معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > محاضرات متعددة > لزوم التأسّي بالنبيّ واتّباع سنّته

_______________________________________________________________

هو العليم


تفسير قوله تعالى:

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }

لزوم التأسّي بالنبيّ واتّباع سنّته

( 29 صفر سنة 1397 هجريّة قمريّة )

سماحة العلّامة الراحل

آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبيّن
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين

    

تميهد: معنى الأسوة والتأسي

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[1] هذه الآية هي الآية الحادية والعشرون من سورة الأحزاب المباركة, ومفادها: أنّنا جعلنا لكم رسول الله أسوة حسنة، والأسوة الحسنة بمعنى: الهدف والمثال الذي يحتذى به, وهو ما يطلق عليه >المعيار< أو >النموذج< الذي تقاس به الأشياء وتوزن.
فالأسوة ما يتأسّى به, وحينئذٍ يكون المراد: يا أيّها المسلمون! قدْ جعل الله لكم الرسول أسوةً حسنةً, فهو لأجلكم وبنفعكم ولأجل مصلحتكم.. لمصلحة أولئك الأفراد الذين يذكرون الله كثيراً.. ويتذكّرون الله كثيراً.. وهم يأملون لقاء الله واليوم الآخر.. هؤلاء الأفراد قد جعلنا لهم الرسول أسوةً حسنة.
وبعبارة أخرى: يجب أنْ تتأسَّوا بنبيّكم في جميع الشؤون, لأنّ الله قدْ جعلَ نبيّكم أسوةً لكمْ, فهو أسوة حسنة؛ ليس لديه نقطة ضعف.. وليس فيه أيّ جنبة ظلمانيّة.. ولا قبح ولا سوء.. فهو حسن من جميع الجهات, لذلك يجب أن يُتأسّى به من جميع الجهات.
فالنبيّ يستجمع جهاتٍ متعدّدة جهاتٍ معنويّة.. روحانيّة.. ملكات.. أخلاق.. صفات.. آداب.. وعليكم أنْ تلتزموا بهذه الآداب وتطبّقوها: آداب المعاش.. آداب العلاقات العائليّة.. الآداب الشخصيّة.. الآداب الاجتماعيّة.. أدب الصلح.. أدب الزواج.. أدب الطلاق.. أدب التجارة.. أدب الزراعة, فجميع ذلك هو من الآداب.
الذين يتأسّون بالنبيّ من جميع هذه الجهات هم أولئك الذين يرجون لقاء ربّهم ولقاء اليوم الآخر, فهم عاشقون لله. وهناك أفرادٌ آخرون لا يرومون التأسّي بالنبيّ, فمع أنّهم قد أسلموا, إلاّ أنّ حالهم ليس كحال الراجي للقاء ربّه ولقاء يوم القيامة ونيل الشفاعة, لذلك فإنّهم قد آمنوا وأسلموا, ونَهلوا من بزوغ الإسلام, إلاّ أنّ ذلك لم يكن على هذا الأساس, فأولئك الذين يؤمنون ويعتقدون بنبيّهم, يعتقدون بالنبيّ بشكل واقعيّ, فيشاركون في الحروب مع النبيّ, ويأخذون من الغنائم, ويتزاوجون من المسلمين, إلاّ أنّ قلوبهم غير منكسرة رجاءً للقاء الله, ولقاء يوم القيامة, ولا تائقةٌ عشقاً لله وشوقاً إليه بشكل دائم, فلا طاقة أبداً لهؤلاء الأشخاص أنْ يتخّذوا النبيّ أسوةً لهم من جميع الجهات, لأنّهم إنّما يرضَون بالنبيّ بالمقدار الذي يتناسب مع أهوائهم النفسيّة وينسجم مع أفكارهم الشخصيّة, وأمّا أفعال النبيّ أو تلك الأمور التي يمضيها ويقرُّها ولا تنسجم معهم فإنّهم يردّونها ويرفضونها.
فعلى سبيل المثال هناك أحكام عديدة في شريعة النبيّ: كالجهاد وأخذ الغنيمة من الكفّار, ونظم الأسرى والعمل على بيان الإسلام لهم, وتربيتهم في البيوت وتوعيتهم وتقريبهم من الإسلام, فبعضهم كانوا يحبّون هذا العمل كثيراً، وما إنْ يعلنِ النبيُّ الجهاد حتّى يلبّوا, ولكن من منظار أنّ الجهاد نوعٌ من عرضِ العضلات وإبراز الشجاعة وسط الميدان أمام المحاربين, وما يستتبع ذلك من حيازة الغنائم, وفيها الغالي والنفيس, لعلّه ينال سهماً منها, أو يأخذ بنفسه منها حسب طاقته.. إلاّ أنّه على خلاف ذلك من ناحية الصوم؛ فإنّ الآية الآمرة بالصوم بمثابة الأمر الشاقّ بالنسبة إليه, فلا يميل إلى العمل بها ولا يتوافق مع حكمها.
فيلاحظ أنّ بعض الأشخاص منعزلون ومعتزلون, فهم أهل عبادة وصوم، وهم يفهمون الصوم والعبادة بهذا المعنى فقط, لذلك نجدهم ينتظرون نزول آيات الصوم فيأخذون بها ويتمسّكون بها, وما إن تنزلْ آيات الجهاد حتّى يتغيّرَ لونهم، ويصيبَهم الصداع، وتخفق قلوبهم، فيشرعون بالتوسّل بالنبيّ: يا رسول الله! هل تشملنا هذه الآيات أم أنّ هناك استثناء. فإن أجابهم النبيّ بأنّها شاملة لهم, يأخذون بالتعلّل بأنّهم معذورون.. بأنّ بيوتهم خاليةٌ عن الكفيل والراعي للعيال.. لدينا نساء وأطفال وليس هناك من يحميهم.. وخلاصة الأمر: يلجئون إلى حيلةٍ مّا للفرار من الجهاد.

    

الوجه في لزوم التأسّي بالنبيّ صلّى الله عليه و آله

أمّا من يصدّق بالنبيَّ في جميع أطواره وأحواله. وفي كل شؤونه، فإنّه يتّبع النبيَّ ـ دون غيره ـ ويتأسّى به, ذلك لأنّ النبيّ عبدٌ صالح ترك هواه, ولم تكن أفكاره قائمةً على أساس التخيّلات الشيطانيّة والتوهّم, بل هو فردٌ ملكوتيّ.. قد سارَ وسافر وسلك.. وكانَ سيره عجيباً جدّاً.. وكان لطيفاً جدّاً.. كانَ سفره أفضل من سائر الأنبياء.. فهو خاتم النبيين.. قدْ طوى كلّ طرق مهلكات النفس ومنجياتها.. وسمع وأصغى.. وعاينَ آثار النفس فشاهد الجنان.. وشاهد جهنّم والنيران.. وقطع العقبات.. وتكلّم مع الملائكة.. وتحدّث مع أرواح الأنبياء.. ورأى كلّ شيء.. وورد حرمَ الله.. حتّى أتى إلينا وشرعَ يخبرنا عن كلّ ذلك. وفي الواقع, أيّة نعمة هذه أنْ منّ الله علينا بإرسال النبيّ فينا! وأيّ بلاء حلّ فينا لو كنّا قد وُجدنا في الأمم السابقة؟! مثلاً: لو كنّا في أمّة النبيّ شعيب.. أو أمّة النبيّ موسى.. أو حضرة عيسى.. فهم أنبياء عظماء إلاّ أنّهم فداء لأقدام رسول الله.. ومنزلتهم كالبواب بالنسبة إلى حضرته.
فمدرسة نبيّ الإسلام والتوحيدُ الذي أتى به وجميعُ العجائب التي أفصح عنها القرآن المجيد فيما يدور حول أحوال النبيّ لا تقبل القياس والتشبيه حتّى مع الأنبياء العظام! ولو كنّا تابعين لإحدى تلك الأمم لكانَ حدّ كمالنا تابعاً لتلك المرحلة التي كانَ قد أرادها نبيّها ذاك, إلاّ أنّنا وبحمد الله, وتحتَ ظلّ تعليمات رسول الله وولايته التشريعيّة والتكوينيّة, يمكننا أنْ نبلغ المقام الذي يريد هو أن يوصلنا إليه, وفرقٌ كبير بين هذا السير وذاك!

    

ضرورة مراقبة حالة التأسّي في نفوسنا

على الإنسان أنْ يتأمّل في قلبه ويدقّق فيه, ويختبره ويتفحّصه ليرى ما إنْ كان واقعاً قد انطوى قلبه على الاقتداء بالنبيّ كما ينبغي أم لا؟ لأنّ نفس الإنسان في كثير من المواضع تبدو وكأنّها نفسٌ عظيمة متوازنة, ويرى نفسه الحكمَ الأوحد ويشعر أنّ نفسه كاملة وأنّه في أعلى درجة من الإسلام.. ولكن ما إنْ يُبتلى بمحكٍّ أو امتحان حتّى ينكشف له أنّه ليس من هذا القبيل.
وفي المقام قصّة معروفة حاصلها: أنّ زوجة العلاّمة الحلّي قد بلغتْ رتبة الاجتهاد, أيّ كانتْ قد حازت على رتبة الاجتهاد آنذاك من بين سائر النساء, كما قيل، وكانت النسوة تدْرُسنَ عندها, حيث كان لديها مدرسة تربّي فيها النساء, فهي كانت مجتهدة (حيث يمكن للمرأة أن تصبح مجتهدة, وإنْ بلغت هذه الرتبة يحرم عليها التقليد, ويجب عليها حينئذ العمل بفتوى نفسها, فحتّى مع عدم جواز الإفتاء للآخرين إلاّ أنّ فتواها بالنسبة لنفسها حجّة) فكانت النساء ـ لمدّة متمادية ـ تلتمس من العلاّمة الحلّي: أنْ أجِزْ لنا أنْ نصلّيَ خلفَ امرأتك لتكن هي إمام جماعتنا! إلاّ أنّه كان لدى العلامة الحلّي شيء من التردّد حيال هذه الإجازة, حيث كان يقول: علاوة على الاجتهاد الذي يمكن للمرأة أن تكتسبه, لا بدّ من وجود العدالة بتمام معناها, وأنا لا أعلم واقعاً ما إنْ كانتْ هي قدْ بلغت هذه الرتبة أم لا.. وخلاصة الأمر, قالت النساء: في النهاية هي امرأتك.. ومن ناحية رأيها وفتواها هي كذا وكذا.. لماذا لا ترتضي عدالتها؟! فإنا نرى أنّ مستواها أسمى من العدالة وأعلى!
قال العلاّمة: حسناً يمكنكم أن تمتحنوها: اذهبوا إليها وقولوا لها: قد تزوّجَ العلاّمة من امرأةٍ أُخرى... فإنْ لم يبدُ عليها أيُّ تغيير في حالها فلا مشكلة في البين, وأمّا لو ظهرَ عليها تبدّل في حالها, وشرعتْ بالويل والعويل.. فاعلموا أنّ الأمر مختلف. فسرّت النسوة وقلنَ: سنذهبُ الآن ننقل هذا الأمر لزوجة العلاّمة, وهي بالطبع سوف تجيب قائلة: (هذه سنّة النبيّ, فإنْ تزوّج فهو حقّه, أيّ إشكال ٍفي ذلك؟!). ذهبوا إلى زوجة العلاّمة وطرحوا عليها ما بجعبتهم من الخبر ـ وذلك حينما كان العلاّمة مشتغلاً بإلقاء درسه ـ فما إن سمعتْ بذلك حتّى غضبتْ وعمدت إلى مكتبته وأخذتْ كتاباً مخطوطاً لنفس العلاّمة حيث كانت تُدرِّسه للنساءـ فكتبهم آنذاك كانت كلّها مخطوطات ـ وألقتْ الكتاب في الماء, وبذلك تتّضح المسألة.
نعم, ولكن هذا لا يعني أنْ نحملَ على النساء؛ فالأمر كذلك بالنسبة للرجال, فكما أنّه يوجد من ذاك الطرف بعض الضعف يوجد من هذا الطرف أيضاً, تلك الأمور هي بالنسبة لهنّ, وبالنسبة لنا هناك أمور أخرى, فنحن من بعض الجهات وهنّ من بعض الجهات.
فلا يأمل الإنسان في ورود الجنّة ـ تلك الجنّة التي كان النبيّ فيها, والتي عاينها في سِدرة المنتهى ـ إلاّ أنْ يتأسّى به, ولا يعطي أيّ أثر لغير كلام النبيّ, فعلى الإنسان أنْ يتأسّى بالنبيّ, هذه هي المسألة.

    

التأسّي بسنّة إعفاء اللحى

ثمّ إنّ النبيّ كان يطيل لحيته الشريفة, فعلينا نحن أنْ لا نحلقها. فلو جئتم واعترضتم بأنّه لا يوجد دليل على ذلك وعمدتم إلى حلقها... وتعلّلتم بوجود رواية ضعيفة أو قويّة... أو قلتم سيرة السلف ثابتة أو غير ثابتة...؟! فلا أثر لكلّ هذا الكلام, ولا مجال له, فمن كان يحبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله عليه أن يقتدي به.
فالنبيّ لا يحبّ حلق اللحى, وهو لم يستقبل سفراء "خسرو" و "پرويز" لثلاثة أيّام لأنّهم كانوا حليقي اللحى, وبعد ثلاثة أيّام قال لهم: من الذي أمركم أنْ تصنعوا ذلك في أنفسكم فتحلقوا لِحاكُم وتُسبِلوا شواربكم؟!
قالوا: ربّنا أمرنا بذلك (أي سيّدنا وملكنا)
فقال لهم النبيّ صلّى الله عليه وآله: « أمّا ربّي فأمرني أن أعفُوَ اللحى وأحفّ الشوارب » [2]

    

النبيّ والتأسّي به في مختلف شؤونه

من يحبّ النبيّ فلا بدّ وأنْ يكون محبّاً لله, وكذلك العكس فمن يحبّ الله فهو محبّ للنبي, ويكون محبّاً لآدابه, فيكون لديه حبٌّ للباسه.. ويكون محبّاً لحذائه.. ويكون لديه حبٌّ لجوربه.. فينظر ويتأمّل في كيفيّة لباس النبيّ كيف كان؟ ورداؤه كيف كان؟ وينظر في خاتمه هل كان في يده اليمنى؟ أم أين كان؟ كيف كانَ شكل بيته؟ كيف كانتْ عشرته؟ هل كثيراً ما كان يتبدّل حاله؟ هل كان يضحكُ كثيراً؟ كيف كان سلوكه؟ معاملته كيف كانت؟ فذلك من لوازم المحبّة, ماذا كان يسمّي أبناءه؟ أمير المؤمنين ماذا كانَ يسمّى أولاده؟ فهذا من لوازمه.

    

التأسّي في اختيار أسماء الأبناء (آثارها على الشخصيّة وتعبيرها عن الانتماء)

فقد سمّى النبيّ أولاده: طيّب, طاهر, قاسم, فاطمة, زينب, إبراهيم, لأنّ النبيّ كان يحبّ معاني هذه الأسماء ومدلولاتها, وكان النبيّ يحبّ إبراهيم, ويحبّ زينب, ويحبّ طاهر, ويحبّ طيّب. وهكذا أمير المؤمنين, فيلزم لحاظ أيّ الأسماء أطلقها على أولاده. وكذلك الإمام الحسين, حيث أعطاه الله ثلاثة ذكور, أربعة ذكور, وقد أسماهم جميعهم "عليّ"! لأنّه كانَ يحبّ عليّاً, ولم يهتمّ بغيره, فهو عاشق لعليّ, وهذا من لوازم التأسّي والمحبّة.
وأمّا الذي يسمّي ابنه أسداً أو أحدَ الأسماء الأجنبيّة الغربيّة, فذلك لأنّه يحبّ تلك المدرسة, يحب مدرسة "زردشت", ويحب المجوس, ويقوم بمباركة نفسه!! وعليه فما معنى أن يسمّي شيعة أمير المؤمنين أبناءهم بهذه الأسماء: شهلا, مهلا, گيتا, ميترا... وما شاكل هذه الأسماء التي لا يمكن لأحد أن يفهم معناها حتّى ولو بمعونة الإسطرلاب! ما معنى هذا الاسم؟! وما معنى ذاك الاسم؟! ما معنى ذلك؟! وكلّما تأمّل الإنسان في ذلك سوف يجد أنّ هذا الاسم الخاصّ يُظهر حقيقته ويحملها, فحينما نقول: الشيخ محمّد.. الشيخ محمّد, فإنّنا نقوم بإظهار معناه وإبرازه.
هذا الطفل الذي وُلد لتوّه معصوم, أقبل من عالم الجنّة, فنأتي ونختم على جبينه بختم باطل!! ونجعله مُظلماً ومسودّاً! زهره وشهره.. ما معنى ذلك؟! هذه الأسماء شيءٌ باطل. وبها يكون قدْ خُتمَ على هويّته من أوّل الأمر بختمِ الهلاك والبطلان, وأمّا لو أسميناه: عليّاً, فهو يعني المرتبة العليا, يعني هو التأسّي بمدرسة عليّ بن أبي طالب, كذلك لو تسمّيه محمّداً, يعني هو من شيعة الرسول, يعني: هو منتهجٌ نهج هذه المدرسة, وكذا لو أسميناها زينباً, ما معنى ذلك؟ يعني الشخص المتميّز على زمانه ودهره, وأنّه موضع افتخار جميع رجال العالم, وكذا لو أسميناها فاطمة, فيعني: سرّ النبيّ, وكذا لو سمّيتموها صدّيقة, فلتسمّوها زهراء.. سمّوها حوراء! سمّوها إنسيّة.. راضية.. مرضيّة.. كلّ ذلك من الألقاب, عليّ.. محمّد.. تقيّ.. نقيّ.. جعفر.. موسى.. فكلّ ذلك أسماء للأئمّة, وهي تابعة لهذه المدرسة.
وأمّا لو تركنا هذه الأسماء وابتعدنا عن روحها ومعناها, ففي الوهلة الأولى التي تتوجّه فيها نحو الاسم الآخر, تكون روحكَ قد ذهبت نحو ذاك الاسم بشكل أسرع! فقد صرتَ باطلاً, لا أنّك قد لوثّتَ ذاك المعصوم ـ أي الطفل ـ الذي لا حيلة له فقط, وأوّل ما يقوم به يوم القيامة هو أنْ يأخذ بتلابيبك.. ويقول لك: كنتُ طفلاً معصوماً, لماذا أفسدتني؟! أيّ اسم هو هذا الذي وضعته لي؟! فقد أفسدت نفسك أولاً, وهذه مسألة مهمّة في حدّ نفسها.
في يوم ما سألني أحدهم: لماذا سمّى فلانٌ ابنه "فؤاد" و "فيصل"؟ (أحد المعمّمين كان اسم ابنه فؤاد), فأجبته: أنا أقول لك: هؤلاء سيّئوا الحظّ وعاجزون وغارقون في حياتهم المادّية إلى الحدّ الذي لا يعرفون معه غير التجمّل وحبّ البروز والتفوّق, وحيثُ إنّهم شعروا أنّ هذه الأسماء عنوان للّهو في الحياة والتلذّذ والجموح... فقد رغبوا في تسمية أبنائهم بأسماء من هذا القبيل, فالتسمية بهذا الاسم تنبئ عن هويّة هذه الأسماء وما تنطوي عليه من الحقيقة؛ فتبيّن ما هي أخلاقه؟ كيف هو مرامه وممشاه؟ ما هو مذهبه؟ ما هو أسلوبه؟ وحتّى آخر عمره, كما وأنّها تفصح عن أنّ حياته متطابقة مع هذه الهويّة التي كان قد قولبَ نفسه على أساسها. فيربّي ابنه ليكبر, ثمّ ينفقُ عليه من سهم الإمام.. الخمس.. ومع ألف كذبة وكذبة.. ويهرع للزواج من ابنة فلان الدكتور.. أو ذاك المهندس.. لماذا؟! لأنّ هذا المسكين والضعيف قدْ أتعسَ حظّ نفسه إلى حدٍّ صار معه يسير خلف ذاك الدكتور ويلقي التحيّة عليه.. والحال أنّ ذاك الدكتور أو ذاك المهندس قد استعلى عليه وقزّمه وتعامل معه على أنّه أكبر منه وأعلى منه شأناً، أو أنّه كانَ من أوّل الأمر يريد أنْ يستعلي ويدلي بدلوه ويبرز نفسه ويظهر نفسه، ولكنّه عجز عن ذلك ولم يتمكّن من طرح نفسه أمام الملأ، فيأتي ويلصق تبعات هذه التجربة وآثارها بابنه ليبتدع له شهرةً واسماً، مع أنّ هذا التوفيق المتخيّل ضلال كلّه!! وليس علوّاً ناتجاً عن العفّة، ولا ترقّياً ناشئاً من الحقّ.
ولذلك ينبغي في الحوزات العلمية والأماكن التي يتمّ فيها تربية العلماء أنْ يعمدَ إلى إعطاء الشهريّات إلى الطلبة بشكل يحفظ ماء وجههم, دون أن يذهب الطالب بنفسه ليجمع مائة تومان أو خمسين توماناً، فيذهب وراء هذا ووراء ذاك. بل ينبغي عليهم أن يبادروا في الدفع إليه, فيعطونه بالمقدار الكافي, ويدفعون له مع كامل الاحترام؛ لتنمو روح الطالب على الشهامة من أوّل الأمر، وينمو وهو كبير، ولا يجبل على روح الاستعطاء، فهناك نقص كبير في حوزاتنا العلميّة, وهذا واحد من تلك النقائص. نسأل الله أن يرفع جميع جهات نقصنا ويرمّمها ويبدّلها ويجعلها في سلامةٍ.
والحاصل: أنّه هناك الكثير من الجهات التي قدْ خرجنا فيها عن جادّة الاستقامة, والحال أنّنا لسنا ملتفتين, فهناك بلايا عديدة قدّ حلّت بنا, ولم نعد نعلم من أينَ تنبع ومن أين تواجهنا.
والذي يحبّ نبيّه يقول: قدْ جعلتُ كرامتي ونسبي وحقيقتي وعفّتي وعصمتي وروحي كلّ ذلك تابعاً للنبيّ، ولماذا يعمدُ الإنسان من الناحية العمليّة إلى جعل الواحد اثنين؟! فإذا كان الإنسان يرتضيه واقعاً, ينبغي عليه أنْ يلتزم به من كلّ الجهات, وإنْ لم يكن يرتضيه فلماذا يضيّع وقته!! فجميع هؤلاء المادّيّين الملتزمين بعدم وجود الله, ألا يحشرون يوم القيامة؟! فقد أمضوا دنياهم هذه بألف لذّة وألف سرور وألف رغدٍ من العيش, ولم يدعوا شيئاً من متاع الدنيا إلا وتمتّعوا به.. حسناً, فالإنسان يموت.. وهل يبقى حرّاً!! فلماذا يعمدُ بنفسه إلى حبسها في القفص؟! فلو كانت تعاليم النبيّ حقيقة وواقعاً، فالحقيقة لا تقبل التشكيك، والحال أنك تراه يتكلّم ويقول: أنا أقبل هذا الكلام، أنا لا أقبل ذاك، وهنا يجب أن يُبحث، وهناك.. وكلّ ذلك ضلال باطل.

    

قيمة التأسي وآثاره الروحيّة

وأمّا لو تأسَّى الإنسان فسوفَ تتطبّع أخلاق النبيّ وممشاه وسلوكه وأسلوبه فيه, فلو نظر الإنسان في مرآة فإنّه يرى صورته فيها, ولو نظر في ماء صافٍ فإنّه يرى, ولو شاهد صورة النبيّ فسوف يرى شمائله في نفس وجوده, كذلك لو يشاهد أخلاقه أو يشاهد منهاجه، ثمّ إن ترقّى ورأى ملكاته النفسيّة ورأى معتقداته، فإنّه بالتدريج سوف يشاهد حالات النبي في نفسه.
ولو لمْ يتأسّ الإنسان بالنّبيّ, فسوف تتجلى فيه روح الشخصية الأخرى التي سيتأسّى بها مهما كانت, وهذه قاعدة تكوينيّة! فلم يعقد الله مع المسلمين عقدَ أخوّة أو عقدَ قرابة كي تدّعوا وبكلّ سهولة: إنّنا مسلمون وإنّ الله ضَمن لنا أنْ يوصلنا إلى عرشه!! لا.. بل هناك حساب وكتاب.. فسنّة العالم قائمة على هذا الأساس.
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أيّها المسلمون! اجعلوا قوام تأسّيكم النبي. فانظروا من هو نبيّكم؟

    

التأسّي في اللجوء إلى القرآن

يقول نبيّكم: « وإذا التبستْ عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن »[3] أي حينما تحوطكم قطع الفتن والنزاعات والمذاهب المختلفة وتنصبّ على رؤوسكم كقطع الليل المظلم والغيوم السوداء, فإنّ ملجأكم حينئذٍ هو القرآن، فتدبّروه وحلّوا مشاكلكم بواسطة القرآن وداووا أنفسكم بالقرآن واطرحوا أسئلتكم على القرآن: اسألوه: هل نقوم بهذا الفعل؟!
فنحن حينما نتنازع في مسألة جزئيّة نعمد فوراً إلى مذهب ورأيٍ آخر ونتبنّاه لأقلّ نزاع شخصيّ صغير بيننا. فلتكن الآية القرآنيّة هي الحكم بيننا!! ولنلتزم بما قاله القرآن, ولنحلّ خصامنا به! هل نحن حاضرون لذلك أم لا؟ بل ندع القرآن جانباً, ونركنُ إلى آرائنا وأهوائنا, ونلقي بعنان أمورنا على عاتقنا. الويل لتلك اللحظة التي يُلقى فيها عنان الجمل أو الفرس على عاتقه أو ينقطع حبله! فحينما لا يتقدّم الجمّال ويأخذ بالعنان سوف يسقط في الوحل ويغرق فيه, وكلّما حاول أن ينشل نفسه يغرق أكثر حتّى يموت ويهلك.
ويُلاحظ: أنّ هذا النبيّ الذي جاء بالقرآن كم كانَ يطربُ ويتلذّذ بالقرآن! كان يجلس ويقول لعبد الله بن مسعود: اقرأ القرآن! فكان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن للنبيّ, وكان النبيّ يبكي. فأيّ استفادة كان يستفيدُ من القرآن وبأيّ نحو ٍكان أمير المؤمنين يقرأ القرآن! وكذلك مولانا السجّاد بأيّ نحو ٍكان يقرأ القرآن! كان يقرأ القرآن بكيفيّة تجعل المارّة في الطريق يقفون وينصتون ويجتمعون حتّى ينسدّ الطريق! فيقف السّقاء حاملاً قربته المملوءة، فيمكث حاملاً تلك القربة الثقيلة وقلبه لا يطاوعه في الذهاب دون سماع صوت الإمام السجّاد وهو يقرأ القرآن. فهذا القرآن مدرسة، وهو درس.. إلاّ أنّنا تنحّينا جانباً, ثمّ أردنا أنْ نعالج أنفسنا بغير القرآن, فهل يمكن ذلك؟! لا بل لا يزيد ذلك إلا بعداً. نريد أنْ نكون سعداء، إلاّ أنّ آدابنا وحياتنا وأخلاقنا تحمل آثار الكفر, وهل يمكن ذلك؟! لا يمكن قطعاً.

    

التأسّي في اللباس وخطر الجمع بين سنّة النبي و غيرها في مقام العمل

يقول نبيّنا: لا تلبسوا ثياباً ضيّقة؛ فهو لباس أهل الذلّة, وكذلك لا ترتدوا الملابس القصيرة؛ فهي ثياب أهل الذلّة. والحال أنّنا نلبس الثياب الضيّقة إلى الحدّ الذي تضغط فيه على بدننا ممّا يولّد ألف مرض.. وقد قال الأطبّاء بأنّ الثياب الضيّقة مضرّة للبدن, واللباس الفضفاض مفيد للبدن, فلنرَ ما هو اللباس الذي يرتديه النبيّ ونلبسه, ولا ينبغي أنْ ترتدي نساؤنا في منازلنا ما نراه في الصحف ونحوها؛ فهو تأسٍّ بالكفر وحرام.
نحن مسلمون ونحن نصلّي ونحيي الليل بقراءة القرآن ونحن نتّخذ أمير المؤمنين شفيعاً لنا ونحن ننشئ المواكب والمجالس (لإحياء الشعائر والمناسبات الإسلاميّة) ونحن نقوم باللطم على صدورنا، إلاّ أنّ حالنا كما هو عليه!! فمجرّد ذلك غير كاف, ولا فائدة فيه يا عزيزنا! فوضع الإنسان إنّما يقاس بممشاه ومنهاجه, وبذلك يتحدّد الأسلوب العمليّ للإنسان. فالسلوك العمليّ للفرد المؤمن هو أنْ يتأسّى بسنّة النبيّ وينفر من سيرة الكفر، وأنْ ينظر إلى منهاج النبيّ بعين الرضا والحسن ويرى نهج غيره سيّئاً، ويعتقد أنّ كلام النبيّ حقّ وأنّ الكلام المخالف له باطل. وذلك أنّنا ما إنْ نتعدَّ الحقّ سنقع في الباطل! لا يكون الحقّ اثنين، ولا يمكن أنْ تجتمع جميع هذه الأمور في آن واحد, فنقبل بمبدأ الأكثريّة في الإسلام، ثمّ نلتزم بذاك المنهج الفلانيّ، ثمّ نلتزم بكلام النبيّ أيضاً ونصدّق بالصلاة ونقبل ستار السينما. لا يمكن التسليم بجميع ذلك دفعة واحدة!!
فروح الإنسان تتأثّر بتلك المطالب التي تدركها من خلال العين والأذن واللسان وسائر القوى العاطفيّة التي يتّصل الإنسان بواسطتها مع الخارج, فشاشة السينما التي تعرض (الأفلام المخالفة للعفّة) وتبثّها إلى عين الإنسان, ثمّ تلتقطها نفس الإنسان، تأخذها نفس الإنسان، تأخذها روح الإنسان، فتتأثّر بها وتصبح غير عفيفة! ولا معنى للتلاعب والتمحّل!! فآثار (عدم العفّة) تظهر على الشخص وتبرز, وحينئذٍ تزداد الفحشاء, وعلى المسلمين أنْ لا يشاهدوا ذلك!
يقول النبيّ: إذا واجهتَ منظراً مخالفاً للعفّة فعليك أنْ لا تنظر إليه, ردّ عينيك إلى الأسفل, ولا تنظر إلى امرأة غير ذي محرم نظرة تركيز {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[4]هكذا كان نهج النبيّ, وهكذا علينا أن نكون نحن, فإن لم نكن.. نقع في المخال[5] وليس الأمر بأنْ كلّ من يطلق عليه أنّه «مسلم» يكون الله قدْ تعهّد إليه بأنْ يحمّله دفّة السيادة والرياسة!! بل الله يذلّ أولئك الأشخاص المخالفين لنهج النبيّ ممّن سمّوا أنفسهم بالمسلمين، وخدعوا أنفسهم. فهل لاحظتم ما هو معنى التأسّي؟!

    

نموذج التأسّي التامّ: أمير المؤمنين عليه السلام

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: « كنتُ أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه»[6] أي: كما تلحقُ بنتُ الجمل بأمّها وتركض خلفها, فأنا كذلك كنت أتبع النبيّ, وأسير خلفه وعلى منهاجه, وكلّما كنتُ أسير وأركض وراءه أكثر كان يُفتح لي باب من العلم, وكلّما كنتُ أتَّبع أكثر كنتُ أفهم أكثر، فإلى أيّ حدّ كانَ أمير المؤمنين عاشقاً للنبيّ؟! إلى أيّ حدّ كان عاشقاً له!! وهل هناك شخصٌ قد استفاد من النبيّ كأمير المؤمنين؟! فإلى أيّ حدٍّ كان يحبّ النبيّ؟! كانَ خلف النبيّ في السفر وفي الحضر، بل كانَ رهنَ إشارته. كانت روح النبيّ متجسّدة أمام أمير المؤمنين. كان أمير المؤمنين يسير خلفه كالعبد الذي يركض وراء سيّده: سواء في الحروب أم في الأسفار. كان يملأ القربة وكان يرتّب مكان النبيّ وكان يكنس وكان ينصب الخيمة له.

    

تفنيد القول بأنّ مقام أمير المؤمنين أرفع من مقام النبي

أمّا الأفراد الذين يقولون: إنّ مقام عليٍّ أعلى من مقام النبيّ وأنّ عليّاً هو ذاك الذي وضع قدمه على كتف النبيّ فكان ختم النبوّة تحت قدمه وأنّ غاية النبيّ في معراجه مقام عليّ وأنّه لماذا كان عليّ أوّلاً؟! فهؤلاء لا يفقهون ما يتقوّلون، بل لا يفهمون ما يلهجون به! يريدون أنْ يرفعوا من شأن عليّ لكنّهم بذلك يحطّون منه.
فأمير المؤمنين وإن وضعَ قدمه على كتف النبيّ, لكنّ ذلك تماماً بمثابة من يكون طفله بجانبه فيقول له: عزيزي! ضع قدمك هنا وناولني ذاك الشيء من على الرف, وهذا هو ما قام به, فكان نابعاً من شدّة الالتئام والاتّحاد بين روح أمير المؤمنين والنبيّ, لا أنّه بسبب رياسة عليّ وتفوّقه على النبيّ!! فهذا كفرٌ. فالنّبيّ خلال معراجه إنّما كانَ يعرج نحو مقام الولاية, ولكن الولاية هي حقيقة أمير المؤمنين وحقيقة الرسول, ونبوّة نبيّنا ليست خارجة عن مقام الولاية ولا مغايرة لها, وهو لا يعني أنّ مقام النبيّ هو النبوّة وأنّ لعليّ مقام الولاية، فالنبيّ نبيّ ووليّ, وأمير المؤمنين إمام ووليّ, فعليّ خليفة ووليّ, إذن نبيّنا حائز على الولاية, يعني إنّ هذا الظاهر يرجع إلى الباطن وباطن نبيّنا هو الولاية. والمسألة رفيعة ودقيقة جداً, ولا بدّ للإنسان أنْ يَزِنَ عباراته ويدقّق فيها, فلو اضطرب تعبير الشخص شيئاً مّا لخرجت المسألة من دائرة الكفر إلى الإسلام أو يتبدّل الإسلام بالكفر.

    

خطبة أمير المؤمنين في التأسّي بالنبي صلّى الله عليه وآله

هناك خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة[7] أشارت إلى رجل يرجو الله أن يا ربّ: أنا آملُ بك وأرجوك، ويسأل الله أنْ ماذا أفعل؟! وماذا أصنع؟! فقال الإمام: أُقسمُ بالله إنّ هذا الرجل لكاذب, فأيّ رجاء لديه وأيّ أمل بالله؟! أيّ أمل؟! هي آمال كاذبة! فمن كان لديه أملٌ لا بدّ وأنْ تظهر آثار هذا الأمل عليه, كذلك من كان عنده خوف من شيء فإنّ أثر ذاك الخوف يظهر في عمله, وهؤلاء الناس يدّعون أنّ لديهم خوفاً من الله مع أنّه لا يبدو عليهم أثر ذلك, في حين أنّ أثرَ الرجاء من غير الله ظاهر عليهم وبادٍ, وكذلك أثر الخوف من غير الله ظاهرٌ جدّاً. وناهيك عن ذلك, فمن لديه أملٌ بالله يتأسّى بنبيّه, ويطوي المسير الذي اجتازه النبيّ في سيره نحو الله, لتنكشف له المعارف والأسرار التي انكشفت للنبيّ, لا أنّه يمشي خبط عشواء وينحرف عن الطريق ويكتفي بالألفاظ ورفع شعار الاعتماد على الله!! ويدعي أنّ الله كذا وكذا.
ثمّ بعد ذلك يقول الإمام : هلاّ فكّرتَ في كيفيّة أعمال نبيّك؟! وأنّها من أيَّ نوعٍ من السلوك كانت؟ وأنّه إلى أيّ حدّ كان صادقاً؟ وكم كان عفيفاً؟ كم كانَ يتحمّل؟ كم كان واسع الصدر؟ كم كانَ عليماً؟ إلى أيّ حدٍّ كان حليماً؟ هل فكّرتَ في ذلك؟ تعال وتأسّى بالنبيّ حتّى يصدّق الله رجاءك, وحتّى يظهر أثر الرجاء في عملك. وإلاّ فلتتأسّ بالنبيّ موسى, وانظر كيف كان نهج هذا النبيّ، وأيّ حالات كانت لديه في تلك الأربعين ليلة التي مكث فيها على جبل الطور؟! لم يأكل ولم يشرب، بل استوعب العشق الإلهيّ كلّ قلبه، وأحرقت المحبّة الإلهيّة وجوده، وصارَ نحيفاً إلى الحدّ الذي كان جلد بطنه يحاكي ما في معدته من الخضار وأوراق الشجر التي كان يأكلها! فهو من أنبياء أولي العزم, « ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذّب لحمه »[8] إن شئتَ فتأسّ بالنبي عيسى, وانظر كيف كان نبيّاً من أولي العزم, لم يعمّر منزلاً، وكان يتدفّأ في الشتاء على مشارق الأنوار (أي: في الأماكن التي تطلع الشمس فيها وتسطع عليها). ضوءه في الليل القمر وفرسه الذي كان يمتطيه قدماه وخادمه يداه. لم يكن له زوجة لتلهيه وتصرفه عمّا هو فيه، وليس له أولاد ليوردوه في الغمّ والغصّة.
وإن شئتَ فلتتأسّ بالنبي داود, فمع ما كان لديه من مقام الجلال والعظمة والسلطة, كان يصنع بيده الدروع من الحديد ويحيك السِلال من ألياف النخيل ويقول لتلامذته: من منكم يذهب ويبيع ذلك ويحضر نقوده؟ فكان يعيل نفسه ويشتري قوته ويقتات عليه.
ثمّ يقول بعد ذلك: لماذا تتأسّون بهؤلاء؟ تعالوا وتأسّوا بنبيّكم الأطيب الأطهر, « فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر »[9]والذي هو أصفى وأطهر وأعلى من الكلّ, فنبيّك شيءٌ آخر, قد كانت تحت سلطته تمام الجزيرة العربيّة, وأرسل أيضاً رسائله الستّ إلى الدول الستّ المتحضّرة في ذاك الزمان ودعاها إلى الإسلام, وكانت الناس مهتمّة ومتعلّقة به إلى حدّ أنّهم كانوا يأتون ويتنازعون لأخذ ماء وضوئه للتّبرّك به.. هذا النبيّ في كلّ فترة حياته لم يكن ليركب فرساً إذا كان هناك شخصٌ معه أدنى منه في ركابه راكباً حماراً، وكذلك لم يكن ليمتطي دابّة إذا كان معه أحدٌ ماشياً خلفه، وإذا كان عنده ضيف في منزله فلم يكن يجلسه بين يديه. ثمّ هل كانَ في بيته فراش؟! لا.. لم يكن النبيّ يقتني فراشاً في داره, فنصف غرفته ترابٌ ونصفها الآخر من ليف النخيل، كان يفترشها لنفسه!! وكان يأكل خبز الشعير إلى آخر عمره, وقد روت عائشة بعد وفاته: أنّه لم يملأ النبيّ معدته من خبز الدقيق (القمح) حتّى توفّي, فقال أمير المؤمنين: لقد كذبتْ, فالنبيّ لم يصل حدّ الشبع في سائر طعامه, وإنّما لم يأكل خبز الدقيق أصلاً!! أي لم يشبع من خبز الشعير ولم يذق خبز الدقيق أصلاً, وليس ذلك لعدم حصوله عليه وعجزه عنه, فقد كان لديه كلّ شيء, إلاّ أنّه تركه تواضعاً لله, ولم يكن تركه لذلك وعدم تناوله إيّاه تدريباً لنفسه على الزهد فيه أو توهيناً لنعمة الله فهو عارف بالله, لذلك فهو لا يرى لهذه الأمور قدراً ولا قيمة من الأصل. كان يرى نفسه رفيعة وشامخة إلى القدر الذي لا ينصرف إلى شيء غير الله, فلا مجال لديه لغير المطالب العالية, ولا فرصة لديه إلا للمطالب الراقية: العرفان والتوحيد وتكميل البشر والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والموعظة والخطبة والجهاد والحجّ. فإذاً ليس هناك أيّ وقتٍ أو فرصة كي يصرفها في صناعة اللباس لنفسه, فمثل ذلك للآخرين وللمرفّهين والمتفكّهين بالدنيا.
فتعال وتأسّ بنبيّك, وانظر كيف كان نبيّك, « خرج من الدنيا ولم يضع لبنة على لبنة ولا حجراً على حجر » .
« ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة! (لإحدى زوجاته): غيّبيه عنّي؛ فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفه » [10]

    

نماذج من سنن النبي سلوكيّاته اليوميّة

كان يجلس بين الناس, ويتكلّم بين الناس, ويضحك بين المؤمنين, وكان يقطّب ويعبس في وجه المشركين والكافرين ويذلّهم, وكانت النساء تحبّه, والرجال يحبّونه, فكان يخالط الجميع, ليس لديه شيء من التكبّر ولا يرى شأنيّة لنفسه, بل كان كأحدهم, يخاطبونه أنْ: يا محمّد تعال, فيأتي, ويقولون له: اذهب, فيذهب, وكانوا يستضيفونه إلى منازلهم فيلبّي, دون أن يتأمّل في طبيعة هذه الدعوة من كون صاحب المنزل فقيراً أو معدماً, بل كان يحبّ ذلك ويأتي. وإذا دَعَوه على (فخذ غنم) وكان المنزل بعيدا كـ (كُراع الغميم) (موضع بين مكّة والمدينة يبعد فرسخين عن المدينة وهو كناية عن بعد المسافة) كان يقوم ويلبّي ويجلس ويتكلّم ويظهر المودّة بحرارة ويسأل عن الأحوال، فكان يسأل عن أحوال المضيّف ويسأل عن أحوال أولاده ويجيب عن إشكالاته ويسأله عن مشكلاته. وإذا كان حافظاً لسورة من القرآن ولديه شيء من الاشتباه فيها كان يقرأها في محضر النبيّ وهو يصحّح له. وكان يتصرّف دون أيّ تكلّف أبداً. وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[11] يوضّح هذه الحقيقة.
فتعال أيّها المسلم إلى نبيّك وتأسّ به, هل رأيتَ من هو نبيّك؟! كان يتفرّغ ليلاً للعبادة, وأيّة عبادة عظيمة كانت!! وذلك مع أصحابه وأنصاره وأهل بيته, ولم يكن ينام كثيراً, فكان نوم النبيّ قليلاً, بحيث كان فراشه غالباً مطويّاً.
والذين يدّعون أنّ النبي كانَ فيلسوفاً أو أنّه كان شجاعاً وسيفاً مدافعاً عن المرأة وأنّ الدين ليس ديناً إلهيّاً، فهؤلاء معاندون وزنادقة من النصارى يريدون طمس حقيقة الإسلام بهذا الكلام. فالنبيّ رجل حقّ, كان يقول: إنّ الله حقّ, وأساس الحقّ وسائر القوانين والأحكام هو التوحيد, وهذا هو الطريق الذي اجتزته أنا، وعلى جميع البشر أن يستفيدوا ويربحوا من هذه السفرة.

    

طريقته في الجهاد

وجهاد النبيّ كان مبنيّاً على هذا الأساس؛ فمتى قاتل النبيّ للحصول على المال وكسب الغنيمة!! لقد كان يصل إلى حدود الأعداء ويأمرهم بالإسلام ويأمرهم بترك عبادة الأصنام والسرقة والربا والنهب والتعدّي على حدود الآخرين، ثمّ بعد ذلك يخلّي سبيلهم ويرجع حيث جاء. هل رأيتم أو سمعتم في جميع مذاهب الدنيا أو التواريخ أنّ شخصاً كان يسير ويتحرّك ويجاهد على هذا النحو؟ كان يسير بجيشه ويحرّك شبابه وعشائره والمسلمين وشبّانهم الذين كانت كلّ ذرّة منهم أثمن وأغلى من الدنيا والآخرة عند النبيّ, فالنبيّ ربّى شباباً كهؤلاء, ثمّ مع ذلك يسير بهم ويتحمّل نفقة ذلك كلّه, ليشدّ بطنه بالحجر من شدّة الجوع (لأنّ الإنسان حينما يبلغ منه الجوع مبلغاً، يضعف فإنْ شدّ معدته بشيء وضغط عليها فسوف يحسّ بالشبع ويقلّ شعوره بالجوع, بخلاف ما لو خلاّها وأرخاها فإنّها تبقى مرتخية, فيشعر بالجوع بسبب خلوّها) فكان يضع حجراً على بطنه من شدّة الجوع كي لا يتألّم! مع أنّه كان نبيّ الله, وجميع أشراف مكّة والمدينة يقولون: سيّدنا! تعال وارجع، نحن نعطيك سريراً وعرشاً تجلس عليه, ونعطيك مالاً, ونهديك كلّ مجوهراتنا وذهبنا, ونجلب لك أجمل فتيات الدنيا اللاتي ترغبهنّ, فاهنأ في حياتك, وأوامرك نافذة علينا, ونقبل كلّ ما تقول, ولكن لا تقل: إنّ الله واحد, تراجع عن هذه الكلمة, ولا تأمرنا بذلك, وفي آخر المطاف يقول لهم: « والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري».[12]
بل «قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا»[13] دون أيّ تلاعب وتحايل, فالله واحد ويجب أن تقولوا: الله واحد.
فكان النبيّ يحرّك المجتمع ويحثّه على الدفاع والجهاد كي يدخُل الآخرون في الإسلام ويعتنقوه, وحينئذٍ يخلّي النبيّ سبيلهم ويرجع, ويصبحوا بالتالي مصانين محترمين, ويصبح مالهم محفوظاً, ولا يحقّ لأيّ مسلم ٍأنْ يتعدّى عليهم ولو بمدّ يدّه على طرف ثوب امرأة منهم, أو أنْ يسلبها خلخالاً من قدمها.. فهم مسلمون, وأمّا لو لم يسلموا (بأن يقولوا: نحن لا نعتنق الإسلام), فإنْ كانوا مشركين ولا يعتقدون بالله أصلاً, فلا مفرّ لهم من الجهاد والقتال, وأمّا لو كانوا معتقدين بالله إلاّ أنّهم كاليهود والنصارى فإنّ بإمكانهم أنْ يعطوا الجزية لصندوق بيت مال الإسلام كي ينفق هذه الأموال عليكم كي تصبحوا مسلمين دون أنْ نحاربكم, فمع الجزية لا نحاربكم. فأيّة مدرسة عظيمة هذه المدرسة؟!

    

زواجه: الغرض منه وتعامله مع زوجاته

لقد تزوّج النبيّ, و توفّي مخلّفاً تسعاً من زوجاته, فقد كان له زوجات عدّة حين حياته, ولكن من أيّ النساء كان قد تزوّج؟! أيّ النساء! فهل كان لديه ذوات الثلاثَ عشْرة أو الأربعَ عشْرة؟! فأوّل امرأة تزوّجها النبي هي حضرة السيّدة خديجة رضوان الله عليها, حيث كان عمر النبيّ خمساً وعشرين سنة, ذلك أنّه لم يتزوّج حتّى سنّ الخامسة والعشرين!! ولمّا تزوّج السيدّة خديجة كان عمرها يناهز الأربعين, فقد كانت أرملة لزوج ٍسابق ٍوكان لديها أطفالٌ منه, فأولاد نسائه معروفون, فزوجها السابق اسمه أبو هالة, وطوال المدّة التي كانت خديجة تحت حبال النبي لم يتزوّج من زوجة ثانية. عاشت السيدة خديجة بضع سنوات حتّّى رحلت عن الدنيا, يعني: أنّ النبي حيث كان عمره خمساً وعشرين سنة ـ وهو عمر زواجه من خديجة ـ حتّى سنّ الأربعين ـ أي حينما بعث نبيّاً ـ ثم إلى السنة الثانية عشر للبعثة حيث ارتحلت خديجة عن هذه الدنيا, فنضيفها فوق الأربعين سنة؛ لتكون النتيجة أنّ عمر النبيّ اثنان وخمسين سنة, وكم كان عمر خديجة؟ عمرها أربعون مضافاً إليها خمس عشرة سنة أي خمساً وخمسين سنة, ثمّ نضيف إليها الاثنتي عشرة سنة, ها؟ سبعٌ وستّون سنة.
يعني رجلٌ لم يتزوّج في عنفوان شبابه: في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة أو في سنّ العشرين أو في الرابعة والعشرين حتّى الخامسة والعشرين لم يتزوّج. ثمّ تزوّج في الخامسة والعشرين من عمره من امرأة كبيرة وظلّ صابراً سبعاً وعشرين سنة, ولم يتزوّج حتّى ارتحلت خديجة عن الدنيا. فهل يمكن أنْ نعدّه رجلاً شهوانيّاً!! وهل يمكن أنْ نحسب زواجه تلبية للدواعي النفسيّة؟! ألم يكن هناك أمرٌ آخر؟!
وبعد ذلك, من هنّ اللواتي تزوجهنّ النبيّ؟! كيف كنّ هؤلاء! فأحوالهنّ معلومة من التاريخ والأحاديث, حيث ذكر الكثير عنهن بشكل مفصّل, سواء من جهة تحديد سنّهنّ, أو إلى أيّة قبيلة كنّ ينتمين, أو حالهنّ, كلّ ذلك واضح, فبعضهنّ تزوج النبيّ منهنّ كي يُسلمَ قومهنّ, فـ صفيّة بنت حُييّ بن أخطب ابنة أحد كبراء اليهود من بني قريظة, قد أحبّتْ النبيّ, وطلبتْ منه الزواج, فتزوجها النبيّ, وببركة ذلك صدّق قومها واعتنقوا الإسلام.
وبعضهنّ كنّ يأتين بيتَ النبيّ, ويطلبن الزواج ويقلن: يا رسول الله، قتِلَ أزواجنا في الحرب, ونحن من أشراف قومنا, وقد كان أزواجنا من كبراء القوم, فليس بإمكاننا أن نتزوّج من أيّ إنسانٍ آخر, ونحن نحبّك, فهل تأذنْ لنا أنْ نكون خدماً في منزلك؟ فبماذا يجيبهنّ النبي وكيف!! بسم الله.. تفضّلوا, من الواضح أنّه سوف يستقبلهنّ. أمّ سلمة زوجة النبيّ كانت امرأة كبيرة في السنّ, وحفصة زوجة النبيّ, التي كانت تؤذي النبيّ!! كانوا يذهبون إلى الحرب ويستشهدون ثمّ يودعون نساءهم عند النبيّ ليحفظهنّ, فكان النبيّ ملاذاً لهنّ, وكانَ هو الذي يتقبّل هذا الحمل, كانَ يتحمّل حملَ الأمّة أجمع, وكان يسوقهنّ جميعاً نحو ذاك العالم. فيجب عليه أنْ يحرّك هذه المرأة ويضعها في طريق السير والسلوك، وكذلك تلك المرأة، فكان يسيّر هذه ويسيّر تلك، ويحرّك هذا الرجل ويسير بذاك. فالنبيّ يشعر بوجدانه أنّه في محضر الله وأنّه مسئول أمام الله, ولم يكن من الذين لا يبالون بهذا: سواء دخل هذا جهنّم أم لا، بل كان يقوم بعمله وسعيه, وليس له الحقّ أنْ يضع قدمه على نملة. نعم النملة!! لا حقّ له في ذلك, ليس للنبيّ حقّ في ذلك, في نملة واحدة!! لا يمكنه أن يضع قدمه على نملة ليرفسها!!
كان النبيّ سليمان يسير مع عسكره في وادي النّمل, فقالت رئيستهم: يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم بسرعة, فها هو سليمان وجنده آتون فيحطموننا {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[14] أي: وهم غير ملتفتين دون أن يشعروا, يعني: لو كان سليمان وجنوده ملتفتين فلا يسحقوننا بأقدامهم, فهذه النملة نسبت عدم الشعور إلى النبيّ سليمان. أمّا نبيّنا فقد قال: لا يحلّ لكم قتل نملة بشكل عبثي, ويجب أنْ لا نحرق النمل بالنار, ينبغي أن لا تلقي بالنمل في النار, وإنْ كان النمل يتسبّب بالضرر فعليك أن تدفع الضرر حتّى ولو بقتله, ولكن لا يحقّ لك أن تحرقه, كذلك لا يحقّ لك أنْ تُحرق قطّة المنزل في النار, ولا أنْ تلقي بالفأرة في النار وتحرقها, وليس لك أن تحرق بعوضة, وإذا كانت مضرّة فاقتلها, ولكن لو أردتَ قتلها اقضِ عليها بضربةٍ واحدة, وأمّا إنْ كانت البعوضة حيّةً وآذيتها وعذبتها فهذا العمل يؤدّي بك إلى جهنّم! يعني: أنّ الله سبحانه يدخل إنساناً في جهنّم لأجل قتله فأرة أو هرّة, غنم, بقرة, فليس للإنسان حقّ في أن يحرقَ شيئاً من الحيوانات, فللنّبي حقّ علينا في أن نتأسّى به, فيجب علينا أنْ نتأسّى به؛ إذ النبيّ أسوةٌ لنا.
إلى أيّ حدّ كان عطوفاً وحليماً مع نسائه؟! فلم يكنَّ نساءً ملكوتيات! نعم، كان فيهنّ من جميع الأصناف, فأعانَ الله النبيّ!! وماذا كان يفعل؟! كيف كان يواجه هذه النسوة!! كنّ يتسبّبن للنبيّ في كلّ بلاء حتّى في غذائه؛ حيث كنّ يضعن فيه بعض التوابل ذات الرائحة السيّئة مثل الثّوم, حتّى يأكل النبيّ منه ويتأثّر فمه برائحتها ثمّ لتأتي زوجته وتظهر تنفّرها منه, فلا يعود النبيّ يقترب منها، أو تكون إحدى زوجاته قد صنعت بعض الحساء في بيتها فتحبّ أن ترسل إلى النبيّ وعاءً منه ـ وهو في منزل عائشة ـ فترسل له تلك الزوجة شيئاً من هذا الحساء, فما أن تقع عينا عائشة على ذلك الوعاء حتّى تأخذها من النبيّ وتكسرها وتريق الحساء!! كيف كان النبيّ يقابل ذلك؟ هل كان >يلحقهنّ بالعصا هذا الأسلوب في التعامل موعظة من النبيّ, وهو نوع من التحمّل والجلد, وهنا تتّضح حقيقة {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[15] وحينئذٍ يَثبتُ أنّه ـ في الواقع ـ ينبغي أنْ تكون عصمة المرأة بيد الرجل. على الرجل أن يحفظ عصمة المرأة, يجب عليه أن يحفظها من المخاطر والمهالك.
فأوامر النبيّ كانتْ تبثّ الحياة للناس, وشرحه وبيانه للمطالب كان يغيّر حياتهم, فكان الناس يأتون ويمدحون النبيّ ويتعلّمون منه وكانوا يفهمون. أولئك الذين كانوا يعتنقون الإسلام كانوا يفهمون.. يعني: كانوا يدركون المطالب من ناحية الملكوت ويفهمونها ويصبحون مسلمين.
كانَ يخطبُ في الناس, وكان يتكلّم عن التوحيد وعن المعاد ويلقي الموعظة، فكان يخطب في الناس معتلياً المنبر, وهو في الأثناء إذا وقع بين الناس اختلاف أو مشكلة بين قبيلتين كالأوس و الخزرج.. حيث كان لهما سابقة في نشوب النزاع فيما بينهما, فتتنازعان وتتضاربان بالنّعال في محضر النبيّ وهو على منبره.. كلّ فرقة منهم ترمي على الأخرى!! وكان النبيّ ـ من على المنبر ـ يقوم بتهدئتهم وتسكينهم.. وكانوا لا يصغون ولا ينصتون حينما يجلسون في محضر النبيّ.
ولدينا روايات من طرق الشيعة والسنّة وفي كتب السير كالسيرة الحلبيّة ذكرت أنّ عائشة كانت تقول للنبيّ في غضبها:
أنتَ الذي زعمتَ أنك رسول الله! أنت الذي تقول: إنّي رسول الله! تفعل هذا الفعل[16] ما كانت حفصة ـ ابنة عمر ـ تخاصم النبيّ, فكانت تزعجه وكانت تؤذيه وتقوم بالبهتان والنميمة وتوقع النساء في الخصام وكانت تثير الفتنة.. فكان النبيّ يأمر أحد الأشخاص أن يحضرها إلى مكان معيّن كي يحكم بينه وبينها، فكان يرسل وراء والدها (عمر)؛ ليأتِ وليقض بين النبيّ وبين ابنته!! وكان في بعض الأحيان يضرب ابنته, أنْ لماذا فعلتِ هكذا مع النبيّ؟! هكذا كانت امرأة من هذا القبيل!!
ثمّ أيّ بلاء ومصائب جلبوها لـ أُمّ سلمة!! وماذا عن مصائب السيدة فاطمة الزهراء!! إنْ أردتّم أنْ تتعرّفوا على ذلك فعليكم بمراجعة شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد, فمع أنّه سنّي المذهب (شافعيّ معتزليّ), لا بأس بالرجوع إليه لو أردتّم الوقوف على سبب معاداة عائشة لـ فاطمة الزهراء عليها السلام, قال: سألتُ أستاذي النقيب عن ذلك وأبان لي الكثير عن ذلك, فيشرح ذلك بشكل ٍمفصّل ويبيّن الأسباب فيه, وذلك بشكل متقن ومحك[17] لكن إلى أيّ حدٍّ بلغ تحمّل النبي؟! كان صبره عجيباً جدّاً جدّاً جدّاً وأيّ تحمّل هو هذا!! وأيّ سعةٍ هذه! حيث كانَ يرى الحقيقة عياناً أمام عينيه، ويعرف واقع الأمر بشكل حقيقي، وكان بعضهم يعمدُ إلى إخفاء أفعالهم. إلاّ أنّه كان لا ينطقُ بشيء ولا ينطق بشيء غير الحقّ.
ذات يوم كان النبيّ منفعلاً, وكانت النساء جالسات عند النبيّ, فقال:
« ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب؟!»[18] أي: لا أدري أيّتكنّ سوف تركب الجمل الكبير الذي في وجهه وبر أحمر, وهي تمشي في منطقة الحوأب حيث تنبحها الكلاب.
فجالت النساء في التفكير في أنفسهنّ: كيف يتّفق ذلك؟ وأيّ منّا تمتطي الناقة ذات الوبر الأحمر وتعبر منطقة الحوأب (الحوأب اسم منطقة) ثمّ تنبحها الكلاب وتهجم عليها ويكون النبيّ غاضباً عليها حينئذٍ؟
وقد كتب الشيعة والسنّة ذلك بأجمعهم, وذكر ذلك المؤرخون كالطبري فأفاد من أنّ عائشة حينما ركبت الجمل وجاءت إلى البصرة لتقاتل أمير المؤمنين, كانَ الذي يأخذ بزمام ناقتها ابن أختها عبد الله بن الزبير, حتّى وصلوا إلى أرض ٍفحملتْ الكلاب على جمل عائشة, فتنبّهت عائشة بسرعة وسألت عن اسم المكان: أين هو هذا المكان؟ ماذا يسمّون هذا المكان؟ قالوا: اسمه الحوأب, فقالت: الويل لي.. أنا التي وقعت مصداقاً لكلام النبي (أيّتكنّ....).
فقال عبد الله: ماذا تقولين؟! قد يكون شيئاً آخر!! فلعل الحوأب مكانٌ آخر غير هذا المكان, ولعلّ الناقة هي غير هذه الناقة, ولكن إذا أردتِ أن ترجعي فلنرجع... وقد اتّفق لها ذلك، وقد نبحت الكلاب وهجمت على عائشة.[19]

    

علاقته مع ابنته وأثرها في سلوك زوجاته

كان النبيّ يحبّ فاطمة الزهراء حبّاً جمّاً.. كانَ يحبّها, وهذه المحبّة لأمر يرجع إلى سرّ النبيّ, ففاطمة الزهراء ابنة النبيّ وسرّه, وكان يحبّها أكثر من جميع أولاده, يحبّها أكثر من ابنته الأخرى زينب, كان يحبّها أكثر من جميع هؤلاء, ناهيك عن أنّها قد ولدت من السيّدة خديجة زمان البعثة, بعد أنْ آتاه الله العليّ الأعلى النبوّة.
ففاطمة الزهراء كانت امرأة نموذجيّة, ولو أردتّم أنْ تعرفوا ذلك ولو بنحو مجمل نقول: الأئمّة عليهم السلام من نسل أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء, يعني: لا بدّ وأن تكون فاطمة الزهراء ذات طهارة وعصمة بحيث أنّه ينبغي لصاحب الزمان أن يتولّد من رحم فاطمة الزهراء مظهر العدل ومظهر التوحيد, وينبغي لسيّد الشهداء أن يكون متولّداً من فاطمة وينحدر منها, وكذلك موسى بن جعفر يجب أنْ ينحدر من هنا, والإمام محمّد التقيّ يجب أن يكون من هنا, ولا بدّ للأئمّة أن ينحدروا من هنا. وأمّا والدهم فهو أمير المؤمنين الذي هو يفصح عن ذاته بنفسه, من زمان طفولته حتّى سنّ وفاته, كذلك يجب أن تكون زوجه هي تلك, فهي سرّ النبيّ, يعني: هل تدرون ما معنى ذلك؟ سرّ النبيّ يعني ذات النبيّ، يعني: هي عين النبيّ. غاية الأمر أنّها النبيّ الصغير, يعني: هي عين النبي في سنِّ الثامنةَ عشْرَ.. هذا هو معناه.. وتمام روحيّاته وأخلاقه وحالاته المعنويّة والتوحيديّة قد رسخت فيها, فليس نظر النبيّ ظاهريّاً, بل هو نظر واقعيّ, هذه هي رؤيته, وهي رؤية ملكوتيّة.
وكان كلّما أراد أن يشرع في سفر ٍ, لم يكن يخرج من بيوت عيالاته, وإنّما كان يذهب ينطلق من حجرة ابنته, وحينما يعود من سفره, كان أوّل ما يحلّ به هو منزل فاطمة يسلّم عليها, كان يتوقّف فيه, وبعد ذلك يذهب إلى منزله, كان يقبّل فاطمة ويقبّل يدَ فاطمة ويقبّل صدرها, وكلّما كانت تأتي فاطمة إلى أبيها, كان النبيّ يقوم لها ويجلسها مكانه. وهذا ثقيل جدّاً على النساء العاقرات اللواتي لا نسل لهنّ ويرين بأمّ أعينيهنّ كيف يفعل زوج تلك التي تَوفّيت ـ أي السيدة خديجة ـ مع ابنتها!
فتارة تكون المرأة مثل أمّ سلمة: كلّما ازداد النبيّ في حبّه لفاطمة الزهراء ازداد سرورها؛ لأنّها داخل هذا الحرم.. ولكن أحياناً لا تكون كذلك, بل تكون الزوجة ملوّثة, يعني: الغشّ نابتٌ في روحها, وهو ما يبثّ العداوة والبغضاء ويسبب الهدم والتخريب، فتؤذي وتشيع الوشاية وتتكلّم بكلام فظّ وتنسب السوء إلى النبيّ فكيف ترى النبيّ يُجلسُ أولاد ابنته على ركبته والحال أنّها لا أولاد لها!!؟ فهي تريد أنْ يكون لها من جانب النبيّ مثيل هذه المحبّة التي كانت لديه تجاه فاطمة الزهراء, والحال أنّه ليس للنبيّ فعل ذلك, فالنبيّ صاحب رؤية ملكوتيّة, فالنبيّ ليس شَهَويّاً, ولم يكن زواجه على أساس شهوانيّ.
أتتْ عائشة منزل النبيّ, وكانت ابنته هناك, ولكن النبيّ لم يعتن بها كما يعتني بفاطمة, فهي سرّه, وهي ملكوته, وأمّا تلك فهي مجرّد ظاهر سيِّء, إلاّ أنّهن لا يقنعنَ بل يقُلنَ: نريد أنْ تجعلنا في ميزان واحد! هل يمكن جعلهنّ في ميزان واحد؟!! بل لا يمكن وضعهنّ في ميزان واحد؛ إذ ليس للجهل أنْ يكون في صفّ العلم يوزن معه جنباً لجنب! وليس للنّور أنْ يوضع مع الجهل في كفّة ميزان واحدة, حتّى النبيّ لا يمكنه فعل ذلك, بل على النبيّ أنْ يحفظ حقّ كلّ شخص ٍبما يتناسب مع حدوده ومستواه.. لذلك كنّ يحقدن وكّن يؤذينها حتّى أنّه أحياناً كانت فاطمة الزهراء تأتي منزل النبيّ فيقلن لها كذباً: النبي ليس موجوداً.. فلا يفتحنَ لها الباب.
ولكم تسامحت وكم تغاضت! ولقد انتقلت عدوى هذه الجماعة من داخل المنزل إلى خارجه, وهو الحزب المخالف لأهل البيت الذي كان في منزل النبيّ من أمّ حبيبة وحفصة وعائشة وعدّة آخرين مرتبطين بالخارج (مع أبي سفيان وعمر وأبي بكر ومعاوية وهؤلاء...) حيث كانوا على اتصال ببعض ضمن شبكاتٍ للتجسس, يتناقلون الأسرار من داخل بيت النبيّ إلى خارجه. وقد ورد في سورة التحريم شيء عن قصّة إحضار النبيّ نساءه وعتابه لهنّ أن ألم أنهكنّ عن نقلِ ما يحدث داخل البيت؟!! فلماذا نقلتنّ هذه الأمور؟! فقلنَ: لمْ ننقلْ شيئاً, فتلا عليهنّ آية القرآن, فقالوا: من أنبأك هذا؟ قال: نبأّني جبرائيل[20] فهم لا يقدرون على مواجهة فاطمة الزهراء ومعاداتها من جهة التقوى والعدالة والنورانيّة والطهارة, فما هو الذي بأيديهم من هذه الجهة؟! لذلك كانوا يعمدون إلى طريق آخر, فيقتلونها وهي في سنّ الشباب! يعمدون إلى إسقاط محسنها! يقومون بغصب أموالها ويسلبونها فدكها ويجلدونها بالسوط. ولكن ليس لهذه السياط أن تؤذي ذاك المقام المعنويّ ولا أنْ ترقى إلى تلك المنزلة, فحتّى لو قطّعوا فاطمة الزهراء إرباً إربا.. فهي فاطمة الزهراء, وهي شفيعة للأمّة في جميع العوالم, وهي حاملة لواء التوحيد يوم القيامة. وهي سرّ عصمة وطهارة الإمام الحسن بن عليّ, وسواء قطّعتموها إرباً إربا أم لا فإنّ الإمام الحسين ابنها هي! فاقتلوا أنفسكم كي تثبتوا ذلك... سواء تقولون: إنّ الإمام الحسين (ابن رسول الله) أو لم تقولوا. لا تقولوا: هو (ابن رسول الله)!! لا تسمّوه (ابن رسول الله)!! ولكن الواقع هو أنّ الإمام الحسين من فاطمة الزهراء, وفاطمة الزهراء بنت النبيّ, والآن تريدون أن تُسَمّوه (ابن النبي) أو لا تريدون.. فلا تسمّوه؛ فإنّ ذلك لا يغيّر من الواقع الخارجيّ شيئاً.
إلاّ أنّ الجاهلين لا يدرون أنّهم يريدون أنْ يحذفوا هذا الأصل الراسخ, والحال أنّ هذا الأساس غير قابل للتغيير والحذف!! فهو لا يقبل الزوال.
ولكن عجيب واقعاً, كيف يأتي موجود إلى هذه الدنيا فتأتي امرأة وتضع قدمها في هذه الدنيا وتحبّ أباها, وإلى أيّ حدّ كانت عاشقة وإلى أيّ حدّ تأسّتْ بنبيّها (بأبيها) حتّى صارت روحها روحَ النبيّ, وأصبح سرّها سرّ النبي. فالنبيّ حينما رجع من سفره, كان أوّل منزل يحلّ فيه هو بيت فاطمة, وحينما وقعتْ عينه على ستار مسدل, ثمّ تابع سيره من باب منزل فاطمة ودخل المسجد، التفتتْ فاطمة بسرعة وعلمتْ السبب في رجوع النبيّ, فهو كان يأتي دائماً إلى المنزل ويجلس, فنادتْ سلمان: تعال! خذْ هذا سواري الفضيّ وكذلك الستار المتدلّي, ففتحت الستار وأعطته لسلمان مع السوار وقالت: خذه وقدّمه لأبي وقل له أنْ يقسّم ذلك على الفقراء, فأخذ سلمان السوار والستار وأعطاهما للنبيّ.
فسأله النبيّ: من الذي أعطاك ذلك؟
أجاب سلمان: يا رسول الله! قالت فاطمة: أبي لم يدخل المنزل, وقد تفحّصت كلّ شيء ولم أجد غير هذين الأمرين علّة لعدم دخوله.
عندها قال النبيّ روحي فداء لفاطمة التي تعرف سرّي وتطّلع على ضميري[21] وهذا نوع من التأسّي.
لقد جاهد جيش الإسلام, وجلبَ عدداً كبيراً من الأسرى نساءً ورجالاً حتّى امتلأت المدينة من النساء والرجال الأسرى, إلاّ أنّ فاطمة لم تكن تمتلك حتّى خادماً واحداً ولا جارية. وكان عليها أنْ تغزل الصوف وتحيكه بنفسها، وعليها أنْ تطحنَ الحنطة وتدير رحى الطاحونة ثمّ تعجنه وتخبزه بنفسها، وعليها أنْ تهيّئ الحليب بنفسها للإمام الحسين. ولقد جاءوا يوماً وقالوا لفاطمة: يا فاطمة! فلتقولي لأبيكِ أن يعطيك واحدة من هذه الجواري اللواتي تمّ أسرهنّ؛ لتأتي إلى منزلك وتنجز لك أعمالك. ألحّوا عليها وأصرّوا. فجاءت إحداهنّ وأخبرت النبيّ نقلاً عن فاطمة: يا رسول الله، ها أنتَ تقسّم كلّ هذه الجواري على المسلمين, وهذه ابنتك ولها حقّ أيضاً. فجاء النبيّ إلى منزل فاطمة وقال: يا ابنتي! نحن نعطي سهم المسلمين, إلا أنّي أحبّك أن تصبري على هذه الصعاب: هل تعلمين أنّ هناك درجات للمؤمنين يوم القيامة لا تعطى لهم ولا ينالونها إلا بالصبر! فهل تريدين أنْ أعطيك ما هو أفضل من ذلك؟ قالت فاطمة: نعم, تفضّل عليّ يا رسول الله, فقال لها النبيّ: سبّحي بتسبيح الزهراء بعد الصلاة (وهي تسبيحة الزهراء المعهودة)! اقرئي ذلك وداومي عليه حتّى تبلغي ذاك المقام, قالت فاطمة: ماذا أفعل إذن بالخادمة؟! مالي وما للخادم!! أنا أريد رضاك أنت[22]
وكان النبيّ قد قسم الأعمال بين فاطمة و علي، فجعل الأعمال المنزلية لفاطمة الزهراء, ومنذ تلك الليلة التي وضعَ فيها النبي (صلى الله عليه وآله و سلم ) يدَ فاطمة بيد عليّ وقال: فاطمة! أنتِ على عهدتك العمل داخل المنزل, والأعمال الخارجيّة على عهدة عليّ من جلب المواد الغذائيّة ورعاية الأشجار وقطف التمر وإجراء الماء والحرب والجهاد كلّ ذلك على عهدة عليّ, والأعمال المنزليّة على عهدتك, أي تَكفّل الأمور المنزليّة هي مسؤوليّة عليك, هذه هي المسؤوليّة التي ألقاها النبيّ عليها. وكانت فاطمة سرّ النبيّ راضية.
وفي تلك المدّة القصيرة ـ كما في أغلب كتب التاريخ ـ منذ أن قام النبيّ بزفافها إلى أمير المؤمنين, حيث كان عمرها تسع سنوات, إلى زمان وفاتها حيث كان سنّ فاطمة ثماني عشرة سنة.. في هذه الفترة الوجيزة أنجبت فاطمة خمسة أولاد: الإمام الحسن والإمام الحسين, والسيدة زينب, والسيّدة أم كلثوم, وأمّا محسن الذي لم يأت إلى الدنيا أيضاً, نحن نقول: (محسن), والحال أنّه ما الذي يدرينا, هل كان أقلّ من الإمام الحسين؟! هل هو أقلّ من الإمام الحسن؟! فهو ابن عليّ وفاطمة.. إلاّ أنّه قتل وهو نطفة.. كان جنيناً وطحنوه بين الباب والحائط!!
حينما كان النبيّ يودّع الدنيا كانت فاطمة تبكي كثيراً, كانت متألّمة وتنشد هذه الأبيات من الشعر:
وأبيضُ يُستسقى الغمامُ بوجهه
                             ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل...


يعني: يا أبتاه الجليل! كنتَ السحاب الأبيض في أعالي السماء, حيث تهطل منك الحبيبات من ماء الرحمة, وكنت بالنسبة لجميع الأيتام والأرامل المحتاجين كغيم الرحمة.
فقال النبي: تعالي يا فاطمة! لمَ تنشدين هذا الشعر؟ اقرئي هذه الآية من القرآن:
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[23] فتألّمت فاطمة كثيراً, وكان جميع نساء النبيّ يجلسن من حوله ناظرات. قال النبيّ: فاطمة تعالي تعالَي تعالي! اقتربت فاطمة منه, فقبّلها, وقال لها جملة قصيرة, فقامت فاطمة عن صدر أبيها وهي تبتسم, فسألنها: ماذا قال لك النبيّ حيث تبدّل حالك من حالة الابتهال والتضرع إلى حالة التبسّم؟ قالت فاطمة: قال النبيّ لي: لِمَ تحزنين؟ فإنّك تلحقين بي بعد بضعة أيّام, وأنتِ أوّل من يلحق بي من أهل بيتي.[24]
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}[25]
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}[26]
نسألك اللهمّ وندعوك ونقسم عليك بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الطيّبين الطاهرين من ذريّة الحسين وباسمك العظيم الأعظم الأعزّ الأجلّ الأكرم يا الله...
اللهمّ ارحمنا وتجاوز عن جميع خطايانا واجعلنا من المتأسّين بسنّة رسول الله. شملكم الله جميعاً برحمته إن شاء الله.
يوافق غداً ذكرى شهادة الإمام الرضا عليه السلام حسب الرواية الأصحّ والأشهر التي تنصّ على أنّ شهادته كانت في آخر شهر صفر, وسيقام المجلس المعهود من الساعة السابعة إلى التاسعة في المنزل.

رحم الله من قرأ الفاتحة مع الصلوات


[1] ـ سورة الأحزاب (33) الآية 21.

[2] ـ ورد في كتاب "من لا يحضره الفقيه" للشيخ الصدوق ج 1 ص 130 قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم ، وإنا نجز الشوارب ونعفي اللحى وهي الفطرة".

[3] ـ الكافي، ج2 ص 599. حديث 2 من كتاب فضل القرآن.

[4] ـ سورة النّور (24) صدر الآية 30.

[5] ـ وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي ج 20 ص 193ـ 195 من ملأ عينيه من امرأة حراماً حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار ، وحشاهما ناراً حتى يقضي بين الناس ، ثم يؤمر به إلى النار . من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمض بصره لم يرتد إليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين . وفي خبر آخر : لم يرتد إليه طرفه حتى يعقبه الله إيماناً يجد طعمه .

[6] ـ نهج البلاغة، ج2 ص 175.

[7] ـ نهج البلاغة خطب الامام علي عليه السلام ج 2 ص 56 حيث يقول عليه السلام: يدعي بزعمه أنه يرجو الله. كذب والعظيم، ما باله لا يتبين رجاؤه في عمله؟ فكل من رجا عرف رجاؤه في عمله. وكل رجاء إلا رجاء الله تعالى فإنه مدخول وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول يرجو الله في الكبير، ويرجو العباد في الصغير, فيعطي العبد مالا يعطي الرب. فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع لعباده؟ أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا؟ أو تكون لا تراه للرجاء موضعا؟ وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه, فجعل خوفه من العباد نقدا, وخوفه من خالقهم ضمارا ووعدا. وكذلك من عظمت الدنيا في عينه, وكبر موقعها في قبله آثرها على الله تعالى فانقطع إليها وصار عبدا لها. ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه وآله كاف لك في الأسوة. ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها, وكثرة مخازيها ومساويها, إذ قبضت عنه أطرافها, ووطئت لغيره أكنافها, وفطم عن رضاعها, وزوي عن زخارفها. وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. والله ما سأله إلا خبزاً يأكله؛ لأنّه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه؛ لهزاله وتشذب لحمه. وإن شئت ثلثت بداود صلى الله عليه صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة, فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده, ويقول لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها. ويأكل قرص الشعير من ثمنها. وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السلام, فلقد كان يتوسّد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجشب. وكان إدامه الجوع, وسراجه بالليل القمر. وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها, وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. ولم تكن له زوجة تفتنه, ولا ولد يحزنه, ولا مال يلفته, ولا طمع يذلّه. دابته رجلاه, وخادمه يداه. فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر صلّى الله عليه وآله؛ فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى, وعزاء لمن تعزّى وأحبّ العباد إلى الله المتأسّي بنبيّه والمقتصّ لأثره. قضم الدنيا قضما, ولم يعرها طرفا. أهضم أهل الدنيا كشحا, وأخمصهم من الدنيا بطنا. عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها. وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئا فأبغضه, وحقر شيئاً فحقره, وصغر شيئاً فصغره. ولو لم يكن فينا إلاّ حبنا ما أبغض الله ورسوله وتعظيمنا ما صغر الله ورسوله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمر الله. ولقد كان صلّى الله عليه وآله يأكل على الأرض, ويجلس جلسة العبد, ويخصف بيده نعله, ويرقع بيده ثوبه, ويركب الحمار العاري ويردف خلفه. ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول يا فلانة لإحدى أزواجه غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه, وأمات ذكرها من نفسه, وأحب أن تغيب زينتها عن عينه, لكيلا يتخذ منها رياشا, ولا يعتقدها قرارا ولا يرجو فيها مقاما, فأخرجها من النفس, وأشخصها عن القلب, وغيبها عن البصر. وكذا من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه وآله ما يدلك على مساوي الدنيا وعيوبها. إذ جاع فيها مع خاصته, وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته. فلينظر ناظر بعقله أكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال: أهانه فقد كذب والعظيم, وإن قال: أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه. فتأسى متأس بنبيه, واقتص أثره, وولج مولجه, وإلا فلا يأمن الهلكة فإنّ الله جعل محمّدا صلّى الله عليه وآله علماً للساعة, ومبشّراً بالجنة, ومنذراً بالعقوبة. خرج من الدنيا خميصاً, وورد الآخرة سليماً. لم يضع حجراً على حجر حتّى مضى لسبيله, وأجاب داعي ربّه. فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفاً نتبعه, وقائداً نطأ عقبه. والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها. ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها؟ فقلت: اغرب عنّي فعند الصباح يحمد القوم السرى.

[8] ـ المصدر المتقدّم.

[9] ـ المصدر المتقدّم.

[10] ـ المصدر المتقدّم.

[11] ـ سورة القلم (68) الآية 4.

[12] ـ سيرة النبوية ابن هشام الحميري ج 1 ص 172 والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته.

[13] ـ مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب ج 1 ص 51 طارق المحاربي : رأيت النبي صلى الله عليه وآله في سويقة ؟ ذي المجاز عليه حلة حمراء وهو يقول : يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، وأبو لهب يتبعه ويرميه بالحجارة وقد أدمى كعبه وعرقوبيه وهو يقول : يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب .

[14] ـ سورة النمل (27) ذيل الآية 18.

[15] ـ سورة القلم (68) الآية 4.

[16] ـ السيرة الحلبية الحلبي ج 3 ص 313 قال: وذكر بعضهم أنّ في هذه الحجة [ حجّة الوداع] كان جمل عائشة رضي الله عنها سريع المشي مع خفة حمل عائشة، وكان جمل صفية بطيء المشي مع ثقل حملها، فصار يتأخر الركب بسبب ذلك، فأمر صلّى الله عليه [وآله] وسلم أن يجعل حمل صفية على جمل عائشة، وأن يجعل حمل عائشة على جمل صفية، فجاء صلّى الله عليه [وآله] وسلم لعائشة رضي الله عنها يستعطف خاطرها فقال لها: يا أم عبد الله حملك خفيف وجملك سريع المشي، وحمل صفية ثقيل وجملها بطيء، فأبطأ ذلك بالركب، فنقلنا حملك على جملها وحملها على جملك ليسير الركب فقالت له: إنك تزعم أنك رسول الله؟ فقال صلى الله عليه [وآله] وسلم: أفيّ شكّ أني رسول الله أنت يا أم عبد الله؟! قالت: فمالك لا تعدل؟ قال: فكان أبو بكر رضي الله عنه فيه حدّة فلطمني على وجهي فلامه رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم فقال: أما سمعت ما قالت؟ فقال: دعها فإنّ المرأة الغيراء لا تعرف أعلى الوادي من أسفله.

[17] ـ راجع ابن أبي الحديد ج9 ص 192 وما بعدها. ومما قاله: "وأكرم رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة إكراماً عظيما أكثر مما كان الناس يظنونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد ، فقال بمحضر الخاص والعام مراراً لا مرّة واحدة ، وفى مقامات مختلفة لا في مقام واحد : إنها سيدة نساء العالمين ، وإنها عديلة مريم بنت عمران ، وإنها إذا مرت في الموقف نادى مناد من جهة العرش : يا أهل الموقف ، غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد . وهذا من الأحاديث الصحيحة وليس من الأخبار المستضعفة ، وإن إنكاحه علياً إياها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إياها في السماء بشهادة الملائكة . وكم قال لا مرة " يؤذيني ما يؤذيها ، ويغضبني ما يغضبها " ، و " إنها بضعة منى ، يريبني ما رابها " فكان هذا وأمثاله يوجب زيادة الضغن عند الزوجة حسب زيادة هذا التعظيم والتبجيل ، والنفوس البشرية تغيظ على ما هو دون هذا ، فكيف هذا !"

[18] ـ السيرة الحلبية الحلبي ج 3 ص 354: "ومن ذلك [إخباره بالمغيبات] قوله صلى الله عليه وسلم لزوجاته أيتكن تنبحها كلام الحوأب وأيتكن صاحبة الجمل الأديب ـ بالدال المهملة والفك لغة في الأدبّ بالإدغام وهو كثير الشعر ـ يقتل حولها قتلى كثير وتنجو بعدما كادت؟ فكانت تلك عائشة رضي الله عنها".

[19] ـ تاريخ الطبري ج3 ص 475، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص 217 و225، ومما ورد في السيرة الحلبية ج 3 ص 355: "فلما كانت عائشة رضي الله عنها في أثناء الطريق سمعت كلاباً تنبح فسألت عن ذلك المحل، فقيل لها: هذا الحوأب؛ فأرادت الرجوع لما تذكّرت ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فإنها صرخت وأناخت بعيرها وقالت: والله أنا صاحبة الحوأب ردّوني ردّوني ردّوني فعند ذلك يقال إنّ طلحة والزبير أحضرا خمسين رجلا شهدوا أنّ هذا ليس بماء الحوأب وأن المخبر لها كذاب قال الشعبي وهي أول شهادة زورت في الإسلام وقال لها الزبير رضي الله عنه ولعل الله أن يصلح بك بين الناس".

[20] ـ سورة التحريم، الآية رقم 3. (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير).

[21] ـ الأمالي الشيخ الصدوق ص 305 حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن جعفر العلوي الحسني ، قال : حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، قال : حدثنا حسن بن صالح بن أبي الأسود ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد ابن قيس ، قال : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة ( عليها السلام ) فدخل عليها ، فأطال عندها المكث ، فخرج مرة في سفر فصنعت فاطمة ( عليها السلام ) مسكتين من ورق وقلادة وقرطين [المسكة : السوار والخلخال ، والورق : الفضة ] وسترا لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها ( عليهما السلام ) ، فلما قدم رسول الله ( صلى الله عليه السلام ) دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون أيقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها ، فخرج عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر ، فظنت فاطمة ( عليها السلام ) أنه إنما فعل ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر ، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ، ونزعت الستر ، فبعثت به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقالت للرسول : قل له ( صلى الله عليه وآله ) : تقرأ عليك ابنتك السلام ، وتقول : اجعل هذا في سبيل الله . فلما أتاه وخبره ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : فعلت فداها أبوها ثلاث مرات ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد ، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى منها كافرا شربة ماء ثم قام فدخل عليها.

[22] ـ مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب ج 3 ص 119 – 120: وفي الحلية ، الأوزاعي عن الزهري قال : لقد طحنت فاطمة بنت رسول الله حتى مجلت يداها وطبت الرحى في يدها . وفي الصحيحين ان عليا ( ع ) قال : اشتكى مما أندى بالقرب ، فقالت فاطمة ( ع ) : والله إني أشتكي يدي مما أطحن بالرحى . وكان عند النبي صلى الله عليه وآله أسارى فأمرها أن تطلب من النبي خادما ، فدخلت على النبي وسلّمت عليه ورجعت ، فقال أمير المؤمنين : مالك ؟ قالت : والله ما استطعت أن أكلم رسول الله من هيبته ، فانطلق عليّ معها إلى النبي فقال لهما : جاءت بكما حاجة ؟ فقال علي مجاراتهما فقال : لا ولكني أبيعهم وانفق أثمانهم على أهل الصفة ، وعلمها تسبيح الزهراء . كتاب الشيرازي : إنها لما ذكرت حالها وسألت جارية بكى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا فاطمة والذي بعثني بالحق إنّ في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام ولا ثياب ولولا خشيتي خصلة لأعطيك ما سألت ، يا فاطمة إني لا أريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية، واني أخاف أن يخصمك علي بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي الله عز وجل إذا طلب حقه منك ، ثم علّمها صلاة التسبيح ، فقال أمير المؤمنين : مضيت تريدين من رسول الله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة.

[23] ـ سورة آل عمران (3) صدر الآية 144.

[24] ـ الأمالي الشيخ الطوسي ص 188 أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابويه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد ابن عبد الجبار ، قال : حدثنا ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن العباس ، قال :« لما حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته ، فقيل له : يا رسول الله ، ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لذريتي ، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي ، كأني بفاطمة ابنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي " يا أبتاه ، يا أبتاه " فلا يعينها أحد من أمتي . فسمعت ذلك فاطمة ( عليهما السلام) فبكت ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . لا تبكينّ يا بنية . فقالت : لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكن أبكي لفراقك ، يا رسول الله . فقال لها : أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي ، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي ».

[25] ـ سورة الشعراء (26) الآية 227.

[26] ـ سورة البقرة (2) الآية 156.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی