معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب رسالة المودة > رسالة المودة – المجلس الرابع: القرابة هم سفينة النجاة وسبيل الهدى

_______________________________________________________________

هو العليم

رسالة في مودّة ذوي القربى

تفسير آية:
{قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى}

 

والقربان الأوّل: حضرة الزهراء وابنها المحسن سلام الله عليهما


المجلس الرابع
خلاصة محاضرة يوم الجمعة 9 جمادى الأولى
سنة 1391 هجريّة قمريّة


من مؤلفّات العلاّمة الراحل

آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدّس الله نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                           تحميل الملف الصوتي للمحاضرة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمان الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم

قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
{قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}
(الآية الثالثة والعشرون من سورة الشورى: السورة الثانية والأربعون من القرآن الكريم)

    

بيان الزمخشري وتفسيره لآية المودّة

سبق أن قدّمنا عرضاً بالمعاني المختلفة لتفسير هذه الآية المباركة المنقولة عن أرباب التفسير من أهل السنّة، كما استوفينا الردّ عليها. ولكن إمام المفسّرين عندهم جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 538 هجريّة فسّر هذه الآية المباركة في تفسيره (الكشّاف) بمحبّة ومودّة أهل البيت عليهم السلام، كما فسّرناها نحن سابقاً؛ طبقاً للأحاديث المتواترة عن الشيعة والسنّة في ذلك. قال: إنّ الاستثناء سواء كان متّصلاً أم منفصلاً, فالمراد من أهل القربى هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا نص عبارته: "يجوز أن يكون الاستثناء متصلاً: أي: لا أسألكم أجراً إلاّ هذا، وهو أن تودّوا أهل قرابتي، ولم يكن هذا أجراً في الحقيقة؛ لأنّ قرابته قرابتهم فكانت صلته ملازمةً لهم في المرؤة. ويجوز أن يكون منقطعاً: أي: لا أسألكم أجراً قطّ، ولكنّني أسألكم أن تودّوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم. فإن قلت: هلاّ قيل: إلاّ مودّة القربى أو إلاّ المودّة للقربى وما معنى قوله – إلاّ المودّة في القربى ؟ قلت: جعلوا مكاناً للمودّة ومقراً لها كقولك: لي في آل فلان مودّة ولى فيهم هوى وحبّ شديد، تريد: أحبّهم وهم مكان حبّى ومحلّه، وليست (في) بصلةٍ للمودّة كاللام إذا قلت: إلاّ المودّة للقربى، إنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به كما في قولك: المال في الكيس وتقديره: إلاّ المودّة ثابتة في القربى ومتمكّنة فيها، والقربى مصدر كالزلفى والبشرى: بمعنى القرابة والمراد: في أهل القربى".[1]
وبعد ذلك يشرع الزمخشري في بيان الأحاديث التي وردت في تفسير هذه الآية وغيرها بمحبّة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ويذكرها. ويلاحظ أنّ الزمخشرّي يفسّر الآية بأنّه يجب على المسلمين أن يجعلوا أهل البيت محلاًّ ومقرّاً لمحبّتهم، وأن يثبّتوا مودّتهم تجاه تلك النفوس المقدّسة.

    

دلالة حديث السفينة على لزوم اتّباع أهل البيت (عليهم السلام)

نعم، فهذه هي حقيقة المسألة طبقاً للأحاديث المسلّمة والمتواترة التي يرويها الشيعة والسنّة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله من قوله: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح: من ركب فيها نجى، ومن تخلّف عنها غرق».[2]
وهذا الحديث الذي يشبّه العلاقة والارتباط والمودّة لتلك الذوات المطهّرة بسفينة نوح, والوارد بلفظ (في) التي هي بمعنى الظرفيّة، والتي ذُكرت كذلك في الآية المباركة: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} هو حديث في غاية الروعة وجدير بالتأمّل.
فلا شكّ في أنّ سفينة نوح التي صنعت بيدي النبيّ نوح عليه السلام, كانت سفينة أمن ونجاة بحيث أنّ كل من ركب فيها نجا بنفسه إلى السلامة، وكلّ من لم يركب فيها أصيب بالهلاك. ففي الطوفان الذي ملأ العالم كلّه مع أمواج الآفات السماوية والأرضيّة التي كانت تقبل من كل ناحية وصوب, ومع الرياح العاصفة والأمطار الغزيرة التي كانت تهدّ وترعد, كان الماء يتفجّر من الأرض، والسماء تهطل بالشلالات الغزيرة, مع كل ذلك كانت سفينة نوح وسيلة النجاة الوحيدة؛ لأنّها كانت سفينةً واحدةً ولم يكن سواها.
لقد كانت السفينة محكمةً ثابتةً بحيث لم تتحطّم على أثر الطوفان, ولم يكن ليؤثّر فيها تيّار الطوفان وطغيان الماء الذي لم يرحم أحداً، فدمّر البيوت وأفنى أصحابها، حتّى أغرق اللاجئين إلى أعالي الجبال كابن النبيّ نوح.. لقد نجا كل ركّاب تلك السفينة ولم يصب أيّ منهم بمكروه, مع أنّ هؤلاء الذين ركبوا في السفينة بدعوة من النبيّ نوح عليه السلام كانوا سيغرقون بأجمعهم فيما لو تخلّفوا، ولما كان طغيان البلاء ليتأخّر عن إبادتهم.
وقد أدرك خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وآله أنّ أهل بيته هم سفينة النجاة. كيف لا؟ وهو نوح الحقيقة والمعنى، وهو منجي عالم البشرّية من دوّامة بلاء الجهل والغرور والطمع والاستكبار، وحبّ الذات والجحود، والإنكار والشهوة والغضب, وهو مخلّص الناس في النهاية من ظلمة عبادة الأنا والآخذ بأيديهم إلى حريم أمن عبادة الله وأمانها أدرك ذلك ببصيرته وبنور قلبه المنوّر بمقتضى قوله تعالى: {مازاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ‏* لَقَدْ رَأى ‏مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}‏.
ومولى الموالي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه هو خلاصة روح النبيّ ونفسه وهو أخوه وسرّه. كيف لا؟ وهو الذي ولد في بيت الله الحرام, وفتح عينيه من أول يوم على طلعة الجمال المحمّدي، وتربّى في أكناف النبيّصلى الله عليه وآله, ولم يسجد لصنم قطّ, وهو أول من صّدق بالإسلام, وكان ملازماً للنبيّ في كل المراحل في الخلوات والجلوات, وفي الهجرة والغزوات, وكان تالي تلو النبي في العلوم والمعارف والأسرار الإلهيّة، وفي مقام تعليم البشر وتربيتهم وإيصالهم إلى مقام الفوز والسعادة, وكان باب مدينة علم ذاك النبيّ وحكمته. قال: «ولقد كنت أتّبعه إتّباع الفصيل أثر أمّه, يرفع لي في كلّ يومٍ من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به».[3] حتّى صار الإسلام مديناً ورهيناً لجهاده وتضحياته, ولذا قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: «خلقت أنا وعلي من شجرةٍ واحدةٍ»[4], كما وردعن نفس أمير المؤمنين في نهج البلاغة أنّه قال: «وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضد».[5]
وأمّا الصدّيقة الكبرى السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فهي أيضاً سرّ أبيها ووارثة حقائقه ومعنوياته، وفضائله وكمالاته, بالإضافة للحسنين سيدي شباب أهل الجنّة, وأولاد هؤلاء العظام حاملوا لواء الولاية والمقام المحمود, فهؤلاء جميعهم هم بمنزلة سفينة نوح عليه السلام.
فكلّ من أخذ بنفسه إلى هذه السفينة وأدلى بقلبه فيها ووضع رأسه على عتبتها وأحبّهم بروحه وقلبه, واتّبعهم وأدرك أنّهم القدوة والقادة والمرشدون والمعلّمون في تمام شؤون الحياة الدنيويّة منها والاُخرويّة, الظاهريّة والباطنيّة وانقاد لهم تأدّب بسننهم, فإنّه سينجو من أذى الحوادث الماديّة والمعنويّة وسيصل إلى مقام الأمان.
وكل من تخلّف تقاذفه تيّار الأفكار الشيطانيّة والخواطر النفسيّة والأهواء الباطلة المضلّة تقاذف الأمواج وساقه إلى فخّ الهلاك, وسدّ طريق النجاة أمامه, ومهما بحث عن الدواء والعلاج فلن يكون له من نصيب سوى الحرمان, وما اتّخذ من صديق يريد الأنس به إلاّ وكان عدواً لروحه, حتّى يصاب بالبوار بين الأمواج العاتية والمصائب اللامتناهية الناجمة عن الأنانيّة والاعتداد بالنفس ليتّجه بعدها نحو جهنّم.

    

ما أفاده الفخر الرازي في المقام

يقول الفخر الرازي في تفسيره: وسمعت بعض المذكّرين قال: إنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا» وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أصحابي كالنجوم: بأيّهم اقتديتم اهتديتم». ونحن الآن في بحر التكليف وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات وراكب البحر يحتاج إلى أمرين أحدهما: السفينة الخالية عن العيوب والثقب والثاني: الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة كان رجاء السلامة غالباً، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنّة سفينة حبّ آل محمّد ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة، فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة. إلى هنا انتهى كلام الفخر الرازي. وكذلك ينقل الآلوسي هذا المطلب عن الفخر الرازي في تفسيره ويؤيّده.
وخلاصة المطلب أنّهم يقولون: إنّ كلام الرسول الأكرم في حقّ أهل البيت بأنّهم كسفينة نوح من ركبها نجى ليس كافياً وحده؛ , فالمحبّة والاقتداء بأهل البيت لا تأخذ وحدها بيد الإنسان؛ لأنّ النبي كان قد قال بالإضافة إلى ذلك: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم». لذا علينا أن نتمسّك كذلك بسيرة أصحاب الرسول وأن نقتدي بهم بأيّ شكل وعنوان؛ فهم نجوم السماء؛ لأنّ المسافر في السفينة لا ينتفع من الجلوس فقط في السفينة, بل عليه أن يعمل نظره في السماء ويبحث عن النجمة الدالّة على الطريق ويتحرّك على أساسها.

    

الأدلّة الدالّة على ضعف الاستدلال بحديث (أصحابي كالنجوم)

ولكن هذا الاستدلال باطلٌ من عدّة جهات، وهو لا يعدو أن يكون مغالطة: أوّلاً: لأنّ رواية: «أصحابي كالنجوم: بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ليست أكثر من حديث مجعول, فهذا الحديث لم يعثر عليه في كتاب من كتب الشيعة، بالإضافة إلى عدم صحّة سنده في روايات أهل السنّة.
فعندما أرادوا بعد رحلة رسول الله أن يحرفوا مسير هداية الناس ويبعدوهم عن أهل بيت الرسالة ـ مع وجود الآلاف من الروايات في بيان فضائل أمير المؤمنين عليه السلام التي سمعوها عن رسول الله بأنفسهم ـ وعندما أرادوا أن يكونوا هم المسؤولين عن زعامة المسلمين وذلك تبعاً لأهوائهم، قاموا بجعل الحديث عن رسول الله بأنّ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وبهذه الرواية أرادوا أن يبرّروا أ مخالفاتهم وانحرافاتهم, غافلين عن أنّ التاريخ التحليليّ والأبحاث النقديّة سوف لن تبقي شأناً لاختلاقاتهم.
وبعد أن يروي المرحوم المجلسي أخباراً كثيرة عن رسول الله على خلافة ووصاية أمير المؤمنين عليه السلام, نقل عن الفخر الرازي رواية في تفسير آية {إِنَّما أَنْت َمُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هاد}[6] عن ابن عبّاس وهذا نصّها: قال ابن عبّاس: وضع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يده على صدره فقال: «أنا المنذر!» وأومأ بيده إلى عليّ وقال: «أنت الهادي! يا عليّ بك يهتدي المهتدون». انتهى.
بعد ذلك يشرح هذه الرواية ويقول: وبهذه الأخبار يظهر أنّ حديث: «أصحابي كالنجوم: بأيّهم اقتديتم اهتديتم» من مفترياتهم، كما اعترف بكونه موضوعاً شارح الشفا وضعّف رواته, ونحوه ابن حزم والحافظ زين الدين العراقي. وسيأتي القول قي ذلك إن شاء الله تعالى.[7]
وثانياً: أنّ حديث الاقتداء بالصحابة واتّباعهم منافٍ بشكل صريح للآيات القرآنيّة؛ فهم يعلمون أنّ تصريح القرآن بالاقتداء منحصر في الأنبياء والأئمّة المعصومين والأولياء المقرّبين المجرّدين عن كلّ نوع من الأهواء النفسيّة, ولا يجوز بأيّ وجه من الوجوه الاقتداء بالأفراد الذين لم يخرجوا بعد من أهواء النفس، ولم تتنوّر قلوبهم بعدُ بنور الله, خصوصاً في إطار الولاية الشرعيّة والزعامة الدينيّة والرياسة العامّة وخلافة رسول الله. وسنقوم الآن بذكر بعض الشواهد من آيات القرآن من باب المثال:
أولاً: من الوصايا التي يوصي المولى الإنسانَ بها الاقتصار على اتّباع طريق الذين أنابوا إليه وسلّموا له قلوبهم , {وَاتَّبِعْ سَبيلَ مْ أَنابَ إِلَي‏}[8].
ثانياً: أنّ الله تعالى ما تحدّث في القرآن عن الإمامة والزعامة إلاّ وجعلها مقارنة لاهتداء الإمام بأمر الله، وجعل هداية الإمام ملازمة لهداية الله،. فبعد أن بيّن في سورة الأنبياء حالات الأنبياء إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب يقول: {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدين‏}.[9] فيلاحظ أنّه اعتبر جنبة الإمامة والزعامة ملازمة لهدايتهم بأمر الله سبحانه.
ويقول في موطن آخر في حقّ بني إسرائيل عندما بعث النبي موسى بكتابه السماويّ إليهم وجعله مصباح هدايتهم: {وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ}.[10]
ثالثاً: قال الله سبحانه على سبيل الاستفهام التقريري: ّ{ِأَفمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقّ ِأَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لايَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى‏ فَما لَكُمْ كَيْفَ تحْكُمُون}‏.[11]
ويلاحظ هنا: أنّ الله قابل بين الهداة إلى الحق وبين الأفراد الفاقدين للهداية الذاتيّة و الإلهام، بل هم مهتدون بواسطة غيرهم. بناءً على ذلك يتّضح أنّ المجموعة الأولى فقط هي القادرة على هداية الناس إلى الحقّ وهم أصحاب الهداية الذاتيّة والإلهاميّة, وقلوبهم منوّرة بنور الله فيميّزون بين الحقّ والباطل بالفرقان الإلهي وقدرة الإلهام.
رابعاً: أنّه ورد في ثلاثة مواضع من القرآن: وَمَنْ يَهْدِاللَّهُ فَهُو َالْمُهْتَد[12], مَنْ يهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَد[13], مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدي[14]. و من المعلوم أنّ من لم يكن قد اهتدى الطريق فكيف يمكنه أن يأخذ بأيدي الضالين؟
فمن لم تُفتح عين بصيرته ولم يرَ جمال الله في كلّ الموجودات بعين الوحدانيّة ومن لم يزل سجين قفص الأوهام والأنانيّة, فهل يستطيع أن يقود مخلوقات الله تعالى إليه؟ وهل سيتمكّن بواسطة رؤية بصيرته وتفحّصه وجاذبيّته الروحيّة أن يهب البصيرة للعمي التائهين فيقودهم في طريق السعادة والتوحيد الرحب؟ {قُل ْهَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى ‏وَالْبَصيرُ أَفَلا تتفكّرونَ}.[15]
خامساً: لقد خاطب الله سبحانه نبيّه قائلاً: {وَلا تطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطا}.[16] ومع أنّ الخطاب موجّه إلى النبيّ إلاّ أنّ من الواضح أنّ ملاك الخطاب عامّ, و على كلّ مسلم أن يجتنب اتّباع كلّ من أغفل قلبه عن ذكر الله وانقاد وراء هوى نفسه, سواء كان من صحابة رسول الله أم من غيرهم.
فإذا ركن بعض الصحابة إلى اتّباع أهواء النفس فهل من الممكن الاقتداء بهم؟ يقول سبحانه وتعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ ممَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمين‏}.[17] يعدّ الله سبحانه وتعالى الأفراد الذين يتّبعون أهواء نفوسهم من أضلّ أفراد البشر, و لا فرق هنا بين أن يكونوا من الصحابة أو من غيرهم. فعلى كلّ حالٍ بموجب نصّ القرآن الصريح يكونون ضالّين,ولا يمكن للضّال أن يقوم بالهداية.
بناءً على ما ذكر, وبموجب الآيات المتقدّمة كيف يصحّ أن نصدّق بأنّ النبي الأكرم قال: (اقتدوا بكلّ واحدٍ من أصحابي, واتّخذوهم قدوة لكم, فهم الهادون لكم؟). لقد كان بين الصحابة أفراد جديرون ومؤمنون ذوو بصيرة, كما كان بينهم ضالّون ومنافقون, كما كان بينهم أفراد عوام آمنوا ولمّا يرسخ الإيمان في قلوبهم, فمع انقسامهم إلى هذه الأقسام, هل يصحّ أن يقول الرسول صلى الله عليه وآله للناس: (اقتدوا بأيّ واحد من أصحابي وستدركون طريق الكمال وستصلون إلى الصلاح والسعادة؟).

    

طرف من فضائل بعض الصحابة ومناقبهم

ونجد أنفسنا هنا مضطرّين لأن نبيّن بعضاً من الأحاديث والوقائع ذات الدلالة على عظمة روح بعضهم وعلوّ قدرهم ومنزلتهم, وكذلك الأحداث والوقائع التي تدلّ على ضعف إيمان بعضهم أو نفاقهم, حتّى يصير واضحاً بأنّ بينهم الصالح والطالح ولم يكونوا كلّهم قطعة طاهرة ومطهّرة.
وقد ورد كذلك في موارد مختلفة من القرآن الكريم آيات في تمجيد ومدح بعضهم, غير أنّا سنكتفي ببعض الأحاديث التي جاءت في فضلهم وشرفهم:
أولاً: نُقل عن أمالي الشيخ الطوسي بإسناده المتّصل عن الإمام الباقر عليه السلام: قال: «صلّى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) بالناس الصبح بالعراق، فلمّا انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله تعالى، ثم قال: أم والله لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإنّهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربّهم سجّداً وقياماً، يراوحون بين أقدامهم وجباههم[18] يناجون ربّهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم وهم جميع[19] مشفقون منه خائفون».[20]
ثانياً: ورد في نهج البلاغة: «لقد رأيت أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فما أرى أحداً منكم يشبههم, لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً قد باتوا سجّداً وقياماً، يُراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم, كأنّ بين أعينهم من ركب المعزى من طول سجودهم, إذا ذكر الله سبحانه هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف؛ خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب».
ثالثاً: نُقل عن الطبري أنّه رُوي أنّه لمّا نُسخ فرض قيام الليل طاف النبي صلّى الله عليه وآله ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصاً على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتّلاوة.
رابعاً: ورد في نهج البلاغة في خطبة لأمير المؤمنين: «أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟! أين عمّار؟ وأين ابن التّيّهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة وأُّبرد برؤوسهم إلى الفجرة؟». فأمير المؤمنين يذكر هنا عمّار بن ياسر وابنّ التيهان ( مالك بن التيهان الذي كانت كنيته أبو الهيثم) وأبو عمارة خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي الذي عدّ رسول الله شهادته بشهادة رجلين, وجميعهم كانوا من كبار الصحابة وأجلائهم, وكان يتحسّر في حرب صفّين على فقدانهم وشهادتهم. ثم قبض على محاسنه الشريفة وبكى طويلاً ثم قال: «أوه! على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه, وتدبّروا الفرض فأقاموه, أحيوا السنّة وأماتوا البدعة, دُعوا للجهاد فأجابوا, ووثقوا بالقائد فاتّبعوه».
نعم، لقد كان هؤلاء الأفراد من نخبة صحابة رسول الله الذين قاتلوا بإيمانهم الراسخ إلى جنب مولى الموالي حتّى آخر لحظة حيث أسلموا أرواحهم بين يديه.

    

الأدلّة الدالّة على ارتداد بعض الصحابة وضلالهم

وأمّا الطائفة الاُخرى من الصحابة الذين لم يصلوا إلى مرحلة اليقين وكان إيمانهم ظاهرياً ولربما اقترن بالنفاق أحياناً, فحالاتهم كانت مختلفة, ويبيّن القرآن والروايات مقداراً من حالاتهم, ونذكر بعض قصصهم من باب المثال:

    

واقعة صلاة الجمعة

أوّلاً: ورد في تفسير الآية المباركة {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً} أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري قال: أقبلت عير ونحن نصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وآله الجمعة، فانفضّ الناس إليها، فما بقي غير اثني عشر رجلاٌ أنا فيهم، فأنزل الله هذه الآية. وتوضيح ذلك أنّ العادة اتّفقت في ذلك الزمان أن تسافر القوافل إلى االشام أو مناطق اُخرى لكي يحضروا معهم الوسائل الضروريّة من القمح والشعير والألبسة وغيرها، وعند وصول القافلة إلى المدينة كانوا يقرعون الطبول حتى يطّلع الناس على وصولهم ويشتروا احتياجاتهم منها قبل نفاذ الكمية. وصادف ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يصلّي الجمعة [21] أويخطب يوم الجمعة[22] فدخلت قافلة ووصل صوت قرع الطبول إلى المسجد, فلمّا رأى المصلّون القافلة قاموا إليها بالبقيع خشية أن يسبقهم أحد إليها، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله إلاّ رهط, اثنا عشر شخصاً أو إحدى عشر شخصاً أو ثمانية أشخاص.[23] عندها نزلت الآية: {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْو ِوَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقين}.[24] ثمّ خاطب النبيّ الذين بقوا: «لو تتابعتم حتّى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي ناراً».
فمن هذه القضية يتبيّن كم كان بعض الصحابة لا يبالون برسول الله وبالصلاة؟! وإلى أيّ حدّ كانوا متعلّقين بالتجارة واللهو؟!

    

قضيّة الأحزاب وفشل الأصحاب

ثانياً: ذكرت التفاسير أنّه عندما عبر عمرو بن عبد ودّ الخندق بفرسه في غزوة الأحزاب, وقف أمام جيش رسول الله يريد مبارزاً, فلم يكن أحد مستعداً للمبارزة غير أمير المؤمنين عليه السلام، وقد رأى الجميع أنفسهم في الذلّ والضعف.
لقد كان جوّ الحرب مثيراً للرعب, فقد تحالفت كافّة القبائل والأحزاب ضدّ رسول الله وصارت أطراف المدينة كلّها محاصرة بهم, وقد عبر الخندق وطلب المبارزة أقوى وأشجع فرسانهم الذي يُعدّ بألف فارس. وعندها شحبت ألوان الصحابة, وتغيّرت وجوههم, وفزعت قلوبهم إلى الحدّ الذي كادت أن تزهق أرواحهم, وظنّوا بالله سوءً, و تلقّوا وعد رسول الله صلى الله عليه وآله إيّاهم بالنصر بحالة من اللامبالاة والاستخفاف.
{وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ باللَّهِ الظُّنُونَا (*) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَديداً}
وكان هناك جماعة من الأصحاب المنافقين في باطنهم ومن الذين لا تخلو قلوبهم من مرض الشرك، فظنّوا أنّ وعود الرسول وعود كاذبة
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذينَ في‏ قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ماوَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً}
کما أنّ هناك جماعة من أهل المدينة وقفوا أمام الجموع وقالوا: يا أهل يثرب ليس هذا المكان بموضع إقامة لكم، عودوا إلى بيوتكم، وكان هناك من يستحيي أن يرجع بغير عذر فجاؤوا إلى رسول الله والتمسوا لأنفسهم عذراً، واستجازوا منه الرجوع بحجّة عدم وجود الراعي لعيالهم وبيوتهم، فكانوا يتركون رسول الله في هذا الظرف العصيب، وقد أخبر الله تعالى عن كذبهم فقال:
{وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فريقٌ مِنْهُمُ النَّبِيّ َيَقُولُونَ إِنَّ بيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُريدُونَ إِلاَّ فِراراً}[25].
كان هذا مجمل قضيّة الأحزاب، ففي مثل هذا الظرف قال بعض الصحابة بأنّ الأعداء يريدون محمّداً فقط, تعالوا ندفع إليهم محمّداً وننجو بأنفسنا. فعندها قام النبيّ خطيباً ثلاث مرّات ودعاهم إلى الجهاد والدفاع ومبارزة عمرو بن عبد ودّ, فلم يقدم أحد في هذه المرّات الثلاث لمواجهته غير مولى الموالي أمير المؤمنين عليه السلام الذي نهض قائماً وأظهر استعداده في كلّ مرّة, إلى أن قام بطلب الإذن للمبارزة من الرسول الأكرم وقتل الأعداء وتحقّق الفتح على يديه. وقد اتّفقت تفاسير الشيعة والسنّة على هذه القضيّة واعترف بها الجميع.

    

فشل الصحابة في الالتزام بكلام النبيّ وأحكامه

ثالثاً: أوردت التفاسير[26] أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أعطى وعداً لأصحابه بفتح مكّة. ففي السنة السادسة من الهجرة النبويّة في شهر ذي القعدة عزم النبيّ صلى الله عليه وآله من المدينة مع جماعة من أصحابه على حجّ بيت الله الحرام, وقاموا بأخذ جمالهم للتضحية بها وقطعوا الطريق محرمين حتّى وصلوا إلى أرض الحديبيّة قرب مكّة.
ولكن عندما علمت قريش بقصد النبي, مانعت وبشدّة من دخولهم مكّة بحيث كادت أن تشتعل حرب بينهما. وفي النهاية وبعد المحاورات الكثيرة واللقاءات المتعدّدة من رؤسائهم مع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أدركوا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لا يريد الحرب وأنّه أتى مع أصحابه محرمين مصطحبين جمالهم بقصد الحجّ والزيارة, وعليه جرى الصلح بينهم وبين النبيّ في أرض الحديبيّة على مقربة من مكّة.[27]
وكان من جملة بنود هذا الصلح أن لا تقع حرب فيما بينهم مدّة عشر سنوات, وأنّ للصحابة أن يدخلوا مكّة آمنين عند حجّهم أو عمرتهم، كما أنّ للمشركين أن يدخلوا المدينة آمنين, كما تقرّر أن يأتي النبيّ مكّة في السنّة المقبلة لا أن يدخلها في هذه السنة. وبعد إمضاء الصلح عزم النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله مع المسلمين الحاضرين معه على العودة إلى المدينة. وعندها أمر النبيّ المسلمين بأن يحلقوا رؤوسهم ويضحّوا بجمالهم هناك وبذلك يُحلّوا إحرامهم[28]. فوقع هذا الأمر ثقيلاً على قلوب الكثير من الصحابة ولم يكونوا مستعدّين لتقديم الأضاحي وحلق الرؤوس.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لأصحابه: «انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم» فامتنعوا وقالوا: كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة؟ فاغتمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله من ذلك، وشكى ذلك إلى أُمّ سلمة فقالت: يا رسول الله، انحر أنت واحلق، فنحر رسول الله صلّى الله عليه وآله وحلق، فنحر القوم على حيث[29] يقين وشكّ وارتياب.[30]
ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يرحم الله المحلّقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: «يرحم الله المحلقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: «يرحم الله المحلّقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: «والمقصّرين». فقالوا: يارسول الله، فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين؟ قال: «لم يشكّوا».[31]
فلمّا التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر ليشكوَ إليه هذه المسألة وعدم الدخول إلى مكّة والتضحية والحلق في الصحراء وبأنّ شروط الصلح لم تكن في صالح المسلمين فقال له: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟
وبعد أخذ وردّ مع أبي بكر أتى رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ألست برسول الله؟ قال: «بلى». قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: «بلى». قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: «بلى». قال: فعلام نعطى الدنيّة في ديننا؟ قال: «أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني[32] ». قال عمر قلت له: أو لست كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف حقّاً ؟ قال: «بلى أفأخبرتك أن نأتيه العام؟». قلت: لا. قال النبیّ: «فإنّك تأتيه وتطوف به».
يقول عمر: والله ما شككت مذ أسلمت إلاّ يومئذٍ.[33]
ويلاحظ هنا أنّ الذين شكّوا بنبّوة النبي وامتنعوا من التضحية والحلق كلّهم كانوا أصحاب رسول الله مع أنّ جميعهم خالف نصّ الرسول الصريح وأمره.

    

محاولة بعض الصحابة التنكيل بالنبي صلى الله عليه وآله

رابعاً: ينقل في كتاب دلائل النبوّة للشيخ أبي بكر أحمد البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وذكر الاسناد مرفوعاً إلى أبي الأسود عن عروة أنّه قال: لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله قافلاً من تبوك إلى المدينة حتّى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه، فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق التي أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله خبرهم، فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنّه أوسع لكم، فأخذ النبي صلّى الله عليه وآله العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلاّ النفر الذين أرادوا المكر به, استعدوا وتلثّموا وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر فمشيا معه مشياً، وأمر عمّاراً أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها. فبينا هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمر حذيفة أن يراهم، فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم، وضربها ضرباً بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثّمون، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة وظنّوا أنّ مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتّى خالطوا الناس.[34] وأقبل حذيفة حتّى أدرك رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلمّا أدركه قال: «اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمّار». فأسرعوا فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي صلّى الله عليه وآله: «يا حذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا؟». فقال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وكان ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثّمون، فقال صلّى الله عليه وآله: «هل علمتم ماشأن الركب وما أرادوا؟». قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّهم مكروا ليسيروا معي، حتّى إذا أظلمت بي العقبة طرحوني منها». قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاؤوا كالناس فتضرب أعناقهم؟ قال: «أكره أن يتحدّث الناس ويقولون: إنّ محمّداً قد وضع يده في أصحابه» فسمّاهم لهما ثمّ قال: اكتماهم. وفي كتاب أبان بن عثمان: قال الأعمش: وكانوا اثني عشر: سبعة منهم كانوا من قريش.[35]
وقد نُقل في هذا المورد في الكافي عن زرارة عن الصادق أو الباقر عليهما السلام أنّهما قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لولا أنّي أكره أن يُقال إنّ محمداً (صلّى الله عليه وآله) استعان بقومٍ حتّى إذا ظفر بعدوّه قتلهم, لضربت أعناق قوم كثير».[36]
خامساً: فرار الأصحاب من وقعة حُنين. وتوضيح ذلك: لمّا انحدر النبي في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد، وكانت بنو سليم على مقدمته، فخرجت عليهم كتائب هوازن من كلّ ناحية، فانهزمت بنو سليم، وانهزم من وراءهم، ولم يبق أحد إلاّ انهزم، وبقي أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل ومرّ المنهزمون برسول الله صلّى الله عليه وآله لا يلوون على شئ، وكان العبّاس آخذا بلجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله عن يمينه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله ينادي: «يا معشر الأنصار أين؟ إليّ، أنا رسول الله». فلم يلو أحد عليه، وكانت نسيبة بنت كعب المازنيّة تحثو في وجوه المنهزمين التراب، وتقول: أين تفرّون؟ عن الله وعن رسوله؟ ومرّ بها عمر فقالت له: ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها: هذا أمر الله، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله الهزيمة ركض نحو عليّ على بغلته فرآه قد شهر سيفه فقال: يا عباس اصعد هذا الظرب، وناد: يا أصحاب البقرة ويا أصحاب الشجرة، إلى أين تفرّون؟ هذا رسول الله، ثمّ رفع رسول الله صلّى الله عليه وآله يده فقال: «اللهمّ لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان» فنزل جبرئيل فقال: يا رسول الله، دعوت بما دعا به موسى حيث فلق له البحر، ونجّاه من فرعون. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لأبي سفيان بن الحارث: ناولني كفّا من حصى، فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال: «شاهت الوجوه» ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد» فلما سمعت الأنصار نداء العبّاس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون: لبّيك، ومرّوا برسول الله صلّى الله عليه وآله واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالراية وفي النهاية أنزل الله النصر من السماء لنبيّه وللمسلمين وانهزمت هوازن وعندها نزلت هذه الآية:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في‏ مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَوْم َحُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْن ِعَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرين}.[37] [38]
أجل لقد كانت حالات أصحاب رسول الله التي تحدّثنا عنها في هذه الموارد الخمسة المذكورة شاهداً ونموذجاً من سلسلة المخالفات الطويلة التي مارسها بعضهم طيلة حياة النبيّ، وكانوا يرون أنفسهم مستقلّي الرأي أمام النبي في كثير من الأمور. فعندما يكون الجو هادئاًً وساكناً وتكون منافعهم الشخصيّة في مأمن من الخطر يختارون السكوت, وفي بعض الأوقات يجدّون في تقديم اجتهاداتهم وآرائهم, كما أنّهم كانوا في مواضع الحرب والخصام والشدّة يعيشون الضطراب والتزلزل, وربما قصدوا إلى قتله صلّى الله عليه وآله في بعض الأوقات، وربما شكّوا في نبوّته, وكم كانوا يطلقون العنان لأنفسهم بالفرار من أرض المعركة في أشدّ الأوقات خطورة على النبي فيتركونه وحيداً خوفاً على أرواحهم وحفظاً لأنفسهم.
فهل يصحّ في هذه الحالة أنّ نصدّق بحديث (أصحابي كالنجوم)؟ فهل هؤلاء الصحابة نجوم السماء؟ فهل قال النبي: (إنّكم ستهدون إذا ما اقتديتم بأيّ واحد منهم)؟
وقد تعرّضت الآيات القرآنيّة في كثير من المواضع إلى لوم المؤمنين ووبّختهم على آثار المعاصي التي مرّ ذكرها في موارد عدّة, وقد هدّدتهم بعض الآيات بشدّة، وعدّت الاقتداء بالباطل مذموماً وقبيحاً, فمع كلّ ذلك كيف أوصى النبي بالاقتداء بأصحابه؟

    

توهّمٌ ودفعٌ

فلا يتوهمنّ أحد أنّ النبيّ دعا إلى الاقتداء بالصحابة الطيّبين الصالحين ومجّدهم واعتبرهم نجوم السماء, لأنّ هذا التوهم مدفوعٌ:
أوّلاً: أنّ التعبير الوارد عن النبي عامّ: (بأيّهم اقتديتم اهتديم) إضافة إلى أنّ أصحابي جمع مضاف ويفيد العموم, وصريح به, فمفاده أنّ كلّ أصحابي هم نجومٌ وستهتدون إن اقتديتم بأيّ منهم.
ثانياً: أنّ كل من يطّلع على روح القرآن وسيرة النبي يفهم بأنّ القرآن ومنهج النبي عنوانه التبعيّة والاقتداء بالحقّ ومنحصر به, فلا تظهر الدعوة للاقتداء من عنوان آخر غير هذا, ولا تكون أبداً في أيّ مورد من الموارد بدون إرائة الحقّ وتعريفه.
فعلاوة على هذه المطالب فقد نقل علماء العامّة الكبار في كتبهم ورسائلهم أخباراً عن نفس رسول الله التي تدّل على اشتباه ومعصية بعض الصحابة.

    

مقالة العلاّمة الأميني في المقام

يقول العلامّة الأميني: والله سبحانه يعرّف في كتابه المقدس أناساً منهم بالنفاق وانقلابهم على أعقابهم بآيات كثيرة رامية غرضاً واحداً، ولا تنس ما ورد في الصحاح والمسانيد. ومنها: ما في صحيح البخاري من أنّ أناساً من أصحابه صلّى الله عليه وسلم يُؤخذ بهم ذات الشمال فيقول: «أصحابي أصحابي فيُقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». وفي صحيح آخر: «ليرفعنّ رجالٌ منكم ثمّ ليختلجنّ دوني فأقول: يا ربّ أصحابي فيُقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك». وفي صحيح ثالث: «أقول: أصحابي فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك». وفي صحيح رابع: «أقول: إنّهم منّي فيُقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي». وفي صحيح خامس: «فأقول: يا ربّ أصحابي! فيقول: إنّك لاعلم لك بما أحدثوا بعدك. إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى». وفي صحيح سادس: «بينا أنا قائمٌ إذا زمرةٌ حتّى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم. فقال. هلمّ. فقلت. أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم». قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري 9 ص 325 في هذا الحديث: همل بفتح الهاء والميم: ضوال الإبل واحدها: هامل، أو الإبل بلا راع. ولا يقال ذلك في الغنم، يعني: إنّ الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة، وهذا يشعر بأنّهم صنفان: كفّار وعصاة. وأنت من وراء ذلك كلّه تجد ما شجر بين الصحابة من الخلاف الموجب للتباغض والتشاتم والتلاكم والمقاتلة القاضية بخروج إحدى الفريقين عن حيزالعدالة، ودع عنك ما جاء في التأريخ عن أفراد منهم من ارتكاب المآثم والآتيان بالبوائق.[39]
ويقول العلامة الطبطبائي في تفسيره: وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «يرد عليّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي (أو قال من أُمّتي) يحلّؤون عن الحوض. فأقول: يا ربّ، أصحابي! فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك, ارتدّوا على أعقابهم القهقرى فيحلّؤون».[40] [41]

    

ما أفاده شارح المقاصد في المقام

ينقل المرحوم الشهيد القاضي نور الله الشوشتري رضوان الله عليه في كتاب إحقاق الحقّ مطلباً عن المولى سعد الدين التفتازاني شارح كتاب المقاصد وهذا المطلب جدير بالدقّة والمطالعة: إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقاة يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن الطريق الحقّ وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسات الميل إلى اللذات والشهوات؛ إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النبي صلى الله عليه وآله بالخير موسوماً إلاّ أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ذكروا لها محامل وتأويلات يليق بها وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق صوناً لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة سيّما المهاجرين منهم والأنصار المبشّرين بالثواب في دارالقرار. وأمّا ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ويكاد يشهد به الجماد العجماء ويبكي من في الأرض والسماء وتنهدم منه الجبال وتنشقّ منه الصخور ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور والدهور فلعنة الله إلى من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى.[42] انتهى إلى هنا كلام التفتازاني.

    

تلخيص وجوه الضعف في حديث (أصحابي كالنجوم)

والخلاصة: أنّه ثبت أنّ حديث (أصحابي كالنجوم) ليس سوى حديث مصطنع ومجعول وضعوه وفقاً لمشتهياتهم، ويدلّ على ذلك لوجوه أربعة: الوجه الأوّل: ضعف رواة هذا الحديث.
الوجه الثاني: مخالفته لآيات القرآن التي تبيّن أنّ التبعيّة والانقياد منحصران بالحقّ تعالى وبالمتّصلين به.
والوجه الثالث: مخالفته لما كانت عليه الحالات الروحيّة للصحابة وللأعمال التي صدرت منهم في حياة النبي.
الوجه الرابع: مخالفته لكثير من النصوص الواردة عن أهل السنّة ممّا يدلّ على انحراف الكثير من الصحابة بعد الرسول, وأنّهم سيدخلون في جهنّم بسبب البدع التي أحدثوها في الدّين، وبسبب عودتهم إلى الآراء الجاهليّة وأفعالهم التي ارتكبوها بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله.

    

فقه حديث السفينة

ولنفترض أنّا غضضنا الطرف عن كلّ هذه الجهات, فسيبقى هناك تناف وتعارض بين مضمون حديث: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح: من ركبها نجى، ومن تخلّف عنها غرق» و مضمون حديث «أصحابي كالنجوم: بأيّهم اقتديتم اهتديتم». واستناداً إلى ضوابط الحديث لا بدّ من ردّ حديث (أصحابي كالنجوم) واعتباره حديثاً مجعولاً وباطلاً؛ وذلك لأنّ حديث السفينة حديثٌ معتبرٌ في أعلى درجات الاعتبار وقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله متواتراً.
وتوضيح ذلك: أنّ الرسول الأكرم لم يشبّه أهل بيت العصمة عليه السلام بأيّة سفينة تريد أن تقلّ مسافريها في الليل المظلم من مدينة إلى أخرى، فيحتاج مسافروها إلى نجوم السماء؛ ليحدّدوا مسيرهم بالنظر إليها ويتحركوا ويسيروا نحو مقصدهم, بل هو يشبّه أهل بيت العصمة عليه السلام بسفينة نوح عليه السلام، التي امتازت بأنّ من ركبها أحرز النجاة, ومن تخلّف عنها ابتلي بالغرق والهلاك, ولذلك قال: من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق.
ويتبيّن سرّ هذا المعنى من ملاحظة قصّة نوح عليه السلام ومخالفة الأُمّة له والعذاب الإلهيّ العامّ المتمثّل بغرق وهلاك جميع الأمّة، و انحصار النجاة في الذين التحقوا بتلك السفينة.
فسفينة نوح كانت وحدها سفينة النجاة، ولم يكن في مقابلها سفينة أخرى. لقد كانت تلك السفينة الملجأ الوحيد للأمان الذي لاقى الهلاك كلّ من لم يلذ به. كانت سفينة نوح تشقّ طريقها داخل الفيضان الدنيوي والطوفان العالمي في الوقت الذي كان يغمر الماء قمم الجبال.
ولم يكن هدف سفينة نوح الانتقال من نقطة إلى أُخرى ومن محلّ الخطر إلى ملجأ الأمن والأمان؛ لأنّ الماء كان يغمر تمام أنحاء العالم. وعليه لم يكن هناك من مسير محدّد وخاص حتّى يحتاج المسافرون عليها للنجوم ولتحديد الوجهة, بل كان ممّا اختصّت به النجاة من الطوفان والوصول إلى اليابسة بعد انتهائه.
بناءً على ذلك كان غرض سفينة نوح حفظ الراكبين فيها من الغرق والهلاك فحسب. ولم يكن هناك من فرق في سبيل ذلك بين أن يكون الوقت ليلاً أو نهاراً, بين أن يكون هناك نجوم في السماء أو لا يكون. فسفينة نوح لم يكن لها مسير عرضي على وجه الأرض, ولكن عندما ركبها نوح وأتباعه وبدأ الطوفان, اعتلت على وجه الماء, وعندما انتهى الطوفان وأقلعت السماء عن هطل المطر وابتلعت الأرض ماءها رست على يابسة النجاة.
فمع هذه المعاني يتبيّن كم كان تشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله أهل بيته عليه السلام بسفينة نوح تشبيهاً سامياً رفيعاً. ويلاحظ من خلاله انحصار النجاة والأمان في أهل البيت عليه السلام. وعلاوة على ذلك، فإنّ من يجلس في السفينة لا يمكنه أن يحصي النجوم في الليل المظلم؛ فكثير من النجوم في السماء لا تساهم في تعيين الجهة. نعم، فقط يوجد بعض النجوم التي تكون هادية ومرشدة كالجدي والعيّوق والثريّا وسهيل، وتلك النجوم لا تتجاوز عدد الأصابع. ولذلك قال تعالى في كتابه الكريم: {وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون}[43]. فقد جعل النجوم في هذه الآية جنساً, فلا يكون المراد تمام النجوم بدون ا استثناء.
ومن الواضح أنّ هذه النجوم المحدّدة المعيّنة الهادية إلى طريق النجاة هم أمير المؤمنين وفاطمة وابناهما الإمامان الحسن والحسين وذريّة الحسين عليهم السلام الذين بحقّ لهم إشراقهم الخاصّ في سماء الإسلام, وهم الهداة المرشدون إلى مدينة السعادة والتوحيد الطيّبة في الليل الديجور وظلمة الليل الطويل مع اضطراب الفتن والأهواء المضلّة.

    

الأقوال في عدالة الصحابة

لقد امتدّ بنا المقام إلى شرح كلام الفخر الرازي المنقول عن البعض, ولأن الكثير من أهل السنّة بل كلّهم وقعوا في هذا الاشتباه, لذا فقد اضطررنا لبسط الكلام في ذلك رفعاً للشبهة.
ربّما دفع حسن الظن الذي نراه لدى أكثر العامّة إلى القول بعدالة صحابة رسول الله, وربّما أجبرهم توجيه وتأويل جنايات بعضهم على الاعتقاد بعدالتهم جميعاً.
ولكنّ بعضهم صرّح بأنّ الصحابة كغيرهم لا ميزة لهم على سواهم، فيهم الصالح والطالح، التقيّ والفاجر، المؤمن والمنافق، عباد الله وعباد هوى النفس.
وقيل هم كغيرهم إلى حين ظهور الفتن بين عليّ (عليه السلام) ومعاوية، وأمّا بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقاً. وقالت المعتزلة: هم عدول إلاّ من علم أنّه قاتل عليّاً (عليه السلام) فإنّه مردود، وذهبت الإماميّة إلى أنّهم كسائر الناس من أنّ فيهم المنافق والفاسق والضال، بل كان أكثرهم كذلك.[44]
لقد ارتدّ كثير من الصحابة بعد ارتحال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله, ورجعوا إلى أعقاب الجاهليّة.
وأمّا العصمة من الخطايا والذنوب فهي تختصّ بمقتضى نصّ آية التطهير برسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنين عليهم السلام، وهي تشمل خلفاء رسول الله الاثني عشر بملاك الآية والبراهين العقليّة المتظافرة والنصوص المتواترة عن السنّة والشيعة.[45]

    

الوجه في تمسّك العامّة بحديث النجوم ووضعه

وعندما قام الصحابة بإبعاد الناس عن أهل البيت عليه السلام، ودعوهم إلى أنفسهم, وطمعوا في الجلوس على أريكة خلافة رسول الله, ولم يكن عندهم استعداد للاقتداء بمولى الموحّدين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام تبعاً لنصوص الغدير وغيرها من الأدلّة والشواهد التي تفوق الحصر ّ, وحملوا أمير المؤمنين كالجمل إلى المسجد وأضرموا النار في بيت بنت رسول الله الصدّيقة فاطمة الزهراء عليه السلام ولم يكن عندهم من جواب في مقابل احتجاجات أمير المؤمنين وأدلّته وفي قبال نور عين المصطفى وفلذة كبده, اضطرّوا أن يضعوا الحديث القائل: (أصحابي كالنجوم) كي يفهموا الناس بأنّ هؤلاء هم نجوم السماء وجناياتهم بمثابة أنوار النجوم! تأسّوا بهم واقتدوا بمنهجهم، ولا تسألوا عن أفعالهم وتصرّفاتهم، واعلموا أنّ الصحابة معصومون عن الخطأ ومصونون عن الاشتباه.
فمن هنا تمسّكت الأمّة بهذا الحديث واقتفت أثر الصحابة المنحرف, ولم تفعل أيّ شيء مقابل المخالفات والتجاوزات الخطيرة, فقتلوا سبط رسول مع أولاده وأحفاده وعشيرته وأصحابه وأحرقوا خيمته وقاموا بأسر عياله عيال رسول الله, وارتكبوا الآلاف المؤلّفة من الجنايات بحق العلويّين وبني فاطمة من بني الحسين ومن بني الحسن, إلى الحدّ الذي كانوا يفرّون فيه إلى أعالي الجبال، ولم يكن عندهم طمأنينة واستقرار, وكانوا يقتلونهم جماعات جماعات في السجون الرطبة والمعتمة، وكانوا يضعون أجسادهم وهم أحياء في جدران العمارات.
كلّ ذلك كان من جرّاء التبعيّة والانقياد لحديث >أصحابي كالنجوم< الذي فهمت الأمة معناه جيّداً وتأسّت معه بسيرة أصحاب رسول الله عمر وأبي بكر والمغيرة بن شعبة وأبي عبيدة الجرّاح وعثمان بن عفّان ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وغيرهم, وأدّوا حقّ سيادتهم ومولوّيتهم على أتمّ وأكمل وجه, واقتدوا بهم واهتدوا بهدايتهم حقّ الاهتداء والاقتداء.
فهذا الحديث المجعول في نهاية المطاف يناقض نفسه بنفسه, أي: إنّ مضمونه دليل على بطلان سنده. ولذا فمهما أرادوا أن يدافعوا عن أفعال بعض الصحابة المشهورين كانت فظاعة أعماله أشدّ قضاحةً، ومهما حاولوا تلميع خياناتهم وتأويلها على محمل صحيح كانت حقيقة الأمر تزداد وضوحاً.

    

طرف من حالات الزهراء عليها السلام وفضلها وشهادتها

فعندما يصرّح رسول الله بأنّ فاطمة فلذة كبده, وأنّ أذاها أذاه, فهل من الممكن أن تُؤوّل وتُوجّه جنايات أبي بكر وعمر على نور بصر رسول الله؟ هيهات هيهات!
فأنّى لنا بذلك وبين يدينا هتاف النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) الذي لم يتكرّر مرّة ومرتيّن ولا لشخصٍ وشخصينٍ بل تكرّر أمام الجموع الغفيرة في المجالس المختلفة في قبال المهاجرين والأنصار أمام الصديق والعدو قائلاً (صلّى الله عليه وآله): «فاطمة بضعةٌ منّي، فمن أغضبها أغضبني»؟ وفي لفظة: «فاطمة بضعةٌ منّي يؤذيني ما آذاها، ويغضبني ما أغضبها». وفي لفظة: «فاطمة بضعةٌ منّي، يقبضني مايقبضها، ويبسطني ما يبسطها». وفي لفظة: «فاطمة بضعةٌ منّي، يؤذيني ما آذاها، وينصبني[46] ما أنصبها». وفي تاج العروس: أي: يتعبني ما أتعبها. وفي لفظة: «فاطمة بضعةٌ منّي، يريبني[47] ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها». وفي لفظة: «فاطمة بضعةٌ منّي يسعفني[48] ما يسعفها». وفي تاج العروس: أي: ينالني ما ينالها، ويلمّ بي ما يلمّ بها. وفي لفظة: «فاطمة شجنةٌ [49] منّي، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها». وفي لفظة: «فاطمة مضغةٌ منّي، فمن آذاها فقد آذاني». وفي لفظة: «فاطمة مضغةٌ[50] منّي، يقبضني ما قبضها، ويبسطني ما بسطها». وفي لفظة: «فاطمة مضغةٌ منّي يسرّني ما يسرّها»[51]. وهذه الأحاديث التي رواها أئمّة الحديث عند أهل السنّة في الصحاح الستّة وغيرهم من كبار رجال الحديث في كتبهم المعتبرة رويت بإسنادٍ صحيحٍ, ويروي العلاّمة الأميني (قدّس سرّه) هذا الحديث عن تسع وخمسين شخصاً من كبار علمائهم كما ورد في كتبهم.[52]
فهذه الروايات من وجهة نظر أهل السنّة مسلّمة, كما أنّ من المسلّم لديهم أنّ أبا بكر وعمر آذا السيّدة الزهراء وأسخطاها, كما أنّه ليس هناك مجالٌ للتردّد في أنّ السيدة الزهراء كانت غاضبة من جرّاء أفعالهم بحيث لم تتكلّم معهم وبقيت معرضة عنهم حتّى رحلت عن الدنيا.
روى البخاري في صحيحه بإسناده عن عروة بن الزبير أنّ عائشة أخبرته أنّ فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سألت أبا بكر الصدّيق بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وآله ممّا أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: لا نورث ما تركنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفيّت.[53]
كذلك روى البخاري عن عروة عن عائشة أنّ أرادت السيّدة فاطمة أخذ إرثها، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئاً, فوجدت[54] فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفيّت. وعاشت بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ستّة أشهر. فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها.[55]
ومن العجيب أنّ الترمذي في سننه نقل عن عليّ بن عيسى وصحّف وتأوّل سكوت فاطمة بكيفيّةٍ ماكرةٍ, وقد أراد أن يخفي جنايات أبي بكر وعمر. يقول: إنّ أبا بكر وعمر خاطبا السيّدة فاطمة: نحن لم نعطك فدكاً لأننا كنّا قد سمعنا من رسول الله أنّنا لا نوّرث, فعليه سكتت فاطمة ولم تجبهم, وهذا مايدّل على تصديقها إيّاهم، ولم تتكلّم بعد ذلك بموضوع فدك مطالبةً بالإرث.
فتأويل الترمذي وتصحيفه تصرّف خاطئ وغلط كبير في مقابل الروايات الصحيحة التي نقلها البخاري وغيره من أنّ فاطمة غضبت. ولم تلاقيهم بعد ذلك، ولم تتكلّم معهم، وأوصت أن تدفن ليلاً، وأن لا يخبروا أبا بكر بالصلاة عليها حتّى رحلت كذلك عن الدنيا,[56] فأين يمكنهم أن يضعوا هذا التأويل والتوجيه فوق جنايات ابن أبي قحافة؟!
وأخيراً لم تكن قد أوصت السيّدة الزهراء أن لايحضر أبو بكر صلاتها وحده فقط، بل كذلك ابنته عائشة. يقول في أُسد الغابة في شرح حال السيّدة فاطمة بعد وصيّتها مشيراً إلى كيفيّة تهيئها للدفن ووصيّتها لأسماء بنت عُميس: لمّا توفّيت جاءت عائشة فمنعتها أسماء، فشكتها عائشة إلى أبى بكر، وقالت: هذه الخثعمية[57] تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوقف أبو بكر على الباب وقال: يا أسماء، ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم أن يدخلن على بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد صنعت لها هودجاً؟ قالت: هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، وأمرتني أن أصنع لها ذلك. قال فاصنعي ما أمرتك. وغسّلها علي وأسماء.[58]
فغسلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلاً ودفنها ليلاً. يقول الشيخ الأزري:
ولأيّ الأمور تدفن سرّا
                             بضعة المصطفى ويُعفى ثراها([59])


[1] ـ تفسير الكشّاف طبع دار الكتاب العربي, ج4, ص219.

[2] ـ لقد نقل هذا الحديث علاوة على علماء الشيعة كثير من أكابر علماء السنّة بأسناد صحيحة ومن طرق مختلفة, بحيث أنّ العلاّمةالخبير السيد ميرزا نجم الدين الشريف العسكري مدّ ظلّه قد ألّف كتابا مسّتقلا لبيان أسانيد هذا الحديث وحديث الثقلين وسمّاه ( محمد وعلي وحديث الثقلين وحديث السفينة).

[3] ـ نهج البلاغة الخطبة القاصعة, ص 392.

[4] ـ مجمع البيان,ج5,ص28.

[5] ـ نهج البلاغة باب المكاتيب, من مكاتبة أمير المؤمنين لعثمان ابن حنيف, ص73.

[6] ـ ذيل الآية 7, من السورة 13: الرعد.

[7] ـ بحار الأنوار طبعة الكمباني, ج9, ص77 , ومن الطبعة الحروفية, ج 35 , ص 406 و 407.

[8] ـ قسم من الآية 15, من السورة 31 : لقمان.

[9] ـ الآية,73, من السورة 21 : الأنبياء.

[10] ـ الآية 24, من السورة 32 : السجدة.

[11] ـ قسم من الآية 35, من السورة 10: يونس.

[12] ـ صدر الآية 97, من السورة 17 : الإسراء.

[13] ـ قسم من الآية 17,من السورة 18 : الكهف.

[14] ـ صدر الآية 178, من السورة7 : الأعراف.

[15] ـ ذيل الآية 50, من السورة 6 : الأنعام.

[16] ـ ذيل الآية 28, من السورة 18 : الكهف.

[17] ـ قسم من الآية 50, من السورة 28 : القصص.

[18] ـ راوَحَ بين العملين: اشتغل بهذا مرّة وبهذا أخرى.

[19] ـ جميع: مجتمعون على الحقّ.

[20] ـ بحار الأنوار طبعة الكمباني, ج6, ص745, وفي الطبعة الحروفيّة, ج22,ص 306 .

[21] ـ بناءا على رواية جابر بن عبد الله في مجمع البيان

[22] ـ بناءا على رواية حسن ومقاتلان في مجمع البيان

[23] ـ اثنا عشر شخصا تبعا لرواية جابر بن عبد الله, وإحدى عشر شخصا تبعا لرواية ابن كيسان, وثمانية أشخاص بالرجوع لرواية الكلبي عن ابن عبّاس في مجمع البيان.

[24] ـ الآية 11, من السورة 62: الجمعة.

[25] ـ جزء من الآية 10 والآيات 13,12,11 من السورة 33: الأحزاب.

[26] ـ لقد وردت قضيّة صلح الحديبيّة مرويّة مفصلا عن ابن عبّاس في مجمع البيان ج5, ص116 إلى ص 119.

[27] ـ سيرة ابن هشام طبعة مكتبة محمد علي صبيح وأولاده, ج3, ص782.

[28] ـ نفس المصدر, ص784, وبحار الأنوار من طبعة الكمبياني, ج6, ص562, ومن الطبعة الحروفيّة, ج20, ص353

[29] ـ لقد وردت هذه الرواية في بحار الأنوار طبعة الكمبياني وأيضا في تفسير علي بن إبراهيم بلفظ (على حيث), وأتت في بحار الأنوار الطبعة الحروفيّة بلفظ (على خُبث) ويقول في التعليقة: في المصدر المطبوع ونسخة مخطوطة منه والنسختين المطبوعتين من الكتاب (على حيث) وفي نسختي الاخرى المخطوطة (على حين) واستظهر في هامشه أنّه مصحّف (على غير).

[30] ـ بحار الأنوار من طبعة الكمباني ج6, ص 562, ومن الطبعة الحروفية, ج20, ص353, منقولا عن تفسير علي بن إبراهيم.

[31] ـ سيرة ابن هشام ج3, ص784

[32] ـ المصدر السابق، ص 781

[33] ـ تفسير مجمع البيان ج5, ص119

[34] ـ لقد ورد في روضة الكافي ص165 عن سهل بن يعقوب بن يزيد بن عبد الحميد عمّن ذكره عن ابي عبد الله عليه السلام قال: لمّا نفروا برسول الله ناقته قالت له الناقة: والله لا أزلت خفّا عن خف ولو قطّعت إربا إربا.

[35] ـ بحار الأنوار من طبعة الكمباني, ج6, ص632, ومن الطبعة الحروفيّة, ج21, ص247.

[36] ـ سفينة البحار طبعة النجف ,ج2, ص9, مادّة صحب.

[37] ـ الآية 25, من السورة 9: التوبة.

[38] ـ بحار الأنوار طبعة الكمباني ج6, ص 609, ومن الطبعة الحروفية, ج21, ص150 من تفسير علي بن إبراهيم.

[39] ـ الغدير ج3, ص296 و 297.

[40] ـ تفسير الميزان ج3, ص 420.

[41] ـ وينقل المرحوم المجلسي عليه الرحمة في بحار الأنوار الطبعة الكمبانيّة ج8, ص 7و8, ومن الطبعة الحروفيّة ج28, من ص3 إلى ص 27 أخبارا كثيرة من طريق أهل السنّة راجعة لإنحراف الصحابة. ويروي أيضا في روضة الكافي طبعة آخوندي ص345 بإسناده عن زرارة عن أحدهما (عليهم االسلام) قال : أصبح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً كئيباً حزيناً؟ فقال له : علي (عليه السلام) مالي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً؟ فقال : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه إنّ بني تيم وبني عدي وبني أُميّة يصعدون منبري هذا، يردون الناس عن الاسلام القهقرى، فقلت : يا ربّ في حياتي أو بعد موتي؟ فقال : بعد موتك . وفي نفس الصفحة يروي عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لولا أني أكره أن يقال: إن محمداً استعان بقومٍ حتّى إذا ظفر بعدوّه قتلهم، لضربت أعناق قوم كثير.

[42] ـ إحقاق الحق ج2, ص 391 .

[43] ـ الآية 16, من السورة 16: النحل.

[44] ـ بحار الأنوار من طبعة الكمباني, ج8, ص9, ومن الطبعة الحروفيّة ج28, ص36 في قسم (البيان) العلّامة المجلسي.

[45] ـ الغدير ج3, ص294.

[46] ـ أنصبه: أتعبه.

[47] ـ رابه ورأبه: سآئه وأزعجه.

[48] ـ أي: ينالني ما ينالها ويلم بي ما يلم بها.

[49] ـ الشجن والشجنة: الغصن الملتق المشتبك, والشعبة من كلّ شيء.ويقولون: الحديث ذو شجون أي: ذو فنون متشعّبة.

[50] ـ المضغة: القطعة التي تمضغ من لحم وغيره.

[51] ـ روى في ينابيع المودّة عن الديلمي طبع اسلامبول ص179 أنّ النبي قال: «إنّ الله ليغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها».

[52] ـ الغدير 7 : ص 231 إلى ص 233 . [ كذلك روى آية الله السيّد شرف الدين العاملي في كتاب > الكلمة الغرّاء< ص 243 إلى ص 245 : 9 ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ( كما في ترجمة الزهراء من الإصابة وغيرها) عم المسوّر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول على المنبر: «فاطمة بضعةٌ منّي, يؤذيني ما آذاها ويريبني ما أرابها». ونقل النبهاني في أحوال الزهراء من الشرف المؤبّد عن البخاري بسنده إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «فاطمة بضعةٌ منّي، يغضبني ما أغضبها». قال: وفي رواية: «فمن أغضبها أغضبني». قال وفي الجامع الصغير: «فاطمة بضعةٌ منّي، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها». وقالت ـ بأبي هي وأمّي ـ لأبي بكر وعمر كما صرّح به الإمام ابن قتيبة في أوائل كتاب الإمامة والسياسة: «نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي, فمن أحبّ ابنتي فاطمة فقد أحبّني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطتني؟». قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه وآله. وهذا من الأحاديث المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة، وكفى به حجة لتفضيلها على من سواها من العالمين, وهل يعدل مسلم ببضعة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبقيّته في امّته أحد من الناس؟ وقد تدبّر هذا الحديث من تدبّره من أولي الألباب فرآه يرمي إلى عصمتها؛ لدلالته على المنع من ريبتها وأذيّتها وغضبه اوسخطها ورضاها وانقباضها وانبساطها كما هوالشأن في أذيّة النبي صلّى الله عليه واله وسلّم وريبته وسخطه ورضاه واتقباضه وانبساطه, وهذا كنه العصمة وحقيقتها كما لا يخفى. 10 ما أخرجه ابن أبي عاصم كما قي ترجمتها من الإصابة بسنده إلى علي عليه السلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لفاطمة: إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك». وأخرجه الطبري وغيره بإسناد حسن كما في أحوالها من الشرف المؤبّد وغيره, وهو في الدلالة على تفضيلها وعصمتها كالحديث السابق. 11 ما أخرجه جماعة من أثبات المحدّثين وأعلامهم كالإمام أحمد بن حنبل من حديث أبي هريرة في صفحة 442 من الجزء الثاني من مسنده قال: نظر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى عليّ والحسن والحسين وفاطمة فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم». وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم كما في ترجمة الزهراء من الإصابة أنّ رسول الله قال: «علي وفاطمة والحسن والحسين, أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم». وهذا الحديث في الدّلالة على تفضيلها وعصمتها كسابقه, وفيه دلالة على كفر محاربيهم كما هو ظاهرٌ.

[53] ـ صحيح البخاري ج2, ص186 باب فرض الخمس, ومن طبعة أمرية بولاق ج4, ص79.

[54] ـ وجدت عليه أي غضبت عليه.

[55] ـ صحيح بخاري ج3, باب غزوة خيبر, ص55, ومن طبعة أميرية بولاق ج5, ص 139.

[56] ـ سنن الترمذي الطبعة الأولى, مطبعة مصطفى البابي الحلبي( مصر سنة 1382) تحقيق إبراهيم عطوة, ج4 , ص157 و158.

[57] ـ لقد جاء في تاريخ الطبري طبعة مؤسسة الأعلمي ج2, ص616: الجد الأعلى لأسماء بنت عميس كان أفتل وهو خثعم. قال: هي أسماء بنت عميس بن معد ابن تيم ابن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل وهو خثعم.

[58] ـ أسد الغابة طبع دار التراث الغربي ج5, ص524.

[59] ـ ديوان الأزري ص 160.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی