معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > محاضرات متفرقة لآية الله السيد محمد محسن الطهراني > صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

_______________________________________________________________

هو العليم

صلاة الجمعة
إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

 

 

تأليف
سماحة آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف  

أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين

قال الله تعالى في كتابه:

{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}[1]
لا يخفى أنّ صلاة الجمعة هي إحدى الفرائض المتسالم عليها بشكل قطعي في الشريعة الإسلامية، كسائر الصلوات المفروضة و الفرائض المشرّعة, حيث شرِّعت قبل وفود النَّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم إلى المدينة بفترة يسيرة، و قد أقامها صلى الله عليه وآله بنفسه في أوّل جمعة بعد حلوله في المدينة. و هكذا بقيت سنة مستَمرة و فريضة مُقامةً بعد النَّبي على عهد الحكومات المتوالية طيلة الأعوام و القرون في كافة البقاع و البلدان، سواء في ذلك الجائرة منها أو الإسلامية المحقة.
و ممّا يثير العجب و الأسف الشّديد، أنَّ إخواننا من العامة ملتزمون بإقامة هذه الفريضة المؤكدة أشدّ الالتزام و في جميع الأحوال، بينما نرى قاطبة الشيعة المدّعين لاتّباع سنة الرّسول الأعظم وخلفائه المعصومين عليهم السّلام، قد تركنا هذه الفريضة العظمى و أهملناها، و انشغلنا بالبحث عن وجوبها و جوازها و حرمتها و إباحتها , بحيث يخال للباحث الفاحص أنّه لم يرد أمرٌ من الشّارع بوجوبها و الالتزام بإقامتها! مع ما فيها من الآثار الثمينة و البركات العميمة و النتائج القيّمة. كما و هناك أسبابٌ أخرى أدّت إلى إهمالها و عدم الاعتناء بها , و العمدة في فيها نفس الأدلة التي ذكرت في أدراج هذه المسألة ؛ فنلاحظ أنّ في بعضها اضطراب في الدّلالة أو ضعف فی السّند سواء بالإرسال أم غيره، وهو ما يتضّح بأدنى نظرة عابرة على الكتب التي بحثت المسألة.
فمن جملة هذه الأدلة: التمسّك بعدم قيام الأئمّة عليهم السّلام بهذه الفريضة، حتّى مع الخواصّ من أصحابهم، إلا في بعض أزمنة التّصدّي للرئاسة العامة.
و من جملتها: إجماع الفرقة على عدم الوجوب التعيينى في غير زمان الحجة عليه السلام.
و منها: مخالفة نفس هذه الفريضة و منافاة ماهيّتها للإجراءات السّياسية و المناهج الحكومية مطلقاً.
و منها: السّيرة المستمرة من زمن النّبي إلى آخر زمن الخلفاء في نصب إمام الجمعة و عدم الرّدع من ناحية الأئمة عليهم السّلام لذلك. و كذلك عدم عدّها مخالفة للسّيرة المحقة في الكتب المدوّنة والمعمول بها.
و لهذا نلحظ أنّ الكتب التي بحثت المسألة قد منيت بنوع من التّشتّت في الفتوى و التّردّد في الحكم ؛ فبين قائلٍ بالوجوب العيني و التّعييني مطلقاً في كلّ زمان و مكان، أو رافضٍ للتّعيين و حاكمٍ بالتّخيير حتّى في زمن الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم، أو مُفتٍ بالوجوب في زمنه و التّخيير في غيره، أو مُرجِّح لها على صلاة الظهر في عصر الغيبة، أو محرِّمٍ لها مانع عنها بدون الإذن من قِبَل الإمام عليه السّلام، معتقداً أنّها حينئذ بدعة.
والّذي يقتضيه التأمّل في الأدلة و التّدقيق فيها هو أنّ إطلاق الحكم بعدم الوجوب التعييني بجميع أنحائه غير تام , وذلك كما سننبّه عليه في تعاليقنا على هذه الرسالة المنيفة , حيث سيتبيّن لك أنّ صلاة الجمعة مشرّعةٌ تماما كسائر الصلوات المكتوبة و المفروضة و الواجبة عقداً و اجتماعاً، فلا فرق بينها و بين صلاة الظهر التي نقوم بها في سائر الأيّام على الإطلاق، بل هي أشدّ ملاكاً و ضرورة , و أكثر تأكيداً و أبرم خطوة كما سترى عن قريب في مطاوي الرّوايات إن شاء الله تعالى.
و لعلّه بل من المتيقّن أنّ لهذه الفريضة تأثيراً إيجابيّاً راسخاً على حياة المجتمع و نظام الاُمة، و النهوض بنظم الأمة وتحوّله إلى منهج عام مفروض على الناس من قبل السّلطات الحكومية، سواء كانت هذه الحكومات محقة أم باطلاً , كحكومات خلفاءالجور من بني اُمية و بني مروان و بني العبّاس و غيرهم.
و لهذا كان العلامة الوالد قدّس سرّه يصرّ على السيّد القائد آية الله الخميني ـ رحمه الله تعالى ـ أن يقيم صلاة الجمعة بنفسه في بلدة قم , و طلب منه موعدا ليقدّم له هذا الاقتراح و يوضح له هذا المطلب و يتباحث معه ويقنعه به ، و لكن من المؤسف أنّه أثناء البحث تغيّرت الأحوال و دخلت فجأة زوجة بعض المصابين[2] ، و لم يتمكّن السيّد الوالد ـ رضوان الله عليه ـ من استمرار المباحثة و الكلام و إقناع السيّد الخميني , و خرج الوالد من البيت مهموماً مغموماً غارقاً في التفكير والتأمّل. و قال السيّد الوالد للسيّد الخميني: يلزم عليكم القيام بإقامة صلاة الجمعة بشكل مباشر, و ذلك لعدّة اُمور:
أوّلاً: إنّ هذا الاجتماع العام كان سنة في الإسلام من زمن النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم , وقد بقيت هذه السنة مستمرة إلى زمن الخلفاء , ولم تترك هذه الفريضة سواء كان المتصدي لزمام الأمور هو النّبي أو الإمام عليه السّلام , أو سائر خلفاء الجور و الظّلم . و الحاكم حالياً في المسلمين هو أنتم , و لا ينبغي أن تعدلوا عن هذه السنة و تفوّضوها إلى غيركم بل ربّما يُعَدّ إهانة أو استخفافاً و عدم اعتناء بها.
ثانياً: إنّ إقامة الصلاة بشكل مباشر منكم يوجب تشويق الشعب والأمة كلّها حتى أقصى نقاط البلد الإسلامى، فإذا رأوا أنّ زعيمهم يصلّى بنفسه في مدينته , سيكون ذلك حافزاً لهم للحضور والمشاركة في منطقتهم وبلدتهم , و هو الأقرب إلى المقصود و تحقيق الغاية المرجوة، كذلك سيكون محرّكاً لأئمة الجماعات في سائر البلاد , فيرون أنفسهم في خطّ واحد مع قائدهم وزعيمهم , وأنّهم جميعاً على نسق واحد في رعايتهم للتكاليف وانصياعهم لها و القيام بالواجب , و هو ما يسدّ منافذ الشّيطان إلى القلوب في هذه المجالات و الظروف، بل كذلك الأمر بالنسبة إليه , لأنّه يرى نفسه في حدّ سواء مع سائر أئمة صلاة الجمعة كما هو الواقع في نفس الأمر عند الله تعالى , فلا تمايز بينهم إلا بحسب التكليف و أداء الوظيفة، كلّ بحسبه.
ثالثاً: إنّ نفس حضور الرئيس في صلاة الجمعة حتى و إن لم يكن هو الإمام بل يكون مأموماً , فهو عند الله أقرب إلى العبودية و أبعد عن الاستقلال و التّفرّد , و كلّنا سائرون نحو هذه الجهة أعني تحقّق العبودية و رفض الأنانية، و بهذا تكون الرّوحانية و الصفاء أكثر و أشدّ، و يكون نزول الملائكة و البركات من قِبَل الله تعالى أقوى و أوفى.ولكنّ السّيد الزعيم مع ذلك كلّه لم يقبل أن يتصدّى بنفسه لهذه المسؤولية و لم يتمّ البحث للجهة المذكورة .
و لكنّنا كنّا نرى في وجه السيد الوالد ارتياحاً و نشاطاً و شوقاً للحضور في صلاة الجمعة و كان ينتظر من جمعة إلى جمعة حضور وقتها و كان يوصي بشدّة و بكلّ تأكيد تلامذته و مقلّديه للحضور فيها و لم نر منه ـ رضوان الله عليه ـ مرّة واحدة أنْ ترك الصلاة بدون علة مانعة حتّى في وسط الشتاء و تراكم الثلوج , أو أواسط الصّيف و ألم الحرارة و شدة الازدحام . و كان مقلّدوه يعدّون صلاة الجمعة من أهمّ الواجبات و ألزمها شرعاً و سلوكاً، و لم أر أحداً من العلماء و أئمة الجماعات أنّه كان يعتني بهذه المسألة كاعتنائه و اهتمامه بها روحي له الفداء، فكان ذلك ناشئاً عن ينبوع علم و حكمة و بصيرة لم تكن لدى غيره، و هو الإشراف الربّاني و الاتصال بعالم الملكوت و مقام الشرع و التنزيل و الاطّلاع على المباني و الملاكات النفس الأمرية , و الارتواء من صقع حضيرة القدس و عالم المشيئة و الإرادة الإلهية، و هذا هو المقصود من العالِم بالله و بأمر الله في محاورات أهل المعرف والعرفان.
و نرى أنّ أئمة الجمعة في البلاد الإسلامية كلّهم مُنَصَّبون من قبل إدارة الأوقاف و الشّؤون الدّينية، فهي المركز الوحيد لوضع البرامج و الخطب التي تلقى على مسامع المخاطبين، فدائرة الأوقاف هي المركز المسؤول عن تنظيم الخطة المعدة من قبل السياسيّين و زعماء الدّولة , و بثها على الأفكار و زرعها في النّفوس كل ذلك حسبما يرونه من الصّلاح لبقاءحكومتهم و سيطرتهم على النفوس و الأعراض، و لا يجوز في هذا المجال تخلّف إمام الجماعة عن البرنامج المكلّف به حتى ولو بمثقال ذرة مطلقاً، فليس من حقّه أن يلقي ما يراه من الصلاح للأمة إن كان مخالفاً لسيرة و منهج الحكومة . و بمجرد تخلّفه عن المنهج الدستوري، نرى أنّهم يبادرون في عزله فوراً و يطردونه , و يجْرون عليه العقوبات السيّئة من السجن و التعزير و التبعيد و ما إلی ذلك... .
و من البديهي أنّ الأئمة عليهم السّلام لم يكونوا قادرين على إقامة الصلاة و نصب الأئمة في البلاد في تلك الظروف و الأزمنة أبداً , فهل يكون ذلك حينئذ إلا إعلاناً عن القيام في وجه الحكومة و تحرّكاً فعلياَ في خطّ المواجهة , و إشعال نيران الثورة و تحريك الشعب و الهجوم عليها؟

    

سبب منع الأئمة عليهم السلام إقامة الصلاة بشكل عامّ

و هذا هو السبب في منعهم عليهم السلام إقامة الصلاة بشكل عامّ و بارز في البلاد و اشتراطهم حضور الإمام عليه السلام أو المنصوب من قِبله أو الحاكم الإسلامي للتصدّي لهذه الفريضة كما يظهر من بعض الروايات.
و أمّا إقامة الصلاة بغير الشكل الرسمي أمام الملأ و إبرازها جهاراً في المساجد و التجمّعات المعروفة أمام الناس، بل في القرى أو المجموعات غير الغفيرة من الشيعة ؛ كاجتماع سبعة أشخاص على الأقلّ، أو في البلاد التي لا يُعتنى بها و لا تعدّ محطّ نظر للحكومات؛ فلا محذور فيها أصلاً. فتكون عندها مطلوبةً من الشارع، و مأموراً بها بالوجوب التّعييني الإطلاقي بلا شبهة أو كلام كما هو المستفاد من الروايات في هذا الباب.
و حيث أنّ كثيراً من الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ لم يمعنوا النظر في هذه الملاحظة الدّقيقة و النكتة الأساسية و المحوريّة في الجمع بين الروايات المتخالفة بحسب ظاهرها؛ فلم يسلكوا الطريق الوسط، بل فاتهم الرّأي السّديد و الحُكم الرّشيد، و ذهبوا إلى مذاهب شتّى و مختلف الآراء و الفتيا، حيث حرّمها بعضهم مطلقاً في زمن الغيبة استناداً إلى بعض الأدلة، و رجّحها آخرون على صلاة الظهر، و رُبَّ قائلٍ بالتخيير مطلقاً، و في مقابله قيل بالوجوب التعييني مطلقاً في العقد و الاجتماع و هكذا... .
و المصنّف العلاّمة العَلَم و الطَّود الأعظم سيّد العلماء الربّانيّين و سند الفقهاءالإلهيّين و قدوة الأولياء العارفين سيّدنا و مولانا الوالد المرحوم روحي له الفداءكان له رأي خاصٌّ به في المقام، منحازاً عن سائر الفتاوى متفردٌ به من بين المسالك و الآراء، و هو: الوجوب التعييني عقداً و اجتماعاً، من دون أي شرط فيه بنحو الواجب المشروط كالحجّ و الصلاة بالنّسبة إلى الاستطاعة و الوقت، بل وجوبها في ظرف حضور الإمام عليه السّلام أو تحقّق الحكومة الشّرعية الإسلامية الحقة بنحو الواجب المطلق بالنسبة إلى شروط الوجود و التحقّق في الخارج و الصّحة كالطهارة و الاستقبال و لبس الطاهر بالنسبة إلى الصلاة . و كان قدّس سرّه يعتقد أنّ الحُكم بوجوب القيام لتحقيق الحكومة الإسلامية على كافّة المسلمين حكماً بتّيّاً لا يُرَدّ و لا يُبدَّل، و كذلك كان ملتزماً بترتّب الإثم و العصيان عليهم عند عدم القيام بهذه الفريضة حتّى بالنسبة لانعقادها و تحقّقها. فعلى فتواه، تكون صلاة الجمعة فريضة واجبة على الإطلاق على كافّة المسلمين بدون أي شرط لا في العقد و لا في الاجتماع، لكنّ شرط التحقّق و الصّحة هو حضور الحاكم الجامع لشرائط الفتيا المبسوط اليد و الاختيار. و السّبب فيه أنّ بعض الروايات ناطقة بذلك، و يرى قدِّس سرّه أنّ هذه النتيجة هي ما يقتضيه الجمع بينها و بين الروايات الأخرى المطلقة في الوجوب الآبية عن التقييد و الاشتراط.

    

اعتقاد المصنّف قدّس سرّه بلزوم إيجاد الحكومة الإسلامية

و كان المصنِّف قدّس سرّه معتقداً جازماً بلزوم إيجاد الحكومة الإسلامية، قاطعاً في إنجازها، مبرماً في وجوبها مِثلها مثل سائر الفرائض، بل آكدها و ألزمها على الأمة الإسلامية بالوجوب العيني التعييني. و بعد رجوعه من عند القبة المقدّسة العلويّة على ثاويها آلاف الصلاة و التحية، بدأ بنشر و تبليغ هذه الفكرة الرشيقة السامية في محافله الأسبوعية , و ذلك ببيان بديع نافذ في القلوب، بحيث لو حضر شخصٌ إحدى هذه المحافل و هو مخالفٌ في الرأي و النظر , لتبدّل رأيه و تحوّلت أفكاره بشكل تامّ، وما ذلك إلا لصفاء قلبه و نفوذ كلمته و صدق نيّته و خلوص إرادته و جامعيّته في المباني الشرعية و تضلّعه في حقائق الوحي و بواطن الشّرع بما لا يصل إليها إلا الأوحدي ممّن اختاره الله للإفاضات الربّانية و جعله مهبطاً للأنوار الإلهية و الملائكة المقرّبين، الذين قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنة الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ[3] كما أنّه قدّس الله نفسه القدسية كان يقول دوماً: لا يجوز لأحدٍ حتى و لو بلغ ما بلغ التصدّي لهذا المنصب و تقبّله لهذه المسؤولية إلا لمن اتّصل قلبه بعالَم الجبروت، فصار من القاطنين في ذروة اللاهوت فتبدّلت نفسه و تحوّل قلبه من الأهواء الرديئة و الأوهام البشرية و الميول النفسانية، فصار مرآة لإرادة الله و مشيّته، و مجلى لجلواته و ظهور أسمائه و صفاته و أفعاله و مصداقاً لكلامه:
عبدي أطعني حتّى أجعلك مِثلي ـ أو مَثَلي ـ أقول للشيء كن فيكون و تقول للشيء كن فيكون .[4]
أو:
لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه فأكون أنا سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و... .[5]
و مع ذلك كان قدِّس سرّه تحت رعاية و تربية العارف الكامل الإلهي العظيم السيّد هاشم الموسوي الحدّاد ـ قدَّس الله رمسه و أفاض علينا من بركات أنفاسه القدسية ـ .
و لم يعهد من أحد من العلماء قبله القيام بهذه المسألة في زمن الطاغوت بهذا المنهج الفريد، و إن صدر من بعض الأعلام بعض المؤلَّفات في مسألة ولاية الفقية و غيرها.[6]
و كذلك قد وسّع قدّس سرّه نشاطاته في المسجد عبر إقامة الجلسات الدينيّة و إحياءالشعائر بالوعظ و مباشرته للخطابة بنفسه الشريفة، و كذلك دعوة الوعاظ و الخطباء العظام السائرين علی هذا النهج و السالكين في هذا المسلك، و نشر الإعلانات في المناسبات المختلفة المؤثِّرة و المحيية بحيث صار مشاراً إليه بالبنان في طريقته الوحيدة و مسيرته الفريدة، و في بعض هذه المناسبات (ليلة الخامس عشر من شعبان ميلاد قطب عالَم الإمكان و رحى دائرة الوجود الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) قد أصدر بلاغاً و أرسله إلى كافّة المدن في إيران و إلى كثير من العلماء و الشخصيات البارزة في البلاد، و قد ذكر فيه:
اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام و أهله، و تذلّ بها النفاق و أهله، و تجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، و القادة إلى سبيلك، و ترزقنا بها كرامة الدنيا و الآخرة.[7]
و بعض فقراتٍ من التوقيع المبارك من النّاحية المقدّسة إلى جناب الشّيخ السّند و الرّكن المعتمد المفيد ـ رضوان الله عليه ـ في الحثّ على ائتلاف القلوب و اجتماع الأمّة على المقصد الأعلى و الغاية القصوى، مع بيانٍ منه في لزوم قيام كافّة المسلمين لتحقيق هذه الفريضة و المحور الأصلي لحياة الأمة الاجتماعية و الروحانية.
فَبَهر هذا البلاغ و الإعلان مسالك الشعائر الدينيّة في سائر المجالات حتّى سمع من بعض روّاد السّياسة و الثّورة[8] : في الوقت الذي كنّا لا نسمع فيه صوتاً من أحد , فقد سمعنا هذا النّداء من هذا المسجد، فأثّر أثراً كبيراً حتّى بين أركان الحكومة الجائرة و زعمائها و أيقظهم من نوم الغفلة و الغرور و نبّههم إلى تكوّن هذا المولود و نشأته.
و كان ـ رضوان الله عليه ـ قد بسط بلاغه و نداءه هذا لجميع أبناء الشّعب في كلّ مرتبة و مرحلة، العالي منهم و الدّانى، الحكومي و العادّى، العالِم و الجاهل، الملتزم و غيره، بل حتّى السّافرات، و حتى السلطات الحكوميّة في جميع مراتبهم، سيّما نفس الشاه و ذويه. و هذا من مميّزاته و مختصّاته، فإنّه كان يرى نفسه الشريفة مرآة لنفس النّبي الأكرم و الأئمّة المعصومين صلوات الله و سلامه عليهم في تبليغ الشريعة الرفيعة، و مجلى لتجلّيات الأنوار المقدّسة المطهّرة، و كان يعتقد بأنّ المسؤوليّة الكبرى و القيادة العظمى بالنسبة إلى كافّة أهل الأرض إنّما تقع على عاتقه بنفس المسؤولية و الزّعامة المعتبرة فی حقّ المعصومين عليهم السّلام , كلّ ذلك تحت إشراف صاحب العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء و ولايته الكلّية الإلهية، و كان لا يقصّر في النصح والهداية لأحد, بل كان يحبّ و يرضى و يختار و ينتخب ـ من صميم قلبه و صافى ضميره لأدنى نَسَمَةٍ تقطن في أقصى بقاع الأرض , سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة من الكفّار و المشركين ـ ما يرضى و يحبّ و يختار لنفسه القدسية. و لَعمري إنّ هذا ليس بمزاح و لا إغراق، و أُقسم بالعظيم إنّي كنت أرى من حالاته الشريفة و أقواله المنيفة طيلة الحياة هذا المعنى و المسلك الملكوتي الإلهي بدون أي مسامحة و مجاملة و لا فضول كلام.

    

إرسال المصنِّف قدِّس سرّه رسائل إلی كثير من العلماء و المراجع العظام

و كان يرسل الرسائل إلى كثير من العلماء و المراجع العظام يرغّبهم و يحثّهم للورود في هذا النهج و السير في هذا المسلك، منهم الآيات و الحجج: السيّد محمّد هادي الميلاني و السيّد روح الله الخميني و الشيخ الآخوند ملاّ علي الهمداني و السيّد محمّد علي القاضي التبريزي و الشيخ بهاء الدّين المحلاّتي و السيّد عبد الحسين دستغيب الشيرازي و الشيخ صدر الدّين الحائري و السيّد صدر الدين الجزائري و الشيخ مرتضى المطهّري و السيّد عبد الهادي الشيرازي و غيرهم من الأعاظم و فحول العلم، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
و كان السيّد محمّد هادي الميلاني يقول لرفقاء السيّد الوالد: كنت إذا وَصَلَت إليّ رسالة منه أضعها في جيبي بضعة أيّام و أطالعها كل يوم مرة أو مرّتين.
و كان في جميع هذه الرسائل يوجّههم إلى الطريق الأقوم و الهدف الأسنى و يبثّ روح الشريعة في نفوسهم و ضمائرهم ممّا يؤدّي إلى تقوية نشاطهم الديني و نشر عرق الحمية الشّرعية و إخلاص العمل و تصفية الباطن و الخاطر من الغفلات و الكثرات و الاعتبارات الدّنيوية، و ما عليه السياسيّون من التغلّب على حطام الدّنيا و الرّئاسات المادّية. و كانوا جميعاً معترفين بذلك، و يقولون إنّ كلامه يختلف عن سائر الكلمات، و رسائله مختلفة عن سائر الرسائل.
و كان يتداول في جميع هذه المسائل مع أستاذه الوحيد الفريد و مقتداه و مراده فخر الشّريعه الغرّاء و عماد الحنيفية البيضاء العلامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي و كان يستشيره فيها. و كان له علاقة خاصّة و اتّصال وثيق بالآية الحجة السيّد روح الله الخميني قدّس سرّه، و كان يذهب إلى بيته في قم المقدّسة كراراً و مراراً لهذه الجهة، و يتباحث معه في كيفيّة تحريك الأمّة و الشّعب و تسييرها نحو الثورة الإسلاميّة، و كان له أثرٌ قاطع غريب في تصحيحها و إصلاحها، ممّا يكشف عن موقعيّة و شأنٍ خاصّ لديه، و كان يعدّ محوراً أساسيّاً في جميع هذه الأمور، و كان السيّد القائد لا يصدر إعلاناً إلا بعد مراجعة السيّد الوالد و إمضائه، و كان هو الرابط فيما بينه و بين المرتبطين معه و المتعلّقين به من خواصّ العلماء و رجال السّياسة و فِرَق المجاهدين و المقاتلين، كالهيئة المؤتلفة و غيرها، و قد ذكر بعض هذه المسائل في كتابه المسمّى بـ «وظيفة الفرد المسلم في إحياء حكومة الإسلام» و مع ذلك كلّه لم يتسنّى له المشاركة و المساعدة و لم يتيسّر له الإشارة على السيّد القائد بسبب بعض الأمور.
وبالجملة كانت فكرته السامية و رأيه الصائب و العلّة الرامية لإقامة صلاة الجمعة في ظرف تحقّق الحكومة الإسلاميّة هي اهتمامه البليغ لتشكّل الحكومة العادلة، و إلا فهو ممّن كان يرى الوجوب التعييني في إقامة هذه الصلاة بدون أي شرط فيها بنحو الواجب المشروط، و هكذا سرد كلامه في الاستدلال بالوجوب عَبر هذه الرسالة علی ما يلاحظ فيها من أنّه قدّس سرّه قد غيّر رأيه في أواخرها و حكم باستحسانها و رجحانها على كلّ حال في زمن الغيبة و عدم ضرورة وجود النائب الخاصّ و انعقاد الحكومة العادلة، و لهذه النّكتة فقد استحسنّا أن نعلّق عليها بعض التعليقات على ما يخطر ببالنا القاصر و رأينا الفاتر.
و الذي تحصّل لنا بعد البحث و التّأمّل في الأدلة مع إخواننا الفضلاء الأجلاّء كثّر الله أمثالهم حول هذه المسألة، هو الوجوب العيني التعييني عقداً و اجتماعاً و مطلقاً في كلّ حال و مجال، بدون أي شرط لا في الوجوب و لا في الصّحة. و الله هو العالم.

    

الكلام في صلاة الجمعة يقع في الجهتين السياسية والأخلاقيّة

و أمّا الكلام في صلاة الجمعة و كيفية انعقادها بعد الفراغ من حكمها الوجوبي فيقع في الجهتَين، السّياسية و الأخلاقية.
أمّا الجهة الاُولى:
فلا شكّ أنّ لطبيعة هذه الصلاة علاقة خاصة بالمسائل الاجتماعية و الشّؤون الحكومية. فمن حيث أنّ لكلّ حكومة مخطّطاً خاصّاً بها و هي تدير الشعب و تدبّر أمره من خلال هذا المخطّط، فيجب أن تعلن عن برنامجها و توضّحه بشكل عامٍّ، الشامل لجميع المسائل, من القيام بشؤون الملّة و ما فيه من الصّلاح و الفساد , و ما يرتبط بالشؤون والمسائل الاجتماعية و عمران البلاد و العلاقات الخارجية , و إعداد الشّعب للمواجهة مقابل الأحداث و الحوادث الطارئة و هكذا.
و من ناحية اُخرى , وحيث لم يكن في سالف الزّمان وسيلة للإعلام و الإعلان كالجرائد و الأجهزة الإعلامية الحديثة، لذلك كانوا يستثمرون صلاة الجمعة كفرصة لهذا المطلب , بغية توجيه الشّعب نحو المقاصد و المخطّطات المرسومة. و لهذا فقد ورد في الأحاديث بأنّه لا تقام هذه الصلاة إلا في بلاد تقام فيها الحدود، كما في الدّعائم عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال:
لا جمعة إلا مع إمام عدل تقىّ. [9]
و عن علي عليه السّلام أنّه قال:
لا يصحّ الحُكم و لا الحدود و لا الجمعة إلا بإمامٍ عدل.[10]
و نحوها ... .
و لهذه العلة كانت إقامة هذه الصلاة من الوظائف الحكومية، و لا يسمحون لأحدٍ أن يقيم الصلاة من تلقاء نفسه، و كانوا يُنصِّبون لهذه الفريضة أئمّة من قِبَلهم موالين لهم. و من ناحية أخرى كان نفس هذا الاجتماع و الحضور الشعبي العظيم يعدّ تأييداً لزعماء الحكومة، و مشيّداً أركانها و مقوّياً دوامها و بقائها، و كانوا ينظرون إلى مَن حضر و من لم يحضر، حتّى أنّ أئمّتنا عليهم السلام كانوا يحضرونها تقية و خوفاً على دماء الشيعة و أعراضهم.
و أمّا الجهة الثانية:
الجهة الثانية وهي الجهة الأخلاقية وهي أهم من الأولى
فهي أهمّ من الاُولى، لأنّ فيها الحثّ و الترغيب على المسائل الأخلاقيّة و التقوى، و هذه هي النكتة التي قد غفل عنها كثيرٌ ممّن تصدّى لهذه المسؤولية , فظنّوا أنّ الأصل في صلاة الجمعة هو الحيثية السّياسية فحسب، و أنّ ذكر التقوى فيها فرع لها، بل قد يسمع أنّ بعضاً يذكر اسم التقوى في الخطبة على سبيل الاحتياط و لا يلتفت إلی كون الاشتغال بالسّياسة بدون رعاية التقوى و الاهتمام بها و جعلها نصبَ العين في كلّ حال و مقام لا قيمة له أصلاً بمقدار مثقال ذرة , بل هي حينئذ سياسة حكّام الجور ؛ كخلفاء الظلم و العدوان من بني اُمية و بني مروان و غيرهم، و هذه النظرة بعيدة عن الإسلام و الشريعة، قريبة من الكفر و الزندقة.
والسرّ في ذلك أنّ مسألة السّياسة و الحكومة في الإسلام و غيره من الأديان الإلهية معدّة لإقامة العدل و الحدود و إصلاح المجتمع لتحصيل الأمان و إعداد الأسباب لكلّ فرد من أفراد الشعب للوصول إلى أعلى مراتب الفعلية و التوحيد، و هو حقّ مُسَلَّم إلهي معطى مِن قبل الله تعالى إلى جميع أفراد المجتمع ؛ من الصغير و الكبير و العالي و الداني بلا اختلاف أبداً. و إلا فلا فرق بين الحكومة في الأديان الإلهية و المدارس المادّية كما نشاهدها في العالم و شاهدناها في حكومات الخلفاءالغاصبين و بني اُمية و بني العبّاس و غيرهم.
قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ .[11]
و قال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[12]
فالظُّلمة هي الشهوات و الرئاسات و الشؤون الدّنيوية و عالَم الوهم و الاعتبار، أمّا النور فهو عالَم التوحيد و البهجة و البهاء و عالم الحقائق و الأنوار و عالم الملائكة و الأرواح القدسيّة و عالم الجبروت و اللاهوت و عالم الفَناء و الأحديّة، و هذا هو المراد من كلام مولى الموَحّدين و قطب العرفاء و الأولياء و الأنبياء و الأوصياء أميرالمؤمنين عليه السّلام حيث يقول:
و اصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم و على تبليغ الرّسالة أمانتهم لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقّه و اتّخذوا الأنداد معه، و اجتالتهم الشياطين عن معرفته و اقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله و واتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته و يذكّروهم منسي نعمته و يحتجّوا عليهم بالتّبليغ و يثيروا لهم دفائن العقول و يروهم الآيات المقدّرة، من سقف فوقهم مرفوع و مهاد تحتهم موضوع... .[13]

    

اختصاص التصدّي لهذا المقام بخلفاء الله و أصفيائه

و لهذا نرى أنّ الإمام سيّد الساجدين و زين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام يخصّ التصدّي لهذا المقام بخلفاء الله و أصفيائه و مواضع أمنائه المخصوصين بكرامته حيث يقول:
اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع أمنائك في الدّرجة الرّفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها و أنت المقدّر لذلك، لا يغالَب أمرك و لا يجاوز المحتوم من تدبيرك، كيف شئت و أنّى شئت و لما أنت أعلم به غير متّهم على خلقك و لا لإرادتك، حتّى عاد صفوتُك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدّلاً و كتابك منبوذاً، و فرائضك محرّفة عن جهات أشراعك و سنن نبيّك متروكة. اللهمّ العن أعداءهم من الأوّلين و الآخرين و مَن رضي بفعالهم و أشياعهم و أتباعهم. اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّدٍ، إنّك حميدٌ مجيدٌ، كصلواتك و بركاتك و تحيّاتك على أصفيائك إبراهيم و آل إبراهيم و عجّل الفرج و الرّوح و النّصرة و التّمكين و التأييد لهم. اللهمّ و اجعلني من أهل التّوحيد و الإيمان بك و التصديق برسولك و الأئمة الذين حتمت طاعتهم ممّن يجري ذلك به و على يديه آمين ربّ العالمين .[14]
و إلى هذا المعنى السامي و الدرجة العليا من التوحيد و العرفان يشير صاحب الولاية الكّلية الالهية مولى الموحّدين أميرالمؤمنين عليه السّلام و يقول:
سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك و ترقى إلى نور ضياء قدرتك؟ و أي فهم يفهم ما دون ذلك؟ إلا أبصارٌ كشفتَ عنها الأغطية و هتكت عنها الحجب العمية، فَرَقَتْ أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح فناجَوك في أركانك و ولجوا بين أنوار بهائك، و نظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك، فسمّاهم أهل الملكوت زوّاراً، و دعاهم أهل الجبروت عمّارا .[15]
فينبغي لهذا الشخص القدسي أن يقبل مسؤولية الهداية و الإرشاد و تربية النفوس, فيسوقهم نحو عالَم الملكوت و يأخذ بزمام الإرادة و السّداد و يجعلها على مستوى الرُّقي و الصّلاح بالنحو الأتمّ الأوفى. ففي هذا المجال يصحّ للإنسان أنْ يعتمد على الإجراءات و الأنشطة السّياسية و الحكومية و يتقبّلها بقبول حسن , و في هذا الموقع يحقّ لنا أن نقول بعدم الفصل بين السّياسة و الدّيانة في الإسلام. و هي السّياسة التى تنبعث من النفوس المطهّرة اللاهوتية بعين الدّيانة المنبعثة من صقع عالَم الوحي و التشريع، فافهم و تأمّل.
و إلا فكلّ فريق يعمل في عالم السّياسة بمقتضى عقيدته و ديانته، و كان الحجّاج بن يوسف الثقفي لعنه الله يستدّل على صحة أعماله الشنيعة و فعاله الوقيحة بالآيات القرآنية و وجوب الإطاعة لاُولي الأمر!

    

تصنيف المصنّف العلامة رضوان الله عليه سفراً قيّما في مسألة ولاية الفقيه

و السّيّد الوالد ـ روحي له الفداء ـ قد صنّف سِفراً قيّماً راقياً في مسألة ولاية الفقيه و تصدّيه للحكومة في أربع أجزاء، و لله درّه و عليه أجره , فجزاه الله عن الإسلام و أهله خير جزاء المصنِّفين و المعلِّمين، فبيّن فيه حقيقة الولاية و البصيرة في الفقه، و حقّق فيه مراتب الإشراف و السّيطرة على عوالم الأحكام و الملاكات بالنّفس القدسية المتّصلة بمصدر التشريع و منبع الوحي المستضيئة بصفاء سرّه و خلوص ضميره من صقع عالم الجبروت و ينبوع الشّريعة و التّنزيل. و هذا هو الفقيه و المفتي الذي يجب علينا إطاعته و يلزم علينا اتّباعه.. و هو الذي يكون دينه عين سياسته و سياسته عين ديانته.. و كلامه حُكم و فعله دليل.. و أولئك و الله الأقلّون عدداً.. و هم و الله نور الله في ظلماتِ الأرض و مهالك الدّهر.. و هم الذين فتح الله أبصار قلوبهم , فيشاهدون بواطن الأمور و مقادير الله في عوالم المُلك و الملكوت , و يعرفون ويقدّرون صلاح العباد بواقع الأمر و حقيقة البصيرة، و أنّى لنا بإدراك هذه المرتبة؟ هيهات! هيهات! أن ندرك هذه الذروة العليا بعقولنا القاصرة و أوهامنا، فكيف تصل إليها أيدينا و ندّعي الوفود إليها؟!
و لهذا كان الوالد ـ قدِّس سرّه ـ يقول: لا يجوز الورود و الإقدام في هذا المجال إلا بالإذن الصّريح و الأمر المباشر من صاحب الولاية الكلّية مولانا الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ، أو الذي اتّصل قلبه و ضميره به بحيث يراه بقلبه و سرّه في كلّ لحظة و كلّ آن، و يكون بمحضره القدّوسي و مرآه، فيكون لسانه الذي ينطق به و يده التي يأخذ بها و إرادته التي تنبعث من نفسه المطهّرة. و لهذا رأينا في النهضة الدستورية و الثورة المشروطة كيف لعبوا بالعلماء و الأعاظم و الأجلاّء من الأفاضل، و بدّلوا الكلمة و حرّفوا المسير و أدخلوا الملّة في المهالك و البلايا و فعلوا ما فعلوا بالدّين و الدّنيا و ضلّوا و أضلّوا و هلكوا و أهلكوا... .


و كلّ يدّعي وصلاً بليلي                                                
تَبيَّن مَن بكى ممّن تباكى


فكم هناك من فرق بين مَن رأى أنّ صلاة الجمعة صلاة مربّية للنّفوس، مهذّبة للأخلاق، محرّكة نحو الفعليّات و الغايات الكمالية، محيية للأرواح الخامدة، مبصِّرة للعيون الرّمدة، منوّرة للقلوب و الأفكار، و مَن لا يرى فيها إلا الاشتغال بالمسائل السّياسية و الاجتماعية , و لا ينظر إليها إلا من هذا المنظار السطحي الساذج، و هكذا يكون الرأي و النظر و العقيدة في جميع أفكارهم و ممارساتهم و تصرّفاتهم و منهجم ، فلقد سمعت من بعضهم يقول:
الأصل في القيام بعزاء الأئمّة عليهم السّلام، خصوصاً أيّام عاشوراء، و الخروج إلى الشوارع هو الاجتماع و التظاهر سواء أضممت العزاء إليه أو لا.
فيا للأسف لهذه الفكرة الردية المُردية.. المبيدة لروح التشيّع و الولاية في الأمّة , و المحرّفة للشّعب والملّة عن مسلك الأئمّة عليهم الصلاة و السلام!
و هم غافلون عن أنّ حقيقة الشّريعة و قوامها و أصلها و عمادها هي الولاية و الرّكون إليها، و هي بدون الإمام عليه السّلام ميّته فانية صلبة متحجّرة مِثل الخشب و الحجر , فاقدة للنشاط الروحاني , و بعيدة عن روح التّقوى و خالية من أيّ عروج نحو الأعلى و منقطعة عن بلوغ الغاية القصوى . فالصلاة بدون الولاية لا أثر لها إلا تحريك للعضلات، و الحجّ بدون الولاية ليس سوى صرف للمال، و الأفعال العبادية و الجهاد بدون الولاية ليست إلا تصرّف في البلاد كسائر التّصرّفات، و الحكومة بدون الولاية هي الترأس على الأنام و السّيطرة على النفوس و الأعراض مع ما فيها من المفاسد و المهالك الموبقة و التوغّل في الأنانية و الأهواء الدّنية الرّذيلة.

    

الأمور اللازمة على أئمة الجمعات

و هكذا فاللازم على أئمة الجمعة توجيه العباد نحو صاحب الولاية الإلهية , و إحياء النشاط الرّوحاني نحوها بشكل جدّي و واقعي , فيوضّحوا لهم حقيقة الاتّباع و كيفية الإطاعة و الالتزام بطوق الانقياد له عليه السّلام , و انتظار الفرج و الظهور بفعلية الاستعدادات و التهيؤات، لا بصِرف الأقاويل الباطلة المُعَيِّنة للظهور كما يسمع عن الكثير , و لا واقع وراءها و لا طائل منها إلا اللعب بعقائد الأنام و صرف الأيّام و الأوقات بالقيل و القال.
ففي الكافي بسند صحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السّلام في خطبة يوم الجمعة، و ذكر خطبة مشتملة على حمد الله و الثّناء عليه و الوصية بتقوى الله و الوعظ...: و اقرأ سورة من القرآن و ادع ربّك و صلّ على النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و ادع للمؤمنين و المؤمنات، ثمّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثمّ تقوم و تقول: ... و ذكر خطبة الثانية و هي مشتملة على حمد الله و الثّناء عليه و الوصية بتقوى الله و الصلاة على محمّد و آله و الأمر بتسمية الأئمة عليهم السّلام إلى آخرهم و الدّعاء بتعجيل الفرج... و يكون آخر كلامه أنّ الله يأمر بالعدل و الإحسان الآية ... [16] .
و في العلل و العيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام قال:
إنّما جُعِلَت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عامّ، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم من المعصية و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق و من الأهوال التي لهم فيها المضرة و المنفعة، و لا يكون الصّائر في الصلاة منفصلاً و ليس بفاعل4 غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة و إنّما جُعِلَت خطبتان لتكون واحدة للثناء على الله و التمجيد و التقديس لله عزّ و جلّ، و الأخرى للحوائج و الإعذار و الإنذار و الدعاء و لما يريد أن يعلّمهم من أمره و نهيه ما فيه الصّلاح و الفساد.[17]
فالإمام عليه السّلام يبيّن كيفية الخطابة و التعلّق و الارتباط بالله تعالى ابتداءً بالثناء و التمجيد و التقديس عليه لاستجلاب فيضان الرّحمة و العطوفة منه تعالى كما نشاهده في جميع الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السّلام كدعاء كميل و الافتتاح و أبي حمزة الثّمالي و غيرها.

    

المطالب التي يجب أن تشتمل الخطبة عليها

و بالتحقيق يجب أن تكون الخطبة بأفصح لسان و أبلغ بيان باعتماد الخطابة المعمّقة، و إيراد قصص من الأولياء الصالحين , و المواعظ البليغة من درر الأخبار , و عبارات نهج البلاغة لمولى المتّقين أمير المؤمنين عليه السّلام، سيّما الخطب التي يتحدّث فيها عن فَناء الدّنيا و الموت و اعتبارية الدنيا، و يسرد فيها الحوادث التي جرت على أهل بيت الوحي لأخذ العبرة، و كذلك حالات العرفاء الربانيّين و أهل البصيرة، و إنشاد أشعارٍ راقيةٍ من شعراء العرب و العجم كابن الفارض المصري ـ رضوان الله عليه ـ و المولى جلال الدين البلخي و حافظ الشيرازي و غيرهم من العرفاء و الأولياء الربانيّين كما نبّه عليه المولى محمّد تقي المجلسي في كتابه المسمّى بـ «لوامع صاحبقرانية»[18] بالفارسية ـ رحمة الله و رضوانه عليه ـ ممّا يوجب اشعال حرارة الشوق لدى المخاطبين، و زوال الرغبة إلى حطام الدنيا و الأهواء الدنية، و نشاط القلوب في التوجّه إلى عالَم الملكوت , و رفض الرذائل من الإقبال على الرئاسات الدنيوية، و الحبال و الشباك المهلكة في أيدي الشّياطين، بحيث إنّ كلّ من يحضر في هذه الصلاة يجد في نفسه تحوّلاً و فَرْقاً بين حاله قبل الحضور و حاله بعده , و يتشوّق إلى الحضور في الجمعة الآتية طيلة الأسبوع.
فمن الضروري أن يطالع الخطيب الكتب الرّوائية و الأخلاقية ساعات طويلة و مدة يُعتدّ بها، و يصرف أوقاته لاستفادةٍ أكثر و إفادة أوفى , و يجتنب عن التكرار المتسلسل المملّ المتعارف، و ما يَعْلمُه أكثر الناس من المسائل المطروحة في الجرائد و المجلاّت و ما تبثّه وسائل الإعلام الاُخری، و أن يكون مستقلاً في رأيه صائباً في نظره، و يلقي خطابه بما يراه مصلحة و نافعاً للمخاطبين بدون الملاحظات الاعتبارية و المصالح الشخصية، بل اللازم أن لا يتوجّه إلا إلى الله سبحانه و لا ينظر إلا إلى الله تعالى شأنه، و لا يفكّر إلا في ما كلّفه الله تعالى و وجّهه إليه قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ[19] ، و يستنّ في إقامة الصلاة بسنة الأئمة المعصومين عليهم السّلام ، و يصعد على المنبر، و يجتنب عن الوقوف وراء المنصة المعروفة حاليّاً بـ «تريبون»[20] ، فهي آلة مستوردة من بلاد الكفر و لا ينبغي للخطيب أن يلقي خطابه عنها، فنحن جماعة الشّيعة يجب أن نلتزم بإقامة الشعائر من علی المنبر و علينا أن نرفض الآثار الدّخيلة في ثقافتنا الإسلامية كليّاً، و لا بدّ من لبس الرداء بدلاً من العباءة.
و اللازم على زعيم الأمة أن يخطب بنفسه و يقيم الصلاة ، و أن يحضر في الصلاة كلّ الأفراد و جميع الفِرَق من العلماء و غيرهم، و لا يكتفون بالمشاهدة و السّماع من خلال الوسائل الإعلامية، فذلك يوجب الوهن و الضّعف، و ينصّب لجميع المناطق في البلاد خطيباً من أوجه الناس منزلةً و علماً و خطابةً و رعايةً للتّقوى و التجنّب عن الدّنيا و زخارفها ، بحيث يوجب تشويق الناس ورغبتهم في الحضور، و لا يكون في نفوسهم شيئاً منه أو من تصرّفاته، و اللازم على الخطيب أيضاً الدعاء لجميع الأمة الإسلامية في أقصى نقاط العالم، و لا يحسب أنّ هناك مسلماً خارجاً عن الحكومة الإسلامية، بل كلّ مسلم في أبعد بقاع الأرض يكون داخلاً في البلد الإسلامي و مندرجاً تحت شرائطه و ثابتة له حقوقه، و يوضّح و يبيّن سياسات دول الكفر و العناد و كيفية مؤامراتهم على البلاد الإسلامية، و لهذا فاللازم على الخطيب أن يكون خبيراً نافذ البصيرة بالمسائل السّياسية، محلّلاً للقضايا و الأحداث في العالم و لا يكتفى بالتحليلات الموجودة في الجرائد و الوسائل المتعارفة، و كذلك يجب على الخطيب أن لا يستثني في النصيحة و الموعظة أحداً , بل يُراعي ما أوصاه النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم حيث قال: و النصيحة لأئمة المسلمين [21]، و أن يوسّع بلاغه و نصحه إلى جميع الشعوب و الفرق في العالم و يدعوهم إلى الصّلاح و الرّشاد من رعاية الشؤون الإنسانية و التوجّه إلى التوحيد، فإنّهم عباد الله جميعاً مثلنا، و عليه أن يرى مقامه مقام النائب عن النبي و الإمام عليه السّلام في الرّسالة و البلاغ، و ممثّلاً من ناحيته، و لا يخاطبهم بلسانٍ حادٍّ، فهذا لا يعدّ فخراً و مباهاة بل: وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ[22] فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى. [23]
و أن لا يرى نفسه موكَّلاً من الله تعالى على العباد مولَّى عليهم بحيث يرى أنّه يجب عليهم أن يطيعوه و يقبلوا قوله، بل عليه أن يرى نفسه أقلّ عباد الله و خليقته، و يعدّل كلماته و لا يتجاوز العُرف و السّيرة العقلائية في المحاورات و سائر العلاقات. و بعبارة اُخرى يلزم على الخطيب أن يكون خطابه جاذباً مقنعاً شافياً شاملاً لكلّ المصالح المتعلّقة بالعباد في بلده و سائر البلاد من البلدان الإسلامية و غيرها، ليسوقهم إلى معرفة حقيقة الإسلام و التشيّع و إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [24]و هو دين الرّحمة و العطوفة و الودّ و المحبة و الإيثار و العلم و الحكمة و التعقّل و الحرّية، بعيدٌ عن التعصّب و التحجّر و الجاهلية ، متقدّم في جميع المجالات و النشاطات العلمية، متطوّرٍ في كافة أنحاء التطوّرات الحيوية، و يذكّرهم بالآيات القرآنية كهذه الآية : قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إلا نَعْبُدَ إلا اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[25] و يبيّن لهم سيرة المعصومين عليهم السّلام و السّنة النبوية مع المخالفين من سائر الأديان و الملل، و يعرّف لهم حقيقة التشيّع و مبانيه، و يوجّههم إلى محورية الولاية و الوجود الحي القيّوم في إدارة عالم الإمكان و الظهور، و كيفية غيبوبته عنّا و سيطرته و ولايته على عالم الوجود ببيانٍ مقنع لطيف جذّاب جميل.

    

الأمور التي تجب علی خطباء الجمعة

و كذلك يلزم على الخطباء توجيه المخاطبين و تنبيههم على التكاليف الاجتماعية من رعاية الموازين الأخلاقية في مجتمعاتهم و محاوراتهم و كيفية معاشرتهم و القيام بإقامة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تحكيم المؤانسة و المواصلة، و تبيين الطّرق في ذلك، و كذلك القيام بالتكاليف الشخصية و الأمور المتعلّقة بهم من العبادات و المناسبات الدّينية لهم و إحياء شعائر الدّين و ذكر أهل البيت و مجالسهم و هكذا.
و البحث في هذه المسائل يقتضي مجالاً واسعاً لا تسعه هذه المقدّمة و نكتفي بهذا المختصر، و فيه تنبيه للغافلين و تذكرةٌ لمن أراد أن يتذكّر أو يخشى.
و لهذه المهمة نرى أنّ في بعض الروّايات إيضاح لما يخصّ الصلاة بحضور الإمام عليه السّلام أو النائب عنه أو قيام الفقيه العادل المبسوط اليد بإقامة هذه الفريضة في البلاد , من أنّ الإتيان بصلاة الجمعة بهذه الكيفية في البلاد لا يتمّ إلا من شخص يمتاز بهذه الخصوصيّات، و هو ممتنع مع قيام حكّام الظلم و خلفاء الجور سواء في زمن الأئمة عليهم السّلام أو غيره ضرورةً و بداهةً، و لكن طبقا للقواعد الموجودة لدينا كالحديث النبوي الشريف: «إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه، ما استطعتم»[26] و «الميسور لا يترك بالمعسور»[27] و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»3 و غيرها، فحتى لو غضضنا النظر عن الروايات المُثبتة للوجوب حتّى في غير زمن الأئمة و في حكومة الجائرين و الغاصبين، لا يبقى مجال للشّك في وجوبها عيناً و تعييناً عقداً و اجتماعاً.
و هذه الرسالة المصنَّفة في صلاة الجمعة من الرواشح الثمينة بِيَدِ العالم العامل الكامل فخر الشّريعة و ركن الطّريقة و عماد الحقيقة سند الفقهاء و المجتهدين و قدوة العرفاء الكاملين سيّدنا و مولانا و والدنا العلاّمة آية الله العظمى السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني ـ رضوان الله عليه ـ مدة إقامته و اشتغاله في العتبة المقدّسة العلوية، و كان قد دَرَسَ هذا الباب عند الآية الحجة السيّد محمود الشاهرودي ـ رحمة الله عليه ـ و كان نظره على عدم الوجوب في زمن الغيبة، لكنّ السيّد الوالد ألزمه في أثناء المباحثة على مبناه و سدّ عليه الطريق من جميع الجوانب ، و أقنعه بالالتزام اجتهاداً ـ نتيجة للأدلة ـ بالوجوب التعييني، و لكن مع ذلك كلّه لم يقبل التعيين فتوى , و ألزمه الإجماع المتوهّم بالقول بعدم الوجوب و رفض الأدلة المثبتة له , و هو أحد مصاديق التّمسّك بالإجماع الواهي و الموهوم و المناقض لكلام المعصوم، فيا للأسف لهذه السّيرة المستمرة، و نحن بحمد الله تعالى و توفيقه قد كتبنا رسالة مستوفاةً تثبت وهن الإجماع في طريق الاستنباط و عدم موقعية له اصلاً في الاجتهاد، و قد أثبتنا بما لا مزيد عليه عدم حجيّته و أنّه أمرٌ مختلق مستوردٌ من ناحية العامّة , و لا أصل له أبداً في الروايات و الأصول المأثورة عن المعصومين عليهم السّلام، و يجب علينا رفضه و نسيانه بالكلّية , لنحوّله و نفوّضه إلى العامة فهم أولى بالاستناد و الاستفادة منه، و إذا سلب هذا من أصولهم لا يبقى لهم شىء لا في الأساس و الاُصول و لا في الفروع. و هو ـ قدّس سرّه ـ قد راجعها في أواخر عمره الشّريف و علّق عليها بعض التعليقات، و لكنَّ التأمّل فيها و في التعليقات يُقوِّي مسألة كونه ـ قدّس الله رمسه ـ قد غيّر رأيه و بدّل فتواه في رجحانها على كلّ حال حيث إنّه كان من القائلين بالحرمة و البطلان في غير زمن الحضور و الحكومة الشّرعية، و لكنّه في آخر الرسالة قد تبدّل رأيه و التزم بالرجحان في كلّ حال و مجال.

    

إنّ الأصل في صلة الجمعة الوجوب العيني التعييني

و نحن مع الاعتراف بالعجز و القصور و النقصان، و بعد الفحص و البحث و التأمّل في الأدلة و المتون فقد رأينا أنّ الأصل في صلاة الجمعة هو الوجوب العيني التعييني عقداً و اجتماعاً بدون أي شرط لا في الوجوب و لا في الصّحة مع الأمن من الخوف عند اجتماع الشرائط و تحقّق الموضوع. و قدّمنا بعض التعليقات [28] ببضاعة مزجاة و قلة باع متوخِّين في ذلك مزيداً للبصيرة و إتماماً للفائدة.
و الحمد للّه أوّلا و آخراً و ظاهراً و باطناً، و الصلاة و السّلام و التحية و الإكرام على صاحب الشّريعة الغرّاء و الحنفية البيضاء خاتم الأنبياء و المرسلين محمّد و على آل بيته أُمناء الوحي و حَمَلة الرسالة، سيّما قطب عالم الوجود صاحب العصر و الزمان بقية الله على الأنام أرواحنا لتراب مقدمه الفداء و جعلنا من شيعته و مواليه و الذابّين عنه بمحمّد و آله.
و أنا الراجي عفو ربّه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني في يوم الجمعة التاسع من رجب المرجّب من سنة 1427 الهجرية القمرية في المشهد المقدّس الرّضوي على ثاويه آلاف التحية و الثناء


[ ملاحظة: إنّ هذا المقال عبارة عن بحث منتخب مستخرج من كتاب "صلاة الجمعة" تأليف سماحة آية العظمى الله العظمى السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني (قدّس الله نفسه الزكيّة)، وهي عبارة عن مقدّمة ألّفها نجل المؤلّف سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني دام ظلّه على الكتاب ]


[1] ـ سورة الجمعة (62) الآية 9.

[2] ـ هو الشهيد السعيد العسکري ولي الله القرني، و هو من المشارکين مع السّيد الوالد في أحداث أوائل الثّورۀ الإسلامية قبل انعزاله و افتراقه، و هو الذى کان أحد الرّجال الثّلاثة في مجلس التحليف و الآخرين هما السيّد الوالد و آية الله السيّد محمّد هادي الميلاني قدّس الله أسرارهم جميعاً.

[3] ـ سورۀ فصّلت (41) الآية 30.

[4] ـ بحار الأنوار، ج 102، في هامش ص 165.

[5] ـ كنز العمّال، ج 1، ص 255، ح 1155؛ و للتّحقيق حول هذه الرّواية انظر معرفة الله، ج 1، المبحث 19.

[6] ـ كتاب ولاية الفقيه للسيّد القائد آية الله الخميني قدّس سرّه.

[7] ـ إقبال الأعمال، ج 1، ص 127؛ بحار الأنوار، ج 88، ص 6.

[8] ـ المرحوم المهندس بازرگان في إحدی خطاباته في ذلك الزمان.

[9] ـ مستدرك الوسائل، ج 6، ص 13، ح 6306/4؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 182.

[10] ـ المصدر السابق.

[11] ـ سورة الحديد (57) صدر الآية 25.

[12] ـ سورة إبراهيم (14) الآية 5.

[13] ـ نهج البلاغة، لمحمّد عبده، ج 1، ص 24.

[14] ـ الصحيفة السّجّاديّة الكاملة، ص 281 إلى 283.

[15] ـ بحار الأنوار، ج 25، ص 30، نقلاً عن إثبات الوصيّة للمسعودى.

[16] ـ وسائل الشّيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 25، ج 5، ص 38، ح 1.

[17] ـ المصدر السابق، ص 39 و40، ح 6.

[18] ـ و قال مترجمه إلی اللغة التركية: وجدت نسخة بخطّ المؤلّف و قد سمّی الکتاب بـ: اللوامع القدسية.

[19] ـ سورة الأنعام (6) ذيل الآية.

[20] ـ وهو منبر ذو درجات عالية كالسلم الطويل, لا يشبه المنبر الشرعي والذي لا يتجاوز الثلاث درجات.

[21] ـ الكافي للكلينى، ج 1، ص 404، ح 2، قطعة من خطبة رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في مسجد الخيف.

[22] ـ سورةالنحل (16) من الآية 125.

[23] ـ سورة طه (20) الآية 44.

[24] ـ سورة آل عمران (3) صدر الآية 19.

[25] ـ سورة آل عمران (3) الآية 64.

[26] ـ بحار الأنوار، ج 22، ص 31، باب 37.

[27] ـ و 3ـ مفتاح الكرامة، ج 2، ص 298.

[28] ـ قد راجع ـ قدّس الله نفسه الزّكيّة ـ هذه الرّسالة في أواخر حياته الشّريفة و علّق عليها بعض التعليقات المختومة بـ (منه عُفي عنه) و لكن لما رأينا إجمالاً في بعض العبارات و اضطراباً في أداء المقصود و الإشارات فقد علّقنا عليها تعليقات مختصرة موجزة لزيادۀ الإفادة و الإتقان وهي المختومة بـ (منه عُفي عن جرائمه) و سائر التعليقات من الأفاضل الكرام و أصدقائنا العظام أيّدهم الله بتوفيقاته.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی