معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1432 هـ > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1432 هـ - الجلسة الثانية: تأثير العامل الزماني في ملكوت العبادة

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

المحاضرة الثانية


تأثير العامل الزماني
في ملكــــوت العبـــــادة

ألقيت هذه المحاضرة في الليلة الرابعة من ليالي شهر رمضان المبارك من العام 1432 هـ

ألقاها:

سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني

حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين

"وَقَدْ رَجَوْتُ أَنْ لاَ تُخَيّبَ بَيْنَ ذَيْنِ وَذَيْنِ مُنْيَتِي، فَحَقِّقْ رَجَائِي وَاسْمَعْ دُعَائِي‏، يَا خَيْرَ مَنْ دَعَاهُ دَاعٍ وَأَفْضَلَ مَنْ رَجَاهُ رَاجٍ‏".

    

الصلاة والصوم ومجالس الذكر لها أثر تكويني واقعي

تحدثنا للرفقاء في الليلة السابقة قليلاً عن بعض خصوصيّات شهر رمضان المبارك، وبيّنا أن هذا الشهر هو شهرٌ منّ به الله تعالى علينا لإيجاد المعدّات والاستعدادات لأجل تخلية القلب عن كل ما سواه، وهناك حديث قدسيّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الله تعالى قال: "الصوم لي وأنا أجزي به"؛ أي أنا الذي أتولّى إعطاء الجزاء على الصوم، كما كان المرحوم العلامة يقول بأنّه يمكن تفسير هذا الحديث بمعنى آخر: وهو أن الصوم لي وأنا أُجزَى به؛ أي أنا أكون ثواباً للصائم، فالمعنى الأول يُقرأ أنا أَجْزِي به، والثاني أنا أُجزَى به، يعني أنّني أنا أعطي ثواب الصائم، أو أنني أنا الذي أكون ثواباً للصوم.
والسبب في ذلك هو أنّه رغم أنّ الإنسان عندما يكون في الصلاة فإنّ التفاته يكون إلى الله تعالى، و ليس ذلك منحصراً في مورد الصلاة التي ورد التأكيد عليها؛ حيث ورد أنّ (الصلاة خير موضوع ... إنْ قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها)، وهذا يعني أن الصلاة أفضل تكليف كلّف الله به العباد، بحيث أنّه إذا قُبلت منه هذه الصلاة قُبل منه سائر أعماله الأخرى، وهذا القبول ليس قبولاً تشريعياً، بأن يقول الله تعالى بما أنّك صلَّيت بحضور القلب فسائر أعمالك مقبولة حتّى لو كانت باطلة، فهذا الكلام خاطئ وغير صحيح، بل هذا القبول قبولٌ تكوينيّ، بمعنى أنّه عندما تُقبل الصلاة فإنّ ذلك يؤثّر تكويناً في النفس، وعلى ضوء ذلك تتغيّر النفس وتتحوّل وتتقرّب إلى حريم الله تعالى، والنفس عندما تتحوّل فهذا يعني أنها انتقلت من أفق إلى أفق آخر، هذا هو معنى الصلاة. فعندما تصلّي مع حضور القلب وتشعر بالقرب في نفسك، فهذا القرب عبارة عن قبول سائر الأعمال، فلا تتمكّن من الكذب مع وجود هذا القرب..
هل اختبرتم أنفسكم في هذه المسألة؟! إنشاء الله لا يحصل أن يكذب الإنسان.. أو يقوم ببعض الأعمال الخاطئة، سواء عند الصلاة أو عند غيرها من الأوقات.. فهذا الأمر خطأ، لكن يمكن للإنسان أن ينظر ويرى: في أيّ الحالات يكون لديه استعدادٌ أكبر في نفسه: هل يكون ذلك عند ارتكابه لأمر خاطئ أو قيامه بعمل باطل؟! اختبروا أنفسكم في ذلك، فهو جيد، إذ يمكن للإنسان أن يحصل على المعايير بذلك، ويصير خبيراً في هذا الفنّ، فمفتاح الحركة للإنسان إنّما تحصل من هذه الأمور، ولا يمكن أن تحصل من خلال قراءة الكتب أو الاستماع للمحاضرات، بل لا بدّ من حصول الإنسان عملاً على هذا الإحساس.
أترون في مجالس التوسّل ومجلس سيّد الشهداء ومجالس الأئمّة كيف تحصل للإنسان حالة من الرقّة أكثر؟ "وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" ومن لدينا أكثر صلاحاً من المعصومين؟ عندما يرِد اسم الإمام السجاد ينقلب حالنا بشكل معيّن، ما السبب في ذلك؟ علماً بأن لفظ >السجّاد< عبارة عن سين وجيم وألف ودال، فلماذا إذن يحصل لدينا حالة معينة عند ذكر الإمام السجّاد؟ هذه الحالة هي عبارة عن >تنزّل الرحمة<، فعندما يرد اسم الإمام السجّاد تنزل الولاية المتضمّنة في هذا الاسم، الولاية هي التي تقف وراء هذا الاسم، ويوجد وراء هذا الاسم الحقيقة المعنوية والقدسية لهذا الإمام، وعندما نذكر الإمام الباقر يحصل لنا رعشة، ما السبب في هذه الرعشة؟ السبب فيها هو تنزّل الرحمة، إنّ رحمة تلك الولاية العامة للإمام الباقر عليه السلام هي التي تأتي وتستوعب كل شيء، عند ذلك نرى هل يمكننا أن نأتي على ذكرهم بهذا اللسان؟ يخجل الإنسان من نفسه..
عندما يرى الإنسان الحقائق القدسيّة الموجودة في هذه الأسماء، ومع ذلك نأتي بذكر أسماء الإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الرضا على ألسنتنا وكأنّنا ننادي عمتنا وخالتنا وخالنا.. والحال أننا عندما نريد أن نذكر بعض الأسماء التي لا تساوي شيئاً نذكرها بألف لقب ولقب، عندما نجري هذا الاسم على لساننا، أو عندما نذكر اسم الإمام الهادي عليه السلام نرى أننا ذهبنا واضمحللنا ولم يعد لنا باقية، لأن اسم الإمام الهادي هو الذي ورد، وعندما يرد اسم الإمام الهادي ماذا يحصل؟ تنزل الرحمة. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الأولياء الإلهييّن والعرفاء بالله فإنّ الرحمة تنزل مع حقيقتهم بمقدار سعة وجودهم، تأتي هذه الرحمة وتستوعب المكان بأكمله.
هذه الرحمة الإلهيّة في شهر رمضان المبارك أقوى منها في غيرها من الشهور، طبعاً لدينا العديد من الليالي، مثل: ليلة النصف من شعبان ورجب وليالي الأعياد والغدير وغير ذلك.. فإن كلاً منها ضمن حدودها ومكانتها لها خصوصيتها الخاصة، فالحالة التي تحصل للإنسان في ليلة الغدير لا تحصل له في ليالي شهر رمضان، بل هي نوع آخر، وهي تعمل على إشباع النفس من جهات مختلفة وأفق آخر، فما هو مرتبط بشهر رمضان إنّما هو من جهات أخرى، وجميع تلك الأمور لها خصوصيّات مختصّة به، فليلة النصف من شعبان تختلف عن ليلة الغدير، إذ لكلّ منها خصوصيّتها.

    

هل نقرأ جميع الأدعية والزيارات في أيّ وقت كان وبأيّ طريقة كانت؟!

قام أحد الرفقاء والأصدقاء في حياة المرحوم العلامة... ـ والأمور في جميع الأوقات متساوية لا تختلف ـ نعم.. عندما تشرفنا بالذهاب إلى الحجّ لأوّل مرّة ولم يكن عمري قد تجاوز السابعة عشر آنذاك، توجّه المرحوم العلامة لأحد أصدقائه الذين كانوا من روّاد المسجد لا من أصدقائه السلوكيّين، وقد توفي ذلك الرجل، و قد كان معنا في ذلك السفر وكان يتمتّع بصوت جميل حزين ملائم للدعاء، وقد طلب السيّد العلاّمة منه أن يقرأ صباح كل يوم >دعاء الصباح<...
عندما تشرفت بزيارة الإمام الرضا قبل أسبوعين، دخلت مرة من المرات حرم الإمام الرضا فرأيت رجلاً جالس مع بعض الأشخاص يقرأون زيارة عاشوراء، فقلت له: سيدي الكريم.. ليس هنا مكان زيارة عاشوراء، زيارة عاشوراء صحيحة وجيّدة ومهمّة لكن ليس المكان مكانها، بل الليلة ليلة عيد!! وزيارة عاشوراء لا ربط لها بالعيد، فهل كلّ ما كان فيه اسم الإمام الحسين يجب أن تقرأه.. الليلة ليلة عيد اذهب واقرأ الزيارة الجامعة اقرأ زيارة أمين الله أو زيارة عالية المضامين.. لدينا ألف زيارة أخرى، أما زيارة عاشوراء فليس الآن موضعها.
البعض يعتقد بأنّ كل ما هو موجود إنّما هو في البكاء فقط واللطم والنياح، يقرأ الرجل دعاء فتراه يشهق ويتباكى، يا عزيزي اقرأ الدعاء والدعاء ليس فيه شهشقة، فهل كل ما ورد من دعاء عن الأئمة يجب أن يكون في حالة من الغمّ والحزن؟ كلاّ ليس الأمر كذلك.
عندما نظَم المرحوم العلامة تلك القصيدة المعروفة عن الإمام الحسين عليه السلام، إنّما نظمها في السنة الأولى التي عاد فيها من النجف إلى طهران، وكان ذلك قبل أيّام من الثالث من شعبان، وبناء على ما ذكره للحقير، فإنّه عندما كان يقرأ هذه القصيدة فيما بعد كان يصاب بحالة بحيث لم يكن يرى أنه هو الذي يلقي.. ومن المعلوم أنّ هذا الشعر إنّما نظم في حالة من البهجة والسرور وإحاطة الولاية بجميع العوالم العلويّة والسفليّة، وهو شِعر عجيب فعلاً حيث جمع فيه جميع عوالم الملك والملكوت وجميع العالم في خصوص سيّد الشهداء، وتخلّص في نهاية القصيدة بقوله بأن الذي نظم هذه الدرر النادرة إنما هو تراب الطريق المؤدية إلى منزل الحسين..
وقال المرحوم العلامة بأنّه أقام احتفالاً مهيباً في الثالث من شهر شعبان، وكان يطبع أوراق دعوة له، ولا تزال بعض الآثار من هذه الدعوات.. يقول بأنّه كان هناك أحد الخطباء في تلك الليلة ـ ولا أعرف ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة أم لا ـ وكان سيداً وخطيباً بليغاً وجذّاباً، وبعد ذلك كان يصعد المرحوم جدّي السيّد معين ويقرأ بعض الأبيات ثم ينقضي المجلس.. فطلب المرحوم العلامة من السيّد معين أن يقرأ هذه القصيدة على المنبر في تلك الليلة، وكان الخطيب بسبب بلاغته وجاذبيّته الشديدة للناس وكأنّه قد أنهى المجلس بعد انتهاء كلامه، فقد أنهى المجلس بحيث لم يبقَ مجالٌ لأيّ شخص آخر، بمعنى أن المجلس قد انتهى، فالتفت السيّد معين إلى المرحوم العلاّمة وقال له: لم يبق هناك مجال لإنشاد هذه القصيدة..

    

خلاصة التحقيق في مسألة الفقرة الأخيرة الملحقة بدعاء الإمام الحسين يوم عرفة

تذكرت الآن مسألة دعاء سيد الشهداء في يوم عرفة، وأنا كنت أعتقد منذ مدّة بأن التتمّة اللاحقة بالدعاء ليست من دعاء الإمام، ولكني كنت أبحث عن الدليل على ذلك، فإذا دققتم النظر في الدعاء ستلاحظون بأنّ الإمام أَنهى الدعاء بعبارة يا ربّ يا ربّ يا ربّ... واستمرّ يقول ذلك إلى أن غربت الشمس، ثم تحرّك الإمام من عرفات نحو المشعر الحرام، تلاحظون أن الدعاء قد انتهى بقوله يا ربّ يا ربّ، وكأنّ الإمام أنهى المطالب التي يريد أن يقولها دون أن يُبقي شيئاً منها.
لكنّ المرحوم صاحب مفاتيح الجنان أضاف بعد هذا الدعاء بعض الفقرات الأخرى الموجودة في إحدى نسخ الإقبال للسيّد ابن طاووس دون غيرها من النسخ، وعندما تكون موجودة في نسخة واحدة فقط دون سائر النسخ نعرف بأنها مضافة، وهذا واضح من الناحية الفنيّة، والحال أن فقراتها هامّة جداً ومضامينها عالية، لكنها لا تنسجم مع المطالب التي ذكرها الإمام في الدعاء خاصّة أنّه أنهاه بكلمات يا رب يا رب، فكيف يأتي بعد ذلك ويبدأ من الأول بعرض بعض المطالب العالية؟! .. هذا لا ينسجم من الناحية الأدبيّة والبلاغيّة، حيث لا يصح أن ينهي الإنسان مطالبه بهذا الشكل ثم يشرع مجدداً بطرح مضامين أخرى في توصيف الله تعالى وتحميده وتمجيده!!
وبقيت كذلك إلى أن التفتُّ إلى أن هذا الدعاء لا يرتبط أساساً بدعاء يوم عرفة، ويرى بعض المحققين بناء على ما قاموا به من تحقيق ومراجعة المخطوطات الموجودة في خارج إيران ولعلّه في لندن في جامعة >هارفرد< والتي كانت قد نُسخت في زمن ابن طاووس أنّها تخلو من هذه الزيادة.. وبعد ذلك وقفت على أن المرحوم العلامة قال بأن هذه الفقرات تعود إلى ابن عطاء السكندري الذي كان من العظماء وأهل المعنى وكانت لديه مناجاة وردت هذه الفقرات في ضمنها، وأعتقد بأن هذه الفقرات خصوصاً مستفادة من كلام أحد المعصومين ومأخودة منها ومصاغة بهذه الصياغة، لأنّك عندما تقرأ هذه المناجاة [التي ألّفها ابن عطاء السكندري] تشعر بأن فقراتها غير متّسقة فيما بينها، بمعنى أنّ بعض الفقرات منه وبعضها الآخر ليس منه، بل من المعصوم، إذ لا يمكن أن تصدر إلاّ من المعصوم.. هذه الفقرات مرتبطة قطعاً بالإمام عليه السلام، غاية الأمر أنّها كسائر الأدعية التي خفيت علينا ولم تصل إلى أيدينا ووصلت إليه، فجعلها ضمن مناجاته، هذا ما أراه، وإن كنت لا أزال أبحث في هذا الموضوع حتّى أصل إلى منشأ هذه الفقرات وهذا الدعاء، نعم.. كان المرحوم العلاّمة يشكك بنسبة هذه الفقرات إلى دعاء عرفة، إلاّ أنّه في كتاب معرفة الله قطع بعدم كونه من الدعاء.
... كان المرحوم العلاّمة يقول لذلك الشخص أن يقرأ دعاء الصباح صبيحة تلك الأيّام... فحتّى لو كان الإنسان في المدينة المنوّرة، فهل ينبغي أن نضرب على رؤوسنا في المدينة، لماذا نضرب على رؤوسنا في المدينة؟ وبشكل عام علينا أن نعيد النظر في طريقة تفكيرنا في هذه الأمور.

    

على الإنسان أن يقصر نظره على النبيّ والإمام والوليّ وحسب

في يومٍ من الأيّام كنّا في مسجد القائم وكان هناك عالمٌ فاضل وكان العلاّمة يدعوه دائماً للتحدّث على المنبر، وعندما كان ينزل من المنبر كان يجلس أحياناً قرب الوالد، وفي مرّة من المرّات كنتُ أنا موجوداً حين نزل عن المنبر في أيّام عاشوراء، و [في أثناء حديثه] قال بأنّه لم يكن لديه حالٌ للزيارة في مسجد النبيّ أبداً، فعندما يذهب الإنسان إلى هناك وتقع عينه على ذينك الرجلين لا يعود لديه حال للدعاء ولا للزيارة...
سيّدي العزيز لماذا تنظر إلى هذين الرجلين هناك؟ فعندما تصل إلى الذهب والتبر المصفى.. لماذا تدع عينيك تحيد عنه؟! لماذا تراهما ولا ترى النبيّ الذي هو أوّل من خلق الله؟! لماذا لا تقطع العين عمّا سوى عظمة وعّزة وجلالة رسول الله؟! لماذا تنزل من قدرك ومقامك حتّى ترى هذين الرجلين؟! بل انظر إلى النبيّ.. انظر إلى فاطمة الزهراء المدفونة قطعاً قرب النبيّ، لأنّك إذا نظرت إلى هؤلاء لا يمكنك بعد ذلك التوجّه إلى رسول الله أبداً، والدعاء الذي تقرأه ليس دعاء، والزيارة التي تقوم بها ليست زيارة؛ لأن التفاتك منحصرٌ في أن هذين مدفونين هنا.. فليكونا مدفونين هنا، لا ربط لك بذلك، لماذا عليك أن تلتفت إليهما؟!
إنّ هذا المنطق هو نفس منطق ذاك الرجل الذي كان يأتي إلى منزل السيّد الحداد ويشاهد هناك شخصاً يرى أنّه غير صالح، فيقوم ويبدأ بالكلام والصراخ ويقول: لماذا أتى هذا الرجل، ولماذا يفتح له الباب أصلاً؟!
لكن ما دخلك أنت بذلك؟ فهل هذا المنزل منزلك؟! وهل أنت المسلط على هذا المنزل والحارس له؟! بل عليك أن تأتي وتستفيد من هذا المجلس ومن وليّ الله.. لماذا تنظر إلى هذا وذاك؟! عندما يكون وليّ الله موجوداً في المجلس، فلماذا تنقل عينك هناك وهناك، ولماذا تشغل ذهنك بالآخرين؟
من الذي كان يأتي إلى منزل النبيّ في حياته؟ ألم يكن هذان يأتيان إلى منزل النبيّ؟ متى شاهدنا أمير المؤمنين عليه السلام قام واعترض على رسول الله بقوله: يا رسول الله لماذا جاء هؤلاء ودخلوا المنزل، فليخرجوا ولنجلس سويّاً؟ من الذي فتح الباب أمام عبد الرحمن بن عوف وفلان وفلان؟ لم يكن الإمام عليّ يتحدث في ذلك أبداً، ولو أتى ألف شخص كأبي بكر وأمثاله وجلس إلى جانب النبيّ، فإنّ عينه كانت ستظلّ مغمضة عنهم، بل كان يرى شيئاً واحداً فقط وكان يتوجّه إلى نقطة واحدة.. وهذه المسألة مهمّة جداً من الناحية السلوكيّة، ليست المسألة مزاحاً، بل هذا سرٌّ من الأسرار، وهو أن عليّاً كان ينظر من منظار واحد فقط، ولو كان عليّ ينظر إلى الآخرين لكان قد خسر، بل كان جميع قلبه متوجّهاً نحو النبيّ، ولو كان بدل هذين الاثنين ألف شخص آخر أو مليون، فالقلب مغلق لا يوجد فيه سوى هدفٌ واحدٌ لا غير.
يقال بأنّ الصقر عندما يريد أن يصطاد فريسة، فحينما تقع عينه على فرسيته لا تتحرّك عينه عنها أبداً، حتى لو كانت متحرّكة، بل ينقض عليها مباشرة، ويسمّر عينه عليها فقط.. أمير المؤمنين عندما كان يأتي إلى منزل النبيّ كانت عينه تنصبّ فقط على النبيّ، هذا هو السرّ في صيرورة عليٍّ عليّاً، هذا هو السرّ الذي جعل من أميرِ المؤمنين أميرَ المؤمنين، حيث لم يكن ينظر إلى غير النبي.
بعضهم يأتي ويتحدّث إلى الرجل، وتراه أثناء الحديث ينظر هنا وهناك، يا أخي أنا أتحدّث معك.. فلماذا تنظر هنا وهناك وإلى الأعلى والأسفل وإلى من أتى ومن ذهب.. ما هذا؟ هذا خطأ وبلا فائدة وليس هناك من نتيجة ترتجى من ذلك أبداً، لماذا؟ لأنّ القلب متوجّه إلى من أتى ومن ذهب، والقلب مفتوح لمن يريد الدخول إليه، هذا لا فائدة فيه، بل يجب أن يكون القلب في نقطة واحدة، لذا نرى أن المرحوم العلاّمة الذي كان تلميذ هذا الأستاذ كان مثل عليّ يركّز نظره على هدف واحد، ولهذا صار العلاّمة الطهرانيّ، بينما ذاك [الشخص المعترض] صار مطروداً، ذاك لم يصل إلى السرّ ولم يأخذه، لكنّ العلامة الطهراني أخذ السرّ وعمل به.
وهذا المنطق بعينه يمكنكم أن ترونه هنا.. فذاك الرجل كان يقول: عندما ذهبنا إلى مسجد النبيّ لم يكن لدينا حالة للزيارة والدعاء، وحيثما ذهبنا كنا نرى هذين فكانت حالتنا تنقلب لذلك.. !! وكان المرحوم العلاّمة يضحك لهذا الكلام.
أمّا مدرسة المرحوم العلامة ومدرسة الولاية فكيف تتعامل مع المسألة؟
ذلك الرجل كان يبكي على الإمام الحسين أيضاً، وكذلك كان يذكر مصائب السيّدة الزهراء عليها السلام ويبكي لها، وكان يقرأ العزاء ويقيم المجالس بشكل تامّ مثلهم أيضاً، لكنّ الفرق هو أنّه فارغ من الداخل مثل الفقاعة!! فأنت الذي تبكي لماذا عندما تذهب إلى هناك لا تقع عينك على السيدة الزهراء؟ من هنا يُعلم أنّ كان فارغاً من الداخل.
فمن الذي لديه محتوى إذاً؟ إنّ الذي لديه محتوى هو المرحوم السيّد الحداد الذي كان يقول ـ وكان قد تشرّف بالذهاب إلى الحجّ مرّة واحدة ـ عندما كنت أدخل مسجد النبيّ كانت عظمة الصديقة الكبرى تستحوذ عليّ بحيث أني لم أعد أفهم ما كان يحدث معي حتّى أخرج من المسجد، هذا الذي لديه محتوى، انظروا كم هو الفرق بينهما!
الفرق بين هذه المدرسة وهذا المنهج ـ وهي مدرسة شيعيّة تقيم الشعائر ومجالس العزاء واللطم وهي ليست مدرسة سنيّة، لكن ثقافتها مختلفة وتعاليمها متفاوتة تماماً ـ أنّ ذاك يقول: إن عظمة الصديقة الكبرى كانت تسيطر عليّ، بينما هذا يقول: عندما كنت أدخل وكانت عيني تقع على هذين الرجلين الفاسدين كنتُ أفقد حالة الدعاء والزيارة والذكر.
كان المرحوم العلامة يقول في دستوراته: عندما تذهب إلى مسجد النبيّ فكّر برسول الله فقط دون غيره، وعلينا أن نرى أن السيّدة الزهراء تحت ظل الرسول الأكرم. ولكنّ الإنسان يتعجب من الأفق الذي يتم الحديث فيه بين الناس.. الله تعالى هو الشاهد على أنّي عندما كنت في السفر الأخير الذي تشرفت فيه بالذهاب إلى المدينة لم يأت إلى فكري أبداً أن هذين الرجلين موجدين هناك، لم أفكر بذلك إطلاقاً، نعم أحياناً كان يأتي الكلام عنهما، ولكن خارج المسجد لا في داخله، هنا يوجد رسول الله، فبماذا تريد أن تفكّر؟ وإلى ماذا تريد أن تنظر؟ عندما يكون رسول الله موجوداً هناك يعني أن الكلّ موجود، ماذا يقول حافظ؟ حافظ يعطينا هذا الدستور:

نيست بر لوح دلم جز ألف قامة يار
                              چه كنم حرف دگر ياد نداد استادم

(يقول: لا يوجد في لوح قلبي إلاّ الألف التي في قامة الحبيب
***
وماذا أفعل إن لم يكن أستاذي قد علّمني غير ذلك؟)


نعم إنّ ما أراه أمامي هو قامة الحبيب فقط، وأمّا الآخرون فلا أعتبرهم أبداً مهما كانوا، فليكن مع النبيّ عشرة أشخاص آخرين فلا دخل لي بذلك، ولو كان وحيداً فلا علاقة لي بذلك، وكذا لو كان لديه الكثير من الأشخاص.. لا علاقة لي بذلك. بينما نحن نفعل خلاف ذلك، فعندما يكون المجلس مزدحماً نقول: الحمد لله اليوم المجلس جيّد، فقد حضر الكثير إلى المجلس، وصار الذكر كثيراً، لكن إذا حصل أن أتى القليل من الناس لسبب أو لآخر نقول: في النهاية علينا أن نقوم بتكليفنا في إقامة المجالس.. ما هذا؟ هذا عبارة عن النظر إلى الكثرات، والكثرات: {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء} ، فعندما نعتلي المنبر ونرى أن الناس كثيرون نقول: جيّد.. جيّد، لكنّ هذا سراب!! هل تريد البرهان على ذلك؟ انظر ما يحصل عندما تقع أيّة هزّة بسيطة؛ سترى كلّ هذه الأعداد قد ذهبت مع الريح، لتصبح في النهاية خمسة أشخاص.

    

قصّة سفير الحسين مسلم بن عقيل وعلّة نقض أهل الكوفة للبيعة

ما هي قصّة مسلم بن عقيل؟ ما هي قصّة حضرة مسلم بن عقيل؟ (ينبغي أن نقول حضرة مسلم بن عقيل وأن نتكلّم عنه بكلّ احترام) .. ما هي قصّة حضرة مسلم بن عقيل؟ ألم يحصل معه عين الذي ذكرناه؟! ولكنّ مسلم لم يكن ينظر إليهم ولم يعتنِ بهم، وهذا هو الفرق بينه وبيننا، لأنّه كان سفير الإمام، وكان الإمام هو الذي يقف خلفه، في ذلك الوقت جاءت الكوفة بأكلمها وبايعته.. بايعته !! يعني أعطوا العهد بأنّ يقفوا معه إلى آخر رمق في الحياة، وهذا هو معنى البيعة، فالبيعة التي كانت تحصل بين العرب في ذلك الزمان كانت على هذا النحو، يعني: أنا حاضرٌ إلى آخر رمق في الحياة، وإلاّ فلا يبايع. ولذا كانوا يقولون في بعض المواطن: وهل يصحّ أن ننقض البيعة؟! مثلاً في بعض المواقف تطلب منه أمراً، يقول: أنا بايعت ولا يمكن لي أن أنقض البيعة، لأنّه عمل قبيح ومعيب ومخالف مع العُرف العربيّ، ومخالف للثقافة والشخصيّة والشؤون العربيّة.. فأنا بايعت.
وللأسف هؤلاء الخونة كانوا قد بايعوا حضرة مسلم بن عقيل بهذا النحو، أي أنّهم لم يقتصروا على القبول به وحسب، بل بايعوه! لكن بعدها بدأت شائعة تسري أنّ هناك جيش من الشام قادم، فبدأ الخوف والتزلزل، وما شاء الله .. أتمّ حضرة مسلم صلاة العشاء ولم يكن خلفه حتّى رجلٌ واحدٌ، بل جميعهم قال: في أمان الله، فلم يبق حتّى رجلٌ واحد!! وهذا الأمر عجيبٌ جداً!! فبعد النبيّ صلى الله عليه وآله، كان هناك ثلاثة أفراد أو أربعة تبعوا أمير المؤمنين عليه السلام، لكن لم يبقَ مع حضرة مسلم ولا حتّى رجل واحد، لم يبقَ معه أربعة، وهذه المسائل لا ينبغي أن يضحك الإنسان عليها، بل عليه أن يفكّر ويتأمل فيها، فيبدأ بالتساؤل ما هي حقيقة المسألة؟ ما الذي جعل ثلاثين ألفاً في الكوفة يبايعون حضرة مسلم، ثمّ لا يجد من هؤلاء بعد صلاة العشاء ولا حتّى رجلٍ واحد، وهؤلاء أنفسهم حملوا سيوفهم بوجهه في اليوم التالي.
يا عجباً!! يا عديمي المروءة.. إن كنتم نقضتم البيعة فلم تحملون السيف بوجهه؟! كيف نفسّر ذلك؟! فالإنسان يكون في البداية صديقاً لرجلٍ آخر، وهو في الأمس كان عندما يراه يقول: السلام عليكم، ثمّ اليوم يحمل عليه السيف ليقتله؟! إذا تريد أن تتركه؟ فلا بأس، و لكن لمَ تحمل عليه السيف؟! لم صرت تتكلّم عليه بالكلام البذيء؟! لم؟! ينبغي علينا أن نفكّر في هذه المسائل، نتأمّل في الأمر، ونقول: ما حقيقة الذي يجري؟
كان هناك رجلٌ في زمن المرحوم العلامة، وكان له علاقة رحميّة به أيضاً، وفي البداية كانت حالته جيّدة: جاء وصار يشعر بحرارة المسائل، وكان له حال جيّدة، وكان ينقل بعض المسائل، وكان له بعض المسائل والأمور، ولكن هذه المسائل لا تستمرّ، فعندما يكون من المقرّر أن يختبروا أحداً، فعندها سنعلم مدى عمق تلك الحالات، نعم فهناك بعض المسائل ستتغيّر قليلاً، لأنّه لا يمكن أن تكون الأمور دائماً عبارة عن فطائر وحلوى! ولا يمكن أن نُبقي على المداراة دائماً! ولا يمكن أن تكون جميع الأمور بالرفق! ولا يمكن أن تُعطي أذنك لهذا أو ذاك! فمع مرور الزمن قليلاً قليلاً بدأت الأمور تصبح أبرد وأبرد وتراجع هذا الشخص ثمّ تراجع إلى أن وصلت الأمور بهذا الرجل نفسه إلى أن بدأ باستخدام بعض العبارات التي لا يستخدمها أيّ فرد سوقيّ بحقّ أحد آخر!! 
يا عزيزي: ذهبتَ؟ لا بأس.. فذلك حسنٌ جدّاً.. كنت هنا و لكنّك ذهبت و صرت تقول أنّك غير مقتنع
؟؟ ولكن يا عزيزي في الأخير هناك حدود ينبغي على الإنسان أن يقف عندها!! وهناك حساب للمسألة.
لقد جاؤوا إلى حضرة مسلم بن عقيل وبايعوه.. ، ولكن نحن نتساءل: لقد فهمنا أنكم تراجعتم عن البيعة، لكن لماذا تحملون السيف بوجهه؟! ولم ضربتموه بالسيف على فرقه؟!! هذا هو حال الناس.. هذا هو حال الناس.
لقد ابتعدنا عن أصل المسألة، فلنرجع إليها.

    

الدعاء و الزيارة و الذكر كالدواء ينبغي أن يوضع في موضعه

عندما كّنا في المدينة طلب المرحوم العلاّمة من أحد الأفراد أن يقرأ دعاء الصباح لنا، وهذا الرجل قرأ لنا دعاء الصباح بالفعل، وكان ذلك الدعاء عجيباً، وواقعاً الأمر كذلك، فهو يقرأ دعاء الصباح وهو يقرأه بين الطلوعين مضافاً إلى كونه في المدينة.. في المدينة وفي مكّة أيضاً، وأذكر كذلك أنّنا قرأنا دعاء الصباح في عرفات، وكذلك عند الصبح في المشعر، وكان آنذاك يوجد تلك الفوانيس التي كانوا قد وضعوها بجانب المشعر، وحينها قرأنا دعاء الصباح، وكان ذلك عالَماً لا مثيل له.
وبعد عدّة أيام من قراءتنا للدعاء، وحيث أنّه كان في الحملة بعض الأشخاص ممّن يعملون في الهيئات [1] .. في هيئات طهران وغيرها من المناطق، لذا بعد مدّة بدأنا نسمع همساً بأنّه: لم تقرؤون دعاء الصباح؟! لم لا تقرؤون زيارة عاشوراء؟! فهل دعاء الصباح يعدّ دعاء؟! بل نحن نريد قراءة زيارة عاشوراء !!
هل ترون كيف أنّ هذه العقول قد أُغلقت، نعم أُغلقت على الاعتباريّات، وأُغلقت على ثقافةٍ خاصّة؛ إنّ زيارة عاشوراء صحيحةٌ ولها حسابها الخاصّ في موطنٍ خاصّ، فزيارة عاشوراء لها أسرارٌ وقيمةٌ ومقدارٌ إلى الحدّ الذي كان الأعاظم عندما يعطون أربعينيّة لطلاّبهم، وعندما يكون من ضمن برامج الأربعينيّة زيارة عاشوراء، كانوا يطلبون وجود بعض الشروط والظروف الخاصّة لذلك، ولم يتعاملوا مع الأمر بهذه البساطة؛ فكانوا يحسبون لكلّ شيء حساباً: لكيفيّة الطعام، ولكيفيّة اللباس، ولكيفيّة المسكن... ، فلم تكن الأمور تلقى على عواهنها، بل كانوا يحسبون لكلّ شيء حساباً أيّها العزيز.
(بلى.. ثمّ رأينا البعض يقول: ليس هناك سند لزيارة عاشوراء!! هؤلاء هم مشائخنا وعلماؤنا، ومفاخرنا!! يقولون: ليس هناك سندٌ لزيارة عاشوراء!!)
أجل.. لقد جاء أولئك وطلبوا قراءة زيارة عاشوراء بدلاً من دعاء الصباح، فجاء ذلك الرجل إلى المرحوم العلامة وقال: سيدنا، هؤلاء يطلبون قراءة زيارة عاشوراء بدلاً من دعاء الصباح، فقال له العلامة: يا عزيزي ليس هذا المقام مقام زيارة عاشوراء. فقال: هم يصرّون على ذلك، فقال له: حسناً إقرأ لنا دعاء الصباح، ثمّ اقرأ لهم زيارة عاشوراء!! [يبتسم سماحة السيّد] .. هل تعرفون ما هي قضيّة زيارة عاشوراء ودعاء الصباح؟ إنّها مثل: السكّر و "القراقروت" [2] ، يعني: من جهة ضع في الماء سكّراً، ثمّ من جهة أخرى ضع "قراقروت"، فما هي النتيجة التي سنتتج؟! ستحصلون على نتيجة عجيبة!!
هؤلاء لم يكونوا يهتمّون بدقّة هذه المسائل، بل المهمّ عندهم هم أن يسمعوا شيئاً، سواءً أكانت زيارة عاشوراء أو زيارة تاسوعاء، أو دعاء علقمة ... ، المهم أن يصل إلى سمعه شيء يؤدّي به إلى البكاء، فهذا هو معنى "الحال" بالنسبة لهم.. هذا هو "الحال" الجيّد بالنسبة لهم، نعم هذا ليس إلاّ "الحال" الذي تجلبه الهيئات.
لكن أين هو "الحال" الذي يجلب الفهم؟ وأين هو "الحال" الذي يجلب الإدراك؟ ذلك "الحال" الذي يفتح لك فهمك ويزيد من إدراكك، فلا تبقى مثل ذلك الرجل ذي الثمانين عاماً الذي يقول: أنا عندما دخلت إلى المدينة وإلى قبر النبيّ، لم يعد لي أيّ مهجة على الزيارة ولا على الدعاء بسبب أولئك الرجلين الذين يرقدان بجانبه!! فما هو هذا الحال؟ إنّه فقاعة ليس أكثر.. فقط فقاعة.. وهي تزول بأقل نفخة.. لأنّها فارغة ليس فيها إلاّ الهواء.
بعد هذه الحادثة التقيت بذلك الرجل فكحّلت ناظريّ بطلعته البهيّة، فقال لي: اذهب إلى سماحة العلاّمة وقل له: أن يجعلنا نقرأ في عصر الجمعة زيارة عاشوراء بدلاً من دعاء السمات، ألا تعتقد أنّ ذلك أفضل؟ فنظرت إليه، وقلت: يا سيّء الحظ، إنّ قلبي لا يحترق من أجلك، بل قلبي يحترق على والدي الذي ينبغي أن يضيّع وقته مع أمثالك ... [ضحك من سماحة السيّد] .. (بالطبع أنا قلتها بطريقة المزاح وليس بهذه الجديّة) وقلت له: يا عزيزي، أصلاً هل تنسجم زيارة عاشوراء مع جلسة عصر الجمعة؟! لكلّ شيء مقامه الخاصّ وموطنه الخاصّ. فقال لي: ما شأنك أنت؟ فقط إذهب واسأله هذا السؤال. قلت له: حسناً {وما على الرسول إلا البلاغ} ، فذهبت وأنا ملئيَ الخجل، فماذا أقول له؟ فواقعاً كان والدي مسكيناً ليضيّع وقته مع أمثال هؤلاء!!
ذهبت إليه وقلت له: سيّدنا، قبل أن أذكر لك ما عندي أعتذر مسبقاً وأتأسّف مسبقاً، ولكنّ فلان يقول: هل تجيز لنا أن نقرأ في جلستنا زيارة عاشوراء بدلاً من دعاء السمات؟ فنظر إليّ السيّد، وقال: لا !! أبداً، بل يقرؤون ما ذكرت لهم وحسب.
هناك حيثيّة خاصّة لكلّ دعاء من الأدعية التي وصلتنا من جانب الأئمّة، وبعضها له حيثيّات مختلفة، لكن من ناحية الجوّ والفضاء والتأثير الذي يتركه على حال الإنسان، فلكلّ واحد منها أثره الخاصّ في إيصال أنفسنا وسرّنا وضميرنا إلى رتبة الرشد والكمال، وهي جميعاً لازمة لرقيّ الإنسان و تكامله.. جميعها لازم.
عندما تذهب إلى الطبيب لتأخذ منه وصفة الدواء، فهو ينظر ويدقّق لكي يشخّص ألمك، ثمّ بناءً على الألم والمرض يكتب لك وصفة الدواء، ثمّ ينظر إلى الدواء فيرى أنّه يؤثّر من جانبٍ على المرض، و لكن من جانب آخر فإنّه يلاحظ الأثر الجانبيّ السلبيّ على سائر الأعضاء وعلى الصحّة، فيفكّر أيضاً بعوارض هذا الدواء أيضاً، ويفكّر كيف ينبغي له أن يحترز منها، أمّا لو افترضنا أنّه أعطى دواءً واحداً [دون أن يعطي ما يحمي المريض من آثاره الجانبيّة]، فإنّ ذلك سينتج مرضاً آخراً في اليوم التالي، وستصبح المسألة أكثر سوءاً.

    

بعض التوصيّات التي ينبغي الالتفات لها في شهر رمضان

إنّ شهر رمضان المبارك له هذه الخصوصيّة، يعني: إنّ رحمة الله عزّ وجلّ جاءت، ثمّ مضافاً إلى سائر الأمور.. فقد غيّرت حتّى حال هذا الشهر وأجواءه ، ولذا ذكرت لكم في الليلة الماضيّة، أنّكم لو صمتم نفس هذا الصوم في غير شهر رمضان لكان حالكم مختلفاً عنه في هذا الشهر، نعم قد تجدون حالاً جيّدة، وقد تشعرون بالخفّة، وأمثال ذلك... ، لكن الصيام في شهر رمضان له أثرٌ مختلف.
مثلاً: حينما تقيمون مجلس فرحٍ أو مجلس عزاءٍ لأحد الأئمّة سلام الله عليهم، فإذا أقمت هذا المجلس في ليلة من الليالي، سواءً أكان مجلس فرحٍ وسرور، أم كان مجلس توسّل ومصيبة وعزاء، فهذا المجلس لن يكون له نفس الأثر فيما لو كان المجلس بمناسبة ليلة ولادة الإمام، أو كان بمناسبة ليلة استشهاد الإمام عليه السلام، فذلك المجلس الذي يكون ليلة المناسبة له أثرٌ مختلفٌ! لماذا؟ لأنّ هناك مسألة إضافيّة إلى نفس المجلس وهي عامل الزمن، وهو أصل ذلك اليوم المحدّد، وكون المجلس قد أقيم في ذلك الفضاء، فعلى الرغم من أنّك أقمت الليلة ـ مثلاً ـ مجلساً في ذكر المصيبة، لكنّك أقمته في غير وقته، وبالتالي فالأثر الناتج عن هذا المجلس يختلف عن ذلك الأثر الذي يحصل ليلة استشهاد الإمام.
لذا فالصيام في شهر رمضان المبارك، له خاصّية خاصّة تضاف إلى نفس الصيام الذي له تأثير بحدّ نفسه، وهذه الخاصيّة تضاعف هذا الأثر الخاصّ للصيام عدّة أضعاف، فهو يجعل الإنسان يلتفت إلى نقاط الضعف في نفسه، لأنّه بواسطة الإمساك، وبواسطة المراقبة الأقوى، وبواسطة الاعتناء والالتفات الأكبر، ينبغي أن يحصل هذا الأثر، فتعلّقه بالكثرات التي تولّد التوهّمات وتولّد التخيّلات يصبح أقل.. هذا التعلّق يقلّ، وعندما يقلّ هذا التعلّق، تقلّ تبعاً لذلك الخطورات والتوهّمات والتخيّلات، وعندما يقلّ ورودها، يصبح المجال مفتوحاً لورود رحمة الله عزّ وجل إلى النفس، وحينها تجد أن الفكر بدأ يتغيّر، والعلاقات تتغيّر، وترى أنّ الحالات التي بين الإنسان والآخرين بدأت تتغيّر، وتجد أنّ التوجّهات بدأت تتغيّر، وهذه المسائل كلّها تعود إلى الخصوصيّات التي يحصل عليها الإنسان في هذا الشهر.
وبالطبع، كان الأعاظم يوصون ببعض الوصايا، وقد بيّنت ذلك لكم، وبعضها وَرَد في الروايات أيضاً، فمن المهم أن نزيد من المراقبة أكثر وأكثر و يجب أن نزيد اهتمامنا بأعمالنا وتصرّفاتنا، وبأحاديثنا.. بأحديثنا!! فللأسف نحن لا نحسب لكلامنا أيّ حساب، ولا نعلم ما هي الآثار السيئة التي يؤثّرها في النفس هذا الكلام، لكن بالالتفات إلى هذه المراقبات، ستبدأ تلك الخصوصيّات المختصّة بشهر رمضان تتحقّق في الإنسان مع مرور الزمن.
الإنسان يخرج حينها من >الحال<.. من الاعتياد على هذا >الحال< الذي يكون >الحال< فيه عبارة عن عادة، فيتوقّف الإنسان في مرتبة معيّنة، وحينما يتوقّف تجد أنّ علاقته مع الأفراد ومع الله لا تتجاوز هذه المرتبة. أمّا في شهر رمضان فهذه العادة وهذه القشرة تنكسر، وتبدأ بالتزلزل، وتبدأ بالإنكسار كالصوص الذي يريد أن يفقس من بيضته، لينتقل الإنسان بعد ذلك إلى جوٍّ وفضاءٍ آخر!
لقد ذكرت لكم أنّ مجرّد الإمساك عن المفطرات لا يكفي، بل ينبغي مراقبة الأقوال والتصرّفات والأعمال، وكذلك ينبغي ضمّ ذلك إلى مراقبة التخيّلات والتوهّمات حتّى تستطيع تلك الرحمة أن تُوجد الأثر المطلوب في نفس الإنسان؛ لذا فإنّ هذه القشرة تنكسر في شهر رمضان، فيرى الإنسان بعد مضيّ سبعة أيام أو عشرة أيام أنّ هذا التغيير بدأ يحصل في نفسه، فيحسّ أنّه قد خرج من فضاء معيّن ودخل في جوّ وفضاء آخر، فيجد أنّه مستاء ممّا كان مأسوراً له، فهذا الاستياء سببه أنّه بدأ يتشكّل بتشكّلٍ جديد، ولكونه بدأ يغيّر جلده، فترى أنّ حرارة الجوّ بدأت تتغيّر بالنسبة له، فقد بدأ يغيّر جلده، وبدأ يرمي ذلك الجلد القديم والبالي جانباً، وبدأ يتّخذ شكلاً جديداً.
لذا على الإنسان أن يزيد من دقّته هنا، يعني، خلاصة المسألة: إنّ الله وضع بين أيدينا هذه الإمكانات والظروف في هذا الشهر، ولذا لو أردنا أن نصل إلى مبتغانا في غير هذا الشهر ستواجهنا المشاكل حتّى نصل، وستصبح المسائل أصعب للوصول، وسنحتاج إلى ضغط أعلى، وعلينا أن نجابه أنفسنا بنحو أقوى، وسنحتاج إلى مجاهدة أنفسنا أكثر، وأمّا في شهر رمضان فليس هناك الكثير من المعاناة.
ولذا تمّ التأكيد كثيراً في شهر رمضان على مسألة الطعام، فلا ينبغي أن يكون الطعام ثقيلاً، ولا ينبغي أن يحوي الطعام على الدهون ومن غير الجيّد استخدام الأغذية المقليّة وأمثال ذلك، لأنّها توجد ثقلاً في البدن، فكما بيّنا سابقاً وكما سنبيّن لاحقاً في مجالس شرح رواية عنوان البصري: هناك علاقة وارتباط بين الغِذاء وبين النفس، رغبنا في ذلك أم لم نرغب، لكن هذا هو الواقع؛ ولذا إن كان الغذاء مناسباً صار حالنا أكثر خفّة، وإن كان الغِذاء غير مناسبٍ فسيقل حظ الإنسان من التوفيق للاستفادة من الأعمال، أو لن يكون له حظّ فيها أصلاً.
لذا علينا أن نسعى في شهر رمضان لأن نكون خفيفين، فعندما نفطر، لا ينبغي أن نحسّ بعد الإفطار بالثقل، بل ينبغي أن نشعر بالخفّة، لأنّ هذا الإحساس بالخفّة بعد الإفطار له أثره إلى الصباح!! يعني: أثره يستمرّ طوال الليل! لذا كان النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: >نومكم فيه عبادة، وأنفاسكم فيه تسبيح< فأنت تتنفّس لكنّ هذا التنفّس هنا عبارة عن تسبيح، وهذه المسألة ليست اعتباريّة، فالله لم يجعلها عبثاً، بل لها حسابات دقيقة، يعني: هناك بعض الظروف والشروط التي عندما تُحصّلونها، يكون حينها نفس وجودكم في شهر رمضان ممّا يدعو لأن يكتب لكم الأجر والثواب في صحيفة أعمالكم. لماذا؟ لأنّكم تغيّرتم، وحالكم تبدّلت!!
لكن هل كلّما تبدّلت حال الإنسان ينبغي أن يكون هذا التبدّل مصاحباً لأن يكون مُسبِّحاً وذاكراً، أو مصليّاً أو قارئاً للقرآن؟! لا، ذلك ليس ضروريّ، فليس من الضروري أن يقرأ الإنسان القرآن لمدّة أربعٍ وعشرين ساعةً كشريط المسجّل مثلاً، بل يقرأ في شهر رمضان جزءاً أو جزأين، ففي النهاية ينبغي أن يكون ذلك مع النشاط، وينبغي أن تكون عبادة الإنسان كلّها مع النشاط، وعندما لا يكون هناك نشاط للعبادة يكون أثر تلك العبادة قليلاً؛ لأنّ أثرها لا يحصل بسبب نفس القيام بالعبادة بحدّ ذاتها، بل يحصل بسبب توجّه القلب الذي يحصل عليه عندما يقوم بتلك العبادة، وهذه الحالة لا تحصل مع التعب، ولا تحصل مع بطنٍ شبعان.
من جهة أخرى لا ينبغي أن يقوم الإنسان بالامتناع والإمساك عن الطعام إلى الحدّ الذي يغلب عليه الضعف، فسيقط من الجانب الآخر، يعني: لا ينبغي أن يصير الضعف سبباً لعجز الإنسان فلا يقدر على إنجاز أيّ عمل، و لا يستطيع أن يحصّل التوجّه، ولا يستطيع أن يرفع قدماً عن قدم، فهذا غلط وخطأ أيضاً.. كلا الأمرين خطأ.
عند السحور ينبغي أن يأكل الطعام الخفيف والمقوّي الذي يجعله قادراً على الصمود طوال اليوم، وعند الإفطار عليه أن يفطر على الطعام الخفيف (حتّى أخفّ من طعام السحر) لكي يستطيع أن يحافظ على ذلك الاستعداد لنفسه.
لقد كانوا يوصون بدعوة الإخوان وأخلاّء الإيمان للإفطار، فكم هناك من ثواب على تفطير المؤمنين! فالتفطير سنّة نبويّة، وكان جميع الأعاظم يعملون بهذه السنّة، نعم.. ليس من الضروري أن تكون السفرة مليئة بالأصناف.. كأن تحوي ستّة أصناف أو سبعة، بل يكفي أن يرى الإنسان صديقه في الطريق، فيسأله: هل لديك ما تفعله؟ يجيبه: لا.. ليس لديّ شيء، فيقول: تفضل إذاً الليلة على الإفطار عندنا، فيقدّم له الطعام المتوفّر والموجود، فطعام الإثنين يكفي للثلاثة أيضاً، فليس من ضروريّ أن تخضع هذه الأمور للآداب والأعراف الاجتماعيّة الخاصّة، إنّ تفطير المؤمنين مستحبّ جداً.
كذلك على الإنسان أن ينتبه جدّاً عند الإفطار، فلا يسمح لنفسه أن تأخذ مداها، ولا يجعلها تجول في أيّ فضاء، بل ينبغي أن يضبطها ويحافظ عليها، وعليه أن يطلب من الله أن يقسم له ما قسمه لخواصّ أوليائه في هذا الشهر.
واقعاً أنا عندما أنظر إلى المرحوم العلامة رضوان الله عليه حين ذكر تلك المسألة في كتاب >الروح المجرّد< حيث ذكر أنّ الأعاظم والأولياء كان لديهم برنامج لشكر الله بعد انقضاء شهر رمضان، وأنا رأيت ذلك عند سائر الأولياء والعرفاء أيضاً، فالعلاّمة كان بالطبع يتحدّث عن أستاذه، أمّا الحقير فقد وجد هذه المسألة في بعض الكتب الأخرى أنّها حصلت مع الآخرين أيضاً، أي أنّ لديهم نوع من المراسم لشكر الله بعد انقضاء شهر رمضان، فهم يذهبون مدّة أربعين يوماً بعد شهر رمضان.. يذهبون في أربعينيّتهم وذلك بعنوان الشكر لله على النعمة التي أفاض بها عليهم، وكذلك الشكر على استمرار آثار تلك المواهب التي منحها لهم في شهر رمضان، حسناً هؤلاء ليسوا بالأفراد العاديّين، فما الذي فهموه حتّى قاموا بهذا التصرّف؟ ما الذي فهموه وأحسّوا به حتّى فعلوا هذا الفعل؟ لا بدّ أنّهم لمسوا بأيديهم حقيقة المسألة، لا بدّ أنّهم قد وصل إلى أيديهم أمرٌ ما.
كان السيّد الحداد يقوم بزيارة دوّارة بعد شهر رمضان، ونحن كذلك علينا أن نفعل نفس الأمر، فعلينا أن نزور المقابر المباركة، وذلك بحسب قدرتنا واستطاعتنا، لأنّ التأسّي بتصرّفات الأولياء الإلهيين وسيرتهم أمرٌ مهم.
ينبغي أن نتوجّه إلى الله تعالى ونسأله ونطلب منه أن يجعل سرّنا وسويداءنا ضمن المشمولين برحمته الخاصّة، وإلاّ فالرحمة العامة قد شملت الجميع، ففي النتيجة كلّ إنسان يستفيض من هذا الشهر بحسب سعته، ولذا نرى في الإحصاءات ... (وقد رأيت الإحصاءات بنفسي) أنّها تشير إلى أنّ الجرائم والتعدّيات تقلّ بمقدار كبير في شهر رمضان، وذلك يعود لهذا السبب، فعندما يصوم الإنسان ـ كما بيّنت لكم ـ يزول عنه ذلك الحال والمحيط الموّلد للوهم والخيال الذي كان لديه في سائر الأشهر، لذا لا تجد له ذلك الميل ولا ذلك الشوق، بل ترى الألوان باهتة، والقلب بارد، فهذا هو الذي قلّلها وخفّضها،
فتصوّروا الآن هذا الأمر متحقّق في الأفراد العاديين، ولكن إن أردتم فاعملوا طبقاً لدستور الأعاظم، لتوصلوا المراقبة إلى الكلام أيضاً، ولتوصلوا المراقبة إلى عالم الذهن والخيال، ولتوصلوا المراقبة إلى السرّ، وهنا الأمر يصبح متعلّقاً بمراقبة أهل السرّ، والتي هي عبارة عن التمركز في ذات الله والتخلّص عمّا سوى الله، وهناك يصبح مجرّد القيام بأيّ انحراف عن مرتبة الذات إلى مرتبة الأسماء والظهورات عبارة عن أمر مخالف للمراقبة.. أولئك ماذا يجدون هناك؟ وما هي المطالب والمسائل التي يصلون إليها؟ ذلك الأمر لا يعلمه إلاّ الله.
نسأل الله أن يفيء علينا ظِلُّ الولاية المطلقة وأن يأخذنا تحت كنفه ويجعلنا نتنعّم بعناياته وألطفاه.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ مصطلح "الهيئة" في إيران: يعني عبارة عن مجموعة من الأفراد العادييّن الذين ينظّمون بعض الفاعليّات المرتبطة بموالد الأئمّة ووفيّاتهم وهي كثيراً تتميّز بعدم التنظيم والعفويّة في العمل والتصرّف التي تنبع من مشاعر الحبّ لأهل البيت، لكنّ في بعض الأحيان قد يساء إلى مجالس أهل البيت بسبب هذه العفويّة. (المترجم)

[2] ـ وهو عبارة عن طعام حامض أسود اللون، يحضر من غلي اللبن الروب ثمّ تيبيسه ويستفاد منه في تحميض الطعام، ويكون شكله كالخثارة اليابسة السوداء. (المترجم)

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی