ولعنه‌ وشتمه‌ أُموراً مألوفة‌ تشجّع‌ الحكومة‌ عليها. وتُمضيها السياسة‌ العامّة‌ يومئذٍ، وسياسة‌ المدينة‌ المنوّرة‌ بخاصّة‌. وكان‌ مروان‌ بن‌ الحكم‌، وأبو هُريرة‌ يتسابقان‌ في‌ تنفيذ مآرب‌ معاوية‌. أمّا عبدالله‌ بن‌ عمر، وعبدالله‌ بن‌ زبير فقد كانا يجهدان‌ بشكل‌ غريب‌ في‌ إخفاء مناقب‌ عليٍّ وأهل‌ بيته‌. وأمّا عائشة‌ فقد بذلت‌ قصاري‌ جهدها في‌ كتمان‌ فضائلهم‌ ودفنها، وتناسب‌ الاخبار والاحاديث‌ التي‌ كانت‌ قد سمعتها من‌ الرسول‌ الاكرم‌ واستظهرتها، وهي‌ لاتعدّ ولاتُحصي‌، لقد سكتت‌ عنها ولجّت‌ في‌ عدائها لبني‌ هاشم‌ وحقدها علهيم‌ وحسدها إيّاهم‌، وأصرّت‌ علی أفكارها الجاهليّة‌ الجهلاء.

 سعد بن‌ أبي‌ وقّاس‌ الذي‌ كان‌ أحد الفاتحين‌، والذي‌ اعترف‌ بسماعه‌ أحاديث‌ في‌ هذا الشأن‌ علی لسان‌ النبيّ الاكرم‌، فقد شيّد له‌ قصراً عإلیاً خارج‌ المدينة‌، ليستمتع‌ بجواريه‌ الحسان‌ ويلهو ويتنعمّ و....

 الويل‌ لهذه‌ الاُمّة‌ الخائبة‌ الضائعة‌ بلا راعٍ إذ غزتها الافكار الشيطانيّة‌ من‌ كلّ جانب‌، وأفلت‌ عنانها، وانقلب‌ دينها، وصار الشيطان‌ إلهاً، وإبليس‌ مَلَكاً، وعمي‌ بصرها وبصيرتها، وصُمَّ سمعها. وما أسرع‌ فقدانها لقابليّة‌ السماع‌ والاستماع‌! وأصبح‌ الجميع‌ منقادين‌ لحاكم‌ لعوب‌ ممثّل‌ ظهر علی المسرح‌، وتفوّق‌ علی عليّ بن‌ أبي‌ طالب‌ وابنه‌ الإمام‌ الحسن‌، وأرسلهما إلی‌ ديار العدم‌. وها هو يخطب‌ مستقبلاً قبله‌ رسول‌ الله‌، ويقف‌ في‌ محرابه‌، وينزو علی منبره‌، وأخضع‌ الجميع‌ لسيطرته‌ وهيمنته‌!

 هنا سبق‌ السيف‌ العَذَل‌، وفقد الحديث‌ والرواية‌ رونقهما، فلم‌ يعده‌ ينتظر من‌ الكتابة‌ والتدوين‌ والتصنيف‌ شيئاً، فقد دوّي‌ صوت‌ معاوية‌، وملا الجبال‌ والسهول‌ والصحاري‌ والاجواء والبحار بنحو كان‌ ينافس‌ فيه‌ الاباطرة‌ الجبّارين‌ الهتّاكين‌ في‌ العالم‌ علی مرّ التأريخ‌. ولو ظلّ علی تلك‌ الوتيرة‌، لاستمرّ ألف‌ سنة‌ أو أكثر. وهنا عادت‌ النصيحة‌ وبيان‌ الموعظة‌ والآداب‌ غير مجدته‌. أضحت‌ الدعوة‌ الانفراديّة‌ وتشكيل‌ جلسات‌ الدرس‌، وسرد السنّة‌ والآثار النبويّة‌ أمراً غير مُجدٍ بأيّ وجه‌ من‌ الوجوه‌ بعد أخذ البيعة‌ من‌ الناس‌ بولاية‌ العهد ليزيد الزاني‌ الجافي‌ الخمّار الهتّاك‌ شاعر الشراب‌ وحليف‌ المغنيّات‌ والقردة‌، والمستهزي‌ بالدين‌ والمبدأ والمعاد وحجّ بيت‌ الله‌ الحرام‌.

 وهنا تحتاج‌ الاُمّة‌ إلی‌ الحسين‌ ليقذف‌ مِشْرَطَهُ من‌ أرض‌ كربلاء إلی‌ قلب‌ الشام‌، ويفجّر تلك‌ القرحة‌ وذلك‌ الدُّمّل‌، ويذر أبا سفيان‌، ومعاوية‌، ويزيد وأسرته‌ رماداً بشرارة‌ واحدةٍ.

 ولقد قام‌ الحسين‌ بذلك‌ وأفلح‌.

 وما أكثر ما قيل‌ وكُتب‌ حول‌ شهادته‌ وأسرارها العجيبة‌! بَيدَ أ نّا نكتفي‌ هنا بموجزٍ من‌ كلام‌ العالم‌ الجليل‌ المظفَّر. فقد قال‌ بعد شرح‌ له‌ في‌ هذا المجال‌: فما أصدق‌ القائل‌: إنّ الإسلام عَلَوِيُّ، وَالتَّشَيُّعَ حُسَيْنِيٌّ. فإنّ سيف‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الذي‌ ضرب‌ به‌ خراطيم‌ الناس‌ حتّي‌ قالوا: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ، هو الذي‌ نشرت‌ به‌ رايات‌ النصر، ورفعت‌ به‌ أعلام‌ الفتح‌، وأخرج‌ الناس‌ من‌ ظلمات‌ الكفر إلی‌ نور الإيمان‌. وكان‌ عليّ عليه‌ السلام‌ في‌ كلّ حرب‌ حضرها لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ هو الفاتك‌ الفاتح‌.

 كما أ نّه‌ لولا قيام‌ الحسين‌ بتلك‌ التضحية‌ الكريمة‌، لكان‌ الدين‌ كلّه‌ أمويّاً بسعي‌ ملوك‌ أُميّة‌. وما هو إذ ذاك‌ إلاّ فساد في‌ الارض‌ وارتكاب‌ لكلّ منكر، وهتك‌ للحرمات‌، وفسق‌ بالاعراض‌، وسفك‌ للدماء، ونهب‌ للاموال‌، إلی‌ غير هذا ممّا جاء الدين‌ لاستئصال‌ شأفته‌، وقلع‌ جرثومته‌، وتطهير جسم‌ المجتمع‌ من‌ أمراضه‌ الفتّاكة‌.

 وهذا أبو عثمان‌ الجاحظ‌ يقول‌: وَتَفْخَرُ هَاشِمٌ علی بَنِي‌ أُمَيَّةَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَهْدِمُوا الكَعْبَةَ، وَلَمْ يُحَوِّلُوا القِبْلَةَ، وَلَمْ يَجْعَلُوا الرَّسُولَ دُونَ الخَلِيفَةِ، وَلَمْ يَخْتِمُوا فِي‌ أَعْنَاقِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُغَيِّرُوا أَوْقَاتَ الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَنْقُشُوا أَكُفَّ المُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَأْكُلُوا الطَّعَامَ، وَيَشْرَبُوا علی مِنْبَرِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَلَمْ يَنْهَبُوا الحَرَمَ، وَلَمْ يَطأُوا المُسْلِمَاتِ فِي‌ دَارِ الإسلام بِالسِّبَاءِ. [19]

 وهذا بعض‌ ما ذكره‌ أبو عثمان‌، وما يذكره‌ أرباب‌ التأريخ‌ من‌ أعمالهم‌.

 ولو استقامت‌ تلك‌ الاعمال‌ من‌ دون‌ نكر يطهّرها من‌ علی وجه‌ الارض‌ لاصبحت‌ عرفاً بين‌ الناس‌. ومتي‌ تعود الناس‌ إلی‌ العمل‌ بالشريعة‌ وقد استقبلوا هذه‌ البدع‌ والموبقات‌ تُرتكب‌ جهراً، ولا يُخشي‌ الله‌ في‌ اقترافها إعلاناً وسرّاً؟!

 فنهضة‌ الحسين‌ هي‌ التي‌ أبانت‌ ضلال‌ القوم‌ وجُرْأتَهم‌ علی الشريعد، وانتهاكم‌ لحرمات‌ الدين‌، وخروجهم‌ عنه‌، بل‌ عليه‌ أقوالاً وأعمالاً. فكان‌ بزوغ‌ بدر آل‌ البيت‌ بعد أن‌ أفل‌ أو كاد من‌ أسرار شهادته‌ التي‌ مازال‌ الكثير منها مجهولاً. وما تجلّي‌ إلاّ شطر منها حتّي‌ كاد أن‌ يلمسها بيده‌ حتّي‌ الغزليّ. وعسي‌ أن‌ يكشف‌ لنا المستقبل‌ شطراً آخراً محجوباً حتّي‌ إلیوم‌ عن‌ البصائر والابصار.

 إنّ الذي‌ يرشدك‌ إلی‌ أنّ شجرة‌ التشيّع‌ كان‌ نموّها وإفراعها ممّا استقته‌ من‌ تلك‌ الدماء الطاهرة‌ هو أنّ أنصار الامويّين‌ تكاد أن‌ تتقطّع‌ قلوبهم‌ غيظاً من‌ هاتيك‌ النهضة‌ الحسينيّة‌. وما زالوا ينسجون‌ الحجب‌ بشتّي‌ الاسإلیب‌ فيضعونها علی شمس‌ تلك‌ التضيحة‌، زعماً منهم‌ أنّ عين‌ الشمس‌ تُحجب‌ بالغربال‌. وهَيْهَات‌ الذي‌ دبّروه‌ من‌ تمويه‌ وخداع‌. فإنّ أنوار تلك‌ الشهادة‌ قد استضاء منها الاُفق‌ الإسلاميّ، ومزّقت‌ ظلام‌ تلك‌ الاضإلیل‌ الامويّة‌، ونبّهت‌ الحواسّ إلی‌ الفوائد الملموسة‌ من‌ ذلك‌ القربان‌، وخسران‌ أُميّة‌ فيما جنته‌، وإن‌ هزّتهم‌ نشوة‌ الظفر أيّاماً معدودة‌. وما زال‌ أنصار أميّة‌ مجدّين‌ في‌ كتمان‌ الحقّ ظنّاً منهم‌ أنّ الباطل‌ يعلو بالاراجيف‌، وتستر عيوبه‌ نسائج‌ الاوهام‌ وأسلاك‌ الهباء، ولا يفضحه‌ قمر الحقّ الطالع‌!

 وما دعاهم‌ إلی‌ بخس‌ حقّ تلك‌ النهضة‌ الشريفة‌ هو ما شاهدوه‌ ولمسوه‌ من‌ آثارها في‌ انتشار التشيّع‌ ونموّه‌ حيناً بعد آخر، وافتضاح‌ سلفهم‌ بما جنوه‌ علی أنفسهم‌، واكتسبته‌ أيديهم‌. وكفي‌ بافتضاحهم‌ اعترافهم‌ بالفضيحة‌.

 فهذا عبيدالله‌ بن‌ زياد طالَبَ عمر بن‌ سعد بالكتاب‌ الذي‌ كتبه‌ له‌ في‌ قتل‌ الحسين‌، فقال‌: مَضَيْتُ لاِمْرِكَ وَضَاعَ الكِتَابُ! قال‌: لَتَجِيئَيَنَّ بِهِ!

 قال‌ عمر: تُرِكَ وَاللَهِ يُقْرَأُ علی عَجَائِزِ قُرَيْشٍ اعْتِذَاراً إلیهِنَّ بِالمَدِينَةِ. أَمَا وَاللَهِ لَقَدْ نَصَحْتُكَ فِي‌ حُسَيْنٍ نَصِحَةً لَوْ نَصَحْتُهَا أَبِي‌: سَعْدَ بْنَ أَبِي‌ وَقَّاصٍ كُنْتُ قَدْ أَدَّيْتُ حَقَّهُ!

 قال‌ عثمان‌ بن‌ زياد، أخو عبيدالله‌: صَدَقَ وَاللَهِ؛ وَدِدْتُ أَ نَّهُ لَيْسَ مِنْ بَنِي‌ زِيَادٍ رَجُلٌ إلاَّ وَفِي‌ أَنْفِهِ خِزَامَةٌ إلی‌ يَوْمِ القِيَامَةِ وَإنَّ حُسَيْناً لَمْ يُقْتَلْ!

 قَالَ: فَوَاللَهِ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَهِ. [20]

 وأ نّي‌ لهم‌ إلیوم‌ بستر تلك‌ التضحية‌ وقد ملات‌ البلاد طولاً وعرضاً ذكراها والإشادة‌ بها علی المنابر. وما زالت‌ الصحف‌ والكتب‌ تندب‌ ذلك‌ القربان‌ وتبكي‌ تلك‌ الفاجعة‌ الموجعة‌، في‌ كلّ زمان‌ ومكان‌.

 ولماذا تذهب‌ يميناً وشمالاً وهذه‌ عاصمة‌ أُميّة‌ ـ الشام‌ ـ التي‌ اتّخذت‌ يوم‌ قتل‌ الحسين‌ عيداً واستقبلت‌ الرؤوس‌ والسبي‌ بالدفوف‌ والطبول‌، وبقيت‌ أيّاماً وعليها منشورة‌ معالم‌ الزينة‌ والفرح‌! أصحبت‌ والمآتم‌ تقام‌ فيها نادبة‌ للحسين‌ باكية‌ عليه‌، لاعنة‌ مَن‌ اجترح‌ منه‌ ذلك‌ الذنب‌ العظيم‌! وهذا اسم‌ الحسين‌ مكتوب‌ علی مسجدها الاعظم‌ وقد وضع‌ ثوب‌ السواد شعار الحزن‌ علی موضع‌ صلب‌ الرأس‌ من‌ ذلك‌ المسجد. وهاتيك‌ القبور من‌ أهل‌ البيت‌ وما اكثرها في‌ ذلك‌ البلد ـ دمشق‌ ـ معمورة‌ بالقباب‌ وبالزائرين‌، وقد فرشت‌ بأنفس‌ السجّاد وأُضيئت‌ بأجمل‌ المصابيح‌. وأين‌ قبر معاوية‌ ويزيد من‌ عاصمتهم‌ الشام‌؟! وأين‌ الزائر لهما من‌ أشياعهم‌ ومن‌ سائر الناس‌؟! [21]

 هذا هو شأن‌ الحقّ وأهله‌ لاتميته‌ الايّام‌، ولا يظفر به‌ الباطل‌ وأشياعه‌. ولا ينخدع‌ ببهرجة‌ الدنيا وأربابها إلاّ من‌ نسي‌ الله‌ فأنساه‌ ذكره‌. فأنّي‌ لاُمّية‌ وأنصارها أن‌ تطاول‌ الحقّ فتمي‌ شخصه‌ الكريم‌ من‌ الوجود! [22]

 صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِاللَهِ وَعلی الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَهِ وَبَرَكَاتُهُ.

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌

 كان‌ دأب‌ أهل‌ بيت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بعد حادثة‌ كربلاء نشر ما حلّ بقلتي‌ الطفّ، وما جري‌ من‌ فزع‌ ودهشة‌ وسلب‌ وضرب‌ وسبي‌. فإنّ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌ قضي‌ سني‌ حياته‌ كلّها بالبكاء علی أبيه‌.[23] فإنّه‌ ما قُدِّم‌ له‌ طعام‌ أو شراب‌ إلاّ ومزجه‌ بدموع‌ عينيه‌. وعلی هذا المنوال‌ نسج‌ الائمّة‌ من‌ أولاده‌، بل‌ ما زالوا يعقدون‌ مآتم‌ العزاء للبكاء واستماع‌ المراثي‌ والتعازي‌.

 ولربّما ضربوا الاستار وجعلوا خلفها بنات‌ الرسالة‌ ليستمعن‌ شجي‌ المراثي‌، فيبكين‌ علی صرعي‌ الطفّ وسبي‌ العقائل‌. بل‌ كان‌ شعارهم‌ حثّ المؤمنين‌ علی نصب‌ مآتم‌ الحزن‌ للبكاء علی ذلك‌ الحدث‌ الجلل‌، وعلی زيارته‌ ولو علی الخشب‌ ( إشارة‌ منهم‌ إلی‌ الصلب‌ الذي‌ ينتظر مَن‌ يزوره‌ ).

 وقد لبّي‌ المؤمنون‌ تلك‌ الدعوة‌، فمازالت‌ مآتمهم‌ قائمة‌، وزيارتهم‌ دائمة‌. ولقد لاقوا من‌ أجل‌ ذلك‌ فنون‌ الاذي‌ والتنكيل‌ أيّام‌ بني‌ أميّة‌، وشطراً من‌ دولة‌ بني‌ العبّاس‌ خصوصاً في‌ عهد المتوكّل‌، حتّي‌ أدركوا الامل‌ فصارت‌ المآتم‌ تقام‌ علناً، والزيارة‌ تفعل‌ جهرة‌، إلی‌ أن‌ بلغت‌ إلی‌ ما تشاهده‌ إلیوم‌!

 وما زال‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ يأمرون‌ بنشر الدعوة‌ الحسينيّة‌ بكلّ وسائل‌ النشر. وقد سبقهم‌ إلی‌ ذلك‌ جدّهم‌ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، فقد بكي‌ ولده‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وحضّ علی البكاء عليه‌، وحثّ علی نصرته‌ عند نهوضه‌ وعلی زيارته‌ بعد قتله‌، والحسين‌ بعدُ في‌ الاحياء.

 وسمع‌ أنس‌ بن‌ الحارث‌ بن‌ نبيه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يقول‌: إنَّ ابنِي‌ هَذَا ـ يَعْنِي‌ الحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ يُقْتَلُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: كَرْبَلاَ. فَمَنْ شَهِدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَنْصُرْهُ!

فخرج أنس إلی کربلاء، فقُتل مع الحسین علیه السلام.[24]

 وقال‌ ابن‌ عبّاس‌: أَوْحَي‌ اللَهُ تَعَإلی‌ إلی‌ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إنِّي‌ قَتَلْتُ بِيَحْيَي‌ بْنِ زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفاً، وَإنِّي‌ قَاتِلٌ بِابْنِ ابْنَتِكَ سَبْعِينَ أَلْفاً! [25] والاحاديث‌ عنه‌ في‌ هذا الشأن‌ كثيرة‌. [26]

 أراك‌ وقفتَ علی أسرار تلك‌ الاوامر وإقامة‌ هاتيك‌ الشعائر! فإنّهم‌ حاولوا بتلك‌ وهذه‌ لفت‌ الانظار إلی‌ المصائب‌ التي‌ جرت‌ علی قتيل‌ الظلم‌، وصريع‌ الجور، والتوصّل‌ بذاك‌ إلی‌ إعلاء كلمة‌ الشهادتين‌، وتنفيذ أحكام‌ الشريعة‌. فإنّه‌ عليه‌ السلام‌ ما ضحّي‌ عليه‌ السلام‌ بنفسه‌ ونفيسه‌ إلاّ لاجل‌ ذلك‌. وأحسبك‌ خبيراً بنجاح‌ تلك‌ التضحية‌ منه‌ وهاتيك‌ الدعوة‌ منهم‌.

 ولو لم‌ يكن‌ إلاّ انعطاف‌ الناس‌ علی ما فذجع‌ به‌ ذلك‌ القتيل‌، وبغضهم‌ لمن‌ اجترأ عليه‌ بذلك‌ الفعل‌ الاشنع‌، لكان‌ أجراً يستحقّه‌ الإشفاق‌ علی المظلوم‌ وإن‌ كان‌ من‌ غير أبناء جلدته‌ ودينه‌، والشنآن‌ للظالم‌ وإن‌ كان‌ منه‌ قبيلة‌ وديناً. ومن‌ ثمّ تجد الاُمم‌ وإن‌ لم‌ يكن‌ مسلمة‌ تنعطف‌ علی تلك‌ التضحيّة‌، وتقدّر تلك‌ البساطة‌ والإقدام‌ من‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌، وتعدّ الجرأة‌ علی قتله‌ وهو بتلك‌ الحال‌ شناعة‌ وخزياً لا يغسل‌ عارة‌ تطاول‌ السنين‌ والاعوام‌.

 فنجاح‌ هاتيك‌ الشهادة‌ ليس‌ بكثرة‌ الاولياء من‌ المسلمين‌ للحسين‌ عليه‌ السلام‌ وتكثّر الشيعد لاهل‌ البيت‌ في‌ كلّ بلاد خيّم‌ عليها الإسلام‌ فحسب‌، بل‌ بالتقدير من‌ العالم‌ كلّه‌ الذي‌ اطّلع‌ علی تلك‌ الحادثة‌ لذلك‌ الابيّ الباسل‌ الذي‌ صرعه‌ سيف‌ الظلم‌ والعدوان‌. فإنّ التأريخ‌ لم‌ يقرئهم‌، والعيان‌ لم‌يرهم‌ حرباً تقابل‌ فيها الحقّ والباطل‌ فتغلّب‌ الباطل‌ وانتقم‌ من‌ الحقّ انتقاماً تستنكره‌ الوحوش‌ الكواسر والاُمم‌ الجاهليّة‌ التي‌ لم‌ تعرف‌ الدين‌ أو العاطفة‌ أو النظام‌، فكيف‌ بأمّةٍ تنتسب‌ إلی‌ دين‌ الرحمة‌ والعطف‌ دين‌ العدل‌ والحقّ. وكان‌ الانتقام‌ نفسه‌ ممّن‌ يدعوهم‌ إلی‌ العمل‌ بذلك‌ الدين‌ وأحكامه‌، وهم‌ بعد يزعمون‌ أ نّهم‌ مستظلّون‌ برواق‌ ذلك‌ الدين‌، معترفون‌ بأنّ ذلك‌ القتيل‌ داعية‌ الحقّ وابن‌ صاحب‌ الشريعة‌.

 ولمّا دخل‌ عبيدالله‌ بن‌ زياد الكوفة‌، وظفر بمسلم‌ بن‌ عقيل‌ ـ رسول‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وداعيته‌ ـ أخذ يقتل‌ مَن‌ يظنّ ولاءه‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، ويحبس‌ من‌ يتّهمه‌ به‌، حتّي‌ ملا السجون‌ منهم‌ خشية‌ أن‌ يتسلّلوا لنصرة‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌. ومن‌ ثمّ تجد قلّة‌ في‌ أنصاره‌ مع‌ كثرة‌ الشيعة‌ بالكوفة‌. ولقد كان‌ في‌ حبسه‌ اثنا عشر ألفاً كما قيل‌. وما أكثر الوجوه‌ والزعماء فيهم‌، أمثال‌ المختار، وسليمان‌ بن‌ صُرَد الخُزاعيّ، والمُسَيِّب‌ بن‌ نَجَبَة‌، ورِفَاعَة‌ بن‌ شَدَّاد، وإبراهيم‌ بن‌ مالك‌ الاشتر.

 وبعد أن‌ خرجوا من‌ حبسه‌ نهض‌ منهم‌ أربعة‌ آلاف‌ يرأسهم‌ سليمان‌ ابن‌ صرد، وجاؤوا لقبر الحسين‌ عليه‌ السلام‌ فنعود وبكوه‌، واشتدّوا لحرب‌ الامويّين‌ حتّي‌ فني‌ أكثرهم‌، ولم‌ يحجزهم‌ عن‌ المقاومة‌ تفاني‌ أكثرهم‌ حتّي‌ ظهر المختار بالكوفة‌ فالتحقوا به‌.

 وصلب‌ ابن‌ زياد جماعة‌ من‌ الشيعة‌ كان‌ في‌ طليعتهم‌ العبد الصالح‌ ميثم‌ التمّار. [27] وقد أمر به‌ فقُطعت‌ يداه‌ ورجلاه‌. وبقي‌ وهو بتلك‌ الحال‌ يحدّث‌ الناس‌ بفضائل‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ كأنّه‌ خطيب‌ علی أعواد، فأمر به‌، فاستلّوا لسانه‌، وقطعوه‌، ثمّ بقروا بطنه‌ فمات‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌. وهذا الفعل‌ القاسي‌ الفظيع‌ نزر ممّا ارتكبه‌ ابن‌ زياد في‌ الشيعة‌. ولو لم‌ يكن‌ له‌ إلاّ قارعة‌ الطفّ وقتل‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ ورهطه‌ وصحبه‌، لكفي‌ به‌ حدثاً تهتزّ له‌ السماوات‌ والارضون‌ عظماً وجزعاً.

 يقول‌ الباقر عليه‌ السلام‌ كما في‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ » ج‌ 3، ص‌ 15:

 ثُمَّ لَمْ نَزَلْ أَهْلَ البَيْتِ نُسْتَذَلُّ وَنُسْتَضَامُ وَنُقْصَي‌ وَنُمْتَهَنُ وَنُحْرَمُ وَنُخَافُ وَلاَ نَأْمَنُ علی دِمَائِنَا وَدِمَاءِ أَوْلِيَائِنَا. إلی‌ أن‌ قال‌ عليه‌ السلام‌: وَكَانَ عِظَمُ ذَلِكَ وَكِبْرُهُ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ مَوْتِ الحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُتِلَتْ شِيعَتُنَا بِكُلِّ بَلْدَةٍ وَقُطِّعَتِ الاَيْدِي‌ وَالاَرْجُلُ علی الظِّنَّةِ. وَكَانَ مَنْ يُذْكَرُ بِحُبِّنَا وَالانْقِطَاعِ إلینَا سُجِنَ أَوْ نُهِبَ مَالُهُ أَوْ هُدِمَتْ دَارُهُ.

 ثذمَّ لَمْ يَزَلِ البَلاَءُ يَشْتَدُّ وَيَزْدَادُ إلی‌ زَمَانِ عُبَيْدِاللَهِ بْنِ زِيادٍ قَاتِلِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

 فهذا الباقر عليه‌ السلام‌ ـ وهو الصادق‌ الامين‌ ـ كيف‌ يحدّثنا بشجيّ اللحن‌ عمّا جري‌ عليهم‌ وعلی شيعتهم‌ من‌ المحن‌ وعظيم‌ البلاء أيّام‌ ابن‌ زياد ومن‌ قبله‌، كما سيحدّثنا عمّا جري‌ عليهم‌ زمن‌ من‌ بعده‌. والتأريخ‌ أصدق‌ شاهد لحديثه‌.

ثورة‌ المختار والثناء عليه‌

 لمّا عاجل‌ الهلاك‌ يزيد وتضعضعت‌ من‌ بعده‌ إمارة‌ الامويّين‌ أيّاماً، بقيت‌ الشيعة‌ في‌ الكوفة‌ تتطلّب‌ زعمياً يلمّ شملها، ويشفي‌ غيظ‌ صدورها. فما لبثوا أن‌ وثب‌ بهم‌ المختار وثبة‌ الاسد الغضبان‌ بعد الربض‌ الطويل‌، فالتفّت‌ الشيعة‌ حوله‌، وساروا تحت‌ ركابه‌، وجعل‌ علی الجند إبراهيم‌ بن‌ مالك‌ الاشتر فأوقع‌ بعسكر الشام‌ ومزّقه‌ شرّ ممزّق‌، وقتل‌ قائده‌ ابن‌ زياد.

 وتلك‌ أُمنية‌ أهل‌ البيت‌ والشيعة‌ عامّة‌. وبعث‌ برأسه‌ إلی‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌ فسجد للّه‌ شكراً. وعند ذاك‌ خلعت‌ الهاشميّات‌ ثباب‌ الحزن‌ علی الحسين‌ عليه‌ السلام‌.[28]

 ولمّا انخذل‌ جيش‌ الشام‌، قويت‌ شوكة‌ المختار والشيعة‌، وصار يستأصل‌ قتله‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌، وما أبقي‌ أحداً منهم‌ يُعرف‌ إلاّ أن‌ يكون‌ قد هرب‌ من‌ بين‌ يديه‌. فمن‌ ثمّ تحامل‌ عليه‌ مَن‌ ملك‌ قلبه‌ حبّ الامويّين‌ وقتله‌ السبط‌ الشهيد. فصار يدنّس‌ غايته‌ النزيهة‌ التي‌ وثب‌ من‌ أجلها، وهي‌ الطلب‌ بدم‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌. فوصموه‌ تارة‌ بأنّه‌ أراد الوقيعة‌ بالعروبة‌ فكأنّه‌ لم‌ يكن‌ من‌ العرب‌. فوجد الفرصة‌ للانتقام‌ من‌ الإسلام‌ والعرب‌. ( وهو ابن‌ أبي‌ عبيدة‌، من‌ بني‌ ثقيف‌، من‌ العرب‌ الاقحاح‌ بالطائف‌ ). وأُخري‌ أ نّه‌ تطلّب‌ بتك‌ النهضة‌ الزعامة‌.

 ولا أدري‌: لماذا استقصي‌ أُولئك‌ القتلة‌؛ وما اكتفي‌ بقتل‌ شطر منهم‌ وتأميل‌ الباقين‌ لينضمّوا إلی‌ لوائه‌؟! فهذه‌ هي‌ سياسة‌ الملك‌ والإمرة‌. فإنّ الاستقصاء يملا قلوب‌ واتريه‌ حقداً عليه‌، فيحملهم‌ علی الوثبة‌ عليه‌ عند الفرصة‌.

 إنّ طالب‌ الرئاسة‌ مثل‌ معاوية‌ الذي‌ موّه‌ نهضته‌ في‌ حربه‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بالطلب‌ لدم‌ عثمان‌. ولمّا آل‌ الامر إلیه‌ لم‌يتعرّض‌ أحداً من‌ قاتليه‌ بسوء، فأغضي‌ إغضاء متجاهل‌ بهم‌، فكأنّما لم‌تكن‌ تلك‌ الحرب‌ الضروس‌ من‌ أجل‌ الطلب‌ بدم‌ عثمان‌، حتّي‌ طالبته‌ ابنة‌ عثمان‌ بالانتقام‌، فاعتذر.

 ولو كان‌ المختار غير صحيح‌ القصد في‌ وثبته‌، لما روي‌ الكثير من‌ المؤرّخين‌ نهضته‌، وشعارها الطلب‌ بالثأر. فهذا ابن‌ عبد ربّه‌ في‌ « العقد الفريد » ( ج‌ 2، ص‌ 230 ) يقول‌: ثمّ إنّ المختار لمّا قتل‌ ابن‌ مرجانة‌ وعمر بن‌ سعد جعل‌ يتبع‌ قتلة‌ الحسين‌ بن‌ عليّ ومَن‌ خذله‌، فقتلهم‌ أجمعين‌. وأمر الحسينيّة‌ وهم‌ الشيعة‌ أن‌ يطوفوا في‌ أزقّة‌ المدينة‌ ـ الكوفة‌ ـ بالليل‌ ويقولوا: يَا لِثَأْرَاتِ الحُسَيْنِ! [29]

 وقال‌ أبو الفداء في‌ حوادث‌ عام‌ 66 من‌ الجزء الاوّل‌، ص‌ 194: وفي‌ هذه‌ السنة‌ خرج‌ المختار بالكوفة‌ طالباً بثأر الحسين‌ واجتمع‌ إلیه‌ جمع‌ كثير واستولي‌ علی الكوفة‌ وبايعه‌ الناس‌ بها علی كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ رسوله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ والطلب‌ بدم‌ أهل‌ البيت‌. وتجرّد المختار لقتال‌ قتلة‌ الحسين‌.

 وبمثل‌ هذا ذكر الكثير من‌ أرباب‌ التأريخ‌ سبب‌ قيامه‌. ولعلّ هذه‌ الغاية‌ الشريفة‌ من‌ نهوضه‌ بغّضته‌ لكثير من‌ الاُوَل‌، فدسّوا الاحاديث‌ في‌ قدحه‌، ونسبوا له‌ كلّ شناعة‌ في‌ الرأي‌ والمذهب‌.

 وما ذنب‌ المختار إلاّ أ نّه‌ طهّر الارض‌ من‌ فئةٍ حاربت‌ الله‌ والرسول‌ والإسلام‌ بحربها للسبط‌ الشهيد وجرأتها علی إهراق‌ دمه‌، وانتقم‌ لاهل‌ البيت‌. فكيف‌ يهون‌ عليهم‌ أن‌ ينتقم‌ لاهل‌ البيت‌؟! سُبْحَانَكَ اللَهُمَّ وَغُفْرَانَكَ! أهذا النصف‌ والعدل‌ من‌ الإنسان‌؟!

 ظهر عبدالله‌ بن‌ الزبير بمكّة‌ واستتبّ له‌ الامر في‌ الجزيرة‌ تسع‌ سنين‌. فاشتغل‌ الامويّون‌ بابن‌ الزبير وابن‌ الزبير بالامويّين‌. وزين‌ العابدين‌ في‌ عزلة‌ عن‌ هذا التطاحن‌ الدنيويّ!. وانصرف‌ شطر من‌ الناس‌ إلی‌ العِلم‌، وشطر إلی‌ السياسة‌، وأصبح‌ لكلّ من‌ أمرَي‌ السياسة‌ والعلم‌ شأن‌ في‌ البلاد، وتكاد أن‌ تنفصل‌ كلّ طائفة‌ عن‌ الاُخري‌.

وابتدأ في‌ هذا العهد ارتكاز العلم‌ علی القواعد والاُصول‌. وابتدأت‌ المناظرات‌ والمحاجات‌، والمذاهب‌ والطرائق‌. وكان‌ في‌ هذا العصر الفقهاء السبعة‌ في‌ المدينة‌، الذين‌ يرجع‌ الناس‌ إلیهم‌ في‌ الفقه‌. وكانوا يفتون‌ علی آراء أهل‌ السنّة‌ وأُصولهم‌. فكان‌ في‌ هؤلاء شيعيّان‌ هما القاسم‌ بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ بكر، وكان‌ من‌ حواري‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌، وسعيد بن‌ المُسَيِّب‌ وقد ربّاه‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. وكانا في‌ الظاهر علی رأي‌ أهل‌ السنّة‌. ومن‌ ثمّ تعرف‌ أنّ التقيّة‌ كانت‌ دريئة‌ الشيعة‌ قبل‌ عهد الصادق‌ عليه‌ السلام‌.

 وكانت‌ الشيعة‌ ترجع‌ إلی‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ ذلك‌ الانعزال‌ والوحدة‌ ونصبه‌ للمأتم‌ الدائم‌ علی أبيه‌ عليه‌ السلام‌. وتلك‌ هي‌ السياسة‌ الإلهيّة‌ التي‌ اختطّها أبو محمّد عليه‌ السلام‌ لنفسه‌ خدمةً للشريعة‌. إذ كان‌ الناس‌ قد أشغلها التضارب‌ علی الملك‌. فوجدها فرصة‌ لإبداء مظلوميّة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌. فكان‌ بكاؤه‌ المستمرّ علی شهيد الظلم‌ أكبر ذريعة‌ لإحقاق‌ الحقّ وإبطال‌ شعائر دول‌ الجور، وانصرافه‌ عن‌ السياسة‌ وأهلها نهزة‌ لتوارد الناس‌ عليه‌ دون‌ أن‌ يؤخذوا بذاك‌.

 أذ هلت‌ حادثة‌ الطفّ الناس‌ كلّهم‌، وما كانوا يحتسبون‌ أن‌ يبلغ‌ بتلك‌ الفئة‌ الامويّة‌ الغاشمة‌ العتوّ إلی‌ ما كان‌. ولا الناس‌ في‌ الطاعة‌ لهم‌ وما آلوا إلیه‌ مع‌ آل‌ الرسول‌ إلی‌ ما وقع‌. فندم‌ شطر من‌ أُولئك‌ المحاربين‌، وطلبوا من‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌ النهوض‌ بهم‌ إلی‌ الانتقام‌ من‌ بني‌ أُميّة‌. فأبي‌ عليهم‌ أشدّ الإباء.

 وأسف‌ من‌ تخلّف‌ من‌ الشيعة‌ عن‌ الالتحاق‌ بالحسين‌، وعن‌ القتل‌ بين‌ يديه‌. وما علموا أنّ الناس‌ يبلغون‌ منه‌ ذلك‌ الفعل‌ الاشنع‌، وقد خيّم‌ عليهم‌ الحزن‌ بعمق‌ وهم‌ بين‌ نادم‌ وآسف‌. وهذا أحد العوامل‌ علی انتفاض‌ الناس‌ علی يزيد ووقوع‌ حادثة‌ الحَرَّة‌. حيث‌ لم‌ تُبق‌ كارثة‌ كربلاء هويً لاكثر الناس‌ في‌ آل‌ أبي‌ سفيان‌. هذا فوق‌ ما كان‌ عليه‌ يزيد من‌ المجون‌ والتهتّك‌ والطيش‌.

 فالشيعة‌ بالعراقَين‌ ( البصرة‌ والكوفة‌ ) والحرمَين‌ ( مكّة‌ والمدينة‌ ) في‌ هذه‌ الفترة‌ هائدة‌ الاعصاب‌، لم‌ يتفرّغ‌ ابن‌ الزبير لمقاومتهم‌ حتّي‌ بعد استيلاء مصعب‌ علی الكوفة‌ وقتل‌ المختار. وإن‌ كانت‌ نزعة‌ ابن‌ الزبير شنآن‌ أهل‌ البيت‌ ومحاربتهم‌ في‌ خططه‌ وخطبه‌.

 

ارجاعات


[1] ـ «النهاية‌» لابن‌ الاثير، ج‌ 4، مادّة‌ «ق‌ م‌ ح‌». والآية‌ هي‌: الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 32: يس‌.

[2] ـ يستعمل‌ العدد «سبعين‌» في‌ لغة‌ العرب‌ للمبالغة‌ عن‌ الكثرة‌.

[3] ـ «تاريخ‌ الشيعة‌» للشيخ‌ محمّد حسين‌ المظفَّر، ص‌ 7.

[4] ـ «تاريخ‌ الشيعة‌» للشيخ‌ محمّد حسين‌ المظفَّر، ص‌ 7.

[5] ـ «الاستيعاب‌».

[6] ـ «تاريخ‌ الشيعة‌» للمظفّر، ص‌ 9 و 10.

[7] ـ «ديوان‌ الخواجة‌ شمس‌ الدين‌ محمّد حافظ‌ الشيرازيّ» أعلی‌ الله‌ درجته‌، ص‌ 99، الغزليّة‌ رقم‌ 221، طبعة‌ بزمان‌.

 يقول‌: «ليس‌ كلّ من‌ أتقدّت‌ وجنتاه‌ صار معشوقاً ومحبوباً، وليس‌ كلّ من‌ صنع‌ المرآة‌ يكون‌ كالإسكندر.

 وليس‌ كلّ من‌ أدار قبّعته‌ وجلس‌ متبختراً عرف‌ أدب‌ الرئاسة‌ والسلطة‌ والسيادة‌.

 أَلْف‌ نقطة‌ أدقّ من‌ الشعرة‌ هنا، وليس‌ كلّ من‌ لا يحلق‌ شعره‌ درويشاً.

 لا تشترط‌ العبوديّة‌ بالاجر (أيّها الغافل‌) كالشحّاذين‌، فالله‌ أعرف‌ بتربية‌ العبد.

 أنا عبدٌ لهمّة‌ المنيع‌ الذي‌ لا يكترث‌ بعافيته‌ وإن‌ كان‌ مستجدياً في‌ ظاهره‌ لكنّه‌ يعرف‌ علم‌ الكيمياء.

 الوفاء بالعهد حَسَنٌ إذا تعلّمتَهُ وإلاّ فكلّ من‌ تراه‌ يعرف‌ كيف‌ يظلم‌ غيره‌.

[8] ـ كلّ من‌ صار ملكاً لاُولي‌ الجمال‌ بقامته‌ ووجهه‌، فإنّه‌ يستولي‌ علی‌ العالَم‌ إذا عَدَلَ.

 الغوص‌ في‌ الدم‌ بمقدار إنسان‌ عيني‌ (الدمع‌ الذي‌ أسكبه‌) وليس‌ لكلّ أحد أن‌ يسبح‌ في‌ هذا البحر (العين‌).

 فقدتُ القلب‌ المجنون‌ وأنا لا أدري‌ أنّ للمعشوق‌ الآدميّ أُسلوب‌ الحوريّة‌ الجميلة‌.

 إنّ مدار بصيرتي‌ من‌ خالِكَ، إذ لا يعرف‌ قدر الجوهر الفريد (الخال‌) إلاّ الجوهريّ.

 لا يعرف‌ شِعر «حافظ‌» الاخّاذ بالقلوب‌ إلاّ من‌ وقف‌ علی‌ سرّ الكلام‌ ولطف‌ النكات‌».

[9] ـ قال‌ في‌ الهامش‌: ذكر أرباب‌ الفضائل‌ والحديث‌ والتأريخ‌ والتفسير تهنئة‌ عمر لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وأضاف‌ إلیها بعضهم‌ تهنئة‌ أبي‌ بكر. انظر: الرازيّ في‌ تفسير قوله‌: يَـ'أَيُّهَّا الرَّسُولُ بَلِّغْ ـ الادية‌، وأحمد في‌ مسنده‌ عن‌ البراء بن‌ عازب‌، والثعلبيّ، وابن‌ حجر في‌ أوائل‌ الصواعق‌ في‌ الشبهة‌ الحادية‌ عشرة‌، غير أ نّه‌ ذكر أنّ أبابكر وعمر قالاً له‌: يَا علی! أَمْسَيْتَ مَوْلَي‌ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. وفي‌ شأن‌ نزول‌ الآية‌: إلیوْمِ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَـ'مَ دِينًا، انظر: «الدرّ المنثور»، والخطيب‌ البغداديّ، وابن‌ عساكر، وما جمعه‌ الطبريّ، وابن‌ عقدة‌ من‌ طرق‌ حديث‌ الغدير، والثعلبيّ، وابن‌ المغازليّ، والحافظ‌ الجزريّ الشافعيّ، وغيرهم‌.

[10] ـ ذكر حال‌ أبي‌ذرّ وما لاقاه‌ جميع‌ المؤرّخين‌. وإن‌ شئتَ أن‌ تقف‌ علی‌ شي‌ء منه‌، فدونك‌ «شرح‌ النهج‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 2، ص‌ 376!

[11] ـ «تاريخ‌ الشيعة‌» للمظفّر، ص‌ 13 إلی‌ 15.

[12] ـ «الإمامة‌ والسياسة‌» لابن‌ قتيبة‌، ص‌ 136؛ و«شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 4، ص‌ 6؛ و«تاريخ‌ الطبريّ» في‌ حوادث‌ عام‌ 41، ج‌ 6، ص‌ 93؛ و«تاريخ‌ العبريّ» ص‌ 186؛ إلی‌ كثير سواها.

[13] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 3، ص‌ 15 نقلاً عن‌ المدائني‌؛ وابن‌ عرفة‌ المعروف‌ بنفطويه‌.

[14] ـ انظر: «تاريخ‌ أبي‌ الفداء» ج‌ 1، ص‌ 183؛ و«الاستيعاب‌» لابن‌ عبدالبرّ؛ و«مروج‌ الذهب‌» ج‌ 2، ص‌ 36؛ و«مقاتل‌ الطالبيّين‌»؛ و«شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 4، ص‌ 4 و 7 و 418، إلی‌ غير هؤلاء. وما اكتفي‌ بالسمّ وحده‌ بل‌ خرّ ساجداً لمّا بلغه‌ موت‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌، كما ذكر ذلك‌ الطبريّ والدميريّ وأبو الفداء وابن‌ قتيبة‌، وابن‌ عبد ربّه‌ وغيرهم‌. ويا للعجب‌ ممّا جناه‌ معاوية‌، كأنّه‌ لم‌ يتوصّل‌ إلی‌ الملك‌ إلاّ للقضاء علی‌ الشريعة‌ وأربابها. وأنّ الاعجب‌ منه‌ أن‌ تري‌ له‌ أنصاراً ومدافعين‌ حتّي‌ إلیوم‌. وكانت‌ ولادة‌ الحسن‌ في‌ النصف‌ من‌ شهر رمضان‌ لسنتين‌ مضتا للهجرة‌ أو لثلاث‌، وموته‌ في‌ السابع‌ من‌ صفر سنة‌ 50 للهجرة‌.

[15][15] ـ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[16] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 2، ص‌ 414.

[17] ـ «تاريخ‌ الشيعة‌» للمظفَّر، ص‌ 20 إلی‌ 25. والآية‌ هي‌: الآية‌ 128، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[18] ـ وُلد علیه‌ السلام‌ في‌ الثالث‌ من‌ شعبان‌ بعد ثلاث‌ سنين‌ من‌ الهجرة‌، واستُشهد في‌العاشر من‌ المحرّم‌ سنة‌ 61 ه.

[19] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 3، ص‌ 429.

[20] ـ انظر: «تاريخ‌ الطبريّ» ج‌ 6، ص‌ 268، في‌ حوادث‌ عام‌ 61؛ وتاريخ‌ ابن‌ الاثير، ج‌ 4، ص‌ 40، في‌ حوادث‌ هذا العام‌.

[21] ـ كنت‌ قد سمعتُ حكايات‌ حول‌ خراب‌ قبر معاوية‌ علیه‌ الهاوية‌ وأ نّه‌ أصبح‌ مزبلة‌، بَيدَ أ نّي‌ لم‌ أرَ ذلك‌ بعيني‌ حتّي‌ سنة‌ 1392 ه حين‌ تشرّفت‌ بحجّ بيت‌ الحرام‌ للمرّة‌ الثالثة‌ عن‌ طريق‌ دمشق‌، فأقمتُ أُسبوعاً فيها ورغبتُ يوماً أن‌ أُشاهد تلك‌ المزبلة‌، لهذا توجّهت‌ مع‌ المضيِّفَين‌ الكريمين‌ أبي‌ علی‌ عبدالجليل‌ مُحيي‌ وأبي‌ موسي‌ جعفر محيي‌ طوّل‌ الله‌ عمرهما لرؤية‌ قبره‌ والاعتبار به‌، علماً أ نّهما لم‌ يرغبا كثيراً في‌ ذلك‌ إذ قالا لي‌: لعلّ ذهابك‌ لرؤية‌ قبره‌ تؤدّي‌ إلی‌ ترويج‌ الباطل‌. فقلتُ لهما: نذهب‌ في‌ وقت‌ لا يرانا فيه‌ أحد. فاخترتُ الفترة‌ الواقعة‌ بين‌ الطلوعين‌ وذهبنا معاً إلی‌ ذلك‌ القبر الذي‌ هو مظنّة‌ العذاب‌، وكانت‌ تحرسه‌ امرأة‌ تقيم‌ في‌ زاوية‌ من‌ زوايا صحنه‌ القذر الملوّث‌، ورأيناها مشغولة‌ بغسل‌ الملابس‌. فطفقت‌ تلعن‌ معاوية‌ ويزيد وتسبّهما سبّا فاحشاً، وتصلّي‌ علی‌ أهل‌ البيت‌.

 قال‌ رفيقاي‌: هذه‌ المرأة‌ من‌ أنصار الامويّين‌ لكنّها تلعنهم‌ إذا دخل‌ أحد من‌ أجل‌ أن‌ تحصل‌ علی‌ شي‌ء من‌ المال‌. فلم‌ نحرمها من‌ عطايانا في‌ مقابل‌ ذلك‌ اللعن‌! بَيدَ أنّ قبر معاوية‌ الواقع‌ في‌ جانب‌ ذلك‌ الصحن‌ كان‌ قذراً إلی‌ درجة‌ أ نّه‌ يدعو إلی‌ الاعتبار والاتّعاظ‌ حقّاً. وكانت‌ الخفافيش‌ قد عشعشت‌ في‌ ثقوب‌ جدرانه‌ وألقت‌ فضلاتها علی‌ القبر كثيراً.

[22] ـ «تاريخ‌ الشيعة‌» للمظفّر، ص‌ 27 إلی‌ 30.

[23] ـ أشهر الاقوال‌ أ نّه‌ قتل‌ بالسمّ في‌ المحرّم‌ من‌ عام‌ 95 ه، فتكون‌ حياته‌ بعد أبيه‌ خمساً وثلاثين‌ سنة‌. كما أنّ المشهور أنّ عمره‌ الشريف‌ يوم‌ قَتْلِ أبيه‌ اثنان‌ وعشرون‌ سنة‌. وُلد علیه‌ السلام‌ في‌ الخامس‌ من‌ شعبان‌ سنة‌ 38 ه، واستُشهد بالمدينة‌ بسمّ الوليد بن‌ عبدالملك‌، ودفن‌ بالبقيع‌ خلف‌ عمّه‌ الإمام‌ المجتبي‌ علیه‌ السلام‌.

[24] ـ انظر فی ذلک ترجمته فی« الاستیعاب» و« الإصابة».

[25] ـ «المستدرك‌» الحاكم‌، ج‌ 3، ص‌ 176.

[26] ـ «العقد الفريد» ج‌ 2، ص‌ 219؛ و«الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌ 115؛ و«كنز العمّال‌» ج‌ 5، ص‌ 223، وغيرها الكثير من‌ كتب‌ الحديث‌ والفضائل‌ والتأريخ‌.

[27] ـ قال‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ المظفّر: دوّنت‌ أحواله‌ وعلومه‌ في‌ رسالة‌ أخرجتها مطابع‌النجف‌.

[28] ـ ثورة‌ التوّابين‌

ذكر المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّيّ في‌ كتاب‌ «تتمّة‌ المنتهي‌ في‌ وقائع‌ أيّام‌ الخلفاء» (الجزء الثالث‌ من‌ «منتهي‌ الآمال‌») الطبعد الثالثة‌، سنة‌ 1397 ه، ص‌ 85 و 86 (ما تعريبه‌): أنّ شيعة‌ الكوفة‌ تحرّكوا في‌ أوائل‌ حكومة‌ عبدالملك‌ بن‌ مروان‌ سنة‌ 65 ه وتلاقوا وتلاوموا علی‌ خذلانهم‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ وقعودهم‌ عن‌ نصره‌. وقالوا: إنّ خذلاننا الحسين‌ علیه‌ السلام‌ عار لا يغسله‌ شي‌ء إلاّ أن‌ نقتل‌ قاتليه‌ أو نُقْتَل‌ ثأراً له‌. فاختاروا خمسة‌ من‌ بينهم‌ وأمّروهم‌ علیهم‌، وهم‌: سليمان‌ بن‌ صُرَد الخزاعيّ، والمسيِّب‌ بن‌ نَجَبَة‌ الفزاريّ، وعبدالله‌ بن‌ سعيد بن‌ نفيل‌ الازديّ، وعبدالله‌ بن‌ وال‌ التميميّ، ورفاعة‌ بن‌ شدّاد البجليّ. فأخلوا العسكر، ومنعهم‌ المختار من‌ ذلك‌ فلم‌ يرضوا. وساروا حتّي‌ بلغوا «عين‌ الوردة‌» وهي‌ ولاية‌ كبيرة‌ من‌ بلاد الجزيرة‌. وسار عبيد الله‌ بن‌ زياد من‌ الشام‌ علی‌ رأس‌ ثلاثين‌ ألفاً من‌ أهلها ومعه‌ الحصين‌ بن‌ نمير، وشراحيل‌ بن‌ ذي‌ الكلاع‌ الحميريّ لقتالهم‌. فالتقوا في‌ «عين‌ الوردة‌» وعسكراهما عظيمان‌. واستبسل‌ سليمان‌ بن‌ صرد وقتل‌ جماعة‌ كثيرة‌ من‌ جيش‌ ابن‌ زياد. ثمّ رماه‌ الحصين‌ بن‌ نمير بسهم‌ فقتله‌. فأخذ اللواء بعد المسيِّب‌ الذي‌ كان‌ من‌ وجوه‌ جيش‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ سابقاً، وحمل‌ علیهم‌ وكان‌ يرتجز حتّي‌ قُتِلَ أيضاً. ولمّا رأي‌ الشيعة‌ ذلك‌ أيسوا من‌ الحياة‌ وبذلوا مهجهم‌ وكسروا أغمدة‌ سيوفهم‌ وقاتلوا، وكان‌ اللواء مع‌ عبدالله‌ بن‌ سعيد. والتحق‌ بهم‌ في‌ ذلك‌ الحين‌ خمسمائة‌ من‌ شيعة‌ البصرة‌ والمدائن‌ جاؤوا لنصرتهم‌. فقوي‌ أمرهم‌ واستقاموا مصطبرين‌ علی‌ القتال‌، وقاتلوا قتالاً شديداً وكانوا يكثرون‌ من‌ قولهم‌: أقِلنا ربّنا تفريطَنا فقد تُبْنَا. وجملة‌ القول‌: أ نّهم‌ قاتلوا حتّي‌ استشهد سليمان‌ وعبدالله‌ مع‌ عدد من‌ وجوه‌ الشيعة‌. وحين‌ رأي‌ الباقون‌ أن‌ لا طاقة‌ لهم‌ علی‌ قتال‌ أهل‌ الشام‌ لاذوا بالفرار ولحقوا ببلادهم‌. وتحرّك‌ ابن‌ زياد من‌ «عين‌ الوردة‌» لمحاربة‌ أهل‌ العراق‌. ولمّا وصل‌ إلی‌ الموصل‌، التقي‌ بإبراهيم‌ الاشتر الذي‌ كان‌ قد خرج‌ من‌ الكوفة‌ لقتاله‌ بأمر المختار. فاقتتلوا وكان‌ الظفر لاهل‌ العراق‌. وقُتِلَ عبيدالله‌ بن‌ زياد، والحصين‌ بن‌ نمير، وشرحبيل‌ بن‌ ذي‌ الكلاع‌، وابن‌ حوشب‌ ذي‌ الظليم‌، وعبدالله‌ بن‌ إياس‌ السلميّ مع‌ عدد من‌ أشراف‌ الشام‌ وانتقلوا إلی‌ دَرَك‌ الجحيم‌. وحمل‌ إبراهيم‌ رأس‌ ابن‌ زياد وغيره‌ إلی‌ المختار. وبعث‌ المختار برأسه‌ إلی‌ الحجاز. وكانت‌ هذه‌ الواقعة‌ في‌ سنة‌ 66 ه. (إلی‌ أن‌ قال‌ في‌ ص‌ 91 ): ويتبيّن‌ من‌ هنا كيف‌ سَرَّ المختار قلب‌ الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌، بل‌ سرّ القلوب‌ الكسيرة‌ للمظلومين‌ والمصابين‌ من‌ أرامل‌ آل‌ محمّد علیهم‌ السلام‌ وأيتامهم‌ بعد أن‌ كانوا يقيمون‌ المآتم‌ ومراسم‌ العزاء خمس‌ ستين‌. وروي‌ عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌ ما مضمونه‌: لم‌ تكحّل‌ هاشميّة‌ ولم‌ تخضب‌ ولم‌ يطبخ‌ بنو هاشم‌ طعاماً لهم‌ حتّي‌ قتل‌ عبيدالله‌ بن‌ زياد بعد خمس‌ سنين‌ من‌ قتل‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌. قال‌ السيوطيّ في‌ «تاريخ‌ الخلفاء» ص‌ 214، الطبعة‌ الرابعة‌:... فجهّز ابن‌ الزبير لقتاله‌ (قتال‌ المختار) إلی‌ أن‌ ظفر به‌ في‌ سنة‌ سبع‌ وستّين‌، وقتله‌.

 وذكر في‌ «تتمّة‌ منتهي‌ الآمال‌» ص‌ 91 إلی‌ 95، مطالب‌ نوردها فيما يأتي‌ موجزة‌: خرج‌ مصعب‌ بن‌ الزبير سنة‌ 67 ه من‌ قبل‌ أخيه‌ عبدالله‌ لصدّ المختار. فوقع‌ قتال‌ شديد بينهما في‌ قرية‌ «حروراء» من‌ الكوفة‌. وقُتِلَ خلق‌ عظيم‌ في‌ تلك‌ الوقعة‌. وانهزم‌ المختار واعتصم‌ في‌! قصر الإمامرة‌ بالكوفة‌ مع‌ جماعة‌ كثيرة‌، ولكنّه‌ كان‌ يخرج‌ منه‌ كلّ يوم‌ لحرب‌ مصعب‌. وبينا كان‌ خارجاً منه‌ ذات‌ يوم‌ وهو علی‌ بغلة‌ شهباء حمل‌ علیه‌ عبدالرحمن‌ بن‌ أسد الحنفيّ وقتله‌ وقطع‌ رأسه‌. وكان‌ ذلك‌ في‌ الرابع‌ عشر من‌ رمضان‌ سنة‌ 67 ه. ثمّ حاصروا دار الاءمارة‌، فوقع‌ أصحاب‌ المختار في‌ محنة‌ ثمّ امنهم‌ أصحاب‌ مصعب‌. ولمّا قبضوا علیهم‌ قتلوهم‌. وجلمة‌ القول‌: أنّ مصعباً سيطر علی‌ الكوفة‌. وكان‌ يجمع‌ الجنود ويعبّأ الجيش‌ حتّي‌ سار مع‌ عساكره‌ سنة‌ 72 ه نحو الشام‌ لقتال‌ عبدالملك‌ بن‌ مروان‌. وتهيّأ عبدالملك‌ أيضاً لقتاله‌ فخرج‌ علی‌ رأس‌ جيش‌ جرّار وجاء حتّي‌ وصل‌ إلی‌ «مِسْكَن‌» وهي‌ موضع‌ علی‌ نهر الدجيل‌، قريبة‌ من‌ «بلد» التي‌ كانت‌ منزلاً من‌ منازل‌ سامراء. والتقيا فيها. ودارت‌ بينهما حرب‌ طاحنة‌ قُتِلز فيها إبراهيم‌ بن‌ مالك‌ الاشتر الذي‌ كان‌ في‌ جيش‌ مصعب‌، وقطع‌ رأسه‌ ثابت‌ بن‌ يزيد غلام‌ الحصين‌ بن‌ نمير وحمل‌ جسده‌ إلی‌ عبدالملك‌. وكان‌ مصعب‌ ذا جمال‌ وهيئة‌ وكمال‌، وكانت‌ سكينة‌ ابنة‌ الحسين‌ علیهما السلام‌ زوجته‌. وذكر الخطيب‌ في‌ «تاريخ‌ بغداد» أنّ قبره‌ وقبر إبراهيم‌ في‌ «مسكن‌». ومجمل‌ الكلام‌ أنّ عبدالملك‌ دعا أهل‌ العراق‌ إلی‌ بيعته‌ بعد مقتل‌ مصعب‌، فبايعه‌ الناس‌. ثمّ توجّه‌ إلی‌ الكوفة‌ وأحكم‌ قبضته‌ علیها ودخل‌ قصر الاءمارة‌، وتربّع‌ علی‌ العرش‌، وكان‌ رأس‌ مصعب‌ قد وضع‌ أمامه‌، وهو في‌ غاية‌ الابتهاج‌. وبينا هو كذلك‌ إذ قام‌ إلیه‌ أحد الحاضرين‌ ويقال‌ له‌: عبدالملك‌ بن‌ عمير فقال‌ له‌ وهو يرتعد: أصلح‌ الله‌ الامير! رأيت‌ من‌ هذا القصر عجباً. فيوماً كنت‌ مع‌ عبيد الله‌ بن‌ زياد وأُتي‌ برأس‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ ووضع‌ بين‌ يديه‌. وآخر كنت‌ مع‌ المختار بعد أن‌ استولي‌ علی‌ الكوفة‌ فرأيتُ رأس‌ ابن‌ زياد عنده‌. ويوماً ثالثاً كنت‌ مع‌ مصعب‌ صاحب‌ هذا الرأس‌، فرأيتُ رأس‌ المختار قد وُضع‌ أمامه‌. وها أ نّي‌ معك‌ في‌ هذا المجلس‌ وأري‌ رأس‌ مصعب‌ بين‌ يديك‌. فأُعيذ الامير بالله‌ من‌ شرّ هذا المجلس‌! ولمّا سمع‌ عبدالملك‌ ذلك‌ أخذته‌ رعدة‌ وأمر بهدم‌ قصر الإمامرة‌. ونظم‌ بعض‌ الشعراء شعراً في‌ هذا الموضوع‌. وما أجمل‌ ما قال‌ أحدهم‌:

 يك‌ سره‌ مردي‌ ز عرب‌ هوشمند                                گفت‌ به‌ عبدالملك‌ از روي‌ پند

 روي‌ همين‌ مسند و اين‌ تكيه‌گاه‌                                زير همين‌ قبّه‌ و اين‌ بارگاه‌

 بودم‌ و ديدم‌ برِ ابن‌ زياد                              آه‌ چه‌ ديدم‌ كه‌ دو چشم‌ مباد

 تازه‌ سري‌ چون‌ سپر آسمان                      ‌ طلعت‌ خورشيد ز رويش‌ نهان‌

 بعد ز چندي‌ سر آن‌ خيره‌ سر                     بد بر مختار به‌ روي‌ سپر

 بعد كه‌ مصعب‌ سر و سردار شد                                دستكش‌ او سر مختار شد

 اين‌ سر مصعب‌ به‌ تقاضاي‌ كار                   تا چه‌ كند با تو دگر روزگار

 يقول‌: «قال‌ عربيّ نابهٌ ذات‌ يوم‌ لعبد الملك‌ بن‌ مروان‌ واعظاً له‌:

 علی‌ هذا العرش‌ وهذا المتّكأ وتحت‌ هذه‌ القبّة‌ وفي‌ هذا البلاط‌.

 رأيتُ بِيَدِ ابن‌ زياد شيئاً. آه‌ ماذا رأيتُ؟ ليت‌ عينيّ لم‌ تريا!

 رأيتُ رأساً متلالئاً كالشمس‌ بل‌ تحتجب‌ الشمس‌ لشدّة‌ نوره‌.

 وبعد مدّة‌ رأيتُ رأس‌ ذلك‌ الصلف‌ بِيَدِ المختار.

 وبعد أن‌ تأمّر مصعب‌ رأيتُ رأس‌ المختار بيده‌.

 وها أ نّي‌ أري‌ إلیوم‌ رأس‌ مصعب‌ بحكم‌ القصاص‌، فماذا يخبّي‌ لك‌ الدهر من‌ بعده‌؟»

 ولمّا استولي‌ عبدالملك‌ علی‌ الكوفة‌، وبايعه‌ أهلها، جعل‌ علیها أخاه‌ بشراً ومعه‌ روح‌ بن‌ زنباع‌ الجذاميّ وعدد آخر من‌ أصحاب‌ الرأي‌ والمشورة‌ من‌ أهل‌ الشام‌. وأشخص‌ الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌ بن‌ عقيل‌ الثقفيّ الفتّاك‌ المتهوّر إلی‌ مكّة‌ لقتل‌ عبدالله‌ بن‌ زبير، ورجع‌ إلی‌ الشام‌ من‌ بقي‌ من‌ جنده‌. ووصل‌ الحجّاج‌ إلی‌ الحجاز ومعه‌ عسكره‌، ومكث‌ بالطائف‌ شهرواً، ثمّ دخل‌ مكّة‌، وحاصر ـ كالحصين‌ بن‌ نمير ـ ابنَ الزبير ونصب‌ المنجنيق‌ علی‌ جبل‌ أبي‌ قيس‌. ودام‌ الحصار خمسين‌ يوماً، وعلی‌ قول‌: أربعة‌ أشهر، حتّي‌ ظفر بعبدالله‌ بن‌ الزبير وقتله‌ بقذف‌ الحجر ثمّ احتزّ رأسه‌. وبعث‌ به‌ إلی‌ عبدالملك‌. وصلب‌ جسده‌ منكوساً وقال‌: أدعه‌ مصلوباً حتّي‌ تشفع‌ أُمّه‌ أسماء ابنة‌ أبي‌ بكر. ونُقِلَ أ نّه‌ ظلّ مصلوباً سنة‌ كاملة‌ حتّي‌ عشعش‌ الطير في‌ صدره‌. ولمّا مرّت‌ به‌ أسماء وقالت‌: أمَا آنَ لهذا الراكب‌ أن‌ يُنزَلَ من‌ مركوبه‌؟! فأنزلوه‌ ودفنوه‌ في‌ مقابر إلیهود.

[29] ـ قال‌ في‌ «أقرب‌ الموارد» مادّة‌ ث‌ أ ر: ثَارَ القتيلَ وبالقتيل‌ ثَأْراً: طلب‌ دَمَه‌ و قتل‌ قاتله‌، وعلیه‌ قول‌ عبيد بن‌ الابرص‌:

 إذا قُتِلْتُ فلا تركَب‌ لتَثأَر بي                   ‌ وإن‌ مرضتُ فلا تَحْسَبْكَ عُوَّادي‌

 إلی‌ أن‌ قال‌: يَا ثَأرَات‌ فلانٍ، أي‌: قَتَلَةَ فلان‌. يا للثأْرَاتِ لفظة‌ تستعمل‌ عند طلب‌ الثأر واللام‌ فيه‌ للاستغاثة‌.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ والعشرون‌ بعد المائتين‌ إلی‌ الاربعين‌ بعد المائتين‌:تقدّم‌ الشيعة‌ وتأسيسهم‌
  عظمة‌ الكلمات‌ الآفاقيّة‌ والانفسيّة‌
  كلمات‌ قصار للعلماء في‌ عظمة‌ القلم‌ والكتابة‌
  كلام‌ أبي‌ سعيد في‌ رواية‌ الحديث
  الصحابة‌ يكتبون‌ جميع‌ ما يسمعونه‌ من‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  خلاف‌ العامّة‌ في‌ صيغة‌ التشهّد
  تدوين‌ الشيعة‌ الحديث‌ اقتداءً بأئمّتهم‌
  أئمّة‌ العامّة‌ الاربعة‌ من‌ الناس‌ العاديّين‌ في‌ أعصارهم‌
  تدوين‌ الشيعة‌ التابعين‌ للحديث‌
  منزلة‌ أبي‌ حمزة‌ الثمالی‌ّ
  منزلة‌ بُريد، وزرارة‌، ومحمّد بن‌ مسلم‌، وأبي‌ بصير
  كلام‌ الشهرستانيّ في‌ تبجيل‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  ‌ دفاع‌ الشهرستانيّ عن‌ هشام‌ بن‌ الحكم‌
  المدوّنون‌ من‌ أصحاب‌ الإمام‌ الكاظم‌ حتّي‌ العسكري‌ّ عليهما السلام‌
  كلام‌ عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ تدوين‌ الشيعة‌ للسنّة‌ النبويّة‌
  الشيخ‌ الطوسي‌ّ والشريفان‌ المرتضي‌ والرضي‌ّ
  السبّاقون‌ في‌ التدوين‌ هم‌ شيعة‌ علی من‌ الصحابة‌ والتابعين‌
  شروط‌ الشيعة‌ في‌ قبول‌ الحديث‌ ممّن‌ يرويه‌
  الشيعة‌ يروون‌ عن‌ أهل‌ السنّة‌ أيضاً
  رواة‌ الشيعة‌ أفذاذ في‌ الحفظ‌ والإتقان‌ والورع‌
  مائة‌ من‌ مشايخ‌ الشيعة‌ كانوا من‌ شيوخ‌ العامّة‌ في‌ الرواية‌
  ترجمة‌ معروف‌ الكرخي‌ّ وتوثيقه‌
  ذنب‌ المحدِّثين‌ من‌ الشيعة‌ تشيّعهم‌!
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ تأسيس‌ العلوم‌ الإسلاميّة‌
  الشيعة‌ هم‌ السبّاقون‌ في‌ العلوم‌ القرآنيّة‌ المتنوّعة‌
  أئمّة‌ علم‌ القرآن‌ من‌ الشيعة‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الحديث‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الدراية‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الرجال‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الفقه‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الكلام‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ مكارم‌ الاخلاق‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ فنّ الجغرافيّة‌ في‌ صدر الإسلام‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الاخبار والتواريخ‌ والآثار، ومزيّتهم‌ علی الآخرين‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ اللغة‌
  تقدم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الإنشاء والكتابة‌
  >>الاحاديث‌ النبويّة‌ في‌ لزوم‌ التشيّع‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌عصر سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌
  ثورة‌ المختار والثناء عليه‌
  ثورة‌ التوّابين‌ (التعلیقة)
  جرائم‌ الحجّاج‌ وعبد الملك‌ ضدّ الشيعة‌
  كان‌ الكثير من‌ حكّام‌ الجور في‌ بادي‌ أمرهم‌ من‌ أهل‌ الزهد والعبادة‌ (التعلیقة)
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ موسي‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الجواد عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ عليّ الهاديّ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الحسن‌ العسكريّ عليه السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ المهديّ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ الغيبة‌ الكبري‌
  الدرس‌ الحادي‌ والاربعون‌ بعد المائتين‌ إلی‌ الخامس‌ والخمسين‌ بعد المائتين‌
  الكلمة‌ الطيّبة‌ هي‌ حقيقة‌ الولاية‌
  ردّ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ علی الآلوسي‌ّ في‌ الدفاع‌ عن‌ بني‌ أُميّة‌
  حقيقة‌ الكلمة‌ التكوينيّة‌ الطيّبة‌ وجود سرّ الإنسان‌ الكامل‌
  كلام‌ المرحوم‌ الكمباني‌ّ في‌ الفرق‌ بين‌ الكلمة‌ والكتاب‌ الإلهي‌ّ
  رسول‌ الله‌ وآله‌ لهم‌ المقام‌ الجمعي‌ّ في‌ أعلی القلم‌
  وراثة‌ الإمام‌ الصادق‌ العلوم‌ الكلّيّة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  عمر الإمام‌ الصادق‌ الطويل‌ أحد البواعث‌ علی ظهور علومه‌
  أسباب‌ تسمية‌ التشيّع‌ بالمذهب‌ الجعفري‌ّ
  تعبّد الناس‌ بفقه‌ العامّة‌ حتّي‌ عصر الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  دور الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ عرض‌ الاُسس‌ الإسلاميّة‌
  عمل‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ إبانة‌ الإسلام‌ الحقيقي‌ّ
  سبب‌ امتناع‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ قبول‌ الخلافة
  كلام‌ مترجم‌ كتاب‌ «مغز متفكّر جهان‌ شيعة‌» حول‌ المذهب‌ الجعفري‌ّ (التعلیقة)
  تفصيل‌ مواقف‌ المنصور الدوانيقي‌ّ من‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  كان‌ المنصور الدوانيقي‌ّ يعطي‌ الامان‌ ويقتل‌
  اعتقال‌ المنصور بني‌ الحسن‌ في‌ سجن‌ الهاشميّة‌
  موقف‌ المنصور من‌ محمّد الديباج‌ وتعذيبه‌
  المنصور أوّل‌ مثير للخلاف‌ بين‌ العبّاسيّين‌ والعلويّين‌
  شدّة‌ حرص‌ المنصور الدوانيقي‌ّ وبخله‌
  استدعاء الامويّين‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ إلی‌ الشام‌
  استدعاء المنصور الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌من‌المدينة‌إلی‌قصرالحمراء
  حوار المنصور مع‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ ولين‌ الإمام‌
  إغلاق‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ كلّ طريق‌ للانتهاك‌ أمام‌ المنصور
  موقف‌ آخر للمنصور من‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  جواب‌ الإمام‌ الصادق‌ للمنصور حول‌ سبب‌ امتناعه‌ عن‌ مخالطته‌
  دعاء الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ دفع‌ شرّ المنصور عنه‌
  استدعاء المنصور، واستحلاف‌ الإمام‌ الصادق‌ الرجل‌ الكاذب‌ وهلاكه‌
  ضعف‌ الاسباب‌ في‌ استدعاء المنصور للإمام‌ الصادق‌ عدّة‌ مرّات‌
  عدم‌ استطاعة‌ المأمون‌ تحمّل‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌
  احتجاج‌ رجل‌ صوفي‌ّ، وعزم‌ المأمون‌ علی قتل‌ الإمام‌ الرضا
  علوم‌ الإمام‌ الصادق‌ كالشجي‌ المعترض‌ في‌ حلق‌ المنصور
  الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ يُطفي‌ غضب‌ المنصور
  موقف‌ الإمام‌ الحكيم‌ من‌ المنصور
  الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ يجيب‌ جواسيس‌ المنصور بالنفي‌
  تشيّع‌ جعفر بن‌ محمّد بن‌ الاشعث‌ بسبب‌ علوم‌ الإمام‌ الغيبيّة‌
  التجسّس‌ علی العلويّين‌ وخداعهم‌ بالمال‌ الكثير
  تقيّة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ الشديدة‌ وخوفه‌ علی سفيان‌
  مواعظ‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ لسفيان‌ الثوري‌ّ
  سنون‌ الحكومة‌ الامويّة‌ والمروانيّة‌ (التعلیقة)
  معاناة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ من‌ الولاة‌ الجائرين‌
  خطبة‌ والی‌ المدينة‌ واعتراض‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  قتل‌ المعلی بن‌ خنيس‌ ومصادرة‌ أموال‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌
  تبديل‌ الثورة‌ الدينيّة‌ للعبّاسيّين‌ إلی‌ إمبراطوريّة‌
  اعتقال‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ ودعاؤه‌ بالخلاص‌
  بعض‌ الإصلاحات‌ التي‌ قام‌ بها عمر بن‌ عبد العزيز
  حوار الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ المتصوّفة‌ حول‌ الزهد الحقيقي‌ّ
  البحث‌ الثاني‌ في‌ مدرسة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وعلومه‌ وتلامذته‌
  تلاميذ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أربعة‌ آلاف‌
  جمع‌ كثير من‌ المشايخ‌ كانوا تلاميذ الإمام‌ عليه‌ السلام‌
  تلمذة‌ مالك‌ للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وأبو حنيفة‌
  تمجيد أبي‌ حنيفة‌ للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  بحث‌ حول‌ مالك‌ بن‌ أنس‌ بن‌ أبي‌ عامر الاصبحيّ المدنيّ أحد أئمّة‌العامّة‌في‌الفقه‌
  تمجيد مالك‌ للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  ردّ الإمام‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌ أحاديث‌ العامّة‌ للحسن‌ بن‌ عبد الله‌
  بحث‌ حول‌ أبي‌ حنيفة‌: النعمان‌ بن‌ ثابت‌ بن‌ زُوطي‌ التميميّ إمام‌ آخر من‌ أئمّة‌العامّة‌الاربعة‌
  مناقب‌ مزيّفة‌ مزعومة‌ لابي‌ حنيفة‌ (التعلیقة)
  مخالفة‌ أبي‌ حنيفة‌ للسُّنّة‌ النبويّة‌ الشريفة‌ في‌ مواضع‌ كثيرة‌
  صلاة‌ القفّال‌ المروزي‌ّ علی فتوي‌ أبي‌ حنيفة‌
  ترجمة‌ أبي‌ يوسف‌ القاضي‌ تلميذ أبي‌ حنيفة‌
  عبارات‌ دامغة‌ لاعاظم‌ السنّة‌ في‌ أبي‌ حنيفة‌
  كرامتان‌ باهرتان‌ لقبر أبي‌ حنيفة‌
  قصّة‌ الرجل‌ الزائر مع‌ خادم‌ قبر أبي‌ حنيفة‌
  مدّة‌ الحمل‌ عند العامّة‌ ومدّة‌ حمل‌ الشافعي‌ّ
  استهزاء أبي‌ حنيفة‌ بقول‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  كلام‌ الخطيب‌ البغدادي‌ّ في‌ أبي‌ حنيفة‌
  حكم‌ أبي‌ حنيفة‌ في‌ قطع‌ يد السارق‌ الذي‌ سرق‌ فسيل‌ النخل‌
  تشبيه‌ أبي‌ حنيفة‌ بالمولّدين‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌
  كلام‌ شريك‌ حول‌ انحراف‌ أبي‌ حنيفة‌
  فتوي‌ أبي‌ حنيفة‌ تفصل‌ النساء عن‌ أزواجهنّ
  شهادة‌ علماء العامّة‌ علی جهل‌ أبي‌ حنيفة‌
  اتّهام‌ مؤمن‌ الطاق‌ أبا حنيفة‌ بالتناسخ‌
  ردّ ابن‌ المبارك‌ علی أحاديث‌ أبي‌ حنيفة‌
  مرجع‌ الكتب‌ الشاملة‌ لفتاوي‌ الفقهاء الاربعة‌
  حوار يوحنّا مع‌ علماء العامّة‌
  أبو حنيفة‌: حكم‌ القاضي‌ نافذ ظاهراً وباطناً
  تصديق‌ المذنب‌ الشهودَ يوجب‌ سقوط‌ الحدّ!
  موارد من‌ فتوي‌ أبي‌ حنيفة‌ المخالفة‌ للشرع‌ والعقل‌
  مالك‌ يجيز اللواط‌
  الحنابلة‌ يقولون‌ بجسمانيّة‌ الله‌
  بعض‌ علماء العامّة‌ يكفّرون‌ الشيعة‌ ويستحلّون‌ دماءهم‌
  مدح‌ الصحابة‌ بشرط‌ عدم‌ ارتدادهم‌
  إشكالات‌ الجويني‌ّ علی مالك‌
  جواز تعاطي‌ البنج‌ ولعب‌ الشطرنج‌ و... عند الفقهاء الاربعة‌
  ردّ استدلال‌ المالكيّين‌ علی جواز وط‌ء الغلام‌
  مسألة‌ رضاع‌ الكبير عند العامّة‌
  قصّة‌ رضاع‌ سالم‌ مولي‌ أبي‌ حذيفة‌
  رضاع‌ الكبير عند عائشة‌ من‌ الثدي‌
  بحث‌ حول‌ محمّد بن‌ إدريس‌ الشافعيّ القُرَشيّ المُطَّلِبيّ
  حوار الشافعي‌ّ مع‌ مالك‌
  شعر الشافعي‌ّ في‌ ولاء أهل‌ البيت‌
  شعر الشافعي‌ّ في‌ حبّ آل‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  كان‌ الشافعي‌ّ عامّي‌ّ المذهب‌ ومعتقداً بالخلفاء
  الشافعي‌ّ سنّي‌ّ معتدل‌
  الشافعي‌ّ لا يجيز العمل‌ بالرأي‌ والقياس‌
  ردّ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ علی أبي‌ حنيفة‌ قوله‌ بالقياس‌
  نصائح‌ الإمام‌ الصادق‌ للإمام‌ الكاظم‌ علی ما نقله‌ الدميري‌ّ
  حوار الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ أبي‌ حنيفة‌ حول‌ الرأي‌ والقياس‌
  أهل‌ القياس‌ يبدّلون‌ الحلال‌ والحرام‌ أحدهما بالآخر (التعلیقة)
  كان‌ أبو بكر لا يجيز العمل‌ بالرأي‌ والقياس‌
  روايات‌ الشيعة‌ في‌ حرمة‌ العمل‌ بالقياس‌
  وفاة‌ الشافعي‌ّ وشي‌ء من‌ شعره‌
  بحث‌ حول‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ حَنْبَل‌ الشَّيْبانيّ المروزيّ البغداديّ
  من‌ مشاهير المعتزلة‌
  لقاء أحمد بأحد مشايخ‌ الشيعة‌ بالكوفة‌
  كيفيّة‌ تقليد العامّة‌ قبل‌ الرشيدَين‌ وبعدهما
  أحمد بن‌ حنبل‌ يجيز لعن‌ يزيد ويسبّب‌ لعن‌ بعض‌ الصحابة‌
  شعر الزمخشري‌ّ في‌ كتمان‌ مذهبه‌
  العواقب‌ السيّئة‌ لغلق‌ باب‌ الاجتهاد والقول‌ بعدالة‌ الصحابة‌
  الإماميّة‌ يعتقدون‌ بالعدل‌ الإلهي‌ّ وعصمة‌ الانبياء
  الاشاعرة‌ يعتقدون‌ بجسمانيّة‌ الله‌ في‌ رؤيته‌
  رأي‌ الشيعة‌ وأهل‌ السنّة‌ في‌ العدل‌
  كلام‌ الشيعة‌ وأهل‌ السنّة‌ في‌ عصمة‌ الانبياء
  عقائد الاشاعرة‌ في‌ التوحيد والعدل‌ مدعاة‌ إلی‌ البراءة‌ من‌ الإسلام‌
  الحُسن‌ والقبح‌ العقليّان‌ من‌ منظار الشيعة‌ والاشاعرة‌
  إن‌ الله‌ تعالی‌ لا یفعل‌ القبيح‌
  أفعال‌ الله‌ معلّلة‌ بأغراض‌
  صفات‌ النبي‌ّ عند الشيعة‌ وأهل‌ السنّة‌
  انتهاء علوم‌ الفقهاء الاربعة‌ إلی‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  خطأ أحمد أمين‌ في‌ الحكم‌ بأخذ الشيعة‌ عن‌ المعتزلة‌
  خطأ أحمد أمين‌ في‌ التأريخ‌ وعلم‌ المصادر
  دخول‌ مالك‌ علی أبي‌ جعفر المنصور الدوانيقي‌ّ بمني‌
  أمر المنصور مالكاً بتالیف‌ كتاب‌ الفقه‌
  دفاع‌ مالك‌ عن‌ فتواه‌ في‌ القسامة‌
  حوار المغيرة‌ المخزومي‌ّ ـ تلميذ مالك‌ـ مع‌ أبي‌ يوسف‌ القاضي‌
  موطّأ مالك‌ دستور المنصور الانقلابي‌ّ للبلاد
  أبيات‌ الشاعرة‌ بروين‌ اعتصامي‌ّ في‌ ظلم‌ الحكّام‌
  سبب‌ تقليل‌ روايات‌ «الموطّأ»
  سبب‌ تألیفه‌ وزمن‌ تألیف‌ «الموطّأ»
  تهرّب‌ مالك‌ من‌ أمر المنصور بتإلیف‌ الرسالة‌
  الانحراف‌ التدريجي‌ّ لمالك‌ وركونه‌ إلی‌ المنصور
  كلام‌ عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ انتقال‌ الفقه‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ العراق‌
  المذهب‌ الجعفري‌ّ يبطل‌ القياس‌
  كلام‌ قادح‌ لاحمد أمين‌ في‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  عظمة‌ محمّد بن‌ زيد في‌ معاملة‌ ابن‌ هشام‌ الاموي‌ّ
  نماذج‌ الاصالة‌ عند محمّد بن‌ زيد العلوي‌ّ
  شعر الشافعي‌ّ في‌ مقتل‌ أبي‌ عبد الله‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌
  فضيلة‌ زيارة‌ قبر الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ (التعلیقة)
  أبيات‌ من‌ القصيدة‌ الاُزريّة‌ في‌ عظمة‌ مقام‌ الائمّة‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی