معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > محاضرات شهر رمضان > شرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثمالي

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح

بعض فقرات دعاء أبي حمزة الثماليّ

"إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك ولا تمكر بي في حيلتك"

 

حضرة العلّامة الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

قدّس اللّه نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين

    

تمهيد

كان أبو حمزة من أصحاب الإمام السجّاد و الإمام الباقر عليهما السلام, والسبب في اشتهار هذا الدعاء باسم أبي حمزة الثماليّ ـ حسب رواية المرحوم الشيخ الطوسيّ في كتاب مصباح المتهجّد ـ أنّ أبا حمزة الثماليّ هو الراوي لهذا الدعاء عن الإمام السجّاد عليه السلام, فهو الذي روى أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان في ليالي شهر رمضان المبارك يصلّي أغلب الليل ,وحينما يفرغ من الصلاة كان يقرأ هذا الدعاء.
بمشيئة الله وتوفيقه سوف نشرح في كلّ ليلة فقرة من فقرات هذا الدعاء:
(إلهي, لا تؤدّبني بعقوبتك, ولا تمكر بي في حيلتك. من أينَ لي الخيرُ يا ربّ ولا يوجدُ إلّا من عندك؟! ومنْ أينَ ليَ النجاة ولا تُستطاعُ إلاّ بك؟! لا الذي أَحسنَ استغنى عن عَونك ورحمتك, ولا الذي أَساءَ واجترأَ عليك ولمْ يُرضك خرجَ عن قدرتك).

    

بيان قوله : إلهي لا تؤدبني بعقوبتك

(إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك) أي: يا إلهي, لا تقُم بتأديبي من خلال العقوبة, ولا تجعل العقوبة أُسلوباً لتأديبي!
(ولا تمكر بي في حيلتك) أي: لا تمكر بي ولا تخدعني بما لديك من حذاقة رقابة وإشراف على أموري.
ويستفاد من ذلك أنّ من الممكن أنْ يؤدّب الله العليّ الأعلى الإنسانَ عن طريق العقوبة, كما يمكن أنْ يقوم بحيلة تجاه الإنسان, وأنْ يمكرَ به في حيلته.
وعلينا الآن أنْ نتوضّح ما هو المراد من المكر؟ وما هي هذه العقوبة الإلهيّة التي يؤدّب الإنسان بها؟
(إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك) لم يقلْ: لا تؤدّبني مطلقاً, بل قال: إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك! فيتبيّن أنّ لله أسلوبين في التأديب: أحدهما بالعقوبة والآخر بلا عقوبة, ولذلك يدعو الإمام الله أنْ يؤدّبه بلا عقوبة.
وهذه الجملة عجيبة, بل جملة عجيبة جدّاً؛ فهي جملة تفيض بالمعاني, وذلك من أيّ ناحية؟
من ناحية أنّه هل يمكن لله أنْ يؤدّب الإنسان من خلال العقوبة؟!

    

المراد من الأدب في الدعاء

العقوبة تعني: العقاب والتقريع والتنبيه, والأدب مفاده: الدخول في الصراط المستقيم, اعتدال عمل الإنسان, ومراعاة الفهم والنباهة, وذلك بخلاف الأفراد الذين لا يتمتّعون بالأدب . نعم كلّ مورد يقتضي أدباً خاصّاً به . والغرض: أنّ الأفراد الذين لا يراعون الأدب لا يكونون على الصراط المستقيم, أو أنّهم واقعون في طرف الإفراط, أو طرف التفريط, أو أنّهم لديهم تسرّع في حركتهم أو بطء, أو أنّهم لا يراعون شرائط المحلّ أو المجلس الذي يكونون فيه, أو أنّهم غافلون وجاهلون عن شأن المولى وغير متنبّهين ولا ملتفتين,وعليه فهم لا يراعون شروط العبوديّة, ويهملون حقّ المولويّة.
وأمّا الشخص الذي يراعي الأدب فهو المدرك لهذه الجهات, ويراعي هذه النكات, وسيكون ـ بالطبع ـ على الصراط المستقيم؛ إذ لا بدّ وأنْ يكون العبد متأدّباً, بل لا يُسمح بالدخول في حرم الله لمن لا أدب لديه.
وحينئذٍ فإنّ الله العليّ الأعلى ينظر إلى العباد بنظر الرحمة, فيمنّ على أولئك الذين يودّ أنْ يدخلهم في حرمه ويريد أنْ يفتح لهم الطريق للوصول إلى النشأة الأخرى بفضل صفته الرحيميّة, ويريد أنْ يطلق لسانهم في مناجاته.. فمن المسلّم أنّه سوف يمنّ على هؤلاء بالأدب, ويجعلهم مؤدّبين, حتّى تستحكم الروابط القائمة بين العبد والمولى ـ وذلك من خلال كونهم مؤدّبين ـ وتشيّد على أساس العبوديّة والربوبيّة, ويبلغ العبد مرحلة الاستعداد كي يثبت على صراط المناجاة مع الله, والتعامل والتبادل مع الله, وهذا لا يكون إلا من حظّ العبد الحائز على الأدب.
وعليه فالأفراد الذين لا أدب لديهم بعيدون عن رحمة الله.و على كلّ حال ليس هذا محلّ بحثنا, ولكن من الواضح أنّ الأدب أمرٌ مهمّ جدّا, وهو ما جعل الإمام السجّاد عليه السلام يقول: لا بدّ وأن تؤدّبني, ولكن لا تؤدّبني بعقوبتك, فالأدب ضروريّ, وعدم الأدب أمرٌ سيّئ للغاية, وأسوء شيء في طريق السير والسلوك هو سوء الأدب؛ لأنّ العبد الذي يتعدّى ويخرج عن جادّة الأدب, فإنّ غيرة المولى ولمعان شرارة الغيرة والحميّة الإلهيّة تستوجب إسقاط العبد وإزهاقه عن درجاته وادّعاءاته بشكل كلّي.
فالأدب يعني: الاستقامة في كلّ مقام ومنزلة, فلا يكثر الإنسان من الكلام ولا ينقص, ولا يصف مولاه وإلهه بأوصاف لم يصف هو نفسه بها ولا تليق به, وإنّما يصف الله بما هو معتقد ومتيقّن به دون أنْ يتعدّى, فحتّى لو كان الله أكثر من ذلك, إلاّ أنّه لا يصفه إلاّ بحدود ذلك. لا تقل: أنا فداء لله! حسناً أنتَ تدّعي ذلك, هيّا تعال نفّذ!! من هو الشخص المستعدّ للفداء؟ فقولك لمولاك: (أنا فداءٌ لك) قولٌ دون جدوى, نعم. لا مانع أنْ يجامل الإنسان رفيقه ويقول له: أنا فداؤك؛ فذلك ليس مهمّاً؛ لأنّه لا يأتي وقتٌ ويقول لك: هيّا افعل! فلو كانَ عالَم الدنيا كسائر العوالم الأخرى, أي: لكلّ كلمة حساب وكتاب وأثر خاصّ, لانكشف أنّ هؤلاء الذين يقولون للآخرين (أنا فداء لك) أنّ بينهم وبين مخاطبيهم ما بين المشرق والمغرب وأنّهم ينفصلون عنهم, هذا لو قدّر لهذه الكلمات أنْ تظهر في عالم العيان وأنْ تنبّئ عن حقيقتها بالعالم الخارجيّ.
ثمّ يشرع بالدّعاء: إلهي أنت كذا وكذا.. أنت كذا.. إلهنا عذّبنا!! ولكن أعطنا ما نريد.. ألقِ بنا في جهنّم, ولكن لا تبعدنا عن رحمة لقاء ذاتك وزيارتك! أنزل بنا أيّ نوع من العذاب والفقر ونحن راضون, ولكن أوصلنا إلى مقام الفناء, وابلغ بنا مقام الوصال, وأنلنا جمال ذاتك.
فيقول الله: ما الذي تدّعيه أنت؟! أُعذّبك: أيّ عذابٍ تريد!! وأحلل عليك أيّ نوع من البلاء!! حسناً استعد؛ إذ لا مجاملة في ذلك.

    

بعض حالات السيّد جمال الدين الگلپايگاني

كان المرحوم السيّد جمال الدين الگلپايگاني ـ رحمة الله عليه ـ من علماء النجف وأحد مراجع التقليد, وكان صاحب أخلاق وعلم, وكان صاحب أدب, وكان شخصاً سالكاً, ومن أهل المراقبة, كان يقول:
كنتُ أذهب ـ حيث كان يفصح لي عن ذلك ـ وآخذ بحلقات باب أمير المؤمنين عليه السلام وأشدّ بها وأهزّها وكنت أقول: أنزلْ عليّ أيّ بلاء تريده, وأحلل بي أيّ شدّة ترغبها, ولكن أعطني تلك الحاجة التي أطلبها. كنتُ أذهبُ قبل أذان الصبح بساعة أو ساعتين في الشتاء البارد, فأقف أمام باب الصحن, وأمسح نفسي بالباب حتّى يتمّ فتح باب الصحن بعد مضيّ ساعة, وأكون أوّل من دخل الصحن, فأدخل وألتمس من أمير المؤمنين وأبكي وأقوم بما شابه ذلك: أنْ ابتلنا بأيّ نوع من الفقر, وأيّ عجز, وبأيّ شيء, ولكن أعطني ما أبغي.
حسناً, كان يدعو الله بقلب صادق, لا أنّه كان يخادع في دعائه, فهو كان واقعاً في حالة يلتمس من الله هذه الأمور, وأيّة حالة هي!! حيث يدعو الله أنْ أعطني ما أريد مقابل أن تصبّ عليّ جميع المصائب والآلام المتصوّرة. من باب المثال: أنْ ينهال فوق رأسي جبلاً! أو أنْ يقطّع بدني قطعة قطعة! أو أنْ يستولي عليّ الفقر, وأن أفتقد تمام عائلتي وعشيرتي. احلل بي كلّ بلاء حلّ بالنبيّ أيّوب وكلّ مصيبة نزلت على حضرة يعقوب أو بعض الأنبياء, كلّ ذلك لقاء أنْ تعطيني حاجتي التي أريد.
وكان يقول:
بدأتْ تتبدّل المسائل رويداً رويداً, ونزلَ بنا نحوٌ من البلايا, شيء من ناحية الفقر, فابتلينا بعدم المال, فلم يأتنا شيءٌ من المال, لم يأت. لم يأت. لم يأت, وذلك عندما كنّا في النجف, حيث كنّا قد ذهبنا لتحصيل العلم, فلم يصلنا شيء من المال لعدّة شهور, وكنّا نقترض ما بوسعنا, فاقترضنا حتّى امتلأت دفاتر البقّالين, فخجلنا منهم, ولم يبقَ أمامنا محلّ آخر, كذلك لم ندفع أجرة المنزل لعدّة أشهر متوالية, فما كان من صاحب المنزل إلاّ أنْ ألقى بأثاثنا خارج المنزل! فأخذنا الأثاث إلى مسجد الكوفة, لنبيت في غرفة منه, وصرنا نعيش أنا والعيال في إحدى غرف مسجد الكوفة حيث إنّ مسافته تبعد عن النجف ما يزيد على فرسخ) فنأتي الصبح للدرس, ونلقي البحث في النجف ثمّ نرجع إلى مسجد الكوفة, حيث كان محلّاً لإقامتنا!
نعم, كان المرحوم السيّد جمال قويّ المزاج جدّاً, وبدأت الزوجة تتظلّم وتتذمّر وتقول: أيّ حياة هي هذه!! وأيّ إسلام هو هذا؟! وأيّ دين يأمر بذلك؟! أيّ منهج هو هذا؟! هل أمرك الله بذلك!! انهض وتحرّك وافعل شيئاً. فقلت لها: نعم, قومي واذهبي إلى حضرة أمير المؤمنين عليه السلام, وبثّي إليه ما تريدينه من حزنك وهمّك. وكان الصيف حارّاً, فخرجتُ معها من مسجد الكوفة إلى النجف, وجلستُ أنا في جانبٍ من الصحن على بلاط الأرض الساخن, وهي ذهبت إلى داخل الحرم, كي تشكو أمرها لأمير المؤمنين عليه السلام. فذهبتْ. وحينما رجعتْ. نظرتْ إلى خزانة الأحذية. فرأت أنّ نعلها قد سُرق! فخرجتْ إلى الصحن حافية القدمين مجرّدةً من حذائها, فجاءتْ وقالت: هذا أمير المؤمنين أيضاً! فلا حيلة لنا. ماذا نفعل؟! حينئذٍ لا جواب ولا شيء. بل ازداد الأمر سوءاً!!
فالله يريد أن يُفهمَ بني آدم: أنّه ما هذا الذي تتفوّه به؟! تريد منّي أن أُنزل بك كلّ أنواع البلاء!! خذْ وتحمّل. أيّ كلام هذا؟! على الإنسان أنْ يدعو بدعاء كميل:
((فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك؟! وهبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك؟!)).
إلهي, افرض أنّي وقعت في عقابك, هذا العقاب الذي أنزلته بي, بأنْ ألقيتني في جهنّم, فإنّي أصبر, فأنا أصبر, ولكنْ كيف أصبر على فراقك والبعد عنك؟! افرض أنّك رميتني في النار وابتليتني بعقوباتك وحرّ نارك وصبرتُ, ولكن كيف أصبر عن النظر إلى رحمتك التي تلقيها عليّ, وإنْ لم تتغمّدني برحمتك فما بوسعي أن أفعل؟!)
هذا دعاء أمير المؤمنين الذي كان يدعو به, فنأتي نحن وندّعي ونقول: يا الله, الجنّة هي للأطفال, فينبغي أن لا نريد الجنّة ولا حور العين ولا الشجر. يجب أنْ نطلب الكمال., وكذلك الخوف من النار؛ فهو للأفراد العاديّين البعيدين عن الله والمنفصلين عنه, وأمّا نحن فإنّنا النخبة المختارة من العالم, والوردُ المنثور على السلّة!! وقد تجاوزنا هذه المراحل وعبرناها, ونحن إنّما نطلب اللقاء بالله والمقابلة معه!! وأمّا عذاب جهنّم فلا يعنينا, ولا معنى للخوف من جهنّم.
ألا ينبغي التأمّل في مضمون ما يبيّنه أمير المؤمنين في دعاء كميل؟! فنستعرض اثنتين أو ثلاث من فقرات دعاء كميل وينتهي الأمر!! فنُعرض ونلتفّ على أنفسنا ونُهملُ سِجلّنا ونتوهّم أنّ الأمر قد انحلّ بمجرّد الكلام! حينئذٍ يقول الله: بسم الله, تفضّل, تعالَ وتلقّ نتيجة الكلام الذي تكلّمت به. تعال لأحدّد مستواك. هل تجاوزت هذه المراحل التي تدّعيها لنفسك؟! فخذ هذا الامتحان لنرى كم هي علاماتك!!
كان يقول السيّد جمال:
غلب علينا الفقر وحلّ فينا, حلّ وحلّ وحلّ, وهكذا حتّى وصل إلى حدٍّ صرتُ أذهب إلى تلك الحلقات في باب حرم أمير المؤمنين وأتمسّك بها وأقول: يا أمير المؤمنين! قد اشتبهتُ حينما صدرَ منّي ما تفوّهتُ به, والآن قد فهمتُ الأمر وتعلّمت, فليس لنا أيّ طاقة ولا قدرة قد اشتبهت ؟!
وحينما يأتي الإنسان ويعترف بخطئه, حينئذٍ يقولون له: جيّد جدّاً, الآن تعال واقعد مع الآخرين, واسلك مثلَهم دون أيّ تميّز عنهم, فقد اشتبهتَ. هل اعترفت بخطأك؟!
فنحن عبيدٌ, والعبد لا طاقة له على شيء أصلاً, لا طاقة له على تحمّل نغزة رأس الإبرة في بدنه. وما ترونه من ابن الفارض حينما يقول: أدّب بما شئت غير البعد. [1]
فهذا هو الذي يقول! أمّا نحن فليس لنا أنْ نتفوّه بذلك؛ لأنّه يعيش هذه الحالة واقعاً وعمليّاً, بحيث يمكنه قول ذلك, وهو لو ذاق مع ذاك الحال كلّ أنواع العذاب ـ غير البعد ـ فإنّه يقبل ويرضى. يرضى بمعنى: أنّ جهة العبوديّة قد بلغت مرحلة الفناء, وحينئذٍ لو يقطّعوه قطعة قطعة فإنّه لا يشعر ولا يدرك! ولو قال الإنسان ذلك حينئذٍ فهو صحيح.
وكذلك ما يقوله أمير المؤمنين عليه السلام, فهو كلام صحيح, وهو لا يدّعي شططاً, وإنّما هي حقيقة حال أمير المؤمنين عليه السلام واقعاً, وهي تقتضي أن تصدر منه تلك العبارة, وهو ما يسمّونه بالكلام المنطبق مع مقتضى الحال, وما لم يكن لدى الإنسان ذاك الحال فعليه أن لا يتفوّه بمثل ذلك, ولو قال: أنزل بي ما تريده من العذاب!! فسوف يأتيه الجواب: حسناً تفضّل!!
كنتُ ذات مرّة عند المرحوم السيّد جمال ـ فقد كنتُ أذهب إليه أسبوعيّاً مرّة أو مرّتين, وكان يقوم بإرشادي لمدّة ساعة, وكان لديه إصرار شديد على لزوم ترك المعصية, وكان يقول: إنّ السير والسلوك بكامله متوقّف على ترك المعصية ـ وكان الجوّ حارّاً, فقد كانت غرفته في الطابق العلويّ, في الوقت الذي كانت جميع ابتلاءاته ومصائبه منصبّة عليه. كانَ مصاباً بمرضين أساسيّين: أحدهما البروستات, حيث ثقبوا له ثقباً, وأدخلوا فيه أنبوباً بلاستيكيّاً يخرج البول منه ويتجمّع في وعاء تحت التخت الذي كان ملقىً عليه, هذا مضافاً إلى حرارة الغرفة المرتفعة. والمرض الثاني: القلب, حيث كان قد تجاوز التسعين سنة من العمر. ومع شدّة حرارة الطقسكان مقرّه في غرفة في فصل الصيف, في الغرفة الخارجيّة, مضافاً إلى أنّه كان مديوناً بشكل محرج, حيث كان قد رهن بيته بأربعمائة دينار وذلك لمعالجة أحد أولاده في المستشفى بسبب مرض أصابه. فبيته كان مرهوناً, وكان غارقاً في الدين إلى الحدّ الذي كانوا يقرضونه!! وهناك بعض المصائب الأخرى التي كان مبتلى بها, وزوجته كانتْ قد نازعته؛ حيث إنّها كانت تريد الذهاب إلى إيران في الصيف وزيارة الإمام الرضا عليه السلام هكذا كان حال هذا الرجل مع الإفلاس مضافاً إلى بعض المسائل والمصائب الأخرى.
وحينما دخلتُ الغرفة وجدته يبكي ويقرأ الصحيفة السجاديّة ـ حيث كان يقرأ الصحيفة السجاديّة كثيراً ـ فما إنْ رآني حتّى قال لي:
تعالَ! اجلس! وضحك وقال: سيّد محمّد حسين, هل تدري أم لا؟! فقلت: ماذا ؟ قال: أترى كلّ هذا الذي ألمّ بي!! أنا مسرور وهو عذب وجميل! فمن ليس لديه عرفان, ليس له دنيا ولا آخرة!
وذلك لأنّه كان يعرف أنّي مطّلع على مصائبه وابتلاءاته. نعم, قد قال هذه الجملة: أنا مسرور, ومن ليس له عرفان فلا دنيا له ولا آخرة.
حسناً, بعد أنْ يتنبّه الإنسان, يلفتون نظره إلى الحدّ الذي يصبح معه محلاّ للابتلاءات, ولكن دون أنْ يرى تلك الابتلاءات صادرة من عند غير الله, وإنّما يرى أنّ الله أنزلَ عليه هذه المصائب بداعي الرحمة.
الحاصل: أنّ الابتلاءات النازلة على السالك لغرض تأديبه على نحوين:
النحو الأوّل: الأدب النازل لأجل العقوبة, يعني: ما يسمّونه الضرب على القفا, فالشخص حينما يُضربُ على قفاه فإنّه يجلّس وقفته ويعتدل, فإنْ غفل ثانية وسرحَ نظره هنا وهناك, يضربونه على قفاه ثانية فيعتدل من جديد ويقف, ثمّ لو عاد وغفل وسرح هنا وهناك, فإنّه يحتاج إلى ضربة أخرى. والإنسان حينما يرخي الحبل للحمار, أو يضع له شيئاً من التبن والشعير, ثمّ يظلّ الحمار يرفع نظره ويوقعه على مراعي الآخرين وعشبهم ويسير نحوها يقصدها, فيضربونه سوطاً ويمنعونه من الذهاب, ارجع!! ثمّ في المرّة الثانية يعود يأكل من التبن والبرسيم الموضوع أمامه, ثمّ يغفل ثانية, فيعود ويلقي بنفسه في مراعي الناس ويسحقها, فيضربوه سوطاً ثانياً. وهذا ما يسمّى بـ تأديب العقوبة, بحيث يلفتون نظر الشخص بواسطة السوط.
التأديب يقتلع غرور الإنسان, فحينما يقول الإنسان: أنا! أنا كذا! وأنا كذا وكذا, وأنا البطل المقدام رستم و افراسياب [2] وقارعت الآخرين بكذا وكذا, وهذا يستمرّ ويستمر ويتمادى ويتمادى, والحال أنّ ذلك لا يرجع إليك وليس بحولك وقوّتك! وأيّ وزن لنا في هذه الدنيا؟! وما إنْ يسيطر الغرور على الإنسان أي: حيث لا يكون الإنسان سالكاً في الطريق أصلاً, حينئذ يتركونه ويرخون له العنان فيسترسل, ويسرح هذا الفرس ويسرح, ويسحن هذه الأعشاب., ثمّ يقع في ذاك البئر ويسقط., فتتحطّم عظامه, ويضيع كلّ شيءٍ دون فائدة!! وعلى العكس من ذلك مَن كان تحت رعاية الله, فإنّه حينما يريد أنْ يربّيه, يعمد إلى تأديبه في مثل هذه الحالات, ويجعله يقظاً, ويبصّره بحاله وبشأنه وأنّه من هو؟ يجعله يعلم أيّ عبدٍ هو! لا تقلْ: أنا ونحن! دعْ ذلك جانباً! لا تنسب شيئاً إلى نفسك! لا تتفاخر ولا تدّع! حينئذٍ ماذا يفعل؟ هل يدّعي ويتباهى؟! فهذا الذي كان يتفاخر, والذي لم يكن ليرضى أنْ يتكلّم مثلاً مع شخصين يقال له: تعالَ وتحدّث مع هذين العلمين! اطلبْ منهما شيئاً! شاورهما في أمورك! فلا يعتني حتى يحلّ به بلاء فيضطرّه إلى أنْ يأتي إلى من هو أدنى منه بعشر درجات, ويلتمس منه أنْ يتدخّل ويصلح له أمره, ويعترف بالعجز ويقول: أنا لا حول لي ولا قوّة. يعني: يُفقدونه الأسباب والعلل والوسائل. فمثلاً: قد يُبتلى بحالة بحيث لو يكون محتاجاً لمائة ألف تومان من المال, فيجد شخصاً يطلب منه ويقول له: أريد منك مائة ألف تومان, فيعطيه مباشرة كي يقضي حاجته, ودون أنْ يمنّ عليه. ولكن قد يبتلى بحالة يقعُ فيها تحت وطأة المنّة, فتارة يقع الإنسان تحت نوع من البلاء والشدّة لا سبيل لحلّها أبداً.
حينئذٍ يأتي هذا الشخص ويلتمس, ويطلب أن يا فلان أعطني فلساً من المال وإلاّ فسوف أهلك! وخلاصة الأمر أنّهم يذيبون ذاك الاستكبار وتلك المنّة بواسطة ذلك. مثلاً: هذا إنسان معافَى, وهو مغرور بما يتمتّع به من السلامة, فيبتلى بمرضٍ لا يعود ينام معه لا في الليل ولا في النهار, ولا يستطيع أنْ يفكّر, يعني: لا يساوره إلاّ أنّ قبره مفتوح أمامه. فهذا المغرور بإحدى القدرات التي يمتلكها يُصاب ببلاء يحلّ به, يُبتلى ولو من قِبل جاره, بحيث يظلّ أثر ذلك عالقاً في قلبه وفي كبده كالشوكة التي تنخر فيه, وهذا ما يسمّى بتأديب العقوبة, أي: التفتْ! وكِلْ أمركَ إلينا! إذا تريد أن تحمّل نفسك ثقلاً وتصبحَ محملاً فكنْ كما تشاء! كلّ ذلك سوف يحيط بك, وهذا نوع من التأديب.
النحو الآخر من التأديب هو التأديب غير المقترن بعقوبة أو توبيخ؛ فما إنْ يزيح الإنسان رأسه إلى هذه الجهة أو تلك, يأتيه صوت لطيف من الأعلى: عزيزي! لماذا أزحتَ وجهك إلى ذاك الصوب؟! فيتنبّه الإنسان بذلك. حسناً, هناك فرقٌ كبير بين كلمة عزيزي وبين ذاك التوبيخ! فيرفع الإنسان رأسه مرّتين ويقول: أستغفر الله: قد عصينا إلى الحدّ الذي استوجب أنْ يقول الله لنا: عزيزي! أو لماذا اقترفتَ ذلك؟! ثمّ مع أنّنا سمعنا عُدنا وغفلنا حتّى جاءنا النداء الثاني. ففي ليالي شهر رمضان تنادي الملائكة حتّى الصباح: أيّها العاصون تعالوا! باب بيت الرحمة مفتوح, ونحن نقبل التوبة, ونغفر الذنوب, ونستجيب الدعاء, فلا تجنحوا إلى الشهوات, ولا تكونوا من الغافلين, أقبلوا علينا! كذلك في ليالي الجمعة حيث تكون الملائكة من أوّل الليل حتّى طلوع الفجر, يأتون من السماء ويرجعون قائلين: هل من مستغفر؟! هل من داعٍ؟! نحن نستجيب دعاءه, ونقبل دعوته, ولا نردّها, تعالوا أيّها العصاة!
وهذا تأديب, إلاّ أنّه ليس تأديباً بواسطة العقوبة, بل هو تأديب بلطف ورفق, وهو مناسب جدّاً!, يعني: العبد لا يحتمل تأديب المولى بالعقوبة, فمن هو الذي يأتي ويقول: إلهي أدّبني بالعقوبة؟!
المرحوم الحاجّ السيّد جمال الدين الذي كان سالكاً لسنين متمادية, وكان صلباً في هذا المجال, وقد تحمّل المشقات في هذا الطريق, يذهب إلى أمير المؤمنين ويقول: أعطني ما أريد وافعل بي ما تريد! فيقع في منعطفٍ ويمرّ في شدّة حتّى تتمّ تسويته وإصلاح الالتواء الكائن فيه, وذلك بواسطة ذاك المفتاح الإنكليزي, بل لا يحتاج لا إلى المفكّ الفرنسي أو السوط!! وإنّما يقوّمونه ويصلحونه بمقبض مغرفة الطعام الكبيرة!! حينئذٍ يصلح حاله, فيزول الغرور والاستكبار و ما شابه ذلك, ولكن يختلط حينئذٍ لعابه بمخاط أنفه من شدّة التعب والنصب!! حينئذٍ كم سيخسر من قواه وكم سيفقد من استعداداته وسيصبح ضعيفاً!! وأمّا لو كان التأديب بغير العقوبة, فيأخذونه باللطف ويجرّونه بهدوء, فيأخذونه بحيث لا يشعر أصلاً ولا يحسّ.
وإلى أيّ حدّ كان الإمام السجّاد عليه السلام عارفاً بهذه المسألة؟! بحيث إنّ هذه الخصوصيّات الدقيقة في مقام السلوك كانت أمامه شاخصةً كالشمس, فكان يعرف ما هي حقيقة الأمر, وإلاّ هل بإمكان أيّ شخص مثلاً أنْ يُنشئ هذا الدعاء؟!
إنّ من معجزات القرآن هذا النوع من الأدب, والذي كان يتحلّى به النبيّ مقابل الله وبالتالي كان يعلّمنا إيّاه, وكذلك تلك الأذكار مثل: لا إله إلاّ الله, سبحان الله.. كلّ ذلك مختصّ بالنبيّ, وليس لأحد أصلاً غير خاتم النبيّين أنْ يفتح هذا الطريق, وينهج هذا المسير, ويقول مثل هذه الأذكار! ومن لم يكن مثل الإمام السجّاد لا يمكنه أنْ يقول: إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك!
أنا عبد, أنا عاجز لا قدرة لديّ, أنا لا أمتلك شيئاً. أتريدُ أنْ تأدّبني بالعقوبة؟! فهل لي طاقة على ذلك؟! ولا نقول: خذ طفلي واقتله إن أحببتَ!! أو اهدم المنزل على رأسنا!! أو نقول: كلّ ما أحللته بالنبيّ أيوب من البلاء ابتلنا به! وابتلنا كما ابتليت النبيّ يعقوب من فراق ابنه يوسف لا, لا, لا, لا, لا, بل ما دون العقوبة, دون العقوبة, ما دون هذه العقوبات. ندعو أنْ لا يصل الأمر إلى حدّ العقوبة؛ إذ لو تأتي بعوضة صغيرة وتحوم حولنا تتحوّل تلك الليلة إلى جهنّم, فلا ننام حتّى الصباح! بعوضة أو ذبابة! فلو تقرّر أنْ تأتي وتحوم فوق رأس الإنسان, فكلّما ضربها تذهب وتعود ثانية, ثمّ تأتي وتحطّ عليه وهكذا حتّى يعجز الإنسان, وفي النتيجة إلى أيّ حدّ يمكنك مطاردة هذه الذبابة كي تلتقطها وتقتلها؟! فما إنْ ترد ضربها تفرّ, وليس لك همّة للّحوق بها والركض وراءها, فيقبع الإنسان كالذليل أمام هذه الذبابة! كلّ ذلك في مقابل ذبابة أو بعوضة. لذلك ندعو الله أن أدّبنا بما دون ذلك, أقلّ من الذبابة, وبما هو أدون من البعوضة, بل بما هو أصغر من ذلك ممّا لا يمكن أن نتصوّره, فنحن لا حول لنا ولا قوّة, لا طاقة لنا! فالإمام يقول: نحن لا طاقة لنا, وهذا هو الواقع.
إلهي! نحن عبادك, ونحن محتاجون إليك, وكلّ شيء لدينا هو لك ليس لدينا شيء لنا ولذاتنا, بحيث يكون ما لنا هو عندنا وما ليس لنا نطلبه منك أنت!! وبحيث تكون أمور دنيانا بحمد الله جيّدة ومؤمّنة, ولكن نطلب منك أمور الآخرة, لا أو أن تكون حياتنا جيّدة إلاّ أنّ المغفرة هي التي نطلبها منك, أو أنّ دكّاننا جيّد وتجارتنا حسنة ولكن نطلب منك زيارة مكّة والمدينة, لا ليس لدينا شيء أصلاً. وأمّا لو قال الإنسان: إلهي! الحمد لله أمور دنيانا مؤمَّنة, ولكن مُنّ علينا بالآخرة! فهذا يعني: أنّنا لسنا محتاجين إليك في الأمور الدنيويّة, يعني: لو يقول ذلك بشكلٍ جدّي, من الواضح أنّه يكون كاذباً حينئذٍ؛ إذ لو تأخّرت عنه قطرة الماء ولم يستطع أنْ يحصل عليها فسوف يعلو نحيبه, ويبدأ بالتضرّع والشكوى, ويئنّ وينتحب عالياً. كلّ ذلك لأجل قطرة ماء قد تأخّرت.
متى يمكن للإنسان أنْ يتفوّه بأنّ الأمور الدنيويّة ليست مهمّة؟! ألسنا نحتاج إلى الماء؟! ألا نحتاج إلى النفس؟! هل التنفّس مجّانيّ؟ لو يعدم الهواء من كلّ العالم!! أليس ذلك مهمّاً؟! فنحن محتاجون إلى الله في تلك الحالات الضروريّة من حياتنا! ونحن محتاجون إلى هذا النفس الذي نتنفّسه, وعلينا أن نعلم بأنّ الله هو الذي يمدّنا به, وأنّنا محتاجون إليه, ولو انسدّ مجرى الهواء, بحيث يتأخّر وصول الهواء إلى الإنسان دقيقتين بل دقيقة واحدةبل بضع لحظات كما لو أرادوا أن يخنقوا شخصاً فما الذي سيصيبه حينئذٍ؟!
رحمَ الله الحاجّ الأبهريّ, حيث كان يقول: كنت يوماً مسافراً لا أدري: إلى قزوين أو أبهر ولم يكن هناك سيّارة في تلك الأيّام, فجلسنا في إحدى حافلات نقل البضائع لنذهب إلى قزوين, وكان بجانبي أحد أفراد الدرك الأعزاء, وكان الدركيّ جالساً, فحينما وصلنا إلى تقاطع كرج لا أدري أين رجعت إلى الخلف, رجعت وسقطت في النهر, ونحن كنّا في الأسفل, فانقطع نفسنا. وكان يقول الحاجّ الأبهريّ: لو لم يأتوا إلينا وتأخّروا عن نجدتنا لعدّة لحظات لكنّا متنا, وكان يقول: أنا لم أمتْ! ولكن كنتُ أسمع نداء ذاك الدركيّ يصرخ من جانبي: أنا دركيّ! أنا دركيّ! تعالوا وأنقظوني! فأنا قلت في قلبي أيضاً: نعم أنت دركيّ, ولكن لا ينفعك في هذا المأزق أن تكون دركيّاً.
يقول الحاجّ الأبهريّ: هذه النسمة من الهواء التي نستنشقها والتي لا قيمة لها, حينما يُبتلى الإنسان بذاك الألم, حينها يفهم كم كان لها من القيمة! هذه النسمة من الهواء ما إنْ تهبّ, فإنّها تحيي الإنسان الميّت, ولو انحبس الهواء لمات, فإذن نحن تحت رحمة نسيمٍ واحد ومحتاجون إليه. نسيم واحد!
هل التفتّم جيداً إلى معنى (إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك)؟

    

بيان قوله: ولا تمكر بي في حيلتك

(ولا تمكر بي في حيلتك) الحيلة بمعنى: الحذاقة وحدّة النظر وقوّة الذهن, يقولون: إنّ الإنسان يحتال في عمله, والمعنى الأصلي: هو أنّه يتمركز ويركّز نظره, وأنّه يريد أنْ يفهم المسألة بشكل حادّ ودقيق.
إلهي! لا تمكر بي بواسطة ما تمتلكه من الحيلة والحذاقة والتسلّط على أموري, أي: تدبيرك المنصبّ على أموري وحذاقتك وحدّة تسلّطك وإشرافك على أموري, فـ (مَكَرَهُ) و (مَكَرَ به) بمعنى واحد, و (لا تمكر بي) أي: لا تمكرني, ولا تخدعني.

    

المراد من مكر اللّه ومخادعته

ما معنى الخدعة؟ أفهل يخدع الله؟! لا, فالخدعة التي يقوم بها الله هي بعكس الخدعة التي يقوم بها الإنسان مع إنسان آخر, خدعة الله هي: أنْ يقوم الإنسان بخدعة الله ويخادع الله, حينئذٍ لا يعود الله يوضّح للإنسان مخادعة الناس له ولا ينبّهه عليها, وإنّما يتركه, فخداع الإنسان لا يصل إلى الله ولا يناله, بل يرجع عليه هو ويمسك بخناقه! لأنّ الإنسان غير خارج عن حكومة الله, وليس له أن يمتلك علماً أو خطّة أو خدعة يغلب بواسطتها المخطّط الإلهي ويخادع بها الإرادة الإلهيّة, لا.. ليس الأمر كذلك! كلّما يخادع الإنسان فإنّ الله هو الحاكم والمهيمن على هذه الدائرة أيضاً, وهو الحاكم عليها, فالخدعة مع الله تعني: أنّي أريد أنْ أخدعك وأتجاوز عن أمرك, وهذا ما لا يمكن أن يتحقّق أصلاً. فإذن هذا ناشئ من عدم فهمه وجهله, وهذا الجهل في حدّ نفسه يسبّب له البلاء ويوجب له الوقوع في المصائب.
إذن, من يريد أنْ يخادع الله, فإنّه يقوم بخداع نفسه, فلا تصل الخدعة إلى الله! حينئذٍ, لو ينبّه الله الإنسان على حقيقة هذه الخدعة, ويستغفر الإنسان ويتراجع, ويغيّر أسلوبه ويصلح ممشاه, ويغيّر نفسه ولا يعود يخادع, فهو وإلاّ فلو لم يتنبّه فسوف يتركه الله ويهمله, وهذا هو ما نسمّيه بخداع الله للإنسان, يعني: يلقي العنان على عهدة الإنسان نفسه, يكل الأمر إالى الإنسان ذاته.
الفأرة في مقابل القطّة لا تقدر على الفرار, فتلعب القطّة بالفأرة, القطّة من هذه الجهة والفأرة من ذاك, فتجلس القطّة بهدوء وتنظر, وفي بعض الأحيان تدير عينها لترى ما الذي سوف تفعله الفأرة, والفأرة غارقة في عالمها وتريد أن تخدع القطّة لتجعلها غافلة كي تهرب منها, فتبقى الفأرة ثابتة ولا تتحرّك, فلا تتحرّك, لا تتحرّك, ثمّ تخدع القطّة فجأة وتهرب منها, ثمّ يخال لها أنّها تخادع القطّة واقعاً وأنّ القطّة قد انخدعت بها, غير ملتفتة إلى أنّ القطّة تنظر إليها بخفاء, وأنّ من كلّ روحها متعلّقة باصطياد الفأرة وأنّ قلبها يخفق عليها, فلم تتنبّه أنّها قد أخرجت جميع مخالبها وأظافرها, وأنّها بقفزة واحدة تجعلها فريسة وصيداً لها, فما إنْ تشرع هذه الفأرة بخداع القطّة, حتّى تقفز القطّة عليها وتضربها ضربة على رأسها, ولكن لا تقتلها, ثمّ تعود ثانية وتجلس مكانها, وتقول: اسكتي! لا تتحرّكي! إلى أين فررتِ! فتلاعبها بهذا الشكل مراراً وتكراراً, وتلعب وتلعب حتّى تعلم هذه الفأرة المسكينة أنّها من الأفضل لها أنْ تسلّم من الجولة الأولى, ولكن لا تسلّم! فلا تسلّم من الجولة الأولى, فتبقى تخادع هكذا.
إلهي! نحن فهمنا أنّ كلّ شيء بيدك, فلماذا يتلاعب الإنسان مع الله؟! وحينما نشاهد أنّ كلّ عمل يعود إلى الله ولا يصدر من عند غير الله, فلماذا نمتحن الله بشكل دائم؟!
أنتم تتصوّرون أنّنا نحن لا نمتحن الله؟! ففي كلّ يوم ألف مرّة!! نمتحنه مراراً حتّى نرى هل كانَ صادقاً معنا؟ هل صدق معنا؟ فدائما نتوكّل على الله كي نرى ما إنْ كان التوكّل يثمر شيئاً!! ونكل أمورنا إلى الله ونرصد النتائج هل أنّها تأتي صحيحة أم لا؟ فكلّ ذلك امتحان, ولكنّه إلى أيّ حدّ هو كبير ومتعال؟! وواقعاً هو كبير متعال. عجيب! فالله كبير ومتعال إلى الحدّ الذي نقوم بامتحانه جميعنا, لكنّه لا هو يلتفت إلينا!! ولا يقول لنا: أيّها العبد, إنّك تقوم بامتحاني! بل هو كبيرٌ إلى حدٍّ أنّنا نواجهه بأنّنا نحن نقوم بامتحانك, أنا أقوم بامتحانك. فهو كبير ومتعال جدّاً! تماماً كما لو كان هناك طفلٌ يتطاول على أبيه ويتجرّأ على أمّه, إلاّ أنّ أبويه لا يلتفتون إلى أنفسهم, وإنّما يقولون له: نحن نريد أنْ نعتذر منك على تلك الحادثة وتلك المسألة, فنحن قد تجرّأنا عليك ولم نكن مؤدّبين معك!!
نحن نقوم بخداع الله, وفي كلّ عمل وكلّ مرتبة نتمادى ونقول: إن شاء الله لا يفهم الله, ليس مهمّا, هذا العمل, ذاك العمل, وذاك العمل, والله العليّ الأعلى حاذق في نظره, وهو المطّلع العليم {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [3] فجميع الأفعال بيده, في قبضته, تحت مشيّته, وإنْ ينظر إلينا بنظر الرحمة فإنّه ينبّهنا ولو بواسطة العقوبة, وذلك لأنّ الأدب ولو بواسطة العقوبة أفضل من أنْ لا يؤدّبنا أصلاً وينجر الأمر بالإنسان إلى مرحلة الاستدراج حتّى يصل إلى مرحلة أسفل سافلين.
فهل تعرفون ماذا يعني: الاستدراج؟ يعني: أنْ يلقوا العنان على رقبة الإنسان, ليصبح الإنسان حرّاً متشبّثاً برأيه!! وذلك درجة درجة, قليلاً قليلاً, رويداً رويداً, فينحدر إلى الأسفل, إلى درجة لا يعود يشعر من نفسه أنّه قد تدنّى إلى الأسفل!! فيقول: الحمد لله, حالي جيّد, و معنويّاتي جيّدة, ودنيايَ جيّدة, وآخرتي كذلك جيّدة, ومن أحسنُ منّي؟! لكنّه لا يفهم أيّ بلاء ينزل عليّه ويحلّ به! فلو كانَ إنزاله بشكلٍ دفعيّ دفعة واحدة, فسوف يهتزّ لذلك ويتنبّه, ولكن لا ينزلونه عليه بشكل دفعيّ, وإنّما رويداً رويداً, حتّى يصبح في الأسفل دون أن يلتفت إلى نفسه, والاستدراج هو أكبر عذاب! يعني: ينزلق الإنسان درجة بعد درجة دون أنْ يحسّ أو يلتفت. ولكنْ حيث إنّ الله العليّ الأعلى ما زال ينظر بعين الرحمة إلى ذاك الإنسان الذي يخادع الله ويحتال عليه, والذي يخادع الله ويمرق عن أمره, فإنّ الله ينبّهه بشكل جيّد. وأمّا لو لم ينبّهه الله العليّ الأعلى, فسوف ترجع هذه الخدعة التي يخادع الإنسان بها الله على الإنسان نفسه, وهو حقيقة المكر الإلهيّ:
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [4]
أي: هؤلاء الناس, هؤلاء الأعداء يمكرون, والله كذلك يمكر, إلاّ أنّ المكر الإلهيّ محلاّ للرحمة والحسن) فمكر الله ليس كمكرنا.. يعني: إنّه يُرجع مكرنا علينا.
{يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [5] فهؤلاء يريدون أن يخادعوا الله, ولا يعلمون أنّ الله هو الذي يخدعهم), أي نفس هذه الخدعة التي يريدون أن يخدعوا الله بها يقوم الله بخداعهم بواسطتها, فهم يريدون أن يعمدوا إلى القيام بفعل لا يفهمه الله, ولكنّهم غير ملتفتين إلى أنّ نفس هذا الذي يصدر عنهم من دون فهم والتفات هو خدعة لأنفسهم؛ لأنّ هذا العمل الذي يقوم به الإنسان دون توجّه وفهم, ليس بعيداً عن مرأى ومسمع الله, فهم صمٌّ وعميٌ يصدر منهم العمل من جهة عماهم وجهالتهم.
فطائر الحجل الذي يُخفي نفسه من أن يصل الصيّاد إليه في فصل الشتاء ويدخل رأسه في الثلج, فإنّه إنّما يغرس رأسه في الثلج كي لا يراه الصياد, مع أنّ المسكين لا يعلم أنّه بإدخال رأسه في الثلج بغية التخفّي من الصيّاد يكون قد أعطى علامة وإشارة للصيّاد لكي يراه, بل نفس هذه الطريقة من التخفّي علامة وإشارة للصيّاد كي يرمي عليه ويصطاده! فيأتي الصيّاد ويأخذه بكلّ سهولة. فلو أردت أن تتخفّى من الصيّاد عليك أن تخفي بدنك في الثلج, وترفع حافّة عينيك خارجاً لتراقب الصيّاد, لا أنْ تدخل رأسك في الثلج؛ إذ إدخال رأسك في الثلج يؤدّي إلى إعماء نفسك لا الصيّاد! إذنْ هو لا يعلم أنّه قد أوقع نفسه في قبضة الصيّاد بواسطة نفس هذا الفعل الذي يريد من خلاله أنْ ينجو من الصيّاد.
وهذه حقيقة الخدعة التي لا يزال الناس يواجهون الله بها, وهم لا يعلمون أنّهم بنفس هذه الخدعة يخدعون أنفسهم ويمكرون بها, أي: الخدعة التي يخدعهم الله بها إنّما هي ردّة فعل لخدعتهم, والأثر المعاكس لخداعهم.
يقول الإمام: إلهي! لا تمكر بي في حيلتك, أيّ: بواسطة حدّة نظرك ودقّة اطّلاعك على أموري.فماذا يعني ذلك؟ يعني: أنا الذي أقوم بالمكر بك أنا جاهل, أنا عبد, أتركني واعف عنّي, لا تُرجع مكري عليّ, لا تلقِ بآثار مكرنا علينا. فإنْ عاودته وأرجعته علينا فإنّنا مساكين ضعفاء عاجزون كثيراً.. وأمّا إذا عاملتنا برفعتك وعلوّك ولم ترجع مكرنا علينا, ثمّ لفتَّ نظرنا وتعاملت معنا على أنّنا عبيد جاهلون, وأدّبتنا سواء بواسطة العقوبة أو بدونها فهو أفضل من أن تمكر بنا: بأنْ تلقي زمام الأمور على عاتقنا ولا تنبّهنا على خدعتنا, بل ترجع خداعنا علينا, فحينذٍ سوف نسير في عالم مظلم لا رؤية فيه. فنمضي عمرنا في عالم العمى والضلال, ولا ندري حينئذ كيف نخرج من هذه الورطة, فنتخيّل أنّنا نقوم بعمل حسن, ونتوهّم أنّنا موفّقون في حياتنا وعمرنا, ولا نلتفت إلى أيّ جهة نحن نتوجّه إليها! هذا هو المكر الذي يوقعه العليّ الأعلى بالإنسان.
ثمّ إنّ الإنسان الذي يريد أنْ يحتال على الله تارة يقول الله له فوراً: لا تحتل يا فلان! فيقول: سمعاً وطاعة, سمعاً وطاعة, أنا أعتذر, لا أعود إلى ذلك. وتارة يخادع الله, وحينئذٍ يبتليه الله بحالة عدم الفهم, فيقول له: وجهة نظرك هي ذلك؟! فيجيب: نعم نعم! فيقول له: حسناً, شكراً جزيلاً, لقد تفضّلت علينا كثيراً. فهو يريد أن يتلاعب ويُعمل حيلته ولكن من خلال إظهار الملايمة والمحبّة وإبداء الخدمة! وهو بدوره ينقلها إليه بشكل هادئ وبمظهر الخدمة والمحبّة! فينزل عليه البلاء بهذا الشكل.
وأمّا إذا نبّهه بأن يا فلان, عملك هذا فيه اشتباه, في ذاك المكان كان عملك اشتباها, أو عملك الفلانيّ كان فيه رياء, عملك الفلانيّ كان سمعة, في ذاك القسم كان فيه استكباراً, في تلك المسألة كان فيها شائبة اثنينيّة ونفاق, فحينئذٍ يلتفت هذا الشخص. وأمّا لو لم يلتفت الإنسان وبقى يتمادى ويتمادى ويعمل ويصرّ ويتقدّم في حيلته, فتتكدّس الأمور وتتراكم, حتّى تصبح كلّ حياته وعلمه وقدرته وثروته وعمره وعزّته ومن جميع الجهات بوّابة ووسيلة لكسب جهنّم, ويبقى غير ملتفت إلى أنّه سائرٌ نحو جهنّم, وهذا هو المكر في الحيلة.

    

بيان قوله: من أين لي الخير يا ربّ ... خرج عن قدرتك

(من أين لي الخير يا ربّ ولا يوجد إلّا من عندك؟) حسناً, إلهي! أينَ هو الخير كي أذهب وأحصل عليه؟! فالخير لا يوجد إلّا من عندك.
(ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلاّ بك؟) من أين النجاح والفلاح؟ فلا يمكنني أنْ أحصل عليه أبداً, وهو خارج عن قدرتي ولا يُنال إلاّ بك.
هذا كلام رفيع جدّاً؛ إذ لو كان الخير من عندك, و كان موجوداً عند غيرك أيضاً, لأمكننا أنْ نخدعك ونذهب إلى هناك, ونكتسب من تلك الخيرات. ولو كانت السعادة والفلاح عندك وعند غيرك أيضاً, فسوف لا نكون محتاجين إلى تأديبك بغير العقوبة, ولا نكون محتاجين أنْ ندعوك ونلتمس منك عدم المكر بنا وعدم الحيلة وعدم إرجاعهما علينا, بل كنّا نخادعك, ولذهبنا إلى تلك النجاة والسعادة, وإلى ذاك الخير والفلاح الموجود عند الطرف الآخر, ولكنّ الحقيقة هي أنّ كلّ خيرٍ في أيّ مكان كان من عندك ولك, وكلّ نجاة وفلاح مفترضة ومتصوّرة هي لك.
وحينما يكون الأمر كذلك, فمن أين لي أنْ أحصل على الخير يا إلهي! فأنت ربّي, ولا يمكنني أن أطلب الخير, فلا يوجد الخير في أيّ مكان إلّا من عندك, ولا نجاة ولا فلاح إلّا أنْ تمكّنني أنت منه, يعني: إنّما يأتي من ناحية قدرتك.
(لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك) من عمل عملاً صالحاً وأصبح يمتلك القدرة, ومن يعمل العمل الحسن, فلا يستغني عن رحمتك وعونك, بحيث يكون هو العامل للفعل الحسن بحوله وقوّته, ودون مساعدتك ورحمتك وبشكل مستقلّ.
(ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يُرضك خرج عن قدرتك) أي ذاك الذي يقوم بفعل السيّئات والعمل القبيح, ويعمل السوء ويتباسل ويتظاهر بالشجاعة أمامك ويتجرّأ عليك, ويتعدّى دائرة العبوديّة ويخطو بقدمه خارجاً عنها ولا يرضيك, فهذا غير خارج عن قدرتك وسلطانك, يعني: هو في كلّ أعماله هذه واقع تحت قدرتك. فهل يمكن للإنسان أنْ يخرج من تحت حكومة الله وسيطرته ليقوم بعمل سيّئ! هنيئاً لمن يقدر على ذلك, فلا يمكن العثور على مكان يتمكّن فيه من أنْ يقوم بفعل أو عمل في ظلّ حكومة الله وسلطانه, ولا تكون قدرة الله نافذة بحيث يشتغل هو بالمعصية وفعل السوء فيها!! بل كلّ عمل سيّئ أو تجرٍّ يقوم به الإنسان ويصدر منه, فهو تحت سلطان الله ومُلكه وعين قدرة الله.
لذلك, لو يقوم العبد المسكين بفعل الخير, فليس له أنْ ينسبه إلى نفسه. لأنّه محتاج إلى عون الله ورحمته أيضاً؛ لأنّه ليس له استقلال وجوديّ من نفسه ليفيض الرحمة على نفسه, وإنّما هو من ناحية الله, فهو الذي يفيض الرحمة, وهو الذي يسطع في عالم الوجود ويطّلع حتّى يتمكّن الإنسان من فعل الخير وكذلك لو عمد الإنسان إلى فعل السوء, فإنّه في نفس فعله للسوء لا يقوم به بحوله وقوّته المستقلّة, وإنّما هو خاضع تحت حكومة الله أيضاً.
(يا ربّ يا ربّ يا ربّ يا ربّ يا رب!) يقول الإمام: يا ربّي ويكرّر ذلك حتّى انقطع نفسه, ففي النفس الواحد كم مرّة يستطيع أن يقول: يا ربّ! فيقول إلى الحدّ الذي يستمرّ نفسه: يا ربّ يا ربّ يا ربّ يا ربّ! يا ربّ! ماذا تعني: تعني: أنت الموجود لا غير, أنت ربّي, وأنت ربّي في إحسانك إليّ, وأنت ربّي في عونك لي, في رحمتك لي أنت ربّي, وأنت ربّي حينما أتجرّأ عليك وأسيئ إليك, وأنت ربّي حينما أقوم بالمكر عليك وأتخيّل أنّي قادر على أنْ أسبقك وأتقدّم عليك. لا, ليس الأمر كذلك أبداً, فأنت ربّي {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ } {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [6] فما يريد الله أن يفعله, يفعله جزماً ودون أيّ مانع, فأنت ربّي وأنا أقرّ بذلك وأعترف. أنت إلهي ربّي ربّي ربّي ربّي. أنت متكفّل لكلّ أموري دون غيرك.
(بكَ عرفتُك, وأنتَ دللتني عليك ودعوتَني إليك, ولولا أنتَ لمْ أدرِ ما أنت). إلهي! أنا عرفتك بك, فأنا أعرف من أنت, وأنت الذي دللتني عليك, وأنا لم أعرفك بغيرك بحيث يكون هذا الغير حجاباً وفاصلاً بيني وبينك, بل أنا عرفتك بك أنت, وأنت من أخذت بيدي وعرّفتني عليك, وأنت الذي دعوتني إليك وإلى السير نحوك, ولو لم تكن أنتَ أنتَ لما عرفتك, فأنا علمت أنّه ليس هناك شيءٌ غيرك.
ولندع ترك هذه الفقرة إلى مساء غد, لنبيّن كيف أنّ الله عرّف الإنسان على نفسه؟ وأنّ معرفة الإنسان بالله ما لم تصبح بدون واسطة فإنّها لا تتحقّق؛ لأنّه سوف يكون هناك حجاب وواسطة بين الإنسان وبين الله, والمراد هنا الواسطة المستقلّة!
وأمّا لو كانت معرفة الإنسان لله بالله نفسه كمعرفة الشمس بنفس الشمس, لا بواسطة النور والعتمة, فحينئذٍ يمكن أن يعترف بأنّه غير خارج عن حكم الله وحكومته, ويمكنه أنْ يدّعي بأنّ جميع أعماله ومنهاجه تحت نظر الله, وأنّه عليه أنْ يتوسّل بالله في جميع أعماله, كما ورد: ولكلّ طاعة ومعصية لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم [7].
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ ـ البيت الحادي عشر من قافية الجيم من أشعار ابن الفارض في كتاب شرح ديوان ابن الفارض شرح وتحقيق عبد القادر محمد مايو, دار القلم العربي سورية. وقد جاء كالتالي:

 عذّب بما شئت غير البعد عنك                               

                         تجدْ أوفى محبّ بما يرضيك مبتهج

[2] ـ "رستم" هو أحد قادة الجيش الفارسي زمن "خسرو پرويز" الملك الثالث والعشرين من ملوك الساسانية حيث حكم بلاد فارس من سنة 590 إلى 628 ميلادي ـ و "افراسياب" هو أحد القادة المشهورين في البطولة والبسالة في بلاد الترك. نقلا عن قاموس دهخدا و المنجد.

[3] ـ سورة التغابن (64) صدر الآية 18.

[4] ـ سورة آل عمران (3) الآية 54.

[5] ـ سورة النساء (4) قسم من الآية 142.

[6] ـ سورة يوسف (12) ذيل الآية 21.

[7] ـ إشارة إلى الدعاء المأثور عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أعددتُ لكلّ هول لا إله إلاّ الله, ولكلّ همّ وغمّ ما شاء الله, ولكلّ نعمة الحمد لله, ولكلّ رخاء وشدّة الشكر لله, ولكلّ أعجوبة سبحان الله, ولكلّ ذنب أستغفر الله, ولكلّ مصيبة إنّا لله وإنّا إليه راجعون, ولكلّ ضيق حسبي الله, ولكلّ قضاء وقدر توكّلت على الله, ولكلّ عدوّ اعتصمت بالله, ولكلّ طاعة ومعصية لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم).

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی