معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب رسالة المودة > رسالة المودة – المجلس السابع: علّة جعل القرآن مودّة القربى كأجر على الرسالة

_______________________________________________________________

هو العليم

رسالة في مودّة ذوي القربى

تفسير آية:
{قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى}

والقربان الأوّل: حضرة الزهراء وابنها المحسن سلام الله عليهما


المجلس السابع
خلاصة محاضرة يوم الجمعة 30 جمادى الأولى
سنة 1391 هجريّة قمريّة

من مؤلفّات العلاّمة الراحل

آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس الله نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                           تحميل الملف الصوتي للمحاضرة

أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم
وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيّدِنا مُحمَّدٍ وَءَالِهِ الطيِّبينَ الطَّاهِرين
وَلَعنَةُ اللهِ عَلَى أعْدائِهِمْ أجْمَعين مِنَ الآنَ إلَى قِيامِ يَوْمِ الدّين
وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ العَليِّ العَظيم

قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
{قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ ومَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ! أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى‏ قَلْبِكَ ويَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ ويُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ! وهُوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ ويَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ! ويَسْتَجيبُ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ويَزيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ والْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَديدٌ‏}.
(الآيات 23 إلى 26 من سورة الشورى: السورة الثانية والأربعون من القرآن الكريم).

    

سرّ تأكيد القرآن على مودّة أهل البيت عليهم السلام

في القرآن الكريم يُلاحظ أنّه قد تمّ التأكيد على بعض الأحكام الشرعيّة بشكلٍ كبيرٍ. ومع أنّه كان يُستبعد في الظاهر أن يكون هذا النوع من التأكيد أمراً ضروريّاً، إلاّ أنّه بعد وفاة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وبسبب عدم العمل بذلك الحكم ونموّ جذور الفساد، فقد عادت آثار سيّئة وعواقب وخيمة على المسلمين، وبالتالي اتّضح بأنّ إصرار القرآن المجيد وتأكيده على ذلك الحكم، وتوعّدَه بالتبعات الخطيرة والعذاب الأليم من خلال إبراز الشدّة في لحن آياته، كلّ ذلك كان من أجل تلافي الوقوع في تلك النتائج المشؤومة. هذا مع أنّ ذلك في زمان رسول الله ـ حينما أُنزل ذلك الحكم من قِبل الله وتمّ التأكيد عليه بوضوحٍ ـ قد يكون أثار دهشة المسلمين وتعجّبهم، فاعتقدوا بأنّه ليس من المناسب التأكيدُ الشديد على أمر حقير، لكن بعد مشاهدة الآثار التي ترتّبت عليه بعد ذلك، اتضح جليّاً بأنّ جميع تلك التأكيدات كانت في محلّها.
فإذا قام متكلّم حكيم بالتأكيد على أمر بسيط، ثمّ بالغ في ذلك التأكيد وألحّ عليه، أو أنّه وجّه خطابه إلى من لا يمتلك الأهليّة لتلقّي ذلك النوع من الخطاب، فإنّنا نستنتج من ذلك احتواء ذلك الأمر البسيط على سرّ كبير مستتر قد خفي عن المخاطَب والمكلَّف به. فمن باب المثال، لو تمّت مخاطبة عالم زاهد قد قضّى أيّام حياته في العبادة والزهد واعتزال الدنيا والترفّع عن جمع زخارفها أن: يا أيّها الرجل! لا تزْنِ في الطريق العامّ أمام أنظار الآلاف من الأشخاص! أو مثلاً توجّه الخطاب إلى شخص متقيّد بالآداب: ألاّ تصيح في الشارع ولا تمش وأنت عريان كما ولدتك أمّك! فإنّنا نستكشف من ذلك وجود شوائب من الهواجس النفسانيّة في ذلك العالِم إذا لم يسع نحو رفعها فإنّه من الممكن ـ لا قدّر الله ـ أن يُؤدّي ذلك بالتدريج إلى صدور مثل ذلك العمل منه، وأنّ ذلك الرجل الحكيم العليم الفطِن قد شاهد في ذلك العالم بعض الآثار الدالّة على بروز مثل هذه الحادثة منه. أو أنّه قد شُوهد في ذلك الشخص المؤدّب بالآداب الحسنة بعض المظاهر التي إذا لم يهتمّ برفعها فإنّه من الممكن لتلك البذرة الصغيرة والخفيّة لعدم العفّة والحياء أن تنموَ فيه شيئاً فشيئاً إلى أن يصل به الأمر ـ من خلال البيئة والعوامل الخارجيّة ـ إلى أن يعتبر بأنّ المشي في الطريق العامّ بدون لباس أو ساتر والصياح والعربدة عملاً حسناً. ولهذا من اللازم عليه أن يأخذ بعين الاعتبار كلام ذلك الناصح الفطِن والحكيم الخبير وأن يُطيعه لكي لا تحصل له مثل هذه الحوادث.

    

تنبيه القرآن الكريم على جملة موارد

وفي القرآن المجيد توجد العديد من الموارد التي تمّ التأكيد عليها بشكل كبير. وقد كان الإصرار والتنبيه عليها كبيراً جدّاً إلى درجة يُحتمل معها أن يكون ذلك الإصرار والتأكيد وذلك النوع من التنبيهات المتّخذة في حقّ المخالفين لذلك الحكم قد أثار تعجّب المسلمين في ذلك العصر. ومن باب المثال، سنتعرّض لبيان بعض الموارد:
المورد الأوّل: ما يرتبط بالمعاملات أو القروض الربويّة، حيث تمّ في القرآن المجيد النهي عن إيقاعها بلحنٍ عجيبٍ جدّاً، بقوله تعالى: {الَّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ}.[1]
أي: أنّه [أي: آكل الربا] سيفقد بواسطة هذا العمل الدنيء جميعَ صفاته وكمالاته الإنسانيّة، وسيقوم بإسقاط إنسانيّته ويخرج من زُمرة البشر، فكأنّه قد غيّر ماهيته ودخل في زُمرة الشياطين.
ويقول بعد ذلك في ذيل هذه الآية: {ومَنْ عادَ (إلى ارتكاب الربا بعد نزول هذه الآية وحرمة الربا) فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فيها خالِدُونَ‏ََ}.
ثمّ يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا ويُرْبِي الصَّدَقاتِ واللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثيمٍ}.[2] (سيقضي الله تعالى على ثمرة الربا، وسيرفع بركته وخيره ورحمته، وعلاوةً على ذلك فإنّه سيجعل تلك الزيادة عُرضة للهلاك والضياع. وأمّا النفقات والصدقات فمع أنّها تُؤدّي في الظاهر إلى نقصان المال، لكنّها ستفضي في الحقيقة إلى زيادته ووفرة النعم ونزول الخير والرحمة. والذين يأكلون الربا هم أشخاص عاصون، والله لا يُحبّ العاصي الذي يكفر بالنعم).
ويقول بعد ذلك: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ! فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.[3]
(يا أيّها الذين آمنوا وأسلَموا، اتقوا ربّكم، وتنازلوا عن جميع الأرباح المترتّبة على تلك القروض الربويّة التي منحتموها من بعدِما تُليت عليكم هذه الآية واطّلعتم على حرمة الربا، واصرفوا أنظاركم عن الربح الحاصل من تلك الأموال إن كنتم مؤمنين. واعلموا أنّكم إذا لم ترضخوا لهذا الحكم، فإنّكم تكونون قد وضعتم أنفسكم في موضع المواجهة مع الله ورسوله، أي: إنّ الله ورسوله سيقومون بمحاربة آكل الربا الذي أعلن من خلال هذا الفعل الشنيع الحرب على الله ورسوله).
ونُلاحظ في هذا الآيات إلى أيّ حدّ قد تمّ التحذير عن الربا، مع أنّه كان مُتداولاً في عهد رسول الله بشكل بسيط وبين أفراد معدودين، حيث لم تكن قد ظهرت بعدُ في العالم المعاملات الربويّة الدقيقة والربا المركّب، وتأسّست البنوك التي بنت أنظمتها وقوانينها الداخليّة على أساس الربا لِتعصف بثروة الناس الضعفاء من خلال شتّى وسائل الدعاية والإشهار، وحتّى أنّه في تلك الأيّام لم تكن قد انعقدت بعدُ نطفة هذا القسم من المعاملات الربويّة لكي يُصدر القرآن مثل هذا الحكم القاسي والخطير. ويُمكننا أن نعدّ بحقّ هذا الحكم من الملاحم والمعاجز التي جاء بها القرآن حول الربا.
والسبب في ذلك هو أنّ الربا كالنار التي تُحرق أطراف كلّ محلّ تقع فيه، وتوسّع من مكانها، وتسري من الفرد إلى المجتمع، وبالتالي سينقسم الناس من خلال اتباع هذه المعاملات إلى طبقة ضعيفة وطبقة غنيّة. فبسبب القروض الربويّة وعدم القدرة على تسديدها، ستكون طبقة من الناس ساقطة على الدوام عن درجة الوجود، وسيُضاف ذلك ـ وبنفس الدرجة ـ إلى ثروة تلك الجماعة من المـُترفين والمعتدين.
وتبعاً لهذا الاختلاف الطبقي ستفسد المعنويّات، وتُزرع في القلوب بذور الحسد والبغضاء والبخل، وتُشعل الحروب والصراعات الدوليّة فضلاً عن النزاعات المحليّة، بحيث سينهدم أساس الإنسانيّة ويُصبح هشيماً تذروه الرياح، وتخرُب الدنيا وتظهر بصورة قبيحة وذميمة.
وأمّا إذا اقتُلع الربا من جذوره، فإنّ هذ الخسائر النفسيّة والماليّة والروحيّة لن تُصيب الناس، ولن تسريَ من الأفراد إلى المجتمع، ولن تُظهر الدنيا صورتَها الكريهة على شكل نار ظاهريّة ومعنويّة تُحرق الناس.
ومن المحتمل أن يكون هذا المعنى الوارد في القرآن الكريم مثاراً للتعجّب في تلك الأيّام. وكذلك الأمر بالنسبة للراوايات الصادرة عن رسول الله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام التي تحدّثت بلحن شديد حول الربا ـ والتي مفادها أنّ معصية أكل درهم واحد من الربا تفوق الزنا بالأمّ في بيت الله الحرام ـ حيث أنّها قد تكون بدورها مثيرة للتعجّب.[4]
وأمّا في هذا العصر ـ حيث إنّ تلك النطفة الكامنة قد انعقدت شيئاً فشيئاً وظهرت على شكل جنين وطفل رضيع وبعد ذلك ستقطع مراحل أخرى من عمرها في هذه الدنيا ـ فقد تبيّن حقّاً كم هي عالية وقيّمة تلك المطالب التي بيّنها القرآن المجيد، وأنّ معصية الربا تفوق بحقٍّ الزنا بالأمّ في بيت الله الحرام. ولهذا لا نجد في القرآن المجيد بأنّ المعصية المترتّبة على أقبح عمل (نظير الزنا وشرب الخمر والقمار والظلم وحتّى قتل شخص بريء) قد بلغت درجة معصية الربا في العظمة والكبر.
المورد الثاني:[5] من الموارد التي تمّ التأكيد عليها بشكل كبير في القرآن المجيد هو مودّة الكفّار ومحبّتهم: سواءً كانوا مشركين أم كانوا يهوداً ونصارى. ويُعدّ التنبيه في هذا المجال كبيراً إلى درجة أنّه يُخرج الشخص الذي يعقد معهم علاقة المودّة والمحبّة عن زُمرة المؤمنين بشكل كلّي.
{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّه}.[7]
حيث يُوجّه الله تعالى خطابَه للرسول قائلاً: يا أيّها الرسول! لن تعثر على أيّ طائفة من الذين يُؤمنون بالله ويوم القيامة يُحبّون أعداء الله.
ويقول أيضاً: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ والنَّصارى‏ أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ (الذين يسلكون باختيارهم طريق الانحراف)}.[7]
وكذلك يقول: {وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ (اليهود والنصارى) أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثيراً مِنْهُمْ فاسِقُون (وهم الذين يُحبّونهم ويودّونهم)}.[8]
ونلاحظ بأنّ هذه الآيات قد قامت بإخراج الأشخاص الذين يعقدون أواصر الصداقة والمحبّة مع المشركين واليهود والنصارى من زُمرة المؤمنين؛ فكأنّ الإسلام لا يجتمع مع مودّتهم. وهذا ليس لأنّ القرآن لا يرغب في وصول الخير إليهم، وإنّما السبب في ذلك هو أنّ المودّة والمحبّة ستُفضي شيئاً فشيئاً إلى التعرّف عليهم والأُنس بهم، وهذه المؤانسة والمجالسة ستؤدّي بدورها إلى تأثير أفكارهم وملكاتهم الروحيّة في الفرد المسلم.
ومن المعلوم بأنّ أصل الإسلام والإيمان يكمن في ذلك الاعتقاد الصافي بالله والإيمان الراسخ برسول الله ويوم المعاد وبالأحكام والأوامر الإلهيّة. وبما أنّ المسلم سيُصاب بالتزلزل والاضطراب في إيمانه وعقيدته الصافية بسبب التقارب معهم، فإنّه لن يكون من الناحية المعنويّة مؤمناً ولو كان بحسب الصورة الظاهريّة متقيّداً بالآداب الإسلاميّة. ومن خلال محبّتهم ومُتابعة أفكارهم، سينقاد لهم تدريجيّاً في أعمالهم ومناهجهم وعاداتهم وتقاليدهم المتّبعة في الأمور المعيشيّة والاجتماعيّة إلى حدّ تضعُف في ذلك المسلم ـ المتّصف بقوّة الإرادة والجهاد في سبيل الله وإقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله ـ هذه الصفات تدريجيّاً ليحلّ محلّها الضعف والفتور والوهن في جميع الأمور، بالإضافة إلى شرب الخمر والقمار وممارسة أنواع الفحشاء والمنكرات.
أجل، في تلك الأيّام التي كان يُحذّر فيها القرآنُ المجيد المسلمينَ من مؤانسة الكفّار ومودّتهم مُستعملاً في ذلك خطاباً متشدّداً، من المحتمل ألاّ تكون المفاسد المترتّبة على ذلك واضحةً لديهم بشكل جليّ، بحيث أنّهم حملوا هذا النوع من التشديدات على المبالغة؛ وأمّا في هذا العصر الذي صارت فيه عاداتهم وتقاليدهم رائجة في البلدان، بحيث أصبحوا في كلّ يوم ـ بسبب التواصل وعقد اللقاءات الحميمة معهم والاستقاء من مدرستهم ـ يُقدّمون لنا هديّة جديدة من رذائلهم الأخلاقيّة، فقد صار هذا الأمر واضحاً للجميع وكيف أنّ مجتمعاً قويّاً ومتيناً، مقيماً للصلاة، صاحب إرادة واختيار، يُصاب رُويداً رُويداً بالذلّة والضعف ويفقد جميع كمالاته الروحيّة ويصل إلى مرحلة الهلاك.
المورد الثالث: يتعلّق بنفس هذه المسألة التي نبحث عنها، أي: مودّة ذوي القربى. ينبغي علينا أن نعلم بأنّ رسالة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله تُمثّل أمراً معنويّاً وحقيقيّاً وخالياً عن شوائب التصنّع والتحفّظ ومُغايراً للعقود والسنن الاجتماعيّة الجعليّة.
فالرسالة هي بمعنى بعثته صلّى الله عليه وآله وسلّم على أساس الوحي الإلهي واتّصال قلبه بالعوالم العالية واكتساب الفيض القلبي من الأنوار القدسيّة، ومعرفة الله وأسمائه وصفاته، ومعرفة النفس وطُرق كمالها، والاطّلاع على وساوس الشيطان وطُرق إغوائه من خلال النفس الأمّارة، وأخيراً الاطّلاع على أسرار الخلقة وأسرار الإنسان الخفيّة من حيث الباطن والإدراك القلبي عن طريق جبريل الأمين.
وعلى الرغم من أنّ عالم المـُلك سيتنوّر بتبع هذه الأنوار الملكوتيّة، وتظهر عند ذلك الآلاف المؤلّفة من الأحكام الاجتماعيّة الموضوعة من أجل تكميل النفوس البشريّة، إلاّ أنّ جميع هذه الأمور هي تابعةٌ لذلك السرّ الإلهي وداخلة في شعاع ذلك المشعل المعرفي.
ومن المعلوم أنّ هذا الأمر كان منحصراً بعد رسول الله بأهل البيت فقط، فلم يكن أحدٌ غيرُهم مطّلعاً على المعاني الخفيّة وبواطن الأمور وأسرار القرآن المجيد وطُرق تكميل النفوس البشريّة وتأويلات الكتاب السماوي. وحتى لو حصل لبعضهم الاطّلاع على ذلك، فقد كان اطّلاعاً إجماليّاً وضمن حدود خاصّة.
وأمّا بالنسبة إلى الوجود المقدّس لأمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، فقد كان ذلك بنحو أعلى وأكمل، حيث كان عليه السلام بمنزلة رسول الله وتاليَ تلوه صلّى الله عليه وآله وسلّم من حيث الإدراكات والمعارف والاتّصال بالعوالم الغيبيّة، وكان التلميذ الأوّل لهذه المدرسة، وقد كان يُمثّل على هذا الصعيد حقيقة النبوّة وسرّ الولاية وروح الأسرار وزُبدتها.
فالأحاديث التي رواها كلّ من الشيعة والسنّة بطرق مستفيضة أو متواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «عليٌّ كنفسي»، «عليٌّ بمنزلتي»، «خُلقت أنا وعليٌّ من نور واحد»، «خُلقت أنا وعليٌّ من شجرة واحدة»، «عليٌّ أخي»، وأمثال هذه العبارات تحكي جميعُها عن هذا المعنى.
ولم تكن حادثة نبوّة رسول الله ونزول القرآن وأحكام الإسلام وعظمة المسلمين في عصره صلّى الله عليه وآله مبتنيةً على نظامٍ اجتماعي لكي تقع موضعاً للبحث والنقاش من ناحية الظاهر فقط ومن دون الالتفات إلى المعنى وباطن الأمر، بل ينحصر اعتمادها على الاتّصال بعوالم الغيب وصفاء الباطن وإدراك العلوم القلبيّة من خلال الطهارة والوصول إلى مقام العبوديّة المحضة.
وبعد وفاة رسول الله، فإنّ تحقّق هذا المعنى لن يستمرّ إلاّ إذا تسلّم مقاليد الأمور عقب رسالته صلّى الله عليه وآله شخصٌ نظير أمير المؤمنين لكي يسوق المجتمع البشري وفق نفس المسار الذي كان يمشي عليه الرسول. وأمّا لو أراد شخص آخر لم يتقدّم خطوة واحدة في هذا الأفق من الطهارة أن يُمسك بأزمّة الحكم، فإنّه لن يسير بالناس في طريق رسول الله، بل سيسير بهم ـ بحسب حدود إدراكاته ـ في الطريق الذي طواه بنفسه وبدا له مستحسناً؛ ومن المسلّم أنّ هذا الطريق سيكون مختلفاً في الاتّجاه بشكل كبير عن طريق رسول الله.
وتدلّ الآية القرآنيّة المباركة: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} على هذا المعنى، حيث تُريد هذه الآية أن تُدخل البشر ـ من خلال مودّة ذوي القربى ـ في طريق أمير المؤمنين والصدّيقة الكبرى والحسنين عليهم السلام، وتسعى إلى تعريف الناس على حقائق الإسلام وإطلاعهم على سرّ النبوّة، وتهدف إلى استحصال النتيجة من أصل الرسالة والبلوغ بالإسلام الظاهري ـ الذي يتحقّق وسط الناس من خلال التلفّظ بالشهادتين ـ إلى درجة الكمال على أساسٍ من معرفة الإمام والوصول إلى مرتبة التوحيد. وتُريد هذه الآية أن تحصر طريق الناس بأجمعهم في أهل بيت الرحمة وتسقيَهم من هذا المنهل، وتصبو أيضاً إلى أن تقود الناس على جادّة هذا الصراط الذي هو بمنزلة أقرب طريق مؤدٍّ نحو السعادة المطلقة وأقصر مسير موصل إلى الهدف الأصلي.
وكم هو كبير وقيّم هذا المعنى الذي جُعل أجراً على الرسالة، بحيث لا يوجد أيّ حكم في القرآن المجيد يُضاهي هذا الحكم في المنزلة والاعتبار!
فلو ارتكب المسلم أيّ معصية من المعاصي، فإنّ أصل إسلامه وأساسه سيبقى على حاله، ولن تتصدّع علاقته القلبيّة مع النبوّة وتنهار دفعةً واحدةً. وأمّا المسلم الذي لا يمتلك مودّة الأئمّة الطاهرين ولم يدخل في طريقهم ولم ينهل من خلال ولايتهم من خصائصهم الروحيّة والأخلاقيّة، فإنّ علاقته بالنبوّة ستكون مقطوعة، وسيكون إسلامُ شخصٍ كهذا عقيماً ومتزلزلاً.
ففي زمان رسول الله وبسبب النورانيّة والحرارة المعنويّة التي يمتلكها صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد وضع مِثل هؤلاء الأشخاص أنفسهم في ضمن شعاع ذلك النور واقتربوا من ذلك المنبع للحرارة، لكنّهم بعد ذلك وفي بيئة مُعتمة وفاترة، أُصيبوا بالجمود وارتدّوا على أدبارهم القهقرى نحو جاهليّة العصور السابقة.
{وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ (إلى نفس أفكار عصر الجاهليّة) وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً (وسيضرّ نفسه فقط) وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرينَ (الذين يتقدّمون نحو الأمام ويسيرون على طريق رسول الله ووِفق منهجه)}.[9]
ويدور الحديث في هذه الآية حول الذين انساقوا بعد وفاة رسول الله وراء أفكارهم النفسانيّة، ورفعوا أصواتهم بنداء (حسبنا كتاب الله)، ولم يروا أنفسهم محتاجين إلى أهل بيت العلم والطهارة، ولم يتقدّموا في أعقاب النبوّة خطوة واحدة في طريق الولاية؛ ولهذا فقد بقوا على نفس أفكارهم الجاهليّة، وتمّ دفنهم هناك.
وعلى كلّ حال فمن المحتمل ألاّ تكون ثمرة مودّة أهل البيت ـ التي حازت على هذه الدرجة من الأهميّة بحيث جُعلت أجراً وثواباً على النبوّة والمشاقّ المضنية التي تحمّلها النبيّ الأكرم ـ واضحةً على عهد رسول الله، ومن الممكن أن يكون كثير من الناس قد تعجّبوا وتحيّروا من أنّه ما هي الحكمة التي تشتمل عليها مودّة أهل البيت لكي تُجعل في مقابل المشاقّ التي تحمّلها رسول الله؟! وما أكثر ما لوحظ في العديد من مؤلّفات أهل السنّة أنّهم لايزالون باقين في حيرتهم هذه ولم يتمكّنوا من حلّ هذه المسألة.
غير أنّ الرسول الأكرم.. الأب المعنويّ للاُمّة أراد من إيجابه لمودّة ذوي القربى أن يضع هذه الاُمّة على طريق الصفاء والمحبّة؛ لأنّ حقائق الأمور وحقيقة طهارة الأئمّة الطاهرين كانت مكشوفة لديه صلّى الله عليه وآله من خلال النور الإلهي بمقتضى {فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَديدٌ}،[10] بحيث كان يراهم جميعُهم بعين قلبه سائرين على طريقه ووِفق منهجه.

    

المودّة في كلام بعض الأعاظم

وقد ورد في التفسير المنسوب إلى محيي الدين بن عربي في ذيل آية المودّة أنّه قال: ثمرة مودّة أهل قرابته عائدةٌ إليهم؛ لكونها سبب نجاتهم، إذ المودّة تقتضي المناسبة الروحانيّة المستلزمة لاجتماعهم في الحشر، كما قال عليه الصلاة والسلام: «المرء مع من أحبّ».
فلا تصلح أن تكون (ثمرة مودّة أهل البيت) أجراً له (أي للنبيّ)، ولا يُمكن من تكدّرت روحه وبعُدت عنهم مرتبته محبّتهم بالحقيقة، ولا يُمكن من تنوّرت روحه وعرف اللّه وأحبّه من أهل التوحيد أن لا يُحبّهم؛ لكونهم أهل بيت النبوّة ومعادن الولاية والفتوّة محبوبين في العناية الأولى، مربوبين للمحلّ الأعلى؛ فلا يُحبّهم إلاّ من يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله. ولو لم يكونوا محبوبين من اللّه في البداية لما أحبّهم رسول اللّه؛ إذ محبّته عين محبته تعالى في صورة التفصيل (والكثرة) بعد كونه في عين الجمع (والوحدة).
ثمّ يقول بعد ذلك: وهم الأربعة المذكورون في الحديث الآتي بعد... رُوي أنّها لمـّا نزلت قيل: يا رسول اللّه! من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة والحسن والحسين وأبناؤهما» ـ انتهى كلام محيي الدين.[11]
وقد تكون هذه المحبّة والإخلاص والارتباط المعنوي بأرواح الأئمّة الطاهرين هي السبب في كون الاتّصاف بالرأفة والعطف والتسامح موجوداً في شيعتهم ومُواليهم أكثر، والاتّصاف بالخشونة والقسوة موجوداً في مُخالفيهم أكثر.
يقول ابن أبي الحديد: وَقَد بَقِيَ هَذا الخُلُق مُتوارِثاً مُتَناقِلاً في مُحبّيه وأوليائِهِ إلى الآن، كَمَا بَقِيَ الجَفاءُ والخُشونةُ والوُعورةُ في الجَانِبِ الآخَر، ومَن لَهُ أدنَى مَعرِفةً بأخلاقِ الناسِ وعوائِدِهِم يعرِفُ ذَلِك.[12]

    

المودّة في نصوص أهل البيت (عليهم السلام)

ومن هنا فإنّ مولانا الصادق عليه السلام كان يوصي بدعوة شباب أهل السنّة إلى الولاية؛ إذ أنّ أرواحهم لم تصر بعدُ مطبوعة على الشقاء، بحيث سيميلون أكثر إلى التوجّه نحو الخير.
روي عن محمّد بن يعقوب الكليني بسنده المتّصل عن إسماعيل بن عبد الخالق أنّه قال:
سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللهِ عَليهِ السلامُ يَقولُ لِأَبي جَعفرٍ الأَحوَلِ وَأَنا أَسمعُ: أَتَيتَ البَصرَةَ؟ قَالَ: نَعَم! فَقَالَ: كَيفَ رَأَيتَ مُسَارَعةَ الناسِ إِلى هَذا الأَمرِ وَدُخولِهم فِيه؟ فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّهم لَقَليلٌ وَقَد فَعَلوا وَإنَّ ذلِك لَقليلٌ! فَقالَ: عَلَيكَ بِالأَحداثِ؛ فَإنَّهم أَسرَعُ إِلى كُلِّ خَيرٍ.
ثُمَّ قَالَ: مَا يَقُول أَهلُ البَصرَةِ فِي هَذِه الآيةِ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏؟ قُلتُ: جُعلتُ فِداكَ! إِنَّهُم يَقولونَ: لِأَقارِبِ رَسولِ اللهِ صِلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ. فَقَالَ: كَذَبوا، إِنَّمَا نَزَلَت فِينا خَاصّةً، فِي أَهلِ البَيتِ، فِي عَلِيٍّ وفَاطِمةَ والحَسَنِ والحُسَينِ، أَصحَابِ الكِساءِ عَلَيهِمُ السلَامُ
.[13]
ويروي كذلك ابن بابويه القمّي بسنده المتّصل عن الريّان بن الصلت أنّه قال: لمـّا أحضر المأمونُ الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى مَرو وقد اجتمع في مجلسه جماعة كبيرة من علماء أهل العراق، ذكر عليه السلام آيات الاصطفاء إلى أن وصل إلى آية المودّة في القربى حيث جعلها بمثابة الآية السادسة من موضع كلامه، وبعدما تعرّض لشرح وتفصيل للمسألة قال:
وَمُحَمّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ فَرَضَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ مَوَدَّةَ قَرَابَتِه عَلَى أُمَّتِه وَأَمَرَه أَن يَجعلَ أَجرَه فيهم؛ لِيَوَدُّوه فِي قَرَابَته لِمَعرفةِ فَضلِهِم الذي أَوجَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُم؛ فَإنَّ المـَوَدَّةَ إنَّما تَكونُ عَلى قَدرِ مَعرِفَةِ الفَضلِ.
فَلَمَّا أَوجَبَ اللهُ تَعَالَى ذَلِك ثَقُلَ
(هذا الأمر على جماعة) لِثِقلِ وُجُوبِ الطاعَةِ (أي طاعة أهل البيت)، فَأَخَذَ بِها قَومٌ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَهُم عَلَى الوَفَاءِ، وَعَانَدَ أَهلُ الشِقَاق والنِفَاقِ وأَلحَدوا في ذَلِك فَصَرفُوه عَن حَدِّه الذي قَد حَدَّه اللهُ تَعَالَى، فَقَالوا: القَرَابةُ هُمُ العَرَبُ كُلُّها وَأَهلُ دَعوَتِه (الذين أصبحوا مسلمين).
فَعَلَى أَيِّ الحَالَين كَانَ، فَقَد عَلِمنا أَنَّ المـَوَدَّةَ هِيَ لِلقَرابَةِ، فَأَقرَبُهم مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِه أَولَاهُم بِالمـَوَدَّةِ، وَكُلَّمَا قَرُبَت القَرابَةُ كَانتِ المـَوَدَّةُ عَلَى قَدرِها. وَمَا أَنصَفوا نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله في حِياْطَتِه وَرَأفَتِه وَمَا مَنَّ اللهُ بِه عَلَى أُمَّتِه مِمَّا تَعجَزُ الأَلسُنُ عَن وَصفِ الشكرِ عَلَيه أَن يَوَدُّوهُ فِي قَرَابَتِه وَذُريَّتِه وَأَهل بَيتِه وَأَن يَجْعلُوهم فِيهِم بِمَنزِلةِ العَينِ مِن الرأسِ حِفظاً لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وَحُبّاً لَهُم.[14]

    

إنكار بعض المحقّقين لمودّة أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم

ومن العجيب أنّ بعضاً من أهل السنّة لم يتنازلوا بعدُ عن هذا الهدف، فمازالوا مصرّين بشكل كبير على صرف الناس عن أهل بيت العصمة.
يقول السيّد قطب: معنى هذه الآية الشريفة هو: أنا لا أُريد منكم أيّ أجر، غير أنّ مودّتي لأقربائي ـ وهم قريش ـ تدفعني للقيام بالتبليغ؛ إذ إنّ جميع قبائل قريش كانت تربطهم برسول الله علاقة نسبيّة.
ويقول بعد ذلك: هذا المعنى هو الذي انقدح في نفسي وأنا أقرأ هذا التعبير القرآني في مواضعه التي جاء فيها.
ثمّ يقول: وقد وردت هنا رواية عن صحيح البخاري جاء فيها أنّ: طاووساً روى عن ابن عباس أنّه لمـّا سُئل عن تفسير آية: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}، أجاب سعيد بن جبير: المقصود هم قربى آل محمّد. فقال ابن عباس: عجلت في بيان هذا المعنى؛ لأنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن بطنٌ من بطون قريش إلاّ كان له فيهم قرابة، فليس هذا هو المراد من الآية، بل المراد منها هو أنّني لا أُريد منكم أجراً إلاّ أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
و يكون المعنى على هذا: من أجل مراعاة حقّ القرابة، لا تؤذوني واسمعوا كلامي ولا تتصلّبوا في مقابل هدايتي لكم، فهذا هو الأجر الذي أطلبه منكم لا سواه.
ويقول بعد ذلك: على الرغم من أنّ تأويل ابن عبّاس أقرب إلى الحقّ من تأويل سعيد بن جبير، ولكنّني ما أزال أجد بأن ذلك المعنى الذي بيّنته أقرب إلى الواقع.[15]
لكنّ هذا الكلام خاطيء تماماً؛ لأنّه:
أوّلاً: ذكرنا سابقاً بأنّ هذا المعنى على خلاف الظاهر ولا يُمكن قبوله بأيّ وجه من الوجوه من دون دليل ووجود قرينة قطعيّة.
ثانياً: من العجيب أنّه مع وجود كلّ هذه الروايات المستفيضة التي نقلناها عن أهل السنّة الواردة في كتبهم حول مودّة أهل البيت ـ سواءً في مقام تفسير الآية أم في غير ذلك ـ فإنّه لم يرجّح إلاّ هذه الرواية، وذكر بأنّ المراد من (في القربى) هم جميع طوائف قريش ولا خصوص أهل البيت.
وثالثاً: أنّ رواية ابن عبّاس المتقدّمة مُعارَضة بروايات أخرى منقولة عنه اعتبر فيها بشكل قاطع بأنّ ذوي القربى منحصرون في أئمّة أهل البيت. وقد نقلنا في ضمن الأبحاث السابقة بعض الروايات عن ابن عبّاس بهذا المعنى من كتب السنّة ورواياتهم.[16]
يقول المرحوم السيّد شرف الدين: وأخطأ من نسب هذا القول إلى ابن عبّاس اعتماداً على خبر رواه البخاري في باب قوله {إلاّ المودّة في القربى} من كتاب تفسير القرآن من صحيحه، عن محمّد بن بشّار، عن محمّد بن جعفر، وهما ضعيفان بإجماع الإماميّة، ووافقهم يحيى بن معين ـ كما في ميزان الاعتدال ـ على تضعيف محمّد بن بشّار، بل كذبّه الفلاس، فراجع. وكيف يقول ابن عبّاس في تفسير القربى غير الذي قلناه مع ما سمعته من الأحاديث الثابتة عنه في تفسير القربى بعلي وفاطمة وأبنائهما وتفسير الحسنة بمودّتهم؟[17]
وعلى كلّ حالٍ، ينبغي علينا أن نعلم إلى أيّ حدّ كان يُعاني أهل البيت من المظلوميّة، بحيث أنّه عندما يُكتب تفسير للقرآن بعد ألف وثلاثمائة سنة، فإنّه يكون وِفق نفس المنهج، ولا يكون مؤلّفه مستعدّاً للتقدّم في طريق الولاية ولو لخطوة واحدة.

    

تبرير المسعودي وأضرابه الإساءة إلى أهل بيت النبوة (عليهم السلام)

والأعجب من ذلك أن ينظم أحد الشعراء( ) شعراً يعدّ فيه ـ بكلّ وقاحة وجرأة ـ حرق عمر لباب الصدّيقة الكبرى من مفاخره، ويقوم الآخرون بالثناء عليه وإعادة طباعة ديوانه.
يقول:
وقَولةٌ لِعليٍّ قالَها عُمَر
                             أكرِم بِسامِعِها أعـظِم بِمُلقيها


حَرَّقتُ دارَكَ لَا أُبقي عَليكَ بِها
                             إن لَم تُبايِع وبنتُ المـُصطفى فـيها


ما كانَ غيرُ أبي حَفصٍ يَفوهُ بِها
                             أمامَ فارِسٍ عَدنانٍ وحاميها[19]


لاحظوا كيف يفتخر بمآثر سلفه وزعيمه عُمر، فيعتبر أنّ إحراق بيت الولاية الذي كان موضعاً لنزول الوحي ومَسكناً لسرّ رسول الله وبضعة المصطفى دليلاً على عظمته.
لقد أصاب ابن أبي الحديد عندما قال بأنّ قسوة المخالفين لأمير المؤمنين وشدّتهم ملحوظة أيضاً في المتابعين لهم.
فعندما يقوم عُروة بن الزبير بتبرير أفعال أخيه عبد الله بن الزبير الشنيعة وجمعه للحطب من أجل إحراق جماعة بني هاشم، ويعدّها حسنةً نظير إحراق عمر دار فاطمة، فما الذي يُمكننا أن نترقّبه من شاعر النيل؟!
ينقل المسعودي في «مروج الذهب»[20]، ويحكي عنه كذلك ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»[21] أنّه لمـّا امتنعت جماعة من بني هاشم عن البيعة لعبد الله بن الزبير، فإنّه قام بحصر محمد بن الحنفيّة وعبد الله بن عبّاس في جملة سبعة عشر رجلاً من بني هاشم كان من بينهم الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن المجتبى، وذلك في شِعب مكّة المعروفة بشِعب عارِم.
وقد كانت هذه الشعب ضيّقة جدّاً لا يُمكن الفرار منها. ثمّ أصدر أمره بجمع حطب عظيم على باب الشعب، بحيث لو وقعت في ذلك الحطب شرارة من نارٍ لأحرقت جميع أولئك الأشخاص وماتوا بسرعة.
ومن ناحية أخرى، فقد حبس ابناً لمحمد بن الحنفية يُسمّى بالحسن في الحبس المعروف بحبس عارم، وهو حبس مُوحِش مُظْلم، وأراد قتله.[22]
وأعلن قائلاً بأنّه لا ينقضي يوم الجمعة إلاّ والجميع قد بايعني، وفي غير هذه الحالة فسأضرب عنق الجميع أو أُضرم عليهم النار. ومن باب الاتّفاق، فقد عزم على إحراقهم قبل حلول يوم الجمعة، غير أنّ ابن مِسوَر بن مخرمة الزهري أقسم عليه بأن يصبر إلى يوم الجمعة.
ولمـّا حلّ يوم الجمعة، طلب محمّد بن الحنفيّة ماءً للغُسل واغتسل، ثمّ تحنّط ولبس ثياباً بيضاء واستعدّ للقتل والإحراق مع جماعة بني هاشم، بحيث لم يكن له أدنى شكّ في أنّ الجميع سيُسلم الروح في ذلك اليوم، وإذا بأبي عبد الله الجَدَلي مرفوقاً بأربعة آلاف من الجُند قد ورد مكّة على حين غرّة قادماً من الكوفة من قِبَل المختار الثقفي من أجل حماية محمّد بن الحنفيّة وجماعة بني هاشم.
ولمـّا بلغوا ذات عِرق قال رئيسهم أبو عبد الله الجَدَلي: إنّ هذا الجيش كبير جدّاً، وإذا دخل مكّة على هذه الحالة، فإنّي أخشى أن يصل خبره إلى عبد الله بن الزبير، فيتعجّل بقتل جميع بني هاشم قبل أن نصل إلى شِعب عارم من أجل إنقاذهم. ولذلك فقد أوقف الجيش في ذات عِرق وذهب في الحال بمعيّة سبعمائة فارس إلى مكّة، فلم يشعر عبد الله ابن الزبير بهذا الجيش أبداً حتّى خفقت فجأةً الراياتُ والجُندُ على رأسه. وذهب الفرسان دفعةً واحدة إلى شعب عارم، وحرّروا محمد بن الحنفيّة وجميع طائفة بني هاشم.
وقد ورد في «شرح نهج البلاغة» أنّ المسعودي قال: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بنى هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليُحرقهم ويقول: إنّما أراد بذلك ألاّ تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة، فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطاب ببنى هاشم لمـّا تأخّروا عن بيعة أبي بكر؛ فإنّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار.[23]
كما نُقل عن ابن عبد ربّه وأبو الفداء أنّه لمـّا اجتمع أصحاب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في بيت فاطمة من أجل نصرته، بَعَثَ إليهم أبو بَكرٍ عُمرَ بنَ الخطّاب لِيُخرِجَهم مِن بيتِ فاطِمةَ، وقالَ لَهُ: إن أَبَوا فَقاتِلهم! فَأقبَلَ بِقَبسٍ مِن نارٍ على أن يُضرِم عَلَيمُ الدارَ، فَلَقِيَتهم فاطمةُ فَقَالت: يا بنَ الخطابِ! أَجئتَ لِتُحرِقَ دارَنا؟ قالَ: نَعَم! أو تَدخُلوا في ما دَخَلَت فيه الأُمّةُ (من بيعة أبي بكر).[24]
ونُقل عن «كنز العمال» أنّ عمر قال لفاطمة: وما أحدٌ أحَبُّ إلى أَبيكِ مِنكِ، وما ذلِك بِمانِعي إن اجتمعَ هؤلاءِ النفرُ عِندكِ أن أمرتُهُم أن يُحرِقوا عَلَيكِ البابَ.[25]

    

توصيف ابن أبي الحديد معاصي الخلفاء بالصغائر

وعجيب من ابن أبي الحديد ـ بعد نقله لبعض الحوادث واعترافه بأنّ فاطمة رحلت عن الدنيا وهي غاضبةٌ وحانقةٌ على أبي بكر وعمر ـ أن يقول: وعندي أنّ معصية عمر وأبي بكر هي من الصغائر.
ويقول في هذا الصدد: والصحيحُ عندي أنّها ماتَت وَهِيَ واجدةٌ على أبي بكرٍ وعُمرَ، وأنّها أَوصَت ألاّ يُصلِّيا عَلَيها، وذلِك عِندَ أَصحابِنا (من أهل السنّة) مِن الأُمورِ المـَغفورةِ لَهُما وكانَ الأَولى بِهِما إكرامَهَا واحترامَ مَنزِلَها.
إلى أن يقول: واللهُ وليُّ المـَغفرةِ والعَفوِ؛ فإنّ هَذا (أي ما صدر من أبي بكر وعمر) لَو ثَبتَ أنّه خطأٌ لَم يَكُن كبيرةً، بَل كَانَ مِن باب الصغائِرِ التي لا تَقتَضي التبَرَّي ولا تُوجِبُ زَوَالَ التولِّي.
أنا لم أستوعب ـ بحسب هذا ـ ما الذي تعنيه الكبيرة؟! فمع كلّ هذه الروايات المتواترة التي رووها بأنفسهم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في فضل فاطمة وحبّ فاطمة، وشهادتهم بأنّ غضب فاطمة يوجب النار ودخول جهنّم، ماذا يُعدّ إحراقهم لدار بنت رسول الله وبضعة المصطفى ـ وهي حريم الأمن والأمان ـ في الوقت الذي تحصّن فيها أمير المؤمنين وجماعة بني هاشم وصحابة رسول الله الكبار نظير سلمان والمقداد وأبي ذرّ وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان والعباس بن عبد المطّلب وغيرهم ـ بصفتها تمثّل حرماً وملجأً ـ وكذلك فتحهم للباب وهجومهم على الدار وجرّهم للمتحصّنين في الشوارع والطرقات إلى المسجد أمام أنظار أهل المدينة، وإسقاط فاطمة لجنينها، وذهابها إلى المسجد صائحةً نائحةً برفقة جماعة من نساء بني هاشم وغيرهنّ، ودفاعها عن المتحصّنين وعن زوجها علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله، وارتفاع صوتها بالبكاء والنحيب في المسجد؟ أفلا يكون ذلك معصية كبيرة وموجباً لزوال محبّة الشيخين وباعثاً على التبرّي والنفور منهم؟! وإذا كانت هذه من الصغائر، فما الذي تعنيه الكبيرة إذن؟!
إنّهم لم يتوانوا عن التسبّب في أيّ أذى وألم حتى يُمكننا أن نعدّ تلك المرتبة من الأذى ـ التي توانوا عنها ـ بمثابة معصية كبيرة؛ {وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.[26] هذا مع أنّ الإساءة إلى حِذاء تلك الطاهرة المطهّرة يُعتبر كبيرة من الكبائر، واقتراف جُرم بمقدار واحدٍ من الألف من الجرائم التي ارتكبوها يوجب الخلود في النار ويوجب التبرّي وزوال التولّي.


[1] ـ سورة البقرة (2)، صدر الآية 275.

[2] ـ سورة البقرة (2)، الآية 276.

[3] ـ سورة البقرة (2)، الآية 278 وصدر الآية 279.

[4] ـ ورد عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام: «يا عليُّ! الربا سَبعونَ جُزءاً مِثلُ أن يَنكِحَ الرجلُ أُمَّه في بيتِ اللهِ الحرامِ». وورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: «الربا سَبعونَ بَاباً أهوَنُها عندَ اللهِ كَالذي يَنكِحُ أُمَّه». ويقول مولانا الصادق عليه السلام أيضاً في رواية أخرى: «دِرهمُ رباءٍ أَعظمُ عِندَ اللهِ مِن سَبعينَ زَنية كُلُّها بِذاتِ مَحرَمٍ في بَيتِ اللهِ الحَرامِ». (العروة الوثقى، ج 2، ص 2).

[5] ـ هذا المورد والمورد الأوّل هما تفصيل وشرح للمطلب الذي ذكره العلاّمة الطباطبائي (مدّ ظلّه) بشكل مختصر في تفسير «الميزان» ج 2، ص 433، وفي ج 5، ص 371.

[6] ـ سورة المجادلة (58)، صدر الآية 22.

[7] ـ سورة المائدة (5)، الآية 51.

[8] ـ سورة المائدة (5)، الآية 81.

[9] ـ سورة آل عمران (3)، الآية 144.

[10] ـ سورة ق (50)، جزء من الآية 22.

[11] ـ تفسير ابن عربي، ج 2، ص 432.

[12] ـ شرح نهج البلاغة، طبع مؤسّسة إسماعيليان، ج 1، ص 26.

[13] ـ تفسير البرهان، الطبعة الحجريّة، ص 970؛ وفي طبعة بنياد بعثت (مؤسّسة البعثة)، ج 4، ص 815.

[14] ـ تفسير البرهان، الطبعة الحجريّة، ص 971؛ وفي طبعة بنياد بعثت (مؤسّسة البعثة)، ج 4، ص 818. [وقد وردت عبارة ابن الصلت في النصّ الأصلي بهذا الشكل: حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع في مجلسه جماعةٌ من أهل العراق ـــ وذكر الحديث وذكر عليه السلام آيات الاصطفاء وهي اثنتا عشرة ـــ قال عليه السلام: والسادسة: قوله عز وجل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏... ـــ المترجم ـــ ]

[15] ـ في ظلال القرآن، ج 7، سورة الشورى، ص 31. [وقد ورد هذا الكلام في النصّ الأصلي بهذا الشكل: والمعنى الذي أشرت إليه، وهو أنّه لا يطلب منهم أجراً، إنّما تدفعه المودّة للقربى ـ وقد كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرابةٌ بكلّ بطن من بطون قريش ـ ليُحاول هدايتهم بما معه من الهدى، ويحقّق الخير لهم إرضاءً لتلك المودّة التي يحملها لهم، وهذا أجره وكفى! هذا المعنى هو الذي انقدح في نفسي وأنا أقرأ هذا التعبير القرآني في مواضعه التي جاء فيها. وهناك تفسير مروي عن ابن عباس ـ رضي اللّه عنهما ـ أثبته هنا لوروده في صحيح البخاري: قال البخاري: حدّثنا محمّد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت طاووساً يحدّث عن ابن عبّاس ـ رضي اللّه عنهما ـ أنّه سأل عن قوله تعالى: { إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى } فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمّد. فقال ابن عبّاس: عجلت. إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن بطنٌ من بطون قريش إلاّ كان له فيهم قرابة. فقال: إلاّ أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. و يكون المعنى على هذا: إلاّ أن تكفّوا أذاكم مراعاةً للقرابة، وتسمعوا وتلينوا لما أهديكم إليه؛ فيكون هذا هو الأجر الذي أطلبه منكم لا سواه. و تأويل ابن عبّاس ـ رضي اللّه عنهما ـ أقرب من تأويل سعيد بن جبير ـ رضي اللّه عنه ـ ولكنّني ما أزال أحسّ أنّ ذلك المعنى أقرب وأندى ـــ المترجم ـــ]

[16] ـ نفس هذا الكتاب، ص 87 وص 89.

[17] ـ الفصول المهمّة، ص 224. [لقد عثرت على هذا النصّ في كتاب "الكلمة الغرّاء" وليس في الفصول المهمّة ـــ المترجم ـــ]

[18] ـ شاعر النيل: حافظ إبراهيم.

[19] ـ المراجعات، ص 346.

[20] ـ مروج الذهب، ج 3، ص 85 و86. [وقد وردت هذه العبارة في النصّ الأصلي بهذا الشكل: وقد كان ابن الزبير عمد إلى من بمكّة من بني هاشم فحصرهم في الشِّعْبِ، وجمع لهم حَطَباً عظيماً لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد، وفي القوم محمد بن الحنفيّة. وفي مكان آخر: وحبس عبد اللّه بن الزبير الحسن بن محمد بن الحنفية في الحبس المعروف بحبس عارم، وهو حبس مُوحِشَ مُظْلم ـــ المترجم ـــ]

[21] ـ شرح نهج البلاغة، طبع مؤسّسة إسماعيليان، ج 20، ص 123 وص 146.

[22] ـ مروج الذهب، ج 3، ص 85.

[23] ـ شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 147.

[24] ـ عبد الله بن سبأ، طبع مصر، ص 68.

[25] ـ نفس المصدر.

[26] ـ سورة الشعراء (26)، ذيل الآية 227.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی