معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 101 إلى 200 > شرح حديث عنوان البصري - الجلسة رقم 182

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري

182

ألقيت يوم السبت الخامس من شهر رمضان المبارك عام 1431
في مدينة مشهد المقدّسة

سماحة آية الله

السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تكلّمنا عن حالات الأولياء في شهر رمضان في مجالس سابقة, وكذا الكلام في ما رأيناه وتوصّلنا إليه وسمعناه من الأولياء في هذا المضمار وما شاهدناه من سيرة حياتهم, والإخوة مطّلعون على ذلك إلى حدّ ما. نعم, يتراءى لنا أنّ حقيقة الأمر لم تتّضح بعد بشكلٍ تامٍّ.
فنقول: تقدّم الكلام سابقاً حول ضرورة رعاية البساطة في الأكل وتناول الطعام وقد نقلنا مطالب متعدّدة عن الأولياء في هذا المجال.
فما هو هدف الأولياء من الأكل؟ وهل كان هدفهم هدفاً استقلاليّاً؟ أو كان تعاملهم مع الأكل تعاملاً آلياً من باب الواسطة والمقدّمة لأمور أُخرى؟
ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «المؤمن يأكل بشهوة أهله, والمنافق يأكل بشهوة بطنه». فالمؤمن إنّما يأكل مماشاة للجالسين معه على المائدة, بينما المنافق يأكل لشهوته ورغبته, فهو يريد أن يتلذّذ بالأكل, فإحدى ملذّاته التي يمارسها في الدنيا تناوله للأكل المتنوّع, والتهامه لأصناف الطعام وألوانه, وهكذا هي سيرة المنافق.

    

هل يلزم اختيار الرديء من الطعام واللباس؟

والآن نود أن نرى: هل المسألة واقعاً هي بهذا الشكل؟ يعني: هل نحن مأمورون في هذه الدنيا أن نجتنب ألوان الطعام ونعطيه لغيرنا أم لا؟ أم أنّ المسألة لها شكلٌ آخر؟
ذكرت في المجلس السابق أنّ بعضهم يصرّح بأنّه علينا أن نتوجّه إلى الطعام والأكل الرديء, فحينما تريد أن تشتري تفّاحاً عليك أن تشتري التفّاح الفاسد المتعفّن, وإلّا فلو اشتريت التفّاح الناضج الجيّد لنقص من إيمانك! ولو أردت أن تشتري سيّارة فلا بدّ أن تشتري سيّارة تتعطّل بك كلّ يوم؛ فيوم (الكاربريتور) وآخر (السيلاندر) وآخر (إطاراتها) وهكذا, يعني ينبغي أن لا تشتري سيّارة جيّدة, وإلّا خالفت مباني السلوك!!
فيلاحظ: أنّ أفكار البعض بهذا النحو , وهم يدورون في هذا الفضاء, وهؤلاء يعرّفون الإنسان الزاهد بهذا الشكل. ويمكن أن يضيفوا إلى ذلك بعض الشواهد من سيرة الأئمّة أو الأولياء؛ حيث صدر منهم أحياناً ما يشبه ذلك، بل ليس أحياناً وإنّما كان الغالب على سيرتهم ذلك, فأغلب حياتهم كانت بعيدة عن الاعتباريات والتنعّم وأمثال ذلك. وهكذا الكلام فيما أشار إليه المرحوم العلّامة في كتابه «الروح المجرّد» من أنّ المرحوم القاضي كان حينما يذهب للتسوّق كان ينتخب الخسّ الرديء, وكذلك بعض الأفراد الآخرين. فجميع ذلك قد يولّد شبهة لدى الإنسان مفادها: إنّ مسألة السير والسلوك على هذا النحو, فتصبح رؤية الإنسان تجاه أمور الدنيا والشؤون الحياتيّة بهذا النحو, فيكون القانون الأصلي هو ذلك. نعم, قد لا نقول إنّ الاتّجاه الآخر حرام, ولكن على الأقل ليس مورد رضا الله. وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام الكثير من ذلك, كما قد استعرضنا ذلك في المجلس السابق من أنّه كثيراً ما كان يتّفق له عليه السلام أنّه كان يمسك نفسه ويكفّها. أو يأتي إليه فقير فيعطيه ما بيده ولا يبقى لديه شيء, وذكرنا الحادثة المرويّة عنه عليه السلام من أنّه كان يشتهي أكل شيء من كبدة مشويّة, فيقول الإمام الحسن عليه السلام أنّه قد مرّ على طلبه سنة تقريباً, وأنّ ذلك إنّما كان بسبب نسيان الإمام الحسن . فهل كان نسيانه عليه السلام نسياناً حقيقيّاً أو أنّه كان من قبيل نسيان النبي يوسف وأمثال ذلك!! فهنا أسرار وحقائق, وإلّا فهل يتصوّر أن يطلب أبٌ كأمير المؤمنين من ابنٍ كالإمام الحسن ثمّ ينسى الابن!! فهو ممّا لا يقبل التوجيه أصلاً.

    

حلّيّةالطيّبات من الرزق

ويلاحظ أنّاالقرآن الكريم يصرّح قائلاً: {قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}. يا أيّها النبي قل للناس: من حرّم عليكم هذه الاُمور الطيّبة الزكيّة المنظّمة المنزّهة التي يمكن أن يُستفاد منها بشكل خالص, قبال الاُمور غير الطيّبة التي يتنفّر منها الإنسان ولا يرغب بها, بل هي واقعة مورد كراهته, وهي مذمومة من الناحية الشرعية أيضاً. ولذا فلا يطلق وصف الطيّب على الشيء المرغوب للناس مع كونه محرّما شرعاً, فقد يكون الشيء جيّداً ومرغوباً فيه, ولكن فيه إشكال من الناحية الشرعيّة, فكثير من العلاقات قد تكون جيّدة بنظر الناس، إلاّ أنّها من الناحية الشرعيّة غير مرضيّة بل محرّمة. فالذي يسرق مثلاً إنّما يقبل على سرقة ما يراه جيّداً ونافعاً لنفسه ومناسباً لها, فلا يسرق الإنسان النفايات! هكذا هي السرقة. ومثلها القتل, فمن يدخل حديقة ليسرق منها فإنّه يدخل إليها لما فيها من الأمور التي يمكن أن يستفاد منها, وإلاّ فلا يمكن أن يذهب الإنسان ليأخذ شيئاً غير نافع ٍ بالنسبة له, ولكن مع كونه نافعاً له إلاّ أنّه من الناحية الشرعية محرّم.
والغرض أنّه قد تكون في ذلك البستان أشياء ذات قيمة يقوم بغصبها، وهي لا تغصب دون أن تكون ذات قيمة خاصّة، ولكنها محرّمة ولا يمكن الاستفادة منها. فالطّيب هو من جهة الحلّيّة والحرمة وكذا من جهة النفع واهتمام الناس. فالله يقول: من الذي حرّم هذا؟ فنحن لمن خلقنا هذه الأرزاق؟ وشجرة البرتقال التي خلقناها لو كان فيها مثلاً ألف حبّة، منها الصغير ومنها الكبير، فهل الشيطان هو الذي خلق البرتقالات الكبيرة، والله خلق البرتقالات الصغيرة؟ أم إنّ الله خلق الجميع؟ فالغصن الذي يحمل الصغار هو الذي يحمل الكبار، فكيف تكون الكبيرة محرّمة علينا؟ أيّ حكم هو هذا؟! كلاهما من شجرةٍ واحدةٍ، وكلاهما من خلق الله، وعلينا أن نستفيد من كليهما. وكنت قد ذكرت في ذلك المجلس أنّ الأولياء لم يكونوا يهتمّون بالأشياء عديمة القيمة فقط. نعم إذا بلغت قيمة الشيء حدّاً فوق المتعارف كانوا يقولون لنا: لا تشتر منه! لقد كان ذلك يصدر عنهم، لا إنّهم يقولون: اذهب واشتر الخيار الذابل أو التّفاح الفاسد. وقد ذكرنا أنّ السيّد الحدّاد كان يقول: اذهب واشتر النوع الفلاني، وكان إذا ذهب إلى السوق يشتري لنا ولضيوفه أفضل فاكهة. فكيف يمكن الجمع بين هذه المطالب؟ فنحن نرى أنّهم من جهة لا يهتمّون بمأكلهم، فيأكلون الخبز اليابس مع الخضروات غير الطازجة، بل حتّى الخضروات التي لا يمكن أن يستفاد منها. وقد نقل بعضهم عن السيّد الحدّاد أنّه ذهب إليه يوماً في وقت متأخّر من الليل، فجاء بخبز يابس وبلّه بالماء، ويبدو أنّه لم يأكل هو منه، نعم ربّما أكل منه رعاية للضيف وقال: بسم الله. ولم يعتذر بما هو معروف من كلمات الاعتذار قائلاً: الظروف ليست مهيّأة، العائلة نائمة. لا لم يكن من دأبهم هذا النوع من الكلام. كان يقدّم ما حضر في البيت، فإن كان هناك الأرز قدّمه، وإن لم يكن قدّم الخبز اليابس، ولم يكن ليعتذر بكلمة واحدة أبداً، لم يكن ليقول: هذا ليس من مقامكم. فهذا كلامنا نحن.

    

لزوم اجتناب العادات والمجاملات

وقد كنت قبل ليال عند أحد الإخوان في بعض المدن، ولا داعي لذكر اسمه الآن، قد ذهبنا إليه وكنّا حوالي سبعة أو ثمانية أشخاص، وكان قد أبدى هو وعياله الكثير من اللطف والاحترام، وقدّموا ما قدّموه ممزوجاً بالمحبّة والعشق، وبعد تناول الطعام شرع بالاعتذار: سيّدنا لم تكن حال العائلة على ما يرام، وما قدّمناه لا يليق بالمقام، ونحو ذالك القبيل ممّا هو متعارف في آداب المجاملة. فقلت في نفسي: جيّد هذه فرصة مناسبة لطرح مسألة سلوكيّة هامّة كقاعدة وبرنامج يعتمده الإخوة الأخلاّء!! فما هي الأشياء التي نعتبرها نحن نعمة إلهيّة؟ هل نعمة الله هي فقط الخبز المتقن الصنع المزيّن بالسمسم، أو الأرز الممزوج بالزعفران ذي الرائحة الطيّبة؟ هل هذه هي النعم الإلهيّة فقط؟ فإذا يبس هذا الرغيف من الخبز فهل يسقط عن رتبة نعم الله؟ أم إنّه يبقى نعمةً؟ فلو فرضنا أنّ ذلك الأرز لم يكن على تلك الدرجة من الامتياز بل كان أدنى بقليل، فهل يخرج عن كونه نعمة إلهيّة، فمن أين أتى هذا الأرز إذن؟ من أيّ مكان جاء؟ ولو كان قد نزل من الهواء فهو لم يخرج عن ملك الله أيضاً. إن لم يكن من هذا النوع فسيكون من ذاك. فلماذا لدينا نحن رؤيتان مختلفتان تجاه نعم الله؟ فنعمة منها نعدّها نعمة، ونعمة نعوذ بالله.. نعوذ بالله! نعدّها نقمة! أو مثلاً لا نبالي بها، فالنعمة التي هي أرز معطّر بالزعفران هي من مقامنا، أمّا لو كان هناك أرز من نوع أدنى فهو لا يليق بمقامنا! من أين جاء هذا النحو من التفكير؟ أليس ذلك شركاً واثنينيّة؟ إذا كان الخبز خبز تنّور وله خصائص ومزايا فهو من مقامنا وشأننا، أما إن يبس هذا الخبز فلا! لم يختلف عمّا كان عليه بشيء سوى أنّ رطوبته قد ذهبت، فصرنا نضعه جانباً لنرمي به في اليوم التالي، فلم يعد أحد يبالي به، والحال أنّه هو نفس ذاك الرغيف، وله نفس الخصائص ونفس الفوائد، ونفس الآثار، فلماذا لا نسمّيه نعمةً في حين نسمّي غيره نعمة؟ من أين جاء هذا الاختلاف في الرؤية.
هذا الاختلاف ناشئٌ من الكثرة.. من الاثنينيّة.. من الالتذاذات النفسيّة، لا من نفس خصائص الشيء الخارجيّ. الشيء الخارجي لم يختلف، فهو على حاله كما كان. لقد جاء المزارع وبذل الجهد وسقى الماء وحرث الأرض، وأعدّها وبذرها واعتنى بها، ومن جهة أخرى فقد أمر الله الشمس بالإشراق وأمر الملائكة والغمام فهطل المطر، وجاء بالنور، وأمر الأرض بإبراز استعدادها وقابليّتها لتنمية هذه النباتات، لقد تمّ إنجاز كلّ ذلك من أجل أن يصير هذا الأرز بين يديك، والآن بما أنّه مكسّر فلا بدّ أن نقيم مأتماً أن لماذا هو مكسّر؟! لا بدّ أن نلطم رؤوسنا.. هذا لا يليق بمقامكم.. لقد انتهى الأرز الجيّد من بيتنا ولم نشتر غيره.. وهذا الأرز هو للآش وما شابه من أنواع الأطعمة.. وأنا أعتذر إليكم!.. وأرجو أن تأتوا إلينا مرّة أخرى لتخرجونا ممّا نحن فيه من الخجل... ألا ترون بعض الناس إذا كانوا ضيوفاً عند أحد لبضعة أيام يقولون لهم عند الوداع: تفضّلوا إلى بيتنا لتخرجونا من حالة خجلنا، ومعنى ذلك أنّا جئنا وسبّبنا لكم الأذى وأنتم أحسنتم إلينا، فصار ذلك ديناً في ذمّتنا، ولا بدّ أن تأتوا إلينا لنسدّ هذا الدين، فنكون متعادلين. هذا الكلام خاطئ ولا ينبغي التفوّه به. نعم يمكن أن يقول له: تفضّل فإنّا نسرّ بمجيئكم، تفضّل لتبارك منزلنا... ويمكن أن يبيّن ذلك بألف بيان. هل يجب أن يقول له ذلك الكلام؟ إلاّ أنّ بعضهم اعتاد عليه، حتّى أنّ بعض الأقارب قال لي هذا الكلام يوماً: فقلت له ملاطفاً: ما هذا الكلام؟ لا تقل ذلك. وبالطبع لم يكن ملتفتاً إلى حقيقة كلامه. وعلى كلّ حال فهذا ليس كلاماً صحيحاً، وهو ليس من ثقافة أهل الأدب.
والغرض أنّ النعمة نعمة ولا تختلف، وقد قلت لكم إنّي لم أسمع مرّة واحدة في أسفارنا إلى منزل السيّد الحدّاد مثل هذا الكلام، فقد كان الطعام يختلف من وقت لآخر، كما كان يحدث ذلك مع جدّنا رحمه الله أيضاً، وكذا خالنا رحمه الله، فقد كان ينقل بعض الأحداث عن ذلك عندما ذهب إلى كربلاء وكان يقول: لا يزال طعم ذلك الخبز اليابس الذي قدّمه لنا السيّد الحدّاد في فمي، ومع ذلك لم يسمع مرّة واحدة شيء من هذه الاعتذارات. وكذا المرحوم الوالد عندما كان يأتيه ضيوف لم يكن يقل ذلك، وكنت أرى مرّات عديدة أنّه عندما يأتي من المسجد يأتي برفقة بعض المؤمنين من أصدقائه، وغالباً ما كان السيّد مرتضى الرضوي ـ أعلى الله مقامه ـ يأتي برفقته، وتكون الوالدة في ذلك الوقت نائمة، فقد كان يأتي متأخّراً جدّاً، وكنّا نحن ننام أيضاً، فيقوم بنفسه بإحضار الجبن أو البيض، وكان السيّد مرتضى ينقل لي أنّه لم يسمع لمرّة واحدة منه أنّه قال: أعتذر. والوجه فيه أنّ هذا الكلام كفرٌ عند أهل السلوك. نعم هو كفرٌ، ولا ينبغي لنا أن نحمل تلك الثقافة الشائعة بين الناس، لا بدّ أن تكون ثقافتنا ثقافة توحيديّة. لا بدّ أن ننظر إلى النعم من منظار واحد، فذلك الطبق من البيض لا يختلف من هذا اللحاظ مع ذلك الطعام الذي يستغرق صنعه ثلاث ساعات. غاية الأمر أنّ الإنسان في ذلك الحين يكون لديه متّسع من الوقت فيبذله. عندما يدعو الإنسان ضيفاً إلى منزله ويحدّد لذلك وقتاً ماذا عليه أن يصنع؟ عليه أن يعدّ الأرز جيّداً ليكون طعمه أفضل. نعم أحياناً يحترق الأرز، وهنا يبدو أنّ عليه أن يعتذر، إلاّ أنّ هذا لا يرجع إلى نعمة الله بل يرجع إلى فسادنا نحن!! وهنا لا مشكلة، نرجع الأمر إلى أنفسنا لا إلى نعمة الله، هنا لا إشكال في الاعتذار. أما أن يقول: البيض ليس من مقامكم، لماذا؟!
وهذا المنهج يهيّئ الإنسان للكثير من المسائل، وأثره لا يقتصر على الأطعمة فقط، بل يشمل كثيراً من المسائل النفسيّة، فإذا أصلح الإنسان هذا النحو من التفكير فسيجد تغيّراً في كثير من الأمور. ولنعد لتتمّة قصّتنا مع ذلك المضيف فبعد أن شرعنا بهذا النحو من الكلام حول النعم والتعاطي معه قال لنا هذا الصديق الذي كنّا في بيته: نعم نعم ما تقولونه صحيح! وما أعددناه لكم من الطعام هو أعلى من مقامكم بكثير!!! [1] فقلت له (ممازحاً): سرّني فهمك الموضوع فهماً تاماً! ولكن ليس إلى هذا الحدّ!

    

ما هو التحقيق في المقام

التحقيق: أنّ على الإنسان تجاه نعمة الله أن لا ينظر إلى جهةٍ واحدةٍ، وعليه أن لا يتوّجه إلى جهةٍ خاصّةٍ، بل عليه أن يلتفت إلى كافّة ما أنعم الله به عليه من النعم التفاتة واحدة وينظر إليها نظرة متساوية. فإذا ذهب يوماً إلى السوق ليشتريَ لعياله فاكهة ووجد لديه المال الكافي لشراء فاكهة جيّدة، فليشتر منها، وإذا ذهب يوماً آخر ووجد أنّ وضعه المالي لا يسمح بذلك فليشتر فاكهة من درجة أدنى، أو يرى أنّ هذا البائع لديه هذا النوع من الفاكهة وليس يقوى الآن أن يقصد بائعاً آخر أبعد منه، فليشتر منها بدلاً من أن يذهب إلى بيته خالي اليدين ويقول: لم تكن الفاكهة جيّدة وما المشكلة أن يشتري الإنسان يوماً فاكهة جيّدة ويوماً آخر فاكهة أقلّ جودة، فيرى النوعين وينظر إليهما بنظرة واحدة، ولا يعتاد عياله على نمط واحد من الطعام، بحيث يجعلهم يستقبحون نوعاً معيّنا من الطعام إذا ما صادفوه؟ ينبغي أن لا يختلف الأمر عندنا في نظرتنا لكلا النوعين.
ولذا نجد أنّ الأولياء رضوان الله عليهم كانوا دائماً يراعون هذه السيرة، تبعاً للأئمّة عليهم السلام، فكانوا يقدّمون لضيوفهم ما توفّر، فإن وجدوا الجيّد قدّموه، وإن وجدوا الأقلّ جودةً قدّموه، فقد كان الأصحاب الذين يدخلون على الأئمّة عليهم السلام يجدون عندهم يوماً الرطب الفاخرة مثلاً، ويوماً آخر الرطب العاديّة. كان يذهب إلى السوق أو يرسل خادمه ويأخذ ممّا يجد، ولم يكن يشترط عليه أن لا تشتر إلاّ من الرطب الرديئة، أو لا تشتر إلاّ من الجيّد، لم يكن الأئمّة عليهم السلام كذلك، بل كانوا ينظرون إلى نعم الله نظرة واحدة، وهذه النعمة تارة تتهيّأ بهذا النحو وتارة بنحو آخر. وهذا هو مفتاح حلّ معضلة الجمع بين ذينك الموقفين المتابينين اللذين نراهما من الأولياء، أو نسمعه من أخبارهم. فشراء السيّد القاضي لأوراق الخسّ الذابلة لم يكن بغضاً منه لأوراق الخسّ الغضّة، لا بل كان ذلك رعاية للبائع، وهو كان يبيّن ذلك ويقول: إنّ ذلك البائع فقير ولا أحد يشتري منه هذا الخسّ الذابل، فكان يشتري منه ليوصل إليه المال مع حفظ عزّته، ويستفيد هو من ذلك الخسّ، هكذا كان منهجهم. والسيّد الحدّاد الذي كان يأكل الخبز اليابس مبلولاً بالماء هو نفسه كان يقول لي: إذا ذهبت لتشتريَ التفاح فاشتر من التفاح الأبيض اللبناني؛ لأنّه ذو رائحةٍ عطرةٍ، وطعمٍ لذيذٍ ذي لطافة خاصّة. هو نفسه الذي كان يأكل الخبز اليابس كان يقول ذلك، وعندما كنّا نذهب برفقته لشراء الفاكهة كان يختار الجيّد منها. نعم، تارة يكون البائع قد مزج الجيّد بغيره ليبيعهما معاً فكان يأخذ من الجميع دون انتخاب الجيّد وحده، ولو كان البائع يرضى منه أن يختار منها الحبّات الجيّدة، فلم يكن ليحتّم على نفسه أن لا يشتري إلاّ الجيّد، بل كان يسير وفق السيرة الطبيعيّة المتعارفة، فعندما يكون الجيّد مفصولاً عن غيره وطبعاً تكون قيمته أرفع كان يشتري منه، وإلاّ إذا كان ممزوجاً كان يشتري من النوعين معاً. والمرحوم العلاّمة كان يقول لنا ذلك أيضاً: إذا ذهبت لتشتريَ اللحم فلا تشتره بغير عظم ٍ وشحم ٍ؛ لأنّ ذلك يمكن أن يؤدّي إلى الإجحاف بسائر المشترين؛ فإنّك إذا اشتريت اللحم وحده فسيكون العظم والشحم الباقيان من نصيب مسكين من المساكين على حساب اللحم الذي ستشتريه. أمّا إذا اشتريته بعظمه وشحمه فسيوزّع اللحم بالسويّة على المشترين كلّهم، ولذا نحن كنّا نشتريه كذلك ولا زلنا، وهذه مسائل ينبغي رعايتها بحسب الظاهر.
وتلك النظرة إلى التغذية لا بدّ أن يتمّ إصلاحها بهذا النحو، فعلى السالك لطريق الله، وعلى من يريد أن يجعل الرؤية التوحيديّة هي الحاكمة على رؤيته أن ينظر إلى جميع الأشياء على أنّها نعمٌ إلهيّة، ولا يفرّق بينها من حيث النظرة. أما من حيث الخصائص فلا بدّ من التفريق بينها. فإذا كان هناك فاكهة تضرّ به فينبغي أن يمتنع عنها، ويتناول فاكهة مفيدة، فليس كلامنا حول هذه النقطة، كلامنا هو حول طبيعة النظرة والرغبة وعدمها.

    

الاهتمام بمجالات شهر رمضان وإحياء لياليه

وعندما يصوم الإنسان عليه أن لا يجعل همّه في النهار ماذا سيحدث بعد الإفطار لأنّ الالتفات والتوجّه نحو الإفطار وأنواع الطعام والانشغال بذلك طوال يوم الصيام يؤدّي إلى إضعاف حالة الصوم عنده ويقلّل تأثيرها على نفسه، ولذا ينبغي للصائم حال الصوم ألاّ يلتفت لأيّ من هذه المسائل، وأن لا يهتمّ لنوع الطعام المقدّم له عند الإفطار. وأمّا الاهتمام بنوع الطعام والسؤال عن أصناف الغذاء التي ستقدّم له عند الإفطار فهو من الأمور المنهيّ عنها؛ لأنّها تصرف توجّه الإنسان وتقلّل نصيبه من الأثر الذي ينبغي أن يحصل عنده، والأمر كذلك بالنسبة إلى السحور. نعم، ينبغي للإنسان أن يتناول من الطعام ما يحتاج إليه جسده، ويرفع الضعف عنه، ويجلب له النشاط والقّوة، ومن هذه الناحية لا يوجد إشكال خاصّة بالنسبة إلى السحور.
هذه أيضاً كانت بعض المطالب التي كان المرحوم السيّد الوالد و الأولياء العظام يفيدونها ويذكّرون الأفراد بها قبيل شهر رمضان.
ومن المسائل الأخرى التي كانت ملحوظةً في السابق ولكن نلاحظ في هذه الأيام قلّة الاعتناء بها مسألة الاهتمام بليالي هذا الشهر المبارك، فليالي شهر رمضان مهمّة جدّاً، و إذا تمكّن الإنسان في هذه الليالي ألاّ ينام أكثر من ساعة إلى ساعتين أو ساعة ونصف، و أن يظلّ مستيقظاً فيما بقي من الليل فهذا سيكون جيّداً جّداً، ويمكنه أنه يعوّض حاجته من النوم بعد الظهر فهو وقت مناسب لذلك؛ وذلك أنّ الإنسان عليه ألاّ يفوّت من يده فرصة الاستفادة من ليالي هذا الشهر الكريم. فقد ورد في سيرة الكثير من العظماء ـ حسبما قرءنا في الكتب التي تحكي أحوالهم ـ أنّهم كانوا في شهر رمضان يعتزلون عن أسرهم بشكل كامل، أو أنّهم كانوا يفعلون ذلك في العشرين ليلة الأخيرة، أو على الأقل في الليالي العشر الأواخر من الشهر. ومن ضمن من ينقل عنهم ذلك هو سماحة السيّد القاضي رضوان الله عليه الذي كان السيّد الوالد يحكي عنه أنّه في العشر الأواخر من شهر رمضان كان يختفي بشكل كامل عن الأنظار و لم يكن أحدٌ ليتمكّن من لقائه فيها أو يعرف مكانه. طبعاً نحن لا نقول: إنّ على الإخوة الأخلاّء أن يفعلوا ذلك أيضاً؛ إذ لا يوجد عندنا تكليف أو دستور بهذا الخصوص، وحتّى المرحوم السيّد الوالد لم يأمرنا بمثل ذلك. ولكن إذا استطاع الإنسان أن يخصّص ليالي شهر رمضان للخلوة مع نفسه فإنّ نصيبه سيكون أكبر، وهو أفضل من أن يقضي ليله بالخروج في هذه الليالي والزيارات والكلام مع هذا وذاك، فيُحرم من النفحات الخاصّة لليالي هذا الشهر المبارك. طبعاً يمكن أن يكون لكلّ فرد تكليف خاص، ولا يمكنّنا أن نعمّم الكلام للجميع، ولكن سيرة الأولياء والعظماء في ليالي الشهر المبارك كانت بشكل عام على هذا النسق.
كما أن قراءة دعاء الافتتاح جيّدة جدّاً جدّاً، و نحوه دعاء أبي حمزة الثماليّ، و حيث إنّ دعاء الافتتاح تتمّ قراءته في بعض المجالس، فيمكن للأخوة أن يقرؤوا بأنفسهم في المنزل ثلاثة أو أربعة صفحات أو حتّى صفحة واحدة من دعاء أبي حمزة الثماليّ، على أن يكون ذلك مع التدقيق في معانيه و التدبّر فيها جيّداً، فأدعية الأئمة عليهم السلام واقعاً عجيبة و أثرها كبير في فتح الطريق أمام الإنسان، كما أنّها تستنقذ الإنسان من الكثير من الأخطاء التي قد يقع فيها بسبب قلّة الخبرة والغفلة. مع أنّ الغفلة أمر طبيعي من أمثالنا؛ فنحن لسنا معصومين، وقد نغفل عن الكثير من الأمور، ولا أحد فينا يدّعي العصمة، والأئمّة عليهم السلام وضعونا على هذا الطريق وأرشدونا إلى هذا المسير.

    

طرف من أسرار وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام

ثمّ إنّ لأمير المؤمنين عليه السلام وصيّة هامّة جدّاً، وهي وصيّته لابنه الإمام الحسن عليه السلام في حاضرين، وذلك عند رجوعه من صفين، حيث توقّف الجيش لمدّة قليلة في بلد يسمّى حاضرين، وهناك في أحد المجالس التي كان الإمام الحسن عليه السلام حاضراً فيها وهكذا الإمام الحسين عليه السلام ومحمّد بن الحنفية وعدد من الأفراد الآخرين، قام أمير المؤمنين بإنشاء هذه الوصية وإلقائها عليهم وقاموا هم بكتابتها، وقد وردت تحت عنوان: (ومن وصيّة له عليه السلام إلى الحسن بن علي) حيث إنّ الإمام الحسن كان وصيّ أمير المؤمنين عليهما السلام، وهذه الوصيّة تظهر إعجاز أمير المؤمنين عليه السلام. ولو تأمّل الإنسان فيها لوجد أنّه عليه السلام يكيل في كلّ سطر منها الضربات الشديدة لأنانيّة الإنسان وفرعونيّته وتعلّقاته، فيكسرها ويقضي عليها. إنّها وصيّة عجيبة جدّاً؛ فهو عليه السلام عالج فيها مسائل عديدة ومواضيع شتّى؛ من قبيل المسائل الشخصيّة والمسائل الأسريّة والمسائل الاجتماعيّة والمسائل المنزليّة والعلاقة مع الأقارب والأصدقاء وغيرها من الأمور. وإعجاز أمير المؤمنين يتجلّى في أنّ هذه الوصيّة ما تزال تنبض بالحياة حتّى هذا اليوم فيجب أن تُقرأ وتشرح وتوضّح للناس في هذه الأيام وفي هذا العصر. و لهذا يقول المرحوم السيّد الوالد رضوان الله عليه في أوّل وصيّته : (كنت أريد أن أكتب وصيّة خاصّة ولكنّني رأيت أن كتابة وصيّة من عندي مع وجود وصيّة أمير المؤمنين في حاضرين لا يجرّ وراءه إلاّ الخجل والندامة). والوصية التي يشير إليها رضوان الله عليه هي هذه الوصيّة، ولذا تفضّل سماحته بالقول: (...ولذا فأنا أوصي أولادي أن يطالعوا هذه الوصيّة ويعملوا بها..). وكان رضوان الله عليه يرغب جدّاً في ترجمة هذه الوصيّة إلى الفارسيّة وطباعتها وتوزيعها على الجميع في أيّام عيد الغدير. وإذا وفّقنا الله فهناك احتمال كبير أن نقوم بترجمة هذه الوصيّة بشكل سلس وواضح، مع بعض التعليقات في الموارد التي يلزم فيها ذلك؛ حيث إنّ عباراته عليه السلام تحتاج في بعض الموارد إلى شيء من التوضيح، بالإضافة إلى كتابة مقدّمة لها. ومع أنّ الإخوة طلبوا منّي تحريرها قبل نهاية شهر رمضان، إلاّ أنّني أعتقد أنّ الفرصة كبيرة حتّى عيد الغدير، فإذا تمكّنا من كتابتها حتّى شوّال ولم تطرأ علينا مشاكل لكان ذلك حسناً أيضاً.
عندما نطالع هذه الوصيّة نلاحظ أنّ أمير المؤمنين يوجّه فيها الكلام إلى الإمام الحسن عليهما السلام قائلاً: (أي حسن أي حسن)، و لكنّه في الحقيقة يوجّه كلامه إلى كلّ فرد منّا : أي حسن أي حسين أي سعيد أي تقي أي زيد أي عمرو. فخطابه عليه السلام في الواقع موجّه إلي جميع الناس، موضّحاً لهم مسائلهم الشخصيّة والأسريّة والاجتماعيّة و...
إنّ كلام الأئمة عليهم السلام لم يكن موجّهاً إلى شخص السامع فقط، بل هو موجّه إلى كلّ فرد في المجتمع، إنّ كلماتهم موجّهة إلى كلّ فرد يريد أن يتّبع الأئمّة ويقتدي بهم. وأمّا من لا يريد فإلى جهنّم و لا دخل لنا به، كما قد تدعي طائفة بأن بعض أجزاء وفقرات هذه الوصيّة ـ لا سيّما الجزء المتعلّق بالمرأة ـ لا يتناسب مع العصر ولا ينسجم مع متطلّبات الزمان الحاضر.
ونحن نقول لهم: أنتم أحرار.. لا تعملوا ولا تطبّقوا، ولا داعي لكلّ هذه الجلبة والصخب، فستشاهدون كيف ستصلون إلى النتيجة الوخيمة التي وصل إليها غيركم. وأمّا من يريد اتّباع أمير المؤمنين عليه السلام واقتفاء أثره ـ لا أولئك الذين لا يأتون بعد مدّة إلى السيّد ليقولوا: سيّدنا لقد أخطأنا واشتبهنا ـ فليطالعوا هذه الوصيّة وليطبّقوا ما ورد فيها.
أمّا أولئك الذين يأتون بعد فترة ليقولوا: سيّدنا، للأسف اشتبهنا ولم نستمع لنصائحك، فوقعنا في الخطأ وتورّطنا، فماذا نفعل الآن؟ الآن ماذا تفعلون؟!! الآن؟!! ألم نقل: لا تفعلوا ذلك؟! ألم ننصحكم بعدم الاختلاط؟! ألم نقل: لا تسمحوا للغرباء بالاتصال بكم والحديث معكم؟! قلنا ونصحنا أم لم نقل؟! فالآن تجرّعوا عاقبة ما زرعتموه و احصدوا ثمرة عملكم!! فأنتم تستحقّون أن تسقطوا في هذا المستنقع الموحل وتغرقوا فيه!! لماذا؟ لأنّكم لا تعملون بما جاء في هذه الوصيّة، ولا تطبّقون ما جاء فيها.
أريد أن أسأل: عندما ألقى أمير المؤمنين عليه السلام هذه الوصيّة هل قالها بدافع العداوة مع أحد؟! هل ألقاها لأنّه كان يريد الانتقام من قاتل أبيه؟!! كلاّ أبداً، بل كان أمير المؤمنين يقول لنا بكلّ وضوح: هذا هو طريق السعادة وهذا سبيلها، فإن أردت أن تطيع وتطبق فبها ونعم.. بسم الله، وإلاّ فأنت حرّ وأنت أدرى بالطريق الذي تسلكه.. فأنا قد ألقيت وصيّتي ونصيحتي؛ فمن أراد أن يتّبع فليتّبع، ومن أراد ألاّ يتبّع فلا يتّبع، فأنا قد أدّيت تكليفي ووظيفتي وأنتم عليكم أن تؤدّوا وظيفتكم، ثم قال: في أمان الله ورحل!!
ماذا قال السيّد الوالد في أواخر عمره؟ قال: نحن قد أدّينا وظيفتنا وتكليفنا.. في أمان الله!! في أمان الله!! انتهى الأمر. وقد رأينا أنّ الأمر قد انتهى فعلاً، ثمّ بقينا نحن من بعده نضرب على رؤوسنا، ونقول: يا إلهي ما كان أعظم هذا السيّد! لقد كان رجلاً عظيماً!! لا، يا عزيزي، إنّه ما يزال موجوداً، فمطالبه ما تزال موجودة، وتوصياته ودستوراته ما تزال موجودة، والمباني التي بيّنها ما تزال موجودة، جميعها موجودة. والمطلوب الآن أن نطبّق تلك المطالب والمباني.. إنّ المفترض بنا عندما نسمع شيئاً من المطالب ونفهمه هو أن نقوم بتطبيقه وأن نرتّب الأثر عليه؛ لأنّنا إذا لم نرتّب الأثر ولم نغيّر ولم نطبّق، فإنّنا سنبتلى بالمشاكل.
لمن ألقيت هذه المطالب والتوصيّات؟ لقد ألقيت إلى جميع الناس.

    

ضرورة المراقبة والحذر من الوقوع في الهاوية

إنّ شهر رمضان المبارك هو شهر فتح الله تعالى الباب فيه لجميع الناس، فمن يعمل ويستغلّ الفرصة فسوف يستفيد ويرتقي ويمضي إلى الأمام، فإذا عمل الإنسان، تقدّم إلى الأمام وحصل على النتيجة.
ويلاحظ: أنّ دعاء أبي حمزة الثمالي له تأثير كبير جداً على الإنسان، فهو واقعاً يوضّح الكثير من المسائل للإنسان، فهذا الدعاء يتضمّن مسائل عجيبة، والإمام السجّاد عليه السلام فتح ملفّاتنا جميعاً وبشكّل صاف ونقي ومخلص، هذا أنتم، فإذا لم يُنظر لكم بنظرة، أو لم تكونوا محّلاً للطف الله، أو لم يحصل لكم أي توفيق من قبل الله، وجعلتم كلّ التوفيق من أنفسكم، وإذا لم يلتفت لكم الله التفاتة، إذا لم يحدث كلّ ذلك فستكون عندها ابن زياد، ستكون يزيداً. إنّ يزيد كان مثلنا، ونحن مثله، فبشرته لا تختلف عن بشرتنا، ووزنه لا يزيد عن وزننا، لكن الفارق أنّه ابتعد عن رحمة الله، لماذا حصل ذلك؟ لا نعلم، هل كان بتقصيره، أم بتقصير غيره، أو بتقصير الشيء الكذائي؟ فعلى كلّ حال ابتعد عن رحمة الله، أمّا نحن فلم نصل إلى ذلك الحدّ، ولكن ما إن يرتخي الحبل قليلاً من يدي الله نصبح نحن يزيد يا عزيزي!! نصبح ممّن يحزّ رؤوس الناس كما يحزّ رأس الدجاجة، وكأنّه يحزّ رأس دجاجة!! وبعدها لا يرفّ لنا جفن، لا نشعر بأيّ حرج من ذلك أبداً!! بل نفتخر بفعلتنا، وكأنّ المسألة حصلت على نحو المصادفة. ولكن لمَ صار الأمر على هذا النحو؟
نعم يحزّ الرأس ثمّ يذهب إلى المجلس ويلطم على الحسين قائلاً: واحسيناه واحسيناه!
هذا هو نفسه يزيد، لكن ذاك كان يزيد ما قبل الألف والأربعمائة سنة خلت، أمّا هذا فهو يزيد هذا العصر، ذلك ابن زياد عصره، وهذا ابن زياد هذا العصر بلا فرق، ولو وزنتموهما الآن لوجدتموهما بنفس الوزن، قد يكون هناك 10 كيلو اختلاف فقط لا غير، لكن الفارق أنّ الذي قتلوه هناك كان الإمام الحسين، بل حتّى لو تكرّر الأمر نفسه الآن، لرأيتم المسألة تتكرّر مرّة أخرى على أيدي من لا يتوقّعه أحد.
فهؤلاء القساة المذكورون في التاريخ، وهؤلاء الجلادون، وأشباه الفراعنة ونمرود كصدام وأمثاله من هم هؤلاء؟ هؤلاء لم يكونوا كذلك منذ البداية! ولكن رويداً رويداً جاؤوا، ورويداً أرخوا عليهم ستاراً فوق ستار، وتراكمت القسوة فوق القسوة عليهم، تراكمت وتراكمت حتّى وصلوا إلى مرحلة لو كان أمامهم أربعة آلاف رجل يرمون بالسهام كالمطر لما رفّ لهم جفن، ولو رمي أمامهم ثلاثة آلف إنسان بالسهام لما أثّر فيهم شيء، بل الأمر عندهم طبيعي جدّاً. هؤلاء هل يختلفون عن ابن زياد؟ هل يختلفون عن عمر بن سعد؟ هم واحد ولا فرق، الفرق هو الزمن فقط، ذاك كان قبل ألف سنة، وهذا بعد ألف سنة، هذا الشخص بعينه لو كان حاضراً في يوم عاشوراء لكان أخرج السهم ووضعه في قوسه ولرمى به علي الأصغر! ولبرّر فعلته هذه بألف دليل ودليل!
سيقول: نعم، لقد قاموا على خليفة المسلمين، وشكّل خطراً على الأمن القومي، وصار سبباً لتشويش الأذهان واضطراب الأفراد، ولذا فعلت ما فعلت. إنّه نفس ذاك بدون فرق.
لم صار الوضع على هذا النحو؟ هذا كلّه لأنّنا لم نقم بتطبيق أنفسنا على تلك الحقائق الصحيحة، بل أتينا بتلك الحقائق لنقيِّم الناس على أساسها فقط، أمّا نحن فجعلنا مسافة بيننا وبينها. فكلام الإمام السجّاد ليس موجّهاً إلينا: « أنّا الذي أعطيت على المعاصي الجليلة الرشى» من يقصد بهذا الأمر الإمام السجّاد؟ حتماً لا يقصدني أنا، لا بل يقصد الآخرين! أمّا أنا فمستثنى من هذا الأمر.
إنّ من يقول: أنا مستثنى من هذا الأمر فقد رمى بنفسه إلى قعر البئر والهاوية.
أقسم بالله العظيم قسم الجلالة ـ وقسم الجلالة إن كان على أمر غير صحيح يتوجّب على الإنسان الكفارة ـ والله وبالله العظيم أنا نفسي أحسّ بهذه الفقرة في نفسي بشكل كامل، نفس هذه الكلمات والتعابير الصادرة عن الإمام السجّاد. والله إنّي أرى أنّ المخاطب فيها هو أنا. أقسم بالله، وأنا لا أمزح، ولا أحتاج إلى التواضع، أرى أنّ الإمام السجّاد ذكر دعاء أبي حمزة الثمالي من أجلي أنا، يعني، مصداق عبارات الإمام السجّاد وكلماته هو أنا، ولا علاقة لي بأحد آخر.
وعندما أحسّ بذلك، كيف لي أن أبرّر تصرّفاتي؟! كيف لي أن أرى أفعالي مستثناة عن أفعال الآخرين فأنحي بنفسي جانباً؟! كيف يمكن أن يحدث ذلك؟!
ولو يتذكّر الأخوة الأخلاء، لقد قمت في السنة الماضية وبيّنت أنّ هناك بعض الإشكالات الجديّة التي لم يتمّ الإجابة عنها بشكل صحيح؛ من قبيل أنّه كيف يمكن للإمام السجّاد عليه السلام أن يقول ما قاله؟! نعم هذه المضامين وردت عن غيره من الأئمّة في أدعيتهم، ولكن الآن الإمام السجّاد عليه السلام خاصّة كيف أمكن له أن يقول هذا الكلام؟! فكيف للإمام السجّاد الذي حاز مقام العصمة المطلقة أنّ يتفوه بذلك؟
هل تعلمون ما معنى العصمة المطلقة؟

    

حول العصمة المطلقة

العصمة المطلقة هي العصمة التي يستحيل فيها حتّى تصوّر المرجوح على الراجح في أيّ مرتبة من المراتب الوجوديّة: لا في مرتبة الظاهر، ولا في مرتبة المثال، ولا في مرتبة الملكوت، ولا في مرتبة المعنى، ولا في مرتبة السرّ، فيستحيل في كلّ المراتب الوجوديّة تصوّر المرجوح على الراجح، بل هو لا يتصوّر حتّى تساوي الطرفين. هذا المعنى هو معنى العصمة المطلقة.
يعني: في كلّ نقطة سنجد أنّ تصوّرات الإمام وتصرّفاته وكلامه وأفعاله وأفكاره وكلّ ما يقوم به له الأرجحيّة، وهذا الرجحان رجحان ملزم، يعني: الرجحان الذي يسدّ الأبواب، والذي أصبح صرفاً، ذلك الذي يعبّر عنه الفلاسفة: ما يحوز شرائط الوجوب مع سد احتمالات العدم.
هذا هو معنى العصمة المطلقة التي يتمّتع بها الإمام السجّاد عليه السلام.

    

سرّ الأدعية الواردة عن المعصومين عليهم السلام

ومن هنا كيف للإمام السجّاد أن يقول هذه الأمور؟ وهذه مشكلة فعلاً. وأنا في حدود ما تسمح لي مطالعاتي لم أر أحداً قد حلّ المسألة، بل الجميع كان يحلّها ويوجهها بأنّ الإمام السجّاد قال هذا الكلام للناس فقط. ولكن يا عزيزي، الإمام السجّاد كان يبكي عندما كان يدعو بهذه الأدعية!! فكيف نوجّه بكائه؟! لا يمكن أن تقول هذا الكلام فيه. لقد كان الإمام يدعو بهذا الدعاء في مقام الوقوف أمام الله عزّ وجلّ، وكان يقوله عندما كان وحيداً في الليل، فما معنى ذلك؟! هل كان يجمع مائتي أو ثلاثمائة شخص ثمّ يبدأ بدعاء أبي حمزة؟! لا لم يكن الأمر كذلك. بل كان يذهب إلى غرفة معتمة لوحده وكان يدعوه في الليالي، وفي كلّ ليلة كان يدعو به.
ويقول: «أنا الذي عصيت جبّار السماء». متى عصى الإمام السجّاد اللهَ عزّ وجلّ؟! وقال: «أنا الذي أعطيت على المعاصي الجليلة الرشى ». أنا من أعطى الرشوة على المعاصي الجليلة الكبيرة لكي أتخلّص منها. ] يقولون [ : كان عندي بضاعة، فذهبت إلى الجمرك ودفعت رشوة للحصول عليها بغير الطرق القانونيّة.
كيف يمكن لنا أن نتصوّر أن يصدر عن الإمام فعل يقوم به عادة من لا يتحلّى بالانضباط أو اللياقة ومن لا يتحلّى بالثقافة أو التحضّر، ثمّ نجد الإمام السجّاد يقول: أنا هكذا؟! كيف يمكن لنا تصوّر ذلك؟ هنا لا يمكن الإجابة بالقول: إنّ هذا الكلام قاله للناس. فالإمام كان يدعو الله بهذا الدعاء، وكان يدعو به كلّ ليلة، وكان يدعو به لوحده، ولم يكن أحد يسمعه حين دعا به، ثمّ كان يبكي، فأيّ حال هي هذه؟!
الإمام يريد أن يقول: إلهي أنت أعطيتني الإمامة، أنت أعطيتني العصمة، ولو سلبتها منّي لكنت أنا الذي يعصي جبّار السماء، أنا كذلك. الإمام السجّاد يريد أن يقول: لا فرق بيني وبين عمر بن سعد، أنا جعلتني إماماً ولم تجعله إماماً. وعليه لا ينبغي أن أرى أنّ طاعتي التي أُطيعها الآن هي من نفسي.
والله العظيم أقسم، بنفس جدّي، بالإمام السجّاد (الإمام السجّاد جدّي) أقسم بجدّي الذي هو الإمام السجّاد أنّه لم يصلِّ صلاة واحدة وكان يرى أنّ تلك الصلاة منه، بل كان يراها من الله، كان يراها من الأعلى، كان يقرأ القرآن وكان يراه القراءة من الأعلى، كان يُوفّق لعمل الكثير من أمور الخير، وكان يراها من الله، كلّها كان يراها من الأعلى لا من نفسه، وعندما يرى أنّها ليست من نفسه. فماذا يصنع؟ يرى أنّني لم أفعل شيئاً وأنا لست بشيءٍ يذكر، بل لست بشيء أبداً.
عندما يرى الإنسان نفسه واحداً في قبال واحد آخر، يفكّر: أنا صنعت كذا وأنت صنعت كذا. وانتهى الأمر.
أمّا عندما أرى نفسي صفراً ولا قيمة له ولا مِن أثرٍ يترتّب على أيّ عمل أعمله، وكلّ خير يترشّح مني لا أراه إلاّ من فيضه تعالى، عندها أين سأضع عملي في الميزان؟ في هذه الجهة أم في تلك؟ ولا في أيّ واحدة منها. فهذا العمل لم يكن لي أصلاً. لم يكن لي.
أنا نفسي في بعض الأحيان عندما أطالع بعضاً من مؤلّفاتي، أقرأ وأتعجّب قائلاً: هل هذه من إملائي أنا؟! هذه الأمور تصدر منّي أنا؟! أتعجّب!!

    

طرف من حالات الأعلام والأولياء

رحم الله العلاّمة الأميني، حيث ينقل عنه المرحوم العلاّمة الطهراني: أنّه عندما كتب كتابه الغدير، كان فيه بعض العبارات المتينة جداً، وكان يستخدم فيها بعض الألفاظ غير المشهورة، وكان العلاّمة الأميني ينقل للمرحوم الوالد بنفسه ويقول: في بعض الأحيان كانت تعتريني حالات فأشرع بالكتابة، وفي اليوم التالي أقرأ ما كتبت فأجد بعض الألفاظ التي لا أعرف معناها فأعود إلى المنجد لأجد معناها فأتعجّب كم لهذه اللفظة من معنى جميل. وكان يقول: لقد حصل لي هذا الأمر مراراً وتكراراً. لقد نقل لنا المرحوم العلامة ذلك عنه.
فما سرّ هذا الأمر؟! يعني: كلّ شخص يرى ويحسّ بهذا الأمر في صنعته وحرفته التي هو خبير فيها. نرى أنّه قد فتحت لنا نافذة وأغلقت علينا آلاف النوافذ. وينبغي علينا أن نعبر عن تلك النوافذ نافذة نافذة حتّى نصل إلى آخر نافذة لنفهم حينها ما كان يريد الإمام السجّاد حين قال: «أنا الذي عصيت جبّار السما» عندها سنفهم مراد سماحة السيّد الحدّاد قدّس سرّه حينما يقول: عندما أنظر إلى نفسي، لا أجد على وجه الأرض من هو أحقر و أكثر عصياناً منّي.
هذه الكلمات ليست من مجازات الشعر والله!! بل هذا كلام عارف، وهو نفسه العارف الذي قال في مقام آخر وفي محفل آخر : لقد وصلنا إلى مقام يعجز جبرائيل عن تصوّره، وهذا العارف بعينه يقف ويقول هذا الكلام: عندما أنظر إلى نفسي، لا أجد على وجه الأرض إنساناً خلق الله أكثر عصياناً منّي ولا أحقر مني. وأنا لم أنقل عبارته لأنّي أستحي من إيرادها على النحو الذي قالها، فهذه عبارته في هذا الجانب، أمّا في الجانب الآخر عندما ينظر إليه ويرى تجلّياته في نفسه كان يقول: إنّ كلمة من كلماتنا لا تصل إلى أخمصها أربعة آلاف معجزة من معجزات نبيٍّ.
أين هذا من ذاك؟!
إنّ كلمة من كلماتنا لا تصل إلى أخمصها أربعة آلاف ... ما يعني ذلك؟ يعني: إنّ المعجزة من أحد الأنبياء تأتي وتبدّل الشيء إلى ذهب، بينما كلماتي تأتي وتبدّل وجودك إلى ذهب. فأنّى لنبيّ أن يأتي بمعجزة كهذه؟ فنظرة من نظراتي تتحوّل إلى إكسير فتبدّل حالتك ومزاجك، لتتغيّر وضعيّتك.
إنّ كلا الكلامين صحيح، حيث في المقام الأوّل كان يتكلّم وهو ينظر لنفسه في قبال الله، و لذا فهو صفر عندها، فقط صفر، وهو قد وصل إلى هذا المقام.
أمّا نحن فلم نصل إلى ذلك فلا زال لدينا الكثير من العمل، بينما هو وصل وصار مدركاً لذلك، وهو إنمّا يعبّر عمّا أدركه قائلاً: أنا بدون لطف الله وبدون عنايته أكون أسوء من الجميع. فإذا أراد أن يضعني في الميزان أذهب إلى آخر الصفّ، ويجب أن أقف خلف الجميع؛ لأنّي لا أملك شيئاً في قبال الله. فنسأله: حتّى ولو ذرّةً واحدةً؟ يجيب: حتّى تلك الذرّة منه تعالى. وعندما يقول: حتّى تلك الذرة منه تعالى، بالتالي فنفسه تصبح صفراً.
أمّا سائر الناس فينسبون بعض الحسن إلى أنفسهم، نحن لدينا من الفضل اثنين في المئة، أو عشرة في المئة. أمّا هو فكلامه يعني: نحن لا نجد لأنفسنا حتّى هذه الاثنين في المئة، صار لدينا من الفهم والإدراك بحيث سلب منّا حتّى الانتساب بهذه الاثنين بالمئة، فصرت صفراً محضاً.
مثلاً: إذا جئت أنا العبد وأخذت كلّ ما تملكون من المال ووضعته في جيبي، عندها قد يرى الناس أنّي غنيّ ولديّ الكثير من المال، ولكن عندما أنظر أنا إلى نفسي فإنّي أعلم أنّي أفقر من الجميع وأقل حظاً منهم، فهذا المال لفلان و فلان ولهذا وذاك، وما هو لي بل لست إلاّ حمّالاً لهذا المال. نظرتهم لي هي أنّي غنيّ، بينما نظرتي إلى نفسي هي أنّي أفقر من الناس، فحتّى العباءة هذه ليست منّي. هذا عندما ينظر إلى نفسه. ومن جهة أخرى عندما ينظر إلى الطرف الآخر، فيشاهد الفيض الإلهي، وينظر إلى التوفيق الإلهي، وينظر إلى الحيثيّة التي ظهر فيها بين الناس ـ وهو ممّا لا يمكن إنكاره ـ عندها إذا نظر إلى هذا الجانب، يقول: إذا كانت للحيثيّة فتفضّل إلى الأمام وكذا كلّ نظير يماثله. الملاّ صدرا يأتي يقول: هذا حقّه، يأتي أبو علي ابن سينا يقول: هذا حقّه، يأتي الشيخ الطوسي و الشيخ الأنصاري و العلاّمة الحلّي يقول: هذا حقّه...، لماذا؟ لأنّه صار ينظر من تلك النافذة، فهو لا يراها من نفسه.
والآن وقد أعطي هذا الأمر، فهل يطير به فرحاً؟ لا لا يفرح، ليس هناك من فرق أبداً. وعندما ذهب الشيخ مطهّري إلى السيّد الحدّاد وحلّ له جميع الإشكالات التي عرضها مثل الشمعة، ورفعها عنه، كيف كانت حاله؟ هل ضحك في سرّه وقال: لقد أتى لي هذا العالم الفيلسوف، وقد بيّنا له كم نحن محترفون؟! لا، لم يفعل ذلك، وهذه الأمور لنا نحن، بل بقي حاله كما هو، حالته قبل المجيء وخلاله وبعده هي نفسها، بقيت بسمته بعينها قبل المجيء وخلال اللقاء وبعده، ثمّ بعد أن انتهى الأمر نزل عن الدرج وسلّم على الجميع وكأنّه لم يحصل شيء!! لم كان ذلك؟ لأنّه وصل إلى حقيقة معيّنة. أمّا نحن فنتخيّل وتتوهّم فقط.
لقد طال البحث جدّاً، ونأمل من الله عزّ وجلّ أن يجعلنا متحقّقين بهذه المباني والحقائق، ومعنى التحقّق: هو أن تصبح هذه الحقيقة واحدة مع وجود الإنسان فتحصل الوحدة بينهما وأن يكون مصداقاً لها، وأن يوفّق الجميع للاستفادة من فيوضات شهر رمضان الكريم وأن يفتح أعيننا على تلك المسائل والحقائق التي أعطانا إياها، وأن يوفّقنا لما جعله من نصيب الأطهار في قربه وأعطاهم إياه، إن شاء الله.
وأما ليالي القدر فينبغي أن نعمل تماماً كما كان يُعمل في زمن المرحوم العلاّمة وبنفس الطريقة، وخصوصاً في ليلة الثالث والعشرين التي هي ليلة القدر كما أنّ الليلتين السابقتين عليها مقدّمة لأجل الوصول إلى الاستعداد لإدراك ليلة الثالث والعشرين، فينبغي أن نطلب فيها معرفة الله وتوحيده تعالى وأن نطلب فيها نيل ولاية الإمام عليه السلام، فليلة القدر هي ليلة الإمام عليه السلام. وفّق الله الجميع للعمل.
اللهمّ صلِّ على محمّدٍ و آل محمّدٍ.


[1] ـ ترجمة لمثل في الفارسيّة يقول: از سر شما هم زياد است. يستعمل عادة للتقليل من شأن المخاطب.

      
  
الفهرس
 

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی