معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > أعياد و مناسبات إسلامية > عيد الغدير 1432 هـ: رسالة الغدير

_______________________________________________________________

هو العليم

رسالة الغدير

محاضرة ألقيت صباح يوم الثامن عشر من ذي الحجّة لعام 1432 هـ

وذلك ضمن مراسم الاحتفال بعيد الغدير الأغرّ

لسماحة آية الله الحاج

السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبينا أشرف الأنبياء والمرسلين
وخاتم السفراء المقّربين أبي القاسم محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
واللّعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

لقد كان تَصوّري اليوم أن الأصدقاء سيستفيدون من أحد الأشخاص لأجل أن يلقي المحاضرة، وأنّه قد تمّ تعيين أحد الأفراد لأجل المحاضرة والإفادة والإفاضة، وعندما كنت أنزل من الأعلى جاءني أحد الأصدقاء وقال لي: سيّدنا! من هو المُحاضِر؟! من هو قارئ المولد؟! فقلت له: ألم يُقرَّر شخص لذلك؟! عجيب! ففكّرت في نفسي وقلت: حسناً، بما أنّ الأمر كذلك، لا يوجد حل آخر سُوى أن أذهب أنا بنفسي ، [سماحة السيّد يتبسّم]، ولكنّ هذا من حسن حظ الرفقاء [ سماحة السيّد يتبسّم] ، لأنهم سيتخلّصون من الإفاضات لمدّة ساعة ونصف بعد هذا المحاضر، [ضحك وتبسّم من الحضور] وهو سبب لشكره [1] ، ولهذا فالنسيان في بعض الأحيان يكون جيداً، في بعض الأحيان يكون بنفع الإنسان، ولكن على كل حال، وكما يقول المثل:

مهر جهان سوز وپنهان شود
                              چپتر بازی گر ميدان شود

يقول: لقد احترقت شمس العالم واختفت *** وصار عطارد هو فارس الميدان


ولذا وصل الدور إلينا لنرى ماذا يقسم لنا الله وماذا يقدر، أذكر أنّه في مثل هذا اليوم وكنت جالساً هناك [بين الحضور]، وكان يوم عيد الغدير في طهران، وكان المرحوم الوالد يحيي أمثال هذه الأعياد والوفيّات صّباحاً، فتلك الأعياد والوفيّات التي كان يقيمها في مشهد دائماً لم تكن إلاّ استمراراً لمجالس طهران.
كان يدعو بعض الأشخاص [ليحاضروا في المجلس ] ـ كانوا شخصين أو ثلاثة ـ ولم يكن الحضور مزدحماً جداً آنذاك، فعدد الحضور كان لا يتجاوز العشرين أو الثلاثين فرداً كحدٍّ أقصى، ولكن بعد ذلك بدأ يتزايد العدد شيئاً فشيئاً، في أحد الأيام أتيت إلى المرحوم الوالد فقلت له: سيّدنا من هو "المِنبريّ" الذي سيأتي اليوم؟ فقال: المفترض أن يأتي فلان ـ وهو أحد الأفراد الذين قد تُوفّوا.. رحمت الله عليه.. ـ فقلت له: إنّه لم يأتِ بعد! فقال: لننتظره قليلاً، انتَظرَ ربع ساعة.. عشرين دقيقة.. ولكنّه لم يأت؛ ذلك لأنّه قد صادفته مشكلة، ولم يكن عنده وسيلة نقل أو شيء من هذا القبيل، فقال: "نحن مضطّرين لأن نحاضر بأنفسنا" ، وهذا التسجيل الصوتي المتوفّر بين الإخوة لمحاضرة المرحوم الوالد في يوم عيد الغدير هو لهذا اليوم، حيث أنّه خطب في يوم عيد الغدير وقد قام في حينها بشرح وتفسير معنى آية { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [2] فوضّح المراد منها، وبيّن علة تنصيب الأمير في مقام الولاية، ويوجد في هذه المحاضرة العديد من النقاط والمواضيع الدقيقة، لذا من الجيد أن يراجعها الأصدقاء مرّة أخرى وليتأملوا في محاضرته، بل جميع محاضراته تستحق التأمّل والتّدقيق؛ حيث يوجد ضمن هذه المحاضرات بعض النقاط والمسائل التي تمثّل مفتاحاً للطّريق، ففي طيّات المحاضرات مجموعة من المسائل الدقيقة والعميقة جداً، وهي في نفس الوقت جذّابة أيضاً، وفي تلك المحاضرة كذلك يوجد مواضيع عديدة من هذا القبيل.

    

فهم أولياء الله ليوم الغدير يختلف عن فهم الناس له

هناك العديد من الروايات والمواضيع التي تتناول أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه الروايات واردةٌ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، أو عن نفس أمير المؤمنين في نهج البلاغة، وهذه الروايات تصف وتوضّح نفس شخصيّة الإمام وموقعيّته ومقامه، كما ورد بعضها عن سائر الأئمّة والأولياء والعرفاء الإلهيين الذين وصلوا إلى حقيقة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، فأنا وأمثالي لم نصل، وأنا لا أمزح هنا، وكذلك نحن لسنا من أهل التواضع، فأمّا من جهتي فلست من أهل التواضع إنشاء الله، وأمّا من جهة الآخرين فليس هناك أحد منهم قد فَهِم [ حقيقة الولاية ] حتى الآن، والأمر بسيطٌ جدّاً وغايةٌ في الوضوح، ففي هذا الزمان لا يعرف الحقير أحداً [وصل إلى حقيقة الولاية].
أماّ الأولياء والعرفاء الإلهيين فقد وصلوا إلى ولاية أمير المؤمنين، ووقفوا على حقيقة معناها، لذا فإنّ عيد الغدير عند هؤلاء العظماء يختلف عن سائر الأعياد الأخرى، لقد كنت أرى في وجه السيّد الوالد والأعاظم والأولياء وكذلك أساتذتهم: أنّ حالاتهم في عيد الغدير كانت تختلف عن حالاتهم في سائر الأعياد، تختلف اختلافاً جذرياً، وهكذا أيضاً بالنسبة للأولياء الذين عاشوا قبلهم من قبيل: المرحوم القاضي، والآخوند الملا حسين قلي الهمداني، حيث نُقل عنهم أن الموضوع كان يختلف عندهم أشدّ اختلاف عن سائر الأيام والأعياد أيضاً.
في تلك السنوات الماضية؛ في زمن حياة [ المرحوم العلامة ] لم أر أنّ هناك عيداً يماثل عيد الغدير يكون فيه المؤمنون في حالة من البهجة والسّرور، وفي حالة من الانبساط، كان حال العلامة يبدأ بالتغير منذ الصباح ويستمر إلى الليل، لدرجة أنّ تغيّر حاله هذه لم تكن كذلك حتّى يوم ميلاد إمام الزمان عليه السلام ولا حتّى يوم المبعث، ولا حتّى يوم ولادة أمير المؤمنين نفسه.
ما الذي كانوا يدركونه في مثل هذا اليوم؟ وما هو الشعور الذي عندهم في مثل هذا اليوم، ما هي هذه المسألة؟
بالطبع ينبغي أن ألفت النظر إلى أنّه ليس في سعتنا الذهنية والفكرية أن ندرك ونفهم هذه المسألة، ولكن علينا أن نحاول الاقتراب منها !! علينا أن نُدني أنفسنا من هذا الأفق، فلا نكتفي بالمشاركة في هذه المجالس وحسب، هم قرّبوا أنفسهم، وتقدّموا بأنفسهم إلى الأمام.

    

هدف الأولياء في إقامة عيد الغدير هو الوصول إلى كنه الولاية

أذكر أنّه بعد وفاة المرحوم السيّد العلاّمة كانوا هنا من يتكلم حول مسألة الولاية، والآن كذلك يتكلمون حول هذه المسألة في كل جهة وصوب، وفي كل مكان يتكلمون عن هذه المسألة إلى ما شاء الله، ولكن من هم الذين وصلوا إلى حقيقة المسألة وإلى حقيقة الولاية؟ من هم الذين اطّلعوا على حقيقة الولاية؟ كل واحد منّا يقول ويدّعي: نحن أهل الولاية، ولكنّنا لا نفرق بين ولاية قريةٍ وولاية أمير المؤمنين!! نقول: فلان من أهل الولاية، يعني: له ولاية على قرية، كلّنا نعتبر أنفسنا من أهل الولاية، كلنا نعتبر أنفسنا أتباع مدرسة أهل البيت، كلٌ منّا يتكلم بلسان أهل البيت.
أُنظروا ! اليوم الاحتفالات في كلّ مكان، والأضواء والأنوار معلّقة في كل مكان، وزّعت الملصقات في كلّ مكان، وُضعت اللوحات الإعلانيّة في كلّ مكان: تعالوا إلينا فلدينا احتفال بعيد الغدير! ولكن ماذا يقال للنّاس في هذه المجالس؟ قالوا لنا: تعالوا. فأتينا، فماذا سيقال لنا؟ أنتم الآن أتيتم إلى هذا المجلس، فما الذي أريد أن أقوله لكم في هذا المجلس؟ فما الذي يريد أن يقوله الخطباء للناس في هذه المجالس؟ هل يريدون أن ينسخوا المواضيع المطروحة ثمّ يعرضونها للنّاس؟! يعني: هل تطرح المسائل التي تمّ تعينها مسبقاً، أم إنّهم يريدون أن يقرّبوا النّاس من ذلك الأفق الذي اقتربوا هم أنفسهم منه؟ هل يريد الخطيب أن يُقرّب الناس إلى العلّة والسبب وراء انعقاد هذه المجالس، يريد أن يفهمهم ما هي تلك العلّة؟ ما هو ذلك الداعي؟ ما الدّاعي لهذه المجالس؟
لم يكن العرفاء والأعاظم والأولياء يسعون لطرح مجموعة من المواضيع التي تمثّل مجرّد قوالب وشعارات، ولم يكونوا لينسخوا المطالب وينقلونها للناس كلّ مرّة بطريقة مختلفة !! ثم يختمون المجلس بأيّ نحوٍ كان، لا أبداً، بل كان هدفهم وغرضهم أن يزيد فهم الأشخاص الذين شاركوا في المجلس وحضروا فيه.
نحن في بعض الأحيان عندما ندخل إلى المجالس ندخل إليه من البداية حمالين ذهنية معيّنة؛ فندخل ونحن نريد أن نعرف ما الذي سيقال في هذا المجلس؟ ماهي نقطة ضعف هذا المجلس؟ فنسجّل ذلك بأجمعه. ولكن ما هذا؟ هذا ما يسمّى بالفرضيّة المسبقة؛ نأتي لنرى ـ مثلاً ـ ما هو النقص الموجود هنا؟ فنسجّل ذلك في أذهاننا: الشخص الفلاني عنده العيب الفلاني في النقطة الفلانيّة، وفلان عنده ضعف في الأمر الفلاني، وفلان لا يقبل الفكرة الفلانيّة، الخطيب الفلاني لا يعتقد بالمسألة الفلانيّة.
إن كان لا يعتقد، ليس من الضروري أن يعتقد، هل يجب على الآدمي أن يعتقد بكلّ شيء؟! هل نحن أنبياء؟!هل أنا إمام معصوم؟! هل من اللاّزم أن نقبل الشخص من أخمص قدميه إلى أعلى رأسه؟!من الذي قال هذا الكلام؟! أين قاله؟! هل قيل هذا الكلام في رواية؟! في آية؟! هل جاء في السُنة؟! هل الأمر كذلك؟! نحن لا نأتي إلاّ لأجل هذه المسألة، لا نأتي لأجل الفهم، ولأجل أن نرتقي بفهمنا، لا نأتي لكي نكمّل عقولنا، لا نأتي لكي نُحصّل هذه الحالة في أنفسنا، تلك الحالة التي كان العظماء يحبّون أن يوجدوها في أنفسهم، لا نأتي لنقوم بذلك، لا نأتي لكي نطبّق تلك السيرة التي كان الأئمة عليهم السلام والأعاظم يعملون على زرعها بين أصحابهم، لا نأتي لكي نطبّقها على أنفسنا.

    

المهم هو أن يكون الإنسان على الحقّ فعلاً، ولا يكفي اعتقاد الناس بأنّه على حقّ

صار همُّنا الوحيد هو أن نرى: ما هو الكلام الذي لهذا الخطيب الذي يتوافق مع أفكارنا؟ وعندما نرى أنّها تتوافق مع أفكارنا نفرح لذلك! ونقول في أنفسنا: "ها! هذا الرجل يقول نفس ما نقول، وكلامه يُقوّي موقفنا.. ، قال كذا في المسألة الفلانيّة، إذاً من الواضح أنّني على حقّ في ما أفكّر"، إنّ المهمّ عندنا، هو أن يكون من الواضح أنّنا على حقّ !!
نحن نريد الجميع أن يكونوا محقّين، ولا نريد أن يكون هناك أحدٌ على باطل.. ، في يوم من الأيام، أوصل لي أحد الأفراد رسالةً من قِبَل فردٍ آخر، وذلك بأنّ فلاناً فعل كذا وكذا...، وبأنّنا على حقّ، فقلت له [يبتسم سماحة السيّد]: وهل نرغب نحن في أن لا تكونوا على حقّ؟! نحن أيضاً نرغب في أن تكونوا على الحقّ، وهل قلت: ينبغي أن تكونوا على الباطل؟ بل نحن نقول: ينبغي أن تكونوا على الحقّ، وينبغي أن يكون طريقكم صحيحاً، نحن نقول ذلك.. ، فقال: "لا، نحن على حقّ" ، فقلت له: وأنا أقول لك نفس الكلام، أنا أقول: ينبغي أن تكون كذلك، وليس لديك أيّ خطأ، فلماذا أنزعج أنا من ذلك؟! لماذا أنزعج من كونكَ على حقّ، فلتكن على الحقّ!! هذا أمرٌ جيّدٌ، وأنا أسرّ لذلك جداً.
عندها سكت [يبتسم سماحة السيّد] .. سكت .. ماذا يقول بعد ذلك، كان يرغب أن... فقلنا له: لا، بل ينبغي أن تكون كذلك، فقام وذهب.
حسناً، نحن ينبغي علينا أن نكون كذلك، ينبغي أن نبحث عن [الحقّ دائماً]، ولماذا ينبغي أن لا نكون على حقّ؟! من أخذ منّا هذا الحقّ؟! بل من يمكن له أن يسلبنا هذا الحقّ؟! من يمنعنا من الوصول إلى حقيقة الأمر؟! من؟! هل يمكن لأحدٍ أن يفعل ذلك؟! من الذي يمتلك حقّاً كهذا، بحيث يسلبنا الحقّ في الفهم وفي ولاية عليّ المرتضى عليه السلام؟! من يمتلك حقّاً كهذا؟! من يستطيع أن يأخذ هذا الحقّ منّي؟! لماذا يجب أن لا أصل إلى هذه الحقائق في هذه الدنيا؟! لماذا يجب أن لا تنكشف لي حقيقة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام؟! لماذا أحرم مِن جعل اختلاف بين الإمام المعصوم وبين باقي الناس؟! لماذا لا يكون وضعي على هذا النحو؟! لماذا يجب أن لا أفهم أنّ هناك فرقاً بيني وبين صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه من الأرض إلى أعنان السماء؟! لماذا يجب عليّ أن أتخلّى عن حقٍّ كهذا الحقّ؟! ( هل التفتم إلى ماذا أرمي؟ ) .. لماذا يجب أن لا أعلم أنّ الإمام هو واسطة فيوضات الله، وأنّه : "لا يقاس بنا أحد" ، هذه هي نصّ عبارة الإمام المعصوم عليه السلام، هذا ما قاله الإمام الصادق عليه السلام، إنّ الإمام الصادق ليس كالحقير !! إنّ الإمام يقول: "لا يقاس بنا أحد" ؛ فإن كان كذلك، لماذا أحرم من معرفة إمام زماني من هو؟! أو أحرم من معرفة خصائصه؟! وأنّ إمام الزمان يختلف عن الجميع؟!

    

أثر معرفة الإمام على أفكار الإنسان وسلوكيّاته

لمّا علمت أنّه مختلف عن الجميع، عندها بدأت أفكاري تتّجه بذلك الاتجاه .. علمتُ أنّه مختلف، الآن تعلّق قلبي هناك .. الآن صار مختلفاً عن الجميع، بالتالي توجّه ذهني إلى هناك... .
ولكن لو أنّنا أتينا وضربنا إمام الزمان على رأسه، فقلنا له: أين تصعد إلى الأعلى؟! تعال إلى الأسفل، فأنت لست إلاّ مثلنا، لا فرق بينك وبيننا، نعم أنت غائب وسيظهرك الله، وهناك العديد من الأشياء مخفيّة أيضاً، أليس هناك الكثير من الأمور المخفيّة التي لا نراها في قيعان المحيطات؟ أنت مثلها مخفيّ عنّا لا نراك!! إذاً المتبقّي هو أن يظهرك الله وحينها تكون كبقيّة الأفراد الذين أتوا إلى عالم الدنيا، فقاموا ببعض الأعمال ورحلوا عنها.. نعم نضرب رأس الإمام فننزله إلى الأسفل .. إلى الأسفل .. إلى الأسفل، إلى أن نجعله في مقامنا !! لماذا؟ لأنّ فينا نقص، لأنّ فينا عيوب، لأنّنا لم نفهم .. لم نفهم؛ ولأنّنا لم نفهم لذا فنحن لا نستطيع أن نضع أنفسنا في المقام الصحيح، ولذا نخطو خطوة تسبق مرتبتنا التي نحن عليها، فنضرب رأس إمام الزمان عليه السلام، فنصبح نحن وهو في نفس الرتبة!!
ولأجل ذلك ترون هذه النتيجة في الكتب، وترونها في الخطابات، ترون الضعف الذي يبديه بعض الأفراد في خطاباتهم وأحاديثهم، وهي بأجمعها ليست إلاّ حكاية عمّا في الضمير، وحكاية عن ذلك النقص الكامن في القلب، والجهل الموجود في أذهانهم.
في مرّة من المرّات كنت أقرأ في أحد الكتب، وكان يتحدّث [الكاتب] عن فردٍ من الأفراد .. كان أستاذه.. درس عنده، طبعاً ذلك الأستاذ كان رجلاً من الأعاظم، ولا ينبغي أن نُغفِل ذلك، فقد كان رجلاً عالماً جهبذاً، كان خبيراً في علومٍ وفنونٍ مختلفة، حتّى أنّ له مؤلّفات في تلك العلوم.. له مؤلّفات !! وكان رجلاً زاهداً عابداً صالحاً، هذا وفقط لا أكثر من ذلك !! هو كان رجلاً عظيماً، من أهل التهجّد، معرضٌ عن الدنيا .. نقرّ بذلك، لم يكن من أهل الدنيا، ولم يكن ممّن يعتني بزخارف الدنيا، ولم يكن ممّن يجمع المريدين، أو يتلاعب بالمريدين، أو يهتم بجمع الناس حوله .. وهذا كلّه نقرّ به ونعترف، وهذا الأمر ليس بالقليل أبداً !!
على الإنسان أن يحفظ مراتب الناس، عليه أن يحفظ شخصيّتهم الواقعيّة، ينبغي عليه أن لا يتعدّى الحدود! إنّ كلّ بلاء نزل بنا وقرع رؤوسنا يعود إلى عدم رعاية الحدود! لقد رفعنا الذي ينبغي أن يكون في الأسفل، وأنزلنا الذي ينبغي أن يجلس في الأعلى! وكلّ البلاء يعود إلى ذلك، منذ ألفٍ وأربعمائة عام ونحن نحترق بنار هذا الخطأ؛ فمن كان ينبغي أن يجلس أسفل المنبر، جلس بعد ارتحال الرسول صلّى الله عليه وآله على المنبر مكانه، أمّا الذي كان ينبغي أن يجلس مكان الرسول صلّى الله عليه وآله أجلسوه تحت المنبر، وقالوا له عليك أن تنصت إلى سخافات هذا الرجل وثرثرته! هكذا كان الأمر، يعني: كلّ ما وقع على رؤوسنا من المصائب طيلة ألف وأربعمائة عام كان من هذه المسألة، والآن كذلك لم يتغيّر من الأمر شيء! أليس كذلك؟
حسناً تلك المسائل كانت مسائل جيّدة وحسنة؛ ولذا كان المرحوم العلامة رضوان الله عليه يقول: ينبغي على الإنسان أن لا يقلّل من احترام الناس، أو يقلّل من احترام المؤمنين، أو أن يقلّل من احترام العلماء؛ ولذا على الإنسان أن لا يتعدّى حدوده، فمثلاً لو أنّ إنساناً لم يمش طبق ممشى معيّن، فليكن، ولكنّه مؤمن شيعيّ من أهل الصلاة ومن أهل القبلة، ومن أهل هذه المسائل، إذاً ينبغي أن تراعى الحدود معه إلاّ في موطن يستوجب العكس، حسناً.
ذلك الرجل كان رجلاً من الأعاظم، وكان عالماً جهبذاً، والحقير لا يزال يقرأ في كتبه وقد استفدت منها كلّ الفائدة، كان متضلّعاً في علم الرياضيات وفي علم النجوم، وفي علم الهيئة، وفي باقي المسائل أيضاً ... ، بلى كان من أهل التأليف وله كتب ... ، بلى كان من أهل التهجّد، كان معرضاً عن الدنيا، لم يكن ممّن يحبّ الأمر والنهي على الناس وأمثال ذلك، بل كان يسعى لتحصيل العلم حقيقةً (وحيث أنّني في معرض النقد، لذا لن أذكر اسمه هنا، وإذا فهم الأصدقاء مَن هو فقد فهموا، وإن لم يفهموا فلم يفهموا) ، أصلاً من غير الجيّد أن يذكر الإنسان الأسماء؛ لأنّ المراد هو إيصال الفكرة لا الشخص، وهذه المسائل كلّها محفوظةٌ في مكانها، وإن شاء الله مستقرّ هذا الرجل الآن هو الجنّة، وهو مورد شفاعة الأئمّة، وأنا أقطع بأنّه من الصلحاء والأبرار.
حسناً، رأيت مقالاً لأحد الأكابر وفي ضمنها قال عنه: "كان كلمة الله العليا" !!
[أنا أسأل:] ما موقع "كلمة الله العليا" هذه من الإعراب؟!! إنّ عبارة "كلمة الله" تطلق على من يتّصل بمقام الغيب، وعلى من يتّصل بالذات الإلهيّة فيطرح الأفكار من ذلك المقام لا من الجرائد والكتب والمجلات، بل يستمدّها من هناك. كان المسيح عليه السلام حائزاً لمقام: "كلمته"، حيث ورد في القرآن {وكَلِمَتُه} [3]، كان "كملة الله"، كذلك ورد في آية أخرى {كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا } [4]، يعني: "الكلمة" تطلق على تجلّي ذات الله عزّ وجلّ التي تبرز في الأسماء والصفات، "الكلمة" تعني: المظهر، "الكلمة" تعني: الأثر، "الكلمة" تعني: البروز، "الكلمة" تعني: الظهور، فنحن جميعاً كلمة الله؛ لأنّنا جميعاً مظاهر الله عزّ وجلّ بمقدار ما لنا من سعة وجوديّة وبمقدار ما يتجلّى فينا من ذاته وصفاته وآثاره وأسمائه، وكلّ فردٍ بحسب سعته.
أمّا "كلمة الله العليا" فعلى من تطلق؟ تطلق على المعصومين الأربعة عشر وحسب، فهم كلمة الله العليا كما صرّحت به الروايات: "نحن كلمة الله العليا"؛ فما يعني ذلك؟ يعني: إنّهم الواسطة بين ذات الله عزّ وجلّ وبين الممكنات، فكلّ ما وقع في قالب الماهيّة، فواسطة الإفاضة عليه هو الإمام المعصوم عليه السلام.
لنرى الآن ما علاقة هذا الرجل بهذه المسألة؟! هل أنت يا عبد الله واسطة الفيض؟! يا عزيزي إنّ ما تعلّمته من العلوم الموجودة في ذهنك، إنّما وصلتك عبر "كلمة الله العليا" !! كلّ ما حفظته من معلومات فمصدره "كلمة الله العليا"! ومن هو "كلمة الله العليا" الآن؟ إنّه رجلٌ واحد لا غير، وهو صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وفقط، هو واسطة الفيض، هو الواسطة التي تمكّنني الآن من التكلّم وتمكّنكم من السماع، فلولا وجوده لما استطعت التكلّم بل سأكون أبكماً، ولما استطعتم الاستماع بل تكونون صمّاً، هذه هي حقيقة المسألة، إذاً "كلمة الله العليا" تطلق على من يكون بيده جميع عالم الملك والملكوت، وليس أنا الذي لا أستطيع أن أبقي إصبعي فوق رأسي !!
بلى، كان ذلك الرجل رجلاً جيّداً مع كامل العزّة والاحترام، لكن لماذا تجري التعابير على ألسنتنا لقلقةً من غير التفات؟! لماذا يجري قلمنا بأيّ عبارة يمكن لليد أن تكتبها؟! لماذا؟! إنّ لكلّ شيء حدّاً !!
إنّ ذلك الرجل سيقف أمام صاحب الزمان عجّل الله فرجه وعليه أن يجيبه عن سبب إيراده لهذه الكلمة في مقاله !! فإمام الزمان عليه السلام حاليّاً هو كلمة الله العليا، فلماذا كتبت ذلك مع أنّك عالم؟! الآن سيكتب الناس العاديين ما كتبت أنت تقليداً لك، فالناس جهلاء لا فهم لهم، بلى ألا ترى أنّهم يطلقون لقب "أمير المؤمنين" على العديد من الناس، بلى الشيعة يكتبون ذلك، ويقولون: أنت أمير المؤمنين !! ألا يكتب ذلك البعض هنا وهناك؟ بلى كتبوها.

    

من يعرف الإمام حقّ معرفته لا يتساهل في إطلاق الألقاب والتعابير والألفاظ

هل تعلمون أنّ إطلاق لقب "أمير المؤمنين" على أيّ شخصٍ حرامٌ حتّى لو كان إمام الزمان عجّل الله فرجه الشريف؟! إنّ إطلاق لقب "أمير المؤمنين" على إمام الزمان عليه السلام حرامٌ، والآن أنا أقول هذا الكلام لنفسي، هي مختصّة فقط وفقط بعليّ بن أبي طالب عليه السلام صاحب هذا اليوم المبارك، فيحرم إطلاقها حتّى على الإمام الحسن عليه السلام.
من الذي قَبِل أن تطلق عليه هذه العبارة؟ هارون الرشيد هو من أمر الناس أن يطلقوا عليه لقب أمير المؤمنين، كان الإمام موسى بن جعفر عليه السلام يدخل على هارون، فيقول له مجبراً: السلام عليك يا أمير المؤمنين. وكان يدخل الإمام الصادق عليه السلام على المنصور الدوانيقي فيقول لهذا الفاسق الفاجر: أمير المؤمنين. لماذا؟ لأنّهم كانوا ليقتلوا الإمام لو لم يقلها!! هل علمتم الآن من الذين قبلوا أن يُطلق عليهم لقب "أمير المؤمنين"؟! المأمون الذي قتل إمام زمانه، هو من أمر بأن ينادى بأمير المؤمنين المأمون، ففي تلك الرسالة التي يرسلها يقول: "من أمير المؤمنين عبد الله المأمون... "، وهو لا يمانع بأن يلقّب في خطب الجمعة بلقب أمير المؤمنين، بل حتّى الإمام عليه السلام كان يخاطبه بهذا اللقب.
لقد كتب المرحوم الوالد المجلّد الثامن عشر من كتاب معرفة الإمام بأنّ إطلاق لفظ "الإمام" على غير الإمام المعصوم حرامٌ !! اذهبوا وانظروا، ولن تجدوا هناك اللفت والشمندر، بل ستجدون الواقعيّات المبنيّة على أساس الإتقان، وعلى أساس البرهان، وعلى أساس الدليل، وعلى أساس الاعتماد على المصادر!! ماذا يقول؟ يقول: إنّ إطلاق هذا اللفظ على غير المعصوم حرام !!
إنّ المجيء إلى هذه المجالس هدفه الفهم، وهي ليست عبارة عن عرض مسرحي، المواضيع المطروحة ليست عروض مسرحيّة، بل هي مواضيع لها واقعيّة.
نحن لا نقول إلاّ ما قيل لنا أن نقول، فعندما تكون هناك مصلحة، نقول: نعم، وحينما يكون ضرر، نقول: لا.

    

ضرورة صرف الإنسان عمره في الوصول إلى الولاية الواقعيّة وإلاّ هلك في المواقف الحاسمة

هناك العديد من المواضيع المتعلّقة بأمير المؤمنين عليه السلام، المواضيع كثيرة جداً.
هناك رواية مرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث يقول: "ذِكر عليٍّ عبادة" ، إنّ مجرّد ذكر الإنسان لأمير المؤمنين هو عبادة، ومن الروايات المرويّة بحقّ أمير المؤمنين عليه السلام، هذه الرواية العجيبة.. هي عجيبة جداً: "يا عليّ مثلك مثل الكعبة حيث تُطاف ولا تطوف" ، هل سمعتم هذه الرواية حتّى الآن أم لا؟ باعتقاد الحقير لقد سبق وذكرتُ هذه الرواية في الماضي، وهي رواية موجودة، وقد رواها أهل السنّة أيضاً في كتبهم.
ما معنى قول النبيّ صلى الله عليه وآله: "يا عليّ مثلك مثل الكعبة حيث تطاف ولا تطوف"؟ إنّ الكعبة لا تأتي إلى أحد، بل علينا نحن أن ننهض ونتحرّك فنجهّز تذكرة السفر، ثمّ نذهب إلى العمرة أو إلى الحجّ ثمّ نطوف حول الكعبة، أمّا الكعبة فلا تنهض ولا تأتي إلى منزلنا لتطوف حوله! ما معنى ذلك؟ ما هو مراد النبيّ صلّى الله عليه وآله من هذا الكلام.
لدينا رواية أخرى في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام، وللعلم فإنّ هذه الروايات كلّها مرويّة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، سمعها ورواها الأوّل والثاني والثالث، قال: "مَثَلُ عَلِيّ في هَذِهِ الامَّةِ مَثَلُ {قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ}. من قرأها مرّة، فكأنما قرأ ثلث القرآن؛ و من قرأها مرّتين، فكأنما قرأ ثلثي القرآن؛ و من قرأها ثلاث مرّات، فكأنما ختم القرآن كلّه. و من أحبّ عليّاً بقلبه، فقد حاز ثلث الإيمان؛ ومن تبعه بقلبه ولسانه (هذه الثالثة مهمّة)، فقد حاز ثلثي الإيمان؛ ومن أحبّه بقلبه و لسانه و جوارحه، و اتّبعه (أي: ثبت في موقفه ولم يتزحزح، فهو عندما تأتي المصاعب لا يفرّ منها، وعندما يأتي السهم لا يحرّك جسمه لتصيب أحداً آخر بل يستقبلها بجسمه، رجلاه ثابتتان. ومن له هذه الصفات ما باله؟ هؤلاء هم الذين كمل إيمانهم، أكملوا كلّ مراتب الإيمان) فإنّ إيمانه أَكملُ الإيمان. [5]
في زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله، لم تكن مراتب الإيمان معروفة وواضحة؛ لأنّ هيمنة رسول الله وشخصيته الغالبة على الأفراد وكذلك بروزه وظهوره، كانت مانعة من ظهور كوامِن النفوس، فكانت قلوب البعض مليئة بالبغض لأمير المؤمنين عليه السلام، لكن مع ذلك لم يكونوا ليظهروا ذلك.
وأنا بنفسي جرّبت كلّ ما ورد لدينا في هذه الروايات خلال أدوار حياتي، جرّبتها بأجمعها، لقد جرّبت زمن المرحوم الوالد كلّ هذه الروايات المرويّة، وكلّها رأيتها، فكان البعض في زمنه يقولون لي: "أنا لا أريد أن أنظر إلى هؤلاء ولا حتّى نظرة واحدة !!" ، وهم كانوا يعيشون بيننا وكانوا يشاركون في مجالسنا، وهذا الكلام لم أذكره حتّى الآن لأحد..، أمّا الآن فهؤلاء هم أنفسهم أكثر من يدعون إلى اتّباعهم!! هم أنفسهم !! حسناً نحن لا نذكر الأسماء، وأساساً لا ينبغي أن نذكر الأسماء، غير جائز، لأنّ الدنيا دنيا الامتحان، وعلى كلّ فرد أن يسلك في طريقه، على كلّ إنسان أن يطوي السبيل الذي سلكه.
هل قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لهذين الاثنين: أنتما الاثنين، تأتيان وتغتصبان الخلافة، وتأخذان الحقّ من صاحب الحقّ؟ لا.
بلى، قالها بطريقة معيّنة، بحيث لو أنّ فرداً كان موجوداً هناك وكان في رأسه ذرّة من العقل لفهم المسألة، ولكن لم يقل بالصراحة: "أنت يا أبا بكر ستغتصب الخلافة بعد ارتحالي، ويا أيها الناس اشهدوا أنّي بلغت!" لا لم يقل ذلك.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الثاني والثالث، كذلك لم يقل لهما أيّ شيء من هذه المسائل، بل أشار لها إشاراتٍ وحسب، وأجمل بالقول إجمالاً، مثلاً كان يقول: " لماذا ينبغي أن يحصل ذلك بعدي، حيث سيأتي أقوامٌ ويسلبونك يا علي حقّك؟!" كان يتكلّم بهذا النحو من العبارات، أو مثلاً، كان الرسول يخبر عمّا سيفعلونه لاحقاً عبر جملة أو كلمة أو بنحوٍ معيّن، من قبيل أن يقول: "ستحصل بعدي أحداث وأخبار معيّنة !!" لكن لم يأت في يوم من الأيام وواجه أحداً أمام الناس أو ذكر المسألة.
بلى لقد ذكر هذه الحقائق لنفس أبي بكر ولنفس عمر بشكل شخصيّ، ولكن ليس على الملأ !! انظروا ! كم في هذه المسائل عبر؟ حيث لا يذكر شيئاً لنفس الإنسان، بل على الإنسان أن يكون منتبهاً لكلماته عندما يتكلّم.
نعم، لكن هناك بعض الأفراد فهمهم معوّج، وكلّما قال أحدٌ شيئاً اعتبروا أنّهم هم المعنيين بالكلام !! مثلاً: كان الحقير يتكلّم في إحدى ليالي شهر رمضان من هذه السنة، وكنت أتكلّم عن قصّة بلعم بن باعورا، فيأتي رجل ويقول: "كان مرادك من بلعم بن باعورا شخصي أنا !!" ، يا عزيزي: أنا لا أعير لك وزن أظفر من أظافر بلعم بن باعورا حتّى يكون مرادي هو أنت !!! أنت لا تصل إلى أصبع من أصابع بلعم بن باعورا، بل كان في ذهني أفرادٌ آخرون، هذا هو الإعوجاج في الفهم وليس شيئاً آخر !!
أو ـ مثلاً ـ أتكلّم بمسألة ومرادي هو مراد عامّ، فيأتي رجل، ويقول: أنت تعنيني بهذا الكلام، وسواءً كنت أعنيه أم لا، على الإنسان أن يصلح نفسه سواءً قصدته أم لم أقصده، لكنّني في النتيجة لم أذكر اسماً، وهذا الأسلوب كان متّبعاً من [قبل الأئمّة]، وكانوا يفعلون ذلك دائماً، إن كان ما أقول ليس فيك، فهو ليس فيك، وإن كان فيك، فاذهب وأصلح نفسك، فأمّا أن يحصل هرج ومرج: "لست أنا الذي ...، ومرادك كذا .." ، ما معنى كلّ هذا الكلام؟ لقد كبرنا على هذه المسائل، لقد انقضت أيام الطفولة وأكل رقائق البطاطا والحلويات، أليس كذلك؟
حسناً، كانت هذه طريقة النبيّ صلّى الله عليه وآله، هذا دأبه وديدنه، فلم يكن يأتي ويخبر الإنسان أمام الجميع عن هذه المسائل، بل كان يذكر المسألة، فكلّ من فهمها فهمها، وأمّا من لم يفهم فلم يفهم، وهذا هو أسلوب الأعاظم، حيث كانوا يأتون ويذكرون مسألة، فمن فهم فهم ومن لم يفهم لم يفهم.

    

أصحاب النبيّ بعد ارتحاله نموذجاً

حسناً، فمن هم الأفراد الذين كانوا يعيشون في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله؟ هل كان مقدار الإيمان للأفراد محدّداً في زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله؟ لا، بل كان هناك فقط إظهارٌ للابتسامات والطاعة والتسليم والصلوات على الرسول وأمثال ذلك.
ثمّ إنّ نفس هذه الشخصيّة الظاهريّة [للنبي] سقطت وجلست بحسب الظاهر في باطن الأرض وداخل التراب، وعندما حصل ذلك ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ كلّ فرد يتقبّل أمير المؤمنين بمقدار معيّن، وقد أبرز نفس ذلك المقدار الذي كان يتقبّله به في السابق، فقط عين ذلك المقدار، فالذين كانوا يبغضونه صاروا هم القادة لهذا الانقلاب، وساروا بغية الاستيلاء على الخلافة نحو "السقيفة" بأسرع ما يكون.. بأسرع ما يكون!!
أمّا الذين لم يكن في قلبهم بغضٌ لأمير المؤمنين عليه السلام لكنّهم كانوا كالأنعام والدواب:
فيقولون: هلمّوا نذهب لنرى: ماذا يحصل؟
[تسألهم:] الناس يتّجهون نحو السقيفة، فما شأنك بهم؟! دعهم يذهبوا، أنت لماذا تذهب؟! أيريدون أن يتحدّثوا في السقيفة، فليتحدّثوا، ما شأنك أنت؟! وعمّاذا يريدون الحديث؟
[يجيب:] لا هناك بعض المسائل المهمّة التي يريدون طرحها، ويريدون أن يشاوروننا بها.
عن ماذا سيستشيرونكم؟
[يجيب:] عن مسألة خلافة النبيّ!!
عن خلافة النبيّ؟!! ألم يصعد النبيّ بالأمس هنا في المدينة على هذا المنبر، وألم يقل: إنّ عليّاً هو الخليفة بعدي؟!! إذاً فما بقي لهم لكي يتحدّثوا به؟!
[يجيب:] الآن، هلمّ نذهب ونرى ما المسألة.
وبمجرّد أن يذهب، انتهت المسألة، فلماذا يذهب إذاً؟!! ونحن، ألسنا مثلهم أيضاً؟ ألسنا نفعل كذلك الآن أم لا؟!
لو قيل لنا: "حسناً هلمّ بنا نذهب"، ينبغي أن نجيب: ليس في الأمر "حسناً"، بل "حسناً" إلى نار جهنّم !!! يقول: انهض نذهب. ينبغي أن نفهم: أنه لا ينبغي الذهاب أبداً !! لأنّه عندما عيّن النبيّ صلّى الله عليه وآله خليفته بالأمس، فما معنى أن ننهض لنرى ما الأمر؟! ما معنى ذلك؟!!
يقول: نريد أن نرى ماذا يقولون؟
ماذا سيقولون؟ قولهم إلى جهنّم !! سيبثون سمومهم !! فليقولوا ما شاؤوا، ما شأنك أنت؟!! اجلس مكانك ولا تتحرّك.
هذا ما يعبّر عنه بالتذبذب !! ضعف الإيمان!! إيمانهم بالنبيّ كان ضعيفاً!
مثلاً: افترضوا أنّكم مريضون، وكان عندكم مرض من الأمراض المبهمة، فذهبتم وحقّقتم في الأمر وبعد بذل الوسع وصلتم إلى أفضل أخصائي في المسألة، وقال لكم: "إنّ مرضكم هو كذا، ودواؤه كذا، وطريقة علاجه كذا". حسناً، ثمّ في الليلة التالية، يأتي أحدهم يقول لك: يا فلان، في بيت عمّتك هناك مجموعة من الأفراد يريدون التحدّث عن مرضك، فتعال واجلس لعلّك تستفيد.
من هم؟
بائع اللبن، وبائع اللِفت المطبوخ، بائع المخلّلات.. (أنا لا أريد الاستهانة بهذه المهن لا سمح الله، ولكن أريد أن أقول: أنّ هؤلاء ليسوا خبراء في هذا المجال) ، بائع القماش، أحد الإداريين ، رجل عجوز، وكلّهم اجتمعوا وسيتحدّثون عن مرضك.
هل تنهض وتذهب إليهم؟!
هلمّ لنذهب لنرى ماذا سيقولون؟ هلمّ نذهب لنرى عمّا سيتحدّثون؟
أليس هذا التصرّف مضحك؟!!
من هم الأفراد الذين ذهبوا وشكّلوا "سقيفة بني ساعدة"؟ ألم يكونوا من هذا الصنف: عبد الرحمن بن عوف، عمر، أبو بكر، عثمان، خالد بن الوليد، المغيرة بن شعبة، أبو سفيان، هؤلاء هم، من غيرهم؟! هل كان سلمان بينهم؟! هل ذهب إليهم عمّار بن ياسر؟!
أنا أسأل أولئك الذين يقولون الآن: "إنّ سقيفة بني ساعدة هي من مفاخر الإسلام"!!، هل وجدتم في سقيفة بني ساعدة سلماناً أو المقداد أو أبي ذر أو محمد بن أبي بكر أو أويساً القرني؟!! لو كانوا هناك، لكان بلى يحقّ لكم أن تقولوا: إنّها كانت من مفاخر الإسلام، ولكن من الذي كان فيها؟ كان أولئك الذين عددتهم لكم!! هل هذا هو فخر الإسلام؟! ألم يحترق قلب سلمان على الإسلام ليذهب إلى هناك؟! ألم يحترق قلب عليّ عليه السلام على الإسلام ليذهب إلى هناك؟! فلو كانت السقيفة من مفاخر الإسلام فلماذا إذن بقي عليٌّ في المنزل؟! لماذا لم يشارك عليٌّ في السقيفة؟!
أفٍّ لكم وأفٌّ، فأنتم لم تفعلوا إلاّ أن هدرتم ماء وجه مدرسة التشيّع، ومدرسة أهل البيت!! أنتم ليس لديكم أيّ رسالة!! لا تحملون أيّ رسالة في قلوبكم!! أفٍّ لكما مهما كان الزيّ الذي ترتدونه، ومهما كان منصبكم الذي تجلسون عليه !!
ما هذا؟ السقيفة من مفاخر الإسلام؟!!!!

حسناً وهكذا حينما ذهبت شاكلة رسول الله، جاء [أمير المؤمنين] ليظهر ويبرز إيمان الأفراد، فأبرز إيمان فلان كم هو؟ وإيمان ذلك الرجل كم هو؟
يأتي رجل ويقول: "يا عليّ أنا أقبل بك، ولكن لا أستطيع أن أظهر ذلك على لساني". ألم يقولوا له ذلك؟! ألم يقولوا: "نحن نقبل بك، لكن فات الأوان"؟! بلى فات الأوان، فقد جاؤوا وسلبوا الحكومة، وحصلت الخديعة والغش، فالغلبة إنّما جاءت من الغش والخديعة أليس كذلك؟ لقد سيطروا على كلّ شيء، ولذا يا عليّ لا تفعل أي شيء، بل اجلس في منزلك، لا تثر الضوضاء والإزعاج، لا تجعلهم يتحرّكوا ويبدؤوا بإصدار التهم: علينا أن نقوم حفظ الأمن.. المصلحة تقتضي.. وبعدها نعلم إلى أين ستصل الأمور... !!!
يقول لهم أمير المؤمنين: هل هذا ما لديكم، هل ما عندكم بهذا المقدار وانتهى الأمر؟! هل تكتفي بالقول فقط: "أقبل بك"، ولكن بعدها تقفل فمك؟! هذا هو مقدار فهمك الذي حصلت عليه طيلة الثلاثة والعشرين سنة التي عشتها مع الرسول صلّى الله عليه وآله؟! هل تعلّمتم من رسول الله أن توافقوا على أمر معيّن، ثمّ تقفلوا أفواهكم، ولا تحرّكوا ساكناً، ولا تقدموا على أي تصرّف؟!! إن كان كذلك فلماذا كانت كلّ تلك الغزوات والحروب التي قام بها؟! ولم كان إرسال المراسيل هنا وهناك؟ ولأجل ماذا قتل البعض وجرح البعض واستشهد البعض؟ فما معنى قولكم: نحن نقبل بك ولكن... ؟!
ألا يقولون في هذه الأيام: "كلّ إنسان ودينه"، و"كلّ إنسان واعتقاده"، و"لا شأن لأحد بالآخر"؟! "إن كنت يهودياً فلتكن يهودياً، إن كنت نصرانياً فلتكن، وإن كنت شيوعياً فلتكن، إن كنت بهائيّاً فلتكن، وأيّاً ما تكن فلتكن، كلّ ما نريده أن لا تتكلّم بما يخالفنا ولتكن ما شئت"، ألا يقال هذا الكلام في دينا اليوم: دين كلّ فرد مختصّ به؟
يقول لهم أمير المؤمنين: هل هذا ما لديكم؟ يعني: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله جاء بالناس وجمعهم وأعلن لهم [الولاية لأمير المؤمنين يوم الغدير] ، فهل كان ما يريده منكم هو هذا؟! هل هذا كان هو مراده؟
يقولون له: "يا عليّ هذا ما عندنا". هل تعرفون ما معنى: "هذا ما عندنا"؟ يعني: يا عليّ لا تضغط علينا أكثر من ذلك. هذا هو لسان حالهم: يا عليّ لا تضغط علينا، يا عليّ لا تحمّلنا أكثر من ذلك، يا عليّ لا تكلّمنا بأقسى من ذلك، يا عليّ لا تجعلنا نخجل منك، يا عليّ قلّل من أمرك ونهيك.
يقول لهم أمير المؤمنين: حسناً، لن آمرك ولن أنهاك، ولن آتي إليك بعد الآن، سأذهب إلى فردٍ آخر، فيذهب إلى رجلٍ آخر، فيقول له: "لمَ لمْ تأتِ إلى لتشهد؟!" ، يجيب: "يا عليّ، لم يكن عندي خبر"، يقول له: "الآن أخبرتك بالأمر"، يجيب: "لا الآن لم يعد الأمر صالحاً، أنت تعلم بحقيقة الأوضاع والمسائل، يأتون ويضربون الأعناق ولدينا أطفال ونساء، والحياة ستصبح مرّة... نحن نحبّك يا عليّ ولكن تغاضى عن هذه المسألة، وفي النهاية لن ينقص منك شيء، فلقد قال لك رسول الله الكثير من المسائل". يقول له أمير المؤمنين: "أعلم أنّك تحبني، وأعلم أنّ النبي قال لي كل شيء [سيحصل].، وأعلم أنّه لن يعود عليّ من ذلك سوى التعب ..." .

    

يوم الغدير من منظار أمير المؤمنين عليه السلام

بالأمس، جاء أحد الأصدقاء إليّ وكان يقرأ في الأعلى نصّاً من كتاب "معرفة الإمام" الذي ألّف الوالد العلامة، وقد أثّر الكلام فيّ كثيراً وجعلني أهتزّ، يقول فيه:
"ينبغي أن نعلم أنّ التنصيب في مقام الإمامة و الخلافة ليس شأناً من الشؤون الظاهريّة للإمام بحيث يبعث على الراحة و السعة و التمتّع بمقام يبتهج به، و يحتفي به فرحاً مسروراً. بل هو أصعب الأوقات وهو اليوم الأوّل لنزول المصائب على أمير المؤمنين عليه السلام". [6]
نحن الذين نفرح يوم الغدير، ونضيء الأضواء، نعلّق الزينة ونوزّع المكسّرات والحلويات ونقدّم الشاي والعصير وأمثال ذلك، نفرح لأنّ أمير المؤمنين نصب أميراً علينا.
إنّ ذلك اليوم الذي نُصب فيه أمير المؤمنين في مقام الولاية كان اليوم الذي فُتح فيه ملفّ امتحانات أمير المؤمنين عليه السلام؛ الصفحة الأولى: سقيفة بني ساعدة! يا الله! لو كنت أنا وأنتم في مكانه فهل كنّا سنقبل هذه الولاية؟ ... الصفحة الأولى: سقيفة بني ساعدة.. [و هنا لسان حال أمير المؤمنين يقول:] جيّد جدّاً.. لقد ذهبوا و ليس لي علاقة بهم بعد الآن... الصفحة الثانية: الصعود على منبر رسول الله و جلوسهم مكان أمير المؤمنين... الصفحة الثالثة: ملاحقة أمير المؤمنين، و مطالبته بالمجيء و البيعة! يا الله.. ها قد بدأت المصائب! لقد ذهبتم و تركتموني، و غصبتم الخلافة، فتركتم و جلست في منزلي، فماذا تريدون منّي بعد الآن؟! فيقولون له: كلاّ.. ليس الأمر كذلك.. بل نحن نريد منك الكثير، فنفس وجودك يمثّل مانعاً و عقبةً بالنسبة لنا، فنفس سكوتك يا علي يمثّل مطرقة تضربنا.. إنّ عدم حضورك بحدّ ذاته يسبّب التفات الآخرين و تساؤلاتهم: لماذا لا نرى عليّاً هنا تحت المنبر؟ لماذا لم يحضر عليّ صلاة الجماعة؟! لماذا؟!
إنّ أمير المؤمنين لم يكن مجرّد شخص عاديّ ليقضي وقته في البساتين، بل أمير المؤمنين هو الشخص الذي كانت جميع الحروب معتمدة عليه، و النصر فيها كان بسببه.. أمير المؤمنين هو قالع باب خيبر، وهو قاتل عمرو بن عبد ودّ، و بيده هو تحقّق النصر للمسلمين في معركة بدر، وعلى يده انتهت غزوة الأحزاب، وجهاده كان السبب في أنّ كلاً من الإسلام ورسول الله لم يهزما هزيمة ساحقة كلّية في غزوة أحد... فهذه الأمور لا يمكن لأحد أن ينكرها، و كذلك الكلمات التي قالها رسول الله صلّى الله عليه و آله في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام كقوله: "أنا مدينة العلم و عليّ بابها" لا يمكن لأحد إنكاره ... (و مع كلّ هذه الكلمات التي وردت في حقّ أمير المؤمنين نأتي نحن و نشبّه غيره به!!)
ومن الكلمات التي قالها رسول الله فيه يوم خيبر: "والله لولا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في المسيح، لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ منهم إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك..."، فما الذي يريد النبي أن يقوله بهذا الكلام؟ من الواضح أنّه يريد أن يقول كلاماً يتخيّل منه الجاهل أنّه قال بحقّه: "يا علي أنت الله سبحانه و تعالى" [والعياذ بالله]، كأن يقول مثلاً: "يا عليّ أنت المظهر الأتمّ لله تعالى"، ولذا قال الرسول: ولكنّني أخاف إن أنا قلت ذلك أن يفهم بشكل خاطئ...
لاحظوا ما هي الأسرار المخفيّة هنا بحيث أنّ رسول الله لم يتمكّن أن يقول ما يريده بصراحة؟ بل اكتفى بذكر جملة تشير إلى أنّ هناك أمراً عظيماً وراء الستار.. واكتفى بهذا المقدار فقط! إنّ رسول الله يقول: (أنا أخاف إن أنا ذكرت للناس مقام أمير المؤمنين أن يقولوا فيه كما قال النصارى في المسيح)، فماذا كان اعتقاد النصارى في المسيح عليه السلام؟ من المعروف أنّهم كانوا يقولون: إنّه ابن الله تعالى والعياذ بالله، وبطبيعة الحال، فإنّ هذا الاعتقاد باطل وخاطئ، والناس كانوا سيقولون في أمير المؤمنين نفس هذا القول بسبب عدم قدرتهم على فهم حقيقة مقام أمير المؤمنين ممّا سيؤدّي إلى هذا الانحراف عندهم فيدّعون أنّه هو الله سبحانه وتعالى مثلاً.
فلو بيّن لهم النبيّ حقيقة مقام أمير المؤمنين و أنّه المظهر الأتمّ، و الأثر الوجودي المتنزّل للذات الأحديّة في عالم الكون والمكان لما تحمّلوا ذلك ولادعوا فيه نظير ما قيل في المسيح عليه السلام.
و لهذا السبب فالرسول يقول: أنا أخاف أن أذكر للناس حقيقة مقام أمير المؤمنين، ولكنّ "أهل السرّ" سيصلون إلى معرفة هذه النكتة الخفيّة، فمن هم هؤلاء الذين أدركوا هذه الحقيقة؟ إنّ ذلك ظاهر و معلوم.. إنّهم أمثال المرحوم السيّد العلاّمة[7] ، و أستاذه رضوان الله عليهما [وأمثالهما]... و أمّا الباقون، فلا! و بالتالي، فمن الذي فهم هذا الأمر؟ إنّ هؤلاء هم الذين فهموه.
ثمّ بعد ذلك نأتي نحن و نقول: "فلان هو حسين هذا الزمان" !!، وفلان هو "عليّ هذا الزمان"!! ها؟ هذا هو ؟! هذا؟ حسناً بسم الله.. فليثبت لنا ذلك عمليّاً، و نحن سنقول عنه نفس هذا الكلام إن استطاع! فالإمام الحسين من كان؟ و من هو الإمام الصادق؟ و كيف كان الإمام الجواد عليهم السلام؟ تفضّلوا بسم الله.. هيّا تصرّفوا كما كان الإمام الجواد والإمام الصادق يتصرّفون وافعلوا ما كانوا يفعلون، فإذا فعلتم فإنّنا مستعدون أن نسجد لكم!! إذا كنتم قادرين على ذلك فسوف نسجد لكم!! ولكن، طالما أنّنا لا نقدر أن نفعل ذلك، فلماذا نتعدّى حدودنا إذاً؟! والله إنّ ذلك يستتبع عقوبة شديدة! ولا مزاح أو تساهل في الأمر، فحريم الإمام والمعصوم يجب أن يظلّ محفوظاً، وإلاّ فسنتعرّض للعقاب على يد صاحب الزمان، فكلّ شيء ينبغي أن يوضع في موضعه، وكلّ حريم ينبغي أن يبقى محفوظاً.

    

"ذكر عليٍّ عبادة" حينما نطبّق سيرته على تفاصيل أفكارنا وسلوكنا

حسناً، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "ذكر عليّ عبادة"، و من ناحية أخرى فقد وردنا أنّه: "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة"، فما هو موقع أمير المؤمنين في هذه العبارة؟ من الواضح أنّه رأس الصالحين وأميرهم وإمامهم و أعلاهم مرتبة و درجة، حسناً فما هو المقصود من قوله: "ذكر علي عبادة"؟ فالعبادة هي ما يقرّب الإنسان إلى الله تعالى، فما هو معنى اقتراب الإنسان من الله تعالى؟ وما الذي يقرّبنا إلى الله؟ افرضوا أنّكم جلستم مردّدين عبارة: (يا عليُّ.. يا عليُّ.. يا عليُّ ) [8] بشكل مستمرّ، وطبعاً هذا أمر مطلوب وينبغي فعله، ولكن هل هذا هو ما يقرّبنا من الله تعالى، هل تحرّكنا قليلاً من المسافة باتجاه الله تعالى؟ فلنجلس إذاً و نستمرّ بترديد عبارة: (يا عليُّ.. يا عليُّ.. يا عليُّ ) لأنّ ذكر عليّ عبادة!! و في الليل ينبغي أن نذهب إلى مجلس آخر كذلك حتّى لا تفوتنا هذه الفرصة أيضاً، و في الليل أيضاً نردّد ذكر "يا علي"، ونسعد بإقامة هذه المجالس والمشاركة فيها، و نقول: ما شاء الله.. لقد كان مجلساً حافلاً، أو فلنذهب و لنستمع إلى محاضرة فلان لعلّه يدفعنا إلى الأمام، و يغيّر حالتنا...
جيّد، ولكنّ هذه الحالة الجيّدة التي حصلت عليها تبقى لهذا اليوم فقط، فماذا عن الغد؟ هل ستظلّ هذه الحال باقية إلى الغد؟ كلاّ فعندما يأتي الغد فلن تكون حالة الأمس موجودة حينئذٍ! فإذا كان الأمر كذلك فما هو المقصود إذاً من قوله: "ذكر عليّ عبادة" ، و"عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" ؟
إنّ المقصود هو هذا: أن نأتي و ننظر في السبب الذي جعل "أمير المؤمنين" في مقام "أمير المؤمنين"؟ فلماذا صار عليٌّ أمير المؤمنين؟ و لماذا صار عليٌّ إماماً؟ و الله نحن أيضاً نستطيع أن نضع قدمنا في مكان قدمه، ولكنّنا لا نريد! إنّ ذلك ممكن وقابل للحصول، وأنا لا أقول أنّنا يمكن أن نصير "أمير المؤمنين"، فحتّى صاحب الزمان ليس له ذلك لأنّ "أمير المؤمنين" من خصوصيّات عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وصحيح أننا لا نقدر أن نصبح نحن إمام الزمان، ولكنّنا ـ تحت ولاية صاحب الزمان ـ قادرون على أن نتّصل بالإمام وبقلب الإمام.. إنّنا قادرون على فعل هذا الأمر.. إنّنا نستطيع أن نصل إلى تلك النقطة من الوصل والاتّصال بحيث لا يتمكّن أحدٌ من خداعنا بعد ذلك.. وبحيث لا نُخدع ببعض الشائعات.. وبحيث لا يقدر شخصّ محتال على سلب قلوبنا بواسطة ملصق إعلاني أو بطاقة.. وبحيث لا نسلّم عقولنا وقلوبنا بسبب محاضرتين وكلمتين نسمعهما... إنّ هذا ممكن ومقدور لنا، فتعالوا لنطلب هذا الأمر ولنسعى للحصول على هذه المسألة!
ولكن هذا الأمر كيف يمكن لنا أن نحصل عليه؟ هل يمكن لنا أن نجده من خلال ترديد عبارة "يا علي"؟ كلاّ! فتعالوا إذاً لنحفظ مباني أمير المؤمنين عليه السلام...

    

بعض النماذج التي ينبغي تطبيقها في حياتنا تأسيّا بالإمام عليه السلام

 

    

النموذج الأوّل: كيفيّة تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع أعدائه

إذا كان الأصدقاء يتذكّرون، فقد تحدّث الحقير في هذه السنّة أو السنة الماضية عن أحداث حرب صفّين، ومواقف أمير المؤمنين عليه السلام، وبيّنت أنّه ما الأمر المخفي في قضيّة أمير المؤمنين مع عمرو بن العاص؟ حتّى أنّ الحديث انساق في حينها إلى بعض المباحث الفقهيّة و التكليفيّة، ونحن ننوي أن نستمرّ في بيان تلك المطالب إن شاء الله في مباحث "حجّية فعل ولي الله" التي بدأنا بها فعلاً، ففي هذا البحث سنتعرّض للمزيد من النقاط حول هذا الموضوع...
حسناً.. ما الذي فعله أمير المؤمنين عليه السلام في هذه القضيّة؟ و ما هي العلّة المحرّكة التي دفعت أمير المؤمنين في ما فعله في هذه القضيّة؟ أوَلم يكن خروج أمير المؤمنين من أجل إحقاق الحقّ؟ أوَلم يكن خروجه من أجل إسقاط معاوية والقضاء عليه؟! أوَلم يحضر معه كلّ أولئك الناس من أجل القتال؟! فهم لم يكونوا يوزّعون الحلوى هناك، بل لم يكن هناك إلاّ السيف و الرمح و السهام! هكذا كان الأمر... فكم من امرأةٍ فقدت مُعيلها و كافِلها بسبب قدوم أمير المؤمنين إلى هنا! وكم من طفل صار يتيم الأب بسبب ذلك! ألم يحصل ذلك؟! بلى حصل بالتأكيد. جيّد، فعندئذٍ بماذا يمكن لأمير المؤمنين أن يجيب هؤلاء الناس؟ وما هي الإجابة التي يقدّمها لهذه الزوجات؟ و ماذا يقول للأمّهات و الآباء؟ وكيف يجيب الأطفال الذين صاروا أيتاماً؟ هل تخطر هذه الأسئلة في أذهاننا أم لا؟
فأنا أقوم وأدعو الناس في مسجد الكوفة للتحرّك و القتال (و ذلك أنّ أمير المؤمنين رجع إلى الكوفة بعد حرب الجمل و لم يرجع إلى المدينة المنوّرة، لأنّ الكوفة صارت مركزاً للخلافة، و أمّا المدينة فكانت بعيدة)... حسناً.. فأمير المؤمنين قد جمع الناس وخطب بهم في مسجد الكوفة و تحدّث معهم، وأرسل الرسائل إلى القبائل داعياً إيّاهم لنصرته في القضاء على معاوية دفعاً للظلم.. واضح؟
وطبعاً انتهى الأمر بمخالفة المنافقين، واحتيال عمرو بن العاص وغشّه، فمن المعلوم أنّ عمرو بن العاص كان من أهل التزوير والاحتيال، فأمثال هذه القضايا موجودة في التاريخ دائماً، فنحن دائماً لدينا عمرو بن العاص، وغاية الأمر أنّه في ذلك الزمان كان ذلك الشخص، فإذا ذهب هذا جاء غيره، و هكذا...
حسناً.. في تلك اللحظة التي أراد أمير المؤمنين عليه السلام أن ينزل ضربته على رأس عمرو بن العاص، فيقوم عمرو بن العاص بذلك العمل القبيح، ممّا يؤدّي إلى أن يصرف أمير المؤمنين عليه السلام وجهه عنه ولا يقتله، واضح؟ جيّد، فبأي شيء يجيب أمير المؤمنين كلّ أولئك الناس؟ ألن يقولوا له: يا عليّ، الآن و قد وصلت إلى المطلوب بعد أن قُتل أولادنا و آباؤنا في هذا القتال.. الآن و قد وصلت إلى قطف الثمرة، ترفع يدك و لا تقتله؟! ولا فرق بين هذه القضيّة وتلك القضيّة الأخرى.. قضيّة السيطرة على النهر، بعد أنّ كان معاوية قد سيطر على ماء النهر، و منع جيش أمير المؤمنين منه... فما هي العلّة التي تقف وراء هذه القضيّة؟
لقد بيّنا علّة هذه القضيّة و سرّها في السابق إلى حدٍّ ما، و لكنّنا سنضيف هذا الأمر إلى بقيّة الأسرار.. تلك الأسرار التي لا يمكن أن يصل إليها ويفهمها سوى وليّ الله والعارف بالله، وقد بيّنا سابقاً مقداراً قليلاً منها، فما هو ذلك القليل؟ ذلك القليل كان أنّ أمير المؤمنين عليه السلام يريد أن يقول لنا: إنّ مجيئي إلى هنا مبنيّ على التكليف .. انتبهوا جيّداً لما أقوله، فما قلته قبل قليل من أنّنا ينبغي أن نأتي إلى هذه المجالس لنرتقي بفهمنا ولا نكتفي بقول: "يا علي.. يا عليّ" يرجع إلى هذا الأمر!
إنّ أمير المؤمنين يريد أن يقول لنا: إنّ دعوتي كانت بسبب التكليف، و لولا التكليف لجلست في بيتي، فما هي علاقتي أنا بما يجري، ليذهب كلّ الناس إلى جهنّم، الناس لهم ربّ متكفّل بأمورهم، فهل كنت أنا ربّ الناس؟! و بالتالي فلا علاقة لي بهم؛ فليذهبوا حيث يشاؤون! إذاً جَمْعُنا للناس إنّما كان على أساس التكليف، وقدومنا إلى هنا إنّما كان على أساس التكليف، وقتالنا لمعاوية كان على أساس التكليف أيضاً... كلّ ذلك كان على أساس التكليف... حسناً، و الآن قد وصل الأمر إلى أنّ معاوية قد أغلق النهر بوجوهنا ومنعنا من الماء، فجعلنا في ضائقة من أمرنا، فماذا ينبغي أن نفعل في هذه الحالة؟ يجب أن نفتح النهر، وإلاّ فإنّ الخيول ستموت والناس سيموتون أيضاً، وهم بمجرّد أن يشاهدوا أن الضعف قد دبّ فينا فسيهاجموننا ويقضون علينا ليُحسم الأمر لصالحهم في ساعتين، ولهذا فقد قام الإمام الحسين عليه السلام مع مالك الأشتر ومن معهم من الجنود بالهجوم على النهر والسيطرة عليه، حسناً، الآن وقد سيطروا على النهر فإنّ المعركة قد انتهت وحسمت، فنحن الآن من يسيطر على الماء، و المعادلة قد انقلبت لصالحنا، و هنا ما كاد الناس أن يقولوا: إنّ الأمر قد انتهى بهذا النصر، حتّى جاء أمير المؤمنين ليقول: كلاّ، إنّ التكليف هنا أمرٌ آخر؛ فتكليفنا هو أن نقدّم لهم الماء!

    

النموذج الثاني: متابعة الحقّ مهما كلّف الثمن

هذا ما ينبغي أن نتعلّمه اليوم من أمير المؤمنين، فالولاية و عيد الغدير هي من أجل هذا؛ من أجل أن نفهم! من أجل أن نفهم من نكون؟! حذار أن تكون الأعمال التي نؤدّيها هي من أجل نفسنا ولكن نحن لا ندري! فنحن نؤدّي هذه الأعمال باسم السير والسلوك، ولكن الدافع الحقيقيّ هو النفس والشهرة والشخصيّة والخبز! حذار أن يكون الأمر كذلك! حذار أن يكون الدافع وراء دعوتنا أمور خفيّة تختلج في نفوسنا! حذار أن يكون تصرّفنا مع زوجتنا وأطفالنا بقسوة وحزم ونظنّ أنّ فعلنا صحيح دائماً! لا.. فربّما كان الحقّ مع الزوجة أو الابن و نحن الذين اشتبهنا.. و نحن الذين بالغنا في القسوة والتشديد.. ونحن الذين نضغط عليهم أكثر من قدرتهم على التحمّل! فربّما كان الحقّ مع الزوجة و الأبناء! فهل جلسنا حتّى الآن مع أنفسنا و فكّرنا في هذه المسألة؟! لنفرض أنّنا اختلفنا مع عيالنا في هذه القضيّة المعيّنة، فلنجلس و لنتأمّل في الأمر؛ فربّما كان الحقّ معها، فنحن لا نخلو من النقائص ونقاط الضعف، وحينئذٍ فسنرى أنّنا لا يمكن أن نعتبر أن كامل الحقّ معنا فقط، وسيتبيّن لنا أنّنا مقصّرون ومخطئون بنسبة عشرين بالمائة على الأقلّ في هذه القضيّة، و لا نقول مائة بالمائة، بل نحترم أنفسنا قليلاً فنقول أنّنا مخطئون بنسبة عشرين بالمائة فقط.
حسناً، لولا هذه العشرين بالمائة التي كانت من قبلنا هل كانت هذه المشكلة و القضية لتحصل؟ لا.. لم تكن لتحصل، و بالتالي فنحن مخطئون بنسبة عشرين بالمائة! فلنقبل هذا المقدار و لنعترف به.
إذا فعلنا ذلك فبمجّرد اعترافنا بذلك المقدار سنكون قد دخلنا في الولاية! جئنا ودخلنا! بمجرّد أن جئنا إليها وقلنا لها: انظري.. أنا أعترف أنّني كنت مخطئاً في هذه القضية بنسبة ثلاثين بالمائة، والحقّ معي بنسبة سبعين بالمائة، وأنا أعتذر منكِ عن خطأي في تلك الثلاثين بالمائة التي كنت أنا المخطئ فيها. كم سيكون لمثل هذا الكلام من التأثير! إنّه سيؤثّر كثيراً وسيقلب الأجواء تماماً! ألا تصدّقون ذلك؟ اذهبوا وجرّبوا بأنفسكم لتروا كيف سيتغيّر المشهد وتنقلب الأجواء بشكل إيجابي، وكيف ستتأثّر العلاقات.
ولكن إن أنا لم أقبل ذلك وأصررت على موقفي زاعماً أنّ الحقّ معي مائة بالمائة، ولم اقبل التراجع مهما يكن، فيقال لي: تعال لنذهب إلى السيّد ليفصل بيننا، فأقول: لا، فأنا لا أؤمن بالسيّد ولا أقبل آراءه! [تبسّم من سماحة السيّد]، إنّه الآن لم يعد يثق بالسيّد ولا يقبل كلامه، وطبعاً هو يقول ذلك في قلبه، وإن كان في الظاهر يدّعي أنّه يؤمن بالسيّد ويثق به، فلماذا هو لا يقبل الآن؟ لأنّ الحقّ مع الطرف الآخر! يا عزيزي، لو كنت تعتقد بالسيّد، لما ذهبت إلى هنا وهناك وإلى هذا وذاك محاولاً جرّ النار إلى قرصك! جيّد جدّاً.. أنت لا تقبل بالسيّد؟ لا بأس، فأنت على الأقل تؤمن بالله ورسوله وشريعته، فأنا لم أطلب من أحد أن يعتقد بي، أنا أرى نفسي كباقي الأفراد، ولكنّني أقول وأصرّح بما أتوصّل إليه وأعتقد به، ثمّ أظلّ ثابتاً عليه دون هوادة أو تساهل مع أحد أبداً.
واضح؟ فلنعترف بالثلاثين بالمائة... وكذلك عندما نتعامل مع صديقنا ورفيقنا، فلنتقدّم منه ولنقل له: أنا أعترف أنّ الحقّ كان معك في هذه المسألة بهذا المقدار، والحقّ معي بهذا المقدار، ولذا فأنا أطلب العفو والمعذرة منك على ما بدر منّي، فإذا فعلنا ذلك فسنكون قد تقدّمنا إلى الأمام بذلك المقدار. واضح؟ ونفس الأمر ينطبق كذلك على الزوجة والوالد والابن، فحتّى الوالد إذا ما ارتكب خطأ بحقّ ابنه فينبغي عليه أن يقول: أنا مخطئ! فهو يجب أن يقول ويصرّح.. لماذا؟ لأنّه إن لم يقل ذلك، فإنّ الأمر سيظلّ باقياً في قلب هذا الابن، وسيظهر إلى العلن عندما يكبر، فلا ينبغي للأب أن يقول: أنا والده، وموقعيّتي وشأني تقتضي ألاّ اعتذر.. كلاّ ليس الأمر كذلك، و ليس هذا هو دستور الإسلام.
ولكن عندما يسمع الابن هذا الكلام من أبيه، فعليه أن يبادر إلى يد أبيه فيقبّلها، ويقول: كلاّ.. بل أنا المخطئ هنا، وأنا قد قصّرت في أداء واجبي! فكلّ واحد يجب أن يؤدّي ما عليه؛ على الابن أن يقبّل يد أبيه، وعلى الوالد أن يعترف بالمقدار الذي أخطأ به. هكذا يكون أسلوب أمير المؤمنين عليه السلام و منهجه. واضح؟
وكذلك عندما ننظر في نهج البلاغة فسنرى أنّ أمير المؤمنين قد ذكر كثيراً فيه أنّه: ما لم تحصل على "اليقين" في مسألةٍ ما .. على "اليقين"! يعني كما ترى هذا السراج! فلا تُقدم على ذلك العمل! مثلاً: يأتي أحدهم ويقول لي: إنّ فلاناً قد فعل الفعل الفلانيّ، فيدخل هذا الكلام في أذني، ثمّ يأتي شخص آخر فيقول لي: إن فلاناً قد قام بهذا الفعل، فيدخل هذا في أذني أيضاً، وهكذا ... وبعد ذلك يأتي دوري أنا حيث ينبغي عليَّ أن أُحقّق في الأمر بنفسي.. أليس كذلك أم لا؟ هل ينبغي عليَّ أن أتحرّك فور سماعي لكلام الطرف المقابل وأرتّب الأثر على ما قاله؟ كلا.. بل ينبغي أن أذهب وأُحقّق في المسألة، ولا يكون ذلك من خلال سؤال شخص واحد فقط، بل بسؤال عدّة أشخاص بحيث أتأكّد من حصول هذا الأمر، فإذا صار الأمر مسلّماً وتأكّدت من وقوعه، فحينئذٍ ينبغي أن أتّخذ القرار المناسب حيال ما حصل. إذا فعلت ذلك، فأنا أسير في طريق أمير المؤمنين عليه السلام، وإلاّ فلا.. إن لم أفعل فأنا ضعيف، وعندي نقص. هذه هي المسألة!
حسناً.. فإن ذهبنا إلى المجالس و شاركنا فيها و ردّدنا: "يا علي.."، و استمعنا إلى مدائح أمير المؤمنين، فهذه الأمور كلّها جيّدة جدّاً، و لكن ماذا يحصل عندما تخرج من المجلس؟ إنّ هذه الأمور متعلّقة بنفس المجلس، وتأثيرها فيه، ولكن ماذا عن حالنا عندما نخرج من المجلس؟! ألا نزال في ذلك الجوّ وفي تلك الحالة؟ وهل ما زال ذلك الحماس الذي كان في المجلس موجوداً عندنا؟! إنّ مثل هذه المجالس ستصبح مجالس "هيئتيّة" [9] .. فهكذا يكون المجلس "الهيئتي"؛ يكثر فيه الصراخ والحماس والتصفيق وما شابه ذلك! وأمّا مجالس العزاء فالأمر فيها أشدّ!! حيث نجد أن مجلس العزاء يتحوّل إلى مسرحيّة أو تمثيليّة.. واقعاً تمثيليّة!

    

النموذج الثالث: كيفية إحياء مجالس أبي عبد الله عليه السلام

لقد وردني أحد الأسئلة من خلال "موقع الإنترنت" كتب فيه السائل يقول لي: إنّك قد أهنت هذه المجالس، حيث قلتَ عنها: أنّها مسرحيّة و تمثيليّة.
فأجبته: كلاّ أنا لم أهنها، فهي واقعاً تمثيليّة.. هذا هو واقع الأمر!
وكان من ضمن ما قاله: أوَلم يأمرنا الإمام الصادق عليه السلام بالصراخ والعويل في هذه المجالس؟!
فأجبته: أين قال الإمام الصادق ذلك؟! أين ذلك؟! نعم.. جاء في رواية معاوية بن وهب أنّ الإمام الصادق عليه السلام دعا الله و هو ساجد : "... و ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا ..." و ذلك ضمن دعائه لزوّار سيّد الشهداء، ولكن ما هي تلك "الصرخة" التي يتحدّث عنها الإمام عليه السلام؟ إنّها تلك الصرخة التي تنبعث من صدر الإنسان المحترق حزناً على سيّد الشهداء، وليس المقصود أن يُعربد الإنسان ويصرخ بتلك الطريقة أثناء لطم الصدور.
نعم، قد تصدر من الإنسان صرخة دون اختياره بسبب تأثّره وحزنه، بل قد يكون صوته عالياً أيضاً.. فهذا لا إشكال فيه أبداً، ولكنّ الصراخ والنداء بأعلى الصوت وإطلاق النعرات والشعارات بأعلى صوت .. فهل كان الإمام الصادق يفعل ذلك؟! من رأى الإمام الصادق ينادي ويصرخ هكذا في عزاء جدّه؟! من رآه؟ وحتّى أنت أيّها الشخص الذي جئت و ذكرت هذا الأمر وسألت هذا السؤال: هل رآك أحدٌ حتّى الآن تصرخ وتنادي بهذه الطريقة في المجالس التي تشارك فيها ؟! إنّ أحداً لم يرَك حتّى تبكي بصوت منخفض! ثمّ تأتي و تقول: يجب أن يكون هناك صراخ ونعرات ونداءات، فلم يشاهدك أحدٌ تصدر صوتاً منخفضاً، فإذا كان الصواب أن يصرخ الإنسان وينادي بهذا الشكل، فلم لا تفعل أنت ذلك؟! هل هذا الكلام للناس فقط؟
إنّ قولي: إنّ هذه الأمور أشبه ما تكون بالتمثيليّة يعود إلى هذا؛ وهو أنّ هذا الصراخ والنداءات يتمّ إصدارها في جوّ مجازيّ، فأين الإمام الحسين هنا؟ فنحن لم نفعل إلاّ الصراخ والضرب على الرأس مردّدين عبارات من قبيل: "قد قتلوا الإمام الحسين وجرحوه"، و لكن نفس الإمام الحسين عليه السلام أين ذهب؟ إلى أين ذهب منهج الإمام الحسين؟ وأين أقواله وكلماته؟ وأين خطبه في يوم عاشوراء؟ فنحن قد قضينا ساعة كاملة في ضرب الرؤوس وما شابه ذلك أصابنا ألم في الرأس، ثمّ انتفى الألم، فماذا حصل من جديد وكم اقتربنا من الله؟
ألم يقولوا عند "ذكر الصالحين تنزل الرحمة"؟! هل هناك خير من مجلس الإمام الحسين؟ لا ليس هناك خير منه، ولكن مع ذلك نأتي غداً ونقوم بما كنّا نقوم به قبل المشاركة في مجلسه، ممّا يعني أنّنا لم نتقدّم، غاية ما قمنا به هو الضرب على رؤوسنا، أحد الأفراد ـ لا أدري إن كان لازال على قيد الحياة أم لا ـ قال جملة جميلة جداً، قال: "كفى بمظلوميّتك يا حسين أنّهم بعد ألف وأربعمائة عام بدلاً من أن يعرّفونا على أفكارك، لا زالوا يحدّثونا عن جراحك وطعناتك!"
لقد أصاب جسد الحسين عليه السلام تسعون جراحة، أصابه سهم ذي ثلاث شعب من قبل حرملة الذي قتل عبد الله الرضيع، ولكن لماذا صار حرملة حرملة؟ فهذا هو الأمر الذي لم نفكّر به، لماذا عمر بن سعد صار...؟ لقد كان عمر بن سعد يشارك في هذه المجالس، والله كان يشارك فيها، نفس حرملة هذا وعمر بن سعد كانا يشاركان في عين هذه المجالس، وكانا يبكيان، وكانا يبرزان صورة تقواهما الظاهريّة، لماذا وصل عمر ابن سعد إلى مرحلة صار فيها يسخر من الإمام الحسين عليه السلام ويقول: حتّى لو أعطونا شعير الريّ فهو يكفينا ولو لم نأخذ قمح الريّ، لماذا وصل إلى هذه المرحلة؟ لماذا وصل حرملة كذلك إلى هذه المرحلة؟ ألم يكن حرملة يصلّي؟ لقد كان يصلّي وكانوا يرونه في مسجد الكوفة، والله كان يصلّي إلى هذه القبلة، وكان يقرا هذا القرآن، فلماذا وصل إلى مرحلة تجعله يقتل الطفل البريء؟!
لنفرض أنّ الإمام عليه السلام محارب ويستحقّ أن يُقتل فقتلوه، يقولون لو شاء لما خرج، والآن هناك الكثيرون يقولون أنّه لو شاء لما خرج، وقد خرج للحكومة فقتل، والخروج ليس أمراً سهلاً ولا يحصل من خلاله الإنسان على الخبز والحلوى، لقد كان رجلاً كبيراً راشداً يبلغ من العمر سبعاً وخمسين عاماً خرج وقاتل فجاءه سهم فقتِل، وأبو الفضل العبّاس كان كبيراً كذلك ولو شاء لما خرج، وكذا عليّ الأكبر كان كبيراً، ولو شاء لما خرج، ولكن ما معنى أن يقتل طفل ابن ستة أشهر؟!
إنّ الذئب الصحراوي لا يقوم بعمل كهذا، النمر لا يقوم بذلك، وقد شوهد أن حفظت هذه الحيوانات الأطفال الرضّع، ففي يوم من الأيام كنت أشاهد فيلماً حول الحيوانات حيث جاء نمرٌ واصطاد قردةً، وكانت هذه القردة أُمّاً ومعها قرد صغير، بعد أن اصطاد الأم وقع القرد الصغير على الأرض، فقام النمر بحمايته وحمله كما يحمل صغاره، ووضعه على الشجرة وأمسكه بيده كيلا يقع، هذا النمر المفترس لا حقد لديه، هو مفترس بفطرته لسدّ حاجته، وهو يقوم بحماية القرد الصغير بفطرته الإلهيّة أيضاً، أما حرملة فيصل إلى مرحلة يقوم بما لا يقوم به النمر المتوحّش، لا بأس إن كان لديك مشكلة مع أبيه، فارم السهم إلى رقبة الأب، فهو عدوّك، والأمر بينك وبين الله، ارم السهم نحو رقبة الأب.. نحو رقبة الحصان.. نحو رقبة الناقة... ما ذنب هذا الطفل ذي الأشهر الستّة، ولماذا ينبغي لحرملة أن يصل إلى هذا الحدّ من الجريمة؟! أوَلا نصل نحن يوماً ما إلى هذا الحدّ؟! بل يمكن أن نصل ووصلنا ووصلنا ووصلنا، نحن أصبحنا حرملة.. نحن أصبحنا عمر بن سعد، نحن صرنا شمراً وسناناً، نحن بدورنا صرنا يزيد، نحن بدورنا صرنا عبيد الله بن زياد، وأسوأ منهم، هل هذا هو الالتزام بأوامر أمير المؤمنين؟ أقيمت هذه المجالس لنعرف ماذا صنع عليّ عليه السلام حتّى قال فيه النبيّ ما قال؟

    

بعض الحقائق والأسرار المتعلّقة بتنصيب الأمير عليه السلام في مقام الولاية

إنّ العمل طبقاً لبرنامج أمير المؤمنين عليه السلام يعني هذا الأمر، وهذه المجالس هي من أجل أن نأتي إلى هذه المجالس لكي نرى ماذا فعل عليّ لكي يقول فيه النبي هذه الكلمات؟ هذه الولاية تأتي وتأخذ بيد الناس فترتقي بهم، وفي هذا اليوم الذي هو يوم الغدير ويوم ارتداء هؤلاء الأحبّة والأعزة للعمامة، و يوم التلبّس بتاج الأنبياء والملائكة.. [10] في هذا اليوم جاء رسول الله وقدّم أمير المؤمنين عليه السلام بصفته نموذجاً.. وليس ذلك وحسب، فالأمر يتعدّى مسألة كونه نموذجاً، بل إنّ رسول الله جاء و قدّم لنا نفس ذلك الفرد الذي يستطيع أن يوصلنا إلى هذه المرتبة، وعرّفَنا به! فعندما نزلت الآية الشريفة: { يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَه‏} [11] .. فمع صدور هذه الآية ونزولها فإنّ "نفس" الرسول الأكرم أوجدت الولاية في هذه الدنيا وقامت بإنشائها! في هذا اليوم قام رسول الله بواسطة نفسه الشريفة بوضع أمير المؤمنين في هذه الموقعيّة و تثبيته فيها، و هذا هو معنى ما يقال من أنّ أصل الولاية هو من رسول الله، و بعد ذلك تنتقل إلى أمير المؤمنين ثمّ لباقي الأئمّة عليهم السلام، ففي هذا اليوم جاءت النفس الملكوتيّة لرسول الله صلّى الله عليه و آله و قامت بتغيير أمير المؤمنين و إيجاد هذا التحوّل فيه، فحتّى الآن كانت الأرضيّة عند أمير المؤمنين تزداد، وهو يقترب شيئاً فشيئاً.. فقد خاض الحروب، وأدّى الصلوات، وكان يُغشى عليه أثناء عبادته ليلاً في البساتين.. لقد أدّى كلّ هذه الأعمال فاقترب واقترب حتّى وصل إلى هذه الموقعيّة والظرفيّة المناسبة لإنشاء رسول الله!
ومن هنا فرسول الله لم يأت في مثل هذا اليوم ليخبرنا أنّ عليّاً وليّ، بل إنّه قام بإيجاد هذا الولي.. قام بإيجاده! ففي هذا اليوم نَـفَس رسول الله الشريف وإرادته المباركة وقلبه ونفْسه الملكوتيّتان قامت بإيجاد هذه المسألة.. من أجل من؟ من أجلنا نحن! فقد جاء وقال بصراحة: إنّي أتحدّث معكم بكلّ وضوح وصراحة، فأنا اليوم قد فتحت أمامكم هذه الشريعة وهذا الطريق، وبعد ذلك فكلّ واحد منكم وشأنه؛ فإن كنتَ من أهل الظاهر ولا تريد إلاّ أن تصلّي وتحجّ وتقرأ القرآن، فسيأتي بعض الأشخاص من بعدي ويتصدّون لأداء هذه الأمور فاتّبعهم، وأمّا إن كنتَ من أهل الباطن وتسعى للوصول إلى حقيقة المطلب، وترغب في الحصول على ذلك الأمر الذي قد غفل عنه الآخرون فهذا عليّ فاتّبعه! فماذا تريد بعد ذلك؟ أنا راحل عن قريب، وسأترك بينكم خليفتي.
وبالتالي، فما هو الأمر المهمّ في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام؟ الأمر المهمّ هو الوصول.. الوصول إلى تلك الحقيقة والوصول إلى الواقعيّة، وقد جاء رسول الله في هذا اليوم ففتح هذا الطريق لشيعته، إذا كنت ترغب في ذلك فبسم الله.. تفضّل! وهو الآن أيضاً مفتوح.. نفس هذه المطالب التي بيّنها الحقير في هذا اليوم.. هي بعينها ذلك الطريق الذي فتحه رسول الله قبل ألف وأربعمائة سنة، فهذه المطالب و ذلك الطريق قد فتح في ذلك الوقت، وجاءت حتّى استقرّت في قلب وليّ الله المرحوم السيّد العلاّمة الوالد رضوان الله عليه، ثم انبثقت من هناك بصورة كلام ومكتوبات، ثمّ جئت أنا لأحكيها وأنقلها لكم، فأنا لا دور لي أكثر من ذلك! فذلك الطريق هو هذا نفسه، فالولي يأتي ويتّصل بالإمام، فإذا صار متّصلاً فإنّه يقول نفس الكلام الذي يقوله الإمام، ويبيّن نفس المطلب الذي يبيّنه الإمام، ويقوم بنفس الهداية التي يقوم بها الإمام عليه السلام، ويطرح نفس المسألة التي يطرحها، بحيث أنّه لو كان الإمام عليه السلام موجودا لطرح نفس تلك المسألة، ولألقى نفس المطلب في الأذهان، وهذا ما تعنيه الولاية.
فنحن في هذا اليوم نحتفل ونُسرّ ونفرح، فهل تعرفون السرّ في ذلك؟ ليس السبب هو أنّ أمير المؤمنين قد صار إماماً وخليفةً، إذ كم سنة قضاها عليه السلام في الحكم والخلافة والإمامة؟ أربع إلى خمس سنوات لا غير! أربع سنوات وستة أشهر. فهل تستحقّ أربع سنوات وستّة أشهر أن نحتفل من أجلها؟! فقد حكم أولئك خمساً وعشرين سنةً في المقابل، ثمّ وقع الحكم في أيدي بني أمّية وبني مروان، واستمرّ الأمر كذلك حتّى بني العبّاس! حسناً.. فهل هذا الأمر يستحقّ الاحتفال لأنّ أمير المؤمنين قد وصل إلى الخلافة؟! إذا كان هو قد وصل إلى الخلافة، فما علاقتي أنا؟! هو قد وصل إلى الإمامة، فماذا أفعل أنا؟ فذلك الذي وصل إلى الإمامة كان إماماً من الأساس، ولكن أنا قد اكتسبت شيئاً إضافياً هنا، فأنا أقيم الاحتفال من أجل نفسي! أنا يجب أن احتفل في هذا اليوم وأقيم مجالس الفرح والمسرّة من أجل نفسي أنا، وأنا يجب في هذا اليوم أن أجلس وأفكّر وأجدّد النظر في أموري.. من أجل نفسي أنا، ومن أجل وضعي أنا وموقعيّتي أنا، إذ ينبغي ألاّ أصرّ بأنّ الحقّ معي دائماً، لأنّني إذا قلت فسأكون قد تأخّرت عن الغدير و عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، ينبغي أن أنظر أين الحقّ ثمّ أتّبعه، ولا أحاول البحث عن الحقّ في الأفراد، بل يجب أن أبحث عن الحقّ في عليّ وفي مدرسة عليّ.. هذه هي رسالة اليوم، فرسالة عيد الغدير هي هذه!
و لهذا فإنّ مولانا رحمة الله عليه.. رضوان الله عليه.. قدّس الله سرّه.. فكلّ ما قيل قد قاله مولانا:

كيست مولا؟ آنكه آزادت كند
                              ..... ..... ..... .....

(يقول: من هو المولى؟ إنّه الذي يحرّرك! .... ....)


يعني: التحرّر من هذه الأفكار الخاوية الموجودة في رأسي ورأسك.. التحرّر من هذه القيود و الأغلال، ومن هذه النفسانيّات و هذه التعلّقات، و من كوننا لا نريد إذا تكلّم السيّد أن يشير على القضيّة الفلانيّة.. ها! إنّه يريد أن يحرّرنا من هذا، وأن يحرّرنا من خوفنا من أن يتحدّث في الموضوع الفلاني في المكان الفلاني.. يحرّرنا من هذا.. يحرّرنا من هذه الأكاذيب.. يحرّرنا من هذا الغشّ والخداع.. يحرّرنا من اصطناع الملفّات وتأليف القضايا.. يحرّرنا من محاولة البحث عن الزلاّت.. يحرّرنا من هذه النفسانيّات! فمن الذي يريد أن يحرّرنا من كلّ هذا؟ لو كان الآخرون قادرين على تحريركم منها لحرّروكم! إنّ من يقدر على ذلك هو عليّ!

    

النموذج الرابع: التـأثّر بكلام الناس وبالشائعات وبالكثرة والكمّ

أمّا ترديد عبارة "يا علي.. يا علي" فلا، بل ينبغي على الإنسان أن ينظر إلى أمير المؤمنين كيف تصرّف، ويفعل مثله؛ كيف تصرّف عليه السلام مع عدوّه؟ و كيف تصرّف مع صديقه؟ و كيف تصرّف في الموارد المختلفة؟ هل كان يتّبع الناس ويمشي وراءهم، أم كان الناس يتّبعونه؟ كيف تصرّف؟
لقد ذهب فلانٌ و تركنا؛ ذهب.. فليذهب.
لقد جاء فلان؛ أهلاً و سهلاً.
يقال: إنّ الفرق بين المؤمن والمنافق هو أنّ المنافق يفرح إذا جاء شخص وانضمّ إلى جماعته.. و يقول: (ها! لقد زاد عددنا، و فلان قد حضر أيضاً، وكان مجموع المشاركين اليوم كذا)، فهكذا يكون المنافق، ولكن عندما يغادرهم تجدهم يولولون: يا ويلتاه...، هل رأيت؟ لقد ذهب، دعنا نذهب خلفه، دعنا نذهب لنجده، فماذا سيقول الآخرون؟ كيف سيشمت الأعداء؟ إذا رآه الأعداء سيفرحون ويشمتون، سيقولون: انظروا لقد غادرهم شخص !!
أمّا الإنسان المؤمن إذا رأى أنّ فرداً انضمّ إليه يفرح ويقول: الحمد لله فقد جاء أحدهم، وبعدها يفديه بنفسه، ولكن إذا رأى أنّه ذهب، فتجده لا يحزن، ذهب فليذهب، لقد أغلق ملفه بنفسه، فلماذا أحزن أو أنزعج أنا؟! وإذا نظرتم إلى تصرّفات المرحوم العلامة تجاه أستاذه المرحوم السيّد الحداد رضوان الله عليهما، فستجدون أنّ تصرّفاته كانت على هذا النحو، فالحقير لا يزال يتذكّر تلك الأيّام، كان الحقير حينها في زمن الطفولة، كان عمري أحد عشر سنة، وكلّ تلك الأحداث تمرّ بخاطري إلى الآن مثل الفيلم: مازلت أتذكّر أولئك الأفراد الذين كانوا يأتون إلى أستاذه المحروم الأنصاري [12] والذين لم يكونوا يتحمّلون الممشى التوحيدي، ولذا أرادوا أن يفتحوا لهم "دكاناً" خاصّاً بهم، فشكّلوا المجالس و ...، بلى كان لديهم كلّ ذلك، كان يمدّون السفر ويضعون عليها المرق واللحم والأرز، ويدعون الناس إليها... ، كان السيد الحداد يوجّه ويبيّن ويقول لهم: هذا التصرّف خاطئ، ينبغي أن تتصرّف بالنحو الفلاني مع زوجتك وأطفالك، ينبغي أن تذهب إلى المكان الفلاني، أو ينبغي أن لا تذهب إلى المكان الفلاني، أمّا هم فكانوا يقولون: لا، بل نحن نريد الذهاب أو نريد أن نفعل كذا وكذا، نريد أن نكون أحراراً، نريد أن يكون عِنان أمورنا بأيدينا، وأن لا ندع أحداً يسوقنا حيث يريد، ها !! فجاؤوا وتجمّعوا خلف شخصين أو ثلاثة أشخاص من المعاندين، ثمّ بدؤوا ببثّ سمومهم ليفرّقوا الناس حول السيّد الحداد، فصاروا يقولون عنه أنّه: ليس له ولاية لأهل البيت، لقد ذهب إلى بغداد إلى قبر "أبي حنيفة" وأمثال هذه الترّهات.
هم كانوا أميين لا يعرفون هل تكتب كلمة أبو حنيفة بالـ (ح) أم بالـ (هـ) !! ثمّ يأتون يقولون: لقد ذهب السيد إلى قبر "أبي حنيفة"، هل تعلمون لماذا؟ لأنّهم لا يستطيعون مواجهته بالصدق؛ فلذا يستخدمون الكذب، وذلك الرجل الأحمق الخالي من الفهم الذي كان يستمع إلى أباطيلهم، كان يفغر فاهه، ويقول: "أها هكذا القضيّة إذاً" فيصدّق كلّ أكاذيبهم. أيّها الأحمق لا تكن كالحمار، بل انهض وحقّق في المسألة، لماذا تتعجّب من دون تحقيق، لماذا تعطّل رأس، وهل أنت خروف أو عجل ليسوقنك بالعَلف كما تساق الأنعام؟!! لماذا ترتّب الأثر على كلامهم بهذه السهولة؟!! لماذا؟!!
هذا كلّه يعود إلى أنّك أتيت إلى هذه المجالس فقط لتقول: "يا علي" عدّة مرّات: يا علي يا علي يا علي ، أو لتلطم صدرك وتصيح يا حسين وحسب، لم تدخل إلى عقلك ذلك الحسين الواقعي، لم تجعل عليّاً الواقعي يتغلغل في قلبك، لذا استطاع رجلٌ أن يَحرِفك بجملةٍ واحدةٍ! هل لأنّه له لحية كبيرة بيضاء؟! صدّقت كلامه وبدأت تتعجّب، وتقول: يا سيّدي لم أعلم أنّه كذلك؟!
حسناً كلامي منصبّ على هذه المسألة: هل ينزعج السيّد الحداد لأنّ ذلك الرجل الأحمق تركه؟ بل في قلبه: الحمد لله يا عزيزي ليتك تركتي قبل هذا، جزاك الله خيراً أن أرحتني منك، هذا ما يقوله في قلبه، أمّا في الظاهر فيقول بهدوء: "يا للعجب، على كلّ حال هذا هو تقدير الله، كلّ فرد يعرف نفسه"، أمّا في باطنه فيقول: الحمد لله، لقد نقصوا واحداً عن كاهلي، اذهب يا عزيزي وأقِم مجالس العزاء كما تريد بلا حسيب ولا رقيب، وما شاء الله فإنّ للإمام الحسين عليه السلام قِدْراً كبيراً جداً، وكلّ من لديه حمّصة يرميها فيه، ويقتطع بذلك لنفسه حصّة، في الواقع ليس لدينا من هو مظلومٌ أكثر من الإمام الحسين عليه السلام، كلّ من يريد أن يهرب من بيته، يأتي إلى مجلس العزاء، وكلّ من يخرج من عمله يقيم مجلس عزاء، وكلّ من لديه كذا يعلّق علماً هناك، ها .. .
لقد تراجع وضعنا جداً جداً، الآن الناس العاديين لا يفعلون كما نفعل، هؤلاء إذا أرادوا أن يجتمعوا مع بعضهم البعض، يُقيمون احتفالاً (party ) ويفعلون به كذا وكذا.. ضعوا بعدها كذا نقطة ... ، ولكن على الأقل: هم رجالٌ؛ لأنّهم لم يستغلّوا الإمام الحسين عليه السلام، فمائة رحمة عليهم، لأنّهم رجال، هم إذا أرادوا أن يجتمعوا مع بعضهم البعض، يقولون: نريد أن نعمل احتفالاً (party) بلى نريد أن نشرب "العرق"، ونريد نقوم بألف قبيح وقبيح، ولكنّهم لا يذهبون ويستغلّون الإمام الحسين عليه السلام ويتلطّون بعباءته، ويعلّقون الأعلام في منازلهم، إنّهم رجال.. بلى ماذا يقول الإنسان؟!! [يقولها سماحة السيّد بأسف شديد]:
في أيام المرحوم العلامة كان بعضهم يمارس آلاف المخالفات ثمّ يودّ إلصاقها به، ثمّ يتبيّن بعد ذلك أنّه رضوان الله عليه لم يكن على اطّلاع بما يقوم به، ونحن عندما نشعر بأننا وحيدون نستعين بإقامة مجلس عزاء للإمام الحسين.. لماذا لم تُقم المجلس ـ يا عزيزي ـ بالأمس؟ هذه هي مظلومية الإمام الحسين عليه السلام، وعندما نشاهد أموراً معينة نقيم احتفالاً.. نقيم مجلس دعاء أو ما إلى ذلك. ما هذه؟ هذه هي مظلوميّة الإمام الحسين. لكن أولئك [يعني الأولياء] لم يكونوا كذلك، لقد تعاملوا مع الأمور دون إضافات من قبلهم. وقد وصل به الأمر إلى أنّه [أي: السيّد الحداد] كان يقول حتّى لو ذهب السيد محمد حسين فليذهب، والحال أن الشخص الوحيد الذي بقي معه هو المرحوم العلامة، هذا هو وليّ الله، وهذا هو العارف.. غَنيٌّ بغِنى الله، صمدٌ بصمدية الله، هو ليس بخالٍ ولا فقر لديه ! لماذا؟ لأنّه لديه الله، وبحسب قوله رضوان الله عليه:

آن كه در خانه اش صنم دارد
                              گر نيايد برون چه غم دارد

(يقول: من كان معبوده في منزله *** فما ضره أن لا يخرج منه)


عندما تشرّفت لزيارة العتبات [13] في هذا السفر الأخير، حيث كنّا في ليلة عرفة في مجلسه، قلت: في هذا المنزل وفي المنزل الآخر للسيد الحداد كان جميع الرفقاء في بعض الأوقات يأتون من كل حدب وصوب؛ من طهران وكربلاء وأماكن أخرى ويضيق بهم المجلس فيجلسون في الشارع، وفي بعض الأوقات لم يكن يأتي إلى منزله أحد.. كان كلا الحالين واحداً بالنسبة إليه، بسمته كانت واحدة.. وكأن شيئاً لم يحدث. في ذلك الوقت كان تكليفه هكذا، وفي هذا الوقت تكليفه هو هذا. كان يقول: لا يمكن أن أتنازل عن كلامي.. ، هذا كلامي فمن شاء فليذهب ومن شاء فليبق، لكن أولئك كانوا يقولون لقد انفصلنا عنه الآن، ماذا نفعل؟ نقيم مجلس عزاء.. مجلس توسل، نتوسل ليلة الأربعاء بالإمام موسى بن جعفر، في هذه الحالة يصير موسى بن جعفر فخ لإغواء الناس هنا، لا يعود موسى بن جعفر الواقعي، ويصير الإمام الحسين عليه السلام فخاً لاصطياد الناس وإتلاف وقتهم، وعندئذٍ لا يكون الإمام الحسين الواقعي، وهنا أبين الأمور بشكل واضح.. لكن لا إشكال في ذلك، إذ لا بد في نهاية الأمر من ذكر هذه الأمور. علينا أن لا نجعل الإمام الحسين ـ لا قدر الله ـ وسيلة، علينا أن نتجنّب اللعب مع الأسد، ولا نجعل موسى بن جعفر وسيلة للوصول إلى ميولنا.. لا نضع الشيطان مكان الله تعالى.. لا نبدّل مكان معاوية والإمام الحسين. هذه هي المسألة.

    

الوليّ والمولى الحقيقي هو الذي يحرّر الإنسان من الرقّ ويجعله عبداً محضاً لله عزّ وجلّ

يوم الغدير ما هو؟ هو ما يقوله مولانا (جلال الدين الرومي):

كيست مولا؟ آنكه آزادت كند
                              ..... ..... ..... .....

(يقول: من هو المولى؟ المولى هو الذي يحررك)


المولى هو الذي يطلق سراحك من القيود ومن التعلّقات ويُحررك من كلّ شيء، فتصير في راحة من أمرك، فالمؤمن عندما يرى أنّ شخصاً قد ذهب.. يفرح لذلك.. ويقول لقد استرحت.. لقد ذكرت منذ مدّة في جلسة في "كرج" [14] بالصراحة بأنّ كلّ من يشعر بأنّه يستطيع أن يحصل على حالٍ بشكلٍ جيّد في مكان آخر ويحافظ على ذكره.. فبقاؤه هنا مخالف للشرع. نحن لا ندعي الإيمان لكن يمكننا أن نؤديه.. ما ذكره العظماء يجب على الإنسان أن يطبقه بشكل من الأشكال على نفسه...

كيست مولا؟ آنكه آزادت كند
                              ..... ..... ..... .....

(يقول: من هو المولى؟ المولى هو الذي يحررك)


بعد وفاة المرحوم العلامة رضوان الله عليه قيل لي: كف عن طرح هذه المطالب حتى نقبل بك.. فقلت لهم لو قطعتموني قطعاً لا أتنازل عن كلمة واحدة، لماذا؟ فإذا كانت المسألة حق فلماذا يتراجع الإنسان؟ وإذا اتضحت لي هذه المسألة، أتراجع، وإذا علمت تلك القضية.. أتراجع، إذا وصلت إلى يقين في أمر.. نعم. والآن أقول هذا الكلام، لماذا أتراجع؟ وهل تعلمنا من المرحوم العلامة غير هذا؟! تعلمنا من المرحوم العلامة ما قاله مولانا:

كيست مولا؟ آنكه آزادت كند
                              ..... ..... ..... .....

(يقول: من هو المولى؟ المولى هو الذي يحررك)


كثيراً ما كان يقول لنا في حياته: لا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم سائر الأمور، كم كان يقول لي: لا تجعل الناس يحرفونك عن المسير. والله إني أستعرض كلامه في هذا الأمر.. حيث كنا سوياً قرب المدفأة فقال: سيد محسن! احذر طوال حياتك أن لا يأتي أشخاص ويلتفّوا حولك ويبعدوك عن مسيرك، فيأخذوا بك إلى باب جهنم ويقذفوا بك فيها، ثم يبدءوا بالتصفيق. والله شاهد عليّ أن صدى كلامه يتردد في سمعي الآن، وهذا الذي أنقله لكم أقوله لهؤلاء الإخوة الذين يريدون التعمُّم اليوم، وأنقل مطالب العظماء للإخوة الروحانيين والأعزاء العلماء، الذين يريدون أن يسيروا في مسير العظماء بعيداً عن الأجواء والإشاعات وبعيداً عن الكذب وسائر المسائل.. أنقل لهم هذه الأمور. لقد سمعتم وشاهدتم أولئك الذين كانوا يدّعون اتباع ذلك الرجل العظيم.. بأي أمور وقعوا في هذه الأيام. لقد شاهدتم لمن سوّقوا، وما الذي جرى بعد ذلك.. هل فهمتم الآن؟ وهذا ما صدر من الأشخاص الذين كانوا يشاركون في مجالس المرحوم العلامة، هل فهمتم الآن أن المشاركة في هذه المجالس لا تكفي، وأن الاستماع لمحاضرات المرحوم العلامة لا تكفي وحدها، وأن إحياء الليالي مع المرحوم العلامة من الليل إلى الصباح بالتهجد والصلاة لا يكفي. لقد كان بعض الناس كذلك، لكن أين ذهبوا؟ ومن اتبعوا؟ وما الذي حصل لهم؟ لا أوضح الأمر أكثر من هذا؛ فالأمر صار واضحاً للجميع، إذ قد أسفر الصبح واتضحت المسائل للجميع.. لكن في ذلك الوقت عندما أتى أحد الإخوة وسألني من أنتخب؟ فقلت له استحضر القرآن المجيد من ذهنك وآياته، فما لم يحصل لك اليقين بصدق واعتبار ووثاقة شخص فلا تنتخبه.. فقال إذاً لا يوجد أحد، قلت له إذا لم يكن أحد فلا.. وبعد ذلك قال لي: رحم الله أباك لقد أنقذتنا من المشاكل، وإلا لو تركنا وشأننا لفعلنا هذا وذاك.
قال المرحوم العلامة جملة واحدة، وهي إذا كان لديك يقين فاعمل، وإن لم يكن لديك يقين فقف، وهذا ما جعلنا ننجو. لكن أحياناً نتجاهل الحقائق ونضع رأسنا تحت التراب.. لا فائدة في ذلك، وهذا الأمر لا يغير الواقع.
هذه هي الحرية، وهذه هي التحرّر من جميع التعلقات، وهكذا يكون الإنسان عبداً لله فقط، هنيئاً له.. النبي أتى وقال للناس اليوم جئتكم بمن يمكن تحريركم.. ويفك قيودكم والأغلال، ويخرجكم من كل ما يعيق طريقكم ومسيركم وتقدمكم.. يخرجكم من الشكوى فيما يحصل لكم.. آه لقد أخذوا مني أموالي.. إذا أخذوا منك فلسين يعوضك الله خمسة مكانها فلا تحزن. إذا مرض الإنسان يبدأ بالشكوى.. كلا يا عزيزي سوف تبرأ من هذا المرض.. يخرج الإنسان من جميع هذه الأمور، إذ يجب أن يتحرر الإنسان عن هذه الأمور..

بند رقيّت ز پايت بگسلد
                              ..... ..... ..... .....


ومعناه [15]: أنّ المولى هو الذي يفك قيد الرقية من رجليك، ويجعلك رقاً له تعالى وعبداً له فقط.

زين سبب پيغمبر با اجتهاد
                              نام خود را با علي مولا نهاد

(يقول: لهذا السبب بذل النبيّ غاية جهده، فوضع (المولى) اسماً له و لعليّ)

ومع ذلك يأتي بعض الناس ويقول: مراد [المُلا الرومي] من المولى الصديق! هل المراد به الصديق؟ لقد ذكرت لكم سابقاً بأنه لو وجدنا صديقاً كهذا.. فلو فرضانا أن أمير المؤمنين لم يكن إماماً وقبلنا ـ لا قدر الله ـ بأن مراده من المولى هو الصديق لا الإمام ولا هو الخليفة لرسول الله.. مثلاً قال النبي: إن علياً هذا هو صديق لكم، ولكن هذا الصديق يشتمل على هذه الخصوصيات؛ يخرجكم من القيود والرقية ويربطكم بالله فقط.. فهذا الصديق يصير إماماً.. يصير أمير المؤمنين، فهذا الصديق الذي ينجي الإنسان بهذا الشكل، ليس صديقاً كصداقة ابن العمة وابن الخالة. فلو فرضنا أن "مولانا" [16] لا يعتبر علياً إماماً.. فهذا الصديق الذي يعرفه لنا هو كذلك.. لماذا نغمض العين عن هذه الأمور. أيها السيّئ الحظ لقد جاء "مولانا" ليزيد من فهمك ويفتح عقلك، ويقول لك افتح عينيك، ولا تنظر إلى بيتين من الشعر فقط.. بل انظر إلى سائر الديوان.. قال ذلك ليفتح فهمك وعقلك، ويقول هذا علي الذي تندبه دائماً لا تعد تندبه، بل اذهب واعرف من هو علي.. علي هو الذي يكسر القيد عنك، فاتبع من يكسر قيدك ويحررك.. لا أن تأتي في آخر عمرك إلى العلامة وتقول له: سيدنا لديكم اطلاع على الأمور.. فكم سنة بقي من عمري؟ أيها المسكين سيئ الحظ! بعد سبعين سنة تأتي وتسأله: أنت تعلم علم الجفر وعلم الرمل.. فكم سنة بقي من عمري؟! مهما بقي من عمرك.. عليك أن تقوم بصلاتك، وتؤدي صومك وفرائضك.. "مولانا" يريد أن يخرجك من هذا الوضع.. فأجابه: من أين لي علم الجفر والرمل.. ؟!

زين سبب پيغمبر با اجتهاد
                              نام خود را با علي مولا نهاد
(يقول: لهذا السبب بذل النبيّ غاية جهده، فوضع (المولى) اسماً له و لعليّ)


من هو مولانا الآن؟ إمام الزمان.. هو فقط مولانا، فالمولى في العالم واحد، وهو غائب عن أنظارنا وحاضر في كل مكان.. مولى واحد لا أكثر.. وهو إمام الزمان.. إنشاء الله اليوم أفضل الدعاء اليوم هو أن ندعو بهذا الدعاء: وهو أن يرزقنا الفرج الواقعي للإمام.. وهو الوصول إلى ولايته، وأن يقدر للجميع الفرج الظاهري للإمام في هذا اليوم.
واقعاً الأمور تتجه نحو الخراب والفساد، إذ نرى أن الكفّار وأعداء الدين والإسلام يسعون من كل جهة في سبيل القضاء على الشريعة والولاية والحقيقة، وهذا من الأمور المشخصة، إذ من الواضح أن هذه المسائل التي تجري الآن ليست مسائل عادية، إذ قد فهم الكفار شيئاً ما بأن هناك خبراً ما، وشعروا بأن هناك أمورا لا بد أن تحدث.. لكنهم أغبياء يعتقدون بأنهم يمكنهم أن يقفوا في وجه الظهور، ويظنون بأنهم يستطيعون بهذه الأمور أن يمنعوا من مجيء الإمام عبر استيلائهم على المنطقة وأمثالها.. ولكن {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[17] ، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[18] ، وعلينا أن نلتفت جيداً.. وبحمد الله لقد شملنا الله تعالى بنعمة ولاية الإمام عليه السلام، وسيشملنا بأكثر من ذلك أيضاً. وعلينا أن نطلب من الله في جميع هذه التغيرات التي تحصل أن لا يجعلنا نتعدّى ممشى الإمام عليه السلام، أن لا يلتفت ذهننا إلى الكثرات والجزئيات وأمثال هذه الأمور...

    

الاتصال بالولاية يكسب الإنسان تأييد المولى وتسديده

عندما أتى رفيقنا وقال لا يوجد أحد للتحدث على المنبر، فقلت ماذا أقول وبماذا أتحدث للإخوة.. لكن الكلام انساب بحمد الله.. ثم تذكرت بأنه جرى في إحدى ليالي عيد الغدير، قبل الثورة، أن صعد المرحوم العلامة المنبر في مسجد القائم، وقرأ شعراً وكان الحضور يرددون خلفه:

سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين
[19]

ولا بد أن نذكر في المقام بأن حسان بن ثابت قام يوم الغدير، مع العلم أنّ حاله تغيرت بعد ذلك.. إذ كان في يوم الغدير، وكان ما يزال آنذاك يمتلك بعض النفحات، لم يكن جميع قلبه قد أغلق بعد، وكان يمتلك قريحة شعرية رائعة، وكان من جملة شعراء النبي، فأتى وقال للنبي أريد أن أقول شعراً بهذه المناسبة، فقال له النبي أمراً مهماً، وهذا الأمر يكفينا في هذا اليوم: "يا حسّان لا تَزَالُ مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ ما نَصَرتَنا بلسَانِك".
ولم يحصل حسان بعد وفاة النبي على "درجة جيدة" في الامتحان، بل انخرط مع من انخرط في سائر الأمور، وكان إيمانه ضعيفاً، نعم لم يكن معانداً، لكن إيمانه كان ضعيفاً.. فعندما تقرأ شعر حسان ترى أنه كان شاعراً عجيباً، وهذه القصائد الجيدة والجميلة متى كانت؟ كانت عندما كان مؤيداً بروح الأمين، يعني لم تكن له، لكن عندما تخلى عن الولاية.. وتخلى عن النبي بعد وفاته ترى أن شعره لم يكن على تلك الوتيرة؛ لأن روح الأمين لم يعد يمده. الروح الأمين لا يكون في مكان يكون فيه أبو بكر.. لم يكن الروح الأمين في محفل عبد الرحمن بن عوف والمغيرة بن شعبة وأمثالهم، بل الروح الأمين في منزل فاطمة، في منزل أمير المؤمنين، ولا يذهب إلى أي مكان آخر، فإذا ذهبت إلى ذاك المنزل فأنت مؤيد، وإن لم تذهب فلن يكون هناك روح الأمين. وهذه الأبيات التي سنتلوها من هذا القبيل، إذ إنّ قائلها كان في ذلك الوقت من تلامذة المرحوم الأنصاري، وكان من رفقاء العلامة وأصدقائه، لكنّه بعد ذلك ابتلي بأمور أخرى. وهذه الأبيات قيلت في ذلك الوقت، والمرحوم العلامة قرأها في ليلة الغدير، وقرأ باقي القصيدة في يوم الغدير، إذ أذكر بأنه صعد المنبر ليلة الغدير ويومه في المنزل، وسوف نقرأ القصيدة والإخوة يرددون الأبيات الثلاثة التي ذكرتها لهم:

[السيّد يقرأ والحضور يردد اللازمة]

1 سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين

2 سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

عالمي در جست و جويت يا أمير المؤمنين
                              جان فداي خلق وخويت يا أمير المؤمنين
هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين)

3 اي بگرد خرمن جودت سليمان همچو مور
                              اي دم جان آفرينت روح بخش نفخ صور

حاكي از نور جمالت آيه و"الله نور
                              پر توي از مهر رويت آتش وادي طور

داشت موسى آرزويت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين)

4ـ گمرهان خلق را خضر سبيلي يا علي
                              أمت مرحوم را در ره دليلي يا علي

أوستاد و راهنماي جبرئيلي يا علي
                              چون يكتا مظهر رب جليلي يا علي

قبله گاهم خاك كويت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين)

5ـ گر بكثرت بينمت هستي جهان را بيشوار
                              ور بوحدت خانمت بر أنبيائي رهنما

از زبان مصطفى گر ديده مدّاحت خدا
                              چون بدرگاه ربوبيت بري دست دعا

حق بود لبيك گويت يا أمير المؤمنين

(سورهء                              والشمس رويت يا أمير المؤمنين
آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين

6 ـ وارث علم نبي و سر ما أوحى توئي
                              خسرو ملك جهان و تخت أو أدنى توئي

حكمران عالم هستي و ما فيها توئي
                              من چه گويم تاكدار علّم الأسماء توئي

عرش فرش خاك كويت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين

7ـ حاشا لله يا علي گر گويمت عيسى دمي
                              گر بخواهي صد مسيحا زنده سازي هر دمي


يعني: هل يقاس نَفخُ عيسى بمقامك يا علي؟! وهذه ليست من الأمور التي يمكن للإنسان أن يبينها سريعاً، فهذه الأمور الواقعية سمعناها أيضاً من لسان العظماء... وقد شاهدت بعيني بعض الرفقاء أحياً ميتاً

نعمت خلد برين از أبر جودت شبنمي
                              يا علي در هر دمي هستي تو در هر عالمي

حق ز هر سو روبرويت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين)

8 معترف بر عجز وصفت خلقت هفت آسمان
                              اي منزهتر ز وصف و مدحت كروبيان

لال گشته در مديح تو زبان انس و جان
                              الله الله در تن أحمد توئي روح روان

أنبيا مجذوب خويت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين)

9ـ اي كه در دستت زمام خلقت أرض و سما
                              بر سرت تاج تبارك در دلت جاي خداست

كس نپندار كه روح أحمد از حيدر جداست
                              مرتضى چون مصطفى ومصطفى چون مرتضى است

اي دل عالم به سويت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين

هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين)

10ـ شد ز فيض خِلقت تو بحر رحمت منشعب
                              اي خدا را منتخَب هستي خدا را منتخِب

يازده بدر تمام ز نهر رويت مكتسِب
                              اي وجودت بحر رحمت اي محيط متحب

قطر اي كوثر ز جودت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين
هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين)


القصيدة طويلة، لكن نختم بهذا البيت، وهذه الأبيات أبيات عجيبة.. فعندما تأتي للإنسان نفحة الولاية تصدر من الإنسان هذه المطالب

11ـ گر نبودي من امز در بار رب العالمين
                              فاش گفتم پيشه تو إياك نعبد نستعين
غير حب و بغض تو بالله نباشد كفر و دين
                              اي ز جام عشق سر مست خيل عارفين
مستي چرخ از بويت يا أمير المؤمنين

(سورهء والشمس رويت يا أمير المؤمنين
                              آيهء والليل مويت يا أمير المؤمنين
هست هر جا گفت وگويت يا أمير المؤمنين)


[ترجمة الأبيات:]

1 سورة "والشمس" وجهك يا أمير المؤمنين، آية "والليل" شعرك يا أمير المؤمنين
في كل مكان كلام عنك يا أمير المؤمنين
2 سورة "والشمس" وجهك يا أمير المؤمنين، آية "والليل" شعرك يا أمير المؤمنين
جميع العالم يبحث عنك يا أمير المؤمنين، أفدي خُلقك وصفاتك بروحي يا أمير المؤمنين
3 يا من حار في غبار جودك سليمان حتى غدا كالنمل، يا من نفخ خلقك تبعث الروح يوم النفخ في الصور
آية "الله نور" حاكية عن نور جمالك، نار وادي طور مشتعل من عطفك وحنانك
كان موسى وجهتك يا أمير المؤمنين
4 أنت الخضر تبين السبيل للتائهين من الخلق يا علي، وأنت الدليل لهذه الأمة المرحومة يا علي
أنت أستاذ وملهم جبرئيل يا علي، وبما أنك الوحيد لمظهر الله الجليل يا علي
فتراب بابك قبلتي يا أمير المؤمنين
5 إذا نظرت إليك في عالم الكثرة فأنت الأساس، وإن نظرت إليك في عالم الوحدة فأنت ملهم الأنبياء
إذا كان المصطفى قد شاهد الله يمدحك، وعندما يرفع يديه لله بالدعاء
فمن الحق أن أقول لبيك يا أمير المؤمنين
6 أنت وارث علم النبي وأنت السر الذي أوحي إليه، أنت ملك العالم وعرشك "أو أدنى"
أنت حاكم عالم الوجود وما فيه، هل أقول بأنك من "علم الأسماء"؟
العرش هو تراب منزلك يا أمير المؤمنين
7 حاشا لله أن أقول بأنك تنفخ الروح كعيسى، فإذا أردت أمكنك أن تحيي مائة عيسى في نفخة واحدة
نعمة الخلد هي ندى من غمام فيضك، أنت يا علي موجود في كل نفس وفي كل عالم
الحق يتجه نحوك من كل جهة يا أمير المؤمنين
8 السماوات السبع تعترف بالعجز عن وصف خُلقك، يا أيها المنزّه عن وصف ومدح الملائكة المقربين
كلّت ألسن الإنس والجن عن مدحك، روحك في جسم أحمد
لقد جذبت الأنبياء بأخلاقك يا أمير المؤمنين
9 يا من بيده زمام خلق الأرض والسماء، على رأسك تاج "تبارك" وفي قلبك مكان الله
لم يعتقد أحد أن روح أحمد مختلفة عن حيدر، فالمرتضى كالمصطفى والمصطفى كالمرتضى
يا من قلب العالم يتجه نحوك يا أمير المؤمنين
10 لقد انشعب بحر الرحمة من فيض خلقك، يا من اختاره الله واختار هو الله
تجلى منك أحد عشر بدراً تاماً، يا من وجوده بحر رحمة ومحيط فيض
قطرة الكوثر من جودك يا أمير المؤمنين
11 لو لم تكن عبداً لرب العالمين، لأفشيت قولي فيك إياك نعبد ونستعين
والله لا يوجد دين وكفر بغير حبك وبغضك، يا من سكر من كأسه جميع العارفين
سكر العالم كله من رائحتك العطرة يا أمير المؤمنين.


الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ولده عليهم السلام.
نسألك باسمك اللهم وندعوك ونقسم عليك ونرجوك بمحمد وآله يا الله يا الله يا الله... اللهم اجعل عيديتنا في هذا اليوم معرفة إمامنا معرفة واقعيّة.. أحينا على هذه المعرفة وأمتنا عليها.. آتنا صحيفة أعمالنا في يوم القيامة مملوءة بحب محمد وآل محمد.. اجعل يد ولاية أمير المؤمنين والأئمة فوقنا وهي الملجأ لنا.. اجعلنا من المنتظرين الواقعيين لظهور ولده.. لا تحرمنا في الدنيا من زيارتهم وفي الآخرة من شفاعتهم.. اجعل ذوي الحقوق وأساتذتنا وأمواتنا وشيعة أمير المؤمنين جميعهم من المدعوين لمائدة أمير المؤمنين عليه السلام.. واجعل ولاية الإمام نصب أعيننا في جميع حالاتنا وحركاتنا وسكناتنا.. اغفر لنا ذنوبنا.. شاف مرضى المسلمين.. ارحم أمواتهم.. ارفع البلاء والسوء عن بلاد المسلمين وشيعة أمير المؤمنين..
تعجيلاً لظهور الإمام عليه السلام صلوا على محمد وآله ثلاثاً
اللهم صل على محمد وآل محمد


[1] ـ أي من المحاضر الذي كان يفترض مجيئه. (م)

[2] ـ سورة المائدة، قسم من الآية: 3.

[3] ـ إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ}، النساء: جزء من الآية: 171.

[4] ـ سورة التوبة، قسم من الآية: 40.

[5] ـ راجع معرفة الإمام ، ج7، ص 15 .

[6] ـ راجع كتاب معرفة الإمام، ج7، ص 46.

[7] ـ المراد هو سماحة آية الله العظمى العلامة الحاج السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه.

[8] ـ المراد به ترديد المدائح في مجالس أعياد أهل البيت عليهم السلام، كقول: يا علي ... يا علي .. يا علي ... . (م)

[9] ـ نسبة إلى "الهيئة" ، و هي مصطلح فارسي: يعني عبارة عن مجموعة من الأفراد العادييّن الذين ينظّمون بعض المجالس والفعاليّات المرتبطة بموالد الأئمّة ووفيّاتهم، وهي كثيراً تتميّز بعدم التنظيم والعفويّة في العمل وشدّة الحماس والصخب في المراسم، ولكن في بعض الأحيان قد يساء إلى مجالس أهل البيت بسبب هذه العفويّة. (م)

[10] ـ إشارة إلى بعض الطلاب الذين حضروا ليتتوجوا بتاج الملائكة، فيضعوا العمامة تأسيّا بوضعها من قبل النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم الغدير لأمير المؤمنين عليه السلام. (م)

[11] ـ صدر الآية 67 من سورة المائدة

[12] ـ وهو الشيخ محمد جواد الأنصاري الهمداني قدّس سرّه، وهو أستاذ العلامة الطهراني قدس سره، وكان يسكن مدينة همدان. (م)

[13] ـ المراد بها العتبات المقدّسة لسيّد الشهداء عليه السلام في كربلاء. (م)

[14] ـ اسم لمدينة في إيران تقع إلى الغرب من مدينة طهران تبعد حوالي 50 كلم. (م)

[15] ـ المعنى من سماحة السيّد حفظه الله، وليس من المترجم. (م)

[16] ـ وهو مولنا الملّا جلال الدين الرومي، صاحب هذه الأشعار الرائعة في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وصاحب ديوان "مثنوي" المشهور. (م)

[17] ـ سورة الفتح، قسم من الآية: 10.

[18] ـ سورة يوسف، قسم من الآية: 76.

[19] ـ ستأتي ترجمة هذه الأبيات بعد قليل حين يذكرها سماحة السيد ضمن القصيدة. (م)

[20] ـ

      
  
الفهرس
  محتويات المحاضرة
  فهم أولياء الله ليوم الغدير يختلف عن فهم الناس له
  هدف الأولياء في إقامة عيد الغدير هو الوصول إلى كنه الولاية
  المهم هو أن يكون الإنسان على الحقّ فعلاً، ولا يكفي اعتقاد الناس بأنّه على حقّ
  أثر معرفة الإمام على أفكار الإنسان وسلوكيّاته
  من يعرف الإمام حقّ معرفته لا يتساهل في إطلاق الألقاب والتعابير والألفاظ
  ضرورة صرف الإنسان عمره في الوصول إلى الولاية الواقعيّة وإلاّ هلك في المواقف الحاسمة
  أصحاب النبيّ بعد ارتحاله نموذجاً
  يوم الغدير من منظار أمير المؤمنين عليه السلام
  "ذكر عليٍّ عبادة" حينما نطبّق سيرته على تفاصيل أفكارنا وسلوكنا
  بعض النماذج التي ينبغي تطبيقها في حياتنا تأسيّا بالإمام عليه السلام
  النموذج الأوّل: كيفيّة تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع أعدائه
  النموذج الثاني: متابعة الحقّ مهما كلّف الثمن
  النموذج الثالث: كيفية إحياء مجالس أبي عبد الله عليه السلام
  بعض الحقائق والأسرار المتعلّقة بتنصيب الأمير عليه السلام في مقام الولاية
  النموذج الرابع: التـأثّر بكلام الناس وبالشائعات وبالكثرة والكمّ
  الوليّ والمولى الحقيقي هو الذي يحرّر الإنسان من الرقّ ويجعله عبداً محضاً لله عزّ وجلّ
  الاتصال بالولاية يكسب الإنسان تأييد المولى وتسديده

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی