معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 101 إلى 200 > شرح حديث عنوان البصري - الجلسة رقم 187 : دور المال والطعام الحرام في هويّ الانسان

_______________________________________________________________

هو العليم

دور المال والطعام الحرام
في هويّ الانسان

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة رقم 187

ألقيت في اليوم الرابع من شهر جمادى الأوّلى من عام 1432 هـ

سماحة آية الله

السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم محمّد
و على آله الطيّبين الطاهرين
و اللعنة على أعدائهم أجمعين.

    

لزوم الحذر من المال والطعام الحرام أو المشتبه به

بيّنا في المجالس السابقة ـ كما يذكر الإخوة الأعزّاء ـ أنّ الارتباط بين سير و سلوك الإنسان و ارتقاء روحه و نفسه و تجرّده الجوهري و الوصول باستعداداته إلى الفعليّة مع نمط التغذية و الطعام الذي يتناوله أمرٌ مشهود و ملموس بشكل كامل، و قد أكّدت جميع الأديان الإلهيّة و قادة الشرائع و زعماء الدين و أولياء الله على هذه المسألة ، فقد كان الأولياء الإلهيّون يوصون تلامذتهم بالاهتمام بنوع الطعام الذي يتناولونه و نمطه ومقداره. و القاعدة التي تتبنّاها مدرسة العرفان بالنسبة إلى هذا الموضوع هي لزوم الابتعاد عن جانبي الإفراط و التفريط و الالتزام بالاعتدال و التوازن. و لو أردنا بيان الآفات التي تنتج عن الإفراط في هذه المسألة و المصائب التي تصيب السالك إلى الله بسبب ذلك, لأدّى ذلك إلى خروجنا عن أصل المطلب, و لكنّنا سنتعرّض لبعض الإشارات في هذا المجال أثناء حديثنا إن شاء الله.
لقد كانت المسألة التالية دائما مورداً للعناية و الاهتمام و هي أنّه: لا كلام لنا أصلاً في الموارد المحرّمة ؛ إذ إنّ أكل الحرام يغلق الطريق إلى الله بشكل كلّي و يؤدّي إلى سدّه بوجه الإنسان، و يوجد كدورة شديدة في النفس تتعارض و تتنافى بشكل مباشر مع الحركة إلى الله تعالى، و ذلك مثل الشخص الذي يتعامل بالمعاملات الربويّة ، أو الشخص الذي يحصّل ربحه عن طريق الغشّ في تعاملاته و يستعمل ذلك الربح في غذائه ، أو الشخص الذي يكسب و يربح من خلال الخداع و الغش، أو الشخص الذي يكسب المال من بيع الأمور المحرّمة: كبيع الخمور و الميتة ..
لقد كانوا في الزمان السابق في عهد الشاه الماضي يستوردون اللحوم المجمّدة من الخارج، و هذه اللحوم بطبيعة الحال كانت جميعا ميتةً، و بالتالي فقد كانت محرّمة و نجسة, فبيعها حرامٌ و تناولها حرامٌ أيضاً. و أتذكّر أنّه كان هناك شخص يأتي إلى مسجد القائم في ذلك الزمان، و كان من الأشخاص المواظبين على الصلاة جماعةً خلف السيّد الوالد في المسجد، و كان يشتغل بعملٍ ما (لا أدري ما هو)، ثمّ ترك ذلك العمل و فتح مطعماً في المنطقة القريبة من مسجد القائم. و ذات يوم كنت مارّاً بالقرب منه فسمعت أحد أصدقائنا يقول له: يا فلان ، أنت تستخدم في مطعمك ذلك اللحم المجمّد أيضاً !! فهزّ رأسه بتأسّفٍ قائلاً: نعم.. نعم، للأسف لقد ابتلينا و تورّطنا في ذلك .. للأسف.
ماذا؟! تقول: للأسف. ابتلينا ..؟؟ هذا هو جوابك فقط؟! هل تتخيّل أن الأمر انتهى بقولك : للأسف ابتلينا ؟! كلاّ و ألف كلاّ ، بل إنّ الله سيحاسبك على ذلك حساباً عسيراً و سيعاقبك بشدّة ، ثمّ بعد ذلك تأتي و تصلّي جماعة خلف السيّد الوالد ؟! هل تظنّ أن ذلك سينفعك ؟ يا عزيزي, إنّ أعمالنا لها حساب و كتاب, فهذا المال الذي تكتسبه الآن و تشتري به طعاماً لزوجتك و أولادك ـ و مع غضّ النظر عن أُولئك الأفراد الذين خدعتهم و بعتهم من ذلك الطعام المحرّم، و الذين سيستوقفونك واحداً بعد الآخر يوم القيامة و يجب عليك أن تقدّم لهم الجواب على ما فعلت معهم.. مع غضّ النظر عن هذه المسألة ـ فكلامنا عن هذا المال الذي اكتسبته من هذا الطريق المحرّم ، و تشتري به طعاماً لك و لأهلك...
إنّنا نستهين بمثل هذه أُمور و نتخيّل أنّها أمور عاديّة، و لكنها ليست كذلك أبداً . فأولئك الأشخاص الذين جاؤوا إلى كربلاء لقتال سيّد الشهداء عليه السلام ، من كانوا؟ كانوا نفس هؤلاء. هؤلاء الأشخاص الذين يقولون : للأسف لقد تلوّثنا (نعم تذكّرتُ، لقد قال: للأسف .. نحن قد تلوّثنا).
إنّها اللقمة الحرام التي أحضرتهم إلى كربلاء، غاية ما في الأمر أنّ كربلاء ليست حاضرة الآن ! و لكنّها في الواقع موجودة! كربلاء ما تزال موجودة ! حتّى في هذه الليلة ، ليلة الجمعة: كربلاء موجودة.. إنّ نفس هذا الشخص يقوم من أجل حفنة من الدنانير الذهبيّة .. من أجل بدرة من الدراهم .. بسبب تهديد بسيط أو وعد واه بالمكافأة يقوم بقتل ابن رسول الله بكلّ بساطة و سهولة و دون أن يرفّ له جفن. و سبب ذلك هذه الأموال المحرّمة و ذلك الطعام الحرام ، فارتكاب هذه المسائل يؤدّي بالتدريج إلى إغلاق قلب الإنسان .. إنّها تغلقه بشكل تام فلا ينفعه شيء ! لقد كان هذا الشخص مواظباً على صلاة الجماعة في الصفّ الأوّل أو الثاني ، بل كان أحياناً يقرأ الدعاء عقيب الصلاة ! [ و لكن أيّ فائدة سيحصّلها من تلك الصلاة و ذلك الدعاء؟!]
لقد كان أحد أصدقائنا في ذلك الزمان بائع أقمشة في السوق ، و هو ما يزال على قيد الحياة إلى الآن ، و نسأل الله أن يأخذ بيدنا جميعاً إلى طريق الحقّ و الصواب، و أن يرزقنا الاستقامة على طريق الصواب، صديقنا هذا جاء ذات يوم إلى السيّد الوالد و قال له: جاءني يوماً أحد تجّار السوق و اشترى منّي كمّية كبيرة من القماش ، و كان ذلك الوقت في آخر الخريف حيث كانت الأقمشة الشتويّة مطلوبة لاقتراب الشتاء ، فاشترى هذا التاجر منّي هذا النوع المرغوب من الأقمشة ، و لكنّه ماطلني كثيراً في الدفع ، ثمّ بعد أخذ و ردّ كثير وجدته يوماً قد أرسل لي بعض الحمّالين مرسلاً معهم الأقمشة التي اشتراها، و لكنّه لم يُرجع كلّ الأقمشة، بل أرجع ما بقي منها بعد البيع ! يعني مثلاً من هذه اللفّة من القماش أرجع مترين ، و من تلك نصف اللفّة و هكذا فقلنا له: ما هذا الذي تفعله؟ و أيّ طريقة من التعامل هذه ؟! و لكنّه أصرّ على إرجاع هذه القطع المتفرّقة، و بعد محاولات مضنيّة و توسيط العديد من الأشخاص تمكّنت من إلزامه بأخذها؛ إذ لا فائدة من إرجاعها في ذلك الوقت بعد انقضاء الموسم..
يقول صديقنا هذا : ذات يوم ذهبنا إلى مسجد السوق لكي نصلّي, فوجدنا أنّ إمام الجماعة لم يأتِ إلى المسجد، فقام بالبحث المؤمنون عن شخص ليصلّي بهم إماماً للجماعة بدلاً عن إمام الجماعة الذي لم يحضر، و بعد البحث و التنقيب لم يجدوا شخصاً أفضل من صاحبي ذاك الذي اشترى منّي القماش ، فارتدى العباءة و صلّى بهم ، فقلت في نفسي: يا للعجب ! يا له من إمام جماعة ! و بطبيعة الحال فصلاة الجماعة هذه ستصل إلى العرش مباشرة و لن تنزل أبداً !!
إنّ هؤلاء هم نفسهم أولئك الأشخاص الذين جاؤوا إلى كربلاء, فقتلوا الإمام الحسين عليه السلام ، و قتلوا أصحاب الإمام الحسين ، و حزّوا رؤوس أولاد الإمام الحسين ، و هؤلاء هم الذين ـ و أنا جادّ فيما أقول ـ هم الذين انتزعوا الأقراط من أذني بنت الإمام الحسين !!
هل رأيتم الرسوم التي يرسمونها لتصوير واقعة كربلاء أحياناً ؟ هل لاحظتم كيف يرسمون الشمر ذا وجهٍ كريهٍ و أسنانٍ طويلةٍ مخيفةٍ ... لا يا عزيزي ... لم تكن أسنان الشمر طويلة ... كما يرسمون عمر بن سعد قد خرج منه سيخ بهذا الشكل المرعب !! أو يصورون سنان كأنّ له ذنباً !! و لكن ليس الأمر كذلك في الواقع ، و إنّما سبب خروج الرسوم بهذا الشكل هو بغض الرسام و كراهيته لهم ، و لكنّ الواقع ليس كذلك أبداً ، بل هؤلاء كانوا من وجهاء القوم و ساداتهم .. لقد كان الناس يقتدون بهم في المساجد ، و هؤلاء هم الذين انتزعوا الأقراط بلا رحمة من أذني بنت رسول الله. أين نذهب ؟! و كيف نفكّر؟ لقد ذكرت لكم أنّ ذلك الشخص كان يصلّي في الصف الأوّل خلف السيّد الوالد ، و يتبع ذلك بقراءة الدعاء أيضاً ، ثمّ بعد ذلك كان يبيع لحوم الميتة للناس في مطعمه و يقول بنغمة حزينة : للأسف لقد ابتلينا و تلوّثنا .. للأسف حصل ذلك.
تبّاً لك هل تقول: تلوّثنا و تتخيّل أن القضيّة تنتهي بذلك ؟!
المسألة هكذا: عندما سأل السيّدَ الوالد أستاذُه: لماذا فعلت كذا و كذا ؟ (و قد أوضحت هذه المسائل سابقاً).
فقال السيّد الوالد: سيّدنا، إذا لم أفعل ذلك فإنّ الناس سيصبحون بهائيّين !
فأجابه أستاذه: يا سيّد محمّد الحسين، إنّ الناس بهائيّون بالفعل !
يا عزيزي ، إنّ الناس في واقعهم بهائيّون ، رغم أنّهم يقولون : أشهد ألاّ إله إلاّ الله ، و رغم أنّهم يعتقدون ظاهراً بالأئمّة الإثني عشر سلام الله عليهم، و هذا الشخص نموذج من ذلك ، فنحن نأتي و بكلّ سهولة و بسبب اعتقادنا الضعيف بتبعات هذه الأخطاء و العقبات التي سنتعرّض لها في المستقبل .. بسبب ضعف اعتقادنا هذا نرجّح المنافع الظاهريّة و نلوّث نفوسنا ، و نقوم تدريجيّاً بسدّ جميع النوافذ التي يمكن أن ينفذ النور منها إلى قلبنا .. نغلقها واحدة بعد الأخرى ، فنضيّع بذلك قابليّاتنا و استعدادنا للهداية بشكل تامّ .

    

لزوم السبق والمسارعة الى فعل الخيرات

هل تلاحظون الحالة التي تحصل لكم عندما تشاركون في مجالس الذكر أو في مجالس عزاء أهل البيت عليهم السلام و التوسّل بهم ، أو عندما تذهبون إلى الحرم أو في أحد المقامات المقدّسة الطاهرة؟ ما هي حالكم حين ذلك؟ ألا تحسّون أن وضعكم في ذلك الحال قد اختلف عن وضعكم قبل ساعتين ؟ ألا تحسّون أنّ حالتكم الروحيّة و صفاتكم و ملكاتكم قد اختلفت عن حالتكم و صفاتكم التي كانت قرينة لكم بالأمس ؟ لقد صارت حالة الرحمة و العطف أقوى فيكم ، و أصبحت ملكة الجود و العطاء أكثر في نفوسكم ... فما هو سبب ذلك ؟ سببه وجود تلك النوافذ التي يتمكّن الإنسان من خلالها أن يُحكِم ارتباطه بالله ، فإذا أغلقت هذه النوافذ فإنّ ارتباط الإنسان سينقطع تبعاً لذلك !
يوجد رواية عجيبة عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم يقول فيها : إذا أردتم الخير فاستبقوا؛ فإنّ الشيطان يمنعكم بعد ذلك.
إذا أحسستم في نفوسكم بالميل و الرغبة في عمل أمر من أمور الخير وبالرغبة في الحركة و التقدّم و بالرغبة في قضاء حاجة أحد إخوانكم المؤمنين ، أو عمل أمر مفيد للمجتمع و الناس أو الأرحام و الأقارب أو الأصدقاء ، إذا أحسستم بذلك فأسرعوا إلى تنفيذ ذلك فوراً ؛ لأنّه إذا فاتت هذه الفرصة فليس من المضمون أن يترككم الشيطان لتعودوا إلى نيّتكم الصالحة تلك، بل إنّه سيوسوس لكم حتّى تجدوا أنّ تلك الرغبة لم تعد موجودة في نفوسكم ، و أنّ الضعف و التكاسل قد حلّ محلّها.
فالآن قوّتكم شديدة و عزيمتكم قويّة ، و لكنّكم إذا لم تبادروا إلى التنفيذ و سوّفتم في العمل ، فإنّ حالكم بعد ساعتين لن يكون كذلك ، ستجد أنّك تقول: لا بأس بأن نؤجّل الأمر الآن .. لو أجّلنا الأمر إلى الغد فلا إشكال . أمّا عندما كنتَ في ذلك المجلس الطاهر فإنّك لم تكن لتقول : فلنترك الأمر إلى الغد، و لنرَ ماذا يحصل ؟
لماذا حصل هذا؟ إنّ سببه أنّ تلك النوافذ قد أغلقت قليلاً، بينما في البداية كانت تلك النوافذ مفتوحة و مشرعة. و لهذا يقول لنا: إذا أحسستم بميل و رغبة لعمل خير فقدّمه فوراً؛ لأنّك إذا قدّمته فوراً فإنّه يبقى ثابتاً و محكماً و ينتج الأثر المطلوب منه في نفس الوقت. فعلى الإنسان ألاّ يترك الفرصة تضيع من يده ، و هذا هو معنى قول النبي صلّى الله عليه و آله: (اغتنموا الفرص؛ فإنها تمرّ مرّ السحاب). فإذا ضاعت الفرصة ، يصبح من الصعب على الإنسان أن يستجمع قواه مرّةً ثانيةً ، و إذا أراد أن يؤدّي العمل فعليه حينئذٍ أن يضغط على نفسه بشدّة لكي يؤدّي عمل الخير ذاك، و عند أدائه ستلاحظ أنّ حالتك قد تغيّرت فتحسّ بالثقل لم يعد هناك فائدة,ولا يعني ذلك انعدام الفائدة مطلقاً ، بل الفائدة قليلة جدّاً ؛ يعني عشرة بالمائة .. خمسة عشر بالمائة أو عشرين بالمائة من الفائدة، و ذلك أنّ الإنسان ينبغي له أن يؤدّي أعمال الخير بهمّة و نشاط و إقبال حتّى يستفيد من آثارها، و هذه المسألة مهمّة جدّاً.
فتلك الأعمال السيّئة تغلق هذه النوافذ و تسدّها ، و أكل المال الحرام يلوّث النفس ، لماذا ؟ لأنّه ـ كما بيّنا سابقاً للأخوة ـ كلّ أمر من الأمور له ملكوت خاصّ به، فهذا الماء الذي أشربه الآن له أثر خاص هو رفع العطش، و لكنّ هذا الأثر هو أثره الظاهر ، و هو الأثر المادّي الذي أودعه الله سبحانه و تعالى في هذا السائل، فخلايا البدن تحتاج إلى الماء؛ لأنّ الروابط الموجودة بين الخلايا تحتاج إلى وسط سائل لكي تتحقّق، و لهذا عندما تقلّ نسبة الماء ، و تزداد كثافة هذا السائل الذي يربط بين الخلايا، فإنّ الدماغ يصدر أمره لتعويض هذا النقص, فيشعر الإنسان حينئذٍ بالعطش، فإذا شرب حاجته من الماء و ارتوى ، رجعت حال الإنسان إلى الوضع الطبيعي، واضح؟ إنّ هذا الأثر هو الأثر الظاهر، و هذا الأثر يتحقّق سواء كان هذا الشخص مؤمناً أو كافراً ، فلا فرق في هذا الجانب بين المؤمن و الكافر و حتّى بين النبيّ و الإمام و سائر الأفراد .. ما هو هذا الأثر ؟ إنّه الأثر المادّي للعناصر و المواد في بدن الإنسان، و هذا جانب من القضيّة.
أمّا الجانب الآخر ـ و هو الجانب المهمّ ـ فهو الأثر الملكوتي الحاصل في نفس الإنسان بسبب أدائه لهذا العمل، و هذا الأثر لا علاقة له بذلك الأكل و الشرب، يعني: عندما يأكل الإنسان طعاماً ما ، فإنّ الأمر الذي يجب أن نتحدّث عنه و نبيّن كيفيّة التغذية على أساسه هو هذا الجانب.

    

للطعام أثر ملكي وملكوتي

وكما تقدّم سابقاً فإنّه يجب على السالك أن يجعل أكله و تغذيته بحيث يكون لها أثر مثالي و ملكوتي مساعدٌ له في حركته نحو التجرّد و في سلوكه للوصول إلى التوحيد ، لا أن يكون باعثاً لانسداد الطريق و قطعه. و هذا الأثر كما قلنا سابقاً ليس خاصّاً بالأكل و الشرب و الطعام، بل إنّه يشمل كلامنا و أفعالنا العاديّة و يشمل أفكارنا و نيّاتنا و تصرّفاتنا ، فجميع هذه الأمور لها أثر ملكوتيّ ؛ مثلاً قد يلاحظ الإنسان أنّ تفكيراً معيّناً يقوم به يسبّب له حالة من الانقباض و الضيق، كما أنّه قد يخطر في باله خاطر آخر يؤدّي إلى حصول حالة من الانبساط و الوجد في نفسه، و قد يسمع محادثة بسيطة ، فتحصل له حالة من الكدورة، بينما قد يسمع كلاماً لأحد أولياء الله ، و أحياناً قد لا يطول حديثه أكثر من دقيقتين ، و لكنّه ينهض بالإنسان و يدفعه للتحرّك و المضيّ قدماً ، فما السرّ في ذلك؟ إنّ الكلام واحد ، فلماذا اختلف أثره في النفس؟ السبب في ذلك أنّ هذا الكلام صادر من شخص قلبه متّصل بالملكوت ، فلهذا صار مثال ذلك الكلام ملكوتيّاً نورانيّاً، أمّا ذلك الكلام فهو صادر من فم شخص قلبه و سرّه و ضميره متّصل بالجحيم و عقبات النار و دركاتها و مرتبط بعالم الظلمة و الكدورة.

    

دور الكلام الصادر عن أهل الغفلة وأصحاب القلوب

فلهذا عندما تستمع إلى خمس دقائق أو حتّى دقيقتين من كلام شخص ذي كدورة .. شخص كذّاب مثلاً ، فحتّى لو سمعت كلامه العادي, كأن يقول مثلا: يا سيد لو سمحت أحضر كوب الماء هذا من هنا إلى هنا ... فإنّك بمجرّد سماع هذا الكلام البسيط ستشعر بالتراجع على المستوى الروحي . لماذا يحصل ذلك؟ لأنّ هذا الشخص إنسان كذّاب، فقلبه مكدّر و ظلماني ، و كذلك لو استمعت إلى كلام إنسان فاسق أو خائن أو شخص ظالم جائر ، فبمجرّد سماع كلامه ستشعر بالثقل و الكدورة ، هذا مع أنّه قد لا يكون نفس الكلام الذي يقوله خاطئاً ، كلامه ليس سيّئاً و مع ذلك تشعر بالكدورة ؛ فما هو سبب هذه الكدورة إذاً ؟ سببه ملكوت هذا الكلام الذي صدر منه . أمّا نفس الكلام فهو كلام عاديّ، فهو يقول مثلاً : إنّه ذهب بالأمس إلى المكان الفلاني و فعلت كذا ثمّ عدت بعد ذلك و حصل كذا و كذا" ... و يستمرّ بتوضيح ما حصل لمدّة خمس دقائق ، فالرجل لم يقل شيئاً خاطئاً بل إنّه لم يذكر مسألة مهمّة أبداً بل كان كلامه عاديّاً جدّاً ، و مع ذلك أنت تشعر بالكدورة ، فمن أين جاءت هذه الكدورة رغم أنّه لم يتفوّه بكلام بذيء و لم يسبّ أحداً ، و لم يكن كلامه كفراً ؟ السرّ في ذلك أنّه قلبه مكّدر ! و عندما يكون القلب مكدّراً [فإنّ هذه الكدورة تسري إلى الكلام و يكون له هذا الأثر السيء]. و لهذا يقال لنا: لا تستمع إلى كلّ كلام ، و لا تجلس تحت منبر كلّ أحد .. لهذا السبب و هو أنّ الإنسان يتأثّر من دون أن يدري و من دون أن يقصد ...
في العهد السابق كانوا يحضرون المحاضرين و المتكلّمين و يقيمون محاضرات من كلّ شكل و لون، و كانت تحصل مسائل عديدة ، و من أدرك تلك الفترة فإنّه يذكر هذه الأمور و يفهم ما أقصده و يعرف الوضع الذي أتحدّث عنه، و كان أحد هؤلاء المحاضرين و المتكلّمين بارعاً جدّا بحيث أنّه عندما كان يتكلّم فإنّ تأثير كلامه على السامعين كان واقعاً بمثابة السحر ، كان كأنّه ساحر يسحر الناس كلامه ... {و سحروا أعين الناس} ... عندما واجه السحرة حضرة موسى عليه السلام، تسلّطوا بسحرهم على الناس ، و جعلوهم يرونهم الأمور كما يريدون هم . لقد جعلوهم يرون الحبال أفاعي !! يعني ذلك أنّ الساحر يسيطر على مثال هذا المشاهد و تخيّله و توهّمه بواسطة قدرته النفسيّة أوّلاً ، و ثانياً من خلال بعض الحركات المناسبة و الموازية لذلك ، و هذا بحدّ ذاته موضوع قابل للبحث أنّه: ما هي الحركات المناسبة و المتعادلة التي يجب أن يؤدّيها حتّى يتمكّن من جرّ المشاهدين (خصوصاً أولئك الذين عندهم نقاط ضعف من الناحية النفسيّة) إلى الخيال و التوهّم، فإذا نجح في ذلك استطاع أن يلقي الصور التي يريدها بحيث أنّ هذا المشاهد سيرى ما يريده ذلك الساحر . و بطبيعة الحال فالمسائل هنا كثيرة جدّاً, و ليس هذا هو المكان المناسب للحديث عنها ، و لبيان تأثير طريقة الكلام و ما إلى ذلك ، و لعلّ الله يوفّقنا لبيان ذلك لاحقاً في تتمّة هذه البحوث و ذلك عندما نتحدّث عن كيفيّة الكلام ، و كيفيّة مجالسة الرفيق و اختيار الصديق ، و الآثار التي يمكن لهذه المسألة أن توجدها فينا ... حينئذ سنبيّن هذه المسألة إن شاء الله.
عندما كان ذلك المحاضر يلقي خطاباته و محاضراته فإنّه واقعاً كان يسحر الأفراد الحاضرين , يعني: كان كلامه سحراً .أي : عندما كان يتكلّم فإنّه كان يستولي على القوة الواهمة و المتخيّلة للسامعين و يسيطر عليها ، و كان يقلبها و يغيّرها كيف يشاء، فيزرع فيهم تلك الأفكار و الآراء التي يعتنقها. و لهذا كنّا نلاحظ أنّ الأفراد الذين كانوا يذهبون لاستماع محاضراته كانوا يتأثّرون بشكل عجيب جدّاً. ففي البداية قبل أن يشرعوا في الاستماع له كانوا أفراداً عاديّين .. كانوا يجلسون مع الإنسان و يحدّثونه و يسمعون قوله و يبتسمون في وجهه و يضحكون له ، و لكن مع مرور الزمن و مع تأثّرهم بذلك الشخص كانوا يتغيّرون شيئاً فشيئاً ، فإذا الابتسامة قد صارت عبوساً و تقطيباً ! ما الذي حصل؟ فنحن لم نفعل شيئاً و لم نرتكب ذنباً نستحقّ بسببه هذا التعامل ، و هكذا كانوا يبتعدون بالتدريج.
عندما كنّا ننظر إلى وجوههم كنّا نتساءل عن سبب تغيّر وجوههم؛ لماذا اكتسبت وجوههم حالة من الصلابة و القسوة و الجمود في الوجنات؟! فبمجرّد أن نقول شيئاً فإنّه كان يبادر بالاعتراض قائلاً: "كلاَ ، أنا غير مقتنع بهذا الكلام و لا أقبله ! " ، هوّن عليك يا عزيزي .. تعامل بهدوء و صبر ، و أعطنا مجالاً حتّى نتمّ كلامنا ، و لكنّه لم يكن ليقبل ، بل كلّما كدنا أن نصل إلى نتيجة في حديثنا ، فإنّه يقاطعنا بقوله: لا ، أنا أصلاً لا أقبل هذا الكلام من أساسه !
ما الذي حصل ؟ و ما الذي تغيّر ؟ لماذا لم يكن هذا الكلام ليصدر منك قبل شهر واحد من الآن؟! لماذا كنت قبل شهر واحد تستمع هذه المطالب, فتتقبّلها فوراً و بصدر رحب ؟! لماذا كنت تجلس و تتأمّل و تفكّر في المطالب التي كانت تُقال لك؟ و لماذا أغلقت الآن نفسك على نفسك بشكل كامل ؟! ما الذي حصل و ما الذي تغيّر ؟
لقد كان أحد هؤلاء الأفراد من أقاربنا السببيّين، و كان هذا الشخص يأتي إلى المسجد ، و يستمع إلى محاضرات السيّد الوالد رضوان الله عليه ، و يحضر الجلسات التي كان يقيمها . نعم ، لم يكن من أصدقائه المقرّبين ، و لكنّه كان راغباً جدّاً في تقوية علاقته بالمرحوم الوالد ، و كان يحسّ بأنّ هنا أمراً قيّماً ليس موجود في أيّ مكان آخر. كان واقعاً يحسّ بذلك، و وكان مصرّاً و مثابراً على الحضور و الاستفادة , حتّى أنّني أذكر أنّه ذات يوم قال للسيّد الوالد: "يا سيّد، إنّنا يجب أن نتفكّر و نتأمّل في مضامين المحاضرة التي ألقيتموها اليوم ستّة أشهر حتى نصل إلى غورها و نفهم حقيقتها !" يعني: كان هذا الشخص يقول مثل هذه التعبيرات ...
لكنّه وقع في شباك ذلك الشخص ذي الكلام الساحر ، و بدأ بالمشاركة في مجالس ذلك الرجل الشيطاني واستماع خطاباته، فلاحظنا أنّه صار يتغيّب عن جلسات الجمعة ، و عن مجالس ليالي الثلاثاء التي كان السيّد الوالد يتحدّث فيها في التفسير و في المطالب الأخلاقيّة كما كان يشرح الحديث القدسيّ الذي يبدأ بـ يا عيسى .. يا عيسى (و التي للأسف لم يُحفظ منها شيء) ، و هكذا شيئاً فشيئاً صرنا نراه أقلّ بكثير من السابق..
في أحد الأيّام كنّا مدعوّين للإفطار في منزل أحد أرحامنا و كان هو أيضاً حاضراً هناك، فما إن وقع نظري عليه ... (طبعاً أنا لم أكن أدري عن تغيّر أحواله ، و لم أكن أدري أنّه كان يشارك في مجالس ذلك الشخص) .. فما إن رأيته تعجّبت كثيراً و تساءلت في نفسي لماذا صار بهذا الشكل؟ و لماذا ينظر إليّ بهذه الطريقة ؟ ما الذي فعلته ؟ و ما الجرم الذي ارتكبته ؟ لماذا احتقن لون وجهه بهذا الشكل؟ لم أكن أدري .. بعد ذلك تناولنا طعام الإفطار ، و لم تحصل فرصة للكلام. ثمّ قام السيّد الوالد مغادراً لكي يذهب إلى المسجد ، و لكنّنا بقينا هناك ، و كان من المقرّر أن نبقى لمدّة ربع ساعة أو عشرين دقيقة ثمّ نلحق به، و ذلك لأنّ الوالدة كانت معنا ، و كان المقرّر أن آخذها أنا إلى المنزل ... و حينما كان السيّد الوالد يريد المغادرة، التفت إليّ بطريقة خفيّة دون أن ينتبه ذلك الشخص ولا الآخرون، و قال بصوت خافت: لا تتأخّر و ارجع بسرعة. قال لي ذلك ثمّ مضى في سبيله.
و عندما رفعوا السفرة و الطعام، و بدأ الكلام و الحوار، فصار مشهداً حافلاً .. إذ بدأ هذا الشخص بالكلام و ... طبعاً أنا نزلت إلى الميدان بدوري ناسياً أنّ والدي قال لي: لا تتأخّر و ارجع بسرعة، حتّى طال الكلام ساعة كاملة أتحفَنا فيها بكلّ أنواع النقد لي ولوالدي و لكن بطريقة الإيماء والإشارة، وكلّما حاولنا أن نبيّن مطلباً كان يقوم بتغيير مجرى الكلام إلى اتّجاه آخر، فرأيت في النهاية أنّه قد أغلق على نفسه جميع طرق الهداية، وصار بحالة من السكر والغفلة و الظلمة بحيث لم يبق عنده أي نافذة ينفذ النور إليه منها، و أنا من جهتي شعرت بانقباض شديد في قلبي بسبب حديثي معه و حصلت لي كدورة عجيبة ، و تسبّب بخراب حالي كثيراً ، بحيث إنّني عندما وصلت إلى المسجد كان الوقت قد مضى، وبمجرّد أن رآني السيّد الوالد بادرني بالسؤال قائلاً: ألم أقل لك ألاّ تتأخّر ؟! >و كأنّه كان يرى المصيبة التي حلّت بي من بعد عشر فراسخ !! ألم أقل لك: استعجل بالرجوع ؟!<
حسناً ، ما هو سبب ذلك ؟ سببه أنّ هذا الشخص قد أغلق جميع نوافذ النور في وجه نفسه. بعد ذلك ، قال السيّد الوالد: إنّ كلّ شخص يجلس في مجالس ذلك الشخص و يستمع لكلامه، فإنّ وضعه سيفسد بشكل كامل.
حسناً، لماذا يحصل ذلك؟ يحصل ذلك لأنّنا لم نصل بعد إلى كمال فعليتنا حتّى نتمكّن من وقاية أنفسنا من هذه الهجمات، و لا نستطيع بعد أن نحفظ أنفسنا منها... يقولون عندما تكون قد بذلت جهداً و صار بدنك مبلّلاً بالعرق ، أو عندما تستحمّ و تخرج, فلا تعرّض نفسك للهواء, لأنّ ذلك سيجعلك تمرض و تصاب بالزكّام. فإذا لم نقبل النصيحة و قلنا : كلاّ ، بل سنخرج و نواجه هذه الظروف بصلابة ، فإنّنا سنصاب بالزكام و نسقط على فراش المرض ثمّ نموت ، و لا مزاح في ذلك .. يجب أن تراعي القانون الذي وضعه الله لنا في هذه الطبيعة ، حتّى تصل إلى مرتبة من التكامل لا يضرّك معها التعرّض للهواء و أنت مبلّل بالعرق، أمّا الآن فلا ! الآن المحافظة واجبة، و الآن يجب أن نحافظ على الطفل الرضيع و الصغير .. ينبغي أن نحافظ على الروح اللطيفة ... هذه مسائل يجب أن نحافظ عليها.
و هذه الأمور تختلف بين الرجال و النساء ، و نحن قد عرضنا سابقاً بعضاً من ذلك في المجالس المخصّصة للحديث عن سير و سلوك النساء ، كما سنستمرّ إن شاء الله في عرضها ، حيث بيّنا فيها أنّه: ما هو علّة تلك الدستورات و التوجيهات التي تُقال للنساء؟ إنّ علّتها هي ما ذكرناه هنا من أنّ القوى المودعة في المرأة لها جانب انفعالي مقارنة بالقوى المودعة في الرجل ، و الرجل بواسطة اللقاء و المقابلة ـ سواء كان اللقاء حضوريّ أو غير حضوريّاً ـ يتغلّب على نفسها و يؤثّر فيها ، و نحن غافلون عن هذه النكتة ، ثمّ نتفاجأ بما يحصل و بما يقع من مصائب .

    

حكم الموارد المشتبهة شرعاً

هذا بالنسبة إلى الجانب الملكوتي من الموضوع. و أمّا ما يخصّ الأمر الذي سأل عنه الكثير من الإخوة و الأصدقاء وهو أنّه: في الموارد المشتبهة ماذا يجب أن يفعل الإنسان؟ إذ التكليف واضح في الموارد المحرّمة ؛ مثلاً عندما يذهب الإنسان إلى منزل شخص يعلم أنّ أمواله ليست حلالاً ، فبما أنّه يعلم ذلك فإنّه لا يأكل الطعام هناك و هذا واضح . أو أن يعلم أنّ أمواله مختلطة بالحرام , و في هذا المورد ذكرت سابقاً أنّ عليه أن يتصدّق بما يوازي ذلك المقدار على الفقراء، فذلك يفيد في رفع آثار ذلك ، إلاّ أنّ الأفضل عدم تناول ذلك الطعام من الأساس؛ لأنّ له تأثيراً سلبيّاً على كلّ حال ، وما ذكرته بخصوص ذلك إنّما يكون في موارد الضرورة و الاضطرار, يعني: عندما لا يبقى أمام الإنسان حلّ أو مخرج آخر، و في هذه الحالة يمكن له أن يأكل و لكن بحدّ الضرورة لا أزيد، ثمّ لكي يقلّل من الأثر السلبي على نفسه ينبغي له أن يتصدّق بمقدار ما أكله على الفقير؛ حتّى ترتفع الكدورة عنه إلى حدّ ما؛ و ذلك أنّ لهذا الطعام تأثير في النهاية ، و الجوّ المحيط الذي يكون فيه الإنسان له تأثير أيضاً ، و لا يمكن لنا أن ننكر هذا الأثر . و هذه المسألة واقعاً عجيبة جدّاً ، و نحن في هذا الزمان غافلون بشكل كبير عن هذه المطالب ، و نتعامل معها بتساهل و تهاون.. نقول : ما هذه المسائل ؟ الطعام طعام و لا فرق فيه، و الشرع لم يهتمّ بهذه الأمور إلى تلك الدرجة ، فنحن مسؤولون عن ظواهر الأُمور فقط و ما شابه ذلك من كلمات...

    

علو مقام السيّد جمال الدين الكلبيكاني ودقّته

يا عزيزي، إنّ هذه الكلمات و هذه المسائل هي التي تمنعنا من الحركة و الصعود و تجعلنا نراوح في مكاننا .. هذه المطالب !! وهذه المسائل!! إنّ المرحوم السيّد جمال الدين الگلبايگاني قدّس سرّه كان من المراجع العظام و الأولياء الإلهيّين ، و ما يهمّني هو هذه الصفة الثانية ، فنحن جميعاً قد طالعنا الدروس و تعلّمناها، و لكن إلى أين وصلنا و ما هو الهدف الذي حقّقناه ؟! كلّنا قرأنا الكتب؛ و لكن ما هي النتيجة التي حصّلناها من هذه الكتب؟ و ما هي الفائدة التي جناها الناس من قيامنا بـ تخزين المعلومات و المطالب؟
جاء أحدهم في الزمان السابق إلى السيّد الوالد ليدفع له الخمس ، فرفض السيّد الوالد أن يقبض الخمس منه و قال له: إنّ هذه الأموال تمّ تحصيلها عن طريق مشتبه، و لذا فلا يمكنني أن أقبلها، (و كان المبلغ كبيراً جدّاً ) و مهما أصرّ ذلك الشخص، لم يكن السيّد الوالد ليقبل. بعد ذلك ذهب هذا الشخص إلى شخص آخر ، و كان اتفاقاً من أقاربنا، و عرض عليه أن يقبل المال منه، فرحّب به قائلاً: "أهلاً و سهلاً، تفضّل .. تفضّل.. فنحن لأيّ شيء تعلّمنا كلّ هذه الدروس؟ لقد درسنا و تعلّمنا لكي نجعل الأمر سهلاً عليكم ، فوظيفتنا أن نحلّ مشاكلكم .. و أن نتحمّل عنكم أحمالكم .. تفضّل .. تفضّل" ، و بالفعل ذهب إليه ، و جلس معه فقام بعمل صياغة معيّنة للمسألة بإضافة أمر هنا و إخراج أمر هناك و ما شابه ذلك من الأمور التي نجدها في كلّ مكان ...
و لقد رأيت السيّد الوالد ذات مرّة يروي هذه القضيّة لأحد الأفراد، فكان يقول له: أنا قلت لذلك الشخص: يا عزيزي، أنا مستعدّ لمرافقتك و الإتيان معك و لكن إلى أيّ حدّ؟ أنا مستعدّ لمرافقتك حتّى عتبة باب جهنّم، أمّا بعد حدود جهنّم فلا ! [يضحك سماحة السيّد] و ذلك أنّ الطبيب لم يسمح لي بالدخول إلى جهنّم، لأنّ ذلك مضرّ بمزاجنا !!! نحن معك حتّى نصل إلى حدود جهنّم، فإذا وصل الأمر إلى جهنّم، فإنّا نقول لك: في أمان الله ! أمّا ذاك الشخص الآخر فيقول له: تفضّل ، فأنا مستعدّ لمساعدتك و حلّ أمورك...
و ذات مرّة جاءني أحد الأفراد و قال لي: إنّ بعض العلماء يتسامحون قليلاً و يتعاونون و يقومون بتسهيل الأمور، فقلت له: يا عزيزي، أنا لم أتعلّم هذه الدروس، فاذهب إلى أولئك الذين درسوها، فأنا علمي قليل و لم أبلغ الدرجة العلمية لأداء ذلك !!
حسناً... جاء ذلك الشخص إلى السيّد جمال الدين الگلبايگاني، جاء إلى ذلك العالم الذي تعلّم هذه الدروس و العلوم على أساس فقه أهل البيت عليهم السلام، و لهذا صار عالماً عظيماً، درس على أساس الفهم الذي جاء من أهل البيت عليهم السلام ، و على أساس الطريق الذي بيّنه الإمام الصادق عليه السلام، على ذلك الأساس و بناء على ذلك النحو من الاجتهاد ...
( إن شاء الله إذا وفّقنا الله ، و لم يحصل بداء في الأمر، فسوف تصدر رسالة الاجتهاد والتقليد التي ألّفها السيّد الوالد رضوان الله عليه، والتي تمثّل تقريراً لدروس أستاذه المرحوم آية الله الشيخ حسين الحلّي التي كانت في النجف، وهو كان رجلاً عظيماً جداً، ولطالما مدحه، وعبّر عنه بأنّه العلامة الحلّي الثاني؛ لأنّه يتّفق أنّه من أهل الحلّة أيضاً، كما كان يجلّ هذا الرجل العظيم ويكرّمه ويعظّمه أيّما تعظيم. وأنا أيضاً نقلت في كتاباتي بعض الخاطرات عن صفاء قلبه وصدقه وعن معنويّات هذا الإنسان وواقعيّته، فهل يتأوّه الإنسان إلاّ على أمثاله؟ فكم يوجد في المئة من أمثاله؟ الإنسان ينبغي أن يتحسّر على هؤلاء. )
على كلّ حال، إنشاء الله إذا وفّقنا الله فإنّنا سنكتب بعض المواضيع في تلك الرسالة؛ حيث إنّ المقرّر هو أن نذيّل تلك الرسالة ببعض التذييلات وأن نضيف إليها بعض الحواشي، وأن نوضّح بعض المسائل الواردة فيها إلى حدّ ما.
إن شاء الله الأصدقاء والرفقاء سيرون حينها: هل ذلك هو واقعيّة الاجتهاد؟! وهل هو واقعيّة التقليد؟! وسيعلمون أيّ الاجتهاد هو الاجتهاد المراد عن الإمام الصادق عليه السلام! وأيّ الاجتهاد الذي عناه الإمام الباقر عليه السلام! وسيعلمون ما هو التقليد الذي كان محلّ نظر ورأي الأئمة عليه السلام؟ هل على هذا النحو؟! وهل هو بهذه الكيفيّة؟!

    

حول ما هو المراد من الاجتهاد والفتوى في فنّ السّر

كان المرحوم سماحة السيّد جمال الدين الكلبايكاني من زمرة الفقهاء الذين كانوا يستنبطون حقيقة الفقه عبر مشام أنفسهم وأرواحهم، وكان من مصاديق الحديث المروي في مصباح الشريعة ذلك الحديث العجيب الغريب الباعث عن التنبيه والذي يهزّ أعماق الإنسان ؛ قال الإمام الصادق عليه السلام: "لا يَحِلُّ الْفُتْيَا لِمَنْ لا يَسْتَفْتِي مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِصَفَاءِ سِرِّهِ، وَ إِخْلاصِ عَمَلِهِ وعَلانِيَتِهِ، وَ بُرْهَانٍ مِنْ رَبِّهِ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لأَنَّ مَنْ أَفْتَى فَقَدْ حَكَمَ، وَالْحُكْمُ لَا يَصِحُّ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ بُرْهَانِهِ. وَمَنْ حَكَمَ بِالْخَبَرِ بِلا مُعَايَنَةٍ فَهُوَ جَاهِلٌ مَأْخُوذٌ بِجَهْلِهِ، وَمَأْثُومٌ بِحُكْمِهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَه عَلَيهِ وَآلِهِ: أَجْرَأُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَأُكُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. أَوَ لا يَعْلَمُ الْمُفْتِي أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْحَائِرُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ؟[1]"
أين نحن؟ أين نحن؟ الفتوى تعني: إعلان الحكم، الفتوى والحكم الذي يعطيه المجتهد أمرين. فتارةً المجتهد يحكم بحكم ويقول: هذا حكمي، ومن أراد أن يقلّدني فليفعل، ومن أراد فلا يفعل، هذا الحكم حكمي، ولا يطلق على هذا فتوى، فيقال له إصدار حكم. أمّا الفتوى ففيها جنبة وفعل إيجابي، فيها إعلان، فيها إبراز، يُعلم بأن أيّها الناس تعالوا واسمعوا هذه المسألة واعملوا بها؛ هذا يطلق فتوى.
ماذا كان يقول الإمام الصادق عليه السلام؟ لا يحلّ الفتيا، تحرم الفتيا، الفتيا حرام على الشخص الذي لم يتّصل قلبه بعد بالملكوت، الذي لم يستقي ويستنبط الأحكام من مصادر الملكوت ( لا من الكتاب ! لا من >الجواهر< ! ) بل لم يحصل على تلك الأحكام من الملكوت ومن مصادر الملكوت. ينبغي أن تكون مبنيّة على البرهان والدليل القاطع الذي هو عبارة عن استنارة القلب الحاصلة عن طريق إنارة الربّ، ينبغي أن يكون قلبه مستنيراً بالأنوار الساطعة من ناحية صقع الملكوت. ينبغي أن يشهد ويشاهد المسائل والقضايا، يراها يشاهدها و يشهدها، فعندما يضعون أمامه لحماً من سمك القرش، فإنّه يرى الظلمة في هذا اللحم، فيراها بعينه! وعندما يحضرون الشطرنج ويضعونها أمامه، فإنّه يرى الكدورة الحاصلة من لعب الشطرنج ويشاهدها. هذا الفرد هو الفرد الذي يمكن له أن يعلن فتواه، يعلن: أيّها الناس تعالوا وقلدوا. هذا هو ما قاله الإمام الصادق عليه السلام.
كان المرحوم سماحة السيّد جمال الكلبايكاني من زمرة هذه الأفراد، والأعلى مقاماً من السيّد جمال الدين هو المرحوم القاضي، نعم ذلك العظيم كان حسابه حساب آخر، فهو كان في أفقٍِ لا يصل إليه فكرنا وفهمنا.
لقد نقل المرحوم الوالد عن سماحة السيّد جمال هذه القصّة بلا واسطة، فهذه القصّة التي سأرويها لكم سمعتها من المرحوم العلّامة بلا واسطة، وهو سمعها من سماحة السيّد جمال الدين بلا واسطة أيضاً. قال: في يومٍ الأيام جاء أحد الأفراد إلى النجف ـ لن أذكر الآن أيّ اسم ـ وكان من المعروفين ومن الأعيان ومن الأفراد الذائعي الصيت في إيران، جاء إلى منزلنا في النجف وكان يريد أن يؤدّي بعض الوجوهات والحقوق، فقلت له: إنّ وجوهاتك محل إشكال، ومشتبهة بالربا، وأنا لا أقبلها. ومهما أصرّ عليّ، قلت له: أنا لا أقبل، أنا لا أقبل، وكان قد أتى إلى منزلنا مع أحد رجال السياسة ممّن كان بيني بينه سابقة سلام وتعارف، وبالنتيجة ذهب ذلك الشخص. ثمّ وجدت أنّه قد ذهب إلى أحد المراجع وقام بالمحاسبة عنده، وذلك المرجع قبل بها واستلمها. بعد ذلك أتى إليّ وقال: سماحة السيّد، لقد ذهبنا عند فلان، وهو قبلها واستلمها! فقلت له: إن شاء الله مبارك، إن شاء الله خير. ...
ثمّ التقيت في أحد مجالس التعزية ذلك المرجع صدفةً، فقلت له: سمعت أنّ الشخص الفلاني جاءكم وقام بحساب ودفع بعض الوجوهات المتوجّبة عليه! فقال: نعم ، هذا ما حصل. فقلت له: ألم يقل لك بأنّه حصل عليه من المال الفلاني والمال الفلاني؟ فقال: بلى . قُلت: إذاً لم قبلت الاستلام؟ قال: سماحة السيّد جمال ! إنّ الطلبة بحاجة للخبز!! يحتاجون إلى الخبز!! [2] (هل تريد أن تملأ بطون الطلاب وتشبعهم بهذه الأمور التي لا تنبغي!!! هل التفتّم؟ ).
فقال، قلت له: هل يحتاج الطلبة الخبز من المال الحرام؟!
انظروا إلى مرجع التقليد ماذا يقول: ينبغي أن نعطي الخبز من المال الحرام!! فلم درسنا كلّ هذه الدروس؟!
لم قال ما قاله سماحة السيّد جمال الدين ؟ لأنّ السيّد جمال الدين كان يعتقد بملكوت المال الحرام، أمّا نحن فليس لدينا ذلك الاعتقاد، فنتخيّل أنّ الخبز هو الخبز، الرز هو الرُزّ، واللحم هو اللحم، وشوربة السبزي تكون أفضل و ألذّ وأشهى كلّما كان طبخها على نحو أفضل، فيملأ الإنسان بطنه ويقول: ما أحسنه من طعام، وكم كان الطعام ... لكن ماذا عن ملكوته؟ كيف ستكون المسألة؟ هذا يرى الظلمة، أمّا الآخر فأعمى، فهناك فتوتين متعاكستين مائة وثمانين درجة وضعتا في قبال بعضهما البعض، أحدهم يقول: حرام. أمّا الآخر فيقول: واجب! أصلاً واجب! لا أنّه يقول: مباح! يا سيّدي: واجب! وقد وضعتا في قبال بعضهما البعض.
لذا كان العظماء يقولون: ينبغي اجتناب الأكل من المال المشتبه في المجالس، فهذا كان أحد الدساتير؛ فعندما تذهب إلى مكان ما ... نعم هذا أمر عجيب! واقعاً عجيب! فالإنسان يحسّ بذلك، يشعر أنّ الأمرين لا ينسجمان مع البعض، لا ينسجمان.

    

لزوم اجتناب الأكل في المطاعم إلا موارد الضرورة

نقل لي أحد الأصدقاء ـ طبعاً هذه المسائل كثيراً ما تحصل، كثيراً جدّاً ـ عندما عاد من زيارة العتبات، قبل وقت قريب، كان إلى فترة من الزمن كلّما ذهب إلى مكان، وكان في ذلك المجلس احتفالاً، وكانت حالة التديّن فيه ضعيفة، كانت تصيبه حالة تقيّؤ، وكان يذهب إلى الطبيب، الذي كان يرسله بدوره ليقوم بالفحوصات...، فلم يكن يجد فيه شيء، لم يكن هناك من مشكلة، فيقول: هو سالم. إذاً لم كانت تحصل لديه حالة التقيّؤ؟ كلّما جلس على سفرةٍ من السفر... أصلاً صار الأمر كأنّه اختبار لحقيقة السفرة، كلّما كان الطعام مشتبهاً كان يتقيّؤه، ثمّ قالوا لي ذلك، فقُلت: إنّ المشكلة في مكان آخر، فلا تذهبوا به إلى الطبيب مرّة أخرى، اجعلوه يبقى في المنزل، وقوموا بالمسألة الفلانيّة ، حتّى أنّ حاله قليلاً قليلاً تحسّنت. وهناك شخصٌ آخر عاد من العمرة، كان في العمرة وعاد، فقال: كلّما ذهبت إلى أيّ مكان، سواءً إلى شارع، أو إلى المحلات، بل أصلاً لم يكن بإمكاني الذهاب إلى المحلاّت، لم يكن بإمكاني تناول أيّ طعام من الخارج... .
كم كان المرحوم العلّامة يؤكّد بأنّه وبقدر المستطاع لا تأكلوا من أكل المطاعم؟ ولكن بالطبع في بعض الأحيان لا إشكال في ذلك، بحسب الضرورة، أو إذا ذهب الإنسان بنفسه ورأى هذا الطعام الذي يطبخ في الخارج، من يطبخه؟ من الأفراد الذي يعملون عليه؟ هل هم مسلمون أصلاً؟ هل هم ليسوا مسلمين؟ ما هو وضعهم؟ كلّ هذه الأمور لها حسابها الآخر؛ لذا كان يقول: كلوا من أكل المنزل قدر المستطاع. كلوا من الطعام الذي يطبخ في المنزل، من الطعام الذي تطبخه العيال. فمن الواضح أن الطعام الذي يطبخه الأصدقاء والرفقاء له خصوصيّة مختلفة، وهو أمر واضح. نعم الآن في بعض الأوقات، في حالات نادرة، هذه الحالات لها حكم آخر.
كلّ هذه الأمور لها آثار، ففي بعض الأحيان، وفي بعض الأجواء يشعر الإنسان اللقمة تعلق في حلقه ولا تنزل، يعني: تكون الأجواء بحيث أنّ اللقمة لا تنزل من حلقه، فأنا ذكرت سابقاً: لا ينبغي على الإنسان أن يذهب إلى كلّ مكان! والبعض يقول: حسناً، ما المشكلة في ذلك؟ الإنسان يذهب ويحافظ على نفسه؟ نعم يا عزيزي، لو كانت لك القابلية في أن تحفظ نفسك فاذهب إلى أيّ مكان أردت. لكن عندما لا تمتلك هكذا قابليّة، فعندما تذهب ولا تحسّ فعندها تكون قد أضعت نفسك، لا أنّك وصلت إلى مرتبة من مراتب الكمال؛ فلأنّك أضعت نفسك لم تفهم ماذا حصل، ولأنّك لم تعد تمتلك صفاء النفس الذي كان لديك في السابق، لذا تشعر بأنّ الأمر عادي. لا أنّك وصلت إلى مرتبة أعلى أو زاد رشدك ووصلت إلى رتبة معيّنة بحيث صار الأمر عندك سيان، فيمكن أن تلاحظ الأمر وأن تحفظ نفسك. لا ليس الأمر كذلك، هنا ينبغي على الإنسان أن يكون له ملاحظة وأن يبتعد ويجتنب المواطن التي تبعث على الشبهة.

حسناً، أنا كنت متعباً جداً اليوم، لكن قلت: على الله نذهب لزيارة أصدقائنا و أحبّائنا، فهذا المحفل إنّما عقد لكي نأتي ونتكلّم عن بعض المسائل والمواضيع التي كان يذكرها الأعاظم... فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. لكنّ العمدة في المسألة هو أن نأنس برؤية الأصدقاء، بل بسبب هذا اللقاء وهذا الاجتماع ذهبت ذلك التعب والاضطراب عندما رأينا الأصدقاء ، ذهبت إلى حدّ ما، على كلّ حال إن شاء الله إذا يوفّقنا الله لكي نتطّلع أكثر وأكثر على سبيل الأعاظم وممشاهم. ذلك الطريق المجرّب، لا المستنبط من الكتب ومن الأقوال. طريق الأفراد الذين ذهبوا، وجرّبوا، وأكلوا اللقمة وذاقوا طعمها، ثمّ عادوا وقالوا لنا تفضّلوا وكلوا معنا.
هؤلاء هم الذين ينبغي أن نجعلهم أسوة و أنموذجاً نحتذي به، اُولئك هم الذين رأوا حقائق الأحكام بأعين قلوبهم، ووصلوا إلى مرتبة الشهود، ثمّ جاؤوا وقالوا: أيّها الأعزاء تعالوا وافعلوا هذا الفعل، واتركوا ذلك الفعل... .
في بعض الأوقات الإنسان يبقى يسمع بعض الأمور، ويرى بعض الأمور، أموراً عجيبةً، فهل يمكن أن يقال كلام كهذا؟! هل يمكن أن يحكم بحكم كهذا؟! هل يمكن؟! ماذا حصل؟! إلى أين وصلنا؟! وإلى أين نحن متّجهون؟! إلى أين نحن نمشي؟!
{ وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّه‏ }
كان المرحوم العلاّمة كثيراً ما يقرأ هذه الآية، وكان يوصينا أيضاً أن نقرأها دائماً.
فحمداً مخصوصاً لله أن هدانا إلى هذه المدرسة وإلى هذا المنهج وإلى هذا الصراط المستوي والمستقيم للأئمّة عليه السلام وعرّفنا عليه، ولولا هداية الله فأين كنّا سنكون؟ أين كنّا قبل هذا؟ في أيّ المجالس كنّا نجلس؟ ومن كان أصدقاؤنا؟ اذهبوا وانظروا. لتعرفوا حقيقة المسألة. انظروا إلى الأوضاع كيف هي؟ انظروا إلى الأفراد، من الجيد أن ننظر، ثمّ نعود قليلاً إلى أنفسنا، ونفهم قيمة الطريق الذي وضع بين أيدينا، ونلتفت إلى المسائل كم جعلوها سهلة يسيرة إلى أقصى الحدود كان المرحوم العلّامة يقول: نحن فتحنا السفرة، ونقول: تعالى وتفضّل، لا يأتي!! يا عزيزي السفرة فتحناها ووضعنها، نحن من سيضع السفرة، ومن سيطبخ الطعام، ونحن من سيضع الصحون، وسنجلبها ونطبخ ونضع على السفرة، ونقول: تعال وتناول الطعام فقط. فيقول: لا أريد!! يقول: لا أريد!!
لكن عندما ننظر فنرى: الحمد لله، إنّ الله فتح الأعين ووضع الحقائق تحت اختيارنا، وضع المسائل في متناول أيدينا، عندها ينبغي أن نقوم بشكر الله، وأن نطلب منه أن يرزقنا الفهم أيضاً، وأن يوفّقنا للمتابعة أيضاً.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ مصباح الشريعة: 16.

[2] ـ كناية عن المال الذي يعطيه المراجع لطلبة العلوم الدينية ليصرفوه في مسائلهم المعيشيّة الضروريّة.

[3] ـ سورة الأعراف، الآية: 43.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی