معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > محاضرات تأسيسيّة حول الولاية التكوينية > المحاضرة الثانية: الولاية التكوينية للملائكة

_______________________________________________________________

هو العليم

محاضرات تأسيسيّة حول الولاية التكوينية

المحاضرة الثانية:
الولاية التكوينية للملائكة

 

سماحة آية الله الحاج

السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على أحبّ المرسلين وخير البريّة أجمعين
الرسول النبيّ الأمي التهامي القرشي أبي القاسم المصطفى محمّد
وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين المكرّمين
واللعنة الدائمة الأبديّة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

    

عرض موجز لما جرى بيانه في الجلسة السابقة

لقد تعرّضنا في الجلسة السابقة إلى أنّ «عالم الأمر» هو عبارةٌ عن عالم العِلل والأسباب نسبةً إلى «عالم الشهادة» و«عالم المُلك»، ويعبّر عنه [أي: عن عالم الأمر] بـ«عالم الملكوت»، وذكرنا أنّ كلّ شيء يحدث في عالمنا هذا فلا بد له لكي يحدث في العالم أن يكون معلولاً لسلسلة العلل: سلسلة عالم الغيب وعالم إرادة الله تعالى ومشيئته.
و[ذكرنا] أنّ هذا الحادث عبارة عن نفس الخلق ونفس الوجود، [وهو إنّما يحصل] بتطورات الخلقة وأدوارها بعد الخلق وبعد الوجود؛ وذلك كما صرّح الله تعالى به في الآية المباركة من سورة يس؛ حيث قال في كتابه العزيز: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[1] {إِنَّمَا أَمْرُهُ} تعني: إرادته ومشيئته في خلق عالم الوجود والتطورات والحوادث التي تقع عليها بعد الوجود في هذا وهو عالم الكون.
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} تعني: إنّ إرادة الله تعالى ومشيئته وتقديره في عالم الوجود عبارة عن خطاب كلمة «كُن»؛ [والمراد بها] كلمة «كُن» الوجوديّة وليس كلمة «كُن» الخارجيّة [واللفظيّة]، من قبيل: الألفاظ التي يتلفظ بها الإنسان؛ لأن الله تعالى مُبرّئ عن المادّة وشوائب المادّة وآثار المادّة؛ وبالتالي فـ «كُن» في خطاب الله تعالى عبارة عن إعماله عزّ وجلّ وإجرائه لمشيئته في الشيء.
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فيتحدث؛ نعم! {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[2]، وهذه الفاء فاء التفريع[3] أي: وبناءً على هذا { فَسُبْحَانَ الَّذِي..} وتعني: تنزيه الله تعالى، {الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} و«المكلوت» هو «عالم الأمر»، وهذا يعني أنّه مترتّب على الآية الأولى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وبالجمع بين الآيتين يمكن أن نقول: فسبحان الذي بيده أمر الأشياء؛ و «أمر الأشياء» عبارة عن «ملكوت الأشياء»، و«الملكوت» عبارة عن «عالم الأمر».
إذن «عالم الأمر» هو «عالم العلل» وعالم تقدير الله تعالى ومشيئته، {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} والمراد في هذه الآية لا «نفس الشيء» بل «ملكوت الأشياء» !! {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}.
يعني: الأشياء في العالم؛ في عالم الشهادة، وفي عالم المادّة: الإنسان والحيوان والأشجار والأجرام السماوية والحيوانات وحتّى بالنسبة إلى الصور المجرّدة، كلّها يُعبّر عنها بالشيء، والملكوت عبارة عن تعلق هذه الأشياء بالله تعالى وهو عبارة عن العلّة المُحدِثة والعلّة المُبقية للأشياء وهو ما يسمّى بالملكوت. كما يفصح الله تعالى عن هذه الحقيقة في آية أخرى فيقول: { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[4] ، لم يقل: «كذلك نري إبراهيم السماوات والأرض» !! لأنّه يرى السماوات والأرض ولا يحتاج إلى (إرائة). ولذا ما معنى الملكوت هنا؟ وما معنى ملكوت السماوات والأرض.. ملكوت الأرض.. ملكوت الأشياء.. ملكوت الأشجار.. ملكوت الكُرات.. ملكوت الأفلاك؟
{وَكَذَلِكَ نُرِي} ؛ نُريه { َلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }، فما الأمر الذي وقع إذن في قلب إبراهيم على نبينا وآله وعليه السلام حتّى أصبح من الموقنين؟ أيُّ شيءٍ جديد وقع في قلبه، خاصّةً أنّنا نعلم أنّه يرى العالم، يرى القمر والشمس، فهو كان يرى كلّ الحوادث ولكن لم يكن { مِنَ الْمُوقِنِينَ } فلمّا رأى ملكوتها أصبح من الموقنين.
والملكوت هو عبارة عن العلّة؛ يعني: هي عبارة عن كيفيّة إرادة الله تعالى ونزول المشيئة في هذا العالم، والآيات الدالة على هذا الأمر عديدة. هذه كانت المسألة الأولى.

    

كيفيّة صدور الأفعال من قِبل الإنسان

أمّا المسألة الثانية وهي مسألةٌ مهمّة جداً! أي أنّه ينبغي علينا أن نتأمّل في هذا المبدأ وفي هذا النقطة، وهي كالتالي: كما أنّ للإنسان صفات وغرائز وخصوصيّات شخصيّة، وهو يفعل كل ما يريد من خلال هذه الخصوصيات، ويُقدم على كلّ شيء بحسب ما لديه من هذه الخصوصيات والصفات؛ فالإنسان يمتلك العقل والإرادة والتدبير، وهو يمتلك كذلك الرحمة والشفقة والرأفة، ويوجد كذلك عند الإنسان العطف والغَضَب والقهر، كما أنّ لديه القدرة على التفكّر والتأمّل، وهو يمتلك كذلك غريزة الشهوة وغريزة الحياة وسائر الغرائز التي أودعها الله في الإنسان من غريزة حبّ النفس وطلب المنفعة للنفس (ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الغريزة أي: غريزة حبّ النفس من أهم الغرائز الموجودة في الإنسان).
إذن هذه الغرائز موجودة في الإنسان، وهو يفعل كلّ شيء من خلال هذه الغرائز، طبعاً عمله إنّما يكون بناءً لمقتضى هذه الغريزة في النفس؛ مثلاً: إذا أراد الإنسان أن يحل مسألة أو يحل مشكلة، فهو لا يحلّها من خلال غريزة الشهوة أو غريزة الغضب؛ لأنّ الإنسان يكون في هذا الحالة على نحوٍ لا يستطيع معه أنْ يحل المسألة أو المشكلة، بل لا بد له إذا أراد حلّها أن يكون فارغ الذهن، وأن يجلس ويفكّر و يتأمّل في المشكلة وفي الشيء الصعب لكي يجد حلاً للعقدة، وبالتالي ما هي الغريزة والصفة التي ينبغي على الإنسان أن يستخدمها لحلّ المسألة؛ هل يكون ذلك بغريزة الشهوة؟ لا، هل يحلّها من خلال غريزة الغضب وصفة الغضب؟ لا.
نعم، في بعض الأحيان يمكن للإنسان أن يحلّ المشكلة بالغضب!! [يبتسم سماحة السيّد] نعم هذا يمكن تصوّره في بعض المسائل الخارجيّة [والاجتماعيّة]. ولكن ماذا يفعل بالمسائل الصعبة؟ مثل: مسائل الرياضيّات ومسائل الحساب والهندسة والمشاكل التجاريّة، وبعض المعاملات التجاريّة المعقّدة، هل يحلّها بغريزة الغضب؟! أم أنّه يذهب إلى مكانٍ هادئ خالٍ من الصوت والضوضاء ويقول ـ مثلاً ـ : «كلّ من يتّصل فقولوا له هو مشغول»، فيجلس في غرفته و يغلق كلّ الأبواب ويعمل على تركيز خاطره وذهنه حتّى يصل إلى حلّ للمشكلة. إذن هو يحلّها بغريزة الفكر والعقل، وكذا الحال بالنسبة إلى سائر الغرائز، فبغريزة حبّ النفس واستجلاب المنافع لها تجدنا نستمرّ بالحياة ونستمرّ، يعني: لأنّنا نحب أنفسنا ونحب البقاء تجدنا نذهب إلى العمل لنحصل على المنافع ونستجلب ما يفيدنا في دوام حياتنا واستمرارها، ولذا نحن لا نعمل بسبب وجود غريزة الغضب فينا، بل من خلال غريزة حبّ النفس، وكذلك إذا واجه الإنسان واقعةً نفسانيّة شهوانيّة، فإنّه لا يُقدم على هذا العمل بغريزة العقل وغريزة القهر؛ لأنّ القهر مخالف لهذا المقام.
كما أنّ الإنسان إذا واجه العدو، لا يواجهه من خلال غريزة الرأفة والرحمة والمحبة، بل يواجهه بغريزة القهّاريّة والغضب والدفاع، ومن خلال غريزة جلب المنافع ودفع المضار عن النفس.
إذن ينبغي على الإنسان أن يستفيد من هذه الوسائط التي أودعها الله عزّ وجلّ في نفسه في كلّ موقف من المواقف ولكن بحسبه، فأحد هذه الوسائط هو العقل، وأحد هذه الوسائط الشهوة، أو القهر أو الغضب، كما أنّ أحدها الرحمة والعطف، وأحدها حبّ النفس وحبّ النوع؛ أي أنّ الإنسان يحب جميع أنواع الإنسان لأنّه مشترك في الإنسانيّة معهم، ويشترك معهم كذلك في مسائل أخرى.
إنّ هذه الغرائز وهذه الوسائط التي تساعدنا في التصرّف، لا تتداخل مع بعضها البعض، إلاّ في بعض المواطن المحدودة؛ مثلاً: يُمكن للإنسان أن يستفيد من عقله حتى حينما يستفيد من غريزة الغضب؛ يعني: العاقل حينما يريد أن يستخدم غريزة الغضب يستخدم معها غريزة العقل أيضاً، لا أنّه يستخدم الغضب لوحده، وإلاّ لأصبح كالمجانين وفعل كلّ شيء، وبالتالي يمكن له أن يقتل، فإذا غضب ـ مثلاً ـ وضرب رجلاً فقد يضربه إلى حدّ القتل والموت، لكنّ العقل يأتي ويقول له: لك أن تضربه إلى الحدّ الفلاني، ولا تضربه إلى الحدّ الفلاني، أو مثلاً يقول له: اضربه على كتفه ولا تضربه على رأسه، فهذه التدبيرات التي يقدم عليها الإنسان حين الضرب إنّما تكون بتأثير العقل، يعني: هو يستخدم العقل في نفس الوقت الذي يستخدم فيه غريزة القهر وصفة الغضب، والعقل يحدّد مقدار الغضب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشهوة، وكذا بالنسبة إلى التجارة، وهكذا بالنسبة إلى استجلاب المنافع للإنسان؛ حيث يتدخّل العقل في جميع هذه الموارد ويستخدم هذه الوسائط ويستفيد منها، ولكن في كلّ مرحلة بحسبها، بحيث لا يزيد في هذه المرحلة ولا ينقص. ولو أنّ الله تعالى يترك الإنسان يفعل ما يشاء من دون قوّة العقل، فستجده يُعمل هذه الغريزة في كلّ الأشياء ومن الواضح ما هي النتيجة التي ستحصل!! وسنرى عندها ماذا سيفعل الإنسان وما هي النتيجة وراء ذلك!!!
ونحن نقول: إنّ نفس هذا الأمر موجود في سائر الأشياء: فالحيوان له غرائز متعدّدة يستفيد منها كلاً بموضعها، والأشجار لها غرائز متعدّدة تستفيد من هذه الغرائز كلاً بموضعها.

    

كيفيّة صدور الأفعال مِن قبل الله عزّ وجلّ: الخلق، الإحياء، الإماتة، وغيرها

وبنفس هذا المقياس، نقول إنّ نفس هذا القانون موجودٌ في الله سبحانه وتعالى بعينه، يعني: إنّ الله تعالى مع أنّه مجرّد من كل شيء، ومن شوائب المادّة وعالم الطبيعة، ومنزّه عن المقايسة مع الغير، ومنزّه عن التمثيل والمثال والشبيه، مع أنّ الله تعالى مجرّد عن ذلك كلّه، إلاّ أنّه سبحانه وتعالى له أسماء وصفات، وهو عزّ وجلّ يستفيد من كلّ اسم ومن كلّ صفة في موضع خاصّ وفي خلق خاصّ وفي حادث خاصّ، ولله تعالى ثلاث أسماء[أساسيّة]: الأوّل: الحياة، ثمّ العلم، ثمّ القدرة، وهو ما يعني أنّ الله تعالى: حيٌ وقادرٌ وعالمٌ.
ونحن نقول: إن هذه الأسماء الثلاثة موجودةٌ في كلّ شيء، يعني: كلّ أمر موجود في العالم له قدرة وحياة وعلم، وإلاّ لمات، [ومعنى الموت:] أنّه يضمحلّ بالكليّة سواء أكان من الحيوان أم الإنسان أم الجمادات أم المجرّدات.
ثمّ إنّه يتولّد من هذه الأسماء الثلاثة باقي الصفات الأخرى؛ فمن صفة الحيّ تتولّد الصفات الأخرى من قبيل: صفة القيوميّة؛ أي: القيوميّة في الذات والقيوميّة في الأشياء، ومن صفة العلم تتولّد صفة العلم الكلّي الإلهي، وبهذه الصفة يُقدّر الله عزّ وجلّ الأشياء، ويصبح له قضاءٌ وتقديرٌ وإرادةٌ في كلّ مخلوق، ولكن كُلٌ بحسبه، يقول تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ}[5] . وبالتالي فالتقدير في الخلق و ميزان كلّ شيء في الخلق إنّما يكون بحسب علم الله تعالى وبحسب ما يراه الأصلح وبحسب ما يراه الأهم بالنسبة إلى كلّ شيءٍ من الأشياء وبالنسبة إلى الحوادث الخارجية. ومن صفة القدرة تتولّد صفة القهاريّة والغضب والرحمة والعطوفة والقوّة، فكلّها تنشأ من صفة القدرة.
ومن هنا، نحن نرى أنّ لله تعالى أسماء حسنى كما يخبر عزّ وجلّ عن ذلك في القرآن حيث يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[6] الأسماء كلّها لله تعالى، الأسماء الحسنى كلها لله: العالم، القادر، الحيّ، القيُّوم، الرازق، الخالق، القهَّار، المُعطي، المُهيمن، المُسيطر، وكذا سائر الأوصاف المذكورة في القرآن الكريم، وكذا المذكورة في الأدعية كما في دعاء «الجوشن» حيث عدّ فيه ألفاً من أسمائه تعالى، فالمصوِّر من أسماء الله تعالى والمهيمن من أسماء الله تعالى و كذا القدوس من أسماء الله تعالى، وهذه كلّها من صفات الله تعالى. والله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يخلق شيئاً في هذا العالم، فهو يستخدم ذلك الاسم الخاصّ المتعلّق بذلك الخلق الخاصّ وبذلك الوجود الخاصّ.

    

بحث قرآني في بيان أنّ الله هو الذي يمدّ جميع الموجودات بكلّ الصفات المودعة فيها آناً بآن

أي: إنّ الخلائق كلّها في هذا العالم (عالم الغيب والمجرّدات وعالم المادّة) خُلقت من مجموعة من أسماء لله تعالى وصفاته، وذلك بمقدارٍ وحدٍّ خاصّ في كلٍّ منها، يعني: القدرة الموجودة فينا، والتي يمكن لنا من خلالها أن نقوم بأعمال مختلفة من قبيل: أخذ الشيء، والقيام بالحركات، وغيرها من المسائل، هذه القدرة لها حدّ متعيّن محدود من قدرة الله تعالى ومن اسمه القادر، كذلك الأمر بالنسبة للعلم الموجود فينا هو عبارة عن حدّ خاصّ من علم الله تعالى المُنزّل علينا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحياة، فهي عبارة عن حدّ خاصّ من الحياة الكليّة التي هي اسم من أسماء الله تعالى وقد أنزلت علينا بقدرٍ معيّن.
وكذلك التربية الموجودة فينا هي عبارة عن اسم المُربّي، فالربّ هو اسم من أسماء الله تعالى وهو الذي يربي المخلوقات، {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثمّ هدى}. {أعطى} يعني: أنّه لم يخلي سبيل الخلائق ولم يتركهم، بل بعد الخلق وبعد الإيجاد هداهم.
إنّ النبي موسى (على نبينا وآله وعليه السلام) لم يقل: «ربنا الذي أعطى خلق الإنسان كل شيء ثم هداه»، ولم يقل: «أعطى خلق الإنسان المؤمن ثم هداه»، بل قال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} فكل شيء تشمل كلاً من الإنسان والحيوان والأحجار والأشجار والسموات والأرضين، وكذلك الملائكة وغير الملائكة.. كلهم داخلون في الأشياء، {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} ولم يتركه. لا، بل استمرّ وبقي : {ثم هدى} فلم يتركهم، سواء أكان الإنسان مؤمناً أم كان منافقاً أم كان كافراً، فالنبيّ لم يستثني في هذه الآية أحداً، فسواء كان هذا الشيء إنساناً أم حيواناً، وسواء كان شجراً أم حجراً أم غير ذلك، وسواءً كان من الملائكة أم من الجنّ أم غير ذلك.
{أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثمّ هَدَى}، هداهم إلى المرحلة والمرتبة التي ينبغي أن يصلوا إليها، ولكن بأيّ سبب وواسطة؟ بواسطة أسماء الله الحسنى، يعني: إنّ الله تعالى إذا أراد أن يُوصل فرداً أو أيّ شيء سواء كان إنساناً أم غير إنسانٍ إلى مراتبه الكمالية، حينها سيستخدم الله تعالى أسماءه وصفاته الجلاليّة: صفة العلم.. صفة القدرة.. صفة الحياة وكلّ هذه الصفات الرحمة والعطف وغير ذلك من الخلق والمشيئة والتقدير، فهو المقدّر والمدبّر، ويستخدم هذه الصفات لإيصال هذا الشيء إلى هذه المرتبة، وقد صرّح بهذه الحقيقة بقوله: { أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثمّ هَدَى}.
وإذا نظرنا إلى جميع الغرائز الموجودة في الإنسان وفي الحيوان وغيرها، فسنجد أنّ هذه الصفات والغرائز والقدرة والمشيئة والإرادة المستودعة في الإنسان وفي كل الأشياء.. سنجدها أنزلت من عند الله تعالى على الإنسان بناءً للمصلحة، وبالمقدار الذي يحتاجه الإنسان للوصول إلى المراتب الكماليّة، وسنجد أنّه ليس هناك فرق في هذا الأمر بين الإنسان وغير الإنسان من هذه الناحية، وهو ما بيّنه الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم وأفصح عنه بهذه الآية: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً}[7] ، { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} من كان يُريد الدنيا {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}، فنحن نُمدّه ونساعده في رغبته هذه، وسننزّل عليه الإرادة، وسننزّل عليه القدرة، وسننزّل عليه المشيئة، وسننزّل عليه القدرة في الاستفادة من كلّ شيء: الاستفادة الروحيّة، والاستفادة من المواهب الطبيعيّة، الاستفادة من نعمنا، وسنساعده ونمدّه.
الآن ألا نرى الأفراد غير الملتزمين يعملون بالتجارة وبالمسائل المادّية والدنيوية؟ إنّ كلّ ما لديهم مِن الله تعالى، { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً} يعني: إنّ هذه القدرة الموجودة في الإنسان غير الملتزم أو الكافر أو المشرك هي من الله تعالى، [و الله يقول:] نحن ساعدناه بهذه القوّة، ونحن منحناه هذه القدرة، فهذه القدرة ليست من عنده، بل هي من الله عزّ وجلّ. نحن أعطيناه إياها ليستخدمها في صلاح الآخرة، لكنّه استخدمها لفساد الآخرة وصلاح الدنيا، ونحن أعطيناه الإرادة وأعطيناه القدرة على الاختيار والقدرة على الانتخاب ومنحناه الغرائز الإنسانية، من قبيل: الرحمة والعطف والشفقة والغضب والشهوة وغير ذلك حتّى يستفيد من هذه الغرائز لصلاح الآخرة وليدخل الجنّة، لكنّه استخدمها في السوء استخدمها لإصلاح الدنيا وإفساد الآخرة !! {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً}.
ثمّ يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً}[8] ، يعني: كما أنّنا أعطينا الكافر والمشرك هذه القوّة، كذلك نحن أعطيناها للمؤمن على حدٍ سواء، فنحن نعطي هذه القوّة للكافر والمشرك، بل في بعض الأحيان قد نمنح هذه القوة للكافر بمقدار أكبر من المؤمن؛ فمثلاً: كان عمرو بن عبد ود أقوى من جميع الأفراد، بل حتّى من عليٍّ بن أبي طالب، نعم، فعمرو بن عبد ود الذي كان يواجه أمير المؤمنين عليه السلام في معركة الخندق كانت قوّته أشد من قوّة أمير المؤمنين، وهذا أمر بديهي، يعني: لا ينبغي أن يكون الإنسان أقوى من كلّ الأفراد فقط لكونه مؤمناً أو مسلماً، لا، وهذه المسألة بديهيّة فمن الممكن أن يكون هناك الفرد نحيفاً ومع ذلك يكون ملتزماً جداً بل قد يكون إماماً أو نبيّاً.
وكذلك الأمر بالنسبة للجمال، [فالله عزّ وجلّ يقول:] نحن أعطينا الجمال للإنسان، ولذا يوم القيامة حينما يحاسب الله تعالى الأفراد ويأتي بغير الملتزم فيقول له: لماذا دخلت في المهالك في الدنيا، ولماذا فعلت كذا وكذا...؟! يجيبه ويقول: يا ربّ أنت أعطيتنا الجمال ونحن وردنا في المهالك بسبب هذا الجمال، عندها يأتي الله بالنبي يوسف ليحتجّ به على هذا العاصي،فيسأله: هل جمالك أقوى وأشدّ من جمال يوسف؟ هل أنت أجمل من يوسف؟ لقد منحناه الجمال أيضاً، لكنّه ما زال متمسكاً بتعاليمنا، وما زال صامداً أمام الزلاّت، وقد أمسك عن الورود في الهلكة.

    

حساب الله للمخلوقات بناءً لما منحهم من العطايا، وأمير المؤمنين هو ميزان الأعمال يوم القيامة

كما أنه سيحضر يوم القيامة [أمير المؤمنين عليه السلام]، وذلك كما وردنا في زيارة أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ حيث نقول: «السلام عليك يا ميزان الأعمال»، يعني: ميزان العمل يوم القيامة هو علي بن أبي طالب؛ هو ميزان العمل بالنسبة إلى الصلاة، وميزان العمل بالنسبة إلى الصوم، وميزان العمل بالنسبة إلى الجهاد، وميزان العمل بالنسبة إلى الإخلاص، الميزان هو علي بن أبي طالب، ولذا سيحضر الله عزّ وجلّ علي بن أبي طالب أمام الناس، ومن يكون إخلاص نيته أقرب إلى إخلاص نيّة علي بن أبي طالب سيكون أقرب إلى الله، وهذا هو معيار القرب من أمير المؤمنين أيضاً، وحينها سيرى أنّ مولانا أمير المؤمنين هو ميزان الأعمال: الميزان في الصلاة، الميزان في العبادة، الميزان في الجهاد، الميزان في الإيثار، الميزان في جميع المصالح التي لا بد للإنسان أن يحقّقها في هذه الدنيا، وفي جميع الأعمال التي يجب عليه أن يقوم بها أمام الله تعالى، ولهذا أصبح أمير المؤمنين عليه السلام الأسوة.
إنّكم ترون أنّ أمير المؤمنين فرداً عادّياً كسائر الأفراد؟! يعني: هل نفسيته كنفسيتنا؟! وأعماله كأعمالنا؟! وأفعاله كأفعالنا؟! «ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورعٍ‏ واجتهاد وعِفَّةٍ وسَداد »[9] لا تقدرون، ميزان الأعمال سيكون هكذا، فكلّ إنسان يعمل بمقدار قدرته. فمثلاً يأتي رجلٌ ويقولك أنا كنت ساجداً لله تعالى، وكنت مراقباً وكنت كذا وكذا... عندها يأتي الله بأمير المؤمنين عليه السلام، ويقول: انظر إلى فعلك، وانظر إلى فعل عليّ بن أبي طالب، هل أنت أقرب إلينا أم علي بن أبي طالب؟ وكذا لو قال: أنا كنت مجاهداً في سبيل الله، وأنا فعلت كذا وكذا.. عندها يأتي الله تعالى بأمير المؤمنين عليه السلام، ويقول له: أنت فعلت كذا وعليّ فعل هكذا، مثلاً: لقد ضُرب أمير المؤمنين في يوم أُحد تسعين ضربة شديدة وخطيرة جداً !! وفي المقابل فرّ عُمر وأبو بكر وعثمان من المدينة ثلاثة أيام، ولم يرجعوا إلاّ بعد أنّ أرسلوا جاسوساً وعيناً لكي يرى حقيقة أحوال المدينة: هل سيطر المشركون ؟! فهم ظنّوا أنّ المسألة قد انتهت، أيّ أنّ هؤلاء الذين يعتبرهم العامّة خلفاء فرّوا من المعركة، حتّى أنّ ابن أبي الحديد له أشعار في هذه الحادثة حيث يقول في حقّ عمر وأبي بكر ما معناه: هل نسميكم رجالاً أنتم أم ناعم الخد أنتم؟![10]

أحَضرُهُما أم حَضرُ أَخرَجَ خاضِبٍ
                             وَذانِ هُما أم ناعِمُ الخدِّ مَخضُوبُ


يعني: هل أقول عنكم أنّكم رجال، أم أنّكم غير رجال؟ وهذا عالم سنّي، لقد فررتم من المعركة ثلاثة أيام ولم ترجعوا بعد، بينما أمير المؤمنين عليه السلام بقي بجانب النبيّ وأصابته تسعون ضربة قويّة وخطيرة، وكان مستلقياً على الفراش، ويروى أنّه شاع في المدينة أن المشركين هجموا مرّة أخرى، إلاّ أنّه مع ما فيه من جراح قام من فراشه وهجم على الكفّار... ومن يكون مثل أمير المؤمنين؟
كذلك يأتي الله يوم القيامة بسيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، ويقول: أنتم بذلتم دماءكم، والإمام الحسين عليه السلام بذل دماءه أيضاً، ولكن هل يمكن أن نقايس بين بذلكم ونيّتكم في البذل وبين بذل الأئمّة ونيّتهم؟!
لقد تذكّرت الآن مسألةً عن السيّد الوالد رضوان الله عليه: لقد كان في مدينة «مشهد» وكان يحضر صلاة الجمعة، كان حينها يسكن في مشهد وفي أحد هذه الصلوات كان بعض الخطباء ـ لن أذكر اسمه ـ كان هذا الخطيب يتكلم وكان يقول في خطبته: يا حسين إن كنت أنت قد بذلت في الله تعالى الشباب، وإن كنت بذلت في الله تعالى الرجال أمثال حبيب بن مظاهر، وإن كنت بذلت ... فإنّنا قد فدينا أكثر مئات الأضعاف من أمثال حبيب بن مظاهر، وإن كنت بذلت في الله تعالى ابنك علي بن الحسين عليّاً الأكبر، فإنّنا بذلنا في الله تعالى المئات من أمثال علي بن الحسين و... حينها قال الوالد: «فض الله فاك».
يعني: هل يقاس علي بن الحسين بالأفراد الذين يجاهدون، فمع أنّنا نعترف ونعتقد أنّ هؤلاء المجاهدين وهؤلاء الشبّان لهم وضعيتهم الجيّدة، وأنّ الله تعالى سيدخلهم الجنة والله تعالى... ولكن هل موقعيّة عليٍّ الأكبر الذي هو علي بن الحسين هي كموقعيّة سائر الأفراد؟! هذا الرجل الذي ورد في حقه أنّه: لو لم يكن علي بن الحسين زين العابدين إماماً بعد أبيه لانتقلت الإمامة من الحسين إلى عليّ الأكبر !! يعني: هو كان بهذه المثابة، فهل علي بن الحسين الأكبر مثله مثل سائر الأفراد، بحيث يحقّ لنا أن نقول: يا حسين أنت بذلت شابك وابنك ونحن بذلنا شبابنا أيضاً؟!! بل إنّ الله تعالى سيؤاخذنا في ذلك وسيعاتبنا.
على كلّ حال { كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ } أي: سنمدّ الكفّار والمشركين والمنافقين، كما سنمدّ المؤمنين والمسلمين والملتزمين، وكلاً سنمدّه: الطائفة الأولى والطائفة الثانية {مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} ، وما هو { عَطَاءِ رَبِّكَ }؟ {عَطَاءِ رَبِّكَ } عبارة عن القدرة والإرادة والمشيئة والاختيار وتهيئة جميع الأسباب الموصلة إلى الكمال، وبعدها تجد أنّ هذا يستخدمها لصلاح الآخرة، أمّا ذاك فيستخدمها لصلاح الدنيا، مع أنّها كلّها من الله تعالى، ولذا سيعاقب هذا على سوء الاستخدام، وسيؤجر ذاك ويثيبه ويدخله الجنة على حسن الاستفادة، ولكن المهمّ أنّها جميعاً من الله تعالى.
ومن هنا، فكل الأشياء الموجودة في هذا العالم وتستمرّ بالحياة هي منزّلة من عند الله تعالى، وهذه الحقيقة مطابقة لهذه الآية.
هل صارت المسألة واضحة؟
[يقول الله:] نحن أعطينا الإنسان الفكر، وأعطيناه العين والأذن واليد والرجل و... ونحن أعطيناه الرحمة والشهوة والأرض، ونحن من أعطاه كلّ شيء، قال تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}[11] وقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} وهو في هذا الموقف سيكون {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}[12]، نحن أعطينا هذا الإنسان، نحن خلقناه، نحن أودعنا في هذا الإنسان هذه الغرائز، نحن أعطيناه هذه الصفات، {كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ }، ولذا فالإنسان حينما يستخدم العقل فهو إنّما يستفيد من نعم الله، والإنسان إذا استخدم القدرة فهو إنّما يستخدم ويستفيد من القدرة العظمى، من الله تعالى.
يقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[13] وهو لا يقول: «لله الاسم» أو «لله الصفة الخاصّة فادعوه بها» ، بل يقول: «لله الأسماء كلّها»، يعني: إذا كنت ـ مثلاً ـ في صعوبة تقول حينها: «يا قاضيَ الحاجات ويا كافي المهمات» ، وإن كنت في المرض تقول: «يا شافي ويا كافي»، أو إذا كنت في ضائقة تقول: «يا رازق»، وإن كنت تريد ولداً ولم يكن لك ولد، تقول: يا واهب الإنسان يا واهب الولد، {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}[14] فهذه أحد صفات الله تعالى: الواهب والمعطي.

    

الموجودات لا تؤثر أي أثر في العالم الخارجي إلاّ بمقدار ما أودعه الله فيها من أسمائه وصفاته

لكلّ صفةٍ آثارها الخاصّة والخبراء بتأثير الصفات وبتأثير أسماء الله تعالى ومقدار التأثير الخاصّ، هؤلاء يعلمون كيف أنّ لهذه الأسماء خصوصيات معيّنة، وأنّ لهذا الاسم هذه الآثار، وأنّ في هذا الاسم خصوصيّة بهذا المِقدار، وأنّ هذه الآثار التي تكون في هذا الاسم لها خصوصيّة خاصّة، وأنّ في هذا الاسم خصوصية ليست في الاسم الآخر، وأنّ هذه الصفة لها الخصائص الفلانيّة التي لا تكون في صفة أخرى، ويعلمون كيف يمكن للإنسان أن يتوسّل بهذه الأسماء، فيذكر ـ مثلاً ـ هذه الأسماء بعددٍ خاصّ، وهذه المسألة واقعاً عميقة جداً. إذن {َلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
وعلى كلّ حال، كلّ شيء في عالم الكون، كل شيء في هذا الكون، إذا أراد أن يفعل فعلاً أو يعمل عملاً، لا بدّ له أن يستفيد من اسمٍ أو أسماءٍ أو صفةٍ أو صفات لله تعالى، ولكن مقدار الاستفادة تكون بحسب الخصوصيّة الموجودة في ذلك الاسم أو الصفة، وإلاّ يستحيل له أن يقوم به، بل ليس بقدرته حتى أن يحرّك يده!!
مثلاً: أنا الآن أحرك يدي، فآخذ القرآن الكريم، وأنا الآن إنّما فعلت هذا العمل البسيط بقدرة الله تعالى؛ لأنّ الله تعالى أودع فيّ هذه القدرة، وأنا إنّما استطعت أن آخذ القرآن وأن أرفعه بهذه القدرة، وإلاّ [إن لم يشأ الله] لما استطعت أن أرفعه. مثلاً: لو كانت يدي منقبضة الكف فكيف أستطيع أن أرفع القرآن؟! وعلى هذا المنوال نقول عن كلّ شيء؛ ولهذا نحن نفهم أنّ الملائكة الذين لهم فعل في عالم المادّة وعالم الشهادة ويقدمون على إحداث بعض المسائل والحوادث، إنّما يفعلونها بأمر الله تعالى، وهم يستفيدون في ذلك من هذه الأسماء كلّها.
يعني: إنّ ملائكة الحياة يستخدمون اسم المحيي واسم الحي لإعمال مشيئة الله وإرادته في عالم الحياة من خلال هذا الاسم. أمّا ملائكة العذاب فيستخدمون اسم القهار لعذاب المشركين، وملائكة الإماتة كعزرائيل يستخدم اسم المُميت من الله تعالى، وكلّ ملاك يستخدم اسماً بحسب المهمة الموكلة له، فمثلاً نجد في القرآن الكريم فيما يتعلّق بعزرائيل أنه يقول: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}[15] والمراد بـ {يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} هو عزرائيل، فهل يتوفى بواسطة اسم المحيي أم اسم المميت؟ بواسطة اسم المميت، أي: إنّ اسم المُميت يكون في يد عزرائيل، أي: إنّ الله تعالى أودع هذا الاسم في عزرائيل وهو من الملائكة المقرّبين، والآن عزرائيل يستخدم هذا العلم بواسطة علم الله.
حسناً أنا ـ الآن ـ أسألكم: إذا أراد عزرائيل ـ مثلاً ـ أن يميت إنساناً وأن يحوّله إلى عالم آخر، هل يدعو الله تعالى، والله هو الذي يميته؟!
لا، بل هو يتوفاه بنفسه، يعني: نفس عزرائيل هو من يتوفاه، فهذا الملك المُقرّب يتوفّى من دون دعاء ومن دون أن يطلب، فالله تعالى يأمره وهو يتوفاه بنفسه، وهذا الأمر واضح.

    

قوى المخلوقات داخلة في قوّة الله مستمدّة منه، وليست خارجة عنه في أيّ لحظة من اللحظات

في إحدى الآيات يقول الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} [16]، فمن ناحية يقول: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} ، ومن ناحية أخرى يقول: {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ}، ألا يستلزم هذا حصول التعارض بين الآيتين؟ لأنّه إن كان عزرائيل هو الذي يتوفى، فماذا يصنع الملائكة؟ وإن قلت: إنّ الملائكة الذين يعملون تحت أوامر عزرائيل هم الذين يتوفون الأنفس، فماذا يصنع عزرائيل إذاً؟ ماذا يفعل عزرائيل؟! فهل جناب عزرائيل ملك الموت يقتصر فعله على أمر الملائكة وحسب، بدون أن يتوفاهم؟! لا، هذا خلاف الظاهر، هذا مخالف لظاهر الآية!!
ما معنى هاتين الآيتين إذن؟ وما هي حقيقة هذه القضية؟ إذا استطعنا أن نفهم حقيقة هذه القضيّة سيتبيّن لنا كلّ شيء. فلو أنّنا قمنا بفعلٍ في هذا العالم، مثلاً: تكلّمنا، فكّرنا، مشينا، ضربنا، نِمنا، أكلنا، وما إلى هنالك... الآن بالنسبة لهذه القوّة وهذه الغرائز وهذه الصفات التي استطعنا من خلالها إيجاد تلك الأحداث والوقائع في العالم الخارجي، هل هي خارجة عن إرادة الله تعالى وصفاته وغرائزه أم داخلة فيها؟ بل داخلةٌ فيها.
هل القوّة الموجودة في الإنسان خارجةٌ عن قوّة الله تعالى أم داخلةٌ في قوة الله تعالى؟ [الجواب هو:] {كُلاً نُمِدُّ ...} ، وما معنى ذلك؟ يعني: نحن نعطي في كلّ لحظة القوّة للإنسان، فالآن نعطيه الحياة وفي كلّ لحظة، الآن نعطيه العلم والإرادة والشعور وفي كلّ لحظة، {كُلاً نُمِدُّ ...} ، {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثمّ هدى}، أعطى ثمّ هدى، أعطى أوّلاً ثمّ استمرّ في هذا العطاء، أعطى واستمرّ في كلّ لحظةٍ يعطي، استمر في العطاء، استمر بمنح العقل والشعور والاختيار، استمر بإعطاء النعمة بواسطة إيداع الغرائز وتهيئة الموارد ورفع الموانع، ووضع الموارد الجذّابة، وجعل المواقف التي تساعد الإنسان على الوصول إلى كماله
إذن، كلّ ما لدى الإنسان منزّل من الله تعالى، والإنسان إمّا أن يستفيد منها في طريق الصلاح، أو يستفيد منها في طريق الفساد، ولكن كلّها من الله تعالى، و{كُلاً نُمِدُّ} يعني: المشرك والمؤمن، الملتزم وغير الملتزم، {كُلاً نُمِدُّ} من عندنا {كُلاً نُمِدُّ} من نفسنا، فنحن لا نترك المشرك ولا نخلّي سبيل غير الملتزم، أو نقول كما قال الله في قصة هود، يقول: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[17] . هل المراد بالناصية هذه الناصية؟ لا ليس هذا المراد. بل المراد: أزمة الأمور؛ فـ :

أزمّة الأمور طراً بيده
                             والكلّ مستمدٌ من مدده



{مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أي: مسيطر على أحوالها ومشرف عليها، وهذه الآية كالآية التي ذكرها النبي موسى حيث يقول: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ} لهما نفس المعنى، مع اختلاف التعبير.
ومن هنا، فالملائكة يستفيدون من هذه الأسماء والصفات ـ بناءً لأمر الله تعالى ـ لكي يوجدوا في الخارج ما أمرهم به، فملك العذاب يستفيد من قوّة قهّاريّة الله المودعة فيه، والله تعالى هو الذي أودعها فيه، وملك الرحمة وملك الرضوان يستفيد من صفة الرحمة والعطف والنعمة التي أودعها الله تعالى فيه. ملك الموت يستفيد من صفة الإماتة التي أودعها الله تعالى فيه، ملك الحياة (إسرافيل) يستفيد من صفة الإحياء وصفة المُحيي الذي أودعه الله تعالى فيه، ملك العلم (جبرائيل) يستفيد من صفة العلم التي أودعها الله تعالى فيه، قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [18] ، وهكذا كلّ صفة من الصفات تكون لعمل من الأعمال، قال تعالى، {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً}[19] و «المدبرات» هم الملائكة الذين يُدبرّون أمر الله، فكلهم يستفيدون من صفات الله تعالى التي أودعها فيهم، وهم [حينما ينجزون مهامهم] لا يطلبون من الله تعالى ولا يدعون الله تعالى ولا يُصلّون ثمّ يقوم الله تعالى بفعلها، لا بل هم يفعلون تلك الأمور بأنفسهم.
كذلك يقول الله تعالى في آية تتعلّق بقوم لوط {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ* فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}[20] أي: إنّ الله تعالى أمَرنا بإيجاد هذا الحادث في الخارج: {إِنَّا أُرْسِلْنَا}.
وكذا قوله تعالى: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} الموجودة في الآيات التي تتحدّث عن قصّة لوط حيث يقول تعالى: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}[21] أي: إنّ الله تعالى أمرهم بإيجاد وإيقاع هذه الحداثة وهذا الأمر التكويني في عالم الخارج.. {رُسُلُ رَبِّكَ}.
إذن الله تعالى هو من أودع في نفس ملائكة هذه القدرات: أودع في نفس ملك الموت صفة الإماتة، وأودع في نفس جبرائيل صفة العلم، وأودع في نفس إسرافيل صفة الحياة، وأودع في نفس هذه الرسل صفة القهاريّة؛ ذلك لأنّهم سينفذون أمر الله بأنفسهم وبذواتهم. فالله تعالى في كل حادث يودع في نفس كلّ ملك من الملائكة ـ كما أنه أودع الصفات في الإنسان ـ صفة من الصفات، وبهذه الصفة يستطيع هذا الملك أن يفعل ما أمر به.

    

هل الولاية التكوينية منحصرة في الملائكة من المخلوقات، أم أنّ الأئمّة عليهم السلام لهم تلك الولاية أيضاً؟

الآن أنا أسألكم: ما هو الدليل؟ ولماذا إذا أراد الله تعالى أن يجري أمراً بواسطة ملائكته؟ ترانا نأخذ المسألة بسهولة ومن دون أي اعتراض، ولكن إذا أراد الله تعالى أن يفعل هذه المسألة من خلال نبيّ من أنبيائه أو عبدٍ من عباده تجدنا نستنكر الأمر! ما الفرق بين الملائكة وغير الملائكة؟!
فإذا كان الأصل والأساس من الله تعالى، وإذا أراد الله تعالى أن يودع ويجعل في نفس جبرائيل ـ من باب المثال ـ أو في نفس ملك الموت أو ملائكة أخرى نفس هذه الصفات وهم يستخدمونها لإيجاد الحوادث في العالم الخارجي، كذلك الأئمة عليهم السلام يستخدمون الصفات التي أودعها الله تعالى فيهم في انجاز بعض المسائل في العالم الخارجي بناءً للمصلحة التي يقدّرها الله، مثل: المعاجز، وتدبير العالم وما إلى هنالك من أعمال.
ما الدليل الذي يجعلنا نقبل بهذه القدرة في الملائكة، ولا نقبلها في الأئمّة؟ وما الفرق بينهما؟! إن كان أصل هذه المسألة وأساسها من الله تعالى، فهو عزّ وجل كما أنّه جعلها في الملائكة جعلها كذلك في هذا الإنسان.
هذا هو الأمر المهم، فالمهم بالنسبة لنا هو أن نفهم أن أساس القضية وأساس المسألة والأصل الكلي لجميع الحوادث في العالم هو عبارة عن مشيئة الله تعالى، وكلّ هذه التطورات وكلّ هذه الاختلافات التي نراها ترجع إلى ذلك الأصل وهو الله سبحانه وتعالى، يعني جميع القوى الموجودة في العالم ترجع إلى قوّة واحدة هي قوّة الله تعالى، وجميع القُدرات الموجودة في العالم ترجع إلى قدرة واحدة هي قدرة الله تعالى، وجميع ما في العالم من الحياة؛ حياة الإنسان والحيوان والأشجار والسماوات والأرض كلها ترجع إلى حياة واحدة هي حياةُ الله تعالى. وكما أنّ الملائكة تستخدم هذه الصفات وتستخدم هذه الأسماء لتقوم بتكوين الأشياء وإيجادها في الخارج، كذلك الإنسان يستفيد منها لإيجاد الأشياء في الخارج، وكذلك يمكن للجنّ أن يستفيد منها للتصرّف بالأمور التي تكون في محيطه، وكذلك الشياطين يستفيدون من هذه الأسماء حتّى في المسائل التي يوحونها إلى أوليائهم، والأنبياء يستفيدون منها في مسائلهم الشخصيّة والمسائل العامّة، والأئمّة عليهم السلام يستفيدون منها أيضاً. إذن: ما الفرق بين هذه المسألة وبين سائر المسائل؟!
إنشاء الله في الجلسة الآتية سنقوم بطرح بعض المواضيع الأخرى، وحينها سيتّضح ـ إنشاء الله ـ معنى الإذن وحقيقته وكيفيّة حصوله، وذلك بناءً لما أشرنا إليه قبل يومين وسنوضّح الأمر أكثر إنشاء الله، وسنبيّن كيفيّة استفادة أولياء الله تعالى وأنبيائه من هذا الاذن، وحينها سيتبيّن الأمر أكثر.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته


[1] ـ سورة يس، الآية: 82.

[2] ـ سورة يس، الآية: 83.

[3] ـ أي: إنّ الفاء الموجودة في قوله تعالى { فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في الآية 83 من سورة يس تفريع على قوله تعالى في الآية التي تسبقها وهي الآية 82 حيث يقول تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. (م)

[4] ـ سورة الأنعام، الآية: 75 .

[5] ـ سورة طه، الآية 50.

[6] ـ سورة الأعراف، صدر الآية: 180.

[7] ـ سورة الإسراء، الآية: 18.

[8] ـ سورة الإسراء، الآيتان: 19 و 20.

[9] ـ من كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، راجع: مكاتيب الأئمة عليهم السلام: ج‏1، ص:105. (م)

[10] ـ راجع كتاب: أسرار الملكوت للمؤلّف، ج:‏1، ص:245، وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ هذا البيت قدر ورد ضمن أبيات منها: وما أنسَ لا أنسَ اللّذين تقدَّما وفرَّهُما والفرُّ قد عَلما حُوبُ ولِلرايةِ العُظمى وَقد ذَهبا بِها مَلابس ذُلّ فَوقَها وجَلابيبُ يَشلُّهما مِن آلِ مُوسى شَمَردَلٌ طَويلُ نِجادٍ أجيدُ يَعبوبُ يَمجّ مَنوناً سَيفُهُ وسِنانُهُ ويَلهَبُ ناراً غِمدُهُ والأنابِيبُ أحَضرُهُما أم حَضرُ أَخرَجَ خاضِبٍ وَذانِ هُما أم ناعِمُ الخدِّ مَخضُوبُ عَذَرتُكما إنَّ الحِمامَ لمبغَضٌ وإِنَّ بَقاءَ النَّفسِ للنَّفسِ محبُوبُ (م)

[11] ـ سورة الإنسان، الآية: 2.

[12] ـ سورة الإنسان، الآية: 3.

[13] ـ سورة الأعراف، صدر الآية: 180.

[14] ـ سورة الشورى، ذيل الآية: 49.

[15] ـ سورة السجدة، صدر الآية: 11.

[16] ـ سورة النحل، صدر الآية: 28.

[17] ـ سورة هود، الآية: 56 .

[18] ـ سورة البقرة، صدر الآية: 97.

[19] ـ سورة النازعات، الآية: 5.

[20] ـ سورة هود، الآيتان: 69 و 70.

[21] ـ سورة هود، الآيات: 79 إلى 81.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی