معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > محاضرات متعددة > بعض المبادئ الاجتماعية والأسرية المستفادة من سورة الإسراء

_______________________________________________________________

هو العليم

طرف من
المبادئ الاجتماعية والأُسريّة الإسلاميّة

 

مستخلصة من سورة الإسراء

( ألقيت المحاضرة في مسجد القائم )

سماحة العلاّمة الراحل

آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة و السلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد
وآله الطيبيّن الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
من الآن إلى قيام يوم الدين

قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
{لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً} [1] وفي آية أخرى قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً} [2].
تفصل بين هاتين الآيتين خمس عشرة آية، وإذا جمعنا الآية الأولى مع الآية الأخيرة وأضفناهما للآيات التي تفصل بينهما فالمجموع سيكون سبع عشرة آية، وإن شاء الله يتمّ مراجعتها في المنزل بل من الممكن أن تكونوا قد راجعتموها ـ في الأسبوع الماضي حيث تناولنا أطراف الحديث عن هذه الآيات ـ فالآية الأولى هي الآية الثانية والعشرون من سورة الإسراء, والآية الأخيرة هي الآية التاسعة و الثلاثون من سورة الإسراء.

    

أهميّة قراءة السور الطوال في الصلوات اليوميّة

وسورة الإسراء من سور القرآن ومن السور المحبوبة في القلوب! وكلّ سور القرآن محبوبة ومطلوبة، وإن كان في الواقع يوجد بعض السور التي يرغب قلب الإنسان دائماً أن يقرأها.
ونحن في بعض الأوقات في الصلاة نقرأ أجزاءً من السور الطوال التي تكون مورداً لتململ البعض واعتراضهم: سيّدنا أرجلنا تؤلمنا! سيّدنا نحن على عجلة من أمرنا!
سيّدي العزيز! هل أنت مستعجل؟ ورجلك تؤلمك؟! إذن صلّ منفرداً أو اذهب إذا كانت لديك ضرورة! وإذا كانت رجلك تؤلمك فاجلس! وعندما تشعر بأنّ أقدامك تؤلمك وتحسّ بالتعب و إمام الجماعة يقرأ القرآن, فاجلس واستمع، ثمّ عندما تصبح أقدامك على ما يرام قف مرّة أخرى.
هذه هي القاعدة؛ فالإنسان لا يستطيع أن يلزم الإمام بأن يطابق ميوله في القراءة، و قولهم: إنّه يجب مراعاة و ملاحظة أضعف المأمومين، فإنّ أضعف المأمومين يقول: من الأفضل أن لا تصلّوا أصلاً! أضعف المأمومين هذا حاله! أضعف المأمومين ليس بالنسبة إلى سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [3] بل بالنسبة إلى السور الطوال التي كان مشهوراً ومعروفاً أنّها تقرأ في الصلاة.
وإلاّ فإنّ الإنسان يذهب إلى متجر الخضار، ثمّ يسأل: «الكراث» بكم؟ «السبانخ» بكم؟ هذا «الباذنجان» بكم؟ هل تبيعها بأقلّ؟ تبيعها أو لا؟ ويبقى مدّة نصف ساعة يتساوم معه على هذه الحال! هذه الأرجل هنا هي تلك الأرجل هناك.. فالسيّد الموقّر الذي يساوم هناك خاصرته لا تتعب! معدته لا تتعب! ليس لديه حرارة، ليس لديه «روماتيزم»، إلا أنّه إذا أراد الشروع بصلاة ركعتين فكل تلك الآلام تأتيه دفعة واحدة!! و كل أسباب العجلة تحلّ به أيضاً! نقرأ سورة الجمعة من أوّلها إلى آخرها والتي تقرأ في صلاة الجمعة ـ لا أعتقد أنّها تستغرق خمس دقائق، بل قد تكون ثلاث دقائق ـ ولكن الإنسان هنا يحسب حساباً لتلك الثلاث دقائق! بالإضافة إلى أنّنا أتباع للمشرّع المقّدس، فعندما يأمر الشارع أن يقرأ إمام الجماعة سورة الجمعة في ليلة الجمعة، فيجب عليه أنْ يفعل ذلك: سواء رغب المأموم وتحمّل ذلك أم لا.
وفي يوم الجمعة تُقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى، أمّا في الركعة الثانية فتُقرأ سورة المنافقين، فيجب على إمام الجماعة أن يقرأهم، ويجب على المأموم أن ينتظر.
وفي صباح يوم الاثنين و يوم الخميس في الركعة الأولى ورد أنه تُقرأ سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [4] وفي الركعة الثانية سورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}[5] وعلى إمام الجماعة أن يقرأها.
وفي أوقات أخرى في صبح يوم الجمعة في الركعة الأولى تقرأ سورة الجمعة، أمّا في الركعة الثانية فتقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [6].
وأمّا في غير ما ذكرنا ففي عصر وظهر الأيّام الأخرى فيستحبّ أن يقرأ إمام الجماعة السور القصار مثل : {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}[7]، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ }[8]، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}[9]، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[10] فجميع هذه السور تقرأ.
وفي المغرب تُقرأ بعض السور الطويلة نسبيّاً مثل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً}[11]، {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}[12]. أمّا في صلوات العشاء فتكون السور أطول بمقدار معيّن مثل: {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ}[13]، سورة الدهر: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ}، سورة «الحاقة»، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[14]، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[15] .
وفي صلاة الصبح ورد استحباب قراءة سور أطول من تلك مثل: سورة الحشر، و سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[16] وسورة الرحمن، ووردت سور أخرى.
نعم لقد ورد ذلك كلّه!! ولكن تعال وقل للناس: يا سادة لا تقرؤوا دائماً سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ! وإنّ الذي ورد أن لا تتركوا سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في الليل والنهار، وإذا قرأ الإنسان دائماً سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يصبح القرآن مهجوراً ويصبح القرآن متروكاً.
يقول الإمام الرضا عليه السلام في الرواية الواردة في (علل الشرائع): «وَإِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَن يَقْرؤوا القُرآن في صَلَواتِهِمْ لِئَلاَّ يُصْبِحَ كِتَابُ الله مَهْجُوراً !» بناءً على ذلك فإنّ الناس مأمورون في صلواتهم التي يصلّونها أن يقرؤوا آيات القرآن حتّى لا يصبح كتاب الله مهجوراً، وعلى الناس أن يوطّدوا علاقتهم بكتاب الله وآيات القرآن.
فإذا قرأ الإنسان سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} دائماً كما نفعل الآن جميعاً، فنحن إذن نُبعِد القرآن عنّا ونجعله مهجوراً!
ولكن إذا قرأنا باقي السور، عندها سيخطر على بال الإنسان أن يسأل عن المعنى ويتفهّم ويتفحّص عن حقيقة ما يقرأ. سيّدي العزيز! وضّح لي ما معنى سورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ؟ ما هو سبب نزولها؟ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} لماذا؟ ولماذا أنزلت سورة المنافقون ؟ ما هو مضمون سورة الجمعة؟ فإذا داوم الإنسان على قراءة القرآن بشكل دائم، فإنّ القرآن سوف يأتي بالمعاني إلى قلبه، القرآن يحيا في القلب، وليس بين دفّتي الكتاب! فإن بقي بين دفّتي الكتاب، فسنكون بعيدين عن القرآن.
هذه الآية التي قرأتها اليوم، قد استعرضنا تفسيرها وبينّاه مع بعض الآيات التي تليها في سورة الإسراء، والآن سنبيّن قسماً آخر من الآيات الواقعة بعدها أيضاً.
كم هي جميلة هذه الآيات يا أيّها السادة! واقعاً كم هي جميلة ورائعة!! أقسم بأرواحكم أنّها أحلى من العسل! أصلاً هل يصل العسل إلى دائرة لذّتها؟!
فالإنسان يقف في الصلاة ويشرع بسورة «بني إسرائيل»، أو يشرع بسورة الإسراء فيقرأها ويترنّم بها! فنحن في بعض الأوقات عندما نكون مع رفقائنا الخاصّين نقرأ هذه السور، أولئك الذين لا تؤلمهم أرجلهم، ولا تؤلمهم خاصرتهم، و لا ينفذ صبرهم.
وفي يوم من الأيّام كنّا في مشهد وقرأنا سورة «إبراهيم» لقد كنّا بعض الأشخاص من أهل بيتي و أرحامي و عائلتي لكنّهم لم يقولوا: والله ظهرنا يؤلمنا. كما أنّنا في سَفر آخر كنّا في مكّة و كنّا نقرأ سوراً طويلة أيضاً. كنّا داخل مكّة! كنّا داخل مكّة وأنا كنت أرغب في قراءة سورة إبراهيم في الصلاة. قلت للإخوة: أريد أن أقرأ سورة إبراهيم في الصلاة فهل لديكم القدرة على ذلك؟ أم ليس لديكم قدرة؟ الخلاصة أنّنا قرأنا السورة.
ما أعجب سورة إبراهيم! فهي تعرج بالإنسان إلى الأعلى، وتستجلب أموراً عجيبة!
حسناً ماذا نفعل؟ الآن سورة الإسراء فيها آياتٌ عجيبة! يجب على الإنسان أن يقف على كلّ آية و يغمض عينيه ويتأمّل, ثمّ يعيد الكرة مرّة أخرى! إلاّ أنّ هذا أيضاً لا يشفي الغليل، فإذا أراد أن يدخل إلى معانيها و بطونها فعلى كلّ إنسان أن يقف في كلّ عالم من عوالم النورانيّة مليون سنة، ومع هذا يبقى الإنسان مقصّراً في حقّها.
على كلِّ تقدير قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ} هو أول هذه الآية التي نقوم الآن بشرحها، فكم يكون مجموع الآيات؟ ثلاثة عشر آية.
{لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً} وتفسير هذه الآية التي قرأناها هو:
«لا تختر ولا تجعل مع الله إلهاً آخر، وإذا جعلت لله شريكاً فإنّك تقعد، أي: تسقط، ولا يكون لديك قدرة على القيام، لا تقوى على القيام على قدميك، بل تبقى واقعا على الأرض ساقطا منهكا» {فَتَقْعُدَ} أي «تجلس» ولكن بأي حال؟ تتلقى اللكمات مذموماً، في مورد المذمّة، يذمّك كلّ عالم الملك و الملكوت و {مَّخْذُولاً} أي: ذليلا!
{لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[17] «الأشخاص الذين لديهم إيمان بالله ولا يشركون مع الله أحداً أولئك هم الأعزاء, ورأسهم مرفوع؛ لأنّهم متّصلون بالله. أمّا غير المتّصلين بالله فهم منفصلون عنه». كم هو عجيب بيان القرآن! عجيب بيان القرآن! كذلك هناك عدّة آيات عجيبة جدّاً في سورة الرعد تتحدّث عن المخلصين! ولكن الآن سنتركها لوقت آخر ولن نتجاوز بحثنا. {مَّخْذُولاً} أي: «يصبح ذليلاً، ويحصد الخذلان».

    

لزوم احترام الوالدين والإحسان إليهما

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}[18] أي: «حكم الله بأن لا تعبدوا إلهاً غيره!»، {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} أي: «أحسنوا كثيراً إلى والدكم ووالدتكم إحساناً!»
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}[19] أي: «إذا ما أصبح والدك أو والدتك، أي واحداً منهما أو كليهما كبيراً في العمر، حيث يبدأ سنّ الانزعاج والشكوى والتوبيخ والزجر ـ بالطبع الإنسان عندما يصبح كبيراً في العمر يصبح ضعيفاً، تماماً كحاله حينما يكون مريضاً، فإنّه يكون ضعيفاً أيضاً، ففي هذين الحالتين يظهر ضعف الإنسان، ويصبح تحمّل الإنسان هنا قليلاً. هذا التسخّط نحن نعبّر عنه بالتوبيخ والزجر! ولكن الآية لا تحاسب على الزجر، بل تحاسب حتى على إظهار الانزعاج على هيئة صوت ظاهر "أفّ"».
مثل هذه السيارات التي تصبح قديمة، فعندما تريد أن تذهب بها إلى مكان مّا تصدر صوتاً، فيأتي هذا الشخص و يتكلّم مع هذه السيارة و ينصحها بأن تحسن تصرّفاتها، فيقول لها: أيّتها العزيزة لماذا أصبحتي هكذا؟! فلقد قضيت عمراً في هذه الدنيا. ألا يجب أن تصلي إلى الكمال. في ذلك اليوم الذي أحضرتك فيه واشتريتك من المصنع كنتِ كالعروس، كنت تعملين كالحِصان، ولكن الآن ما الذي حصل فأصبحتي هكذا، كلما أعطاك السائق الوقود، أصدرت ذلك الصوت «قار، قار»، «قار، قار» ؟! عندها ستقول: كيف تحسب أنتَ الأمور؟! فتجيب بنفس جواب الإنسان حينما يكبر وتقول: يا سيّدي العزيز لقد أصبحتُ كبيرة في العمر.
رحم الله المرحوم الشيخ محمّد البهاري؛ فأخو زوجته الميرزا محمّد مجاهد الذي كان من علماء النجف، وأتى إلى هنا و كان عمره 90 عاماً و قد توفّي، وهو حفيد المرحوم الآخوند الملاّ حسين قلي الهمداني في يوم من الأيام كان في دكّان يبيع الخضروات في النجف، ونحن أيضاً كنّا ذاهبين لشراء الخضار, وكان واقفاً يشتري الخضار. فقلت له: سيّدي كيف حالك؟ فقال: آه آه لا تقل: سيّدي! اُنظر لحالي كيف أصبحت؟ لا ظهر لدي و لا قوّة لدي وليس لدي شيء ثمّ قرأ لي هذا الشعر:

در جوانی کسی به من گفت
                             شير اگر پير هم بود شير است
[20]

چون به پيری رسيدم و ديدم
                             شير آگر پير هم بود پير است
[21]

إذن بناءً على ذلك فنحن عندما نصبح كباراً في العمر، أو يعطب عضوٌ من أعضائنا أو نمرض، فإنّنا نرفع صوتنا بالعويل. والسائق عندما يرى السيّارة في هذا الشكل تصدر أصواتاً و أداؤها يصبح منخفضاً، فيتعكّر مزاجه ، ويركلها ركلتين، فيؤلم رجله و يزيد من خراب السيّارة!
لكن ما عليه فعله هو أن يتفحّصها ويلاحقها هنا و هناك، فيفحص الزيت ويصفِّيه، ويمسحها بخرقة القماش، يفتح بعض «البراغي»، ويغيّر بعض قطعها القديمة، ويسعى في أن لا يمشي بها في الأماكن الوعرة و الحفر، وأن لا يضربها بعد الآن حتّى يستطيع أن يستفيد من هذه السيّارة بضعة أيّام أخرى.
يجب علينا أن نعامل الوالدين بهذا الشكل أيضاً، عزيزي! روحي! اصبر! هذا هو حال الدنيا! رتّب و هيّئ له سرير النوم. أعطه الماء بيده. أحضر له طعامه. أطع أوامره. هذا ما يأمر به القرآن!
أمّا الآن فنريد أن نقرأ آيةً أخرى و نفسّر معناها بشكل مجمل ٍومختصر.
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} «لا تقل لهما: أفّ» وذلك بعد أن قال: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} ثمّ يأتي ويتكلّم عن الأُمّ و الأب! فيقول: «قضى الله و حكم أن لا تعبدوا غيره و أن تحسنوا للوالدين» عجيب جدّاً! دفعة واحدة ينتقل من عبادته إلى موضوع الأب و الأم {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} «فلا تقل لهما: أفّ، لا تقل لهما: آخ، ولكن قل لهما: سمعاً و طاعةً!».
{وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} أي: «لا يكن ألمهما ناشئاً منك! لا تبعدهما! لا تصرخ عليهما! لا تؤذيهما! لا تنهرهما!» النهر يعني: الإبعاد! النهر يعني: الزجر.
{وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} أي: «بهدوء و بالتجليل والتشريف (والكريم بمعنى العظيم) أي: تكلّم معهم بتعظيم! فلا تفرّ من خدمتهما ولا تذهب من الميدان! وكلّ عمل يريدونه فقم به، ولا تخرج من الساحة».
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}[22] أي: «جناحين من الذلّة مقابل العزّة، لا تكن سيّداً قِبالهما! لا تكن سيّداً قبالهما! لا ترفع رأسك أمامهما! كن صغيراً عندهما». في بعض المواضع الصغارة والتواضع مطلوبان. يجب على الإنسان أن يكون عزيزاً، ولكن ليس في قبال والده و والدته.

    

أفضل النساء الذليلة في بيت زوجها العزيزة في بيت أبيها

وردنا رواية تصرّح بأنّ: أفضل نسائكم تلك التي تكون ذليلة في منزل الزوج قبال زوجها. أمّا في منزل والديها فإنّها تكون عزيزة. ما معنى الذليلة؟ يعني: أن تكون لطيفة مع زوجها، تكون مطيعة، تستقبل أوامر الزوج و نواهيه بكلّ صدر رحب، فلا تكون خشنة مع زوجها، فلا تكون كالهراوة. وأمّا في الجهة الأخرى، عندما تذهب إلى أبيها و أمّها فإنّها تكون هناك مرفوعة الرأس، تكون عزيزة، عندما تذهب إلى أرحامها و أقاربها، فإنّهم لا يسمعون منها حرفاً!
ما أسوء نسائكم تلك التي تكون عزيزةً عند زوجها، و ذليلةً عند أهلها! تتعامل مع زوجها على قاعدة: أنت تقول و أنا أقول، أنت تقول وأنا أقول! فليس لديها حالة التمكين و التسليم و الطاعة والانقياد. أمّا عند أهلها تكون ذليلة، فإنّها تُدخِل إلى أذنها كلّ ما يقولونه، ثمّ تأتي و تَلْكِمُ به وجه زوجها. فالنبي يقول: ( أفضل نسائكم هؤلاء و أسوء نسائكم أولئك).
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي: اخفض لهما جناحي رحمتك، أي: من جهة التواضع و الخشوع، لا من جهة الغيظ و الغضب و القهر والتجبّر مثلما تقوم الدجاجة بجمع أجنحتها عندما تريدون أنْ تأخذوها، فتسلّم لكم من جهة الاضطرار والإجبار. لا ليس كذلك, بل اكسروا أجنحة قدرتكم قبال أبيكم و أمّكم وأنزلوها وأخفضوها.. أي: من جانب الرحمة، فأنتم لديكم القدرة في أن تصفقوا بأجنحتكم، وأن تطيروا و تحلقوا، فتحلقون وتتعالون وتحرّرون أنفسكم من وطأة أوامرهم، ولكن لا تفعلوا ذلك!
أمّكم كبرت في عمرها، أو أبوك صار طاعناً في السنّ، فلا تتركوهم في المنزل لوحدهم، اجعلوا لهم خادمةً وخادماً معهم ليخدمونهم! أحضروهم إلى المنزل الذي تحبّونه وترتضونه لأنفسكم, واستضيفوهم في أفضل و أَرْفَهِ غُرفة، ضعوهم في أفضل طابق، تماماً في الغرفة التي تفضلها لنفسك، فلا تكوننّ الغرفة المجانبة لباب المنزل له، و تجعل لنفسك الغرفة الجميلة والرخيمة! لا تفعل ذلك! هذا العمل خالي من اللطف، وليس فيه أي يُمْن، وليس فيه بركة، بل هذا العمل بلا روح.
{ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}[23] وعلاوة على ذلك اُدعُ لهما دائماً! قل: «ربّ ارحمهما كما ربّياني في مرحلة طفولتي». إذا لم يكونا فمن أين كنت سآتي؟ فأنا بكلّ وزني الذي تعجز كلّ ادّعاءات الشيطان عن سحب منيّتي منه, فالشيطان عاجز أمام هذه المِنيَّة، فهم قاموا بتربيتي، ومنذ صغري أعدُّوني وقاموا بتربيتي، حتّى صار لي يدان, فهذه يد و تلك يد أُخرى. وقد قاموا بتربيتي لا لأجل مصلحة متوقّعة أو متوخّاة, فجعلوني أكبر وأشبّ وأنمو... إلهي ارحمهما دائماً: سواء في حياتهم أو بعد ارتحالهم عن الدنيا!
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً}[24] أي: «الله أعلم بما تفعلون، و بما تنطوي عليه أنفسكم، وإذا ما كنتم تتحملون المشقّة وتتعبون من والديكم، فإنّكم أتعبتموهم و حمّلتموهم المشقّة من أجلكم، فإذا أردتم الآن أن تعودوا إلى الله و أن تتوبوا، و أن تغيّروا طريقة تصرّفاتكم، فإنّ الله سيقبل ذلك منكم» الآن.. حيث إنّكم حتّى الآن كنتم تتعاملون من والديكم بسلوك ٍفظّ قبل أن تطرق أسماعكم مطالب هذه الآيات القرآنية، فإنّكم الآن فهمتم، إذن تراجعوا! فالله يعلم وهو مطّلع على قلوبكم إن كانت تريد العودة أو لا تريد! فإذا انتخبتم الصلاح و طريق الرشد و الترقّي فإنّ الله قد فتح أجنحة رحمته و مغفرته للتائبين و الراجعين إليه، و هو يقبل الجميع، فارجع حتّى يقبل!

    

حول صلة الرحم

{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}[25] أي: «أعطِ حقّ الأقارب وابن السبيل و المساكين، فأولئك لهم حقّ عليك» أي: عندما تريد أن ترحل عن الدنيا لا تترك مالك فقط للورثة؛ لينحصر فقط وفقط بالورّثة المكرّمين: لخصوص السيّد فلان، أو السيّدة فلانة المخدّرة المحللة الجليلة الحليلة فقط، فمع كونها هي الوريثة من الناحية الظاهريّة, ولكن قمْ بتوريث أقربائك من مالك.
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ }[26] فقلْ وصرّح بالوصيّة: أيّها السيّد الفلاني! أعطوا من رأسمالي هذا لابنة خالتي الفقيرة! وأعطوا لابنة عمّتي حقّها! وأعطوا لعمّي حقّه! وأعطوا لحفيد خالي قسماً! هؤلاء هم الأقربون، ولكنّهم لا يملكون من الإرث بشكل مباشر، فاجعل لهم سهماً منك أنت!
وكم هو حسن أن نساعد الأقارب و الأرحام! فأحد المفاتيح التي تفتح السماء ـ وهي مفاتيح محكمة جدّاً ـ صلة الرحم. فبواسطة صلة الأقارب و الأرحام تنفتح أبواب السماء!
ما معنى صلة الرحم؟ هل معناها أن ينهض الإنسان وعائلته و الجميع ويذهبون وقت إفطار شهر رمضان ويطرقون الأبواب و يدخلون إلى منزل أُختهم أو أخيهم، ويحدثون الاضطراب في المنزل، دون أن يحضروا معهم طعامهم الكافي لهم، بل يحضرون معهم الإرباك والإزعاج، ويدخلون مع إظهار كامل العفّة وعزّة النفس؟ فتجد فرقة قد جاءت لصلة الرحم! يجلسون و يتحادثون إلى أن يقترب أذان الصبح! يتحدّثون عن العمل والمسؤوليات والحياة والدعاء ويمزجون كلّ شيء ويخلطون جميع ذلك، هكذا تكون صلة الرحم؟!!
سيّدي العزيز! هذا قطع للرحم! صلة الرحم تعني استمالة قلبه بالمحبّة، إدخال السرور عليه، وقضاء حوائجه بطريق أحسن.
إذا كنتم تريدون الذهاب لزيارة أحد، فهل من المناسب الذهاب فجأة إلى هناك؟! المفاجأة باعثة على عدم الارتياح، أعطِ خبراً قبل الذهاب، ليضيفوا قليلاً من المرق في «مرق اللحم». فعلى الأقلّ لا تؤول زيارتكم إلى أن يصبح صاحب المنزل خجلاً منكم! لا تقل: إنّه ليس من شأني أن أذهب مع الإخبار. لا هذا خطأ! يعني: أنتم تريدون أن ترفعوا أنفسكم إلى هذه الدرجة، فتقولون: ليس من شأني أن آتي مع الاتّصال المسبق!! كأنّك تدّعي أنّك سيّدٌ، لدرجة أنّك تدخل بدون إخبار ولا إعلام.
عزيزي! اذهب إلى المكان الذي تَعْلَمُ بصَلاحَ الذهابِ إليه، ولا تذهب إلى المكان الذي تحسّ أنّ الذهاب إليه قد يكون غير مناسب فعلا! حينئذ لا يوجد أسوء من ذلك المكان.
البعض يجب أن تساعدهم بدون أن يفهموا أنّ المساعدة أتت من ناحيتك أنت، بينما البعض الآخر يجب أن تساعدهم ومن اللازم أن يفهموا أنّ هذه المساعدة أتت من ناحيتك؛ فأشكال صلة الرحم تختلف باختلاف المقام.
هكذا تكون «ذوي القربى»، إذا اطَّلعت حفيدة عمّتك أو ابنة خالتك على هذا السمك الذي قليته و ظهر دخانه، أعطها واحدة منها، ليس هناك مشكلة، فلا تبخل وتخف على نفاذ خير الله وكنوزه! أعط ولا تخف.
هذه حالة الشرك التي تظهر في الإنسان، فيخاف الإنسان على نفسه، فتكبح رغبته في الإنفاق! ما هي تلك الآية التي قرأناها؟ {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ}[27] أي: «يا أيّها النبي! قل للمشركين: هذه نفسكم الخبيثة و هذه نفسكم البخيلة و نفسكم الشقيّة التي لو ملكت جميع خزائن رحمة ربّنا، فلو أعطيتم مفاتيح جميع خزائن الدنيا.. خزائن القمح.. خزائن الشعير.. خزائن الزيت.. خزائن الذهب.. خزائن السعادة.. خزائن الدواء.. لو أعطيتكم خزائن الكتب كلّها، فإنّ قلبكم هذا لن يتمكّن من الإنفاق، بل سيخاف من الإنفاق» وخشْيتكم لن تقلّ بل ستزداد!
{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} أي: «أعط ابن السبيل و ذوي القربى و المساكين حقوقهم»!

    

حول اجتناب الإسراف والتبذير

{وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً}[28] أي: «لا تزد على ذلك!» فعندما تعطي يجب أن لا تترك عائلتك جائعة، و كلّ ما لديك تعطيه! هذا أيضاً غير صحيح. فيتصوّر نفسه أنّه شهم, رجل شهم بفطرته، ودفعة واحدة أنفق كلّ أموالي في سبيل الله! هذا خطأ وغير صحيح! فالله العلي الأعلى جعلك كفيلاً و مديراً لأمر عائلتك، و يجب أن تأخذ على عاتقك إدارة شؤونها! فهذا العمل غير صحيح.
نحن نحبّ أن نصرف كلّ الأرباح التي نجنيها في الهيئة الفلانيّة، أو أن نذهب و نعود إلى كربلاء أو إلى النجف مع الهيئة الفلانيّة، في الوقت الذي تعيش فيه ربّة المنزل بضيق في عيشها! فهذه جريمة، ولا ثواب في ذلك ، وهذا الطريق معوج، وهذه الزيارة التي يذهب إليها الإنسان وهو على هذه الحالة ليست زيارة للإمام؛ بل هي حركة باتّجاه مضادّ وسير في طريق معاكس لطريق الإمام! {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} أي: أنفق، ولكن اجعل القليل لنفسك! فلا تجمع كلّ الأموال، ولكن لا تعط كلّ الأموال أيضاً! فالإفراط و التفريط خطأ، وخير الأمور أوسطها.
{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}[29] أي: «أولئك الذين يبذّرون وينفقون كثيراً هم اُخوانٌ للشياطين!»
{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً}[30] أي: «والشيطان كافر بنعم ربّه» فهو إمّا مسرف وإمّا مبذّر.
فالإسراف هو الصرف بشكل ٍزائدٍ عن الحدّ، وأمّا التبذير فهو الصرف في غير موارده. فيكسب المال مثلاً و يذهب إلى السينما، هذا هو التبذير، أو يصرفها في القمار، أو يصرفها على شرب الخمر، فهذا هو التبذير، ولا يُقال له إسرافٌ بل هو تبذير. فالذين يقومون بهذه الأعمال هم إخوان الشياطين. أي: تكسب المال، و يسيل عرقك، و تتعب نفسك، ثمّ تذهب إلى منزلك و تشتري «راديو»، أو تلفازاً و تضعه هناك في الزاوية، هذا تبذير بل معصية! علاوة على المفاسد الأخرى نفس هذا العمل عمل خاطئ وتبذير!
{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} هذه عقود الأُخوّة قد عُقِدت مع الشيطان؛ لأنّه في نهاية الأمر يجب أن يعقد الإنسان عقد أُخوّة مع شخص أحد آخر! و لا يمكن للإنسان في الدنيا أن لا يكون لديه أخ.
النبيّ الأكرم عقد عقود الأخوة بين المهاجرين في مكّة، و عقد عقود الأخوة بين المهاجرين و الأنصار في المدينة، فأبو بكر يحتاج لأخ، فيصبح عمراً أخاً لأبي بكر! وعثمان يريد أخاً، فيصبح عبد الرحمن بن عوف أخاً له! جعلهم أُخوةً لهم. ويلاحظ أنّ هناك سنخيةً واحدة في كلّ عقد: أبو ذر الغفاري مع عمّار. فبقي أمير المؤمنين في آخر الصفّ، فاضطرب أمير المؤمنين، فقد جعل النبي لجميع الأصحاب أخاً، ولكن لم يجعل حتّى الآن أخاً لأمير المؤمنين. ضاق صدر أمير المؤمنين من الحزن! هكذا ورد في بعض الروايات التي لدينا.
جاء أمير المؤمنين، و لعدّة أيّام بقي رسول الله في مجلسه يجعل لكلّ شخص أخاً، بينما لم يجعل لأمير المؤمنين أخاً، فتحرّك الإمام و جاء إلى بعض نواحي المدينة، و كانت الريح تهبّ رياحاً قاسيةً، تحمل الغبار معها، أخذ جانباً من أحد الجدران، ووضع الإمام رأسه هناك ونام، وكان يجترع الغصّة، والرياح كانت تهبّ، فجعلت عليه الغبار والتراب.
قال النبيّ: أين أخي علي؟ قالوا: ذهب إلى الخارج في المكان الفلاني. أتى إليه النبي بنفسه، نظر فرأى أمير المؤمنين نائماً، كانت أوقاته مُرّةً! وَكَز أمير المؤمنين برجله، فاستيقظ. استيقظ، يا أبا تراب! النبيّ هو من أعطى هذا اللقب لأمير المؤمنين. يعني: يا ذا التراب! يا من ينام على التراب! يا رفيق التراب! ليس من الجيّد أن يكون الإنسان أبا ذهب، أبا فضة، رفيق الذهب و الفضة! رفيق الجواهر و الألماس؛ يا أبا تراب! يا رفيق التراب! ما أحسنه من لقب! «لقد جعلتك أخاً لي». أما ترضى أن تكون أخي؟!
في النتيجة يجب أن تلاحظ السنخيّة، فالسنخ اللائق للنبي في الدنيا لا يكون إلاّ أمير المؤمنين، و سنخ أمير المؤمنين لا يكون إلاّ النبي. {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}. «المبذّرين إخوان الشياطين» هنا أيضاً عقد الأُخوّة عقد بينهم وبين الشيطان.
{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً}[31]. إذا لم يكن لديك مالاً لكي تساعد به أهلك و أقاربك، قم برفع حوائجهم، فعندما يكون مريضاً، فإن لم تقدر على أخذه للمستشفى، فأحضر له طبيباً، أو أحضر له دواءً، أحضر غِذاءً، أحضر له هديّة صغيرة! اذهب لعيادته و أحضر له سيخاً من الكباب! أحضر له حبة سفرجل! أسعده بذلك! وإذا لم يكن لديك ما تحضره له، فأحضر اللسان الجميل الذي تملكه. اذهب إليه و اجلس بجانبه و تكلّم معه بشكل حسن! {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} أي: ليس لديك القدرة على المساعدة {ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} وتبحث عن رحمة الله، فأعط المال، واغسل رأسهم و وجهم بالماء، وعندما لا تستطيع أن تعطيهم لا تَحُطّ من قدرهم، لا تعبس و لا تكسر قلوبهم.
إذا أتوا إلى منزلك في وقت من الأوقات وكانوا معدمين ـ مثلاً كانت أمتعتهم وألبستهم ممزّقة، ألبستهم بالية و مهترئة ـ لا تجلسهم في الدهليز! أجلسهم على المقعد، على «الكنب». صدِّق أنهم لن ينقصوا من طاولتك و مقعدك شيئاً، وستعمّ البركة أيضاً. اتركهم يأتوا داخل المنزل.. ويملؤوا المنزل.. يأتوا.. يذهبوا.. لا تكوننّ غرفة الضيوف مقفلة، وهم لا يرون حتّى لون المنزل!
نحن إذا أردنا أن ننفق ونعطيهم المواد الخامّ دون أن تطبخ: كالأرز الخام والزيت الخام، فهذه المواد الخام تشبه الحديد الصلب الذي يضرب به رأس الإنسان في جهنّم!!! ماذا تنفع المواد الخام؟ المواد الصلبة الحديديّة و المواد الخام ليست جيدة! هي مثل الفولاذ! يجب أن يكون الحديد الذي يدخل إلى التنور صافياً. أمّا لو كان ملوّثاً وممزوجاً بمقدار من «البوتاسيوم» و المواد «الفوسفوريّة» و المواد الفحميّة، فلو تمزجها ببعضها تصبح مواداً خامّاً، ويصبح خاماً عجيباً جدّاً! فلو تتصدّق بالحديد فكأنّك تضرب رأس الآخر بالهراوة! الهراوة حينما تضرب برأس الإنسان تشقّه!! والتصدّق بالمواد الخامّ كأنّه هراوة قاسية, فلا تنفقوا من الموادّ الخام! بل على العكس من ذلك, اعمد إلى أن تذبح خروفاً في منزلك، واطبخ الطعام في المنزل! ضع الأشياء داخل القدر، اجعل البخار يتصاعد، فيأتون هم و يأكلون من دخانه، يأكلون داخل المنزل من نفس الطعام أيضاً؛ فهذا هو الأمر الحسن. لا يريد الله أن تساعدهم مساعدة مادّيّة فقط، فلو كان المقصود هو مجرّد المساعدة الماديّة فبالإمكان أن يشبعهم بشكل مباشر، و لكن يريد أن تتآلف القلوب، فالقلوب بهذا الشكل أيضاً لا تتآلف.

    

حول علاقات النساء وارتباطاتها ودورها في السلوك

إذا أردت أن تزوِّج ابنك، زوِّجه و اعقد قرانه، ودعهم يأتون إلى منزلك ليأكلوا الطعام، وأقم احتفالاً في المنزل. لا تحتفل في قاعات الحفلات! هذه القاعات مجهولة الهوية! في ساعةٍ يدقون ويعزفون الموسيقى، ويشربون الخمر وما شابه ذلك!! ماذا نوضح أكثر من ذلك؟!! في ساعةٍ أخرى ماذا يحصل؟ في ساعةٍ يديرون سماعات المذياع، و في ساعةٍ أخرى يقيمون مجالس الحداد!
ونحن لدينا أمر من النبي أن لا نرسل زوجاتنا إلى الحمامات العموميّة، ولا إلى المجالس العموميّة، ولا إلى الأعراس العموميّة! لعن الله رجلاً يأذن لامرأته الذهاب إلى المجالس العامّة و الأعراس و الحمامات العامّة!! [الرواية] تفيد الإطلاق. لعن الله الذي يشتري لامرأته اللباس الرقيق![32] ولا يشترط في ذلك أن يراها رجل أجنبي! فهذا المضمون هو مفاد الآيات والروايات وهي تفيد الإطلاق! الإطلاق يفيد العموم وإلاّ فما هي فائدته؟! وبالأخير نعلم أنّ هذا القدر القليل الذي وردنا إنّما هو نموذج يسير يوضّح لنا طبيعة وحقيقة المباني الإسلامية, ويفهمنا أنّ هذه التعاليم هي من صلب الإسلام وأسسه.
فادعُ قومك و عائلتك المقرّبين إلى منزلك! وإذا كانت عائلتك لا تستطيع أن تقوم بهذا العبئ، فقل لهم: هم بأنفسهم يأتون! يذبح الإنسان الذبيحة، و يقوم النساء بتقطيعها و تنظيفها، و يجلسون أيضاً و يأكلون الطعام معاً, فكم هو مقدار المتعة التي سيستمتعونها من ذلك العمل! هذا هو العمل الحسن!
ما أحسن الأيام السابقة؛ حيث كان يجتمع النساء يوماً في هذا المنزل، و يوماً في ذلك المنزل، واحدة تنظّف «الخضار» و الأخرى تجهّز «الشعير»، و الأخرى تنظّف البازيلاّ، وواحدة تقرأ القرآن، و في النهاية يصنعون الحساء! يجلسون مع بعضهم البعض من الصباح حتّى الغروب، لا يغتابون، ولا يتّهمون، يقومون بصيامهم بهذه الطريقة، القلوب متآلفة مع بعضها، لا تعادي بنت الخالة ابنة خالتها، ولا الحماة عدوةٌ لكنّتها، ولا ابنة الزوج كذلك، بل كلّهم قلبٌ واحد و مشاعر ملتحمة مع بعضها البعض. أمّا ما نشاهده الآن فلا يمكن لأخوين أن ينظرا في وجه بعضهما البعض! فهذا يذهب من هذه الجهة، و ذلك يذهب من تلك الجهة، و ينظر إلى تلك الجهة، فلا يحب أن يرى كلّ منهم الآخر! {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا}[33] هذه هي أحوال أهل جهنّم!
على كلّ حال، إذا لم تستطع أن تساعد أصدقاءك و المساكين و ذوي القربى و ابن السبيل و قومك و عائلتك، على الأقل لا تَفقِد ارتباطك بهم، فاذهب إلى بعض أقاربك، واسأل عن أحوالهم: كيف حَالُكم، إنشاء الله حالكم جيد، إنشاء الله تكونون كذا، تكونون كذا، نحن أيضاً مثلكم، المشقّة لدى الجميع، يوم حسن ويوم سيّء، فتسعد بذلك قلبه, وتلطّف حال أرحامك.

    

لزوم اجتناب الإفراط والتفريط في الإنفاق

{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً}[34] أي: «تريد الآن أن تنفق، فلا تنفق بذلك المقدار الذي تعطي كلّ ما لديك، و لا بالمقدار بحيث تكون كاليد المقفلة المربوطة إلى العنق و المغلولة، ولا تكوننّ أياديك مفتوحة».
{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} «لا تغلق يدك و تغلّها إلى عنقك، لا تعلّقها، بل افتح يداً من أيديك، وأدخلها في جيبك وأخرج قبضة كبيرة من المال، وأيضاً أخرج قبضة صغيرة.
{وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} أيضاً لا تفتحها كثيراً بحيث يخرج قميصك مع القبضة. {فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} أي: «تبقى ملوماً و متحسّراً» فإذا أعطيت وأنفقت كلّ ما لديك، فسوف يطالبك ولدك قائلاً: إنّني وديعتك برقبتك من العلي الأعلى وأنت كفيلي، لماذا لا تقوم بتعهّدي؟ لماذا لا تقوم بتربيتي؟ لماذا أصبح بدني ضعيفاً؟ لماذا أهملت روحيّتي وأخلاقي؟ لماذا لم تضعني في مدرسة إسلاميّة؟ لماذا لم تُسمِعنِي يا أبي العزيز كلمات الله و الرسول؟ لماذا وضعتني في جوّ يُفسِد ديني؟ فهل تتخيّل أنّي معصوم لا أتأثّر بشيء أبداً؟ فأنت أخذتني ووضعتني في بيئة صعبة ولم يكن لي اختيار، فأنت الذي أخذتني إلى تلك الأماكن ووضعتني بها.
بناءً على ذلك فإذا كان دخلك الشهري ألف تومان، فيجب أن تدفع لولدك ألفي تومان إن كان ذلك يجعله مسلماً ملتزما بإسلامه، وإن لم تفعل بل قمت بالتبرع للجمعيّة الفلانيّة أو الهيئات المذهبيّة الأخرى تلك الألف تومان أو ألفي تومان، فذلك خلاف الطريق القويم، و خلاف الصراط الصحيح. على الإنسان أن يصرف المال الذي يحصل عليه في مصالحه الشخصية! هل تعلم ما هي المصالح؟ تعني: الكمال، تعني: الإنسانية، شرفُكم، عزُّكم، عصمتُكم، أخلاقُكم، تربيتُكم, وبذلك تكون قد حفظت المال ووضعته في مكانه، وكلّ ما تصرفه في هذا المجال ليس فيه معصية. أمّا إذا لم يكن كذلك، بحيث صرتم تقتّرون على النفقات الصحيحة, ولا تبذلون في الطريق القويم إلاّ مقداراً قليلاً جدّاً وشحيحاً جدّاً, بعيداً عن حفظ العزّة والشرف والعصمة والأخلاق، حينئذ تكونوا قد وضعتموه في غير مكانه الصحيح. {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً}[35] أي: «يا أيّها النبيّ اعلم أنّ الله يبسط الرزق للناس، ويعطي من يشاء أن يوسّع عليه في معيشته، و يضيق على من يشاء أيضاً رزقه».
فحينما يأمر الله الناس بالإنفاق على الآخرين، فهو لأجل امتحانهم أنفسهم؛ ليعلموا هل خرجوا من حالة الخسّة و البخل و الحرص و الشحّ. هل نَظُفت وساخة الحديد وصدؤه؟! هل نُفِض الفحم؟! هل تمّت معالجة الذهب بالـ «ايزوتيك» فأصبح برّاقاً؟! وليس الأمر بالإنفاق لتعيين الأغنياء مصدراً للرزق والرازقيّة!! لا أبداً ليس الأمر كذلك, فليس الأمر بالإنفاق لتحويل الأغنياء باباً للعطاء كي يستجدي الآخرين منهم ويستمدّوا من عطاءاتهم!!! حيث إنّكم تتعبون، وتصبّون عرقكم وتَشْقَوْن، وأنتم قد جلبتم القمح والشعير. فحينما يأمر الله الأغنياء بالتصدّق لا يلتجئ إليهم ليساعدوا خزائننا قليلاً!! وكأنّ الله قد خلق بعض الفقراء في مملكة عالم التكوين ثمّ عجز عن إغنائه، فاستعان بالأغنياء والأثرياء ليعينوه على إعالة الفقراء!! لا.. ليس الأمر كذلك, فالله لا يطلب منّا الإعانة حينما يقول: لا تتركوه جائعاً، و ساعدوه! وكأنّه يطلب من الأغنياء أن لا تريقوا ماء وجهنا!! و لا تهرقنا أمام ذلك الفقير!! لا ليس كذلك! ولكن مثلما تحدّثنا عن ذلك من الأسبوع الماضي وكذلك الآن بشكل إجمالي.

    

حرمة قتل النفس وإسقاط الجنين

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً}[36] قتل الأولاد جريمة كبيرة جدّاً! خطأ كبيرٌ جدّاً! عندما وصلت هذه الآيات إلى نظرنا قلنا: الحمد الله إنّنا لسنا من الأعراب الجاهليّين، حتّى نقتل أولادنا مخافة الفقر والجوع. كان هذا فعل الأعراب الجاهلين؛ حيث كانوا يذهبون ويدفنون بناتهم وهم أحياء في الأرض؛ خوفاً من أن يصبحوا يوماً من الأيام فقراء، فلا يستطيعوا تأمين احتياجاتهم. لا! لا تقتلوا أولادكم خشية الإملاق! قتل الجنين هو قتل للأولاد!!
إسقاط المرأة الحامل لطِفلِها معصية، بل معصية كبيرة! هو قتلٌ للنفس! قتل للنفس المحترمة! قتل المؤمن! لا تفعلوا ذلك خشية الفقر! سيّدي! لديّ طفلين فقط! لدي ثلاثة أطفال وفقط! أيها الوالد: دخلي لن يمكّنني من تعهد مصروفهم! إذا أراد الإنسان أن يعتمد على نفسه لن يستطيع أن يتعهّد حتّى طفلاً واحداً، لن يستطيع أن يتعهّد حتّى نفسه! ولكن إذا اعتمدت على الله فحتّى تعهدّك لمائة شخص سوف يكون قليلاً، كذلك لمائتين سيكون قليلاً! ماذا تقول أيّها الإنسان؟! أين تفكيرك؟!
ذلك الإله الذي لديه سماء يديرها، و أرض يديرها، وشمس يديرها، ومرّيخ يديره، زحل و مشتري و كواكب و أفلاك و سيّارات و أسماك البحر، كلّ ما هنالك من عجائب المخلوقات! فهل ستكون خزائن الغيب مقفلة على أربعة مثاقيل من الأرز، أو نصف «ليتر» من الحليب لهذا الطفل المعصوم؟ هل تتصوّرون أنّ الله لن يستطيع بعد إنجابنا للأطفال أن يعطينا ويرزقنا؟!!

    

أهمّية تكثير النسل واستحبابه عند الله ورسوله

هذه يا سيّدي كلّها تبليغات وثقافة الكفر! على قاعدة: أولاد أقلّ تعني حياة أفضل. حسناً هذه المرأة ماذا تفعل؟ أيجب أن تكون هذه المرأة حاملاً أم لا؟ إذا لم تحمل سيصيبها ألف مرض! المرأة إذا لا تحمل تمرض في كلّ أجزاء جسمها! تأخذ حبّة الدواء فتمرض، تصاب بمرض الأعصاب، تصاب بمرض القلب، تصاب بمرض الجنون، أمراض غير قابلة للمعالجة! النساء الذين يأخذون تلك الأقراص والتي تؤخّر الخصوبة أو تقدّمها كما هو معتاد حيث نجدهنّ كلهنَّ مريضات! يستعملن الآلات حتى لا يتقبل الرحم النطفة، يبتلين أيضاً بأمراض مختلفة! يبتلين بسرطان الرحم! أغلب النساء اللواتي يعانين من أمراض الرحم كسرطان الرحم، بسبب هذه الموانع من الحمل وما شابهها.
والمرأة التي تحيض سلامتها تكون بأن تصبح حاملاً بطفل! المرأة يجب أن تكون حاملاً بطفل!
إنّ المرأة منذ أن تبلغ حتّى تصل إلى سنّ اليأس، يجب أن تكون حاملاً و أن تنجب الأطفال و تولّد، ففي كلّ دورة حياتية ينبغي على المرأة أن تنجب عشرين شخصاً، عشرة أفراد، خمسة عشر فرداً، خمسة أفراد، أيّاً يكن. هذا سبب سلامة مزاج المرأة. أمّا إذا لم تفعل، تصبح المرأة مريضةً! تصاب بمرض الأعصاب، تصاب بمرض القلب، تتورّم كليتها، تهوي!
لماذا أصبح متوسّط الأعمار الآن لا يتجاوز سنّ الخمسين أو الواحدٍ و الخمسين، فيقول: جيّد الحمد الله مضى عمر طويل! وأصبح مسنّاً، لماذا أصبح الأمر كذلك يا سيّدي؟ ألا يستطيع الله أن يتعهّد أمر الأرزاق؟! علينا أن نعترف بأنّ القاعدة الصحيحة هي: أولاد أقلّ حياة مليئة بالأمراض أكثر بل حياة شيطانيّة أكثر! فالأولاد رحمة يا سيّدي!
النبي يقول: بيّضوا وجهي يوم القيامة بمن يقول: «لا إله إلا الله»! فإنّي سأفتخر بذلك الطفل المؤمن الذي سقط بدون اختياره ومات.
لأنّ أباه وأمّه كانا مؤمنين؛ فإنّ هذا المؤمن يوم القيامة يأتي و يجلس قرب الجنّة، ويقف مثل السادة، يضرب يده هنا، عند خصره، و صدره، و يقدم بطنه إلى الأمام. فيقول له الملائكة: سيّدي المولود! تفضّل وادخل الجنّة. فيقول: لا أدخل حتّى يدخل أبي وأمّي قبلي! الطفل السقط يشفع يوم القيامة لأمّه و أبيه!
«تناكحوا، تناسلوا، فأكثروا؛ فإنيّ أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة ولو بالسقط! يقع على باب الجنّة محبنطئاً فيُقال له: أدخل فيقول: لا، حتّى يدخل معيَ أبواي!» نحن نقرأها، ولكن في مقام العمل لا نطبّقها!
نقرأ في المجالس:
قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «النِّكاح سنَّتي، فمن رغب عن سنَّتي فليس مني».
بمن أتزوَّج؟ بمن أتزوَّج؟ وبأيّ شروط؟ {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }[37].
أيّها الرجال! أيّها النساء! يا أولياء أمور الشباب! أعطوا أولادكم لبعضكم البعض، ولا تفكّروا في الفقر! إذا جاء شخصٌ ما يريد ابنتكم ورأيتم أنّه كان فقيراً، أعطوه! ولا تقولوا: من أين تأتي بالمال أيّها الشاب؟! لا تقولوا: من أين تأتي برأس مال؟! {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.
أمّا الآن تفضّل يا سيّدي، ماذا يعمل صهركم؟ من أين يأتي بالخبز؟ ما هو شغله؟ ما هو دخله؟ هل لديه منزل خاصّ به؟ أصلاً، هذا أوّل موضوع يطرح في مجالس الخطبة، فلا يسألون ما مقدار إيمانه؟ ما مقدار تقواه؟ ما هي أخلاقه؟ يا سيّدي، صهرك هل لديه غيرة أم لا؟ هذا الذي أريد إعطاؤه ابنتي هل لديه شرف أم لا؟ هل يستطيع أن يحفظها بعصمة الله أم لا؟ لا يتحدّثون عن ذلك، أبداً! ولكن نحن نقرأ الآية بهذا الشكل: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }. ولكنّنا لا نعتقد أنّنا مخاطبون أيضاً بهذا الخطاب؟!
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} أي: «لا تقتلوا أولادكم !» فإجهاض الجنين هو قتل بل قتلٌ للنفس المحترمة ومن المعاصي التي لا تقبل العفو! لدينا في القرآن المجيد آية تصرّح أنّ الذي يقتل النفس المحترمة {فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا}[38] نعم، سيكون مخلّداً في النار! والآن يريد أن يتنفّس الطفل في رحم أمه، أم لا يريد! هو أصغر من أربعة أشهر، أو أكبر! سواءً أكان علقةً أم مضغةً، أم كان جنيناً! عندما تنعقد النطفة في الرحم، النطفة ذات اليومين التي تقبلها الرحم بعنوان طفل، لا يمكن للإنسان أن يسقطه بأيّ عنوان وأيّة صورةٍ كانت، وبأيّة كيفية كان عليها الطفل. عليك أن تعتني به، لا تخف من الجوع!
هناك آية في القرآن:
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم}[39] هذه الآية التي فيها {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} ما أعجبها! «نحن نعطيكم الرزق، نحن نعطيهم الرزق، الرزق في يدنا نحن» نبسط ما تحت السماء، جميع الصحاري تصبح خضراء، الأشجار تمتلئ ثماراً إلى ذلك الحدّ من الغزارة، إلى ذلك الحدّ من النعمة التي لا يمكنكم إحصاءها أصلاً!
هذه الأرض أينما تكون فإنّكم تنالونها، اضربوا في الأرض فإنّكم سترون: إذا كان الباب مغلقاً، فكلّ شيء بيدنا، تعالوا إلينا نصلح لكم العمل. {إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً}[40].

    

خطورة الزنا بكافّة صوره

{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}[41] لا تقتربوا من الزنى، أصلاً لا تقتربوا! لم يقل: لا تزنوا، لا تقتربوا من الزنى! لا تتخيّلوا الزنى! زنا العين، زنا الأذن، زنا اليد! زنا اليد هو وضع اليد على المرأة التي ليست من محارمك! زنا العين هو النظر! زنا الأذن هو الاستماع إلى المرأة التي ليست من محارمك!
تتّصل اتّصالاً فتتحدّث تلك المرأة معك بخضوع وبشكلٍ رقيق، هذا زنى! هذه المرأة التي تتكلّم بخضوع في التلفون، تقوم بالزنى! زنى السمع! القرآن يقول:
{لا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}[42] النساء اللواتي يردن التحدّث، لا يتكلمَنَّ بشكل خاضع، بل عليهنّ أن يتكلمن بشكل صحيح! الصوت الخاضع للمرأة جذَّاب. فصوت النساء بطبيعته خاضع، نجدها تأتي و ترَقِّقه بشكل أكثر! ألا تفكّر أنّ جهنّم موجودة أيضاً؟ هل تحسب أنّها تستطيع أن تجتاز عن الرقابة الإلهيّة وتتناسى الله؟! {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا}[43] «أولئك الذين يسلّمون أجسادهم للمعاصي وللسّيئات يتخيّلون أنّهم يتقدّمون علينا ويسبقونا ويختفون ويهربون من قبضتنا، لا!» {سَاء مَا يَحْكُمُونَ}[44].
لا تذهبوا قرب الزنا؛ لماذا؟ {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} وعمل قبيح جدّاً، الفاحشة قبيحةٌ جدّاً! تصرّف سيّئ جدّاً! {وَسَاء سَبِيلاً} أي: طريق سيّء، فالزنى طريق سيّء، هذا الطريق سيّء، هذا الطريق يُذهب العصمة والعفّة، يُذهب النسب، يلغي العواطف، يمحو الإنسانيّة، سيّءٌ جدّاً! لا تمشوا في هذا الطريق.
{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ}[45] ماذا يعني ذلك؟ عندما يقتل الإنسان، فيجب أن يكون جزاءه القتل، فهنا إذا قتل الإنسان النفس المحترمة فيقتل بحقّ؛ و كذلك إذا قام بجنايةٍ يحكم فيها حاكم الشرع أنّه يجب قتله بسببها في القانون الإسلامي، كما إذا ارتدّ مثلاً، فلم تعد نفسه هذه محترمة، يصدر به حكم القتل بسبب الارتداد، أو الإفساد في الأرض وأمثالها. «لا تقتلوا النفس المحترمة، سواءً نفسكم أو نفس غيركم!».
ليس للإنسان في الشريعة الإسلاميّة الحريّة في قتل نَفسِه، شَبِعتُ من نفسي، وأريد أن أقتل نفسي، لم يُعطَ للإنسان مثل هذا الحقّ. فإذا انتحر الإنسان فإنّه يدخل جهنّم مخلَّداً! لأنّ الإنسان لا يملك نَفسَه. وذلك مختصّ فقط بالقانون الإلهي!
لا يُحرِّم أي قانون من قوانين الدنيا الانتحار، عندما يقدم شخصٌ على الانتحار، فأيّ قانون يستطيع أن يمنعه؟ هو انتحر و قتل نفسه! والقوانين الظاهريّة لا تتكفّل بأمر الباطن ولا تستطيع فعل ذلك. ليس هناك أي قانون من القوانين الظاهريّة يتكفّل بالباطن. إنّ قانون الباطن أمر آخر يقول: أيّها الإنسان أنت لا تملك نفسك، ولست تملك أي شيءٍ آخر! إنّ من يملكك و يملك سائر الأشياء هو الله، و هو تعالى لم يعطك الإجازة كي تنتحر، فقال: إذا قمت بقتل نفسك فجزاءك الخلود في جهنّم!
{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ} نفس الإنسان بالنظر إلى ذاته هي نفس محترمةٌ أيضاً، ونفوس الآخرين هي أيضاً نفوس محترمة، وبالتالي لا يستطيع الإنسان أن يَقتُلَ {إِلاَّ بِالحَقِّ}.
{وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}[46] «إذا قُتِل إنسانٌ ما، وكان قتله بدون سبب شرعي، فإنّنا نعطي لوليّه ولولي دمه القدرة والسلطان بأنّه يستطيع قتل القاتل، وهو حقّ القصاص» {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}[47].
{فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} الآن هذا الشخص هو القاتل، فعلى ولي الدم أن يقتل القاتل فقط، لا أن يذهب و يقتل أخاه أيضاً ويقتل زوجته! حتّى وإن كان لديه القدرة، فيذهب ويقتل كلّ الأشخاص العشرة المرتبطين بالقاتل فيقتلهم جميعاً، أو يقتل جميع الناس! هذا ليس من حقّه، فلا يسرف في القتل، بل يقتل القاتل فقط، فوليّ الدم إنّما يستطيع أن يقتل القاتل فقط.
{إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} أي: «إنّ ذلك الشخص الذي قُتِل مظلوماً والذي عُذِّب، هو موردٌ لنصرنا» ونحن عندما أعطينا لوليّ دمه حقّ الولاية، فإنّنا قد نصرناه لكي يأخذ ديّة دمه.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[48] هنا أيضاً لم يقل: لا تأكلوا مال اليتيم، بل قال: لا تقتربوا من مال اليتيم إلاّ في حدود ما لا بدّ منه كي تحافظوا على ماله, بحيث لو لم تتصدّوا لإدارته فسوف يضيع مال اليتيم ويتلاشى!
إذا مات أحد الآباء وترك مالاً لطفله الصغير، فإذا لم يقترب أحد من هذا المال ويتصدّى لإدارته فإنّ هذا المال سوف يتلف، والطفل لا يستطيع أن يدير ماله بنفسه، عندها يجب أن يقوم القيّم أو ذلك الوصيّ أو المجتهد الجامع للشرائط، وفي حال عدم وجود أحد من المؤمنين العدول فيجب على فسّاق المؤمنين أن يديروا ذلك المال. ولكن كيف؟ {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} «بأفضل قسم من الأقسام».
فإذا ترك الوالد سجّادةً لذلك الطفل، عليه أن يرى ما هي الطريقة التي من خلالها يستطيع أن يحافظ بها على السجّادة؟ فإذا رأى أنّ ترك السجادة حتّى يبلغ الطفل أفضل، فيتركها. أمّا إذا رأى أنّه إذا تركها إلى سنّ البلوغ فإنّها ستتلف فيبيعها، ويستبدلها بشيء آخر لا يتلف إلى ذلك الزمان.
إذا يريد المتاجرة بمال ذلك الطفل، فإنّ عليه المتاجرة بتجارةٍ لا تخسر عادةً، أو خسارتها قليلة جدّاً، وربحها أكثر، فيأخذ دائماً حصّة و منفعة الطفل بعين الاعتبار. وعليه أن يراعي مصالحه هو أيضاً. فإذا مات شخص ما، فعلى الإنسان أن يذهب إلى بيت ذلك اليتيم وأن يسكن معه، وقد يتصرّف في أيّ جزء من الأثاث فيستخدمه، فإذا كان هذا الاستخدام بالنحو الأحسن و في صلاح الطفل، فليس هناك أية مشكلة في ذلك.

 


[1] ـ سورة الإسراء (17) الآية 22.

[2] ـ سورة الإسراء (17) ذيل الآية 39.

[3] ـ سورة الإخلاص (112) الآية 1.

[4] ـ سورة الإنسان (76) – صدر الآية 1.

[5] ـ سورة الغاشية (88) الآية1.

[6] ـ سورة التوحيد – الآية 1.

[7] ـ سورة اللّيل(92) – الآية 1.

[8] ـ سورة الغاشية (88) الآية 1.

[9] ـ سورة الشمس (91) – الآية 1.

[10] ـ سورة الأعلى (87) الآية 1.

[11] ـ سورة النازعات (79) صدر الآية 1.

[12] ـ سورة المطففين ( 83) الآية 1.

[13] ـ سورة النبأ (78) صدر الآية 1.

[14] ـ سورة المزمل (73) الآية 1.

[15] ـ سورة المدثر(74) الآية 1.

[16] ـ سورة الملك (67) صدر الآية 1.

[17] ـ سورة المنافقين (63) قسم من الآية 8.

[18] ـ سورة الإسراء (17) صدر الآية 23.

[19] ـ سورة الإسراء (17) ذيل الآية 23.

[20] ـ عندما كنت شاباً قال لي شخص: إنّ الأسد إذا أصبح كبيراً في العمر فإنّه يبقى أسداً

[21] ـ وعندما أصبحت كبيراً في العمر رأيت أنّ الأسد عندما يصبح كبيراً في العمر فإنّه يبقى كبيراً في العمر.

[22] ـ سورة الإسراء (17) صدر الآية 24.

[23] ـ سورة الإسراء (17) ذيل الآية 24.

[24] ـ سورة الإسراء (17) الآية 25.

[25] ـ سورة الإسراء (17) صدر الآية 26.

[26] ـ سورة البقرة (2) الآية 180.

[27] ـ سورة الإسراء (17) صدر الآية 100.

[28] ـ سورة الإسراء (17) ذيل الآية 26.

[29] ـ سورة الإسراء (17) صدر الآية 27.

[30] ـ سورة الإسراء (17) ذيل الآية 27.

[31] ـ سورة الإسراء (17) ذيل الآية 27و الآية 28.

[32] ـ بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 100 ص 243 ثواب الأعمال: أبي عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: من أطاع امرأته أكبّه الله على وجهه في النار ، قيل: وما تلك الطاعة ؟ قال: تطلب إليه أن تذهب إلى الحمّامات وإلى العرسات وإلى النايحات والثياب الرقاق فيجيبها. (المترجم).

[33] ـ سورة الأعراف (7) قسم من أية 38.

[34] ـ سورة الإسراء (17) الآية 29.

[35] ـ سورة الإسراء (17) الآية 30.

[36] ـ سورة الإسراء (17) الآية 31.

[37] ـ سورة النور (24) الآية 32.

[38] ـ سورة النساء(4) قسم من الآية 93.

[39] ـ سورة الإسراء (17) صدر الآية 31.

[40] ـ سورة الإسراء (17) ذيل الآية 31.

[41] ـ سورة الإسراء (17) الآية 32.

[42] ـ سورة الأحزاب (33) قسم من الآية 32.

[43] ـ سورة العنكبوت (29) صدر الآية 4.

[44] ـ سورة العنكبوت (29) ذيل الآية 4.

[45] ـ سورة الإسراء ( 17) صدر الآية 33.

[46] ـ سورة الإسراء (17) ذيل الآية 33.

[47] ـ سورة البقرة (2) صدر الآية 179.

[48] ـ سورة الإسراء (17) صدر الآية 34.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً
      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی