معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > محاضرات متعددة > عيد الغدير عيد العلم والمعرفة

_______________________________________________________________

هو العليم

عيد الغدير عيد العلم والمعرفة

ألقيت يوم عيد الغدير السعيد ضمن مراسم تعميم أحد الإخوة في الدين

(في 18 ذي الحجّة 1395 هجري قمري)

حضرة العلاّمة

آية الله الحاج السيّد محمد الحسين الحسيني الطهراني

رضوان الله عليه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

أعوذ بالله الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على خير خلقه وأشرف بريّته
محمد الحميد المحمود وعلى آله أمناء المعبود

    

لماذا كان عيد الغدير هو الأفضل؟

اليوم هو يوم عيد الغدير؛ وهو عيد أسنى من نور الشمس. وقد ورد عندنا في الروايات بأنّه يفوق عيدي الفطر والأضحى في فضلاً.
فمن تصدّق في هذا اليوم بدرهم واحد كمن أنفق جبل أبي قبيس في سبيل الله.
والعبادة، الصلاة، الصوم في هذا اليوم أفضُل منها في سائر الأيّام من جميع الجهات؛ فالصوم في هذا اليوم يعدل صوم الدهر، وهذا أمر مسلّم، لماذا كان الأمر كذلك؟
لأنّه عيد الغدير... وماذا يعني عيد الغدير؟! إنّه يعني عيد المحبّة، عيد الولاية، عيد الصدق، عيد الصفاء، عيد اتصال العبد بالله، عيد لقاء الله، عيد الجذبات الربّانيّة، عيد الوصول، عيد الإيصال، عيد المعرفة، ذلك هو عيد الغدير إذن!
وفي شهر رمضان المبارك، أدّى الناس الصيام وقاموا بالعبادة؛ ولهذا يُستحبّ لهم عندما يحين آخر الشهر أن يشتغلوا بالعبادة في الليل إلى أن يحلّ الصباح، وأن يحتفلوا كذلك بالعيد في يوم عيد الفطر. لماذا كلّ ذلك؟
لأنّهم تقرّبوا إلى الله طيلة شهر واحد، فصاروا أكثر خفّة، ووضعوا عن كاهلهم عبء الذنوب، واشتغلوا بالعبادة، فمن الطبيعي أن يخفّف عنهم ذلك من الذنوب.. (الذي جَعلتَه لِلمُسلمينَ عيداً).
عيد الأضحى هو كذلك عيد. فلأنّ الناس قد حجّوا، وقفوا بعرفات، وقفوا بالمشعر، ذبحوا الأضاحي وحلقوا الرؤوس، فمن اللازم عليهم أن يحتفلوا بالعيد.. بذلك العيد.
وأمّا عيد الغدير، فهو عيد مختلف تماماً؛ إذ أنّه ليس عيداً للعبادة والنسك والعمل، بل هو أعلى من ذلك؛ فكأنّ حقيقته أرقى وروحه أعلى، وإذا صنّفنا الأعياد وفق درجاتها، فإنّ عيد الغدير سيتقدّم عليها بدرجة واحدة وسيمتلك بالمقارنة إليها حظّاً وافراً.
هذا العيد هو عيد العلم؛ لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام [صاحب هذا اليوم] هو اسم الله الأعظم والتجلّي الأعظم لله والمتحقّق بعوالم القدس والطهارة، وهو اسم الله الحميد وحامل لواء الحمد والشفاعة الكبرى يوم القيامة. فكلّ هذه الأمور هي صادرة عن مقام علم أمير المؤمنين، وكلّ الأشياء قد ترشّحت من ذلك العلم؛ ولذلك فإنّ هذا العيد هو عيد الولاية؛ أي عيد الاطّلاع على الحقيقة وعيد المعرفة.
وإذا حصل الإنسان على المعرفة، سيكون حجُّه صحيحاً، وصيامه لشهر رمضان صحيحاً. وإذا لم يحصل عليها، فلن تكون تلك الأمور صحيحة أيضاً؛ لأنّ الله تعالى الذي أوجب علينا هذه التكاليف لا حاجة له بصورتها، بل يُريد تلك الروح والحقيقة المتضمَّنة في ذلك الهيكل والتي لا تتحقّق إلاّ بالولاية.
ولهذا السبب، توجد لدينا أخبار صحيحة رواها كلّ من الشيعة والسنّة مفادها أنّه:
لو أنّ عبداً قام الليل طوال عمره ما بين الركن والمقام، وكان صائماً في النهار أيضاً، واستشهد في سبيل الله في نفس ذلك المكان، وكان عمره بنفس عمر آدم إلى يوم القيامة، لكنّه كان خالي الوفاض من ولايتنا، لم ينفعه ذلك شيئاً.
لماذا؟
لأنّ الولاية تعني حقيقة المعرفة. فإن لم يكن الإنسان مالكاً للمعرفة، فإنّ الحائط كبير جدّاً، وجبل أبي قبيس كذلك، وجبال الهيمالايا بدورها كبيرة جدّاً، كما أنّ في هذا العالم حيوانات أقوى منّا، أجسادها أضخم، قدرتها أعظم، عمرها أطول (حتى يقال أنّ النسر والغراب يعمّران ألف سنة)، تتمتّع بصحّة بدنيّة أفضل، تعيش براحة أكبر، ومع كلّ ذلك فهي لا تمتلك أدنى قيمة. فلماذا يمتلك الإنسان هذه القيمة والمنزلة؟ سبب ذلك هو معرفته بالطبع.
وعليه، فإنّ أفراد الإنسان يتوفّرون على درجات وأجر أعلى عند الله تعالى بحسب علوّ درجاتهم في المعرفة.
فهذا العيد يعني عيد التعريف بالحقّ، لأنّ أمير المؤمنين استطاع أن يُعرّف الناس على الله والرسول والقرآن.
وقد قرأنا يوم الجمعة ـ إن كنتم تذكرون ـ رواية صحيحة مع سلسلة سندها والتي ينقلها كلّ من الشيعة والسنّة وكذلك السيّد المرتضى، وهي تتضمّن أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم قال ما مفاده:
يا علي! أنت الذي تُسمع صوتي للعالمين وتوصل ندائي إلى أسماعم وأفئدتهم، وتُنجز عداتي، وأنت الذي يُمكنه أن يُؤدّي عنّي دَيني ويُبلّغ رسالتي![1]
ما معنى هذا؟ يعني أنّه إذا لم تكن أنت، فأنا أيضاً لست بشيء! فحينما جئتُ ووضعت الحجر الأساس للنبوّة وهداية الناس، فإنّ ذلك سيظلّ عقيماً لو لم تكن أنت؛ ولهذا فإنّ وجودك ضروريّ من أجل إيصاله وتبليغه.
وعليه، لا مجال للتردّد عند الشيعة والسنّة في هذه الرواية التي قال فيها الرسول:
أنا قاتلت الناس على تنزيل القرآن، وأنت يا عليّ تقاتلهم على تأويله!
أي أنّك أنت المكلّف بتبليغ حقيقة القرآن، تفسير القرآن، معنى القرآن، مآل ومرجع الآيات القرآنيّة.

    

ملامح من منهج أمير المؤمنين وسيرته

وهذا هو السبب من وراء كثرة أعداء أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنّه كان يُعرّف على الحقّ، والناس يُعادون الحقّ! فالناس يميلون إلى الحياة الشهوانيّة، وإلى العيش على أساس الشهوة والغفلة والوهم والعواطف وإشباع الرغبات النفسيّة؛ وأمّا أمير المؤمنين، فقد كانت سيرته على خلاف ذلك، كما أنّ سلوك الأئمّة عليهم السلام لم يكن كذلك.
سلوكهم لم يكن كذلك، ولم يكن نابعاً من التصنّع بالنحو الذي يجبرون فيه أنفسهم على أن يكونوا بذلك الشكل، لا! فتلك الأعمال التي كانت تصدر منهم كانت تنبع من قلوبهم كما ينبع الماء، وأرواحهم وأنفسهم كانت على نفس تلك الشاكلة؛ فقد وصلوا إلى مقام العبوديّة، وكانوا خاضعين، خاشعين، فقراء إلى الله، يحبّون الناس، يُعينون المحتاج، قلوبهم رقيقة، يتصفون بالعطف والشفقة؛ هذه هي الخصوصيّات التي كان يحملها قلب أمير المؤمنين.
ولذلك فإنّ كلام القائلين بأنّ الأئمّة لم يحكموا، ولو وصلو إلى سدّة الحكم ـ مثل الخلفاء العبّاسيين والأمويّين ـ فلربّما لجؤوا بدورهم إلى العدوان (وهذا هو نفس ما كان يهدف إليه بعض الأشخاص الذين انحرف قلمهم عن جادّة الصراط المستقيم، فوجّهوا انتقاداتهم بهذه الكيفيّة) هو كلام عارٍ عن الصحّة؛ لأنّ الأئمّة عليهم السلام وصلوا إلى الحكم فعلاً، وقد كانت هذه الحكومات في متناول أيديهم.
كما أنّا رأينا كيف كان يصيح أمير المؤمنين في ذلك الزمان الذي صبر فيه واستلم الحكومة (الحكومة الظاهريّة) بعد مرور خمس وعشرين سنة، رأينا كيف كان ينادي طيلة تلك المدّة بهذه الحقيقة في خطبه ورسائله وبياناته وكيف كان يهتف بأعلى صوته أن:
«(أيّها الناس) ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه (لباسين خَلِقين)، ومن طعامه بقرصيه (خبزين من شعير)، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينونى بورع واجتهاد، وعفّة وسداد (حتى تقتربوا من هذا المقام)».
لقد رحل عن الدنيا دون أن يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، ولمـّا استشهد عليه السلام، جاء الإمام الحسن وخطب في الكوفة قائلاً:
«رحل أبي عن الدنيا دون أن يترك لا تِبناً ولا سدلاً[2]، لا بناءً ولا ذهباً ولا سبيكة؛ إلاّ سبعمائة درهم أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله».
هذه هي الحالة التي كان عليها ذلك الإمام عليه السلام...

    

اعتراف الجميع بفضائله

وقد جرت فضائل أمير المؤمنين عليه السلام على لسان كلّ من أحمد بن حنبل والشافعي؛ فقد كانت جماعة من الناس جالسة عند أحمد بن حنبل، وكانوا يُبالغون في مدح الخلفاء، بينما كان أحمد بن حنبل يستمع إليهم، وذكر بدوره بعض العبارات حول ذلك. عند انتهاء المجلس، قال له أحدهم:
لم نرك تحدّثت في هذا المجلس عن عليّ؟!
فردّ عليه أحمد بن حنبل قائلاً:
ماذا يُمكننا أن نقول عنه؟! هو فوق كلامنا ومدحنا، ومتى ما ذكرناه انتابنا الخجل، ووجب علينا أن نطأطيء رؤوسنا له. وأمّا أولئك الذين كنّا نتحدّث عنهم، فلا تتجاوز أوصافُهم ما ذكرناه عنهم. هذا مع العلم بأنّ أحمد بن حنبل كان رجلاً سنّياً، ومن العلماء الكبار لأهل السنّة وأحد أئمّتهم الأربعة.
لقد كان أولئك يرغبون في أن يصيروا خلفاء ويزدانوا بالخلافة، وأمّا عليّ فلم يكن بالذي يزدان بها. لقد زان عليّ الخلافة، وازدانت الخلافة به!
ويقول الشافعي:
يا من يؤدّون مراسم الحجّ ويقصدون الذهاب من عرفات إلى المشعر ويفيضون من المشعر إلى منى، ومن منى يأتون إلى مكّة، فليذهب أحدكم إلى المحصّب (وهو مكانٌ ينفر منه الجميع في النفر الأوّل في اليوم الثاني عشر، وأمّا النفر الثاني فيكون في اليوم الثالث عشر. فيتحرّك ذلك الحشد الكبير بتمامه متوجّهاً نحو مكّة)، وليصِحْ بكلامي قائلاً: إنّ روحي وجلدي ولحمي قد عُجنت كلّها بمحبّة علي، سواءً سمّيتموني شيعيّاً أم لا، وسواءً سمّيتموني رافضيّاً أم لا. وإذا كان يُعدّ هذا الحبّ رفضاً، فليشهد جميع الثقْلان (أو الثقَلان) بأنّي رافضيّ وشيعيّ. [3]
لماذا؟ لأنّ أفعال أمير المؤمنين كانت مبتنية على أساس الصدق والحقّ. فأمير المؤمنين لم يكن يكذب، ومنطقه كان منطق الحقّ، منطق رسول الله، منطق النظرة الواقعيّة، منطق العلم والفهم.

    

مشاهد من سيرة الخلفاء وأعمالهم وبيان محوريّة الصلاة في الإسلام

أتذكّر أنّه وصل بنا المقام في إحدى ليالي الثلاثاء إلى الحديث مع الرفقاء في المسجد عن أعمال الخلفاء وتصرّفاتهم، وهل يمكننا أساساً قراءتها وتقييمها، لنرى أيّ نوع من التفكير كانوا عليه؟ وكيف كانوا يفكّرون؟ وما هي الروحيّة التي كانت لديهم؟
فقد حذف عمر «حيّ على خير العمل» من الأذان وقال: السبب الذي دفعني إلى حذف حيّ على خير العمل من الأذان هو أنّه إذا صِحنا في الناس بهذا النداء، فهذا يعني أنّ الصلاة هي أفضل الأعمال؛ وحينئذ لن يتجهّز أحد بعد ذلك للجهاد؛ ولهذا السبب، سأقوم بحذف هذه العبارة لكي يكون الناس مستعدّين للجهاد. وهذا ما قام به بالفعل.
والآن فإنّ السنّة لا يذكرون حيّ على خير العمل، مع أنّهم يعترفون بأنّها كانت من الأمور التي كان الرسول يذكرها في الأذان، وكانوا يُنادون بها في عصر الرسالة، كما أنّ الناس كانوا في عهد أبي بكر يذكرونها في الأذان، فقام هو بحذف عبارة حيّ على خير العمل هذه من الأذان.
نحن لا علاقة لنا الآن ببقيّة الأعمال، تعالوا وحلّلوا لنا نفس عمله هذا. ماذا يعني هذا الكلام؟ ماذا يعني أن يحذف الإنسان حيّ على خير العمل!
أوّلاً، ماذا وضع في محلّها؟ وضع في مكانها: الصلاة خير من النوم! يا أيّها الناس، إنّ الصلاة خير من النوم! هذا كلام منطقيّ؛ لأنّ الصلاة خير من النوم، وهو أمر واضح ومعلوم!
لكن لمَ لا تكون الصلاة خيرَ العمل؟ لماذا لا؟ أفليست الصلاة أحسن الأعمال أم هناك ما هو خير منها؟
لقد ورد في القرآن: {وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكينَ}.[4] وعليه، إذا لم يكن الإنسان مصليّاً وكان مشركاً، فبماذا سينفعه الجهاد؟!
يقول الإمام الصادق عليه السلام:
لا أجد فيما تحت القمر والشمس عملاً أفضل من الصلاة! ولذلك فإنّ الله تعالى وصّى جميع أنبيائه بالصلاة؛ فأوصى بها عيسى عليه السلام {وَ أَوْصاني‏ بِالصَّلاةِ}،[5] وأوصى بها يحيى عليه السلام، وكذلك الأمر بالنسبة للبقيّة؛ فلا أعثر على شيء أفضل من الصلاة.[6]
الصلاة هي الاتصال بالله، وعندما يُؤدّي الإنسان صلاته بشكل صحيح ويُدرك بأنّ الصلاة هي أفضل الأعمال، فإنّ حجّه سيكون صحيحاً، وصيامه سيكون صحيحاً، وصدقاته ستكون صحيحة، وصلته للرحم ستكون صحيحه، وجهاده سيكون صحيحاً. وأمّا الجهاد الخالي من الصلاة، فما هي القيمة التي يمتلكها؟! إنّه شهوة فقط!
يقول الرسول: الصلاة أفضل الأعمال، ولا يعني هذا أنّه يقول: اتركوا الجهاد! لا تصوموا! يقول بأنّ أفضل الأعمال هي الصلاة؛ أي دع نور الصلاة ينفذ إلى قلبك، لكي يضيء، لكي تفهم حقيقة المسألة، وعند ذلك ستكون جميع الأعمال التي رسخت في خاطرك وذهنك بعد تحقّق هذا الأمر مستحسنة أيضاً.
وأمّا إذا اعتقد المرء بأنّ الصلاة ليست هي أفضل الأعمال، بل الجهاد هو أفضلها، فإنّ ذلك الجهاد لن يكون بعد ذلك في سبيل الله وفي سبيل الصلاة، بل سيكون في سبيل الوصول إلى الآمال والرغبات الشخصيّة والتفوّق على الخصم.
فمعنى الجهاد هو جهاد النفس في سبيل الله، وليس المقصود منه قتل النفوس وإراقة الدماء! إذ أنّ ذلك حدث في هذا العالم بشكل كبير، فلا يمتلك أيّة قيمة!
اجلسوا وفكّروا في فعله هذا الذي قام فيه بحذف عبارة حيّ على خير العمل؛ لقد أدّى إلى تغيير مسار الإسلام بالكامل. إلى ذلك الوقت كانوا يقولون بأنّ الصلاة هي أفضل الأعمال، وبعد ذلك تراجعوا وقالوا بأنّ الصلاة ليست كذلك! الرسول يقول بأنّ الصلاة أفضل الأعمال، وأمير المؤمنين يقول بأنّ الصلاة أفضل الأعمال!
فالصلاة هي اختلاء العبد بربّه. اذهب إلى مكان خال وصلّ صلاة الليل، النافلة، وعندما تؤدّي الصلوات الواجبة أيضاً مع الجماعة (صلاة الجمعة والعيد والصلوات الخمس مع الجماعة)، استمدّ من الله العون والقدرة والعلم والحياة بواسطة الصلاة، فيحيا بذلك القلبُ، وعندما يحيا القلب، ستصبح جميع أعمال الإنسان ممضاة. وأمّا إن كان القلب ميّتاً، فما هي فائدة هذا الجهاد؟ وما هي فائدة هذا الصوم؟

    

إعلان الرسول للولاية منذ اليوم الأول للدعوة وحتّى اللحظات الأخيرة من عمره

إنّ عيد الغدير هو عيد التعريف بالولاية، حيث رفع الرسول أمير المؤمنين قائلاً: أيّها الناس، هذا عليّ! هذه هي الولاية!
ولقد تحدّث عن ذلك كثيراً؛ فمنذ بداية البعثة والرسول يبلّغ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ووزارته وخلافته ووصايته إلى أن حان وقت الرحيل وفاطمة الزهراء سلام الله عليها تبكي، حيث قال لها: تعالي إلى جانبي! ـ وفي هذا المجال، لو وجدت متّسعاً من الوقت، سأتلو عليكم الرواية التي تتحدّث عن ذلك ـ فعندما نزلت آية: {وأنذِر عشيرَتَك الأقرَبينَ}،[7] جمع الرسول أربعين شخصاً من عشيرته وقرابته في ذلك المجلس الذي انعقد في مكّة أوائل البعثة، وقال لهم:
من يُعينني على هذا الأمر؟ لم يقل أيّها الناس أسلموا‍!
«أيُّكُم يُوازرُني علَى ذَلك عَلَى أن يَكونَ وَصيِّي ووَزيري وخَليفَتي مِن بَعدي؟!»
من منكم يُعينني على القيام بأمر الرسالة؟ فهذا العبء هو حمل قد أثقل كاهلي! وأنا أحتاج إلى مساعدتكم بأن تأتوا لكي نتعاون ويعضد أحدنا الآخر على حمل هذا العبء.
وقد كرّر الرسول الأكرم هذه الدعوة ثلاث مرّات دون أن يُجيبه أحد، ووحده أمير المؤمنين قال: أنا!
فبايع صلى الله عليه وآله وسلّم أميرَ المؤمنين! انتبهوا فقد كانت البيعة مع طفل ذي ثلاث عشرة سنة! أتعلمون كيف يكون طفل بهذا العمر؟ انظروا إلى طفل ذي ثلاث عشرة سنة من أطفالنا كيف هو؟ وقد بايع الرسول أمير المؤمنين في ذلك اليوم! أي ينبغي عليك أن تسندني، مع العلم بأنّ النبوّة ليست بالأمر السهل؛ إذ أنّها ليست تشريفاً تمّ منحه لي.
لقد كنت إلى هذا اليوم مستقرّاً في حرم الله، وفي مقام الأمن والأمان والسرّ، ومن حيث الظاهر كنت في خلوة دائمة في غار حراء، والآن أمرني الله بأن أنزل إلى العالم الأسفل! ومنذ البداية ظهرت المشاكل! وأيّة مشاكل!! من المفروض عليك أن تُدخل العالم كلّه في الإسلام!
عندما تريدون أن تُفهموا صديقكم كلاماً ما، فإنّ روحكم تكاد أن تزهق دون أن يفهم شيئاً من ذلك. يا رسولنا، ينبغي عليك الذهاب إلى عالم الدنيا، إلى مكّة، إلى المدينة، إلى الطائف، فيقذفون رجلك بالحجارة، ويسمّونك ساحراً ومجنوناً، ويُشهرون في وجهك السيف، ويكسّرون أسنانك، ويجوّعونك، ويُشرّدونك في الصحاري، وتُغرس في رجلك الأشواك، وعندما تريد ابنتك زينب أن تتبعك، أن تهاجر، أن ترحل إلى المدينة، يأتي عمرو ابن العاص مع جماعة ويرمي راحلتها بالرمح فتُسقط جنينها؛ وقد أوشكت زينب هذه على الموت!! ولماذا كلّ هذا؟ لأنّه باختصار ينبغي عليكَ أن تُبلّغ.
ويقتلون ولدك الحسين، ويقتلون ولدك الحسن، هل تقبل بذلك؟ أجل!
هذا هو الطريق. يضربون عليّاً في المحراب، ويرتكبون في حقّ فاطمة الزهراء تلك الأفعال. فهل أنت راضٍ؟
عندما نُعطي النبوّة لشخصٍ ما، فلا يعني ذلك أنّنا وضعنا أمامه ريش النعام وقلنا له بعد ذلك تفضّل! فالأمر ليس كذلك.
لقد أُعطيت هذه النبوّة للعديد من الرسل دون أن يستطيع أحدٌ منهم القبول بها، وعُرضت الولاية على الكثير، فلم يرضوا بها.

آسمان بار امانت نتوانست كشيد
                             قرعه فال به نام من ديوانه زدند
[8]

فلن يستطيع أحد تجشّم أعباء الولاية سوى أمير المؤمنين. أَوَ مِنَ الممكن لأيّ أحد أن يكون أمير المؤمنين؟! فأن تكون أمير المؤمنين يعني أن تعيش وسط النار من رأسك إلى أخمص قدميك، وتواجه المشاكل والمتاعب والتهم والافتراءات والاضطهاد والتشريد! والاتهام العلني بالكفر!! فقد ثار عشرة آلاف شخص على أمير المؤمنين عليه السلام.. أنت كافر! ودمك مهدور بسبب الكفر، فمن ناحيتنا أنت كافر.
لو نُتّهم نحن بالكفر، أو الفسق، بل بأقلّ من ذلك، لفررنا من الأساس!! فياله من تحمّل، وياله من جبل، ويالها من عظمة! نحن لا نستطيع بلوغ ذلك أبداً.
على كلّ حال، اليوم هو يوم عيد الغدير؛ أي عيد المعرفة؛ بمعنى أيّها الناس، إن أردتم الانتفاع من دنياكم وآخرتكم، من شغلكم، من نسائكم، من أولادكم، من مالكم، من عِرضكم، من شرفكم، من دنياكم، من آخرتكم، فهذا هو الطريق الوحيد وكفى! هذا هو الذي يُعرّفكم على النبيّ والله، ولا طريق سواه؛ إذ أنّ كافّة الطرق مغلقة.
هذا بمثابة عنقاء هبطت من العالم العلوي، وفتحت أجنحتها تقول لكم: لقد ذهبت وتعرّفت على وطنكم؛ فإذا كنتم ترغبون في المجيء، فإنّي على استعداد للذهاب بكم إليه! فلا تسلكوا السبل المختلفة {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِه}.[9] إنّ هذه الطرق المتعدّدة تفصلكم عن طريق الله، تُبعدكم، تُتعبكم، تُسبّب لكم الأذى، تُتلف أعماركم، تُضيّع ثرواتكم، فتفلسوا وتصبحوا خالي الوفاض.
من قبيل عود كبريت تبلغ قيمته فلساً واحداً أو فلسين يُشعله أحدهم، فيُضيء به الجوّ، ثمّ يُشعل الثاني، الثالث، الرابع، فينفذ، وتصير نفس علبة الكبريت فارغة ولا قيمة لها، فيرمي بها جانباً. وعندما يُريد أن يرحل من دار الدنيا، لا يجد شيئاً؛ لأنّه أتلف جميع ثرواته. وأمّا إذا لم يكن مثل الكبريت، بل كان متصلاً بالولاية (نظير مصباح متصل بمعمل [لتوليد الطاقة]، فإنّه يُنير بشكل دائم، كما أنّ خاتمته نور أيضاً)، فإنّه لن ينفذ؛ لأنّه متصل، والاتصال بالولاية يعني الاتصال بالله، ومعرفة الله تعني معرفة أمير المؤمنين، ومعرفة أمير المؤمنين تعني معرفة الله، والولاية تعني التوحيد، والتوحيد يعني الولاية. هل التفتم إلى ما أقول؟!
لا قيمة للأعمال بغير ولاية؛ فلو أنّ الإنسان عبد الله ألف سنة من دون أن يعرف أمير المؤمنين، فإنّه يكون قد عبد نفسه ولم يعبد الله تعالى، يكون قد عبد نفسه وميوله ورغباته وأمانيه الشخصيّة، وعبد ذلك الإله الذي نَحَته في قلبه.
ولذلك فإنّنا لا نُشاهد آثار العبوديّة ظاهرة عليهم؛ فكلامهم جامد وجافّ، تراهم يُصلّون ولكنّ قلوبهم جامدة؛ فلا رحمة ولا مروءة ولا إنصاف ولا عطف ولا قلب ليّن ولا حميّة. وأمّا أولئك الذين كانوا مرتبطين بأمير المؤمنين، فإنّهم يرأفون بالجميع: يرأفون بالكفّار، ويرأفون بالحيوان، ويرأفون بكلب الزقاق المغمور بالثلج ويشفقون عليه، ما هو السبب في ذلك؟
لأنّ أمير المؤمنين يمتلك جُنبتين: جُنبة في عالم التوحيد، وجُنبة في هذا العالم، مع العلم بأنّ التوحيد قد ضمّ تحت جناحه جميع العوالم باسم الرحمة، ونشر عليها ظلال الرحمة. وبما أنّ أمير المؤمنين هو مثال للرحمة، فقد ساق أغصان الرحمة إلى جميع موجودات عالم الخلقة التي تمتلك حظّاً من الوجود. وعليه، يكون عيد الغدير هو أعظم الأعياد.
في هذا اليوم، رشّح الرسول أميرَ المؤمنين، وحينما كان عمره عليه السلام ثلاثة عشرة سنة قال له: أنت خليفتي! فهل ترضى بأن تساعدني؟ بسط أمير المؤمنين يده للبيعة، فبايعه الرسول في نفس ذلك المجلس، غير أنّ الناس قاموا وسخروا من أبي طالب قائلين: يا أبا طالب، هذا محمد يأمرك بأن تأتي وتُطيع ابنك ذا الثلاثة عشرة سنة! قاموا وذهبوا.
وقد تعرّض السنّة لذكر هذه المسألة، وكتب جُملتُهم حولها: (ويوجد الآن في منزلنا طبعتين من كتاب تاريخ الطبري) أنت خليفتي في أمّتي ووصيّي ووزيري، في نفس تلك الفترة التي كان فيها عمر أمير المؤمنين ثلاثة عشر سنة!
وقد كان هذا هو السبب الذي دفع الدكتور حسين هيكل إلى أن يذكر هذه العبارة في الطبعة الأولى من كتابه "حياة محمّد"؛ لكنّه بعد أن رأى بأنّ هذه المسألة عجيبة جدّاً وتُشكّل مستنداً في يد الشيعة، حذفها في الطبعة الثانية.
لقد قرأت كثيراً في كتب كبار أهل السنّة أنّهم يقولون بشكل صريح: لا ينبغي كتابة جميع المسائل؛ لأنّها قد تقع في يد البعض، فتصبح حجّة علينا وسلاحاً يُشهر في وجوهنا. ومسجّل عندي أنّ الكتاب الفلاني قد ذكر هذا الأمر في الصفحة الفلانية؛ يعني اطّلعوا على الحقائق، لكن لا تفشوها.
ففي أوّل يوم قال فيه الرسول: أيّها الناس! أنا نبيّ، قال في حقّ أمير المؤمنين: هذا وليّكم والماسك بأزمّتكم.. في ذلك اليوم!
وعليه، تكون النبوّة مقارنة للولاية. وكما أنّ التوحيد والنبوّة هما أمر واحد، فإنّ النبوّة والولاية هما أمر واحد أيضا، وبالتالي يتّحد كلّ من التوحيد والنبوّة والولاية مع بعضهم البعض.
فمنذ ذلك الحين والرسول يقول ويقول إلى أن جاء يوم عيد الغدير، حيث بقي شهران على رحيله من دار الدنيا؛ فجمع كلّ الناس، بحيث أنّ المتقدّمين رجعوا والمتأخرّين وصلوا، ثمّ قال:
أيّها الناس!
من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه.
قال: «هذا!»، ولم يقل «عليّ مولاه» حتى لا يقولوا بأنّ مراده هو الله العليّ (لأنّ الله تعالى عليٌّ)، بل مراده هو: عليٌّ مولاه؛ وذلك لأنّ باب الاحتمال في هذه الحالة سيكون مفتوحاً. وقد قيل أيضاً بأنّ الرسول لمـّا قال: «عليّ مولاه»، فإنّ مولاه يعني به ابن العمّ؛ أي: أيّها الناس، اعلموا أنّ هذا هو ابن عمّي.
فجمعُ مائة وعشرين ألف شخص في الصحراء وأجوائها الحارّة، وتكويم رحال البعير بعضها فوق بعض، وحجز الناس هناك لمدّة ثلاثة أيّام إلى أن يحين يوم العيد، ورجوع كلّ من كان متقدّماً من الناس، والتحاق المتأخّرين، وإلقاء الرسول لتلك الخطبة المفصّلة والناس جالسون تحت ظلال الجمال والبغال، وفي هذه الحالة يعتلي الرسول ـ الذي كان بدوره تحت الشمس ـ تلك الأحمال ويرفع يد [أمير المؤمنين] من فوق: أيّها الناس، هذا هو ابن عمّي! هل هذا هو معنى تلك العبارة؟! لا، فالرسول استشهد أوّلاً بآية قرآنيّة عندما قال: (أَلستُ أولَى بِكُم مِن أَنفُسِكم)؛ لأنّه لدينا في القرآن آية: {النبيُّ أَولَى بِالمُؤمنينَ مِن أنفُسِهِم}،[10] فللرسول ولاية على كلّ مؤمن! أي أنّه متى اختار الرسول شيئاً للإنسان، فليس لهذا الإنسان بعد ذلك حقّ الانتخاب؛ لأنّ الخيار بيده هو، وهذا هو معنى الولاية، وهي مسألة واضحة من الناحيتين التشريعيّة والتكوينيّة.
{مَا كانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم (بحيث يتصرّفون خلاف ذلك)}.[11]
وعليه، يكون حكم الله هو حكم رسول الله، وحكم رسول الله هو حكم الله. اليوم هو يوم حرب! لا معنى لأن أقول: زوجتي تريد أن تلد، عندي محلّ تجاري، ابني يموت. اليوم هو يوم عبادة، اليوم هو يوم حجّ، زوجتك محرّمة عليك، عليك أن تتزوّج بهذه المرأة، يجب عليك أن تتغلّب على هذا الخوف، هذا هو حكم الله ورسوله!
فلا يمتلك أيّ أحد حقّاً في قبال أوامر رسول الله.
وكلّ عمل أمر به النبيّ اعملوا به، فإنّه عبادة، وكلّ عمل نهاكم عن القيام به فإنّه معصية. فإذا قال صلّ، تصبح تلك الصلاة عبادة، وإذا قال لا تصلّ، فإنّها تصير معصية، شأنها في ذلك شأن الزنا. هل التفتم إلى ما أقول؟!
لقد استشهد الرسول بهذه الآية القرآنيّة: {أَلستُ أولَى بِكُم مِن أَنفُسِكم}؟! (ألست أمتلك بحسب آيات القرآن مثل هذا الحقّ عليكم؟! ألست وليّاً عليكم وأولى بكم من أنفسكم؟!) قالوا: اللهمّ بلى!
فرفع الرسولُ أميرَ المؤمنين على يده بالشكل الذي ظهر معه بياض إبطيهما؛ أي ما هو الجزء الذي رفعه الرسول؟
فهو لم يرفع أمير المؤمنين، بل أتى به إلى جانبه، ثمّ وضع يديه على ساعديه، وأمسك بتلك المنطقة ورفعها. وعندما فعل ذلك، بان بياض إبطي الرسول وإبطي أمير المؤمنين (لأنّه رفع ساعدي أمير المؤمنين). فعرضه [على الناس] وقال:
«مَن كُنتُ مولاهُ فهذا عليٌّ مَولاه!»
رفع عليّاً، عرضه، أصعده فوق الرحال، أجلسه في جانبه، رفعه، عرضه، وفي نفس الوقت قال هذا عليّ، لكي لا يُقال بأنّه كان يقصد عليّاً آخر، ولا يُقال بأنّ المراد من: من كنت مولاه فعليّ مولاه، هو الله العليّ (أي المولى هو الإله العليّ الأعلى)؛ وبذلك لا يبقى أمام أيّ أحد مجال للشكّ والاشتباه.
وقد كان عمر هو أوّل شخص أتى وبايع:
بخٍّ بخٍّ لك يا علي! أصبحتَ مَولايَ ومولى كلِّ مُؤمنٍ ومؤمنة.
وأتى بعد الآخرون.

    

بعض الصحابة يعترضون على بيعة أبي بكر

جاء أبو بريدة الأسلمي من الشام، فرأى أبا بكر معتلياً المنبر، فقال:
ما أمره؟ قيل له: ماذا؟
قال: ألا ترون؟!
قال: أليس هذا هو من سلّم على أمير المؤمنين بالإمرة؟! السلام عليك يا أمير المؤمنين! ـ إذ أنّ الرسول كان قد أصدر أمراً بعد تلك المسألة بأن يأتي جميع الناس ليُصافحوا أمير المؤمنين ويمدّوا إليه أيديهم ويُسلّموا عليه بصفته "أمير المؤمنين": السلام عليك يا أمير المؤمنين! بمعنى سيّد جميع المؤمنين وقائدهم ـ أَوَلَيس هذا هو من سلّم عليه أولئك الأشخاص السبعة وقالوا له: السلام عليك يا أمير المؤمنين؟!
قالوا: لقد وقع ما وقع وكان ما كان!
قال: لا، أقسم بالله بأنّكم خنتم! لقد خنتم! فما معنى لقد وقع ما وقع وكان ما كان؟ إنّكم غدرتم! لقد أتيتم أمير المؤمنين وسلّمتم عليه بعنوان الإمارة وبايعتموه، ثمّ جئتم الآن لتقولوا بأنّه وقع ما وقع وكان ما كان؟!
أخرَجوه بسرعة من المسجد. ومنذ ذلك اليوم بدأ ارتكابُ الجرائم، غُيّر التاريخ وانقلب رأساً على عقب.
يُعدّ مالك بن نويرة من شيعة أمير المؤمنين. فقد جاء إلى الرسول واختار لنفسه الإسلام، فقدّمه صلى الله عليه وآله وسلّم إلى أمير المؤمنين، فقبل بولايته ورحل ـ وقد كان شاعراً كبيراً أيضاً. بعد رحيل رسول الله امتنع عن أداء الزكاة لأبي بكر وقال: أنا سأعطي الزكاة إلى وصيّ رسول الله. وبعنوان امتناعه عن دفع تلك الزكاة إلى بيت مال المسلمين وصيرورته مرتدّاً عن الدين، فقد بعث إليه أبو بكر خالداً بن الوليد في مائة راكب، فأغار عليه، وقتل رجاله، وقتل مالك بن نويرة، ووضع رأسه تحت قدر الطعام، فطبخ الطعام وأكل منه، وضاجع زوجته في الليل. هذا مع أنّه لمـّا ارتفع صوت الأذان، سمعوا الأذان وقالوا بأنّهم رأوا مالكاً وقومه يُؤذّنون ويُصلّون.
وقد حدثت بلبلة بالمدينة عند رجوع خالد إليها وتعالت الأصوات بأنّ خالداً قتل المسلمين وضاجع زوجة رجل مسلم!
فاختلى به أبوبكر وتحدّثا معاً. وحاصل الأمر، أنّ خالداً قال لأبي بكر بأنّ المسألة كانت هكذا وبأنّه [أي مالك] كان يُصرّ على حكومة علي. وقد قال المسلمون بوجوب إقامة الحدّ عليه، لكنّ أبا بكر لم يفعل ذلك وقال بأنّه لن يغمد سيفاً لله وسيفاً سلّه الله.
هل هذا جهاد؟! هل هذا جهاد؟! هل هذه دعوة إلى الإسلام؟! هل أنّ قتلَ رجلٍ مسلم والزنا بزوجته ليلاً (لأنّها كانت امرأة حسناء) هو جهاد؟!
لا يا عزيزي، إنّ الجهاد هو حيّ على خير العمل. وتلك هي سيرة أمير المؤمنين الذي جاءه رجل في حرب صفّين يسأله عن مسألة من المسائل، فصاح ابن عبّاس في وجهه بأنّ الآن ليس وقت السؤال عن الصلاة، فقال له أمير المؤمنين [ما مفاده]:
ويحك يا بن عبّاس! لماذا تصرخ هكذا؟! لأيّ شيء نحن نُحارب؟ نحن لا نحارب من أجل إزهاق الأرواح وأكل أموال الناس وانتهاك الأعراض، بل نحارب لكي نجعل من الناس مصلّين، وهذا يسأل حول الصلاة.
لقد كانت حروب الرسول تُقام لأجل الصلاة، وكانت حروب أمير المؤمنين تقام لأجل الصلاة، فجميع الحروب التي قاما بها كانت لأجل الصلاة.
لقد قدّم رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا العيد أميرَ المؤمنين للجميع تحت عنوان:
«مَن كنتُ مَولاه فهذا عليّ مولاه!»
ثمّ دعا الرسول: «اللهمّ انصُر مَن نَصره واخذُل مَن خَذله!» ـ حتى آخر الدعاء ـ
إلى أن جاءت النساء وبايعن، وبايع الرجال كلّهم أيضاً. فكان الرجال يأتون ويُصافحون أمير المؤمنين بعنوان البيعة، حيث كانوا يضعون يدهم اليُمنى في كفّ اليد اليمنى لأمير المؤمنين (ليس كلتا يديهم، بل يدهم اليُمنى فقط، وإلاّ لما كانت مصافحة).
وقد قاموا بإعداد خيمة، وأمرهم الرسول أن يضعوا هناك طستاً من الماء، فغمس أميرُ المؤمنين يده فيه وأخرجها منه وذهب. ثمّ جاءت النساء بعد ذلك إلى تلك الخيمة، فكنّ يغمسن أيديهنّ في ذلك الطست من الماء ويخرجنها ويذهبن. وقد كانت هذه علامة على بيعة النساء؛ لأنّ المرأة لا يجوز لها أن تصافح الرجل الأجنبيّ عنها. فبايعن كلهنّ.
وعندما كان الرسول يرحل عن هذه الدنيا، كانت فاطمة تبكي، وقد قرأت لكم الرواية التي تتحدّث عن ذلك:
«لقد شرّفك الله بسبع فضائل: أنا هو أبوك، عليّ بعلك، منّا حمزة وجعفر، منّا الحسن والحسين، منّا المهدي قائم آل محمد».
وهي رواية مفصّلة. ثمّ قال بعد ذلك:
«عليّ هو من سيؤدّي عنّي ديني وعِداتي، وهو من سيُسمع العالمين صوتي، فلا تغتمّي، فإنّ عليّاً معنا يومَ القيامة وفي الدنيا، وإنّك أوّل من سيلحق بي».[12]
ففي اليوم الأوّل كان مع الولاية، وفي آخر يوم كان أيضاً مع الولاية.

    

ضرورة تقدير نعمة الولاية

وعلى هذا، تعالوا لنُعمل حساباتنا بصدق، ولننظر في جميع هذه الدنيا فلو أنّ الله تعالى تفضّل على عبد ما بنعمة من النعم، هل يمكنها أن تكون أكبر من هذه النعمة؟
في يوم من الأيّام، جاء أحد أصحاب الإمام السجّاد يشكو إليه وضعيّته الماليّة، وما يُعانيه من فقر ودين وما إلى ذلك (وقد فصّلت الرواية في ذلك كثيراً). وكان يغبط الأعداء: فما أكثر الأموال التي عندهم، وما أكبر الثروات التي يمتلكونها، وما أهنأ الحياة التي يعيشونها!
فقال له عليه السلام: لا توجد مشكلة، فلا تُكثر من الشكوى والتظلّم. هل تقبل بأن تخسر هذه الولاية التي تمتلكها وتتقدّم عليهم في ذلك؟ ماذا تقول؟ إذا قلت نعم، تفضّل على بركة الله!
قال: لا، لا، لا، لا يا ابن رسول الله، أنا لا أقبل بذلك، أنا لا أرضى بالتخلّي ولو عن مقدار صغير منها!
فقال له عليه السلام: فلتصمت إذن! وفكّر في هذه النعم التي أنعم الله عليك بها! فما يلزم من هذه النعم هو تحمّل المشاكل والمشاقّ {وَ الصَّابِرينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[13]}،[14] وقد ورد ذكر ذلك في آية قرآنيّة.
وعلى هذا، لو فكّرنا بشكل جدّي لرأينا بأنّه لو لم نكن نتوفّر على نعمة الولاية، ولم تكن قلوبنا حيّة ولا متّصلة، فما هي قيمة كلّ ما سنمتلكه من دنيا وثروة، ولو أعطونا جبالاً من ذهب؟!
{مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً}.[15]
لنفترض مثلاً بأنّهم جاؤوا بحمار، وألبسوه لجاماً من ذهب، ووضعوا عليه سَرجاً من ذهب، وكانت سيقانه مملوءةً بالياقوت والزبرجد والماس، فما هي قيمته؟ والقرآن يضرب لنا مثالاً أفضل من هذا الذي ضربته، حيث يقول بأنّهم لو ملؤوا أحمال الحمار بالكتب، فما الذي سيفهمه منها؟! بخلاف ذاك الذي لم يُحمّلوه ذلك، بل نفذ العلم إلى قلبه، فأدرك معنى أمير المؤمنين، أي التسليم والانقياد أمام أمير المؤمنين.
فالله تعالى "صيدٌ"؛ وإذا كنتم ترغبون في اصطياده تعالى ـ كيف نعبّر عن ذلك؟ وإلى أيّ حدّ ينبغي علينا أن نُبسّط العبارة؟ وبأيّ نوع من التعابير يُمكننا أن نُعبّر عن ذلك؟ـ فإذا كنتم تودّون اصطياد الله تعالى (مع أنّه سبحانه لا يُصاد)، فعليكم بمعرفة أمير المؤمنين والتسليم له.
وإلاّ فلا سبيل لكم إلى ذلك؛ إذ أنّ جميع الطرق مسدودة. وبدون الولاية، فإنّ الطريق إلى لقاء الله مُغلق، بحيث كلّما بذلتم جُهداً أكثر، فإنّه سينغلق بشكل أكبر، إلاّ في حالة ما إذا تمّ فتح ذلك الطريق.
ولهذا السبب، فقد ورد لدينا بأنّهم باب الله وصراطه: أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم وشهداءُ دار الفناء.

    

تفسير آية {... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم}

حسناً، من الجدير بالذكر بأنّه لم يكن في نيتنا التحدّث اليوم، غير أنّ الكلام انجرّ بنا إلى هذا المقام. فنظراً لكون السيّد أحمد ـ سلّمه الله تعالى وأيّده وسدّده ـ قد تهيّأ للتلبّس بلباس العلماء، فقد لجأنا إلى استعراض بعض الكلمات حول هذا العيد بحسب ما يقتضيه المقام، وذلك من باب المقدّمة.
عندما قلت الآن لأولئك السادة الذين كانوا جالسين في الخلف تقدّموا للأمام: {تَفَسَّحوا في المـَجَالِسِ}[16] ـ وهي آية قرآنيّة طبعاً ـ تذكّرت بعد ذلك أنّ الآية وردت بهذا الشكل:
{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وإِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجات}.[17]
إنّ القرآن عجيب جدّاً! فما الذي تُريد أن تُنبيء عنه هذه الآية؟ يقول تعالى: يا أيّها المؤمنون، إذا كنتم قاعدين في المجالس ودخل أحد الأشخاص، اخلوا له مكاناً. أنا أعلم بأنّه لا يوجد مُتّسع، لكن اجتمعوا لكي يخلو له المكان؛ فإذا أخليتم له مكاناً فإنّ الله تعالى سيُخلي لكم مكاناً أيضاً: {يفسحِ اللهُ لَكُم}. إذا أوجدتم مُتّسعاً وفسحتم الطريق للناس، فإنّ الله تعالى بدوره سيفسح لكم، وأمّا إذا ضيّقتموها، فماذا سيفعل هو أيضاً؟ سيُضيّق عليكم.
إذا ما قصد الإنسان الجلوس في الحرم، فمدّ رجليه وفتح ركبتيه ونشر عباءته ـ بحيث لا يتمكّن أيّ مسكين آخر من القعود ـ وجلس للدعاء، فلن يحصل على أيّة فائدة من دعائه ولو أجهد نفسه في ذلك؛ لأنّ الطريق مُغلق.
إذا جاء شخص ما، فاجمع رجليك، وعدّل نفسك، فلا إشكال في ذلك! وضع أيضاً عباءتك أمامك لكي لا يضيق المكان على ذلك المسكين. افسح له طرفاً من الطريق، لكي يفسح لك الله أيضاً؛ حينئذ يُمكن لك أن تقول: يا سيّدي علي بن موسى الرضا! فيقول لك: نعم!
حسناً! فهذه الآية التي تقول: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا}، لماذا؟ {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ}.
{وإِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} أي عندما يُقال يا أيّها الناس انفضّوا عن المجلس! لقد انقضى المجلس، فلا تجلسوا بعد الآن وقوموا بسرعة!
فلا يقول هنا: إذا قمتم، فإنّ الله تعالى سيوصلكم إلى المقامات العالية وسيرفعكم.
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجات}.
كأنّ علوّ المقام يرتبط بالعلم والتقوى والإيمان، بحيث أنّه لم يجرِ أبداً على لسان الله تعالى أنّه قال لغير المؤمن وغير العالم: سأرفع من درجاتك.
{وإِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرفَعِ} يَرفَعِ! ويجب أن نقرأها: يَرفَعِ وليس يَرفَعُ، لماذا؟ لأنّها جواب شرط. {وإِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجات}.
فنشكر الله تعالى على أنّنا نمتلك علماً. وللعلم طريقان: علم باطني وعلم ظاهري؛ والظاهر يُؤيّد الباطن، كما أنّ الباطن يُؤيّد الظاهر، فكلّ واحد منهما يسند الآخر.
تقول الآية الشريفة: {يَرفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} الذين آمنوا! يلجؤون للدعاء والمناجاة في الليالي، فيستقون العلم من هناك؛ فهذا أيضاً نوع من أنواع العلم.
أو الأشخاص الذين يتعبون، يدرسون، يُجهدون أنفسهم، يقرؤون الآيات القرآنيّة، يدرسون التفسير، يدرسون الحديث، يعملون به ويُبلّغونه للآخرين، يُحيون الآخرين أيضاً؛ هذا أيضاً نوع آخر.
ولذلك تحدّثت الآية عن النوعين: الإيمان (وهو نفس الاتصال واليقين بالواقع) والعلم.
فالعلم بأيّة درجة وأيّ مقدار كان هو علم! وأمّا أن نأتي ونقول: "نحن لا نُريد العلم بالظاهر بل نريد العلم بالباطن" فهو كلام فارغ، ونفس الشيء إذا قلنا "نحن نُريد العلم بالظاهر، فلا جدوى من العلم بالباطن"؛ فكلّ هذا هُراء.
إذا كنّا لا نمتلك أيّة معرفة، فلن نتمكّن من قراءة القرآن وفهمه، لا، لن نتمكّن من فهمه، ولن نستطيع فهم أمير المؤمنين، لن نستطيع إدراك معنى «أَلَستُ أولى بِكُم»؛ وعليه، يحوز العلم على شرف كبير جدّاً، ومن اللازم الخوض فيه والكدح في طلبه.

    

خواطر حول طلب العلم وطلاّبه

والحمد لله فمن علامات صواب هذا الطريق أنّ إخواننا وأصدقاءنا يرغبون في طلب العلم من تلقاء أنفسهم، لا أنّهم يشمئزّون منه. وأذكر أنّي في يوم من الأيّام كنت راجعاً من قم، وأظنّ أنّ الساعة كانت السادسة، فقد كان الوقت مبكّراً؛ وكان قد شايعني إلى موقف الحافلات كلّ من السيّد محمد صادق والسيّد محمد محسن برفقة السيّد أشكوري. ولا أتذكّر الأمر الذي دار حوله الكلام ـ هل تذكر يا سيّد محسن ماذا كان حديثكم في ذلك اليوم؟ ـ حيث أجبتُ قائلاً: من العلامات الدالّة على صواب طريقنا رغبة أصدقائنا في العلم! ـ ويبدو أنّ الحديث آنذاك كان مرتبطاً بالسيّد أحمد ـ فبحمد الله الإخوان هم يرغبون في طلب العلم! لا أنّنا ندعوهم إلى لبس العمامة وطلب العلم، بل هم يرغبون في ذلك من تلقاء أنفسهم.
فابن أختنا هذا السيّد أحمد علي جاءني مراراً ملحّاً في القول أن: يا خالي العزيز، أريد أن أُصبح من طلبة العلوم الدينيّة، أرغب في الدراسة، فهلاّ أقنعتم أبي أن يُرسلني إلى قم، كلّموا أمّي لتصبر على فراقي! هذا مع أنّني لم آمره ولم أنهه عن أيّ شيء.
وأما السيّد محمد صادق هذا فقد كان يوماً في الصف السابع، وكان يدرس في المدرسة العلويّة، فناديته في إحدى الليالي وقلت له: يا عزيزي، لقد حصلتُ بدوري أنا على الشهادة الثانوية، كما أنّني كنت أُتقن الألمانيّة، بحيث لم يكن باستطاعة أيّ أحد أن يكتشف وجود خطأ في كلامي؛ ولقد صرفت مقداراً من عمري في تلك المسائل، غير أنّني نادم الآن على تضييعي ذلك المقدار من عمري في ذلك! كما أنّك تُعدّ ابني وأنا مكلّف بتأدية حقوقي الأبويّة تجاهك. لا تقل: "بما أنّك يا والدي درست في الثانويّة ثمّ درست بعدها تفسير القرآن إلى هذا الحدّ، ودرست الحديث، ودرست الفقه، وذهبت إلى النجف وقم، فإنّني سأصنع مثل ما صنعت فأدرس أولاً في المدرسة ثمّ أنتقل إلى الدراسة الحوزويّة"، هذا صحيح، لكن لو أنّني قضيت ذلك المقدار من عمري في هذا الطريق، وأضفت تلك الإمكانيّات وتلك الطاقات وتلك الإحياءات لليالي فيه، ألم يكن خيراً لي؟!
فقلت له: سارع منذ الآن في البدء بدراسة العلوم الحوزيّة ما دمت تمتلك الوقت. وأما لو قضيت وقتك في مطالعة دروسك وقمت بالمذاكرة، وذهبت إلى لمدرسة، وقمت بحلّ المعادلات من الدرجة الثالثة، ورسمت المنحنيات، وأتقنت دروسك في الكيمياء والرياضيات، وكنت مهندساً جيّداً أيضاً، ثمّ بعد ذلك تفرّغت لدراسة العلوم الدينيّة؛ فهذا لن يحدث زلزالاً فيّ ولن يؤثّر سلباً عليّ ، فكلّ هذه الأمور صحيحة. فلو سلّمنا أنّها صحيحة أليس فيها تضييع لعمرك بعيداً عن ذلك الهدف الذي تصبو إليه؟ أفلم يكن جديراً بك أن تقضي عمرك هنا؟ وأن تُنفق هذه الثروة في تحصيل المعارف، وحفظ القرآن، وحفظ نهج البلاغة، وأن تبدأ تعلّم اللغة وآدابها منذ الآن، فتُعجّلَ بذلك في حركتك ونموّك العلمي، أليس ذلك أفضل؟!
قال: نعم، يا والدي العزيز، إنّه أفضل.
وفي اليوم التالي، ذهبت برفقته إلى المدرسة، فقال السيّد روزبه ـ رحمة الله عليه ـ: أيّها السيّد العلاّمة! فقد تعجّب من أنّه لن يأتي إلى المدرسة بعد ذلك!
قلت له: لا بأس، أنتم الآن ائتوني بملفّ الطفل!
فقال: كيف يُمكن ذلك؟! إنّه التلميذ الأوّل! فجاء المعلّمون [يتساءلون]، ما الخطب؟
قلت لهم: إنّه يرغب في ذلك بنفسه.
قال: يريد أن يُصبح من طلبة العلوم الدينية؟
قلت: أجل!
قال: ماذا؟
نعم!
كلّ واحد منهم قال شيئاً معيّناً.
جاؤوا إليّ وقالوا لي: حسناً، لو كان الأمر كذلك، فإنّنا ننصحكم بأن لا يترك الرياضة.
قلت: سمعاً وطاعة! آتوني الآن بملفّه.
أخذنا ملفّه ورجعنا، ولم يكن ليصدّق لسروره؛ فقد صرنا كلانا من طلبة العلوم الدينيّة!
ومنذ تلك اللحظة، بدأنا خطوة خطوة، وانطلقنا من: "واعلم أيّدك الله في الدارين" من دون وجود أيّ إكراه أو خوف.
وأنا لا أعلم ما الذي يفعله الآن، ولا أعلم أيضاً من أيّ جهة نشرع في مدحه، هذا مع أنّنا مهما مدحنا وأثنينا، فإنّه سيكون مضرّاً، إلاّ أنّ الواقع هو هذا؛ فقد استجاب للأمر بشكل جيّد.
لقد كان يدرس [العلوم الدينيّة]، فاندهش البعض من ذلك، وتعجّب البعض من أفراد عائلتنا من ذلك: يا سيّدي، هل يدرس [العلوم الدينيّة] حقّاً؟!
ـ نعم!
ـ ألم يُصب بالفتور؟!
ـ لا! (هذا أمر عجيب يا سيّدي!)
ـ حسناً، هل توجد مشكلة في أن يصير الإنسان طبيباً ومع ذلك يدرس العلوم الدينيّة؟ أفلا ينبغي على الأطبّاء أن يتعلّموا التبليغ أيضاً؟!
ـ أجل، لكن ائتني أوّلاً بطبيب ملتزم بشكل جيّد[18]؛ إذ أنّ الأطباء يسعون إلى تأويل الدين والمذهب بما بتلاءم مع أذواقهم، لا أنّهم يجعلون أنفسهم تحت تصرّف الدين؛ فمن كان يُريد أن يفهم الدين عليه أوّلاً أن يُقوم بإفراغ ذهنه من الأحكام المسبقة. وعلاوةً على ذلك، فإنّ طالب العلوم الدينيّة إذا أراد أن يكون موفّقاً ويبلغ هدفه فعليه أن يبذل جميع طاقته في هذا الطريق.
قال البعض بأنّه ينبغي علينا تغيير رأي هؤلاء السادة، وعلينا أن نقوم بشيء ما ليعود إلى المدرسة، علينا أن نُغيّر ذلك بأيّة طريقة. كما حاول آخرون وآخرون بدورهم.
في يوم من الأيّام، ذهبت لزيارة أحد أقربائي، فكان يتحدّث عن أحد العلماء، وقال: في حقيقة الأمر، هل يستطيع أن يفهم الدروس بشكل جيّد من الأساس؟! هل يرغب في ذلك حقيقةً؟! فلا تُلحّوا عليه في ذلك!
أنا لم أرغب في أن أقول له: يا سيّدي العزيز، نحن لم نقم بأيّ شيء تجاهه، نحن لم نخبره عن الغيب، ولم نسحره، نحن قلنا له: الله، فقال هو بدوره: الله! أنتم عرّفتمونا على الله، ونحن لم نقم بأيّ شيء في هذا الإطار. قولوا لنا ما الواجب فعله؟! فأنتم قلتم لنا ذلك، ونحن بدورنا نقلناه. فقال هذا العمّ: يشهد الله بأنّك تقول الحقّ.
أنتم علّمتومنا ذلك، فلمّا قلناه انزعجتم! ماذا تُريدون منّا أن نفعل له؟ هل نتخلّى عنه؟!
وعلى أيّ حال نرجو من الله تعالى أن يختم لهذا السيّد بالحسنى، وهو الآن عندما يُشاهد هؤلاء السادة الأبناء ويطّلع عل أحوالهم، يقول لي إنّني أدعو لكم دائماً، ومن أعماق قلبي أدعو لكم، فأنتم قرّة عيني، وإلى غير ذلك من أمور... .
وهؤلاء الطلاب يزدادون يوماً بعد يوم، وها هم يأتون من تلقاء أنفسهم، فما هو السبب في ذلك؟
إنّهم أدركوا بأنّ الإنسان ـ يا عزيزي ـ يقضي عمره في الذهاب إلى الدكّان.. يزن خمسة كيلوات من العقدة الصفراء، يكتب صكّاً، يُحرّر فاتورة، ثمّ يزن بعد ـ ساعة ـ مقداراً من اللبن حتّى ينقضي عمره على هذه الحال. لقد ورث محلاًّ تجاريّاً عن جدّه أو أبيه فهو يرعاها بشكل جيّد، وكذلك الميزان والدكّان و... وهكذا يبقى إلى أن يفنى العمر، فما الذي جناه من كلّ ذلك؟ ولا كلام لنا حول أنّ هذا العمل هو جيّد في حدّ نفسه، وهو من الكسب الحلال، لكنّه يختلف كثيراً ـ يا سيّدي ـ عن العلم كافتراق الأرض عن السماء! ألا يختلف عنه؟!
فأن تأتي الآن وتُشغل ذهنك بـ "القرآن" و"أصول الكافي" و"الوافي" للمرحوم الفيض و"الجواهر" للمرحوم الشيخ محمد حسن و"المبسوط" للشيخ [ الطوسي] و"النهاية" للشيخ [الطوسي] و"من لا يحضره الفقيه" و"التهذيب" و"الاستبصار" للشيخ الطوسي في الفقه، أفهذا أفضل أم تلك؟ إنّك بهذه الأمور تحيي نفسك وتحيي الآخرين.
فإذا قام بذلك، فإنّ الآيات القرآنيّة تأتي مباشرةً لتشدّ أزره: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ}، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ}[19].
والحاجّ السيّد أحمد من إخواننا الأعزّاء ومن خيرة أحبّائنا، وهو من الإخوة الهمدانيّين، كان يشتغل في همدان من أجل تحصيل معاشه، كما كان في فترة اشتغاله يقوم بالدراسة، فقد كان يدرس العلوم الدينيّة.. في كلّ يوم درساً أو درسين، وكان يباحث دروسه أيضاً. وقد كان قبل مدّة من الزمان ـ لعلّها ترجع إلى سنتين ـ وهو يقول لي: أريد أن أصبح طالباً في العلوم الدينيّة، أريد أن أدرس، فأنا أعشق الدروس [الدينيّة].
قلت له: يا عزيزي، إنّ الدراسة ليست بالأمر الهيّن، فهي صعبة وتتطلّب جهداً كبيراً.
فودّعني وعاد إلى همدان، ثمّ رجع بعد ذلك وقال: ياسيّدي، أرغب في دراسة العلوم الدينيّة، فعشقي لها شديد.
قلت له: يا عزيزي، إنّ الدراسة ليست بالأمر الهيّن! نحن وقعنا في المصيدة وعلقنا فيها، وأمّا بالنسبة لك، فأنت لم تقع فيها بعد، فانظر إلى الطريق أمامك جيّداً!
وقد وقع أولادي الصغار الأبرياء في هذه المصيدة كذلك، وليس حالنا كحالكم؛ فأنت ـ بحمد الله ـ تاجر... فالحاجّ السيّد أحمد حسينيّان من التجّار المحترمين في همدان، وله شُغل وعمل ودار وأولاد وله حياته الخاصّة الناجحة.
قال: أنا على درجة من العشق والحبّ للدراسة.
قلت: الدراسة محفوفة بالمشاكل والمنغّصات، وتتطلّب المطالعة والمباحثة، وتترافق مع قلّة النوم والجوع والتشرّد؛ فدراسة العلوم الدينيّة ليست بالأمر الهيّن! [قال] الله كبير [وسيُعيننا عل ذلك].
وأنا الآن لا أعلم هل فعلاً المسألة كانت كما يُقال بأنّ هناك من يأتي عن اليمين والشمال ومن بين الأيدي ومن الخلف يريد أن يمنع إنساناً آخر من أن يفعل فعلاً ما؟ فأنا لا أعلم هل نحن ساهمنا ـ بعملنا هذا ـ في ازدياد حرصه أم لا؟! ففي النهاية هو كان يقاوم ويقوم بعمل ما جعل منه يمضي في طريقه قدماً.
حاصل الأمر، أنّه لم يتراجع أبداً إلى أن بدأ ـ ولله الحمد ـ الدراسة في همدان، فكان يتباحث في شرح اللمعة والرسائل وغيرها، كما درس مقداراً معيّناً من المكاسب، إلى أن عقد العزم على الذهاب إلى قم من أجل الدراسة.
فلثم باب المتجر وسلّمه إلى السيّد والده، ودفع إليه كذلك جميع الدفاتر [دفاتر الحسابات]، ونقل محلّ سكناه إلى قم، حيث سافر برفقة عياله [زوجته] وعدد من الأطفال، واستأجر منزلاً في قم مكوّناً من غرفتين (في حيّ جوب شور)، كما حصل على خزانة للكتب وطاولة. وقد زرناه في منزله، فاكتشفنا بأنّه منهمك فعلاً في دراسته: ضَرَبَ ضَرَبا ضَرَبُوا، ضَرَبَتْ ضَرَبَتَا ضَرَبْنَ، ضَرَبْتَ ضَرَبْتُمَا ضَرَبْتُمْ، ضَرَبْتِ ضَرَبْتُمَا ضَرَبْتُنَّ، ضَرَبْتُ ضَرَبْنَا؛ وهي الضمائر الأربعة عشر... اعلم أنّ الماضي ينصرف إلى أربعة عشر وجه: ثلاثة من المذكّر، وثلاثة من المؤنّث و...، نحن نتلطّف فقط، وإلاّ فقد كان يدرس المكاسب.
و لقد قمنا هناك ـ يا سيّدي ـ بأداء الصلاة (صلاة المغرب والعشاء)، حيث كنّا متواجدين عنده في إحدى الليالي، فيا لها من صلاة كانت! لقد افتقدنا فيها جميع الرفقاء! ومتى سافرتم إن شاء الله إلى قم، فاذهبوا إلى منزله وصلّوا هناك المغرب والعشاء.
ثمّ تقرّر بعد ذلك تعميمُه، فقلت بأنّ يوم ولادة مولانا الإمام الرضا عليه السلام هو اليوم الحادي عشر من ذي القعدة، ولاتفصله عن عيد الغدير مدّة طويلة؛ هذا مع أنّ عيد الغدير هو عيد تتويج مولى الموحّدين! فوضعُ العمامة على الرأس في هذا اليوم له بركات ورحمة كثيرة.
وذلك لأنّ نزول البركة شرع من هناك! وقد اصطفّ جميع الأنبياء والنبيّ الأعظم وجبرائيل وميكائيل وإسرافيل، وكذلك الملائكة فيما بين المشرق والمغرب! وهو أمر لا يُصدّق! فقد تهيّؤوا جميعُهم من أجل مشاهدة كيف سيعرّف رسول الله صلّى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام وسنصّبه. والبركة نفسها تكون للسائرين في هذا الطريق! فحسبهم أن يمسكوا بوبرة واحدة من كساء فاطمة الزهراء عليها السلام...
اللهم صل على محمد وآل محمّد


[1] ـ و قد عرف هذا الحديث بحديث أنَس. و قد روى أبونعيم الأصفهانيّ في «حلية الأولياء» ج 1، ص 63 و محمّد بن طلحة الشافعيّ في «مطالب السئول» ص 21 عن أبي نعيم في «الحلية». و أحمد بن الموفّق الخوارزميّ في «المناقب» ص 51 وإبراهيم بن محمّد الحموينيّ الشافعيّ في «فرائد السمطين» ج 1 باب 27 و الكنجيّ الشافعيّ في «كفاية الطالب» ص 92، تحت عنوان «تخصيص عليّ بكونه سيّد المسلمين»، و ابن أبي الحديد المعتزليّ الشافعيّ في «شرح نهج البلاغة» ج 2 ص 450، والقندوزيّ الحنفيّ في «ينابيع المودّة» ص 313، عن أبي نعيم في «الحلية»، و ابن شهرآشوب في «المناقب» ج 1 ص 543 عن حلية أبي نعيم و ولاية الطبريّ، و السيّد هاشم البحرانيّ في «غايةالمرام» ص 619 عن الحموينيّ، و ابن عساكر في «تاريخ دمشق‏ الكبير» الجزء الخاصّ بأميرالمؤمنين، ورقة 99، روى هؤلاء بإسنادهم‏ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله):« يَا أَنَسُ اسْكُبْ لِي وَضُوءاً»، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا أَنَسُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وخَاتَمُ الْوَصِيِّينَ». قَالَ أَنَسٌ: قُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وكَتَمْتُهُ إِذْ جَاءَ عَلِيٌّ عليه السلام فَقَالَ: «مَنْ هَذَا يَا أَنَسُ»، فَقُلْتُ: عَلِيٌّ، فَقَامَ مُسْتَبْشِراً فَاعْتَنَقَهُ ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَرَقَ وَجْهِهِ بِوَجْهِهِ ويَمْسَحُ عَرَقَ عَلِيٍّ بِوَجْهِهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: «صَنَعْتَ شَيْئاً مَا صَنَعْتَ بِي قَبْلُ». قَالَ: « ومَا يَمْنَعُنِي وأَنْتَ تُؤَدِّي عَنِّي وتُسْمِعُهُمْ صَوْتِي وتُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِي». راجع معرفة الإمام، ج‏2، ص: 215

[2] ـ سَدل: لباس (ساتر).

[3] ـ هكذا ورد في الأشعار المنسوبة إلى الشافعي: يَا رَ اكِباً قِفْ بِالْمُحَصَّـبِ مِن مِـنـى                              وَاهْتِف بِسَاكِـنِ خَيْفِـهَـا والنَّـاهِضِ
سَحَراً إذَا فَاضَ الْحَجيجُ إلى مِـــنى                              فَيْضاً كَمُلتَطِمِ الْفــُراتِ الْفَائِــــضِ‏
إن كَـانَ رَفْضـاً حُـــبُّ آلِ مُحَمَّــدٍ                              فَلْيَشهَدِ الثَّقَـــلانِ أنِّي رَ افِضــــي
(راجع: معرفة الإمام، ج 3، ص 101) ـ المترجم ـ.

[4] ـ سورة الروم (30)، ذيل الآية 31.

[5] ـ سورة مريم (19)، جزء من الآية 31.

[6] ـ وردت الرواية في المجاميع الحديثية بهذا الشكل: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ أَفْضَلِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى رَبِّهِمْ، وَأَحَبِّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: «مَا أَعْلَمُ شَيْئاً بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الصَّالِحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (ع) قَالَ: {وَ أَوْصاني‏ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا} ». (الكافي، ج 3، باب فضل الصلاة، ح 1) ـ المترجم ـ.

[7] ـ سورة الشعراء (26)، الآية 214.

[8] ـ يقول: لم تقدر السماء على تحمّل عبء الأمانة، فجاءت القرعة باسمي أنا المجنون.

[9] ـ سورة الأنعام (6)، جزء من الآية 153.

[10] ـ سورة الأحزاب (33)، صدر الآية 6.

[11] ـ سورة الأحزاب (33)، صدر الآية 36.

[12] ـ عثر على النصّ الأصلي لهذه الرواية مذكوراً بهذا الشكل: عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ جَالِساً بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فِي مَرْضَتِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا فَدَخَلَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام، فَلَمَّا رَأَتْ مَا بِأَبِيهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وآلِهِ مِنَ الضَّعْفِ بَكَتْ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعُهَا عَلَى خَدَّيْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله:«... وَأَنْتِ أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِي مِنْ أَهْلِي... يَا بُنَيَّةُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ أَعْطَانَا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ سَبْعَ خِصَالٍ لَمْ يُعْطِهَا أَحَداً مِنَ الْأَوَّلِينَ كَانَ قَبْلَكُمْ ولَا يُعْطِيهَا أَحَداً مِنَ الْآخِرِينَ غَيْرَنَا نَبِيُّنَا سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وهُوَ أَبُوكِ، ووَصِيُّنَا سَيِّدُ الْأَوْصِيَاءِ وهُوَ بَعْلُكِ، وشَهِيدُنَا سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وهُوَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وهُوَ عَمُّ أَبِيكِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وهُوَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَكَ، قَالَ: لَا، بَلْ سَيِّدُ شُهَدَاءِ الْأَوَّلِينَ والْآخِرِينَ مَا خَلَا الْأَنْبِيَاءَ والْأَوْصِيَاءَ، وجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو الْجَنَاحَيْنِ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وابْنَاكِ حَسَنٌ وحُسَيْنٌ سِبْطَا أُمَّتِي وسَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ومِنَّا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَهْدِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً». (بحارالأنوار، ج 28، ص52). وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله):« يَا أَنَسُ اسْكُبْ لِي وَضُوءاً»، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا أَنَسُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وخَاتَمُ الْوَصِيِّينَ». قَالَ أَنَسٌ: قُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وكَتَمْتُهُ إِذْ جَاءَ عَلِيٌّ عليه السلام فَقَالَ: «مَنْ هَذَا يَا أَنَسُ»، فَقُلْتُ: عَلِيٌّ، فَقَامَ مُسْتَبْشِراً فَاعْتَنَقَهُ ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَرَقَ وَجْهِهِ بِوَجْهِهِ ويَمْسَحُ عَرَقَ عَلِيٍّ بِوَجْهِهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: «صَنَعْتَ شَيْئاً مَا صَنَعْتَ بِي قَبْلُ». قَالَ: « ومَا يَمْنَعُنِي وأَنْتَ تُؤَدِّي عَنِّي وتُسْمِعُهُمْ صَوْتِي وتُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِي». (بحارالأنوار، ج 37، ص 300) ـ المترجم ـ

[13] ـ سورة البقرة (2)، ذيل الآية 177.

[14] ـ هناك رواية عن الإمام الصادق عليه السلام تماثل هذا المعنى: الْفَحَّامُ عَنِ الْمَنْصُورِيِّ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ إِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى سَيِّدِنَا الصَّادِقِ عليه السلام فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَقْرَ فَقَالَ: «لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ ومَا أَعْرِفُكَ فَقِيراً» قَالَ: واللَّهِ يَا سَيِّدِي مَا اسْتَبَنْتَ وذَكَرَ مِنَ الْفَقْرِ قِطْعَةً والصَّادِقُ عليه السلام يُكَذِّبُهُ إِلَى أَنْ قَالَ: «خَبِّرْنِي لَوْ أُعْطِيتَ بِالْبَرَاءَةِ مِنَّا مِائَةَ دِينَارٍ كُنْتَ تَأْخُذُ؟»، قَالَ: لَا إِلَى أَنْ ذَكَرَ أُلُوفَ دَنَانِيرَ والرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ فَقَالَ لَهُ: «مَنْ مَعَهُ سِلْعَةٌ يُعْطَى هَذَا الْمَالَ لَا يَبِيعُهَا هُوَ فَقِيرٌ؟» (بحار الأنوار،ج 64، ص 174) ـ المترجم ـ

[15] ـ سورة الجمعة (62)، صدر الآية 5.

[16] ـ سورة المجادلة (58)، جزء من الآية 11.

[17] ـ سورة المجادلة (58)، صدر الآية 11.

[18] ـ من الواضح أنّ المرحوم العلامة رضوان الله عليه يتحدّث عن واقع الأطباء في إيران قبل انتصار الثور الإسلاميّة حيث كان الغالب عليهم الصبغة المادية ـ م ـ

[19] ـ سورة آل عمران (3)، صدر الآية 18.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی